المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌بعض تراجم الصوفية ‌ ‌مدخل … بعض تراجم الصوفية: ثم 281- إبراهيم بن أدهم: المتوفى - الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي - جـ ٢

[الحجوي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌القسم الثالث: في الطور الثالث للفقه وهو طور الكهولة

- ‌مدخل

- ‌مجمل التاريخ السياسي

- ‌حدوث مادة الكاغد وتأثيره على الفقه:

- ‌الأئمة المجتهدون أصحاب المذاهب المدونة في هذا العصر:

- ‌استطراد بعض المكثرين من التأليف:

- ‌الاختلاف في مظنة الاتفاق:

- ‌حدوث علم التصوف ومجمل تاريخه وأطواره:

- ‌بعض تراجم الصوفية

- ‌مدخل

- ‌الزيدية في اليمن:

- ‌بعض تراجم الزيدية:

- ‌فقه الشافعية

- ‌تراجم المجتهدين في القرن الثالث والرابع

- ‌مدخل

- ‌تراجم الحنفية في القرن الثالث والرابع:

- ‌أشهر أصحاب مالك في المائة الثالثة والرابعة:

- ‌بعض أصحاب الشافعي الذين نشروا مذهبه في القرنين الثالث والرابع:

- ‌أشهر أصحاب الإمام أحمد بن حنبل في القرن الثالث والرابع:

- ‌صنعة التوثيق المسمى قديما عقد الشروط في هذا العصر

- ‌استنتاج من حالة الفقهاء في المدة السالفة:

- ‌علم الخلافيات:

- ‌القسم الرابع: في الطور الرابع للفقه وهو طور الشيخوخة والهرم المقرب من العدم

- ‌مدخل

- ‌مجمل التاريخ السياسي لهذه القرون:

- ‌إحياء الاجتهاد على عهد الدولة الموحدية بالمغرب والأندلس في القرن السادس:

- ‌تراجم الفقهاء في هذه العصور:

- ‌إصلاح القرويين:

- ‌أشهر أصحاب الإمام مالك بعد القرن الرابع إلى الآن:

- ‌أشهر مشاهير الشافعية بعد المائة الرابعة إلى الآن:

- ‌مشاهير الحنابلة بعد القرن الرابع:

- ‌تجديد الفقه:

- ‌ما صار إليه الفقه من القرن الرابع إلى وقتنا إجمالا:

- ‌مناظرة فقيهين في القرن الخامس:

- ‌غوائل الاختصار وتاريخ ابتدائه:

- ‌عدم تنقيح كتب الفقه:

- ‌فقه العمليات وتاريخ نشأته وانتشاره:

- ‌تحرير لمسألة العمل الفاسي:

- ‌التقليد وأحكامه:

- ‌تقليد الإمام الميت:

- ‌التزام مذهب معين وتتبع الرخص:

- ‌المذاهب الأربعة ليست متباعدة:

- ‌هل يجوز الخروج عن المذاهب:

- ‌حكم التصوير ونصب التماثيل بالمدن لعظماء القوم:

- ‌خصال المفتي:

- ‌ما صارت إليه الفتوى في القرون الوسطى:

- ‌حال الإفتاء في زماننا:

- ‌الكتب التي يفتى منها بالمغرب:

- ‌الاجتهاد

- ‌مدخل

- ‌المجتهد، شروطه، أقسامه:

- ‌مواد الاجتهاد، تيسر الاجتهاد، الطباعة، كتبه:

- ‌بحث مهم:

- ‌هل كل مجتهد مصيب:

- ‌اقتداء المذهب بعضهم ببعض

- ‌نقض حكم المجتهد:

- ‌هل انقطع الاجتهاد أم لا، إمكانه، وجوده:

- ‌من أدرك رتبة الاجتهاد:

- ‌ذيل وتعقيبات للمؤلف

- ‌مدخل

- ‌البحث الأول:

- ‌البحث الثاني:

- ‌البحث الثالث:

- ‌البحث الرابع:

- ‌البحث الخامس:

- ‌البحث السادس:

- ‌البحث السابع:

- ‌البحث الثامن:

- ‌البحث التاسع:

- ‌البحث العاشر:

- ‌البحث الحادي عشر:

- ‌البحث الثاني عشر:

- ‌البحث الثالث عشر:

- ‌البحث الرابع عشر:

- ‌البحث الخامس عشر:

- ‌البحث السادس عشر:

- ‌البحث السابع عشر:

- ‌البحث الثامن عشر:

- ‌البحث التاسع عشر:

- ‌البحث العشرون لبعض الأصحاب الرباطيين:

- ‌البحث الحادي والعشرون له أيضا ونصه:

- ‌البحث الثاني: والعشرون له أيضا ونصه

- ‌البحث الثالث والعشرو: له أيضا

- ‌البحث الرابع والعشرون: من بعض الأصحاب الفاسيين

- ‌البحث الخامس والعشرون:

- ‌البحث السادس والعشرون:

- ‌الفهارس:

- ‌فهرس أبواب القسم الثالث من الفكر السامي:

- ‌فهرس أبواب القسم الرابع من كتاب الفكر السامي:

الفصل: ‌ ‌بعض تراجم الصوفية ‌ ‌مدخل … بعض تراجم الصوفية: ثم 281- إبراهيم بن أدهم: المتوفى

‌بعض تراجم الصوفية

‌مدخل

بعض تراجم الصوفية:

ثم 281- إبراهيم بن أدهم: المتوفى سنة 162 اثنين وستين ومائة، ثم الفضيل بن عياض المتوفى سنة 187 سبع وثمانين ومائة.

ثم 282- شقيق البلخي1: المتوفى سنة 195 خمس وتسعين ومائة.

ثم 283- معروف الكرخي2: بفتح فسكون المتوفى سنة 200 وهو القائل: التصوف الأخذ بالحقائق واليأس مما في أيدي الناس، وكان أبواه نصرانيين يعلمانه النصرانية، فأبى، وأسلم، فأسلما.

