المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أشهر أصحاب مالك في المائة الثالثة والرابعة: - الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي - جـ ٢

[الحجوي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌القسم الثالث: في الطور الثالث للفقه وهو طور الكهولة

- ‌مدخل

- ‌مجمل التاريخ السياسي

- ‌حدوث مادة الكاغد وتأثيره على الفقه:

- ‌الأئمة المجتهدون أصحاب المذاهب المدونة في هذا العصر:

- ‌استطراد بعض المكثرين من التأليف:

- ‌الاختلاف في مظنة الاتفاق:

- ‌حدوث علم التصوف ومجمل تاريخه وأطواره:

- ‌بعض تراجم الصوفية

- ‌مدخل

- ‌الزيدية في اليمن:

- ‌بعض تراجم الزيدية:

- ‌فقه الشافعية

- ‌تراجم المجتهدين في القرن الثالث والرابع

- ‌مدخل

- ‌تراجم الحنفية في القرن الثالث والرابع:

- ‌أشهر أصحاب مالك في المائة الثالثة والرابعة:

- ‌بعض أصحاب الشافعي الذين نشروا مذهبه في القرنين الثالث والرابع:

- ‌أشهر أصحاب الإمام أحمد بن حنبل في القرن الثالث والرابع:

- ‌صنعة التوثيق المسمى قديما عقد الشروط في هذا العصر

- ‌استنتاج من حالة الفقهاء في المدة السالفة:

- ‌علم الخلافيات:

- ‌القسم الرابع: في الطور الرابع للفقه وهو طور الشيخوخة والهرم المقرب من العدم

- ‌مدخل

- ‌مجمل التاريخ السياسي لهذه القرون:

- ‌إحياء الاجتهاد على عهد الدولة الموحدية بالمغرب والأندلس في القرن السادس:

- ‌تراجم الفقهاء في هذه العصور:

- ‌إصلاح القرويين:

- ‌أشهر أصحاب الإمام مالك بعد القرن الرابع إلى الآن:

- ‌أشهر مشاهير الشافعية بعد المائة الرابعة إلى الآن:

- ‌مشاهير الحنابلة بعد القرن الرابع:

- ‌تجديد الفقه:

- ‌ما صار إليه الفقه من القرن الرابع إلى وقتنا إجمالا:

- ‌مناظرة فقيهين في القرن الخامس:

- ‌غوائل الاختصار وتاريخ ابتدائه:

- ‌عدم تنقيح كتب الفقه:

- ‌فقه العمليات وتاريخ نشأته وانتشاره:

- ‌تحرير لمسألة العمل الفاسي:

- ‌التقليد وأحكامه:

- ‌تقليد الإمام الميت:

- ‌التزام مذهب معين وتتبع الرخص:

- ‌المذاهب الأربعة ليست متباعدة:

- ‌هل يجوز الخروج عن المذاهب:

- ‌حكم التصوير ونصب التماثيل بالمدن لعظماء القوم:

- ‌خصال المفتي:

- ‌ما صارت إليه الفتوى في القرون الوسطى:

- ‌حال الإفتاء في زماننا:

- ‌الكتب التي يفتى منها بالمغرب:

- ‌الاجتهاد

- ‌مدخل

- ‌المجتهد، شروطه، أقسامه:

- ‌مواد الاجتهاد، تيسر الاجتهاد، الطباعة، كتبه:

- ‌بحث مهم:

- ‌هل كل مجتهد مصيب:

- ‌اقتداء المذهب بعضهم ببعض

- ‌نقض حكم المجتهد:

- ‌هل انقطع الاجتهاد أم لا، إمكانه، وجوده:

- ‌من أدرك رتبة الاجتهاد:

- ‌ذيل وتعقيبات للمؤلف

- ‌مدخل

- ‌البحث الأول:

- ‌البحث الثاني:

- ‌البحث الثالث:

- ‌البحث الرابع:

- ‌البحث الخامس:

- ‌البحث السادس:

- ‌البحث السابع:

- ‌البحث الثامن:

- ‌البحث التاسع:

- ‌البحث العاشر:

- ‌البحث الحادي عشر:

- ‌البحث الثاني عشر:

- ‌البحث الثالث عشر:

- ‌البحث الرابع عشر:

- ‌البحث الخامس عشر:

- ‌البحث السادس عشر:

- ‌البحث السابع عشر:

- ‌البحث الثامن عشر:

- ‌البحث التاسع عشر:

- ‌البحث العشرون لبعض الأصحاب الرباطيين:

- ‌البحث الحادي والعشرون له أيضا ونصه:

- ‌البحث الثاني: والعشرون له أيضا ونصه

- ‌البحث الثالث والعشرو: له أيضا

- ‌البحث الرابع والعشرون: من بعض الأصحاب الفاسيين

- ‌البحث الخامس والعشرون:

- ‌البحث السادس والعشرون:

- ‌الفهارس:

- ‌فهرس أبواب القسم الثالث من الفكر السامي:

- ‌فهرس أبواب القسم الرابع من كتاب الفكر السامي:

الفصل: ‌أشهر أصحاب مالك في المائة الثالثة والرابعة:

‌أشهر أصحاب مالك في المائة الثالثة والرابعة:

379-

أبو مروان عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الله 1:

ابن أبي سلمة الماجشون مولى قريش، والماجشون مثلث الجيم كلمة فارسية معناها: المورد، سمي بذلك جده أبو سلمة لحمرة في وجهه، وبيتهم بيت علم بالمدينة، كيعقوب بن أبي سلمة وولديه عبد العزيز ويوسف وعبد العزيز بن عبد الله، روى عبد الملك عن أبيه وإبراهيم بن سعد ومالك، وتفقه به وبأبيه وغيرهما.

