الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِلَّا نمرة فَكُنَّا إِذا غطينا بهَا رَأسه بَدَت رِجْلَاهُ، وَإِذا غطينا رجلَيْهِ بدا رَأسه، فَأمرنَا رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] أَن نغطي بهَا رَأسه ونجعل على رجلَيْهِ شَيْئا من الْإِذْخر ". فَفِي الحَدِيث دَلِيل على أَن الْوَاجِب فِي الْكَفَن ستر الْعَوْرَة فَقَط. وروى ابْن مَاجَه وَالتِّرْمِذِيّ عَن أبي قَتَادَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم]" إِذا ولى أحدكُم أَخَاهُ فليحسن كَفنه " وَرِجَاله ثِقَات، وَرِوَايَة أَحْمد وَمُسلم:" إِذا كفن أحدكُم أَخَاهُ فليحسن كَفنه " قَالَ الْعلمَاء: لَيْسَ المُرَاد بِإِحْسَان الْكَفَن الْإِسْرَاف والغلو فِيهِ، وَإِنَّمَا المُرَاد نظافته ونقاؤه وكثافته وستره، وَأَن يكون وسطا، وَأَن لَا يكون حَقِيرًا، وَأَن يكون أَبيض لما رَوَاهُ الْخَمْسَة إِلَّا النَّسَائِيّ أَنه [صلى الله عليه وسلم] قَالَ:" ألبسوا من ثيابكم الْبيَاض فَإِنَّهَا من خير ثيابكم، وكفنوا فِيهَا مَوْتَاكُم ".
وَقَالَ الصّديق رضي الله عنه: " اغسلوا ثوبي هَذَا وزيدوا عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ فكفنوني فِيهَا، إِن الْحَيّ أَحَق بالجديد من الْمَيِّت، إِنَّمَا هُوَ للمهلة " مُخْتَصر من البُخَارِيّ.
وروى الْجَمَاعَة عَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت: " كفن رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] فِي ثَلَاثَة أَثوَاب بيض سحُولِيَّة جدد يَمَانِية، لَيْسَ فِيهِ قَمِيص وَلَا عِمَامَة، أدرج فِيهَا إدراجا ".
فصل
وَقد تغالى النَّاس فِي ذَلِك غلواً فَاحِشا لَا يتَّفق مَعَ الْعقل وَلَا مَعَ الدّين، مَعَ فَقرهمْ وضنك عيشهم، وَسُوء حَالهم، يَمُوت الْمَيِّت فيهرع أَهله إِلَى الْبَقِيَّة الحقيرة
الَّتِي بقيت لصبيته وأرامله، فينفقونها على الجوخة والقطنية، ويتداينون أَو يبيعون أَو يرهنون شَيْئا من تركته، ثمَّ يتركون نِسَاءَهُ وَعِيَاله يشحذون ويتضورون جوعا وَلَا يفكرون فِيمَا يقاسيه هَؤُلَاءِ البؤساء من الشَّقَاء والضياع، على أَن الَّذين فعلوا هَذِه الفعلة الشنعاء فِي مَال هَؤُلَاءِ التعساء، لَا ترق قُلُوبهم عَلَيْهِم يَوْمًا فيعاونونهم وَلَو بالتافه من المَال، كَمَا كَانُوا أبخل النَّاس وأشحهم بمساعدة هَذَا الْمَيِّت فِي أَيَّام مَرضه الطَّوِيلَة.
وَهَؤُلَاء مَا فعلوا ذَلِك ابْتِغَاء رضوَان الله، وَإِنَّمَا فَعَلُوهُ للفخر والرياء والسمعة، وليقال: كَانَ صفة كفن فلَان كَذَا وَكَذَا، وليدفعوا عَن أنفسهم بزعمهم سوء السمعة، وَطعن النَّاس فِي أعراضهم، على أَن هَذَا الْمَيِّت عَاشَ طول حَيَاته لم يلبس وَلم يَأْكُل إِلَّا الدون المهين، عَاشَ وَمَات حافيا عَارِيا جائعا.
وَمن السخافة والبرود والسماجة، أَنهم يظهرون طرف الْكَفَن من سَرِير الْمَيِّت عِنْد سيرهم إِلَى الْجَبانَة، وأشنع من هَذَا وأفحش أَنهم يخرقون هَذَا الْكَفَن الغالي بالسكين مَخَافَة سطو لصوص الْمَقَابِر على هَذَا الْمَيِّت فِي قَبره، فَهَل من سَوط يابسة، بل نعل ثَقيلَة تتسلط على رُءُوس هَؤُلَاءِ الأغفال حَتَّى ترد عَلَيْهِم عُقُولهمْ؟ .
