الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَالُوا فِيمَن دَعَا النَّاس إِلَى هجر أذكار وعبادات الرَّسُول واختراع لَهُم ماءشات لَهُ الشَّيَاطِين: ولي من أَوْلِيَاء الله.
وَقَالُوا فِيمَن ترك الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَات والأوامر والنواهي، ودعا إِلَى ترك الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر: ولي من أَوْلِيَاء الله.
وَقَالُوا فِيمَن يشربون الْخمر والحشيشة، ويرتكبون جريمة الزِّنَا: ولي من خَواص الْأَوْلِيَاء.
وَقَالُوا: يجب أَن لَا يُنكر أحد على أحد، لِأَن من اعْترض انطرد، وَأخذت علينا العهود، أَن لَا نعترض النَّصَارَى وَلَا الْيَهُود - دع الْخلق للخالق، أَقَامَ الْعِبَادَة فِيمَا أَرَادَ، وَهَذِه الولايه الشيطانية توجب ترك الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر، مَعَ أَن الله تَعَالَى قَالَ:{لعن الَّذين كفرُوا من بني إِسْرَائِيل على لِسَان دَاوُد وَعِيسَى بن مَرْيَم، ذَلِك بِمَا عصوا وَكَانُوا يعتدون، كَانُوا لَا يتناهون عَن مُنكر فَعَلُوهُ لبئس مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} ، {ولتكن مِنْكُم أمة} .
فَهَؤُلَاءِ لَا شكّ أَنهم أَوْلِيَاء الشَّيْطَان، وَقد قَالَ الله تَعَالَى:{إِنَّهُم اتَّخذُوا الشَّيَاطِين أَوْلِيَاء من دون الله وَيَحْسبُونَ أَنهم مهتدون} ، وَقَالَ تَعَالَى:{إِنَّا جعلنَا الشَّيَاطِين أَوْلِيَاء للَّذين لَا يُؤمنُونَ} ، {فَقَاتلُوا أَوْلِيَاء الشَّيْطَان إِن كيد الشَّيْطَان كَانَ ضَعِيفا} ، {أفتتخذونه وَذريته أَوْلِيَاء من دوني وهم لكم عَدو بئس للظالمين بَدَلا} ، {مثل الَّذين اتَّخذُوا من دون الله أَوْلِيَاء كَمثل العنكبوت اتَّخذت بَيْتا وَإِن أوهن الْبيُوت لبيت العنكبوت لَو كَانُوا يعلمُونَ} .
فصل
وأولياء الله حَقًا هم المذكورون فِي قَوْله تَعَالَى: {إِن أولياؤه إِلَّا المتقون وَلَكِن أَكْثَرهم لَا يعلمُونَ} ، {أَلا إِن أَوْلِيَاء الله لَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ الَّذين آمنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} ، (إِن الَّذين قَالُوا رَبنَا الله ثمَّ استقاموا فَلَا خوف
عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ) {} (إِن الَّذين قَالُوا رَبنَا الله ثمَّ استقاموا تتنزل عَلَيْهِم الْمَلَائِكَة أَلا تخافوا وَلَا تحزنوا وَأَبْشِرُوا بِالْجنَّةِ الَّتِي كُنْتُم توعدون، نَحن أولياؤكم فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة، وَلكم فِيهَا مَا تشْتَهي أَنفسكُم وَلكم فِيهَا مَا تدعون نزلا من غَفُور رَحِيم} .
أَوْلِيَاء الله هم من وَصفهم فَقَالَ: {التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بِالْمَعْرُوفِ والناهون عَن الْمُنكر، والحافظون لحدود الله وَبشر الْمُؤمنِينَ} .
أَوْلِيَاء الله هم: {الَّذين آمنُوا بِاللَّه وَرَسُوله ثمَّ لم يرتابوا. وَجَاهدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم فِي سَبِيل الله أُولَئِكَ هم الصادقون} .
