الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رابعا: وسائل الدعوة
وسائل الدعوة عديدة، ووظيفتها حمل الأسلوب بمضمونه، وتوصيله إلى المدعوين.
ويخلط كثير من الناس بين الوسيلة والأسلوب، ويرون المقالة والخطبة والدرس وسائل للدعوة، مع أنها تشتمل على أساليب تنقل الفكرة إلى المستمعين بواسطة الاتصال الشفهي الذي هو الوسيلة.
ويرجع سبب الخلط إلى تداخل النظرة إلى هذه الموضوعات؛ لأنها تكون وسائل أو أساليب باعتبار الجانب المنظور إليه.
إن الخطابة والكتابة وغيرها قد تكون وسائل للدعوة، إذا نظر إليها من ناحية هيكلها العام، وشكلها الفني، وتكون أساليب إذا نظر إلى الكلمات المنقولة من خلالهما، المتضمنة للمعاني المقصودة.
إن الأسلوب الواحد تنقله الوسائل العديدة، كما أن الأسلوب يوجد في عالم الواقع بعد إعداده، بينما الوسيلة توجد قبل الإعداد أو بعده، وتظهر أهميتها وقت استخدامها، فالخطابة وسيلة، والخطبة أسلوب
…
وهكذا.
إن القرآن الكريم أسلوب للدعوة، ينقل إلى الناس بوسائل عديدة مثل: المشافهة، والكتابة، وآلة تكبير الصوت
…
وهكذا.
وأيضا فإن القرآن الكريم وهو أسلوب للدعوة موجود قبل عملية توصيله للناس، وقد تتعطل الوسيلة وتنتهي ولا يتعطل القرآن الكريم؛ لأنه محفوظ بأمر الله تعالى.
ولهذا كانت أهمية التمييز بين الوسيلة والأسلوب..
وأهم أساليب الدعوة ما يلي:
أولا: وسائل المواجهة "المشافهة"
يعتمد هذا اللون من الاتصال على المواجهة المباشرة بين الداعي والمدعو؛ حيث تنقل الرسالة بواسطة هذه الوسيلة.
والاتصال المواجهي أقدم أنواع الوسائل، وأكثرها تأثيرا، وهو يشمل الاتصال الذي يتم بين فرد وفرد، أو بين فرد وجماعة، أو بين جماعة وجماعة، ما دام كل منها يتم بصورة شفوية مباشرة.
ومن صور الاتصال المواجهي ما يلي:
أ- المحادثة البسيطة: وتكون بين عدد قليل من الناس بينهم معرفة سابقة حيث؛ يتحدث كل منهم مع الآخر سائلا أو مجيبا؛ كأفراد الأسرة، والجيران، وزملاء الدراسة والعمل
…
وهكذا.
ب- المناقشة: وهي فن من فنون التربية والدعوة، وتتم مشافهة بين عدد من الأشخاص؛ حيث يعرض كل منهم رأيه من الموضوع محل النقاش، وتختلف المناقشة عن المناظرة؛ لأن المتناقشين يسيرون في اتجاه واحد، بينما المتناظرون يسيرون في خطوط متعارضة، كما أن المناقشة تتم أحيانا بلا إعداد، بينما المناظرة تقوم على الإعداد دائما.
ج- الخطبة: بكافة أنواعها، لها دورها في الحضارات القديمة وما زال لها هذا الدور، وتتميز الخطبة بتأثيرها الواضح؛ لأنها تخاطب العواطف والوجدان، وتدور حول موضوعها، وتقدم العديد من البراهين، في صور بيانية مؤثرة.
والخطبة تلقى من جانب واحد فقط هو الخطيب؛ ولذلك وجب على من يقوم بالخطبة أن يهتم بجوانبها الفنية وقواعدها العلمية؛ لكي يحقق الهدف الذي يرجوه من وراء عمله.
د- الندوة: وتقوم على الاتصال المباشر إلا أنها تختلف عن الخطبة بأن الاتصال فيها يتم بمشاركة عدد من الاتجاهات تدور حول موضوع واحد.