يَا هَؤُلَاءِ: أَلا فاعلموا أَن هَذَا من أكبر الْكَبَائِر، وأفحش الجرائم، إِذْ فِيهِ مَعْصِيّة الله، وضياع الأسرة، هَذَا عين التبذير، وَقد قَالَ تَعَالَى:{وَلَا تبذر تبذيرا إِن المبذرين كَانُوا إخْوَان الشَّيَاطِين وَكَانَ الشَّيْطَان لرَبه كفورا} ، {كلوا وَاشْرَبُوا وَلَا تسرفوا إِنَّه لَا يحب المسرفين} ، {وَأَن المسرفين هم أَصْحَاب النَّار} . {كلوا من طَيّبَات مَا رزقناكم وَلَا تطغوا فِيهِ فَيحل عَلَيْكُم غَضَبي وَمن يحلل عَلَيْهِ غَضَبي فقد هوى وَإِنِّي لغفار لمن تَابَ وآمن وَعمل صَالحا ثمَّ اهْتَدَى} فتوبوا إِلَى الله تَوْبَة نصُوحًا (عَسى ربكُم أَن
يكفر عَنْكُم سَيِّئَاتكُمْ} وَمن عَجِيب مَا حدث ببلدتنا الحوامدية أَن شَيخنَا أزهريا يحمل الشَّهَادَة المشئومة أَمر النَّاس أَن يضعوا حلي النِّسَاء مَعَهُنَّ فِي الأكفان يُعِيد بذلك فِي الْإِسْلَام سنة قدماء الوثنيين من المصريين واليونان، الَّذين كَانُوا يَعْتَقِدُونَ وجوب وضع قِطْعَة من الذَّهَب فِي فَم الْمَيِّت. وَيُقَال عَن الأروام: إِنَّهُم يضعون جَمِيع الْحلِيّ، وأفخر الملابس، ولعبه الَّتِي كَانَ يلْعَب بهَا، مَعَه فِي قَبره، فَأَرَادَ الشَّيْخ مُحَمَّد الْخَطِيب الْعَالم الْعَلامَة شيخ الحوامدية الْآن، أَن يعْمل الْمُسلمُونَ بِسنة الرّوم واليونان، لِأَنَّهَا سنة جميلَة فِي نظر الشَّيْخ الَّذِي اعْتَادَ أَن يُصَلِّي بِالنَّاسِ من غير وضوء، اللَّهُمَّ اهد شُيُوخنَا وأئمة أزهرنا ووفقهم. وروى البُخَارِيّ بِسَنَدِهِ عَن الْبَراء رضي الله عنه أَنه قَالَ:" أمرنَا النَّبِي ( [صلى الله عليه وسلم] ) بِسبع ونهانا عَن سبع، أمرنَا بِاتِّبَاع الْجَنَائِز، وعيادة الْمَرِيض، وَإجَابَة الدَّاعِي، وَنصر الْمَظْلُوم، وإبرار الْقسم، ورد السَّلَام، وتشميت الْعَاطِس. ونهانا عَن آنِية الْفضة، وَخَاتم الذَّهَب، وَالْحَرِير، والديباج، والقسي والإستبرق " وَفِي البُخَارِيّ وَمُسلم أَن أَبَا هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله ( [صلى الله عليه وسلم] ) : " من شهد الْجِنَازَة حَتَّى يُصَلِّي فَلهُ قِيرَاط، وَمن شَهِدَهَا حَتَّى تدفن كَانَ لَهُ قيراطان - قيل: وَمَا القيرطان؟ - قَالَ: مثل الجبلين العظيمين " وروى البُخَارِيّ بالسند إِلَى نَافِع قَالَ: حدث ابْن عمر أَن أَبَا هُرَيْرَة قَالَ: من تبع جَنَازَة فَلهُ قِيرَاط فَقَالَ أَكثر - يَعْنِي أَبَا هُرَيْرَة - فصدقت عَائِشَة أَبَا هُرَيْرَة وَقَالَت: سَمِعت رَسُول الله ( [صلى الله عليه وسلم] ) يَقُوله، فَقَالَ ابْن عمر: لقد فرطنا فِي قراريط كَثِيرَة.