كان فقيها فصيحا، دارت عليه الفتيا في أيامه إلى أن توفي، وعلى أبيه قبله بالمدينة، تأدب بالبادية في كلب أخواله. قال يحيى بن أكثم: عبد الملك بحر لا تكدره الدلاء، وأثنى عليه سحنون وفضله، وهم أن يرحل إليه ليعرض عليه "المدونة" وأثنى عليه ابن حبيب، وفضله في الفهم على كثير من أصحاب مالك.

وتفقه عليه خلق كثير، كأحمد بن المعذل، وسحنون، وابن حبيب،

1 أبو مروان عبد الملك بن عبد العزيز عبد الله بن أبي سلمة الماجشون: أبو مروان صاحب مالك الماجشون المدني التميمي الفقيه، توفي سنة "213 أو 212 أو 214":

التحفة اللطيفة "3/ 85"، تقريب التهذيب "1/ 520، 522"، تهذيب التهذيب "6/ 407، 418"، تهذيب الكمال "2/ 857، 861"، الكاشف "2/ 211"، الخلاصة "2/ 178"، الميزان "2/ 658"، لسان الميزان "7/ 292"، نسيم الرياض "4/ 459"، تراجم الأحبار "2/ 525"، دائرة الأعلمي "21/ 266"، سير النبلاء "10/ 359"، العبر "1/ 363".

ص: 111

وغيرهم.

وروى عنه سليمان بن داود، والمهدي، وعمر بن علي، أخرج له النسائي وابن ماجه.

توفي سنة "212" اثني عشر ومائتين وهو ابن بضع وستين سنة.

380-

عيسى بن دينار القرطبي 1:

فقيه الأندلس ومعلمهم الفقه، وكان أفقه من يحيى بن يحيى على جلالته وعظم قدره، أخذ عن ابن القاسم، وكان ابن القاسم يجله.

توفي بطليطلة سنة "212" اثنتي عشرة ومائتين، وله كتاب سماع.

381-

أسد بن الفرات 2:

النيسابوري الأصل التونسي الدار سمع مع مالك موطأه وغيره، ورحل للعراق، فسمع من أبي يوسف، ومحمد بن الحسن، وتفقه بهم.

وأخذ عنه أبو يوسف "الموطأ" كما أخذ هو عنه فقه الحنفية مجردة، وذهب إلى ابن القاسم، فتلقى عنه أحكامها على مذهب مالك أو مذهبه، وسمع من أشهب وغيرهما وذلك هو أصل "المدونة" التي تجمع ستة وثلاثين ألف مسألة كما في "الديباج" في ترجمة ابن عبد الحكم، ورجع به للقيروان فنشرها.

وكان قاضيا هناك. ثم ولي أمير الجيش الذي وجهه ابن الأغلب لغزو صقلية، فمات هناك شهيدا محاصرا لسرقوسة سنة "213" ثلاث عشرة ومائتين.

1 عيسى بن دينار القرطبي "فقيه الأندلس": أبو محمد القرطبي الغافقي. جذوة المقتبس "298"، ترتيب المدارك "3/ 16، 20"، العبر "1/ 363"، الديباج المذهب "2/ 64، 66"، تاريخ ابن الفرضي "1/ 331"، شذرات الذهب "2/ 28".

2 أسد بن الفرات: ترجمته في رياض النفوس "1/ 172، 189"، وقضاة الأندلس "54".

ص: 112

382-

أبو محمد بن عبد الله بن عبد الحكم 1:

ابن أعين بن الليث المصري مولى امرأة من موالي عثمان بن عفان رضي الله عنه.

أخرج له النسائي وسمع من مالك، والليث، وعبد الرزاق، والقعنبي، وابن عيينة، وغيرهم، وروى عنه ابن حبيب، وأحمد بن صالح، وابن نمير، وابن المواز، وغيرهم.

كان فقيها صدوقا، عارفا بمذهب مالك، عاقلا حليما، تفرد برئاسة مصر بعد أشهب، وقد نبه بيته بمصر، وبلغوا مجدا لم يبلغه أحدا وكان صديقا للشافعي، ونزل عليه لما ورد مصر، ومات بداره ودفن في مقبرته، وقد بالغ في بره وإكرامه.

وله "المختصر الكبير" اختصر فيه كتب أشهب، وفيه ثماني عشرة ألف مسألة.

وله "الأوسط" ويرى عنه أوسطان: أحدهما: من رواية ابنه محمد وسعيد بن حسان، والثاني: من رواية القراطيسي فيه زيادة الآثار على الأول وفي الأوسط أربعة آلاف مسألة.

وله "المختصر الصغير" قصره على علم الموطأ فيه ألف مسألة ومائتان.

فمن هذا التاريخ بدأت فكرة الاختصار، وظهر الملل وكلل في القرائح بسبب كثرة الفقه التقديري، وله كتب أخرى.

توفي سنة "214" أربع عشرة ومائتين عن ستين سنة. وأبوه:

383-

عبد الحكم: روى عن مالك مسائل أيضا. وتوفي سنة "171".

1 أبو محمد عبد الله بن عبد الحكم بن أعين بن الليث المصري: ولد سنة 155:

تهذيب الكمال لوحة "701"، تبصرة المنتبه "3/ 1192"، تهذيب الكمال "702"، حسن المحاضرة.

ص: 113

384-

مطرف بن عبد الله بن مطرف 1:

ابن سليمان بن يسار الهلالي اليساري، أبو مصعب المدني الفقيه، تفقه على خاله مالك بن أنس، وعبيد الله بن عمر، وروى عن البخاري في الصحيح، والذهلي، وأبو حاتم، وثقه الدارقطني، وغيره.

