الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عدم تنقيح كتب الفقه:
إذا عدم تنقيح كتب الفقه هو من موجبات هرمه أيضا لا سيما في المذهبين الحنفي والمالكي وإذ كان فيهما مجتهدون متفاوتون كثيرون، فلا تزال مسائلهما متشتتة في كتب الفتاوى، فالمفتي محتاج إلى مراجعة أسفار كثيرة، ونظر عميق وربما وجد المسألة في غير مظنتها، فإذا لم يكن له حفظ وباع، ومزيد الاطلاع، وراجع في الفتوى في الغلط والشغب لا محالة، وانظر التقرير المؤرخ بغرة محرم سنة 1286 المصدر به مجلة القوانين التركية تجد فيه الاعتراف بذلك، وتجديد الفقه محتاج لكتب دراسية كما قدمنا.
فقه العمليات وتاريخ نشأته وانتشاره:
تقدم لنا في ترجمة مالك أن من أصول مذهبه عمل أهل المدينة من أهل القرن الأول والثاني، وليس مالك أول من قال به، بل ثبت عن شيوخه كالإمام الزهري، وربيعة بن أبي عبد الرحمن ومن عاصرهما وشيوخهم كالإمام سعيد بن المسيب، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، ومن عاصرهما، كما أخذ الحنفية بعمل علماء العراق، وما اشتهر بينهم من قضاء وفتوى، وكذا الشافعي قد احتج بعمل أهل مكة، وإن كان مالك جعله من أصوله المقدمة حتى على الحديث الصحيح كما سبق، ولما خيم مذهب مالك بالقيروان سرت تلك الفكرة لعلماء أفريقية ثم الأندلس، فكانوا يحتجون بما أفتى به علماؤهم، وقضى به قضاتهم.
ولما ظهر النبوغ العلمي بفاس وفضل علمائهم الأكياس، أخذوا بتلك التقاليد، ولكن غالب عملهم كان تابعا لعمل الأندلس من لدن تغلب الأمويين على المغرب أخر القرن الثالث وأول الرابع، وكان أهل فاس ميالين لمملكة الأمويين لعدلهم، واعتدال مذهبهم السني منابذين للعبيدين الشيعة بالقيروان، فكانوا يأخذون بعمل الأندلس غالبا ويقدمونه على عمل القيروان، ثم صار لهم عمل مخصوص بهم بعد استقلالهم في السياسة زمن الملثمين، ثم الموحدين، ثم بني مرين ومن بعدهم، فهذا ابتداء ما يسمونه بالعمل الفاسي، وقد كان من موجبات هرم الفقه أيضا، وذلك أن بعض المسائل فيها خلاف بين فقهاء المذهب، فيعمد بعض القضاة إلى الحكم بقول مخالف المشهور لدرء مفسدة، أو لخوف فتنة، أو جريان عرف في الأحكام التي مستندها العرف لا غيرها، أو نوع من المصلحة، أو نحو ذلك فيأتي من بعده، ويقتدي به ما دام الموجب الذي لأجله خالف المشهور في مثل تلك البلد، وذلك الزمن، وهذا مبني على أصول في المذهب المالكي قد تقدمت، فإذا كان العمل بالضعيف لدرء مفسدة فهو على أصل مالك في سد الذرائع، أو جلب مصلحة، فهو على أصله في المصالح المرسلة وتقدم ما فيه من الخلاف وأن شرطه أن لا تصادم نصا من نصوص الشريعة ولا مصلحة أقوى منها أو جريان عرف، فتقدم أنه من الأصول التي بني الفقه عليها، وأنه راجع للمصالح المرسلة أيضا.
فيشترط فيه ما اشترط فيه، فتنبه لهذا كله، فإذا زال الموجب، عاد الحكم المشهور؛ لأن الحكم بالراجح، ثم المشهور واجب، وهو من الأصول الشرعية العقلية، ففي "جمع الجوامع" في كتاب التعادل والتراجيح ما نصه: والعمل بالراجح واجب، وقال القاضي: إلا ما رجح ظنا؛ إذ لا ترجيح بظن عنده، وقال البصري: إن رجح أحدهما بالظن، فالتخيير. ا. هـ. والعمل بالضعيف في الفتوى والأحكام حران إلا المجتهد ظهر له رجحانه فلا يبقى ضعيفا عنده، ولا عند من قلده، أو لضرورة دعت المقلد لعمل به في نفسه يوما ما، ويشترط في القاضي الذي حكم به أن يكون فقيها عادلا لا جاهلا ولا جائرا زاد الهلالي في
"نور البصر": وأن يكون من الأئمة المقتدى بهم في الترجيح. ا. هـ. وهو مجتهد الفتوى يعني بحيث يتبين له رجحان القول الذي عمل به بأدلته التي منها المرجحات المذكورة، وإلا فالعمل لا يعتمد إلا إذا جرى بقول راجح، أو من قاض مجتهد الفتوى بين وجه ترجيح ما عمل به؛ لأن المجتهد هو الذي يقدر على تمييز ما هو مصلحة وما هو مفسدة، أو ذريعة إليها ويميز ما هو في رتبة الضرورات أو الحاجبات، وما هو في رتبة التحسينات فما ألجأت إليه المحافظة على النفس أو الدين أو النسل أو المال أو العرض أو العقل.
