الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النصر الرابع: أضواء وسط ظلام القبائل
ظلت القبائل على كفرها، وردوا على رسول الله حين عرض نفسه عليهم ردودا مختلفة، وكان لموقف القبائل أثر مؤلم على نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويأبَى الله إلا أن يكرم محمدا صلى الله عليه وسلم ببعض الخير، فتشرق عليه أضواء من بين هذه القبائل، وذلك بإسلام أفراد منهم، ودخولهم في دين الله تعالى، وعلى رأس هؤلاء المسلمين:
1-
سويد بن الصامت رضي الله عنه:
وهو رجل من بني عرف بن مالك الأوسي، جاء إلى مكة حاجا أو معتمرا، فتصدى له رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع به، فدعاه إلى الله، وإلى الإسلام.
فقال له سويد: فلعل الذي معك هو الذي معي.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما الذي معك؟ ".
قال: معي مجلة لقمان؛ يعني: حكمة لقمان.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اعرضها عليَّ".
فعرضها عليه، فقال له صلى الله عليه وسلم:"إن هذا الكلام حسن، والذي معه أفضل من هذا، قرآن أنزله الله تعالى علي، هو هدى ونور"، فتلا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، ودعاه إلى الإسلام، فلم يبعد منه، وقال: إن هذا لقول حسن وأسلم، ثم انصرف عنه1.
2-
إياس بن معاذ رضي الله عنه:
إياس بن معاذ من بني عبد الأشهل وهم من الأوس، جاء وهو صغير مع قومه يلتمسون الحلف مع قريش؛ لينتصروا بهم على الخزرج، فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاهم، وجلس معهم وقال لهم:"هل لكم في خير مما جئتم له؟ ".
1 سيرة النبي لابن هشام ج1 ص427.
فقالوا له: وما ذاك؟
قال: "أنا رسول الله بعثني إلى العباد، أدعوهم إلى أن يعبدوا الله، ولا يشركوا به شيئا، وأنزل علي الكتاب"، ثم ذكر لهم الإسلام، وتلا عليهم القرآن.
فقال إياس بن معاذ: هذا والله خير مما جئتم له، فأخذ أبو الحيسر -أنس بن رافع- حفنة من تراب البطحاء، فضرب بها وجه إياس بن معاذ، وقال: دعنا منك، فلعمري لقد جئنا لغير هذا، فصمت إياس، وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم، وانصرفوا إلى المدينة، وكانت وقعة بعاث بين الأوس والخزرج.
ثم لم يلبس إياس بن معاذ أن هلك، يقول محمود بن لبيد: فأخبرني من حضره من قومه عند موته أنهم لم يزالوا يسمعونه يهلل الله تعالى ويكبره ويحمده ويسبحه حتى مات، فما كانوا يشكون أنه قد مات مسلما، لقد استشعر الإسلام في ذلك المجلس، حين سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سمع1.
3-
أبو ذر الغفاري رضي الله عنه:
لما بلغ يثرب خبر سويد وإياس رضي الله عنهما، وإنهما سمعا محمدا صلى الله عليه وسلم وآمنا بدعوته، بدأ أهلها في التفكير في أمر محمد، وبخاصة أهل الرأي فيهم، ومنهم أبو ذر الغفاري، أخذ أبو ذر يفكر في الإسلام، وهو في يثرب، فقال لأخيه: اركب إلى هذا الوادي فأعلمني علم هذا الرجل، الذي يزعم أنه نبي، يأتيه الخبر من السماء، واسمع من قوله، ثم ائتني.
فانطلق أخوه حتى قدم مكة، ولقي محمدا صلى الله عليه وسلم، وسمع من قوله، ثم رجع إلى أبي ذر، فقال له: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق، وكلاما ما هو بالشعر.
فقال أبو ذر: ما شفيتني مما أردت، فتزود أبو ذر، وحمل شنة له فيها ماء، حتى قدم مكة، فأتى المسجد، فالتمس النبي صلى الله عليه وسلم وكان لا يعرفه، وكره أن يسأل عنه، حتى أدركه بعض الليل، فرآه علي رضي الله عنه فعرف أنه غريب، فلما رآه تبعه، فلم
1 المصدر السابق ج1 ص427، 428.
يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء.
فلما أصبح أبو ذر، احتمل قربته وزاده إلى المسجد، وظل ذلك اليوم ينظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم والنبي لا يراه حتى أمسى، فعاد إلى مضجعه.
مر به علي في مضجعه فقال له: أما آن للرجل أن يعلم منزله؟ فأقامه عنده، فذهب به معه، لا يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء.
حتى إذا كان يوم الثالث، فعاد على مثل ذلك، فأقام معه، ثم قال: ألا تحدثني، ما الذي أقدمك؟
قال أبو ذر: إن أعطيتني عهدا وميثاقا لترشدنني فعلت، ففعل، فأخبره.
قال علي: فإنه حق، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أصبحت فاتبعني، فإني إن رأيت شيئا أخاف عليك قمت كأني أريق الماء، فإن مضيت فاتبعني، حتى تدخل مدخلي، ففعل، فانطلق يقفوه، حتى دخل علي رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه سلم، ودخل أبو ذر معه، فسمع من قوله، وأسلم مكانه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"ارجع إلى قومك، فأخبرهم حتى يأتيك أمري".
قال أبو ذر: والذي نفسي بيده، لأصرخن بها بين ظهرانيهم، فخرج حتى أتى المسجد فنادى بأعلى صوته: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ثم قام القوم فضربوه حتى أضجعوه.
وأتى العباس فأكب عليه ثم قال: ويلكم! ألستم تعلمون أنه من غفار؟ وأن طريق تجارتكم إلى الشام؟ فأنقذه منهم، ثم عاد من الغد لمثلها، فضربوه وثاروا إليه، فأكب العباس عليه1.
4-
الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه:
الطفيل شيخ من شيوخ قبيلة دوس، إحدى قبائل اليمن، قدم الطفيل مكة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بها، فمشى إليه رجال من قريش، فقالوا له: يا طفيل، إنك
1 صحيح البخاري - كتاب المناقب - باب إسلام أبي ذر ج6 ص182.
قدمت بلادنا، وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد فرق جماعتنا، وشتت أمرنا، وإنما قوله كالسحر يفرق بين الرجل وبين أبيه، وبين الرجل وبين أخيه، وبين الرجل وبين زوجته، وإنا نخشى عليك، وعلى قومك، ما قد دخل علينا، فلا تكلمنه، ولا تسمعن منه شيئا.
يقول الطفيل: فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت ألا أسمع منه شيئا ولا أكلمه، وحشوت في أذني حين غدوت إلى المسجد كرسفا خوفا من أن يبلغني شيء من قوله، وأنا لا أريد أن أسمعه، فغدوت إلى المسجد، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة، فقمت منه قريبا، فأبَى الله إلا أن يسمعني بعض قوله، فسمعت كلاما حسنا، فقلت في نفسي: واثكل أمي، والله إني لرجل لبيب، شاعر، ما يخفى عليَّ الحسن من القبيح، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول؟! فإن كان الذي يأتي به حسنا قبلته، وإن كان قبيحا تركته.
فمكثت حتى انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته فاتبعته، حتى إذا دخل لبيته دخلت عليه.
فقالت: يا محمد، إن قومك قد قالوا لي كذا وكذا، للذي قالوا، فوالله ما برحوا يخوفونني أمرك حتى سددت أذني بكرسف لكي لا أسمع قولك، ثم أبَى الله إلا أن يسمعني قولك، فسمعته قولا حسنا، فاعرض عليَّ أمرك، فعرض عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام، وتلا عليَّ القرآن، فلا والله ما سمعت قولا قط أحسن منه، ولا أمرا أعدل منه، قال: فأسلمت وشهدت شهادة الحق1.
5-
ضماد الأزدي رضي الله عنه:
ضماد رجل من اليمن، كان يعمل بالرقيا من الجن، قدم مكة، فسمع أهلها يقولون: إن محمدا مجنون.
فقال: لو أني أتيت هذا الرجل لعل الله يشفيه على يدي.
1 سيرة النبي لابن هشام ج1 ص382، 383.