الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الأولى: أصالة النسب
اشتهر آباؤه صلى الله عليه وسلم جميعا بعلو الأصل، وشرف النسب، ومكارم الخلق، فكانوا من أحسن الخلق وأماجدهم، وقد رأيناهم سادة الناس، ورواد القبائل، حملوا مهام البيت، وقاموا بواجب ضيوف الله.
ولعل أهم ما تميزوا به هو طهارتهم، وعفتهم، وبعدهم عن سفاح الجاهلية، وضلالات الشرك والهوى، والأحاديث الصحيحة تؤكد هذه الحقيقة، فعن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"خرجت من نكاح، ولم أخرج من سفاح، من لدن آدم إلى أن ولدني أبي وأمي" 1، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما ولدني من سفاح الجاهلية شيء، وما ولدني إلا نكاح كنكاح الإسلام"2.
ويروي ابن سعد في طبقاته عن محمد الكلبي قال: "كتبت لنبي الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة أم، فما وجدت فيهن سفاحا، ولا شيئا مما كان عليه أمر الجاهلية"3.
وهكذا وضع الله رسوله صلى الله عليه وسلم في موضع يحمل معه شرف سلسلة طويلة، كريمة الخلق والسلوك، طيبة الشأن والذكر، وهو اصطفاء من الله تعالى.
فعن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم"4.
1 بغية الرائد في تحقيق مجمع الزوائد - باب علامات النبوة - باب كرامة أصله صلى الله عليه وسلم ج8 ص395.
2 المرجع السابق - باب علامات النبوة - باب كرامة أصله صلى الله عليه وسلم ج8 ص395.
3 سيرة ابن كثير ج1 ص191.
4 صحيح مسلم - كتاب الفضائل - باب فضل النبي صلى الله عليه وسلم ج7 ص58.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بعثت من خير قرون بني آدم قرنا فقرنا، حتى كنت من القرن الذي كنت منه"1.
وأخرج البيهقي في دلائل النبوة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما افترق الناس فرقتين إلا جعلني الله في خيرهما، فأخرجت من بين أبوي، فلم يصبني شيء من عهد الجاهلية، وخرجت من نكاح، ولم أخرج من سفاح، من لدن آدم حتى انتهيت إلى أبي وأمي، فأنا خيركم نفسا، وخيركم أبا"2.
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الطيبة إلى الأرحام الطاهرة مصفى مهذبا، لا تتشعب شعبتان إلا كنت في خيرهما"3.
وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما افترق الناس فرقتين إلا جعلني الله في خيرهما، فأخرجت من بين أبوي، لم يصبني شيء من عهد الجاهلية، وأخرجت من نكاح، ولم أخرج من سفاح، من لدن آدم حتى انتهيت إلى أبي وأمي"4.
وعن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة، واصطفى من بني كنانة قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم" 5، وقد أخرجه الحافظ أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي في فضائل العباس من حديث واثلة بلفظ: "إن الله اصطفى من ولد آدم إبراهيم واتخذه خليلا، واصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، ثم اصطفى من ولد إسماعيل نزارا، ثم اصطفى من ولد نزار
1 صحيح البخاري بشرح فتح الباري - كتاب المناقب - باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم ج6 ص566.
2 بغية الرائد في تحقيق مجمع الزوائد - كتاب علامات النبوة ج8 ص395.
3 سبل الهدى والرشاد ج1 ص276.
4 تهذيب تاريخ دمشق ج1 ص279.
5 صحيح مسلم بشرح النووي - كتاب الفضائل - فضل نسب النبي ج15 ص26.
مضر، ثم اصطفى من مضر كنانة، ثم اصطفى من كنانة قريشا، ثم اصطفى من قريش بني هاشم، ثم اصطفى من بني هاشم بني عبد المطلب، ثم اصطفاني من بني عبد المطلب"1، والاصطفاء أخذ الأحسن من جماعة فيها غيره ليسوا مثله.
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير العرب مضر، وخير مضر بنو عبد مناف، وخير بني مناف بنو هاشم، وخير بني هاشم بنو عبد المطلب، والله ما افترقت فرقتان منذ خلق الله آدم إلا كنت في خيرهما"2.
وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله خلق الخلق فاختار من الخلق بني آدم، واختار من بني آدم العرب، واختار من العرب مضر، واختار من مضر قريشا، واختار من قريش بني هاشم، واختارني من بني هاشم، فأنا من خيار إلى خيار إلى خيار"3.
وعن ابن عباس بن عبد المطلب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله حين خلق الخلق جعلني من خير خلقه، ثم حين فرقهم جعلني في خير فريق، ثم حين خلق القبائل جعلني من خير قبيلة، وحين خلق الأنفس جعلني من خير أنفسهم، ثم حين خلق البيوت جعلني من خير بيوتهم، فأنا خيرهم بيتا، وخيرهم نسبا"4.
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لله قسم الخلق قسمين فجعلني في خيرهما قسما، ثم جعل القسمين أثلاثا فجعلني في خيرها ثلثا، ثم جعل الأثلاث قبائل فجعلني في خيرها قبيلة، ثم جعل القبائل بيوتا فجعلني في خيرها بيتا"5.
1 الحاوي ج2 ص366.
2 الطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص20.
3 دلائل النبوة للبيهقي ج1 ص168.
4 سنن الترمذي - كتاب المناقب ج5 ص584.
5 الطبقات الكبرى ج1 ص20.