وهذا أول ما عرفت أمثال هذه المقالات في الإسلام ثم "277" بشر بن الحارث الحافي3 المروزي المتوفى سنة 226 ست وعشرين ومائتين القائل للمحدثين: أدوا زكاة هذا الحديث قالوا: وما زكاته؟ قال: أن تعملوا بخمسة أحاديث من كل مائتي حديث.

ثم 284- أبو حاتم الأصم: المتوفى سنة 232 اثنين وثلاثين ومائتين.

ثم 285- ذو النون المصري أبو الفيض ثوبان بن إبراهيم: المتوفى سنة 245 خمس وأربعين ومائتين عن سن عالية أوحد أهل زمانه علما وورعا وأدبا وحالا شيخ الديار المصرية وواعظهم، روى "الموطأ" عن مالك وهو عبد نوبي من مصر، وله مناقب ومقالات، وذو النون المصري هو أول

1 شقيق البلخي: عن إسرائيل، الميزان "2/ 279"، لسان الميزان "3/ 151".

2 معروف الكرخي: أبو محفوظ مات سنة "200 أو 204" الفيروزاني الكرخي. الأنساب "11/ 74"، العبر "1/ 335"، الثقات "9/ 206"، الحلية "9/ 360"، البداية والنهاية "11/ 13"، تاريخ بغداد "13/ 199"، وفيات الأعيان "5/ 231"، الأعلمي "28/ 34".

3 بشر بن الحارث الحافي المروزي: أبو نصر مات سنة "227" الحافي الزاهد المروزي البغدادي. دائرة المعارف الأعلمي، تقريب التهذيب "1/ 98"، تهذيب التهذيب "1/ 444" تهذيب الكمال "1/ 145" ميزان الاعتدال "1/ 328" التذهيب "1/ 125" مجمع الزوائد "5/ 7" ثقات "8/ 143".

ص: 56

من تكلم بمصر في ترتيب الأحوال ومقامات الأولياء، كما في "المنح البادية".

286-

وأبو تراب عسكر بن الحصين النخشبي1: شيخ عصره بلا مدافعة الذي روى كثيرا من الحديث والفقه، ثم تزهد وساح، وله مقامات، وكرامات وأحوال ظاهرة. وفي وقته حدثت مسألة التجلي وهو ما فوق المعرفة ولم يصل لرؤية العين توفي سنة 245.

ثم 278- سرى السقطي2: المتوفى سنة 251 وفي عصر هؤلاء في أواسط القرن الثالث دخلت فلسفة الفلاسفة اليونان الإشراقيين، وفلسفة الهنود في علم التصوف، فجاء الحارث المحاسبي شيخ الجنيد، وألف في التصوف التواليف العجيبة والكتب المشهورة كالرعاية التي نسج على منوالها الغزالي وغيرها وهو أول من تكلم في الصفات توفي سنة 243 ثلاث وأربعين ومائتين، وأنكر عليه الإمام أحمد3 كثيرا تكلمه في علم الكلام حتى اختفى ولم يحضر جنازته إلا أربعة، واختلف العلماء فيما كان يفسر به القرآن، فمنهم من قبله، ومنهم من أعرض عنه، وكذلك كتبه.

ثم 288- أبو يزيد طيفور بن عيسى البسطامي4:

1 أبو تراب عسكر بن الحصين النخشبي شيخ عصره: مات سنة "245"، الأنساب "13/ 61"، العبر "1/ 445"، أصبهان "23/ 146"، تاريخ بغداد "12/ 315"، دائرة الأعلمي "22/ 23".

2 سري السقطي: لم أجد إلا السقطي هذا: أبو الحسن السقطي البغدادي الزاهد مات سنة "253". لسان الميزان "3/ 13" تاريخ بغداد "9/ 187"، الحلية "10/ 116"، سير النبلاء "12/ 185"، الأعلمي "19/ 141".

3 مع أن أول ما عرف أذعان الفقهاء للصوفية إذعان ابن حنبل وشيخه الشافعي لشيبان الراعي حين سألاه عمن نسي صلاة لا يدري عينها فأجابهما هذا رجل غفل عن الله فجزاؤه أن يؤدب "مؤلف". قلت في ثبوت ذلك نظر فقد قال ابن تيمية فيما نقله عنه السخاوي في "المقاصد الحسنة" ص"480": ما اشتهر من أن الشافعي وأحمد اجتمعا بشيبان الراعي وسألاه فباطل باتفاق أهل المعرفة؛ لأنهما لم يدركاه.

4 أبو يزيد طيفور بن عيسى البسطامي: المشهور شيخ الصوفية وهو البسطامي الأصغر الزاهد=

ص: 57

المتوفى سنة 261 إحدى وستين ومائتين أو أربع وستين ومائتين.

289-

ثم سهل بن عبد الله التستري البصري 1:

القائل: أصولنا التمسك بالقرآن، والاقتداء بالسنة، وأكل الحلال، وكف الأذى والتوبة، وأداء الحقوق. وهو القائل: إنما سمي الزنديق زنديقا؛ لأنه وزن دق الكلام بمخبول عقله، المتوفى سنة 283 ثلاث وثمانين ومائتين.

290 -

ثم أبو سعيد أحمد بن عيسى البغدادي الخراز:

المتوفى سنة 286 ست وثمانين ومائتين وهو أول من تكلم في الفناء والبقاء، وعبر بعض الصوفية عن الفناء، فقال: أخذ مني أنا، فبقيت أنا بلا أنا، أي ما بقي إلا اسم أنا.

291-

ثم حمدون القطار 2: شيخ الملامتية بنيسابور، وعنه اشتهر مذهبهم المتوفى سنة 291 إحدى وتسعين ومائتين.

