الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع: الهنود
1-
الموطن الجغرافي:
والهنود أمة سكنت الجزء الجنوبي من قارة آسيا، وسط مجموعة من الحواجز الطبيعية التي هيأت لها لونا معينا من الحياة المستقرة، وطبعت حضارتها بطابع فريد، وهي أمة تشغل حيزا كبيرا من الأرض؛ حيث إن مساحتها تعادل مساحة دول أوربا مجتمعة باستثناء روسيا1.
ويذكر البيروني أن الهند يحيط بها من الجنوب البحر المعروف باسمها وهو المحيط الهندي، وفي جهاتها الثلاث الأخرى توجد سلسلة جبال مرتفعة2.
ولمعرفة ما وراء هذه المرتفعات نتطلع على سطحها، فنراه يأخذ شكلا رباعي الأضلاع، ضلعاه الجنوبي الشرقي والجنوبي الغربي يطلان على البحر، ويكونان سواحل الهند وموانيها، أما الضلعان الشمالي الغربي والشمالي الشرقي فبريان يسيران مع الحافة الجنوبية الغربية لمرتفعات وسط آسيا3، وهذان الضلعان مجموعة من المرتفعات التي تتكون من: جبال آسام، وسلسلة جبال الهملايا، وجبال هندكوش، وجبال سليمان4، وهذان الضلعان يكونان حدود الهند مع بلوخستان، والتركستان، والصين، وبورما5.
قامت هذه الحدود الطبيعية المنيعة بدور عازل هام، ساعد على ازدهار
1 أديان الهند الكبرى ص19.
2 تحقيق ما للهند من مقولة ص157.
3 ملامح الهند والباكستان ص11.
4 تاريخ الإسلام في الهند ص2.
5 أديان الهند الكبرى ص21.
الحضارة الهندية وبروزها في طراز فريد، جعل تأثرها بغيرها محدودا، وخاصة في داخل البلاد، أما في الأطراف الشمالية عند الأبواب، فكان التأثير أوضح1.
ونظرا لتغاير السطح الطبيعي للهند فلقد انقسمت البلاد إلى ولايات عديدة واشتهرت بها مدن كثيرة2.
وأبناء الهند نشيطون منذ القديم؛ حيث انتشرت مجموعات منهم في البلدان حولهم، ووصلوا إلى أقصى شرق آسيا، وأسسوا لأنفسهم مستعمرات لها طابع هندي خاص، وكان من هؤلاء الرجال تجار كبار ورجال ذوو ثقافات عالية، تمكنوا بها من نقل ثقافات الهند إلى المستعمرات التي أسسوها3.
واستمر هذا النشاط لأبناء الهند حيث توقف في القرن الثامن الميلادي4.
1 ملامح الهند والباكستان ص5.
2 تاريخ المسلمين في شبه القارة الهندية ج1 ص33.
3 ملامح الهند والباكستان ص154.
4 يلاحظ أن الحديث هنا عن الهند يشمل شبه القارة الهندية كلها التي تتكون حاليا من دول ثلاث هي: الهند، والباكستان، وباكستان الشرقية.
2-
الأوضاع السياسية والاجتماعية والأخلاقية للهنود:
والهنود أمة سادت فيها الطبقات الاجتماعية بكل وضوح، وقد تُنوسي دواعي هذا التقسيم الطبقي بسبب البعد الزمني لوجوده، إلا أن الراجح أنه قام بسبب اختلاف العناصر الهندية، فإن الآريين والتورانيين وفدوا على الهند، واختلطوا بسكانها الأصليين، يؤيد ذلك أن الآريين قوم بيضو اللون، طويلو القامة، والسكان الأصليون سودو اللون، قصيرو القامة، وكلمة طبقة باللغة الهندية هي "فارنا" ومعناها لون1.
وعند استقرار الآريين في البلاد خافوا مغبة الاختلاط بغيرهم، فوضعوا نظام الطبقات، وجعلوا أنفسهم طبقة برهمية عالية.
تليها طبقة الكشترية، فالجيش تقوده الكشترية، والبراهمة يؤيدونه بالدعاء الذي لا يتم النصر إلا به.