أَوْلِيَاء الله هم الَّذين اشْتَروا الله مِنْهُم {أنفسهم وَأَمْوَالهمْ بِأَن لَهُم الْجنَّة يُقَاتلُون فِي سَبِيل الله فيقتلون وَيقْتلُونَ}
أَوْلِيَاء الله هم الموصوفون بِأَنَّهُم: {أشداء على الْكفَّار، رحماء بَينهم، تراهم ركعا سجدا يَبْغُونَ فضلا من الله ورضواناً، سِيمَاهُمْ فِي وُجُوههم من أثر السُّجُود} ، فتراهم مَعَ بَعضهم كَالْوَلَدِ مَعَ وَالِده، وَالْعَبْد مَعَ سَيّده، وَمَعَ أعدائهم كالسبع على فريسته، فهم رُهْبَان بِاللَّيْلِ، أسود بِالنَّهَارِ.
أَوْلِيَاء الله هم الْعَامِلُونَ على مُقْتَضى قَوْله تَعَالَى: (قل إِن كَانَ آباؤكم وأبناؤكم وَإِخْوَانكُمْ وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها، ومساكن ترضونها، أحب إِلَيْكُم من الله وَرَسُوله وَجِهَاد فِي سَبيله
فتربصوا حَتَّى يَأْتِي الله بأَمْره، وَالله لَا يهدي الْقَوْم الْفَاسِقين} .
أَوْلِيَاء الله هم الْعَامِلُونَ على تَحْقِيق معنى: {فليقاتل فِي سَبِيل الله الَّذين يشرون الْحَيَاة الدُّنْيَا بِالآخِرَة} .
أَوْلِيَاء الله حَقًا هم الَّذين يستجيبون لله إِذْ يَقُول: {قَاتلُوا الَّذين يلونكم من الْكفَّار وليجدوا فِيكُم غلظة، وَاعْلَمُوا أَن الله مَعَ الْمُتَّقِينَ} .
أَوْلِيَاء الله هم الَّذين يَقُولُونَ الْحق وَإِن كَانَ مرا عاملين بقوله [صلى الله عليه وسلم] : " أفضل الْجِهَاد كلمة حق عِنْد سُلْطَان جَائِر - سيد الشُّهَدَاء عِنْد الله حَمْزَة بن عبد الْمطلب وَرجل قَامَ إِلَى إِمَام جَائِر فَأمره وَنَهَاهُ فَقتله ".
أَوْلِيَاء الله حَقًا هم من تكون فيهم هَذِه الْخِصَال الْحَسَنَة: أَن يكون الله وَرَسُوله أحب إِلَيْهِم مِمَّا سواهُمَا، وَأَن يُحِبُّوا عباد الله لَا يحبونهم إِلَّا لله تَعَالَى، وَأَن يكرهوا أَن يعودوا فِي الْكفْر كَمَا يكْرهُونَ أَن يقذفوا فِي النَّار، وَإِذا حدثوا لم يكذبوا وَإِذا وعدوا لم يخلفوا، وَإِذا ائتمنوا لم يخونوا وَإِذا عَاهَدُوا لم يغدروا وَإِذا خاصموا لم يفجروا، ويحسنون إِلَى من أَسَاءَ إِلَيْهِم، وَلَا يهلعون وَلَا يجزعون، وعَلى صلواتهم يُحَافِظُونَ، {وَفِي أَمْوَالهم حق مَعْلُوم للسَّائِل والمحروم وَالَّذين يصدقون بِيَوْم الدّين، وَالَّذين هم من عَذَاب رَبهم مشفقون إِن عَذَاب رَبهم غير مَأْمُون، وَالَّذين هم لفروجهم حافظون، إِلَّا على أَزوَاجهم أَو مَا ملكت أَيْمَانهم فَإِنَّهُم غير ملومين، فَمن ابْتغى وَرَاء ذَلِك فَأُولَئِك هم العادون. وَالَّذين هم لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدهمْ رَاعُونَ، وَالَّذين هم بشهاداتهم قائمون وَالَّذين هم على صلَاتهم يُحَافِظُونَ، أُولَئِكَ فِي جنَّات مكرمون} .