توفي سنة "220" عشرين ومائتين، فهو وابن الماجشون المتقدم إمامان جليلان أشهر من نشر علم مالك بالمدينة، ورحل الناس إليهما فيه، وهما المشهوران في كتب المذاهب بالأخوين.

385-

أبو عبد الله أصبغ بن الفرج 2:

ابن سعيد بن نافع مولى عبد العزيز بن مروان سكن الفسطاط، روى عن الدراوردي ويحيى بن سلام وابن وهب، وأشهب، وكان فقيه البلد ماهرا في فقهه، طويل اللسان، حسن القياس، نظارا من أفقه هذه الطبقة، أجل أصحاب ابن وهب، وكان كاتبا له، صدوقا ثقة.

قال ابن وهب: لولا أن تكون بدعة، لسورناك كما تسور الملوك يا أصبغ.

وقال ابن الماجشون: ما أخرجت مصر مثله، قيل له: ولا ابن القاسم؟ قال: ولا ابن القاسم.

روى عنه البخاري وأبو حاتم وغيرهما، وتفقه عليه ابن المواز وابن حبيب وغيرهما.

1 مطرف بن عبد الله بن مطرف بن سليمان بن يسار الهلالي اليساري أبو مصعب المدني: أبو مصعب اليساري الأصم المدني النيسابوري الهلالي الحارثي، توفي 220:

الأكمال "7/ 443"، تهذيب التهذيب "10/ 175"، تقريب التهذيب "2/ 253"، تهذيب الكمال "3/ 1335"، الكاشف "3/ 150"، الخلاصة "3/ 34"، ثقات "9/ 183"، الميزان "4/ 1324"، الكامل "6/ 2375"، ديوان الضعفاء "4145"، نسيم الرياض "3/ 532، 405"، لسان الميزان "7/ 389"، الأعلمي "27/ 297".

2 أبو عبد الله أصبح بن الفرج: ترجمته في وفيات الأعيان "1/ 240"، والديباج المذهب ص"97"، وتهذيب التهذيب "1/ 361".

ص: 114

قيل لأشهب: من لنا بعدك؟ قال: أصبغ. وكان يستفتى معه ومع غيره من أشياخه، عارفا برأي مالك مسألة مسألة، وله تآليف حسان ككتاب "الأصول" في عشرة أجزاء، وسماعه من ابن القاسم اثنان وعشرون كتابا وغيرها.

توفي سنة "225" خمس وعشرين ومائتين. وأصبغ بغين معجمة بوزن أفضل.

386-

عبد الله بن أبي حسان اليحصبي 1:

من أشراف أفريقية، صاحب فقه وأدب، رحل إلى مالك، وأخذ عنه، وعن ابن أبي ذئب، وابن عيينة.

ثقة روى عن سحنون، كان غاية في فقه مالك، وهو راوية أخبار إفريقيا وحروبها، وكان ذابا عن السنة.

توفي سنة "227" سبع وعشرين ومائتين.

387-

يحيى بن يحيى بن كثير الليثي 2:

مولاهم البربري المصمودي من مصمودة طنجة الأندلسي القرطبي الفقيه أبو محمد، أحد الأعلام راوي "الموطأ عن مالك غير أبواب من الاعتكاف شك فيها، ورواها عن شبطون السابق.

قال ابن عبد البر: كان إمام أهل بلده، ثقة عاقلا، وقال غيره: انتهت إليه رئاسة العلم بالأندلس، وبسببه دخل المذهب المالكي إليه؛ إذ كان في زمن بني

1 عبد الله بن أبي حسان اليحصبي "من أشراف إفريقية": أبو محمد اليحصبي ولد سنة 140، توفي سنة 226: طبقات علماء إفريقية وتونس ص"155"، معالم الإيمان "2/ 58"، رياض النفوس "1/ 199".

2 يحيى بن يحيى كثير الليثي "مولاهم البريري المصمودي": أبو محمد أو أبو عيسى أو أبو مروان البربري الليثي القرطبي المصمودي، توفي سنة 233 أو 234، عن 85 عام:

تقريب التهذيب "2/ 360"، تهذيب التهذيب "11/ 300"، الخلاصة "3/ 163"، الأكمال "7/ 141"، المعين "1034"، نسيم الرياض "2/ 12 و4/ 463"، الأنساب "12/ 296"، الوفيات "172".

ص: 115

أمية الذي يريدون تغيير رسوم بني العباس التي منها مذهب أهل العراق، فكان يحيى مستشارهم في تعيين القضاة، ولا يشير عليهم إلا بمن كان مالكيا، فانتشر المذهب بذلك.

توفي سنة "334" أربع وثلاثين ومائتين. وليس هو الذي يروي عنه البخاري ومسلم والموطأ، فذاك:

388-

يحيى بن يحيى بن بكر الحنظلي التميمي الخراساني:

أجل من هذا في الحديث، وكانا في عصرنا واحد، ولا ذكر للمترجم في كتب الحديث لبعد بلده عن محل الرواية التي كان محلها الحجاز والعراق وخراسان والشام ومصر إذ ذاك.

قال الأمير في "فهرسته": قيل لهذا الليثي؛ لأن جده رسلان أسلم على يد يزيد بن عامر الليثي.

389-

عبد الرحمن بن موسى الهواري 1: من أهل إستجه بالأندلس لقي مالكا وابن عيينة والأصمعي، وغيرهم، واستقضي ببلده كان إذا قدم قرطبة، لم يفت عيسى بن دينار، ولا يحيى بن يحيى، ولا سعيد بن حسان إجلالا له حتى يرحل.