وإلى جانب هاتين الطبقتين الآريتين وضع التورانيون في طبقة ثالثة هي طبقة الويشية.
وتأتي بعدهم الطبقة الرابعة والأخيرة وهي طبقة الشودرا التي تنتظم أصحاب المهن الحقيرة والخدم2.
وكان الهنود يمثلون الطبقات الأربع بجسم إنسان، فالبراهمة يمثلون الرأس والكشتريا يمثلون المنكب واليدين، والويشية تمثل الفخذ، والشودرا تمثل القدم.
ويعتقد الهنود أن الطبقات خلقت من جسم براهما، ومن العضو الذي تمثله كل طبقة؛ حيث يقول متو وهو يعدد خلق برهما للكائنات: "تم خلق البرهمي من
1 ملامح الهند والباكستان ص147.
2 تاريخ المسلمين في شبه القارة الهندية ج1 ص9.
فمه، والكاشتريا من ذراعه، والويشيا من فخذه، والشودرا من رجله"1.
وقد وردت نصوص دينية تحدد وظيفة كل طبقة، فلقد جاء في الفقه الهندوسي الأكبر وذكره الأستاذ/ أحمد شلبي في "أديان الهند الكبرى":"على البرهمي أن يشتغل بالتعليم والتعليم وإرشاد الناس في دينهم، فكان هو المعلم والكاهن والقاضي، أما كشتريا فعليه أن يقدم القرابين ويحمل السلاح للدفاع عن وطنه وشبعه، أما ويشيا فعليه أن يزرع ويتجر ويجمع المال، أما شودرا فعليه أن يخدم الطوائف الثلاث الشريفة"2.
والمنبوذون هم طبقة "الشودرا" وهم سلالة العنصر الأصلي من السكان القدامى، ولا يجري في عروقهم الدم الآري أو التوراني ويسمون بـ"زنوج الهند"، وقد حرمهم المجتمع حقوق الإنسان العادي، فليس لهم حقوق كطبقة، ولا منزلة لهم يشتغلون برذالات الأعمال، وهم منفيون، منحطون3 لدرجة أنه إذا استمع أحدهم خلسة لرجل برهمي وهو يتلو "الفيدا" صب في أذنيه الآنك، وإذا رؤي جالسا معه كوي بالنار، ولا يجوز له أن يتزوج من الطبقات الثلاث الأخرى4.
يقول مانو: إن الخالق قد ذرأهم" الشودرا" عبيدا، وكل من انتمى إلى هذه الطبقة فمن المحال أن يكون حرا حتى ولو أعتقه سيده، ومن الذي يستطيع أن يحرره من الرق إذا كان الرق طبيعة فيه5.
ومع هذه المنزلة الوضيعة للشودرا، فقد وجد في المجتمع من هو أدنى منزلة منهم، وهم الوافدون إلى البلاد، الذين ولدوا بعيدا عن براهما، وهؤلاء لا حقوق
1 تحقيق ما للهند من مقولة ص76، 77.
2 أديان الهند الكبرى ص55، 56.
3 نفس المصدر ص57.
4 تحقيق ما للهند من مقولة ص77.
5 روح الإسلام ص15.
لهم مطلقا.
وكان النظام السياسي في الهند ملكيا حيث يرأس الملك الدولة، ويساعده الوزراء ورجال التشريع1، ومع ذلك فالملكية تعتمد على نظام مقدس، فالملك إله في صورة إنسان، وعليه أن يكون عادلا، وخادما لشعبه، ومحافظا على حقوق الطبقات بكل دقة2.
وقد ازدهرت الهند بهذا النظام السياسي، فنمت حضارتها وفلسفتها، وكثرت المدن المليئة بالحركة والناس، وانتشرت المستشفيات والمدارس وعم الرخاء والعدل وخاصة مع بداية القرن الرابع الميلادي، حيث ظهرت أسرة "كبتا" في الهند.
وقد نعم البراهمة مع هذا النظام المقدس، ونالوا كل حقوقهم وصاروا سادة المجتمع، لهم ما يريدون3 وهم ملجأ الجميع في كل الحالات.
