الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل فِي صَلَاة الْجِنَازَة
وَكَانَ ( [صلى الله عليه وسلم] ) إِذا شرع فِي الصَّلَاة قَرَأَ الْفَاتِحَة بعد التَّكْبِيرَة الأولى وَصَحَّ عَنهُ وَعَن أَصْحَابه أَنهم كَانُوا يكبرُونَ أَرْبعا وخمساً وستاً وَسبعا وَلَا مَانع يمْنَع من الْعَمَل بذلك أصلا، وروى مُسلم عَن عَوْف بن مَالك أَنه قَالَ: صلى رَسُول الله ( [صلى الله عليه وسلم] ) على جَنَازَة فَحفِظت من دُعَائِهِ وَهُوَ يَقُول: " اللَّهُمَّ اغْفِر لَهُ وارحمه وعافه، واعف عَنهُ، وَأكْرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بِالْمَاءِ والثلج وَالْبرد، ونقه من الْخَطَايَا كَمَا نقيت الثَّوْب الْأَبْيَض من الدنس وأبدله دَارا خيرا من دَاره. وَأهلا خيرا من أَهله، وزوجا خيرا من زوجه، وَأدْخلهُ الْجنَّة وأعذه من عَذَاب الْقَبْر "، وَكَانَ يخرج من الصَّلَاة بتسليمتين، وروى مُسلم أَنه ( [صلى الله عليه وسلم] ) قَالَ:" لقنوا مَوْتَاكُم لَا إِلَه إِلَّا الله "، وَورد " اقْرَءُوا على مَوْتَاكُم يس " وَهُوَ صَحِيح عَن طَائِفَة وَضَعِيف عِنْد أُخْرَى، وَأخرج بن أبي شيبَة والمروذي عَن جَابر بن زيد قَالَ: كَانَ يسْتَحبّ إِذا حضر الْمَيِّت أَن يقْرَأ عِنْده سُورَة الرَّعْد. فَإِن ذَلِك يُخَفف عَن الْمَيِّت، وَإنَّهُ أَهْون لقبضه، وأيسر لشأنه. وَالْمعْنَى فِي كل الْقِرَاءَة عِنْد خُرُوج الرّوح لَا غير يُوضح ذَلِك مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ أَنه ( [صلى الله عليه وسلم] ) لما علم بِمَوْت النَّجَاشِيّ صَاحب الْحَبَشَة قَالَ لأَصْحَابه " اسْتَغْفرُوا لأخيكم " وَلم يقل لَهُم اقرأوا لَهُ سُورَة يس أَو الرَّحْمَن أَو تبَارك أَو الْفَاتِحَة أَو غير ذَلِك، وَمَعْلُوم أَن تَأْخِير الْبَيَان عَن وَقت الْحَاجة غير جَائِز، فَلَمَّا لم يبين وَهُوَ الْمُرْسل ليبين علم قطعا أَن الْقِرَاءَة للأموات وَعَلَيْهِم غير جَائِزَة، وَلَا تنفعهم، فَصَارَت الْقِرَاءَة المتعارفة الْآن بِدعَة. كَيفَ وَقد قَالَ الله تَعَالَى:{إِن هُوَ إِلَّا ذكر للعاملين - وَمَا هُوَ إِلَّا ذكر للْعَالمين - إِن هُوَ إِلَّا ذكر وَقُرْآن مُبين لينذر من كَانَ حَيا} وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَن لَيْسَ للْإنْسَان إِلَّا مَا سعى وَأَن سَعْيه سَوف يرى ثمَّ يجزاه الْجَزَاء الأوفى} ،
قَالَ الْحَافِظ ابْن كثير فِي تَفْسِيره هَذِه الْآيَة: أَي كَمَا لَا يحمل عَلَيْهِ وزر غَيره، كَذَلِك لَا يحصل من الْأجر إِلَّا مَا كسب هُوَ لنَفسِهِ، وَمن هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة استنبط الشَّافِعِي رحمه الله وَمن اتبعهُ أَن الْقِرَاءَة لَا يصل إهداء ثَوَابهَا إِلَى الْمَوْتَى، لِأَنَّهُ لَيْسَ من عَمَلهم وَلَا كسبهم، وَلِهَذَا لم ينْدب إِلَيْهِ رَسُول الله ( [صلى الله عليه وسلم] ) أمته وَلَا حثهم عَلَيْهِ وَلَا أرشدهم إِلَيْهِ بِنَصّ وَلَا إِيمَاء، وَلم ينْقل ذَلِك عَن أحد من الصَّحَابَة رضي الله عنهم وَلَو كَانَ خيرا مَا سبقوا إِلَيْهِ، وَبَاب القربات يقْتَصر فِيهِ على النُّصُوص وَلَا يتَصَرَّف فِيهِ بأنواع الأقسية والأراء. فَأَما الدُّعَاء وَالصَّدَََقَة فَذَاك مجمع على وصولهما ومنصوص من الشَّارِع عَلَيْهِمَا، وَأما الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله ( [صلى الله عليه وسلم] )" إِذا مَاتَ الْإِنْسَان انْقَطع عمله إِلَّا من ثَلَاث، ولد صَالح يَدْعُو لَهُ، أَو صَدَقَة جَارِيَة من بعده، أَو علم ينْتَفع بِهِ "، فَهَذِهِ الثَّلَاثَة فِي الْحَقِيقَة هِيَ من سَعْيه وكده وَعَمله، كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيث: إِن أطيب مَا أكل الرجل من كَسبه، وَأَن وَلَده من كَسبه "، وَالصَّدَََقَة الْجَارِيَة كالوقف وَنَحْوه هِيَ من آثَار عمله وَوَقفه، وَقد قَالَ الله تَعَالَى: {إِنَّا نَحن نحيي الْمَوْتَى ونكتب مَا قدمُوا وآثارهم} الْآيَة - وَالْعلم الَّذِي نشره فِي النَّاس فاقتدى بِهِ النَّاس من بعده هُوَ أَيْضا من سَعْيه وَعَمله، وَثَبت فِي الصَّحِيح " من دَعَا إِلَى هدى كَانَ لَهُ من الْأجر مثل أجور من اتبعهُ من غير أَن ينقص من أُجُورهم شَيْئا " أه.