292-

ثم الإمام الجنيد 3: شيخ الطريقة وإمامها، كان ورده كل يوم ثلاثين ألف تسبيحة وثلاثمائة ركعة، وما نزع ثيابه للفراش أربعين سنة، ويأكل مرة في الأسبوع قيل له يوما: ممن استفدت هذا العلم؟ فقال: من جلوسي بين يدي ربي ثلاثين سنة، وهو القائل: العارف من نطق عن سرك وأنت ساكت، وكان يقول: مذهبنا هذا مقيد بالأصول: الكتاب والسنة.

ورئي يوما في يده سبحة، فقيل له: أنت مع شرفك تأخذ في يديك سبحة

1 سهل بن عبد الله التستري البصري: أبو أحمد، توفي سنة "283":

المشتبه ص"76"، دائرة الأعلمي "19/ 296".

2 حمدون القصار شيخ الملامتين بيسابور: أبو صالح حمدون بن أحمد بن عمارة بن رستم القصار النيسابوري. الأنساب "10/ 434"، الوافي بالوفيات "13/ 165".

3 الإمام الجنيد: ترجمته في وفيات الأعيان "1/ 373" والحلية "10/ 255" وتاريخ بغداد "7/ 241" وطبقات الشافعية "2/ 28، 37".

ص: 58

فقال: طريق وصلت بها إلى ربي1 لا أفارقها.

قال في "جوامع الجوامع" ونرى أن طريق الجنيد سيد الصوفية علما وعملا وصحبة طريق مقوم، فإنه خال من البدع، دائر على التسليم والتفويض والتبرؤ من النفس ومن كلامه: الطريق إلى الله مسدود على الخلق إلا على المقتفين آثار الرسول، ومن كلامه أقرب ما تقرب به المتقربون عمل خفي بميزان وفي، ولا التفات لمن رماهم في جملة الصوفية بالزندقة عند خليفة السلطان حتى أمر بضرب أعناقهم فأمسكوا إلا الجنيد، فإنه تستر بالفقه.

1 ويروى هذا الكلام عن علي، ولم يثبت بل ما عرف في الإسلام إشهار السبحة إلا في أيام الجنيد وقريب منها وكانت ولا تزال مستعملة عند رهبنة النصارى، فهي من البدع الإسلامية إلا أنها مستحسنة، وحيث ثبت في السنة تحديد بعض الأذكار بعد ثلاث وثلاثين، وبعضها بالمائة مثلا، فالسبحة نظام لهذه الأعداد، فلا تنكر على من استعملها في محل الذكر، أما من أشهره في عنقه، واتخذها شعارا في الأسواق تتميز بها طائفة دون أخرى، فلإنكارها عليه وجه وجيه؛ إذ لا يخلو عمله من رياء ظاهر أو خفي مع إحداث ما لم يكن في الصدر الأول، وتفريق الجامعة الإسلامية إلى غير ذلك. نعم قد روى الإمام أحمد بن محمد بن سليمان الروداني عالم الحرمين في المسلسلات من فهرست سلسلة السبحة إلى الجنيد عن سرى السقطي، عن معرو فالكرخي، عن بشر الحافي، عن عمر المكي، عن الحسن البصري وقد سئل عنها فقال: هذا شيء استعملناه في البدايات ما نتركه في النهايات أن أحب أن أذكر الله بقلبي ويدي ولساني قال أبو العباس الرداد: يتبين من قول الحسن أن السبحة كانت مستعملة زمن الصحابة لأن بداية الحسن من غير شك كانت معهم فإنه ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر ورأى عثمان وعليا وعمران بن حصين ومعقل بن يسار وأبا بكرة وأبا موسى وابن عباس وجابر وخلقا كثيرا من الصحابة، والخلاف في روايته عن علي مشهور. ا. هـ. كلام الروداني قلت الذي في ابن خلكان هو نسبة ما ذكر للجنيد وقد تكلم الأئمة في المسلسلات فالاستدلال بها من حيث السند غير ناهض على أن قول الحسن استعملناه في البدايات لا يلزم منه استعمالها وقت الصحابة، ولا تنهض حجة بذلك. وغاية ما يقال: إنها نظام الأعداد الواردة كما سبق.

وأما حديث الترمذي أن صفية دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وبين يديها أربعة آلاف نواة تسبح بها، فقال:"ألا أعلمك أكثر مما سبحت؟ " فقلت: علمني، فقال:"سبحان الله عدد خلقه". فهو حديث ليس إسناده بمعروف، وكذا ما رواه أيضا:"وأعقدن بالأنامل، فإنهن مسئولات مستنطقات" فقال فيه الترمذي: إنه غريب لا يعرف إلا من حديث هانئ بن عثمان. ا. هـ. "مؤلف".

ص: 59

وكان يفتي على مذهب أبي ثور شيخه، وبسط لهم النطع، فتقدم من آخرهم أبو الحسن النوري للسياف، فقال له: لم تقدمت؟ فقال أوثر أصحابي بحياة ساعة فبهت وأنهى الخبر للخليفة، فردهم إلى القاضي، فسأل النوري عن مسائل فقهية، فأجابه عنها، ثم قال: وبعد فإن لله عبادا إذا قاموا قاموا لله، وإذا نطقوا نطقوا بالله

إلخ فبكى القاضي، وأرسل يقول للخليفة: إن كان هؤلاء زنادقة فما على وجه الأرض مسلم، فخلى سبيلهم. توفي الجنيد سنة 297 سبع وتسعين ومائتين.

ومن تلاميذه:

293-

أبو مغيث الحسين بن منصور الحلاج 1:

الزاهد المشهور الذي نقلت عنه2 مقالات أبيح بها دمه ببغداد سنة 309 تسع وثلاثمائية انظرها في "ذيل تاريخ الطبري" وابن خلكان. قال زروق: رمي جماعة بالقول بالحلول والظهور مع أنه كفر3 كالحلاج والشردي وابن أحلى وابن قسي وابن ذو سكين والعفيف التلمساني والعجمي الأيكي والأقطع

1 ترجمته في طبقات الصوفية ص"307"، والبداية والنهاية "11/ 132"، ولسان الميزان "2/ 314"، ووفيات الأعيان "2/ 140"، وتاريخ بغداد "8/ 112، 141".