أما بقية الطبقات فإنها تتمتع بالحقوق التي يسمح بها البراهمة، وليس عليهم إلا الطاعة والخضوع.
وقد أدى تمسك المجتمع بالتعاليم المقدسة في أنظمته الاجتماعية والسياسية إلى ازدهار اجتماعي، تمتع به أهل الطبقات الشريفة، وما عداهم فلا شيء لهم من حقوق كما أدى هذا النظام الطبقي في الهند إلى إذلال طبقة المنبوذين، وحرمهم من كافة حقوقهم، وقد وصل مستواهم أحيانا إلى أقل مستوى الحيوان، وعاشوا حياة بدائية متخلفة، ولم يتقنوا إلا السخرة والطاعة، وفي إطار القداسة البوذية.
1 تاريخ المسلمين في شبه القارة الهندية ص32.
2 أديان الهند الكبرى ص72.
3 تاريخ المسلمين في شبه القارة الهندية ص33.
3-
أوضاع الهند الدينية:
يرجع ظهور الهندوكية إلى أقدم العصور، وهي ديانة معقدة، لا تعرف البساطة في تعاليمها، أو السهولة في مناسكها، أخذت كثيرا من معتقدات الوافدين إلى الهند من أقدم العصور1.
وللهندوكية كتب عدة أهمها "الويدا" وأهميته ترجع إلى تصويره لحياة الآريين، ومعيشتهم، ونظمهم، وعقائدهم.
وقد مرت هذه الديانة بأطوار مختلفة، جعلت تطبيقاتها تأخذ أشكالا متعددة، فمن أشكالها تأليه قوى الطبيعة والكون؛ حيث يتصور مؤلهوها أن للطبيعة روحا وقوة تنفع وتضر، ومع تعدد آلهة الهنود إلا أنهم إذا اتجهوا لإله من هذه الآلهة سموه بـ"رب الأرباب" و"إله الآلهة" وهو إحساس منهم بالوحدانية غير مركز2.
وللهندوكية سلوك أخلاقي، يقوم على فكرة الجزاء على العمل في الحياة الأولى للروح، أو بعد الحياة الأولى؛ لأن الروح عندهم لا تفنى، بل إنها تنتقل بعد فناء جسد صاحبها إلى جسد آخر، لتأخذ جزاءها، ولتتمتع بشهوات المادة التي لم تنلها من قبل، وتستمر هكذا في تنقلها من جسد إلى جسد، حتى تتغلب على شهواتها وتقنع بما حصلت عليه3 وحينئذ تمتزج بـ"براهما" في مرحلة تعرف عندهم بـ"الانطلاق" ذلك أنهم يؤمنون أن روح الفرد جاءت من روح العالم، ومآلها إليه4، فإذا ما وصلت إلى الانطلاق فقد اتحدت مع أصلها الأول، وهذه أشكال صوفية قائمة على إحساس بوحدة الوجود.
1 ملامح الهند والباكستان ص143.
2 أديان الهند الكبرى ص42، 48.
3 ملامح الهند والباكستان ص145.
4 ملامح الهند والباكستان ص145.
وهكذا نرى أن عبادة الهندوكية انتقلت من البساطة إلى التعقيد، ومن البدائية إلى التفلسف، وكان من أثر هذا التنقل تعدد طوائف الهنادكة تعددا يخطئه العد، وفي الجملة فإن عقائد الخاصة تختلف عن عقائد العامة، حيث اتجه الخاصة إلى لون من التوحيد الغامض المشوش، بينما عاش العامة مع التعدد والتجسيد1، إلا أن العقائد كلها كانت تلتقي عند فكرة الجزاء، وتناسخ الأرواح، والروح الواحدة للهندوكية2.
وتقوم العقيدة الدينية عند الهنود على أساس النظام الطبقي السابق ذكره؛ لأن المنبوذين لا يسمح لهم باعتناق الهندوكية، ولهم أن تختاروا دينا آخر، مما أدى إلى حوث ثورات عدة ضد هذه النظم، وخاصة نظام الطبقات، وأشهر هذه الثورات ثورتان قام بهما الزعيمان "مهاويرا" و"بوذا" وهما من طبقة "الكشتريا" التي ضجت من ظلم البراهمة، واضعي الهندوسية، وقد قاما بثورتيهما ضد الهندوسية، وأدخلوا بعض التعاليم الجديدة عليها، وأعلنوا ديانتين جديدتين هما: الجينية والبوذية.
