الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سُورَة صَغِيرَة من الْقُرْآن لَا يفقهُونَ، بل بِالْقُرْآنِ يشحذون، وبالتغني بِهِ يتأكلون. فَكَانَ من الصعب والعسير جدا أَنهم يرتقون، أَو فِي الْخيرَات يتسابقون، أَو للركب الأوربي يدركون، أَو يجارون، وَمَا كَانَ هَذَا إِلَّا لِأَن قادتنا غافلون، وأئمتنا لأمر الدّين وَالدُّنْيَا وَالسّنَن الكونية يجهلون، فَلم يعودوا للقيادة وَلَا للسيادة يصلحون، وَلَا بشعوبهم ينهضون، بل هم رزء الْأمة ومصيبتها، وأكبر غمَّة على هَذِه الْأمة.
الْبَاب الثَّامِن عشر فِي وجوب قصر صَلَاة الْمُسَافِر فِي ميل وَاحِد
روى البُخَارِيّ وَمُسلم عَن ابْن عمر قَالَ " صَحِبت النَّبِي ( [صلى الله عليه وسلم] ) وَكَانَ لَا يزِيد فِي السّفر على رَكْعَتَيْنِ وَأَبا بكر وَعمر وَعُثْمَان كَذَلِك "، وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت:" أول مَا فرضت الصَّلَاة رَكْعَتَيْنِ فأقرت صَلَاة السّفر، وأتمت صَلَاة الْحصْر " مُتَّفق عَلَيْهِ، زَاد البُخَارِيّ " ثمَّ هَاجر - أَي النَّبِي ( [صلى الله عليه وسلم] ) فَفرضت أَرْبعا وأقرت صَلَاة السّفر على الأول " زَاد أَحْمد " إِلَّا الْمغرب فَإِنَّهَا وتر النَّهَار، وَإِلَّا الصُّبْح فَإِنَّهَا تطول فِيهَا الْقِرَاءَة " وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الصَّغِير من حَدِيث ابْن عمر مَوْقُوفا: " صَلَاة السّفر رَكْعَتَانِ نزلتا من السَّمَاء فَإِن شِئْتُم فردوهما "، وَرِجَاله موثقون وَأخرج الطَّبَرَانِيّ أَيْضا فِي الْكَبِير عَنهُ بِرِجَال الصَّحِيح:" صَلَاة السّفر رَكْعَتَانِ من خَالف السّنة كفر " أه. من نيل الأوطار وسبل السَّلَام، قَالَ ابْن الْقيم فِي الْهدى وَغَيره لم يثبت عَنهُ ( [صلى الله عليه وسلم] ) أَنه أتم الرّبَاعِيّة فِي السّفر الْبَتَّةَ أه.
أما رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة أَنَّهَا اعْتَمَرت مَعَه ( [صلى الله عليه وسلم] ) من الْمَدِينَة إِلَى مَكَّة حَتَّى إِذا قدمت مَكَّة قَالَت يَا رَسُول الله بِأبي أَنْت وَأمي أتممت وَقصرت وَأَفْطَرت وَصمت فَقَالَ: " أَحْسَنت يَا عَائِشَة " وَمَا عَابَ عَليّ فقد قَالَ فِي الْهدى قَالَ
شَيخنَا ابْن تَيْمِية: وَهَذَا بَاطِل، مَا كَانَت أم الْمُؤمنِينَ لتخالف رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] وَجَمِيع أَصْحَابه فَتُصَلِّي خلاف صلَاتهم، وَكَذَا حَدِيث " كَانَ [صلى الله عليه وسلم] يقصر فِي السّفر وَيتم، وَيفْطر ويصوم، وَقد كذبه شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية، كَمَا فِي شرح الْمُنْتَقى وسبل السَّلَام نقلا عَن الْهدى، وَكَذَا حَدِيث " لَا تقصرُوا الصَّلَاة فِي أقل من أَرْبَعَة برد من مَكَّة إِلَى عسفان " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَاد ضَعِيف من رِوَايَة عبد الْوَهَّاب بن مُجَاهِد وَهُوَ مَتْرُوك نسبه الثَّوْريّ إِلَى الْكَذِب، وَقَالَ الْأَزْدِيّ: لَا تحل الرِّوَايَة عَنهُ وَهُوَ مُنْقَطع أَيْضا؛ لِأَنَّهُ لم يسمع من أَبِيه. قَالَ فِي نيل الأوطار وَقد لَاحَ من مَجْمُوع مَا ذكرنَا رُجْحَان الْقبُول بِالْوُجُوب، وَأما دَعْوَى أَن التَّمام أفضل فمدفوعة بملازمته [صلى الله عليه وسلم] للقصر فِي جَمِيع أَسْفَاره وَعدم صُدُور التَّمام عَنهُ كَمَا تقدم. وَيبعد أَن يلازم [صلى الله عليه وسلم] طول عمره على الْمَفْضُول ويدع الْأَفْضَل أه.