1 قال ابن حوقل في كتاب "المسالك والممالك": وقد انتحل قوم من الفرس ديانات خرجوا بها عن المذاهب المشهورة، فممن اشتهر وطار ذكره في الآفاق الحسين بن منصور الحلاج من أهل البيضاء، وكان حلاجا ينتحل النسك والتصوف، فما زال يرتقي بها طبقا عن طبق حتى انتهى به الحال أن زعم أن من هذب في الطاعة جسمه، وشغل بالأعمال الصالحة قلبه، وصبر على مفارقة اللذات، وملك نفسه بمنعها عن الشهوات، ارتقى إلى مقام المقربين، ومنازل الملائكة الكرام الكاتبين، ثم لا يزال يتردد في درجة المصافاة حتى يصفو عن البشرية طبعه، فإذا لم يبق فيه من البشرية نصيب. حل فيه روح الله الذي كان منه في عيسى بن مريم، فيصير مطالعا لا يريد شيئا إلا كان من جميع ما كان ينفذ فيه أمر الله تعالى. وأن جميع أفعاله حينئذ فعل الله وأمره. وكان يتعاطى هذا ويدعوه إلى نفسه بتحقيق ذلك كله حتى استمال جماعة من الوزراء وطبقات من حاشية السلطان وأمراء الأمصار وملوك العراق والجزيرة والجبال وما والاها. ا. هـ. "المؤلف".

3 انظر لتوضيح فكرة وحدة الوجود وإبطالها ومن يقول بها كتاب "وقف العلم والعالم" لشيخ الإسلام مصطفى صبري الجزء الثالث من الصفحة "85"، إلى الصفحة "315".

ص: 60

والششتري وابن عربي، وابن الفارض، وابن سبعين وآخرين ذكره بذلك أبو حيان. والظن بهم البراءة مما رموا به، ولكن ضاقت بهم العبارة عن حقائق صريح العلم، فأدت بظاهرة ما يتوهم أنه برآء منه. هذا معتقدنا فيهم وعند الله الموعد. ا. هـ.

وقال ابن خلدون: إن سلفهم كانوا مخالطين الإسماعيلية من الرافضة الدائنين بإلهية الأئمة وبالحلول، فظهر في كلام المتصوفة القول بالقطب، أي رأس العارفين الذي لا يساويه أحد، ويورث مقامه لعارف آخر، وقد أنكر ذلك ابن سينا في كتاب "الإشارات" وقال: جل أن يكون جناب الحق شرعة لكل وارد، أو يطلع عليه إلا الواحد بعد الواحد، ولا دليل على معتقدهم، وإنما هو بعينه ما تقوله الرافضة في الإمام المعصوم، ثم قالوا بترتيب وجود الأبدال بعد القطب كما قال الرافضة في النقباء حتى إنهم لما أسندوا لباس الخرقة الذي جعلوه أصلا لطريقتهم، رفعوه إلى علي كرم الله وجهه، وفيه من الإشارة واقتفاء أثر الرفض ما لا يخفى، وإلا فعلي لم يختص من بين الصحابة بطريقة في لباس ولا حال، والصحابة كلهم أسوة في الزهد والمجاهدة، ومثله ما ملئوا به كتبهم عن الفاطمي ولم يكن في كلام الصوفية المتقدمين، وإنما هو عن الرافضة. ا. هـ. بخ لكن الأبدال وعدهم أربعون وارد في بعض أحاديث ذكرها في "المواهب" وشرحها ومجموعها يفيد أن لذلك أصلا في الجملة عن النبي -صلى الله عليه وسلم1.

أما وجود قطب يتصرف في الأكوان مقيد بشورى جمع يصرف الأوامر في ديوان، فلم نقف على أصله في السنة النبوية ولا ورد عن الصحابة والتابعين، ولعله خيال لبعض الإمامية أو الصوفية ينبهون بتمثيل روايته أفكار المسلمين في تلكم الأعصر إلى نظام ينبغي أن تكون عليه الحكومات الإسلامية، والله مستبد بملكه غني عن الشورى، وعمن يتصرف له في مملكته، بل قلوب الخلائق وخطراتهم في قبضته لا يسأل عما يفعل وهم يسألون. وقد أوسعنا الكلام في ذلك في كتابنا "برهان الحق" فانظره.

1 وانظر طرقه في "المقاصد الحسنة" ص"8، 10".

ص: 61

والذي يمعن النظر في تاريخ الفقه والتصوف يرى أن الناس في القرن الثالث قد تضلعوا في الفقه واشتغلوا بالكماليات وهي التصوف كما هو شأن الأشياء التي تصل إلى عنفوان العمر الطبيعي كالدول التي تدخل في طور الرفه واتساع الحال، وذلك أن التصوف فلسفة كمالية لعلمي التوحيد والفقه منزل منهما منزلة علم البديع من علمي المعاني والبيان من جملة المكملات التحسينية، والأصل فيه حديث جبريل في سؤاله عن الإحسان الذي هو إتقان الإيمان والإسلام، فالتصوف عملي رياضي أكثر منه علمي.

قال محمد بن المنكدر: كابدت نفسي أربعين سنة، فاستقامت. هذا أساس التصوف، قال تعالى:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} 1 وقال عليه السلام: "رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر" 2 والغاية منه إتقان العبادة، وإحسانها بالإخلاص فيها وتخليص النفس من رعونات النقائص، وتحليتها بالكمالات، وفهم أسرار العقائد والعبادات ودقائقها كما ينبغي، وبذلك يصل العارف إلى ربه، ومعناه أن يكون دائم الحضور لا تحصل له غفله حتى لا يخرج سياج الشريعة، ولا يخرج عن دائرة الامتثال كما قيل:

تركت للذات البهائم أهلها

وهمت بما يعني به عالم المعنى

ثم هذه المجاهدة تنتج ذوقا في فهم كلام الله سبحانه، لكن بعد تحصيل الأدوات، وملازمة الخلوات، وتطهير القلب من الآفات، كما تنتج أيضا مشاهدة وكشفا عن عوالم غائبة، وذلك ما يعبرون عنه بالعلم اللدني أو علم الأذواق، أما إن لم تكن تقوى ولا اتباع طريق السنة والمجاهدة فإنما هي واردات ظلمانية،

1 العنكبوت: 69.

