الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإنما كانت الصلاة وكان الوضوء في أول المبعث على وجه الإباحة والسنية، فلما فرضت الصلاة في ليلة الإسراء، جاء الأمر بالوضوء في القرآن الكريم لأداء الصلاة المفروضة.
وهكذا تآلفت هذه الجماعة بالإسلام، وتوحد عملها وهدفها، مما جعل السعادة ترفرف على محمد صلى الله عليه وسلم في بيته الكريم.
وسارت به الحياة هادئة في مرحلة الدعوة السرية، ومدتها سنتان ونصف على الأرجح؛ لأن كفار مكة تصوروا محمدا واحدا من الحنفاء الذين يتكلمون من غير أن يؤثروا في غيرهم، وبخاصة أنه لا يتكلم مع كل الناس، وإنما كان يتخير أفرادا قليلين متميزين بلين الجانب والتواضع مع التروي والهدوء.
كما تصوروا أن محمدا سيفتر عن دعوته، ويتركها بعد مدة حين ينصرف الملأ والوجهاء عنه، وصدقوا أنفسهم حينما رأوا أتباع محمد صلى الله عليه وسلم من الفقراء والضعفاء، فلما جهر محمد صلى الله عليه وسلم بالدعوة، ودخل في الإسلام عدد يزيد كل يوم شعروا بالخطر، وبدءوا في المواجهة والمقاومة والعدوان.
ثانيا: صلته بأعمامه
أعمام النبي صلى الله عليه وسلم هم أبناء عبد المطلب، وكانوا جميعا يحبون محمدا، ويرون فيه أخاهم عبد الله، الذي استسلم للذبح فداء لهم، ومات، ومحمد حَمْل في بطن أمه حتى أن عمه أبا لهب أعتق جاريته "ثويبنة" فرحا بمولده صلى الله عليه وسلم.
وقد أنزله جده منزلة خاصة، فلما مات عبد المطلب كفله عمه الشقيق "أبو طالب"، وكان أعمامه جميعا يهتمون بشأنه، فإذا رحل للتجارة أوصوا القافلة به.
وفي يوم زواجه من خديجة كانوا معه، وشاركوه هذا الحدث السعيد.. فلما ولد له صلى الله عليه وسلم البنين والبنات خطب عمه أبو لهب لولديه عتبة وعتيبة بنتي رسول الله رقية وأم كلثوم.
وبعد أن أعلن محمد صلى الله عليه وسلم رسالته، ونادى في مكة بدين الله تعالى ظل عمه أبو طالب على دين قومه، ولم يدخل في الإسلام، ومع ذلك بقي يدافع عن محمد، ويرد من يقصده بسوء.
ثم إن قريشا حين عرفوا أن أبا طالب أبَى خذلان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلن وقوفه بجانبه، مشوا إليه بعمارة بن الوليد بن المغيرة فقالوا له: قد بلغنا يا أبا طالب الكثير عن ابن أخيك محمد، هذا عمارة بن الوليد، أنهد فتى في قريش وأجمله، فخذه فلك عقله ونصره، واتخذه ولدا فهو لك، وأسلم إلينا ابن أخيك هذا الذي قد خالف دينك ودين آبائك، وفرق جماعة قومك، وسفه أحلامهم، فنقتله، فإنما هو رجل برجل.
فقال لهم أبو طالب: والله لبئس ما تسومونني! أتعظوني ابنكم أغذوه لكم وأعطيكم ابني تقتلونه؟! هذا والله ما لا يكون أبدا.
فقال المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصي: والله يا أبا طالب لقد أنصفك قومك، وجهدوا على التخلص مما تكرهه، فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئا.
فقال أبو طالب للمطعم: والله ما أنصفوني، ولكنك قد أجمعت خذلاني ومظاهرة القوم علي، فاصنع ما بدا لك1.
وقد تجمع أعمامه حوله صلى الله عليه وسلم حماية له ما عدا أبي لهب، فقدأعماه الله عن الحق، وأخذ في عداوة محمد صلى الله عليه وسلم والصد عن الدعوة حتى أمر ولديه بتطليق بنات النبي صلى الله عليه وسلم، وأخذت امرأته في وضع الشوك والحطب والقذر أمام بيت محمد صلى الله عليه وسلم.
ولما عزمت قريش على قتل محمد جاءوا يستأذنون قومه -وهم بنو هاشم وبنو المطلب- لأخذه وقتله برضى قومه، فأبوا ذلك عليهم، ورفضوا تسليمه لهم مع أنهم لم يدخلوا في الإسلام يومذاك؛ عصبية وخوفا من العار..
1 سيرة النبي ج1 ص266، 267.
إن أعمام النبي صلى الله عليه وسلم ظلوا معه عصبية، حتى أن عمه حمزة أسلم بسبب دفاعه عن محمد صلى الله عليه وسلم..
فلقد حدثوا أن أبا جهل مر على محمد صلى الله عليه وسلم وهو عند الصفا فأذاه وشتمه، ونال منه بعض ما يكره من العيب لدينه والتضعيف لأمره، فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكلمه، وكانت مولاة لعبد الله بن جدعان في مسكن لها تسمع ما قاله أبو جهل، وشاء الله تعالى أن يمر حمزة راجعا من قنص له، متوشحا قوسه، فقالت له المرأة: يا أبا عمارة، لو رأيت ما لقي ابن أخيك محمد آنفا من أبي الحكم عمرو بن هشام، وجده هنا جالسا فأذاه وسبه، وبلغ منه ما يكره، ثم انصرف، ولم يكلمه محمد صلى الله عليه وسلم، فاحتمل حمزة الغضب، فخرج يسعى، ولم يلتفت إلى أحد حتى أتى أبا جهل، وهو جالس في نادي القوم حول المسجد، فضربه بالقوس، فشج رأسه شجة منكرة، ثم قال: أتشتمه وأنا على دينه، أقول ما يقول، فرد ذلك علي إن استطعت.
فقام رجال من بني مخزوم لينصروا أبا جهل، فقال أبو جهل: دعوا أبا عمارة؛ فإني والله قد سببت ابن أخيه سبا قبيحا.
وثبت حمزة من ساعتئذ على ما قاله، فأسلم وحسن إسلامه، ويومها عرفت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عز -والمسلمين معه- بإسلام عمه حمزة المعروف بينهم بأنه أعز فتى في قريش1.
وهكذا دافع عنه أعمامه؛ لمنزلته بينهم، وحسن تعامله، وكرم خُلُقه، ولو كان غير ذلك لخلعوه وتركوه.. أما عمه أبو لهب فقد استمر مع أعداء محمد يناصرهم، ويصد عن سبيل الله تعالى.
1 هذا الحبيب ص67.