386-

عبد الملك بن حبيب بن سلميان السلمي 2: أصله من

1 عبد الرحمن بن موسى الهواري "من أهل إستجه بالأندلس": أبو موسى الهواري الإستجي: تاريخ علماء الأندلس ص"258" دائرة الأعلمي "21/ 107".

2 عبد الملك بن حبيب بن سلمان السلمي "من طليطلة": أبو مروان الأندلسي القرطبي المرداسي السلمي، ولد سنة 170، توفي 236 أو 238:

تقريب التهذيب "1/ 518"، تهذيب التهذيب "6/ 389"، الخلاصة "2/ 175"، دائرة الأعلمي "2/ 175"، لسان الميزان "4/ 59"، الميزان "2/ 652"، نسيم الرياض "3/ 519، 461"، التمهيد "2/ 45"، نفح الطيب "2/ 7"، معجم المؤلفين "6/ 181، 182"، بغية الملتمس "377".

ص: 116

طليطلة، وانتقل جده لقرطبة، سمع مطرفا وابن الماجشون، وكان ذا علم واسع رتبة الأمير عبد الرحمن بن الحكم في طبقة المفتين بقرطبة، وانفرد بالرئاسة بعد يحيى بن يحيى، وهو مؤلف كتاب "الواضحة" أحد الكتب الجامعة في المذهب غير أنه مضعف في الحديث، له مؤلفات شتى.

قال ابن الفرضي: كان متفننا في ضروب من العلم فقيها مفتيا نحويا لغويا نسابة مؤرخا عروضا شاعرا محسنا مترسلا حاذقا مؤلفا متقنا.

ولما دنا من مصر في رحلته، وجد جماعة من العلماء يتلقون الرفقة على عادتهم كما أطل عليهم ذو هيئة، تفرسوا فيه حتى رأوه، وكان جميل المنظر، فقال قوم: فقيه، وقال آخرون: بل شاعر، وآخرون: بل طبيب، وآخرون خطيب، فتقدموا إليه وأخبروه بما قالوا، فقال لهم كلكم قد أصاب، وإني أحسن كل ذلك، والخبرة تكشف الحيرة، فجاءه أصحاب الفنون، فأجابهم عن كل ما سألوه، فأخذوه عنه، وعطلوا دروسهم حتى ارتحل تعظيما له.

توفي سنة "238" ثمان وثلاثين ومائتين.

391 -

سحنون عبد السلام بن سعيد التنوخي 1:

صليبة من العرب الأفريقي، قدم أبوه في جيش حمص إلى القيروان، وسحنون اسم طائر جديد لقب له لحدته في المسائل.

أفردت ترجمته بالتأليف، أخذ العلم عن علماء القيروان إذ ذاك أبي خارجة، وبهلول، وعلي بن زياد، وابن أبي حسان المتقدم، وابن غانم، وابن أبي كريمة، وأخيه، وابن أشرس، ومعاوية الصمادحي، وأبي زياد الرعيني، أدرك مالكا، ومنعه الفقر من الوصول إليه، فسمع من ابن القاسم، وأشهب، وابن وهب، وطليب بن كامل، وعبد الله بن الحكم، وابن عيينة، ووكيع،

1 سحنون عبد السلام بن سعيد التنوخي "صليبة": أبو سعيد أو أبو محمد سحنون قاضي أفريقية، توفي سنة 240:

الإكمال، ودائرة الأعلمي "21/ 120".

ص: 117

وابن مهدي، وحفص بن غياث، وأبي داود الطيالسي، وخلق من أهل ذلك العصر. كان ثقة حافظا، فقيه البدن اجتمعت خصال فيه قلما تجتمع لغيره الفقه البارع، والورع الصادق، والصرامة في الحق، والزهد في الدنيا، والتخشن في الملبس والمطعم والسماحة.

قال ابن القاسم، وأشهب وابن أبي الغمر: لم يقدم علينا من أفريقية من هو أفقه من سحنون أخذ "مدونة" أسد، وذهب بها إلى ابن القاسم، وصححه عليه، فرجع عن أشياء فيها، ثم قدم بها القيروان، ونشرها في تلك الأصقاع إلى الأندلس، وبها تم انتشار مذهب مالك، فنسخت مدونة أسد التي امتنع صاحبها من تغييرها، فتركها الناس، وفض سحنون حلق المخالفين لمذهبه من العراقيين، ولم يكن يقبل إلا فتوى المالكيين، وبه صارت أفريقية ملكا لمالك.

ولي القضاء بأفريقية على عهد بني الأغلب الذين كانوا مستقلين في داخليتهم عن المشرق، فصدع بالحق، وأقام قسطاس العدل على الأمير فمن دونه، وذلك سنة "234" أربع وثلاثين ومائتين، ولم يأخذ شيئا على القضاء قط، ولا يقبل من السلطان عطاء، ويأخذ مؤنة قضاته ونوابه وأعوانه من جزية أهل الكتاب، بل كان يعالج فلاحة بعض زيتونه بيده، ويأكل من كسبه فقط، ولا يأكل حتى من أملاكه، وكان سحنون من أيمن عالم دخل المغرب، كأنه مبتدأ عصره محا ما قبله، وكان أصحابه الذي أخذوا عنه مصابيح في كل بلد، وقد بلغوا سبعمائة. رأى الناس يوما يقبلون يد ابن الأغلب الأمير، فقال له: لم تعطيهم يدك لو كان هذا لقربك من الجنة ما سبقونا إليها.

توفي سنة "240" أربعين ومائتين عن ثمانين سنة رحمه الله وخلف ولده.