2 قال ابن حجر في "تسديد القوس": هو مشهور على الألسنة، وهو من كلام إبراهيم بن عبلة. ا. هـ. وقال العراقي: رواه البيهقي بسند ضعيف عن جابر ورواه الخطيب في "تاريخه" عن جابر بلفظ قدم النبي صلى الله عليه وسلم من غزاة فقال صلى الله عليه وسلم: "قدمتم خير مقدم وقدمتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر" قالوا: وما الجهاد الأكبر؟ قال: "مجاهدة العبد هواه" والمشهور على الألسنة "رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر" دون باقية فقيه اختصار. كشف الخفاء ص"42".

ص: 62

وشقاشق شيطانية.

لما ظهرت الحركة العلمية في العالم الإسلامي، دونوا علم التصوف في جملة ما دون من العلوم، وقد وضعوا في ذلك كتبا مهمة تعد مكملة للفقه والعقائد كرسالة القشيري.

و"قوت القلوب" للإمام أبي طالب 294- محمد بن علي المكي: المتوفى سنة 389 تسع وثمانين وثلاثمائة، ثم إحياء الغزالي وتأتي ترجمته في الشافعية.

وغنية الإمام شيخ الإسلام 295- وسيد الوعاظ أبي محمد عبد القادر بن أبي صالح بن جنكي دوست الجيلاني الحنبلي: شيخ العراق، قال فيه عز الدين بن عبد السلام: ما نعرف أحدا كراماته متواترة مثله توفي سنة 561 إحدى وستين وخمسمائة. ومن كلام الجيلاني هذا: كثير من الرجال إذا دخلوا إلى القضاء والقدر أمسكوا، وأنا انفتحت لي في روزنة، فنازعت أقدار الحق بالحق للحق، والولي من يكون منازعا للقدر، لا من يكون موافقا له نقله ابن تيمية في رسالته إلى نصر المنبجي.

وجميع الطرق الموجودة في وقتنا هذا ترجع إليه أو إلى 296- الشيخ الإمام أبي الحسن علي الشاذلي1: المغربي ثم المصري الإسكندري الضرير الزاهد الكبير المقدار تلميذ الإمام ابن مشيش وغيره صاحب الأحزاب العجيبة في التوحيد والفناء وذو الكرامات والفضائل العديدة المتوفى سنة 656 ست وخمسين وستمائة، أو إلى 297- الشيخ خواجه بهاء الدين نقشبند محمد بن محمد البخاري2: الذي ترجع إليه السلسلة النقشبندية المنتشرة بالمشرق والروم وما وراء النهر المتوفى سنة 791 إحدى

1 أبو الحسن علي الشاذلي المغربي. وجدته في وفيات ابن منقذ "1/ 323".

2 خواجه بهاء الدين نقشبند محمد بن محمد البخاري: توفي سنة "120": ثبت الكزبري "60".

ص: 63

وتسعين وسبعمائة.

وكتب 298- الإمام أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عطاء الله الإسكندري: المتوفى سنة 709 تسع وسبعمائة والإمام أحمد بن زروق الفاسي محتسب الطريقة وآخر من سلك فيها السنة وتأتي ترجمته.

وتراجم الصوفية كثيرة انظر اليسير منها في طبقات الشعراني وغيره، لكن غير هؤلاء توسعوا في ذلك بالتكلم عن مواجد القلوب وإشارات تفننوا في أخذها عن الكتاب والسنة، واقتبسوا من فلسفة الفلاسفة الإشراقيين، وفلاسفة الهنود كثيرا لما ترجمت كتبهم، وأسلم بعض من هو آخذ بها من رهبنة النصارى وغيرهم، وأكثر من الإشارات، وتلوين العبارات حتى إن الإمام ابن دقيق العيد قال: إني جلست مع:

299-

ابن سبعين عبد الحق بن إبراهيم الإشبيلي الرقوطي1: المتوفى بمكة سنة 669 تسع وستين وستمائة في ضحوة إلى قريب الظهر وهو يسرد كلاما تعقل مفرداته ولا تفهم مركباته.

وتفوق عليه في ذلك 300- ابن عربي الخاتمي: المتوفى سنة 638 ثمان وثلاثين وستمائة كما يعلم من فتوحاته وفصوصه.

فالتصوف كان في مبدإه رياضة وزهدا وورعا وعملا وإكثارا من الذكر والعبادة وتصفية النفس، فصار فمن علم الرسوم والتلوينات وفلسفة اعتقادية ولسانية، وفصاحة وكلاما فيما وراء الحس.

وإن شئت بسطا في هذا المقام فانظر تفسيرنا لسورة الإخلاص. قال ابن

1 ابن سبعين عبد الحق بن إبراهيم الإشبيلي الرقوطي: أبو أحمد مات، المرسي العتكي المريوطي الغافقي سنة "669":

معجم المؤلفين "5/ 90"، فوات الوفيات "1/ 516"، والأعلمي "21/ 55"، لسان الميزان "3/ 392"، العقد الثمين "5/ 326".

ص: 64

خلدون في المقدمة: والحق أن الكلام مع المتصوفة في أربعة مواضع:

الأول: المجاهدات والمقامات، وما يحصل من الأذواق والمواجد في نتائجها، ومحاسبة النفس على التقصير في أسباب تلك الأذواق التي تصير مقاما، ويترقى منه إلى غيره، وهذا لا مدفع فيه لزحد، وأذواقهم فيه صحيحة، والتحقق بها عين السعادة.

