الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثالثة: صلة بني هاشم بسائر بطون العرب
تعرف أسرة النبي صلى الله عليه وسلم بالأسرة الهاشمية نسبة إلى هاشم بن عبد مناف، وهي أسرة عربية يمتد نسبها إلى إبراهيم عليه السلام.
فرسول الله صلى الله عليه وسلم واحد من العرب يتصل مع كل عربي بنسب وصلة؛ لأنهم جميعا أبناء إسماعيل، وعروبة النبي ثابتة موطنا وجنسا ولغة.
يقول الله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلا نَاصِرَ لَهُمْ} 1، وفي هذا بيان لقرية النبي صلى الله عليه وسلم التي أخرج منها، وهي مكة، موطنه الذي أجبر على تركه، والهجرة منه إلى يثرب، المدينة التي نورت بهجرته صلى الله عليه وسلم إليها، يقول قتادة وابن عباس: لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة التفت إلى مكة وقال: "اللهم إنك أحب البلاد إلى الله، وأنت أحب البلاد إليَّ، ولولا المشركون أهلك أخرجوني ما خرجت منك"2.
ويقول تعالى: {بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ} 3، ويقول:{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّي} 4، وعلى هذا فالنبي أمي، أي عربي؛ لأن الأمية صفة ومسمى للعرب قبل المبعث في مقابل أهل الكتاب وهم بنو إسرائيل5.
وجاء الإسلام بلغة العرب، يقول الله تعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} 6، ويقول:{فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ} 7، فهذه العروبة
1 سورة محمد آية 13.
2 الحديث صحيح، رواه الثعلبي، تفسير القرطبي ج16 ص235.
3 سورة الجمعة آية 2.
4 سورة الأعراف آية 157.
5 الملل والنحل ج1.
6 سورة يوسف آية 2.
7 سورة مريم آية 97.
الثابتة لرسول الله تؤكد قرابته العامة لكل عربي، وتؤيد التقاءه مع كل منهم في نسب بعيد أو قريب.
وقد وضح ابن حزم الأسباب النسبية التي ربطت النبي صلى الله عليه وسلم بقبائل العرب جميعا، فقال: "وفي عبد المطلب يجتمع معه عليه السلام: بنو علي، وجعفر، وعقيل -بني أبي طالب- وبنو العباس، وبنو الحارث، وبنو أبي لهب.
وفي عبد مناف يجتمع معه: بنو أمية، وسائر بني عبد شمس، وبنو المطلب، وبنو نوفل، وبنو عبد المطلب.
وفي قصي يجتمع معه: بنو عبد العزى، وبنو عبد الدار، الذين منهم حجبة الكعبة.
وفي كلاب يجتمع معه: بنو زهرة، وأمه منهم، وهي آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة.
وفي مرة يجتمع معه: بنو تيم بن مرة، وبنو مخزوم بن يقظة بن مرة.
وفي كعب يجتمع معه: بنو عدي، وبنو جمح، وبنو سهم.
وفي لؤي يجتمع معه: بنو عامر بن لؤي.
وفي غالب يجتمع معه: بنو تيم الأدرم.
وفي فهر يجتمع معه: بنو الحارث، وبنو محارب، وفهر هذا هو أبو قريش كلها، من لم يكن من ولده فلا نسب له في قريش، ومن كان من ولد فهر فهو قرشي.
وفي كنانة يجتمع معه: كل من ينتمي إلى كنانة من بني عبد مناة، وملك، وملكان، وحدال، وعمرو بن كنانة.
وفي خزيمة يجتمع معه: بنو أسد، والقارة، وهم بنو الهون بن خزيمة.
وفي مدركة يجتمع معه: بنو هذيل.
وفي إلياس يجتمع معه: بنو تميم وإخوتهم، وبنو ضبة، ومزينة، والرباب، وخزاعة، وأسلم، فأما الرباب فهم: تيم، وعدي، وثور، وعكل.
وفي مضر يجتمع معه: قبائل قيس كلها: سليم، ومازن، وفزارة، وعبس، وأشجع، ومرة، وسائر بني ذبيان، وغطفان، وعقيل، وقشير، والحريش، وجعدة، والعجلان، وكلاب، والبكاء، وهلال، وسواءة، وبنو جشم، وبنو نصر، وثقيف، وسعد، وسائر هوازن، ومحارب، وعدوان، وفهم، وباهلة، وغني، والطفاوة، وسائر قيس.
وفي نزار يجتمع معه: قبائل ربيعة، وهم: بكر، وتغلب، وعنز بني وائل، وعبد القيس وقبائلها، وعنزة، والنمر بن قاسط.
وفي معد يجتمع معه: إياد.
وفي عدنان يجتمع معه: بنو عك"1.
هذه واحدة..
وأخرى وهي أن جميع بطون مكة قبيل البعثة كانت ترتبط ببني هاشم بقرابة ورحم، فعن ابن عباس:"أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن من بطون قريش إلا وله فيه قرابة"2، وبسبب هذه القرابة نرى القرآن الكريم يكرر في معرض دعوته لأهل مكة أن الرسول "منكم" و"من أنفسكم" و"منهم" يقول تعالى:{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} 3، ويقول سبحانه:{بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِم} 4.