392-

محمد بن سحنون 1: وله درجة عالية في الفقه والتآليف العظيمة في المذهب المالكي، والخصال الجليلة، ألف في فنون كثيرة كالحديث

1 محمد بن سحنون عبد السلام بن سعيد التنوخي، أبو عبد الله التنوخي الفقيه المالكية القيرواني. رياض النفوس "1/ 345"، الديباج المذهب "234"، شجرة النور الزكية "700"، سير النبلاء "13/ 86"، الوافي بالوفيات "3/ 86".

ص: 118

والفقه والتاريخ، وأدب المناظرة والخلافيات التي ابتلي بها ذلك العصر، وقد ألف كتابه الكبير في مائة جزء.

توفي سنة "256" ست وخمسين ومائتين، ويقال في المذهب المالكي: المحمدان الأفريقيان له، ولمحمد بن عبدوس، والمحمدان المصريان: محمد بن عبد الحكم ومحمد بن المواز، والجميع كانوا في عصر واحد، ولم يجتمع مثلهم في عصر لمذهب مالك.

وهؤلاء السادات أشهر من نشر علم مالك في أفريقية وصقلية رحمه الله.

393-

أبو عمرو الحارث بن مسكين 1:

ابن محمد بن يوسف، مولى الأمويين قاضي مصر، سمع ابن القاسم، وأشهب وابن وهب، ودون أسمعتهم وبوبها، وبهم تفقه، وعد في أكابر أصحابهم، وله كتاب فيما اتفق عليه رأي الثلاثة.

روى عن ابن عيينة، ورأى الليث، حدث ببغداد ومصر، روى عنه أو داود والنسائي، ووثقه، وعبد الله بن الإمام أحمد، وابن وضاح، وأثنى عليه الإمام أحمد خيرا.

وقال ابن وضاح: هو ثقة الثقات، وأكثر عنه النسائي في سننه مع إقامة الحارث له عن مجلسه، كان فقيها نزيها ورعا، صادق اللهجة، عدلا في قضائه، محمود السيرة، وكان ابن أبي داود يحسن ذكره، ويعظمه جدا، ويكتب الوصاة به.

توفي سنة "250" خمسين ومائتين.

1 أبو عمرو الحارث بن مسكين: ترجمته في تاريخ بغداد "8/ 216"، وتذكرة الحفاظ "2/ 514"، وتهذيب التهذيب "2/ 156".

ص: 119

394-

أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن عتبة 1:

العتبي مولى لآل عتبة بن أبي سفيان، قرطبي سمع من يحيى بن يحيى، وسعيد بن حسان، ورحل، فسمع من أصبغ، وسحنون، كان حافظا جامعا للمسائل، له كتاب "المستخرجة" التي قال فيها ابن حزم: لها عند أهل أفريقية القدر العالي، والطيران الحثيث، وتكلم فيها محمد بن عبد الحكم قال: رأيت جلها كذبا ومسائل لا أصول لها.

توفي سنة "254" أربع وخمسين ومائتين.

395-

أبو زيد عبد الرحمن بن إبراهيم الأموي 2

مولاهم القرطبي، الشهير بأبي زيدن مؤلف الثمانية المشهورة في المذهب، وهي ثمانية كتب من أسئلة المدنيين سمع من يحيى بن يحيى، وابن الماجشون، ومطرف، وابن كنانة، وأصبغ، وأخذ عنه ابن لبابة وغيره.

توفي سنة "258" ثمان وخمسين ومائتين.

396-

محمد بن إبراهيم بن عبدوس بن بشير 3:

أصله من العجم من موالي قريش، وهو من كبار أصحاب سحنون وأئمة وقته، وكان ثقة إماما في الفقه.

1 أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد العزيز: ترجمته في جذوة المقتبس ص"36، 37"، وشذرات الذهب "2/ 92"، والديباج المذهب ص"238".

2 أبو زيد عبد الرحمن بن إبراهيم الأموي مولاهم القرطبي الشهير بأبي زيد: أبو زيد القرطبي. معجم المؤلفين "5/ 113، 114"، الإكمال "1/ 258".

3 محمد بن إبراهيم بن عبدوس بن بشير: أبو عبد الله. الإكمال "1/ 296"، شجرة النور الزكية "70"، رياض النفوس "10/ 3060".

ص: 120

قال ابن الحارث: "كان حافظا لمذهب مالك والرواة من أصحابه، إماما مبرزا فقيها في ذلك خاصة. غزير الاستنباط، جيد القريحة، ناسكا عابدا متواضعا، مستجاب الدعوة، وألف كتابا شريفا سماه "المجموعة" أعجلته المنية قبل إتمامه، وله كتب التفاسير فسر فيها أصولا من العلم كالمرابحة والمواضعة والشفعة، وله أربعة أجزاء في شرح مسائل من المدونة وغيرها من الكتب.

توفي سنة "260" ستين ومائتين.

397-

أبو عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم 1:

تفقه على أبيه، وأشهب، وابن وهب، وابن القاسم، وغيرهم من أصحاب مالك، وصحب الشافعي، وروى عن أبي فديك، وأنس بن عياض، وحرملة، وغيرهم، وروى عنه ابن أبي حاتم، وابن جرير الطبري، وغيرهما، كان من العلماء الفقهاء مبرزا نظارا، وإليه الرحلة من الأندلس والمغرب، وانتهت إليه رئاسة مصر في فقه مالك، وكان ماهرا في مذهب الشافعي، فإذا تبينت له الحجة فيه، اختار قوله.

له كتب حسان كأحكام القرآن، والوثائق، والشروط، وكتاب الرد على الشافعي فيما خالف فيه الكتاب والسنة، وكتاب اختصار كتب أشهب، وكتاب النجوم، وكتاب المولدات، وغيرها.