والثاني الكرامات كالكشف والتصرفات في الأكوان بخوارق العادات، وهذا غير منكر وإنكار ليس من الحق، وقول الأستاذ الإسفراييني: إنه يلتبس بالمعجزة. فلا لبس؛ إذ الفرق هو التحدي، والوجود شاهد بوقوع الكثير من الكرامات للصحابة، وكثير من السلف، وإنكارها مكابرة.

الثالث: حقائق العلويات، وترتيب صدورها، والحقائق لمدركة من علم الغيب كالصفات الربانية، كل موجود غائب، وأكثر كلامهم فيه من نوع من المتشابه إذ هو وجداني عندهم، وفاقد الوجدان بمعزل عن أذواقهم فيه، واللغات لا تعطي دلالة على مرادهم؛ لأنها لم توضع إلا للمتعارف، وأكثره محسوسات، فينبغي أن يعامل كلامهم معاملة المتشابه.

الرابع: ألفاظ موهمة الظاهر صدرت من كثير من أئمتهم يعبر عنها بالشطحات تدل على خلاف المعتقدات كالحلول والاتحاد، ووحدة الوجود، فأما من علمت إمامته وثبت فضله ومتانة دينه، فالإنصاف أنهم أهل غيبة عن الحس، والواردات تملكهم حتى ينطقوا بما لا يقصدونه، فالمجبور معذور، والعبارة عن المواجد صعبة لفقدان الوضع لها كما وقع لأبي يزيد وأمثاله.

وأما من لم يعلم فضله، ولا اشتهر، فمؤاخذ بما يصدر عنه ما لم يتبين لنا ما يحملنا على تأويل كلامه، وكذلك من تكلم بمثلها وهو حاضر لم يملكه الحال ولو من أئمتهم وأفاضلهم فإنه مؤاخذ أيضا ولذا أفتى الفقهاء وأكابر المتصوفة بقتل الحلاج لأنه تكلم في حضور وهو مالك لحاله، وسلف المتصوفة من أهل رسالة القشيري لم يكن لهم حرص على كشف الحجاب وإنما همهم الاتباع والاقتداء ما

ص: 65

استطاعوا، ومن عرض له شيء من ذلك، أعرض عنه ورآه من العوائق وفر منه، فلا ينطقون بما يدركون، ومنعوا من يكشف له الحجاب من أصحابهم عن الخوض والوقوف عنده، بل يلتزمون طريقتهم كما كانوا في عالم الحس قبل الكشف. ا. هـ. بخ.

لكن خلف من بعدهم خلف صار القصد عندهم هو هذه الأمور الثانوية التكلميلية، وقصروا في المقصد، فصار كشفهم ظلمانيا ووجدانهم شيطانيا مع كثرة الطرق وتشعبها حتى إنك إذا بحثت في أي مدينة أو قرية في غالب الممالك الإسلامية، تجد زواياها أكثر من مساجدها ومن المدارس.

ولا تكاد تجد عائلة إلا وهي آخذة طريقة من الطرق تتعصب لها برجالها ونسائها وصبيانها على أنه ربما تجد في العائلة طالبا واحدا للعالم ولا تجد فيها من يحسن الكتابة حتى التجأت الدولة الإسلامية أن تعتبر رؤساء الطرق بمنزلة الموظفين، وتسميهم كما تسمي موظفيها لتختار من لا يكون ضدها وفي بعض الأقاليم تجعل رئيسا عاما على جميع المشايخ تسمية شيخ المشايخ.

وأول من أحدث هذه الوظيفة السلطان صلاح الدين الأيوبي بمصر، وكان لا يولي عليها إلا أعاظم الرجال كابن حمويه مع ما كان له من الوزارة والإمارة وقيادة الجيش وتدبير الدولة، وذي الوزارتين ابن بنت الأعز.

وما زال الحال على ذلك إلى أن توحدت رئاسة الصوفية بمصر في القرن التاسع الهجري، فجعلت لشمس الدين البكري الذي وصفه الشعراء بأنه أعلم أهل زمانه، ولا تزال في البيت البكري إلى الآن.

وهذه وظيفة لم تكن في المغرب قط، نعم كان عندنا في المغرب شيوخ عظماء في عملهم وتدينهم معروف فضلهم إلا أن الذين أدركنا غالبهم لا يحسنون الأشقاشق وألفاظا نوعوها، وليس عندهم من الذوق إلا ذوق شيطاني ظلماني أعماهم الجهل، ونصبوا الشباك بالدين ليأكلوا أموال المغفلين، فصدق عليهم قوله تعالى: {إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ

ص: 66

وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} 1 باعوا الملة والدين ببخس، والله يتولى الانتقام من كل دجال.

على أن حدوث التصوف وتطوراته أدخل وهنًا على الفقه كثيرا بل وعلى الفقهاء، وقد كان الإكثار من ذلك بعد القرن السابع من أسباب هرم الفقه؛ إذ خرجوا عن المقصود إلى ما ليس بمقصود، والزيادة في الشيء نقصان، تركوا الأصول والفروض الدينية إلى كثرة النوافل، والتظاهر بالزهد مع الحرص الباطني على الدنيا على أن جل من رأينا أجهل الناس بالدين، وأعرفهم بالتحيل في نصب الحبائل للدرهم والدينار، وجعل المخرقة شبكة للاصطياد يقع في شراكها المغفلون.

حتى صار الأمر إلى طرق صورية لا صوفية، لها رقص وغناء ولهو وشطحات وشطح، وتواجد اللسان، وجمود الجنان في كل واد يهيمون ويصفون ما هم عنه ببطونهم غائبون، ويقولون ما لا يفعلون، فرقوا دينهم وصاروا شيعا، وأفضى الحال اليوم إلى فساد كبير، فصار الآخذون به كسالى يزعمون أنهم متوكلون، وإنما هم متواكلون عالة على المسلمين كالعضو الأشل في جماعة المؤمنين يسلبون أموالهم باسم الدين، وما أبعدهم عن الدين.