1 جوامع السيرة ص2، 3، 4.
2 صحيح البخاري - باب المناقب ج4 ص217.
3 سورة التوبة آية 128.
4 سورة آل عمران آية 164.
ويقول: {جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُم} 1، فالرسول صلى الله عليه وسلم منهم، وهم أقرباؤه، ومع ذلك فدعوته للعالم كله، وعليهم أن يؤمنوا به ليؤكدوا تشرفهم بحمل الرسالة، وتبليغها للعالمين.
إن بطون قريش يرتبطون بقرابة مع رسول الله فهم أخواله وأعمامه، وله منهم عمات وخالات، كما يقول تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ} 2 ودلالة هذه الآية صريحة في وجود أعمام وأخوال وعمات وخالات له صلى الله عليه وسلم في مكة، وأنه صلى الله عليه وسلم تزوج من بناتهم المهاجرات بعد الهجرة، وبالبحث في زوجات النبي صلى الله عليه وسلم القرشيات نجد أنهن لسن من بني هاشم، ولكنهن من بقية بطون مكة..
فعائشة من بطن "تيم"، وتلتقي برسول الله في جده مرة.
وحفصة من بطن "عدي"، وتلتقي برسول الله في جده كعب.
وأم حبيبة من بطن "بني أمية"، وتلتقي برسول الله في جده عبد مناف.
وأم سلمة من بطن "بني مخزوم"، وتلتقي برسول الله في جده كلاب.
وسودة من بطن "بني عامر"، وتلتقي برسول الله في جده لؤي.
وزينب من بطن "بني أسد"، وتلتقي برسول الله في جده خزيمة.
وهذا يثبت القرابة القريبة لرسول الله مع بطون مكة جميعا، فهم أعمام وعمات وأخوال وخالات أقرباء لمحمد صلى الله عليه وسلم.
إن قرابة النبي صلى الله عليه وسلم لبطون مكة تعود لعدة أجيال قديمة، وهي حقيقة لا شك فيها.
1 سورة النحل آية 50.
2 سورة الأحزاب آية 50.
وقد تحدث القرآن عن هذه القرابة في مجال حث أهل مكة على الإيمان؛ حيث يقول تعالى: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} 1.
فهي تشير إلى القرابة المعروفة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل مكة، والتي يجب أن تدفعهم إلى الإيمان بالإسلام أداء لحق المودة، والقرابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويقول تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} 2..
والآية تتضمن -كما هو ظاهر- دلالة قاطعة على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له في مكة عشيرة، أو بطن خاص يلتحم به التحام القرابة العصبية المباشرة، مع التحام هذا البطن الخاص بوشائج القربى مع سائر بطون قريش، والقرائن القرآنية مضافة إلى أخبار السيرة والروايات، تدل على أن هذا البطن الخاص كان ذا مكانة محترمة، وملك جانبا عزيزا بين الناس.
لقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا من المسلمين بالهجرة من مكة إلى الحبشة بسبب ما نالهم من اضطهاد قريش، لمتابعتهم النبي صلى الله عليه وسلم وعدم وجود من يحميهم وينصرهم، في حين أن النبي صلى الله عليه وسلم ومعه غيره من رجالات المسلمين القرشيين لم يهاجروا، وظل يقوم بدعوته قويا صريحا واضحا في الإنكار والتخويف والإنذار بلسان القرآن، معتمدا على الله تعالى الذي جعل له من أقربائه أنصارا، مع أنهم لم يؤمنوا بالإسلام3.
1 سورة الشورى آية 23.
2 سورة الشعراء آية 214.
3 يراجع في هذه القضية مواقف عمه أبي طالب الذي عاش حياته مدافعا عن محمد صلى الله عليه وسلم مع أنه لم يؤمن، وقصة إسلام حمزة التي قامت دفاعا عن محمد صلى الله عليه وسلم، واشتراك بني هاشم والمطلب مع المسلمين في حصار الكفار لهم.. وكلها تدل على ما كان للقرابة والعصبية من نصرة ومساندة.
ويجب أن ينظر إلى أن الهجرة إلى الحبشة كانت للمحافظة على روح وقوة الجماعة المسلمة، ولإيصال الإسلام خارج جزيرة العرب.
وفي نهاية هذا المبحث أجد شبهة تستحق أن نرد عليها، فلقد عرض الدكتور/ محمود علي مراد لأحداث السيرة في المرحلة المكية في رسالته للدكتوراه، ورأى أن أغلب مروياتها وضع تمجيدا لبني هاشم، أجداد العباسيين، الذين دونت السيرة في عهدهم؛ ولذلك جاءت أحداث سيرة ابن إسحاق وبخاصة في الفترة المكية تمجيدا لبني هاشم خدمة للعباسيين على حساب الأمويين أعدائهم.
ويرى أن النصوص التي تصور عبد المطلب مؤمنا غير صحيحة، ولا تتناسب مع بعض الشواهد التي ذكرها الدكتور في مؤلفه، فقصة حفر عبد المطلب لزمزم، ومواجهته لأبرهة، وإصراره على الوفاء بنذره، بذبح أحد أبنائه العشرة.