فهو في رتبة الضروريات، ويلحق بهذا ما كان في رتبة الحاجيات فقد نص المواق في شرح خليل أول الإجازة: أن المذهب المالكي مبني على اعتبار الحاجيات، وإلحاقها بالضروريات، أما ما كان في رتبة التحسينات، فلا يعتبر مرخصا في الخروج عن المشهور، وعلى كل حال لا يقدر على نقد مثل هذا إلا من بلغ رتبة الاجتهاد المذهبي، أما من لم يبلغها، ليس له رخصة في أن يترك المشهور إلى الشاذ في الفتوى والحكم أصلا، فالباب دونه مسدود وقد أنهى الهلالي في شرح المختصر شروط خروج القاضي عن المشهور إلى الضعيف إلى خمسة. فانظر فيه بقيتها.
وقد ذكر الشيخ خليل في مختصر بعض المسائل نصل فيها على العمل كقوله في آخر باب القضاء: وهل يدعى حيث المدعى عليه وبه عمل إلخ فجاء ابن عاصم الغرناطي، ونص يدعى حيث على مسائل من ذلك أيضا في تحفته ثم جاء بعده علي بن قاسم الزقاق، ونص في لاميته على نحو العشرين مسألة منها ثم جاء أبو العباس أحمد بن القاضي الفاسي مؤلف "الجذوة" و"درة الحجال" و"المنتقى" وغيرها المتوفى سنة 1025، خمس وعشرين وألف فألف كتاب "نيل الأمل فيما به بين الأئمة جرى العمل" وتلاه سيدي العربي الفاسي المتوفى سنة 1052، فألف تأليفا فيما جرى به العمل من شهادة اللفيف خاصة، وهي مسألة لا تنطبق إلا على أصول الحنفية الذين يعتبرون المسلمين كلهم عدولا، ويقبلون شهادة مجهول الحال لا مجهول العين، فلا تقبل بإجماع، ولا تنطبق
على قول في المذهب على أن الحنفية لا يشترطون اثني عشر رجلا التي جرى بها العمل استحسانا، وجاء الشيخ ميارة الكبير، فألف في مسألة بيع الصفقة وجوزه، وبين شروطه على ما به عمل فاس وهي أيضا لا تنطبق على أصول المذهب، وسوغوها لضرورة كثرة الخصومات في الجزء المشاع، وليتهم لم يضيقوها بكثرة الشروط التي لم نعلم مستندها.
ثم جاء الشيخ عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي، ونظم كتابا فيه نحو ثلاثمائة مسألة مما جرى به العمل بفاس بالخصوص وشرحه هو كما شرحه غيره، غير أن حاطب ليل جمع حتى ما جرى به العمل القضاء حورا أو جهلا كترك اللعان مع أنه في كتاب الله، وأن عدة المطلقة ثلاث أشهر لا قروء مخالفا في ذلك للفظ القرآن العظيم، وغير ذلك مما انتقده عليه الهلالي في "نور البصر" وغيره، ومن المسائل التي زعموا جريان العمل فيها أن الطلاق كله بائن مع أن الطلاق إذا أطلق في القرآن، انصرف للرجعي، ولا يكون بائنا إلا بأسباب مهما لم تكن، صار رجعيا، ولي في رد ذلك رسالة فلينظر مريدها.
وهناك عمل آخر يسمى العمل المطلق منظوم مشروح، وهو عمل غير مقيد بفاس، ومن هذا ما نص عليه خليل في مختصره، فهو عمل مطلق، فلذلك يحتاج المفتي والقاضي إلى أن تكون عنده هذه الكتب الفقهية المحدثة، ويكون مستحضرا لها متقنا لمسائلها وإلا وقع في الغلط وقد أفتى الفقيه الحافظ القوري بعدم لزوم بيع المضغوط، فكان ذلك سببا في تأخير عن مجلس الشورى.
وما به العمل دون المشهور
…
مقدم في الأخذ غير مهجور
ولذا يكتب في منشور ولاية القاضي عندنا في المغرب الأقصى اقتداء بعمل الأندلس في الجملة: وعليه أن يحكم بمشهور مذهب مالك أو ما به العمل، وغير خفي أن ما به العمل مقدم على المشهور، وهذا مما زاد الفقه صعوبة، فكم من قول مشهور في المختصر وغيره من الدوواين المعتمدة، وهو مهجور لمخالفة