قال الإمام أبو الطيب طاهر الطبري في آخر كتابه في ذم السماع: فمن حظه من التصوف الإلحاح في الطلب، وكثرة الأكل، وسهر الليل، وسماع الغناء، والفرقعة بالأصابع، ودق الرجل والطقطقة بالقضيب، فإنما هو راكب ظلماء، وخابط عشواء قد أسرته شهوته، وأهلكه هواه، وغلبته نفسه، وقطعته الغفلة عن الاهتمام بالدين وسياسة النفس، وكان من الهالكين إلا أن يتوب الله عليه. ولله در أبي الحسن علي بن عبد الرحيم إذ يقول:

أهل التصوف قد مضوا

صار التصوف مخرقه

صار التصوف سبحة

وتواجدا وخطبقة

1 سورة التوبة: الآية 34.

ص: 67

مضت العلوم فلا علو

م ولا قلوب مشرقة

كذبتك نفسك ليس ذا

سنن الطريق الملحقة

حتى تكون بعين من

عنه العيون محدقة

تجري عليك صروفه

وهموم سرك مطرقه

غيره:

ليس التصوف لبسا لتصوف ترقعه

ولا بكاؤك إذا غنى المغنونا

بل التصوف أن تصفو بلا كدر

وتتبع الحق والقرآن والدينا

والطامة الكبرى هي أن جل من ينتسب للعلم من أهل زماننا يتسابقون للأخذ عن تلك الطرق البدعية، ويتحزبون لها، ويعضدونها، وهي تمدهم لا مجالة بنزر المتاع، ولكنها في الحقيقة هادمة لمجدهم الديني لانحرافها عن جادته، وذلك بسبب جهلهم بأصل الدين وسنة سيد المرسلين، ومن لم يأخذ عنهم، نظروا له شزرا، وعدوه بدعيا ظاهرا حتى فرقوا علماء الأمة إلى فرقتين: الفقهاء وهم أهل الظاهر أو أهل الرسول وهم أحق بذلك لم يبق إلا رسم الفقه، ومتصوفة وهم أهل الباطن، وإن حققت، قلت أهل بطون قال أبو مدين وهو من أهل القرن السادس:

واعلم بأن طريق القوم دراسة

وحال من يدعيها اليوم وكيف ترى

وقال الحضرمي: قد انقطعت التربية بالاضطلاح من جميع بقاع الأرض سنة 824 أربع وعشرين وثمانمائة.

وقال تلميذه زروق محتسب الطائفتين: قد تتبعت الطرق في هذا الزمان فلم أجد طريقا حقيقيا ولا اصطلاحيا، وإنما مجرد النسبة وإذا شئت أن تعرف ما آلت إليه الطرق والتصوف منذ قرون فانظر كتاب "موازين القاصرين" للشعراني، ففيه كفاية، وكل ذلك أثر على الفقه وعلى الفقهاء، ولكل أجل

ص: 68

كتاب. وليكن آخر كلامنا في تاريخ التصوف نظم عز الدين بن عبد السلام الذي لا ينعقد إجماع دونه ونصه:

ذهب الرجال وحال دون مجالهم

زمر من الأوباش والأنذال

زعموا بأنهم على آثارهم

ساروا ولكن سيرة البطال

لبسوا الدلوق مرقعا وتقشفوا

كتقشف الأقطاب والأبدال

قطعوا طريق السالكين وأظلموا

سبل الهدى بجهالة وضلال

عمروا ظواهرهم بأثواب التقى

وحشوا بواطنهم من الأدغال

إن قلت قال الله قال رسوله

همزوك همز المنكر المتغالي

ويقول قلبي قال لي عن خاطري

عن سر سري عن صفا أحوالي

عن حضرتي عن فكرتي عن خلوتي

عن جلوتي عن شاهدي عن حالي

عن صفو وقتي عن حقيقة حكمتي

عن ذات ذاتي عن صفا أفعالي

دعوى إذا حققتها ألفيتها

ألقاب زور لفقت بمحال

تركوا الشرائع والحقائق واقتدوا

بطرائق الجهال والضلال

جعلوا المرا فتحا وألفاظ الخنا

شطحا وصالوا صولة الإدلال

وترصدوا أكل الحرام تخادعا

كتخادع المتلصص المحتال

فهناك طاب المخلصون وأصبحوا

متسترين بسورة الأنفال

فهم عباد الله أية يمموا

والذاكرون الله في الآصال

القانتون الخاشعون لربهم

الناطقون بأصدق الأقوال

التاركون حظوظهم ونفوسهم

المؤثرون بخالص الأحوال

ما شأنهم في شأنهم دعوى ولا

عملوا لقصد مراء أو لجدال

عملوا بما علموا وجادوا بالذي

وجدوا وما بخلوا بفضل نوال

يمشون بين الناس هونا كلما

صد الجهول بدوه بالإجمال

فإذا بدا ليل سمعت أنينهم

وحنينهم بتضرع وسؤال

وعيونهم تجري بفيض دموعهم

مثل انهمال الوابل الهطال

متفاوتين بقربهم لحبيبهم

كتفاوت العمال في الأعمال

ص: 69

في الليل رهبان لخدمة ربهم

وتراهم في الحرب كالأبطال

تاهوا على كل الملوك وإنهم

لهم الملوك بعزة الإقبال

ولرب أشعث حقرته دلوقه

ولدى المليك هو العزيز الغالي

بوجوههم أثر السجود لربهم

وبها أشعة نورها المتلالي

خمص البطون وما بهم من فاقة

شعث الرءوس لروعة الأهوال

لم تخل أرض منهم قد حكموا

ذات اليمين بهما وذات شمال

مثواهم بين الثريا والثرى

والفرش والعرش الرفيع العالي

لا ينظرون إلى سوى محبوبهم

شغلوا به عن سائر الأشغال

فهم إليك وسيلتي يا سيدي

إلا وصلت حبالهم بحبالي

وا خيبة الآمال إن اقصيتني

عن بابهم وا خيبة الآمال

ص: 70

انقراض مذاهب المجتهدين "13" إلا أربعة منها:

اعلم أن تلك المذاهب الثلاثة عشر قد انقرضت كلها مع ما تقدم من تدوينها، ولم يبق إلا أتباع أبي حنيفة ومالك والشافعي وابن حنبل صار الناس إليها في جميع أقطار الأرض الإسلامية، وغلب كل مذهب منها على جهة من أقطار الإسلام.

