الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4-
المساهمة في تكوين قاعدة إيمانية صُلْبة، ومثالية في هدوء وأناة؛ لتقوم بدورها في المراحل التالية، ولتقدم أسوة راقية لمن بعدهم في الخلق والسلوك وأداء الواجب.
تاسعا: حمل المسلمين مسئولية الدعوة:
قام الرسول صلى الله عليه وسلم بأمر الدعوة إلى الله تعالى، وتبعه نفر قليل، فأخذ يعلمهم بتعاليم الله التي ينزل بها الوحي، وأخذ المسلمون يعيشون حياة جديدة طيبة، وتكون منهم أناس ربانيون خرج حظ الشيطان من نفوسهم، وتابع الرسول صلى الله عليه وسلم تغذيتهم بالقرآن وتقويتهم بالإيمان حتى صاروا -بحق- عبيدا لله، لا يريدون في الأرض علوا ولا فسادا.. ورأوا أن أعظم العمل هو الدعوة لدين الله والعمل به.. ولذلك رأينا أبا بكر رضي الله عنه لم يكتفِ بإسلامه متخفيا، وإنما أظهر إسلامه، ودعا إلى الله، وإلى رسوله، فأسلم بدعوته:
عثمان بن عفان.
والزبير بن العوام.
وعبد الرحمن بن عوف.
وسعد بن أبي وقاص.
وطلحة بن عبد الله بن عثمان
…
رضوان الله عليهم أجمعين.
فلما أسلم هؤلاء الخمسة، قدم بهم أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلوا معه، وصدقوا برسالته، وبلغ عدد المسلمين بهم ثمانية1..
وفي اليوم التالي جاء أبو بكر بنفر آخرين أسلموا بدعوته أيضا، وهم: عثمان بن مظعون، وأبو عبيدة بن الجراح، وأبو سلمة بن عبد الأسد، والأرقم بن أبي الأرقم.
ويرجع نجاح أبي بكر في الدعوة إلى عدة أسباب:
1 تاريخ الطبري ج1 ص317.
أ- بساطة الدعوة إلى التوحيد، كما هو ظاهر من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر:"وأدعوك إلى الله بالحق، فوالله إنه للحق، أدعوك إلى الله وحده لا شريك له، ولا تعبد غيره، والموالاة على طاعته".. وفي قوله صلى الله عليه وسلم دلالة على أن الله واحد، وحقه أن يعبد وحده، ونبذ ما عداه من آلهة وشركاء.
وقد صدق أبو بكر بما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وآمن به بلا تردد أو مراجعة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:"ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلا كانت له عنه كبوة وتردد ونظر، إلا أبا بكر ما تردد فيه"1.
ب- اشتهار أبي بكر رضي الله عنه في مكة بحسن الخلق، وسَعَة الأفق، وتنوع الثقافة، ودقة الأمانة، يقول ابن كثير: وكان أبو بكر رجلا مؤلفا لقومه، محبا سهلا، وكان أنسب قريش لقريش، وأعلم قريش بما كان فيها من خير وشر، وكان رجلا تاجرا ذا خلق، ومعروف، وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه، لغير واحد من الأمر؛ لعلمه، وتجارته، وحسن مجالسته، فجعل يدعو إلى الإسلام من وثق به من قومه ممن يغشاه، ويجلس إليه2.
ج- الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في الاصطفاء، وتخير من يدعوهم، كما هو واضح من الصحابة الذي آمنوا بدعوته لهم.
وعلى مثال أبي بكر رضي الله عنه كان سائر الصحابة الذين دخلوا في الإسلام، فكان الواحد منهم إذا توسم الخير في إنسان دعاه برفق إلى الإسلام، فإن استجاب وجهه إلى دار الأرقم، وإن لا تركه وانصرف عنه، يروي ابن سعد في الطبقات قصة إسلام عمار بن ياسر، وصهيب بن سنان، ومجيئهما إلى دار الأرقم، والتقائهما عند الباب، والحوار الذي دار بينهما، فيقول: قال عمار بن ياسر: لقيت صهيب بن
1 دلائل النبوة للبيهقي ج2 ص164.
2 البداية والنهاية ج3 ص29.