وَأما مَسَافَة الْقصر فَأحْسن مَا اطْمَأَن إِلَيْهِ قلبِي هُوَ مَا ذكر الإِمَام ابْن حزم فِي كِتَابه الْمحلى، قَالَ رحمه الله بَعْدَمَا ذكر أقوالا كَثِيرَة جدا عَن الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّة وَالْفُقَهَاء، قَالَ الله عز وجل. {وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْض فَلَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تقصرُوا من الصَّلَاة إِن خِفْتُمْ أَن يَفْتِنكُم الَّذين كفرُوا} وَقَالَ عمر وَعَائِشَة وَابْن عَبَّاس. " إِن الله فرض الصَّلَاة على لِسَان نبيه [صلى الله عليه وسلم] فِي السّفر رَكْعَتَيْنِ، وَلم يخص الله تَعَالَى وَلَا رَسُوله [صلى الله عليه وسلم] وَلَا الْمُسلمُونَ بأجمعهم سفرا من سفر، فَلَيْسَ لأحد أَن يَخُصُّهُ إِلَّا بِنَصّ أَو إِجْمَاع مُتَيَقن، فَإِن قيل. بل لَا يقصر وَلَا يفْطر إِلَّا فِي سفر أجمع الْمُسلمُونَ على الْقصر فِيهِ وَالْفطر. قُلْنَا لَهُم، فَلَا تقصرُوا وَلَا تفطروا إِلَّا فِي حج أَو عمْرَة أَو جِهَاد، وَلَيْسَ هَذَا قَوْلكُم، وَلَو قلتموه لكنتم قد خصصتم الْقُرْآن وَالسّنة بِلَا برهَان؛ وللزمكم فِي سَائِر الشَّرَائِع كلهَا أَن لَا تَأْخُذُوا فِي شَيْء مِنْهَا لَا بقرآن وَلَا بِسنة،
إِلَّا حَتَّى يجمع النَّاس على مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ مِنْهَا، وَفِي هَذَا هدم مذاهبكم كلهَا، بل فِيهِ الْخُرُوج عَن الْإِسْلَام، وَإِبَاحَة مُخَالفَة الله تَعَالَى وَرَسُوله [صلى الله عليه وسلم] فِي الدّين كُله، إِلَّا حَتَّى يجمع النَّاس على شَيْء من ذَلِك، وَهَذَا نَفسه خُرُوج عَن الْإِجْمَاع، وَإِنَّمَا الْحق فِي وجوب اتِّبَاع الْقُرْآن وَالسّنَن حَتَّى يَصح نَص أَو إِجْمَاع فِي شَيْء مِنْهَا أَنه مَخْصُوص أَو مَنْسُوخ فَيُوقف عِنْدَمَا صَحَّ من ذَلِك، فَإِنَّمَا بعث الله تَعَالَى نبيه [صلى الله عليه وسلم] ليطاع، قَالَ تَعَالَى. {وَمَا أرسلنَا من رَسُول إِلَّا ليطاع بِإِذن الله} وَلم يَبْعَثهُ ليعصى حَتَّى يجمع النَّاس على طَاعَته قَالَ. السّفر هُوَ البروز عَن محلّة الْإِقَامَة، وَكَذَلِكَ الضَّرْب فِي الأَرْض، هَذَا الَّذِي لَا يَقُول أحد من أهل اللُّغَة الَّتِي بهَا خوطبنا وَبهَا نزل الْقُرْآن سَوَاء.
فَلَا يجوز أَن يخرج عَن هَذَا الحكم إِلَّا مَا صَحَّ النَّص بِإِخْرَاجِهِ، ثمَّ وجدنَا رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] قد خرج إِلَى البقيع لدفن الْمَوْتَى، وَخرج إِلَى الفضاء للغائط وَالنَّاس مَعَه فَلم يقصروا وَلَا أفطروا، وَلَا أفطر وَلَا قصر، فَخرج هَذَا عَن أَن يُسمى سفرا، وَعَن أَن يكون لَهُ حكم السّفر، فَلم يجز لنا أَن نوقع اسْم سفر وَحكم سفر إِلَّا على مَا سَمَّاهُ من هُوَ حجَّة فِي اللُّغَة سفرا، فَلم نجد ذَلِك فِي أقل من (ميل) ، فقد روينَا عَن ابْن عمر أَنه قَالَ. " لَو خرجت ميلًا لقصرت الصَّلَاة " فأوقعنا اسْم السّفر وَحكم السّفر فِي الْفطر وَالْقصر على الْميل فَصَاعِدا، إِذْ لم نجد عَرَبيا وَلَا شريعياً عَالما أوقع على أقل مِنْهُ اسْم سفر، وَهَذَا برهَان صَحِيح، فَإِن قيل فَهَلا جعلتم الثَّلَاثَة أَمْيَال - كَمَا بَين الْمَدِينَة وَذي الحليفة - حدا للقصر وَالْفطر إِذْ لم تَجدوا عَن رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] أَنه قصر وَلَا أفطر فِي أقل من ذَلِك؟ قُلْنَا. وَلَا وجدنَا عَنهُ عليه السلام منعا من الْفطر وَالْقصر فِي أقل من ذَلِك، بل وَجَدْنَاهُ عليه السلام أوجب عَن ربه تَعَالَى الْفطر فِي السّفر مُطلقًا، وَجعل الصَّلَاة رَكْعَتَيْنِ مُطلقًا، فصح مَا قُلْنَا. وَللَّه تَعَالَى الْحَمد. والميل. هُوَ مَا سمي عِنْد الْعَرَب ميلًا، وَلَا يَقع ذَلِك فِي أقل من ألفي ذِرَاع أه.