هذه الأحداث يردها الدكتور، ويستدل في ردها برضى عبد المطلب على وضع الأصنام حول الكعبة، وعدم قيام عبد المطلب بدعوة دينية في قومه، وتسميته أحد أبنائه بـ"عبد العزى"، وجحود أبنائه الديني؛ حيث لم يؤمن أحدهم بمحمد إلا بعد ثلاث سنوات من البعثة1، مما يدل على عدم توجيههم دينيا.
ونحن لا نرتضي ما ذهب إليه الدكتور لما يلي:
1-
التشكيك في راوي السيرة "ابن إسحاق" غير صحيح، فهو من رواة السنة، وأحاديثه ورواياته مقبولة، وقد وثقه علماء الجرح والتعديل2.
1 سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، د/ محمود علي مراد ص42 بتصرف، وهي رسالة حصل بها المؤلف على الدكتوراه من جامعة السوربون، وهي مترجمة من الفرنسية إلى العربية.
2 محمد بن إسحاق صاحب السيرة التي لخصها ابن هشام من العلماء الثقات، يقول عنه البخاري: روى عنه إبراهيم بن سعد سبعة عشرة ألف حديث، ومن أشهر مشايخه: عاصم بن قتادة، والزهري، وعبد الله بن أبي، وهشام وعمرو ابني عروة بن الزبير، وإبان بن سعيد.
يقول ابن هشام عنه: هذا أعلم الناس بالمغازي، ويقول عاصم بن عمر: لا يزال في الناس علم ما بقي ابن إسحاق، ويقول ابن معين عنه: إنه ثقة، حسن الحديث.
وقد جرح بعض العلماء ابن إسحاق لإكثاره في الرواية، واتهامه بالقدر، وتتبعه لأولاد اليهود الذين رووا أحاديث الغزوات، وهي أسباب ردها علماء الحديث، وينحصر نقد ابن إسحاق عند إمامين جليلين، هما: الإمام مالك بن أنس، وهشام بن عروة، بناء على أسباب وجدوها فيه، وهي: =
2-
لأجداد الأمويين والعباسيين أمجاد ومزايا، فلِمَ نتهم ابن إسحاق بروايته أمجاد العباسيين مع أن إيرادهم هنا مع أحداث السيرة ضرورة علمية لما لهم من صلة مباشرة بصاحب السيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!!
ولِمَ لَمْ نفهم سبب سكوته عن أمجاد الأمويين، مع أن مجال الدراسة بعيد عنهم، ولم يشر ابن إسحاق إلى الأمويين بأي سوء؟!
3-
رد الأحاديث المروية اعتمادا على العقل وحده لا يكفي؛ لأن إيمان عبد المطلب لم يكن بصورته التامة، فهو يشبه الحنفاء كما قلنا.. لكن الدكتور يتصوره رسولا، وينقد على هذا الأساس.
4-
تشكك ابن هشام في صحة القصائد التي عزاها ابن إسحاق إلى بنات عبد المطلب، وقد أبرز الدكتور هذا التشكيك، واستشهد به، فلم اعتبر ابن هشام صادقا هنا وغير صادق في مروياته الأخرى عن عبد المطلب؟!
= الأول: حرصه على الإكثار من الرواية، وهو أمر كرهه الإمام في حياته، قال عبد الرحمن بن مهدي للإمام مالك:"يا أبا عبد الله، سمعنا في بلدكم -أي: بالمدينة- أربعمائة حديث في أربعين يوما، ونحن في يوم واحد نسمع هذا كله -أي بالعراق- فقال له: يا أبا عبد الرحمن، من أين لنا دار الضرب التي عندكم؟ دار الضرب تضربون بالليل، وتنفقون بالنهار".
الثاني: اتهامه بالقدر، وهي تهمة اتهم بها كثير من المحدثين ولم تنل منهم، وقد أخرج مسلم في صحيحه عن بعضهم.
أخرج الخطيب عن أبي زرعة الدمشقي قال: "ومحمد بن إسحاق رجل قد أجمع الكبراء من أهل العلم على الأخذ منه، منهم: سفيان، وشعبة، وابن عيينة، وحماد بن زيد، وحماد بن سلمة، وابن المبارك، وقد اختبره أهل الحديث فرأوا صدقا وخيرا، مع مدحة ابن شهاب له، وقد ذاكرت دحيما قول مالك في ابن إسحاق فرأى أن ذلك ليس للحديث، إنما هو لأنه اتهمه بالقدر".
وقال الجرجاني: الناس يشتهون حديثه، وكان يُرمى بغير نوع من البدع، وقال موسى بن هارون: سمعت محمد بن عبد الله بن نمير يقول: كان محمد بن إسحاق يُرمى بالقدر، وكان أبعد الناس منه.
الثالث: تتبعه لغزوات النبي صلى الله عليه وسلم من أولاد اليهود الذين أسلموا وحفظوا قصة خيبر وغيرها. "انظر: مع الرسول صلى الله عليه وسلم ص124، 125 بتصرف".