وتحتاج الندوة إلى جمهور مثقف متمكن من المتابعة، والمشاركة في الحوار؛ لأن بعض الندوات يفتح فيها للجمهور باب التعليق ليساهموا بآرائهم مع المتحدثين الأساسيين في الندوة.
هـ- المحاضرة: وهي لون من الاتصال المواجهي يعتمد على التحليل العلمي، والبراهين القوية، وهي وسط بين الخطبة والندوة؛ لأنها تأخذ من الخطبة أن المتحدث فيها واحد، والمستمع جمهور عريض، وتأخذ من الندوة فتح باب المناقشة حول موضوع المحاضرة.
و الدرس الديني: وهو لون من الاتصال الديني يتم في المساجد غالبا، وهو اتصال يتسع الموضوع فيه، ويفتح المجال أمام المستمع للسؤال والمناقشة، وله أثره الكبير في نشر الدين، والتعريف بقضاياه.
2-
الوسائل المكتوبة والمطبوعة:
استعمل الإنسان هذا النوع قديما ولكن بصورة بدائية، فحينما اخترعت الكتابة كان الإنسان يكتب على الجلد وورق الشجر وورق البردي وما شاكل ذلك، وبهذه الطريقة استفاد الإنسان منذ القديم بالكتابة؛ حيث ضمنها ما أراد من آراء وأخبار، وأوصلها إلى غيره، أو تركها للأجيال المتعاقبة من بعده.
وهذه الوسيلة هي التي عرَّفت الناس حديثا بالحضارات القديمة، وما وقع لها من حروب وأحداث، وما كان فيها من ممالك ودول.
وفي عام 1454م تمكن الإنسان من اختراع المطبعة، الأمر الذي ساعد على إعطاء صور عديدة للرسالة الواحدة، وفي أشكال متعددة؛ إذ يمكن إبراز الرسالة في شكل كتاب، أو في نشره، أو في صحيفة، أو في خريطة، وهكذا.
وتتميز الوسائل المطبوعة بما يلي:
أ- تقوم على الرأي المدروس؛ لأن المصدر لا يكتب رسالته إلا بعد بحث وتأمل، ويحاول أن يصوغها في قالب بياني مشوق، دال على معناه، بيسر وسهولة.
ب- تسمح للقارئ بتكرار قراءتها، والتحكم في ظروف التعرض لها مكانا وزمانا، وبذلك يتمكن من فهمها، واستيعاب المراد منها؛ ولهذا نادى بعض الباحثين بأن تقدم الرسائل المعقدة في صورة مطبوعة لتحقيق الهدف منها.
ج- تتمكن الرسالة المطبوعة من الوصول إلى الجماهير المتخصصة، والصغيرة الحجم؛ لقلة تكلفتها إذا قورنت بالوسائل الأخرى.
د- تساعد الرسالة المطبوعة على الإقناع؛ لأنها لا تخترق السمع، ولا تفاجئ العين، وإنما يقدم المتلقي عليها مختارا راضيا مما يجعله جزءا من موضوعها فيتخيل، ويفسر، ويرضى أو يرفض، وتلك هي مراحل الاقتناع.
هـ- تؤدي الرسالة المطبوعة إلى الفهم الدقيق الهادئ؛ لأن القارئ يمكنه أن يقرأها عددا من المرات، ويمكنه أن يجزئ قراءتها، وله أن يتأكد من صدق ما جاء فيها بالبحث والتحري والتأمل.
وقد أدى التطور بالوسائل المطبوعة إلى قيام مؤسسات ضخمة ساعدت على اتساع النشر، وضخامة التوزيع، مما جعلها بحق وسيلة للاتصال الجماهيري.
3-
الوسائل المسموعة:
ويقصد بها الوسائل التي توصل الكلمة إلى الجماهير العريضة عبر المسافات البعيدة وهي الراديو، تلك الوسيلة العجيبة التي تحمل الكلمة المذاعة بمختلف أشكالها وفنونها إلى أي مكان في العالم في ثوانٍ قليلة.
