الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولقد صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشهادة مجتمعا متحررا من سلطان الشهوة، وسلطان الطغاة، مجتمعا قائما على العدل، وتقرير كرامة الإنسان، مجتمعا طاهر الخلق، زكي الروح، يقظ الضمير، متآلفا، متحابا، يوالي الفردُ الفردَ أخاه، ويعمل للجماعة كما يعمل لنفسه.
ولقد صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا المجتمع السعيد؛ لأن أفراده أقاموا هذا الدين "أولا" في قلوبهم وضمائرهم، وطبقوه "ثانيا" في حياتهم وأعمالهم، وبعد ذلك كانوا رجالا يحبون لغيرهم ما يحبونه لأنفسهم، ويحافظون على حقوق الآخرين قبل أن ينالوا حقهم.
إن هذا المضمون هو الإسلام كله، وهو الجزء الرئيسي في منهج الدعوة؛ لأن غاية المنهج هو خدمة الإسلام، وتبليغه للناس، وتحقيقه في عالم التطبيق والسلوك.
ثالثا: أسلوب الدعوة
الفكرة في حقيقتها معلومات عقلية لا تظهر للناس إلا في قوالب لغوية، يؤلفها حامل الفكرة أو تؤلف له، ويتمكن بواسطتها من إيصال فكرته ومعارفه لغيره.
كما أن المستمع والمتلقي يفهم الفكرة، ويتصورها ويتجاوب معها من خلال الكلمات التي سمعها أو قرأها.
والقوالب اللغوية الحاملة للمضمون هي الأساليب البيانية.
والأسلوب أحد أركان منهج الدعوة، ويعرفه العلماء بأنه المحتوى البياني الذي يحمله الطريق لتصل الدعوة إلى المدعوين، وقد يكون هذا المحتوى قولا منطوقا أو مكتوبا أو صورة أو عملا وهكذا..
وللأسلوب أهميته في إيصال المضمون للناس؛ لأن الإنسان لا يستوعب الفكرة، ولا يفهمها جيدا، إلا إذا وصلت إليه بأسلوب مفهوم، مرتب على قواعد علوم اللغة والبلاغة التي لا بد منها لدقة المعنى، والتاثر به؛ ولذلك دعا الرسل
عليهم السلام بلسان المدعوين، ووجب تبليغ الدين على نحو بيِّن ومفهوم دقيق.
إن الخطاب الديني يتجه إلى الإنسان، ويعيش مع طاقاته العقلية والوجدانية والسلوكية
…
ووجب لذلك أن يتنوع مع دقة المعنى، وجمال العبارة، وحلاوة الأسلوب على نمط القرآن الكريم الذي شهد له أعداؤه، وقالوا عنه: إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة1.
إن أسلوب القرآن الكريم يتضمن الإقناع العقلي، والتأثير الوجداني، والجذب الروحي؛ لأنه يخاطب في الإنسان شعوره ومشاعره، ويتحدث مع عقله وعواطفه، ويأخذ بالألباب والأرواح.
لقد كان كفار مكة -وعلى رأسهم قادتهم- يتأثرون بالقرآن حين سماعه؛ ولذلك كانوا يأتون سرا لسماع محمد صلى الله عليه وسلم في الليل إعجابا بأسلوب القرآن الكريم.
ويرى ابن هشام عن ابن إسحاق أن محمد بن شهاب الزهري قال: إن أبا سفيان بن حرب، وأبا جهل بن هشام، والأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثقفي، حليف بني زهرة، خرجوا ليلة ليستمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي من الليل في بيته، فأخذ كل رجل منهم مجلسا يستمع فيه، وكل لا يعلم بمكان صاحبه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا، فجمعهم الطريق، فتلاوموا.
وقال بعضهم لبعض: لا تعودوا، فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئا، ثم انصرفوا.
حتى إذا كانت الليلة الثانية، عاد كل رجل منهم إلى مجلسه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا، فجمعهم الطريق، فقال بعضهم لبعض مثل ما قالوا أول مرة، ثم انصرفوا.
1 سيرة النبي صلى الله عليه وسلم لابن هشام ج1 ص293.