سنان على باب دار الأرقم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، فقلت له: ما تريد؟
قال لي: ما تريد أنت؟
فقلت: أردت أن أدخل على محمد فأسمع كلامه.
قال: وأنا أريد ذلك.
فدخلنا عليه، فعرض علينا الإسلام، ثم مكثنا يوما على ذلك حتى أمسينا، ثم خرجنا ونحن مستخفون1.
وكان مجيئهما إلى دار الأرقم بتوجيه بعض الصحابة الذين وثقوا من إيمانهم.
وكان صلى الله عليه وسلم ينظم الذين أسلموا في جماعات صغيرة؛ لتلتقي كل مجموعة في بيت أحدهم، يقرءون كلام الله، ويتعاهدون الإسلام بالفهم والتطبيق، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسل إلى هذه المجموعات أحد القراء ليحفظهم القرآن الكريم الذي نزل، يروي ابن سعد أن عمر بن الخطاب لما ذهب إلى أخته مغاضبا وجد عندها خباب بن الأرت، وكان يختلف إلى فاطمة بنت الخطاب يقرئها القرآن مع زوجها2.
وإذا كان أحد المسلمين يقرأ ويكتب فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يرسل له القرآن مكتوبا ليقرأه على إخوانه.
وكان المسلمون الأوائل حريصين على حماية الإسلام، وحماية رسول الله صلى الله عليه وسلم، من ذلك ما فعله نعيم بن عبد الله النجام، وكان مستخفيا بإسلامه، فإنه لما رأى عمر بن الخطاب متوشحا سيفه شك في أمره وارتاب في مقصده، مما دفعه إلى سؤاله فقال: أين تريد يا عمر؟
فقال: أريد محمدا، هذا الصابئ الذي فرق أمر قريش، وسفه أحلامها، وعاب دينها، وسب آلهتها، فأقتله.
1 ابن سعد، الطبقات ج3 ص227.
2 صحيح مسلم.
فقال نعيم: والله لقد غرتك نفسك من نفسك يا عمر، أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمدا، أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم؟!
قال: وأي أهل بيتي؟
قال: خنتك وابن عمك سعيد بن زيد بن عمرو، وأختك فاطمة بنت الخطاب1.
ومن أعمال الصحابة التي بذلوها لحماية رسول الله صلى الله عليه وسلم مراقبة الغرباء القادمين إلى مكة، ومعرفة مقاصدهم، ومساعدتهم في الوصول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إن رغبوا في ذلك في إطار من السرية المطلوبة..
يروي البخاري بسنده أن أبا ذر رضي الله عنه قدم مكة، فأتى المسجد، فالتمس رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان لا يعرفه، وكره أن يسأل عنه، حتى أدركه بعض الليل، فرآه علي رضي الله عنه فعرف أنه غريب، فلما رآه تبعه، فلم يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء حتى أصبح، ثم قام، واحتمل قربته وزاده إلى المسجد، وظل ذلك اليوم، ولا يراه النبي صلى الله عليه وسلم حتى أمسى، فعاد إلى مضجعه، فمر به علي رضي الله عنه فقال: أما آن للرجل أن يعلم منزله؟
فأقامه، فذهب به معه، لا يسأل أي واحد منهما صاحبه عن شيء.
حتى إذا كان اليوم الثالث، فعاد علي رضي الله عنه على مثل ذلك، فأقام معه، ثم قال: ألا تحدثني ما الذي أقدمك؟
قال أبو ذر: إن أعطيتني عهدا وميثاقا لترشدني فعلت.
ففعل.
فأخبره.
وقال علي له: إنه حق، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أصبحت فاتبعني، فإني إن رأيت شيئا أخاف عليك قمت كأني أريق الماء، فإن مضيت فاتبعني، حتى تدخل مدخلي، ففعل، فانطلق يقفوه، حتى دخل على النبي صلى الله عليه وسلم ودخل معه، فسمع
1 ابن هشام، السيرة ج1 ص366.
من قوله، وأسلم مكانه1.
وبهذا الحذر كان تصرف الصحابة حبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومحافظة عليه رضي الله عنهم أجمعين.
1 أخرجه البخاري في الجامع الصحيح - كتاب مناقب الأنصار - باب إسلام أبي ذر ج6 ص182.