الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقال: ما كان أعداء الله أهون عليَّ منهم الآن، ولئن شئتم لأغادينهم بمثلها غدا.
قالوا: لا، حسبك قد أسمعتهم ما يكرهون1.
إن استضعاف المشركين لمن أسلم، وإيذاء من يظهر منهم، كان سببا في التدرج بالجهر بالدعوة؛ ولذلك اتخذ الجهر مرحلتين.
إن موضوع الدعوة تحدد بدقة منذ اللحظة الأولى، وهو الدعوة إلى وحدانية الله، وقصر العبادة له سبحانه وتعالى، وكل ما جد في شأن الدعوة كان مع الوسائل والأساليب؛ ولذا سأتناول في هذا المبحث الملامح التالية:
1 السيرة النبوية لابن هشام ج1 ص314.
أولا: ظهور الجماعة المؤمنة
…
أولا: ظهور الجماعات المؤمنة:
ظهرت الجماعة الإسلامية الأولى في مكة، وخرجت للعلن بعد أن جهر الرسول صلى الله عليه وسلم بالدعوة، وصارت تمثل كيانا له دينه ومرجعيته وعلمه وذاتيته.
إن العقيدة التي صدق بها هؤلاء السابقون الإسلام، وهي الدين الذي آمنوا به، وهي القاعدة التي طهرتهم، وصهرتهم نظريا وعمليا، وجعلتهم يكونون المجتمع الإيماني على قاعدة نظرية معرفية تختم العمل والتطبيق.
إن التوحيد هو الحقيقة الكبرى في الكون، فالخلق تعالى واحد، والكون بسننه ونواميسه واحد، والإنسان في جوهره وغايته ووجوده واحد، والكون بكامله يتجه إلى الله عز وجل اتجاها واحدا بالعبادة والطاعة:{وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} 1، وينبغي للإنسان أن يتجه إلى نفس الغاية والهدف، وإلا حصل التصادم والتمزق والضياع في مسيرة الحياة.
ولذلك نص القرآن المكي على قاعدة الوجود الكبرى، وغاية الوجود الإنساني في قوله تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} 2؛ حيث
1 سورة آل عمران آية 83.
2 سورة الذاريات آية 56.
ترسم الآية الإطار العام للعقيدة، والدائرة الشاملة للحياة البشرية، وجعل كل الأعمال الظاهرة والباطنة عبادة الله تعالى.
ولم يكن صدفة أن يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بتربية المجموعة الأولى على تجريد التوحيد، فرسخ في قلوبهم المعرفة الحقة بالله تعالى التي تقتضي الاستسلام التام له، والطاعة المطلقة له، وعدم التقديم بين يديه، والرضا والتسليم بقضائه وقدره1.
ومرجعية هذه الجماعة هي الوحي الإلهي، والرسول صلى الله عليه وسلم بينهم يعلمهم ويبين لهم طرق العمل به، والهداية بمنهجه..
وقد تعلمت هذه الجماعة من القرآن الكريم الذي نزل عليهم أن هناك سننا أرادها الله تعالى لمسيرة الحياة والأحياء، لا بد من تقبلها والتعامل معها.. ومن أهمها:
أ- الابتلاء والتمحيص:
ابتلاء المؤمنين بالأذى والاضطهاد سُنَّة إلهية في الناس؛ ليظهر الطيب والخبيث؛ ولذلك قال ورقة بن نوفل للنبي صلى الله عليه وسلم: "ما جاء رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي"2، ويقول الله تعالى:{الم، أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} 3.
وعلى هؤلاء المسلمين ومن يأتي بعدهم ضرورة تحمل الابتلاء، والصبر على الأذى؛ تمييزا لهم، وإظهارا لصلابتهم، يقول الله تعالى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ
1 منهج النبي صلى الله عليه وسلم ص32.
2 صحيح البخاري - كتاب بدء الوحي ج1 ص3.
3 سورة العنكبوت الآيات 1-3.
الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} 1، ليبين دور الابتلاء في إظهار صلابة الرجال، وبروز مزايا المؤمن الصادق، ويقول سبحانه:{وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} 2.. إنه ابتلاء يبرز الإيمان، ويمحص الصادقين.
ب- التغيير يبدأ من الباطن:
الإنسان عقل وجسد، وباطن وظاهر، وتعاليم الإسلام شاملة لعناصر الإنسان جميعا؛ ولذلك نرى الدعوة قد بدأت بالجزء الهام في الإنسان وهو الباطن أساس التغيير، يقول الله تعالى:{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} 3، وإذا تغير الباطن تغير الظاهر، ودائما تأتي النتائج تبعا لأسبابها.
ج- أهمية الإعداد للنجاح:
يعتمد النجاح في أي مجال على مقدمات لا بد منها، ومن هذه المقدمات الاستعداد للعمل، وإعداد العدة المكافئة له حتى لا يضيع المسلم في بيداء الحياة وصخبها، وهذا الإعداد متنوع تبعا للعمل المطلوب والغاية المقصودة؛ ولذلك يقول الله تعالى:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ} 4.
1 سورة آل عمران آية 179.
2 سورة آل عمران آية 154.
3 سورة الرعد آية 11.
4 سورة الأنفال آية 60.