توفي سنة "268" ثمان وستين ومائتين.

1 أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: أبو عبد الله المصري، توفي سنة "268 أو 269":

نسيم الرياض "3/ 451"، أربع رسائل "183".

ص: 121

398-

أبو عبد الله بن إبراهيم الإسكندري 1:

المعروف بابن المواز، تفقه على أصبغ وهو عمدته، وعلى ابن الماجشون، وابن عبد الحكم، وغيرهم، كان راسخا في الفقه والفتيا، وكتابه المشهور بالموازية أجل كتاب ألفه المالكيون وأصحه وأوعبه، وأبسطه، رجحه القابسي على سائر الأمهات قائلا: إن صاحبه قصد بناء فروع المذهب على أصوله، وغيره إنما قصد جمع الروايات.

توفي بدمشق سنة "269" تسع وستين ومائتين.

399-

أبو بكر محمد بن زكرياء الوقار 2:

بتخفيف القاف أخذ عن أصبغ، وابن عبد الحكم، وغيرهما، وله مختصران أكبرهما في سبعة عشر جزءا، وأهل القيروان يفضلون مختصره على مختصر ابن عبد الحكم. توفي سنة 269 تسع وستين ومائتين.

400-

أبو الفضل أحمد بن المعذل 3:

"بالذال المعجمة" العبدي البصري، من الطبقة الأولى الذين انتهى إليهم فقه مالك ممن لم يره من أهل العراق، فقيه متكلم، تفقه بابن الماجشون، ومحمد بن مسلمة، وإسماعيل بن أبي أويس، وغيرهم، وعنه أخذ إسماعيل بن إسحاق القاضي، وأخوه حماد، وعبد العزيز بن إبراهيم، وغيرهم.

1 أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الإسكندري المعروف بابن المواز: الإسكندراني المالكي، توفي سنة "281":

نسيم الرياض "3/ 451"، المعين "1188"، العبر "2/ 66".

2 أبو بكر محمد بن زكرياء الوقار: أبو بكر الوقار المصري المالكي، توفي سنة "269":

معجم المؤلفين "9/ 8" والحاشية.

3 أبو الفضل أحمد بن المعذل: ترجمته في سير أعلام النبلاء "8/ 138، 139"، وشذرات الذهب "2/ 95، 96".

ص: 122

أثنى عليه أبو حاتم، وقال أبو سليمان الخطابي: إنه يعد في زهاد البصرة وعلمائها، وقال غيره: كان فقيها بمذهب مالك، ذا فضل وورع ودين، نبيلا شاعرا أديبا فصيحا نظارا، غاية في الزهد فيما بأيدي الناس، لم يكن لمالك في العراق أرفع منه، ولا أعلى درجة، وأبصر بمذهب أهل الحجاز منه، ولم يذكر في "الديباج" وفاته، وإنما قال: توفي وقد قارب الأربعين سنة.

401-

أبو إسحاق إسماعيل بن إسحاق 1: بن حماد بن زيد بن درهم بن لامك الجهضمي الأزدي

مولى آل جرير بن حازم كما تقدم لنا في ترجمة حماد. وأصل إسماعيل من البصرة، واستوطن بغداد، روى عن سليمان بن حرب، وحجاج بن منهال، ومسدد، وابن المديني، وسمع من أبيه إسحاق، وأبي بكر بن أبي شيبة، وتفقه بابن المعذل السابق، وكان يقول: أفخر على الناس برجلين: ابن المعذل يعلمني الفقه، وابن المدين يعلمني الحديث.

وروى عنه ابنه أبو عمر القاضي، وأخوه، وأبو القاسم البغوي، وابن أخيه إبراهيم بن زيد، وعبد الله بن الإمام أحمد، وإبراهيم بن عرفة النحوي، وغيرهم، كالنسائي وخلق عظيم، وتفقه عليه أهل العراق من المالكية.

قال أبو بكر الخطيب: كان فاضلا عالما متفننا، فقيها في مذهب مالك، شرح مذهبه، ولخصه، واحتج له، وصنف المسند، وكتبا عديدة، من علوم القرآن، منها كتاب "أحكام القرآن" لم يسبق لمثله، وكتابه في القراءات كتاب جليل القدر، عظيم الخطر، وكتاب في معاني القرآن، وهذان كتابان شهد بتفضيله فيهما المبرد، وله إعراب القرآن في خمسة وعشرين جزءا، وله كتاب المبسوط في الفقه، ومختصره، وله كتب عديدة في أبواب من الفقه، وفي الرد

1 أبو إسحاق إسماعيل بن إسحاق: ترجمته في سير أعلام النبلاء "9/ 79"، وتاريخ بغداد "6/ 284، 290"، وطبقات القراء "2/ 162"، وتذكرة الحفاظ "2/ 180، 181"، ومعجم الأدباء "6/ 129"، 140"، وشذرات الذهب "2/ 178".

ص: 123

على محمد بن الحسن والشافعي وأبي حنيفة، وله كتاب الموطأ، وكتاب شواهد موطأ مالك في عشر مجلدات، وله مسانيد في الحديث كثيرة، فهو معدود من أعلى طبقة في المؤلفين وجمع حديث مالك، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وأيوب السختياني، وثابت البناني، وأبي هريرة.