وعن ابن عباس قال: دخل ناس من قريش على صفية بنت عبد المطلب فجعلوا يتفاخرون ويذكرون الجاهلية، فقالت صفية: منا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: تنبت النخلة أو الشجرة في الأرض الكبا.
فذكرت ذلك صفية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فغضب وأمر بلالا فنادى في الناس، فقام على المنبر فقال:"أيها الناس، من أنا؟ ".
قالوا: أنت رسول الله.
قال: "انسبوني".
قالوا: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب.
قال: "أجل، أنا محمد بن عبد الله، وأنا رسول الله، فما بال أقوام يبتذلون أصلي؟! فو الله إني لأفضلهم أصلا وخيرهم موضعا"1.
وعن ربيعة بن الحارق قال: بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن قوما نالوا منه، فقالوا: إنما مثل محمد كمثل نخلة نبتت في كناس، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال:"إن الله خلق خلقه فجعلهم فرقتين، فجعلني في خير الفرقتين، ثم جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلا، ثم جعلهم بيوتا فجعلني في خيرهم بيتا"، ثم قال:"أنا خيركم قبيلا وخيركم بيتا"2.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال لي جبريل عليه السلام: قلبت الأرض مشارقها ومغاربها، فلم أجد أفضل من محمد، وقلبت الأرض مشارقها ومغاربها، فلم أجد أفضل من بني هاشم"3.
بهذه النصوص الكثيرة التي أوردتها تطمئن النفس على صدق ما تضمنته، وهو ما نريد إبرازه في إثبات علو نسبه صلى الله عليه وسلم، وتمتع آبائه وأجداده بكرم الطبع، وشرف
1 بغية الرائد في تحقيق مجمع الزوائد - باب علامات النبوة ج8 ص399.
2 سبل الهدى والرشاد ج5 ص276.
3 دلائل النبوة ج1 ص151.
الأصل، والبعد عن الدنايا وصغائر الأمور.
كان صلى الله عليه وسلم نتاج هذه السلسلة الكريمة التي يفتخر بها، وتذكرها العرب له، وقد أقر خصومه في مكة بهذه الحقيقة، وهي في أشد حالات العداء معه.
يروي البخاري أن هرقل أرسل إلى أبي سفيان ومن معه، وكانوا في تجارة بالشام، فدعاهم إلى مجلسه، وحوله عظماء الروم، ثم دعا ترجمانه.
فقال: أيكم أقرب نسبا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟
فقال أبو سفيان: أنا أقربهم نسبا.
فقال هرقل: ادنوه مني، وقربوا أصحابه، فاجعلوهم عند ظهره.
ثم قال لترجمانه: قل لهم: إني سائل عن هذا الرجل فإن كذبني فكذبوه.
يقول أبو سفيان: فوالله لولا الحياء من أن يأثروا عليَّ كذبا لكذبت عنه، ثم كان أول ما سألني عنه أن قال: كيف نسبه فيكم؟
قلت: هو فينا ذو نسب.
ثم سأله عدة أسئلة وأبو سفيان يجيبه، وأخيرا قال هرقل لترجمانه: قل لأبي سفيان: سألتك عن نسبه فقالت: هو فينا ذو نسب، فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها1.
والمهم أن أبا سفيان يومئذ كان على الكفر، ولم يدخل في الإيمان بعد، ومع ذلك نطق بالحق، وشهد بعلو نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أول ما سأل عنه هرقل لمعرفته بضرورة سمو نسبه، وطهارته إن كان رسولا صادقا..
إن معرفة خصائص النسب الشريف لرسول الله صلى الله عليه وسلم يؤثر على تقويم صاحبه وتقدير شأنه، وإدراك مستقره في الأمور، فالخلق الغالب على الأصل ينزع عنه الفرع ولا يتغير بالإسلام إلا إلى الأفضل.
أخرج الشيخان وأحمد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تجدون
1 صحيح البخاري بشرح فتح الباري - كتاب بدء الوحي ج1 ص31، 32.
الناس معادن، فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، وتجدون من خير الناس في هذا الأمر أكرههم له قبل أن يقع فيه"1.
فأصحاب المروءات ومكارم الأخلاق في الجاهلية إذا أسلموا أو فقهوا فهم خيار الناس2.
قال ابن حجر في الفتح: وجه التشبيه أن المعدن لما كان إذا استخرج ظهر ما اختفى منه ولا تتغير صفته، فكذلك صفة الشرف لا تتغير في ذاتها، بل من كان شريفا في الجاهلية فهو بالنسبة إلى أهل الجاهلية رأس، فإن أسلم استمر شرفه وكان أشرف بمن أسلم من المشروفين في الجاهلية3.
ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أنا ابن العواتك" 4 والعاتك: هو الكار الشجاع في القتال، والمرأة العاتك: هي الشريفة الكريمة.
وعند اشتداد المواجهة بين الرسول صلى الله عليه وسلم وأهل مكة لم نسمع مطعنا في نسب رسول الله وأصله، ولا نقدا لخلقه وسلوكه، ولا همزا حول شيء يتصل به صلى الله عليه وسلم.. ولو وجد شيء من هذا لتحدثوا عنه وأظهروه..
1 صحيح البخاري - كتاب المناقب - باب قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} ج6 ص525.
2 شروح النووي على مسلم ج5 ص230.
3 فتح الباري ج6 ص529.
4 الطبراني، قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، مجمع الزوائد - كتاب علامات النبوة - باب في كرامة أصله صلى الله عليه وسلم ج8 ص215.