قال الإمام عياض في "المدارك": قد وقع إجماع المسلمين في أقطار الأرض على تقليد هذا النمط، أي: بعض الأئمة "13" السابقة وأتباعهم، ودرس مذاهبهم دون من قبلهم من مذاهب الصحابة والتابعين مع الاعتراف بفضل من قبلهم وسبقه ومزيد علمه، ثم اختلفت الآراء في تعيين المقلد منهم على ما نذكره، فغلب كل مذهب على جهة.

فمذهب مالك بن أنس بالمدينة.

وأبي حنيفة والثوري بمصر.

ص: 70

وأحمد بن حنبل بعده ببغداد، وكان لأبي ثور هناك أتباع أيضا.

ثم نشأ ببغداد أبو جعفر الطبري، وداود الأصبهاني، فألفا الكتب، واختاروا في المذاهب على رأي أهل الحديث، واطرح دواد منها القياس، وروى عن كل واحد منهم أتباع وسرت جميع هذه المذاهب.

فغلب مالك على أهل الحجاز والبصرة ومصر وما والاها من بلاد إفريقية والأندلس وصقلية والمغرب الأقصى إلى بلاد من أسلم من السودان إلى وقتنا هذا، وظهر ببغداد ظهورا كثيرا، وضعف بالبصرة بعد خمسمائة سنة، وغلب في خراسان على قزوين وأبهر وظهر بنيسابور أولا، وكان بها وبغيرها له أئمة ومدرسون، وكان ببلاد فارس، وانتشر باليمن وكثير من بلاد الشام.

وغلب مذهب أبي حنيفة على الكوفة والعراق، وما وراء النهر وكثير من بلاد خراسان إلى وقتنا هذا، وظهر بإفريقية ظهورا كثيرا إلى قريب من أربعمائة سنة، فانقطع منها، ودخل منه شيء قديما بجزيرة الأندلس، وبمدينة فاس، وغلب مذهب الأوزاعي على الشام، وعلى جزيرة الأندلس إلى أن غلب عليها مذهب مالك بعد المائتين فانقطع.

وأما مذهب الحسن والثوري، فلم يكثر أتباعهما، ولم يطل تقليدهما وانقطع مذهبهما عن قريب.

وأما الشافعي رحمه الله، فكثر أتباعه وظهر مذهبه ظهور مذهب المالكية، ثم بالعراق وبغداد وغلب عليهما وعلى كثير من بلاد خراسان والشام واليمن إلى وقتنا هذا، ودخل وراء النهر وبلاد فارس، ودخل شيء منه إفريقية والأندلس بأخرة بعد ثلاثمائة سنة.

وأما مذهب أحمد بن حنبل، فظهر ببغداد، ثم انتشر بكثير من بلاد الشام وغيرها، وضعف الآن.

وأما أصحاب الطبري وأبي ثور، فلم يكثروا ولا طالت مدتهم وانقطع

ص: 71

أتباع أبي ثور بعد ثلاثمائة سنة، وأتباع الطبري بعد أربعمائة.

أما أتباع داود الظاهري، فقد كثروا وانتشروا ببغداد وبلاد فارس، وقال به قوم قليل بأفريقية والأندلس وضعف الآن.

فهؤلاء الذين وقع إجماع الناس على تقليدهم مع الاختلاف في أعيانهم، واتفق العلماء على اتباعهم، والاقتداء بمذاهبهم، ودرس كتبهم، والتفقه على مآخذهم، والتفريع على أصولهم، وصار الناس اليوم في أقطار الأرض على خمسة مذاهب: مالكية وحنفية وشافعية وحنبلية وظاهرية. ا. هـ. بخ على نقل "الديباج" هذا كلام عياض عن انتشار المذاهب في القرن السادس.

وقد ابن سلطان: أول "شرح المشكاة": إن بلاد ما وراء النهر، وولاية الهند والروم لا يعرفون إماما غير أبي حنيفة، ولا يعلمون مذهبا سوى مذهبه، وأتباعه أكثر من أتباع جميع الأئمة بحيث يكونون ثلثي المؤمنين بالتثنية. ا. هـ. بخ.

أما الظاهرية الآن، فقد انقرضوا، وما بقي إلا المذاهب الأربعة أو الزيدية في اليمن فإفريقية بسودانها ملك لمالك عدا مصر فللشافعي، وبها المالكية وغيرهم قليل، وبالحجاز والشام كذلك، وفيه بعض الحنابلة وخصوصا بالقدس والجزيرة، وكذلك أهل نجد الوهابيون حنابلة وبعض العراق. أما بلاد الترك، فللحنفية مع بلاد العجم والهند، أما بلاد الأفغان فشافعية، وأما مملكة إيران الفارسية فشيعة. قال السيوطي في "فتاويه": إن انحصار المذاهب في الأربعة إنما كان بعد الخمسمائة بسبب موت العلماء، وقصور الهمم، وانقراض العارفين بغيرها نقله في "الأزهار" وقال في "الطبقات السبكية" قال أهل التجربة: إن هذه الأقاليم المصرية والشامية والحجازية متى كان اليد فيها لغير الشافعية خربت، ومتى قدم سلطانها غير شافعي زالت دولته سريعا، وكأن هذا السر فعل الله في هذه البلاد. وكما جعله لمالك في بلاد المغرب، ولأبي حنيفة فيما وراء النهر، ونقل عن الشيخ الإمام والده عن ابن المرجل أنه ما جلس على كرسي مصر غير شافعي إلا وقتل سريعا إلخ. ما ذكره في الورقة عدد 134 من الجزء الخامس. وما

ص: 72