وتتميز هذه الوسيلة بما يلي:
أ- يتميز الراديو بقدرته على اختراق أي مكان في الكرة الأرضية في زمن وجيز بلا عائق أو حاجز.
ب- يتميز الراديو بقدرته على مخاطبة كافة الفئات مهما اختلفت ثقافتهم وأعمارهم وأجناسهم.
ج- لا يحتاج الراديو إلى التفرغ التام من المتلقي؛ لأن من الممكن الاستماع إلى الراديو خلال الاشتغال بعمل آخر، يقول إيريك بارنو:"إن الراديو هو الوسيلة الوحيدة التي لا تستحوذ على العين؛ أي: أنه يمكن أن يخدم جمهورا نشطا أثناء تناوله الطعام، وقيامه بالعمل المنزلي، وأثناء نهوضه من النوم، واستحمامه وأثناء أداء متطلباته، وهكذا"1.
د- تتميز الرسالة المرسلة بالراديو باشتمالها على المؤثرات الصوتية، والحوار البناء، وهذا يجذب المستمع ويربطه بالرسالة الإعلامية.
هـ- يتميز الراديو بنقل رسائله فور وقوعها؛ ولذلك فهو الوسيلة الأساسية في وقت الأزمات، وحين وقوع حروب وصراعات.
و التكرار في الرسالة الإعلامية بواسطة الراديو تكون مقبولة غير مملة؛ لأنها تتخذ صورا متعددة، كل منها له جاذبيته الخاصة للمستمع.
وقد أدى التطور الحضاري إلى قيام الراديو بالترفيه بجانب قيامه بالخبر والتثقيف.
4-
الوسائل المسموعة المرئية:
وتجمع هذه الوسيلة أهم العناصر المؤثرة في المستمع، وهي: الصوت، والحركة، والصورة، وبذلك تتمكن من جذب أكثر من حاسة لدى الجمهور، ولولا ما في هذه الوسيلة من صور غير مشروعة، وبرامج مثيرة للشهوة، لقلنا: إنها أعظم وسيلة إعلامية معاصرة، وأكثرها فائدة للدعوة إلى الله تعالى.
والأمل معلق بالمسلمين أن يستفيدوا بكافة الوسائل، ووضعها في الأطر الشرعية؛ لتكون طريقا لإيصال الإسلام كما نزل من عند الله إلى كل مكان في العالم أداء للأمانة، وتحقيقا للذات، وتأسيسا
لحضارتهم الذي يعمل الإسلام لتحقيقها.
1 الأسس العلمية لنظريات الإعلام ص364.
وليس من المقبول في عالم اليوم أن يعيش المسلمون -وهم مسلمون- تابعين لغيرهم مقلدين، وهم يملكون الأصالة والحياة.
إن الرؤية تدفع المشاهد إلى التنوع، وتقدم الحدث نابضا بالحركة والحيوية.
خامسا: الداعي والمدعو
الداعي والمدعو هما طرفان في العملية الدعوية؛ لأن الداعي هو حامل الدعوة ومبلغها، والمدعوون هم غاية الدعوة، والمقصودون بعملية الدعوة كلها، وعلى الداعي أن يتصف ببعض المزايا التي تمكنه من القيام بواجباته، ومنها أن يتعامل مع المدعوين بما يناسب واقعهم وأحوالهم، ويؤدي إلى اقتناعهم بما يعرض لهم، وهذه تحتاج إلى دراسات عديدة، وسوف نذكر بعضها -بإذن الله تعالى- حين نستنبط أهم ركائر الدعوة المستفادة من المرحلة المكية.
والرسول صلى الله عليه وسلم هو إمام الدعاة ورائدهم، وهو أسوة الدعاة على الزمن كله1.
إن تحديد المفاهيم المتصلة بحركة الدعوة النبوية عمل أرجو من ورائه متابعة حركة النبي صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى الله تعالى؛ لنستفيد بها، ونضع كل جانب في موضعه، ونحن نتحرك بالدعوة اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.
1 انظر: الإعلام في القرآن الكريم ص214 وما بعدها.