وأولياء الله حَقًا: هم: (الَّذين يَمْشُونَ على الأَرْض هونا وَإِذا خاطبهم الجاهلون قَالُوا سَلاما. وَالَّذين يبيتُونَ لرَبهم سجدا وقياما. وَالَّذين يَقُولُونَ رَبنَا اصرف عَنَّا عَذَاب جَهَنَّم إِن عَذَابهَا كَانَ غراما. إِنَّهَا ساءت مُسْتَقرًّا ومقاما. وَالَّذين إِذا أَنْفقُوا لم يُسْرِفُوا وَلم يقترُوا وَكَانَ بَين ذَلِك قواما. وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ الله إِلَهًا
آخر وَلَا يقتلُون النَّفس الَّتِي حرم الله إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يزنون
…
وَالَّذين لَا يشْهدُونَ الزُّور وَإِذا مروا بِاللَّغْوِ مروا كراما. وَالَّذين إِذا ذكرُوا بآيَات رَبهم لم يخروا عَلَيْهَا صمًّا وعميانا وَالَّذين يَقُولُونَ رَبنَا هَب لنا من أَزوَاجنَا وَذُرِّيَّاتنَا قُرَّة أعين واجعلنا لِلْمُتقين إِمَامًا. أُولَئِكَ يجزون الغرفة بِمَا صَبَرُوا ويلقون فِيهَا تَحِيَّة وَسلَامًا. خَالِدين فِيهَا حسنت مُسْتَقرًّا ومقاما} .
أَوْلِيَاء الله حَقًا هم الَّذين يُسَارِعُونَ إِلَى غفران الله وجناته: {الَّذين يُنْفقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء والكاظمين الغيظ وَالْعَافِينَ عَن النَّاس} . {وَالَّذين إِذا فعلوا فَاحِشَة أَو ظلمُوا أنفسهم ذكرُوا الله فاستغفروا لذنوبهم. وَمن يغْفر الذُّنُوب إِلَّا الله. وَلم يصروا على مَا فعلوا وهم يعلمُونَ} .
أَوْلِيَاء الله حَقًا هم {الَّذين يؤثرون على أنفسهم وَلَو كَانَ بهم خصَاصَة} {} (يُوفونَ بِالنذرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَره مُسْتَطِيرا، ويطعمون الطَّعَام على حبه مِسْكينا ويتيماً وأسيرا إِنَّمَا نطعمكم لوجه الله لَا نُرِيد مِنْكُم جَزَاء وَلَا شكُورًا إِنَّا نَخَاف من رَبنَا يَوْمًا عبوساً قمطريرا، فوقاهم الله شَرّ ذَلِك الْيَوْم ولقاهم نَضرة وسرورا، وجزاهم بِمَا صَبَرُوا جنَّة وَحَرِيرًا} .
وبالإجمال: فأولياء الله حَقًا هم الَّذين اتَّقوا كل مَا يغْضب الله تَعَالَى من ترك وَاجِب ومندوب، وَفعل محرم ومكروه، واتقاء مُخَالفَة سنَن الله فِي خلقه من أَسبَاب الصِّحَّة وَالْقُوَّة والنصر والعزة وسيادة الْأمة، هَذَا مَعَ فعل كل مَا أوجبه
الله على عباده فِي الْكتاب الْكَرِيم وعَلى لِسَان نبيه [صلى الله عليه وسلم] ، وَالِاسْتِمَاع والإصغاء إِلَيْهِ تَعَالَى عِنْد كل نِدَاء أَو خطاب ينادينا بِهِ فِي كِتَابه أَو يوجهنا إِلَيْهِ رَسُوله [صلى الله عليه وسلم]، كَقَوْلِه تَعَالَى:{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا ارْكَعُوا واسجدوا واعبدوا ربكُم وافعلوا الْخَيْر لَعَلَّكُمْ تفلحون وَجَاهدُوا فِي الله حق جهاده هُوَ اجتباكم وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج مِلَّة أبيكم إِبْرَاهِيم هُوَ سَمَّاكُم الْمُسلمين من قبل وَفِي هَذَا ليَكُون الرَّسُول شَهِيدا عَلَيْكُم وتكونوا شُهَدَاء على النَّاس فأقيموا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة واعتصموا بِاللَّه هُوَ مولاكم فَنعم الْمولى وَنعم النصير} .