حتى إذا كانت الليلة الثالثة أخذ كل رجل منهم مجلسه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا، فجمعهم الطريق، فقال بعضهم لبعض: لا نبرح حتى نتعاهد ألا نعود، فتعاهدوا على ذلك، ثم تفرقوا.
فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه، وخرج حتى أتى أبا سفيان في بيته، فقال: أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد؟
فقال: يا أبا ثعلبة، والله لقد سمعت أشياء أعرفها، وأعرف ما يراد بها، وسمعت أشياء ما عرفت معناها، ولا ما يراد بها.
قال الأخنس: وأنا والذي حلفت به كذلك.
ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل، فدخل عليه بيته، فقال: يا أبا الحكم، ما رأيك فيما سمعت عن محمد؟
فقال: تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف، أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تحاذينا على الركب، وكنا كفرسي رهان، قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك مثل هذه، والله لا نؤمن به أبدا، ولا نصدقه.
فقام عنه الأخنس وتركه1.
لقد كان لأسلوب القرآن الكريم التأثير العظيم في عقول من يفهمه، ووجدان من يسمعه، حتى رأينا كفار مكة يتخفون للتمتع بالاستماع إليه، وما صدهم عن الإيمان إلا التعصب والحقد والحسد.
إن كثيرا من أهل الكتاب دخلوا في الإسلام بسماعهم القرآن الكريم، يقول تعالى:{وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} 2، وما ذلك إلا لما
1 سيرة النبي صلى الله عليه وسلم لابن هشام ج1 ص315.
2 سورة المائدة آية 83.
فيه من أصالة الموضوع، وبساطة المعنى، وجمال الأسلوب، ولما فيهم من سلامة الفطرة، وصدق التوجه، واتباع الحق، والتسليم بالدليل، وشأن القرآن الكريم دائما أن يزداد به الإيمان، وتخشع القلوب، وتذرف العيون، يقول تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} 1.
ويقول سبحانه: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} 2. ويصف الله تعالى تأثير القرآن الكريم في النفوس المؤمنة، ويبين ما يصيب القلوب من خشية ولين، وما يظهر على جلودهم من قشعريرة واضطراب، يقول تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} 3.
وحتى يقوم الأسلوب بدوره أرسل الله الرسل عليهم السلام بلغة أقوامهم ليتضح المعنى، ويعرف المطلوب، يقول الله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} 4.
والأساليب تتنوع مراعاة لحال المدعوين؛ لأن من الناس طائفة ذات نفوس مشرقة، وعقول ذكية، وإدارك سريع، وهؤلاء تكفيهم الإشارة، ويناسبهم الإيجاز،
1 سورة الأنفال آية 2.
2 سورة مريم آية 58.
3 سورة الزمر آية 23.
4 سورة إبراهيم آية 4.
وترضيهم الكلمات القليلة ذات الدلالات الموجزة، والمعاني الدقيقة.
ومن الناس طائفة ذات عقول متوسطة، ونفوس خاملة، وطباع لا تتحرك إلا إذا استثيرت وانفعلت، وهؤلاء يناسبهم بسط الكلام، وتكرار العبارة، وسوق المعنى بأكثر من طريق.
ومن الناس طائفة ذات عقل وفهم، لكنها محبة للجدل والحوار، كثيرة السؤال والاعتراض، مرة لتفهم، وأخرى لتظهر ذاتها في حوار ونقاش1.
وقد أدى تنوع الناس إلى تنوع الأساليب، مع أن المعنى والمضمون واحد.
ولذلك رأى العلماء أن الأسلوب بصورة عامة يتنوع إلى ثلاث صور كلية وبعدها تأتي الأساليب الفرعية العديدة، المناسبة للمدعوين، تعبيرا عن إحدى هذه الصور الكلية.
والصورة الكلية للأسلوب ثلاثة، أمر الله بها في قوله تعالى:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} 2، وبيانها فيما يلي:
الصورة الأولى: الحكمة
وهي مشتقة من الإحكام والإتقان، ومرجعها إلى العلم الدقيق، والحقيقة المجردة، الخالية من الإطناب والتكرار.
وتطلق الحكمة على مسميات عديدة كالعقل، والفهم، والنبوة، والحديث، وعلى بعض أساليب الدعوة.