فالجينية: - هي مذهب "مهاويرا"- تنكر الإله، وتنادي بالمسالمة، ولا تعترف بالطبقات، إلا أن مبدأ المسألة أدى بأتباع مهاويرا إلى الإقرار بآلهة الهندوس للهندوس، واحترام عبادة البراهمة.
وعلى العموم فالجينية دين يؤمن بالزهد، والتقشف، والفناء، والسلوك السوي، حتى تصل الروح إلى مرتبة "النجاة" التي تشبه مرتبة "الانطلاق"، وكل تعاليمهم المقدسة أتت من خطب "مهاويرا" ومريديه3، وكان انتشار هذا المذهب ضئيلا في العدد، انحصر في طبقة الكشتريا والمنبوذين.
والبوذية: هي دعوة "بوذا" تلغي نظام الطبقات، وتدعو إلى الصبر، وتحمل الألم، ودعم قوة الذات؛ لتقهر سيطرة الشهوة والهوى وترفع النفس عن عالم
1 تحقيق ما للهند من مقولة ص39.
2 أديان الهند الكبرى ص52.
3 أديان الهند الكبرى ص113 وما بعدها.
المادة، وكانت تنادي بالسلوك القويم حتى يمتزج الهندوسي مع "النرفانا" وهي تؤمن بتناسخ الأرواح، وإمكانية الوصول إلى "النرفانا"1، والاندماج معها كما حدث في الانطلاق والنجاة.
أما فكرة البوذية عن الإله فقد تجاهلته تماما، ولم تتكلم عنه، ولم يشر بوذا إلى ذلك لا نفيا ولا إثباتا، بل كان يدعو إلى اكتشاف الألم، والبحث عن مصدره من أجل إعدامه لنزول الآلام، ويصل الإنسان إلى السعادة2.
وكان صمت البوذية عن أفكار الألوهية الهندوسية، وقصرها إلغاء نظام الطبقات على من دخل البوذية، وتبسيطها العقائد -سببا في إقبال الناس عليها، وتمسكهم بأخلاقها، مع ولائهم لآلهة الهندوس، وكان هذا الوضع سببا في أن مظاهر البوذية لم تكن خالصة بها، بل كانت خليطا منها ومن الهندوسية، الأمر الذي جعلها محل تقبل في المجتمع الهندي، وسرعان ما اكتسبت تعاليم الهندوسية، وذابت فيها وقبلت من الناحية العملية لا النظرية نظام الطبقات الهندوسي.
وأتى القرن السادس الميلادي على الهند والبوذية تنتشر بثقافاتها وأخلاقها وحضارتها، إلى عديد من الأماكن خارج الهند، فوصلت إلى البنغال والصين شرقا، وكشمير وكوريا شمالا3، وكان لاعتقاد الهندوس بتناسخ الأرواح أن عبدوا الحيوان، على أساس أن روحا قديمة تقمصته، فعبدوه على أساس أنه جد حقيقي، أو رمزي للأسرة، وأنه معطيهم الخير بلا مقابل4.
وقد اتخذ العامة منهم الأصنام وجعلوها آلهة لهم5 يعبدون لها، ويتقربون إليها بقرابين، وهي عندهم تجسيد لشيء قوي وهام، وكانوا يسمون الصنم باسم
1 أديان الهند الكبرى ص156 وما بعدها.
2 الله ص65.
3 أديان الهند الكبرى ص84.
4 الله ص61.
5 الملل والنحل للشهرستاني ج1 ص267 وما بعدها.
القوة الغائبة عنهم، فصنعوا للشمس صنما، وللقمر آخر، وللنار مثل ذلك
…
وهكذا.
وقد أقاموا في بعض الأحيان بيوتا للأصنام يطوفون حولها، ويسجدون فيها، ويبدو أن هذه الأصنام هي من بقايا آلهة الهندوسية في بدائيتها، وقد بقيت عند العامة وفي عدد قليل من الشعب الهندي.