الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحكمة في تشريع الحجر:
قرر الشارع الحجر على الصغير والمجنون والسفيه؛ صيانة لأموالهم من الأيدي التي تستولي على أموال الناس بالباطل ومن المالك نفسه إذا كان لا يحسن التصرف.
وبالنسبة للمفلس فإن في الحجر عليه حفظًا لماله لمصلحة أهله ولمصلحة دائنيه وأصحاب الحقوق من أن تضيع حقوقهم أو بعضها، فمنعه من التصرف لتتحقق العدالة في توزيع المال بينهم بالتساوي، كما أن المفلس بذلك يسلم من مطالبة الغرماء وملازمتهم له؛ وذلك حماية له من نفسه ومن الآخرين.
أقسام الحجر:
ينقسم الحجر إلى قسمين:
1 -
قسمٌ شُرِعَ لمصلحة المحجور عليه وذلك كحجر الصبي والمجنون والسفيه ونحوهم؛ حفظًا لأموالهم من الضياع.
2 -
قسم شرع لمصلحة الغير وذلك كحجر المدين المفلس لصالح دائنيه وحجر الراهن لحق المرتهن وكالحجر على المريض مرض الموت لحق الورثة فيما زاد على ثلث التركة وحجر الرقيق لسيده -وذلك عند جمهور الفقهاء- والحجر على الزوجة في ما زاد على الثلث عند المالكية (1).
الأحكام المتعلقة بالمحجور عليهم:
1 -
الصغير: يستمر الحجر عليه إلا أن يتم بلوغه ورشده، فإذا تحقق ذلك وجب دفع ماله إليه. قال: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا
(1) بداية المجتهد ونهاية المقتصد، لابن رشد (2/ 179)، والبحر الرائق، لابن نجيم (8/ 88)، وروضة الطالبين، للنووي (ص: 683)، وكشاف القناع، للبهوتي (3/ 417).
فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} (1). وذلك لزوال سبب الحجر عليه. قال ابن المنذر: اتفقوا على ذلك (2).
والبلوغ يتم بعلامات: منها ما هو مشترك بين الرجال والنساء، ومنها ما هو خاص بكل منهما. ويتفق الفقهاء على أن من علامات البلوغ الاحتلامَ وإنزالَ المنيِّ للذكر والأنثى. وتختص الأنثى بالحيض والحمل.
ويختلفون فيما عدا ذلك: فيذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن نبات الشعر الخشن حول قُبُلِ أحدهما معتبر من علامات البلوغ في الذكر والأنثى.
ويذهب أبو حنيفة إلى أنه لا اعتبار به؛ لأنه نبات شعر فأشبه نبات شعر سائر البدن، وينفرد المالكية في اعتبارهم أن من علامات البلوغ كذلك نتنَ الإبطِ وفرقَ أرنبة الأنف وغلظ الصوت، ويخالفهم جمهور الفقهاء فلا يرون اعتبار شيء من ذلك علامة على البلوغ.
فإذا لم يكن شيء من تلك العلامات المذكورة فإن الفقهاء يتفقون على أن البلوغ يكون بالسن، إلا أنهم اختلفوا في تحديد السن المعتبر للبلوغ على النحو التالي:
أ- فأبو حنيفة يرى أن بلوغ الذكر يكون بإتمامه ثماني عشرة سنة، وبلوغ الأنثى يكون بإتمامها سبع عشرة سنة.
ب- أما المالكية فإنهم اختلفوا في ذلك إلا أن المشهور هو اعتبار تمام ثماني عشرة سنة حدًّا لبلوغ الذكر والأنثى.
(1) سورة النساء: 6.
(2)
المغني، لابن قدامة (6/ 537)، وبداية المجتهد (2/ 284).
ج- وأما الشافعية والحنابلة فيتفقون على تحديد سن البلوغ بخمس عشرة سنة في الذكر والأنثى (1)؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنه قال: "عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يُجزني وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني"(2) وتحديد وقت البلوغ بسن معينة ولو كانت مرتفعة جائز؛ لأنه مما تقتضيه المصلحة العامة فقد تعقدت المعاملات وإجراءاتها وتشعبت كثيرًا وتدهورت الأخلاق العامة وكثر تفنن المحتالين في سلب أموال الناس، كما أن في التحديد زيادةَ احتياطٍ في حماية الناشئين وصيانةَ ذممِهم وأموالهم.
2 -
الرشد: هو البصيرة المالية التي يكون بها الشخص حسن التصرف بالمال، وبهذا يقول جمهور الفقهاء (3)، وقال الشافعي: إن الرشد هو صلاحه في دينه وماله (4).
ولا يعتبر الإنسان رشيدًا بمجرد بلوغه، بل لا بد من ثبوت الرشد بعد الاختبار.
3 -
المجنون: الجنون: هو اختلال العقل بحيث يمنع جريان الأفعال والأقوال على نهجه إلا نادرًا (5) ويتفق الفقهاء في الحجر على المجنون، ويرتفع الحجر عنه بالإفاقة من الجنون. ويجب الضمان عليه فيما أتلفه من مال غيره (6).
(1) مواهب الجليل، للحطاب (5/ 95)، وتكملة فتح القدير على شرح الهداية، شمس الدين أحمد (7/ 323)، كشاف القناع، للبهوتي (3/ 443)، والغرر البهية شرح الأبهجة، لزكريا الأنصاري (3/ 123).
(2)
رواه البخاري ومسلمٌ: فأخرجه البخاريُّ، في كتاب المغازي (5/ 137)، وأخرجه مسلمٌ، في باب سن البلوغ (6/ 31).
(3)
المدخل الفقهي العام، مصطفى الزرقاء (2/ 782).
(4)
الأم، للشافعي (3/ 191).
(5)
التقرير والتحبير، لابن أمير الحاج (2/ 173).
(6)
حاشية ابن عابدين (5/ 90)، والشرح الصغير، للدردير (3/ 381)، والمغني، لابن قدامة (6/ 595).