وَالْقَوْل بنسخ هَذِه الْآيَة خطأ مَحْض كَمَا حَقَّقَهُ الشَّوْكَانِيّ فِي تَفْسِيره وَغَيره وَمَا يرْوى أَن الإِمَام أَحْمد قَالَ: إِذا دَخَلْتُم الْمَقَابِر فاقرأوا بِفَاتِحَة الْكتاب والمعوذتين وَقل هُوَ الله أحد وَاجْعَلُوا ثَوَاب ذَلِك لأهل الْمَقَابِر فَإِنَّهُ يصل إِلَيْهِم، لم يَصح أصلا، وَكَذَا رِوَايَة: من مر على الْمَقَابِر وَقَرَأَ {قل هُوَ الله أحد} إِحْدَى عشرَة مرّة ثمَّ وهب أجره للأموات أعطي من الْأجر عدد الْأَمْوَات "، بَاطِل
وَلَيْسَ من كَلَام النُّبُوَّة وَلَا من كَلَام أَصْحَاب النَّبِي قطعا.
وَمَا يرْوى عَن ابْن عَمْرو أَنه أوصى أَن يقْرَأ عِنْد رَأسه بِفَاتِحَة الْبَقَرَة وخاتمتها فَهَذَا لم يذكر فِي كتاب من الْكتب الْمُعْتَمدَة بل هُوَ فِي كتب الواهيات ككتاب تذكرة الْقُرْطُبِيّ، وَكم فِيهَا من أباطيل، وَإِن صَحَّ فَالْمُرَاد قرَاءَتهَا عِنْد احتضاره وَلم يَصح أصلا.
وَحَدِيث: " من دخل الْمَقَابِر فَقَرَأَ سُورَة يس خفف الله عَنْهُم " لَا أصل لَهُ فِي كتب السّنة، بل قَول الرَّسُول [صلى الله عليه وسلم] فِيمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ:" اقْرَءُوا سُورَة الْبَقَرَة فِي بُيُوتكُمْ وَلَا تجعلوها قبوراً "، يدل على أَن الْقُبُور لَا يقْرَأ فِيهَا الْقُرْآن وَكَذَا حَدِيث:" مَا من عبد يمر بِقَبْر رجل كَانَ يعرفهُ فِي الدُّنْيَا فَيسلم عَلَيْهِ إِلَّا عرفه ورد عليه السلام " وَرَوَاهُ الْخَطِيب وَابْن عَسَاكِر، قَالَ:" فَيسلم " وَلم يقل: فَيقْرَأ لَهُ.
وَمَا يرْوى عَن ابْن عَمْرو أَيْضا أَنه أَمر أَن يقْرَأ عِنْد قَبره سُورَة الْبَقَرَة فَهُوَ كَلَام لَيْسَ لَهُ سَنَد صَحِيح وَلَا ضَعِيف، وَقد قَالَ الإِمَام الدَّارَقُطْنِيّ: لَا يَصح فِي هَذَا الْبَاب حَدِيث فَكل هَذِه الْأَخْبَار والْآثَار شَاذَّة مُنكرَة مُخَالفَة لِلْأُصُولِ الْعَامَّة المقررة فِي الْقُرْآن الْمجِيد، وَمُخَالفَة أَيْضا لما كَانَ عَلَيْهِ النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] طول حَيَاته هُوَ وَسَائِر أَصْحَابه وتابعيهم بِإِحْسَان. وَالْمَطْلُوب شرعا طَاعَة الرَّسُول [صلى الله عليه وسلم] فِي قَوْله:" اسْتَغْفرُوا لأخيكم وسلوا لَهُ التثبيت فَإِنَّهُ الْآن يسْأَل ". ذكره فِي زَوَائِد الْجَامِع عَن الْحَاكِم وَقد صرح الْقُرْآن بِالدُّعَاءِ للأموات قَالَ تَعَالَى {رَبنَا اغْفِر لنا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذين سبقُونَا بِالْإِيمَان} هَذَا هُوَ الْمَشْرُوع، لَا الْقِرَاءَة على الْمَقَابِر وَغَيرهَا. وَذَهَاب الْقُرَّاء إِلَى الْمَقَابِر خلف الْجَنَائِز للْقِرَاءَة برغيف أَو قرص أَو قِرْش خسة، عَظِيمَة، قَالَ تَعَالَى {وَلَا تشتروا بآياتي ثمنا قَلِيلا} وَقَالَ:{إِن الَّذين يكتمون مَا أنزل الله من الْكتاب ويشترون بِهِ ثمنا قَلِيلا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُون فِي بطونهم إِلَّا النَّار} ، وَإِقَامَة السرادق وإنفاق الْأَمْوَال الباهظة على الفرشات