الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكره فِي الْجَامِع عَن ابْن عَسَاكِر وَعلم لحسنه. وَقَوله تَعَالَى: {سَيذكرُ من يخْشَى ويتجنبها الأشقى الَّذِي يصلى النَّار الْكُبْرَى ثمَّ لَا يَمُوت فِيهَا وَلَا يحيى}
وعَلى هَذَا يدل كَلَام الإِمَام النَّيْسَابُورِي فِي تَفْسِيره. وَعَن عبد الله بن الْمُبَارك: أَن هَذِه الْآيَة آكِد آيَة فِي وجوب الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر، لِأَن معنى " عَلَيْكُم أَنفسكُم " احفظوها والزموا صَلَاحهَا بِأَن يعظ بَعْضكُم بَعْضًا ويرغبه فِي الْخيرَات، وينفره عَن القبائح والسيئات، لَا يضركم ضلال من ضل إِذا اهْتَدَيْتُمْ فأمرتم بِالْمَعْرُوفِ ونهيتم عَن الْمُنكر، فَإِنَّكُم خَرجْتُمْ عَن عُهْدَة التَّكْلِيف كَمَا قَالَ الله تَعَالَى لرَسُوله [صلى الله عليه وسلم] :" فقاتل فِي سَبِيل الله لَا تكلّف إِلَّا نَفسك ".
وَقَالَ الإِمَام الشَّوْكَانِيّ: وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَامر الْأَشْعَرِيّ أَنه كَانَ فيهم أعمى فاحتبس على رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] ثمَّ أَتَاهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] قَرَأت هَذِه الْآيَة: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا عَلَيْكُم أَنفسكُم لَا يضركم من ضل إِذا اهْتَدَيْتُمْ} ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] : " أَيْن ذهبتم إِنَّمَا هِيَ لَا يضركم من ضل من الْكفَّار إِذا اهْتَدَيْتُمْ " أه.
فصل
وَقَالَ الله تَعَالَى: {ولتكن مِنْكُم أمة يدعونَ إِلَى الْخَيْر ويأمرون بِالْمَعْرُوفِ وَينْهَوْنَ عَن الْمُنكر وَأُولَئِكَ هم المفلحون وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِين تفَرقُوا وَاخْتلفُوا من بعد مَا جَاءَهُم الْبَينَات وَأُولَئِكَ لَهُم عَذَاب عَظِيم} فَمن الْأمة الَّتِي تَدْعُو النَّاس إِلَى الْخَيْر سواكم يَا علماءنا؟ وَمن الْأمة الَّتِي يُمكنهَا أَن تقوم بِوَاجِب الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر غَيْركُمْ؟
قَالَ الْحَافِظ ابْن كثير: وَالْمَقْصُود من هَذِه الْآيَة أَن تكون فرقة من هَذِه الْأمة متصدية لهَذَا الشَّأْن، وَإِن كَانَ ذَلِك وَاجِبا على كل فَرد من الْأمة بِحَسبِهِ كَمَا ثَبت فِي صَحِيح مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] " من رأى
مِنْكُم مُنْكرا فليغيره بِيَدِهِ، فَإِن لم يسْتَطع فبلسانه، فَإِن لم يسْتَطع فبقلبه وَذَلِكَ أَضْعَف الْإِيمَان - فِي رِوَايَة - وَلَيْسَ وَرَاء ذَلِك من الْإِيمَان حَبَّة خَرْدَل " أهـ.
وَقَالَ الإِمَام الْبَغَوِيّ: " ولتكن مِنْكُم أمة، ولتكونوا أمة وَمن صلَة لَيست للتَّبْعِيض كَقَوْلِه تَعَالَى: {فَاجْتَنبُوا الرجس من الْأَوْثَان " وَلم يرد اجْتِنَاب بعض الْأَوْثَان، بل أَرَادَ فَاجْتَنبُوا الْأَوْثَان وَاللَّام فِي قَوْله تَعَالَى:" ولتكن " لَام الْأَمر أه. وَالصَّوَاب مَا ذكره ابْن كثير وَهُوَ مُوَافق لما ذكره النَّيْسَابُورِي فِي تَفْسِيره، وَهُوَ: وَاخْتلفُوا فِي أَن كلمة من قَوْله تَعَالَى " ولتكن مِنْكُم " للتبيين أَو للتَّبْعِيض، فَذهب طَائِفَة إِلَى أَنَّهَا للتبيين، لِأَنَّهُ مَا من مُكَلّف إِلَّا وَيجب عَلَيْهِ الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر إِمَّا بِيَدِهِ، أَو بِلِسَانِهِ، أَو بِقَلْبِه. وَكَيف لَا وَقد وَصفهم الله تَعَالَى بقوله: (كُنْتُم خير أمة أخرجت للنَّاس