الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وخالف بعضَ ما ذكرناه الأحنافُ فقالوا:
لا ينعقد بيع المجنون والصبي الذي لا يعقل؛ لأن أهلية المتصرف شرط انعقاد التصرف والأهلية لا تثبت بدون عقل فلا يثبت الانعقاد بدونه فأما البلوغ فليس بشرط.
وقالوا كذلك: إن الحرية ليست بشرط لانعقاد البيع ولا لنفاذه (1).
2 -
أن يكونا مختارين للعقد وذلك؛ لأن التراضي شرط في صحة العقد فلا يصح بيع المكره منهما إذا كان مكرهًا بغير حق؛ لقوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (2).
ولقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما البيع عن التراضي"(3).
أما إن كان الإكراه بحقٍّ كما لو أكرهه الحاكم على بيع ماله لوفاء دينه، فإن هذا إكراه بحق ويصح بيعه هنا (4).
الشروط في البيع:
قد يحتاج المتعاقدان أو المتبايعان كلاهما أو أحدهما إلى شرط أو أكثر في البيع، فأباح الشارع لهما أن يشترطا بعض الشروط في البيع، وَعَرَّفَ الفقهاء الشروط في البيع بأنها إلزام أحد المتعاقدين الآخر بسبب العقد ما له فيه منفعة.
أنواع الشروط في البيع:
للشروط في البيع ضربان:
(1) بدائع الصنائع، للكاساني (5/ 134).
(2)
سورة النساء: 29.
(3)
صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (1/ 13)، برقم (1887).
(4)
انظر في ذلك: المبدع في شرح المقنع (4/ 7)، ط. المكتب الإِسلامي، والمجموع شرح المهذب (9/ 364)، وروضة الطالبين (499 - 501).
الأول: صحيح: وهي ما يوافق مقتضى العقد وهذا القسم يلزم العمل بمقتضاه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "المسلمون عندَ شروطِهم"(1).
ولأن الأصل في الشروط الصحة إلا ما أبطله الشارع ونهى عنه، وهذا الضرب ثلاثة أقسام:
القسم الأول: شرط مقتضى البيع، كاشتراط التقابض وحلول الثمن.
القسم الثاني: شرط من مصلحة العقد بحيث يتقوى به العقد وتعود مصلحته على المشترط، كاشتراط صفة في الثمن كتأجيله أو بعضه إلى مدة معلومة، أو اشتراط صفة في المبيع مثل كونه من النوع الجيد أو من صناعة كذا، أو إنتاج كذا؛ لأن الرغبات تختلف باختلاف ذلك.
فإن أتى البائع بهذه الشروط التي اتفق عليها في البيع، لزم البيع. وإن اختلف عنه فللمشترى الفسخ أو الإمساك مع تعويضه عن فقد الشرط، ويتم ذلك بأن يقوم المبيع مع تقدير وجود الصفة المشترطة ثم يقوَّم مع فقدها ويدفع له الفرق بين القيمتين.
الشرط الجزائي: ومما يدخل ضمن هذا القسم الشرط الجزائيّ، وهو اتفاق بين المتعاقدين على مقدار التعويض الذي يستحقه الدائن من المدين إذا لم ينفذ ما التزم به أو تأخر في تنفيذه، وهو شرط صحيح معتبر وهو من مصلحة العقد؛ فهو دافع لإنجاز ما تم التعاقد عليه في وقته، وقد جاء في صحيح البخاري عن ابن سيرين أن شريحًا قال:"من شرط على نفسه طائعًا غير مكره فهو عليه"(2).
(1) أخرجه أبو داود برقم (3594)، وصححه الألباني في الإرواء (5/ 142)، برقم (1303).
(2)
أبحاث هيئة كبار العلماء (1/ 213)، انظر الجامع في فقة النوازل، د. صالح بن حميد القسم الأول (ص: 64).
القسم الثالث: من الشروط الصحيحة في البيع: أن يشترط أحد المتعاقدين نفعًا معلومًا في المبيع، كأن يشترط البائع سكن الدار المبيعة مدة معينة أو أن يحمل على الدابة أو السيارة المبيعة إلى موضع معين، دليل ذلك ما رواه جابر رضي الله عنه "أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم باعَ جملًا واشترط ظهَره إلى المدينةِ"(1).
وكذا لو اشترط المشتري على البائع بذل عمل في البيع، كأن يشترى ثوبًا ويشترط عليه خياطته.
الضرب الثاني: الفاسد: وهو على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن يشترط أحدهما على صاحبه عقدًا آخر، كأن يقول: بعتك هذه السلعة على أن تؤجرني دارك أو أن تشركني معك في العمل أو على أن تقرضني مبلغ كذا، فهذا شرط فاسد يبطل العقد من أصله؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة.
قال أحمد رحمه الله عن هذا القسم من البيع الفاسد: هذا بيعتان في بيعة.
ويرى بعض المالكية جواز اشتراط بعض العقود مع البيع، وهي الجعالة والصرف والمساقاة والشركة والنكاح والقراض والإجارة (2).
القسم الثاني: شرط ما ينافي مقتضى البيع، نحو أن يشترط عليه أن لا يبيع ما اشتراه ولا يهبه أو أن يشترط المشتري على البائع إن خسر في السلعة ردها عليه، فهذا شرط فاسد يفسد في نفسه ولا يبطل البيع به؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"من اشترط شرطًا ليس في كتابِ اللهِ فهو باطلٌ، وإن كان مئةَ شرطٍ"(3).
(1) أخرجه البخاريُّ (2/ 172)، مسلم (5/ 23).
(2)
قوانين الأحكام الشرعية، لابن جزي (ص: 285).
(3)
متفق عليه أخرجه البخاريُّ (2/ 176)، ومسلمٌ (4/ 213).