فالأولياء حَقًا هم {الَّذين لَهُم الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة} أما الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا فأهمها مَا بشرهم بِهِ الْكتاب الْعَزِيز حَيْثُ قَالَ تَعَالَى:
(1)
(2)
وَمن هَذِه البشائر قَوْله تَعَالَى: {وَكَانَ حَقًا علينا نصر الْمُؤمنِينَ} .
(3)
وَمِنْهَا: {إِنَّا لننصر رسلنَا وَالَّذين آمنُوا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَيَوْم يقوم الأشهاد} ، {وَإِن جندنا لَهُم الغالبون} ، {إِن الله يدافع عَن الَّذين آمنُوا} .
(4)
وَمِنْهَا: {وَلَو أَن أهل الْقرى آمنُوا وَاتَّقوا لفتحنا عَلَيْهِم بَرَكَات من السَّمَاء وَالْأَرْض} {} (وَلَو أَنهم أَقَامُوا التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَمَا أنزل إِلَيْهِم من رَبهم لأكلوا من فَوْقهم وَمن تَحت أَرجُلهم){} (وَأَن لَو استقاموا على الطَّرِيقَة لأسقيناهم مَاء غدقا){} (من عمل صَالحا من ذكر أَو أُنْثَى وَهُوَ مُؤمن؛ فلنحيينه حَيَاة طيبَة - أَي فِي الدُّنْيَا - ولنجزينهم أجرهم بِأَحْسَن مَا كَانُوا يعْملُونَ} فَقلت
(5)
وَمِنْهَا: {وَللَّه الْعِزَّة وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمنِينَ وَلَكِن الْمُنَافِقين لَا يعلمُونَ} وَكَذَلِكَ قَوْله: {فَلَا تهنوا وَتَدعُوا إِلَى السّلم وَأَنْتُم الأعلون وَالله مَعكُمْ وَلنْ يتركم أَعمالكُم} .
(6)
فَهَذِهِ كلهَا بشائر لأولياء الله فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا، وَهِي استخلافه تَعَالَى لَهُم فِي الأَرْض، وتمكين دينهم وعلوه على سَائِر الْأَدْيَان وَلَو كره الْكَافِرُونَ، وَأَن يبدلهم من خوفهم أمنا. وَأَخذه على نَفسه أَن ينصرهم على أعدائهم ويدافع عَنْهُم كَمَا نصروا دينه ودافعوا عَنهُ، وَأَن يَجْعَل لَهُم الْغَلَبَة والعزة والعز وَأَن يفتح علهم بَرَكَات السَّمَاء وَالْأَرْض ويمدهم بالأموال والبنين والجنات والأنهار، وَأَن يمدهُمْ بِالْمَلَائِكَةِ عِنْد الْقِتَال، وَهَذَا أهم مَا بشر الله بِهِ أولياءه فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا.
وَأما فِي الْآخِرَة، فقد أعد الله لأوليائه جنَّة عرضهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض فِيهَا مَالا عين رَأَتْ وَلَا أذن سَمِعت، وَلَا خطر على قلب بشر، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَالَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات فِي روضات الجنات، لَهُم مَا يشاءون عِنْد رَبهم ذَلِك هُوَ الْفضل الْكَبِير، ذَلِك الَّذِي يبشر الله بِهِ عباده} وَكَذَلِكَ قَالَ: {إِن الَّذين قَالُوا رَبنَا الله ثمَّ استقاموا تتنزل عَلَيْهِم الْمَلَائِكَة أَن لَا تخافوا وَلَا تحزنوا وَأَبْشِرُوا بِالْجنَّةِ الَّتِي كُنْتُم توعدون نَحن أولياؤكم فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة، وَلكم فِيهَا مَا تشْتَهي أَنفسكُم وَلكم فِيهَا مَا تدعون نزلا من غَفُور رَحِيم}