والحكمة في أساليب الدعوة تعني اللفظ المحكم، الدقيق، الدال على معناه المقصود بلفظ موجز، وعبارة جميلة.. يقول أبو السعود: "الحكمة هي الدليل الموضح
1 انظر: تفسير الرازي ج5 ص515 بتصرف.
2 سورة النحل آية 125.
للحق، المزيل للشبهة، المتجه إلى العقل مباشرة، من غير إثارة وجدان، أو تهييج انفعال"1.
ويقول الإمام النووي: الحكمة عبارة عن العلم المتصف بالإحكام، المشتمل على المعرفة بالله تبارك وتعالى، المصحوب بنفاذ البصيرة، وتهذيب النفس، وتحقيق الحق، والعمل به، والصد عن اتباع الهوى والباطل، والحكيم من له ذلك، قال أبو بكر بن دريد: كل كلمة وعظتك وزجرتك، أو دعتك إلى مكرمة، أو نهتك عن قبيح، فهي حكمة2.
ويقول ابن القيم: الحكمة جامع مانع؛ لأنه يشمل الإتقان والإحكام للأقوال، وتنزيل جميع الأمور في مواضعها المناسبة، وفي أوقاتها الملائمة للإفادة بها3.
الصورة الثانية: الموعظة الحسنة
والوعظ يعني: النصح، والإرشاد، ومخاطبة الوجدان، وإثارة العواطف، ومن خلال التنوع البياني الذي يعرض المعنى بأساليب مختلفة، مع التذكير بالعواقب، والترغيب في الفعل، والتخويف من الترك.
والوعظ يشمل الوصية الخيرة، والأمر بالحسنى..
وعلى الجملة، فإن الموعظة عبارة عن مجموعة من العبر النافعة، والخطابات المقنعة، والإرشادات المعبرة.
وإنما وصفت الموعظة بأنها حسنة للإشارة إلى أن الموعظة تعني النصح الخير، وتدور حول فعل المعروف، وترك المنكر، وتحاول إقناع العقل، وإرضاء العاطفة، وإن لا لم تكن حسنة.
1 تفسير أبي السعود ج2 ص200.
2 تربية النبي لأصحابه ص319.
3 نفس المرجع السابق ص320.
الصورة الثالثة: المجادلة بالتي هي أحسن
المجادلة أدلة كلامية يوردها الداعي ليلزم الخصم ويفحمه، ويجعله يؤمن بالمدعي، واتصفت المجادلة بالحسنى إبعادا لها عن مفهوم المجادلة الاصطلاحية الذي يعرف المجادلة المنطقية، والمكابرة، والمعاندة، بأنها ليست لإظهار الصواب، بل لإلزام الخصم، والتعالي، وإثبات الذات، ذلك أن حملة الدعوة يقصدون إظهار الصواب دائما والوقوف على الحق باستمرار، وإقناع الخصم بالحسنى.
يقول صاحب مختار الصحاح: "جادل مجادلة جدالا إذا خاصم بما يشغل عن ظهور الحق، ووضوح الصواب، هذا أصله ثم استعمل على لسان حملة الشرع في مقابلة الأدلة لظهور أرجحها، وهو محمود حسن إن كان للوقوف على الحق، وإلا فمذموم"1.
ويقول الرازي: الجدل المذموم محمود على الجدل في تقرير الباطل، وطلب المال، والجاه، والجدل الممدوح محمول على الجدل في تقرير الحق، ودعوة الخلق إلى سبيل الله، والذب عن دين الله تعالى2.
وهكذا قيد الله الجدل بالذي هو أحسن حتى يكون هادفا، ومقنعا، ومناقشا لشبه المدعوين.
والفرق بين الجدل والموعظة: أن المجادلة منازعة بين طرفين متعارضين، والخصم فيها ليس صامتا، وإنما يناقش ويرد بما رسخ في نفسه من أوهام وشُبَه.
بخلاف الموعظة، فإن المدعو بها يستمع إليها، ويستثار بها، وينفعل معها، بلا ضرورة المنازعة الكلامية..
وقد أمر الله رسوله أن يدعو الناس بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالحسنى؛ لتعم الفائدة سائر الخلائق المختلفين: مكانا، وزمانا، وفكرا، وطبيعة.
1 مختار الصحاح مادة "جدل".