وقال أبو إسحاق الشيرازي: كان إسماعيل جمع القرآن، وعلوم القرآن والحديث، وآثار العلماء والفقه والكلام والمعرفة بعلم اللسان، وكان من نظراء المبرد في علم كتاب سيبويه، وكان المبرد يقول: لولا اشتغاله برئاسة الفقه والقضاء، لذهب برئاستنا في النحو والأدب، وحمل من البصرة إلى بغداد، وعنه انتشر مذهب مالك بالعراق. وكان ثقة صدوقا، وذكر الإمام الباجي من بلغ درجة الاجتهاد، وجمع العلوم فقال: ولم تحصل هذه الدرجة بعد مالك إلا لإسماعيل القاضي ومن شعره:

ومسرة قد أقبلت

من حيث تنتظر المصائب

فاعجب لما هو كائن

إن الزمان أبو العجائب

ولي قضاء بغداد، وجمعت له في وقت واحد، ولم تجمع لأحد قبله، وأضيف إليه قضاء المدائن والنهروانات، ثم ولي قضاء القضاة، فحاز المالكية قضاء عواصم الإسلام في القرن الثالث، إذ كان إسماعيل قاضي القضاء الأعلى ببغداد، والحارث بن مسكين بمصر، وسحنون قاضي القضاة بالقيروان، وممالك أفريقية، ويحيى بن يحيى مستشارا في تعيين قضاة الأندلس في عصر متقارب.

قال ابن الخطيب: أقام إسماعيل على القضاء نيفا وخمسين سنة ما عزل إلا سنتين وفي ذلك خلاف، كان عفيفا صلبا فهما فطنا، وأما سداده فيه، وحسن مذهبه، وسهولته عليه فيما كان يلتبس على غيره، فشهير. ولد سنة مائتين وتوفي سنة 282 اثنين ومثانين ومائتين. ورث خطته من الإمامة في الدين بنو عمه، وعهد إلى ابنه الحسن وكان بيت آل حماد أشهر بيت في العراق لكثرة رجاله المشهورين بالعلم والثراء، أئمة الفقه ومشيخة الحديث رؤساء نبهاء أصحاب سنة

ص: 124

وهدى ودين. روى عنهم علماء انتشروا في أقطار الأرض، فانتشر ذكرهم ما بين المشرق والمغرب، وتردد العلم في طبقاتهم وبيتهم نحو ثلاثمائة سنة من لدن جدهم حماد بن زيد وأخيه سعيد المولودين على نحو المائة إلى وفاة آخر من وصف منهم بالعلم وهو ابن أبي علي المتوفى قرب أربعمائة.

قال الفرغاني: لا نعلم أحدا بلغ ما بلغ آل حماد بن زيد، ولم يبلغ أحد ممن تقدم من القضاة من اتخاذ المنازل والضياع والكسوة والآلة، ونفاذ الأمر في جميع الأقطار، وحسبك أن لهم ببادرويا ستمائة بستان غير ما لهم بالبصرة وغيرها، وكان فيهم على اتساع الدنيا رجال صدق وخير وأبهة وورع وعلم وفضل. فانظر وتأمل، رحمك الله كيف كانت بيوت العلم في الإسلام.

402-

أبو بكر جعفر بن محمد بن الحسن الفريابي 1:

الإمام العلم، أحد أوعية العلم، وذوي الاتساع فيه والفهم، طاف البلاد شرقا وغربا، ولقي الأعلام سمع بخراسان وما وراء النهر والعراق والشام والحجاز ومصر والجزيرة، ثم استوطن بغداد، قاضي الدينور. أخذ عن أيوب وابن المديني وابن أبي شيبة وغيرهم، وروى عنه ابن المبارك وطبقته، كان ثقة ثبتا حجة، له كتاب السنن، وكتاب مناقب مالك، وحزروا من يحضر مجلسه للسماع بثلاثين ألفا، وكان المستملون ثلاثمائة وستة عشر مستمليا، ويكتب الحديث في مجلسه عشرة آلاف دون من لا يكتب. توفي سنة 301 إحدى وثلاثمائة عن أربع وتسعين سنة صح من "الديباج" باختصار.

1 أبو بكر جعفر بن محمد بن الحسن الفريابي: أبو بكر الفريابي التركي، ولد سنة "217"، توفي سنة "301":

تذكرة "5/ 2/ 692"، العبر "2/ 119"، اللباب "2/ 211"، تاريخ بغداد "7/ 199"، طبقات الحفاظ "301"، المعين "1207"، الأنساب "10/ 129، 206"، الأعلام "2/ 128"، الوافي بالوفيات "11/ 146"، السابق واللاحق "170"، التمهيد "1/ 66".

ص: 125

403-

أبو عبد الله محمد بن بسطام بن رجاء الضبي 1:

ثقة مأمون، كثير الرواية والكتب، أدخل لأفريقية كتبا غريبة من كتب المالكية ككتاب المغيرة بن عبد الرحمن، وكتاب ابن كنانة، وكتاب ابن دينار، ولم يكن في عصره أكثر كتبا منه في الفقه والآثار. توفي سنة 313 ثلاث عشرة وثلاثمائة بسوسة.

404-

أبو عبد الله محمد بن عمر بن لبابة القرطبي 2:

دارت عليه الأحكام نحن ستين سنة مع نزاهة وتصاون وتقشف وتواضع، وفصاحة، وحفظ للشعر وأخلاق جميلة، مأمونا ثقة. توفي سنة 314 أربع عشرة وثلاثمائة.

405-

أبو عبد الله محمد بن فطيس 3: كان من حفاظ المذهب، وأعلم من كل من بعده. توفي سنة 319 تسع عشرة وثلاثمائة.

1 أبو عبد الله محمد بن بسطام بن رجاء الضبي، أبو عبد الله الضبي السوسي البصري الأصل، توفي سنة "130":

طبقات علماء إفريقية وتونس ص"54".

2 أبو عبد الله محمد بن فطيس: ترجمته في الديباج المذهب ص"245".