تأمرون بِالْمَعْرُوفِ وتنهون عَن الْمُنكر} فَهَذَا كَقَوْلِك لفُلَان من أَوْلَاده جند، وللأمير من غلمانه عَسْكَر، تُرِيدُ جَمِيع الْأَوْلَاد والغلمان لَا بَعضهم، ثمَّ قَالُوا: إِن ذَلِك وَإِن كَانَ وَاجِبا على الْكل إِلَّا أَنه مَتى قَامَ بِهِ بعض سقط عَن البَاقِينَ كَسَائِر فروض الكفايات، وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّهَا للتَّبْعِيض، إِمَّا لِأَن فِي الْقَوْم من لَا يقدر على الدعْوَة وعَلى الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر، كالنساء والمرضى والعاجزين، وَإِمَّا لِأَن هَذَا التَّكْلِيف مُخْتَصّ بالعلماء الَّذين يعْرفُونَ الْخَيْر مَا هُوَ، وَالْمَعْرُوف وَالْمُنكر مَا هما، ويعلمون كَيفَ يرتب الْأَمر فِي إقامتهما، وَكَيف يُبَاشر، فَإِن الْجَاهِل رُبمَا ينْهَى عَن مَعْرُوف، وَيَأْمُر بمنكر، وَرُبمَا عرف الحكم فِي مذْهبه وجهله فِي مَذْهَب صَاحبه فَنَهَاهُ عَن غير مُنكر، وَقد يغلظ فِي مَوضِع اللين، ويلين فِي مَوضِع الغلظة. وينكر على من لَا يزِيدهُ إِنْكَاره إِلَّا تمادياً. وَأَيْضًا قد أجمعنا على أَن ذَلِك وَاجِب على الْكِفَايَة. فَكَانَ هَذَا بِالْحَقِيقَةِ إِيجَابا على البغض الَّذِي
يقوم بِهِ، قلت: وهم الْعلمَاء فَأَيْنَ يذهبون؟ وأنى يؤفكون، عَمَّا ألزمهم بِهِ الله وَكتبه وَرُسُله والمؤمنون أَجْمَعُونَ؟ وَبعد كَلَام طَوِيل ذكر حَدِيثا بِغَيْر سَنَد الله أعلم بِهِ وَهُوَ: عَن النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] : " من أَمر بِالْمَعْرُوفِ وَنهى عَن الْمُنكر فَهُوَ خَليفَة الله فِي أرضه، وَخَلِيفَة رَسُول الله، وَخَلِيفَة كِتَابه " قَالَ: وَعَن عَليّ: أفضل الْجِهَاد الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر، وَمن شنأ الْفَاسِقين وَغَضب لله غضب الله لَهُ، وَكفى بقوله تَعَالَى:{وَأُولَئِكَ هم المفلحون} أَي الأخصاء بالفلاح أه المُرَاد مِنْهُ.
فهيا هيا يَا عُلَمَاء الْإِسْلَام {ولتكن مِنْكُم أمة يدعونَ إِلَى الْخَيْر} وَالْخَيْر هُوَ اتِّبَاع الْقُرْآن وَالسّنة، كَذَا خرجه الباقر عَنهُ [صلى الله عليه وسلم](ويأمرون بِالْمَعْرُوفِ) أَي اتِّبَاع مُحَمَّد رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] وَدينه الَّذِي جَاءَ بِهِ من عِنْد الله {وَينْهَوْنَ عَن الْمُنكر} وَالْكفْر بِاللَّه الْعَظِيم، والالتجاء إِلَى غَيره، والاستغاثة بالأموات، وَالذّبْح وَالنّذر لَهُم، والإعراض عَن كَلَام الله وَكَلَام رَسُوله وَالْجهل بهما، بل يجب عَلَيْكُم أَيهَا الْعلمَاء أَن تجاهدوا فِي الدعْوَة إِلَى الْخَيْر وَالْأَمر وَالنَّهْي حَتَّى تزيلوا كل جَهَالَة ومنكرة وضلالة وَحَتَّى ينقادوا لكم بِالطَّاعَةِ، أَو حَتَّى تلقوا ربكُم وَقد رَضِي عَنْكُم ورضيتم عَنهُ. {وَأُولَئِكَ هم المفلحون} الناجحون عِنْد الله الفائزون بجنات النَّعيم، والرضوان الْمُقِيم {مَعَ الَّذين أنعم الله عَلَيْهِم من النَّبِيين وَالصديقين وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحسن أُولَئِكَ رَفِيقًا} {} (فَلَا تعلم نفس مَا أُخْفِي لَهُم من قُرَّة أعين جَزَاء بِمَا كَانُوا يعْملُونَ){} (يُطَاف عَلَيْهِم بصحاف من ذهب وأكواب، وفيهَا مَا تشتهيه الْأَنْفس وتلذ الْأَعْين وَأَنْتُم فِيهَا خَالدُونَ وَتلك الْجنَّة الَّتِي أورثتموها بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ لكم فِيهَا فَاكِهَة كَثِيرَة مِنْهَا تَأْكُلُونَ){} (وَيلبسُونَ ثيابًا خضرًا من سندس