2 مفاتيح الغيب ج2 ص252.
وقد بين الرازي تنوع الناس، وذكر أنهم بالنسبة لكمال الطبع طرفان وواسطة.
فالطائفة الأولى التي تتجه إليها الحكمة هي طرف الكمال.
والطائفة الثالثة المجادلة هي طرف النقصان.
والطائفة الثانية صاحبة الموعظة هي الواسطة، وهم الذين لم يبلغوا في الكمال إلى حد الحكماء المحققين، كما لم يبلغوا في النقصان والرذالة إلى حد المشاغبين المخاصمين، بل هم أقوام بقوا على الفطرة الأصلية والسلامة الخلقية، ويقول: إن معنى الآية: ادعُ الأقوياء الكاملين إلى الدين بالحكمة، وهي البراهين القطعية اليقينية، وعوام الخلق بالموعظة الحسنة، وهي الدلائل اليقينية الإقناعية، والتكلم مع المشاغبين بالجدل على الطريق الأحسن الأكمل1.
وتقسيم الناس إلى هذه الطوائف الثلاث تقسيم يتفق مع الواقع البشري؛ لأن من الناس من يريد التعمق ويكره السطحية، ولا يهدأ له بال إلا باليقين الحقيقي القائم على الفكر والتدبر، ومنهم من يستهويه موضوع مثير، وفطرة طيبة، فيقف أمام اللفظة الجميلة، والمثل النادر، والقصة الشيقة، والتكرار المؤكد، ويسهر لمنظر بائس ورؤية مسكين، ومنهم من يَهْوَى اللحج ويعشقه، وينازع ويجادل.
لكن ليس معنى هذا التقسيم أن كل طائفة تغاير الأخرى تماما، وتتمايز تمايزا كليا؛ إذ من الناس من يجمع في طبعه أكثر من صفة؛ ولذا كان تنوع الأسلوب ضرورة لمخاطبة كافة الناس، ولإرضاء كافة عناصر الإنسان.
جاء في الظلال: والدعوة بالحكمة تراعي أحوال المخاطبين وظروفهم، والقدر المختار في كل مرة حتى لا يثقل عليهم، ولا يشق عليهم بالتكاليف قبل استعداد النفوس لها، والطريقة التي يخاطبهم بها، والتنوع في هذه الطريقة حسب مقتضياتها.
1 مفاتيح الغيب ج5 ص536، 537.
والدعوة بالموعظة الحسنة تدخل إلى القلوب برفق، وتعمق المشاعر بلطف، لا بالزجر والتأنيب في غير موجب، ولا بفضح الأخطاء التي تقع عن جهل، أو حسن نية، فإن الرفق في الموعظة كثيرا ما يهدي القلوب الشاردة، ويؤلف القلوب النافرة، ويأتي بخبر أكثر من الزجر والتأنيب والتوبيخ.
والدعوة بالجدل بالتي هي أحسن تكون بلا تحامل على المخالف، ولا ترذيل له وتقبيح، حتى يطمئن إلى الداعي، ويشعر أن ليس هدفه الغلبة في الجدل، فالنفس البشرية لها كبرياؤها وعنادها، وهي لا تنزل عن الرأي الذي تدافع عنه إلا بالرفق حتى لا تسرع بالهزيمة، والجدل بالحسنى هو الذي يطامن من هذه الكبرياء الحساسة1.
ويلاحظ:
أن كلا من صور الأسلوب الثلاث لا تنحصر في شكل بياني محدد؛ لأن الصورة الواحدة تظهر في صورة فرعية عديدة، فمن الحكمة: الإيجاز، والإشارة، والتأكيد المجرد.
ومن الموعظة: الاستفهام، وضرب المثال، والتشبيه، وإيراد القَصَص، والتأثير الصوتي.
ومن الجدل: المحادثة، وحلقات النقاش، وعقد الاجتماعات، والمناظرات.
ولذلك اعتبرت هذه الصور الثلاث أصولا للأساليب تتفرع منها صور عديدة قابلة للزيادة كلما تقدم الناس، وتطورت العلوم، وتنوعت الحضارات.
وهكذا..
يكون الأسلوب، ويكون دوره مع البلاغ والدعوة..
1 في ظلال القرآن ج4 ص2202.