3 أبو عبد الله محمد بن فطيس: أبو عبد الله الغافقي الأندلسي الألبيري، ولد سنة "229"، توفي سنة "319"، عن "90" سنة:

الأعلام "6/ 332"، التمهيد "1/ 80، 5/ 52"، تاريخ علماء الأندلس ص"40"، معجم المؤلفين "11/ 131"، سير النبلاء "15/ 79، العبر "2/ 177"، نفح الطيب "2/ 62"، الوافي بالوفيات "4/ 337".

ص: 126

406-

أبو سلمة فضل بن سلمة بن جرير بن منخل الجهني 1:

مولاهم البجاني2 كان من أعلم الناس بمذهب مالك، وله مختصر المدونة، ومختصر الواضحة، زاد فيه من فقهه وتعقب فيه على ابن حبيب كثيرا من قوله، وهو أحسن كتب المالكيين، وله مختصر لكتاب ابن المواز، وكتاب جمع فيه مسائل المدونة والمستخرجة والمجموعة، وله جزء في الوثائق مفيد حسن. توفي سنة 319 تسع عشرة وثلاثمائة.

407-

أبو عمر أحمد بن ميسر يعرف بابن الأغبش القرطبي 3:

كان ميالا للنظر والحجة، وكان إذا استفتي ربما يقول: أما مذهب أهل بلدنا فكذا، وأما الذي أراه، فكذا. توفي سنة 328 ثمان وعشرين وثلاثمائة.

408-

أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري 4:

البصري من ولد أبي موسى الأشعري الصحابي الجليل، كان هذا الإمام فقيها نظارا، وإماما حافظا مكثارا، أخذ الفقه عن أبي إسحاق المروزي في جامع المنصور ببغداد، ولهذا عده السبكي من الشافعية والذي عليه عياض وغيره أنه

1 أبو سلمة فضل بن سلمة بن جرير بن منخل الجهني: أبو سلمة البجاني الجهني، توفي سنة "319"، وقيل "317":

حاشية الأنساب "2/ 87"، تاريخ علماء الأندلس "352"، شجرة النور الزكية "82".

2 البجاني نسبة إلى بجانة بنون كما في "المدارك" في غير ما موضع بلد في الأندلس "المؤلف".

3 أبو عمر أحمد بن ميسر القرطبي: ترجمته في الديباج المذهب ص"37".

4 أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري البصري: أبو الحسن الأشعري، توفي سنة "334": شجرة النور الزكية "79"، وفيات الأعيان "3/ 284"، دائرة الأعلمي "22/ 225"، تاريخ بغداد "11/ 346".

ص: 127

مالكي المذهب، واستدل على ذلك انظر "المدارك" ولا بعد في أن يكون مجتهدا لا هو شافعي ولا مالكي لما كان عليه من العلم الواسع، والفكر الشاسع، ويبعد أن يكون مثله مقلدا في ذلك العصر.

كان أول أمره معتزليا، أخذ عن أبي علي الجبائي، وأقام على ذلك ثلاثين سنة وهو من فحولهم المناضلين عن شبههم المشهورين بذلك، ماهرا في فلسفتهم العقلية المقتبسة من كتب اليونان والهنود وغيرهم، والتي كانوا بها ظاهرين مفحمين لأهل السنة مدة قرن ونصف، غير أنه لسعة أفكاره وعدم اقتصاره على شبههم وتآليفهم وأقوالهم، بل كان ماهرا مطلعا على أقوال السنة وكتبها، عارفا بأصولها لم يكن ضيق الفكر مزرر القميص لا يخرج عما ألقي إليه في صغره، بل أجال فكره في السنة والاعتزال معا، فرأى أن السنة هي الحق، وأن الاعتزال سفسطة وضلال، فلما تبين له ذلك بالبراهين العظام فكر فكرا عظيما، وأسس مبدأ جسيما وهو هدم قواعد الاعتزال بالآلات التي بنيت بها، وقتال أهلها بسلاحها الذي كان به ظهورها وهو الفلسفة نفسها، والبراهين العقلية الصحيحة، وضمها إلى نصوص الشريعة خلاف ما كان السلف عليه من نبذ الفلسفة التي كانت سبب ضلال المعتزلة، والاقتصار على قتالهم بالنصوص، والوقوف عن الخوض في بحر الفكر والنظر، فإن ذلك وإن نفع في الجملة، لكن لم يحسم داءهم العضال، وانظر إلى مالك لما سئل عن قوله تعالى:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} 1 أجاب بأن الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة وسلك طريق التفويض، وهو أسلم.

أما أبو الحسن الأشعري، فإنه بفضل ما مهر فيه من علوم الشريعة والفلسفة معا اخترع لهم سلاحا من نوع ما غلبوا به، فصعد يوم الجمعة كرسيا بمسجد البصرة التي هي كرسي المعتزلة ومنبعهم، ونادى: من عرفني، فقد عرفني، ومن لم يعرفني، فأنا فلان كنت أقول بخلق القرآن، وأن الله لا تراه الأبصار، وأن أفعال الشر أنا أفعلها، وأنا تائب معتقد للرد على المعتزلة مخرج لفضائحهم.

1 سورة طه الآية: 5.

ص: 128

قال ابن حزم: له خمسة وخمسون مصنفا في الرد عليهم وعلى الملاحدة والجهمية والرافضة والخوارج وسائر المبتدعين. قال أبو بكر الصيرفي: كانت المعتزلة رافعي رءوسهم حتى أظهر الله الأشعري، فحجزهم في أقماع السمسم. يعني حيث قاتلهم بنفس سلاحهم، فاضمحلت بسببه شبهتهم، ولهذا اعترف له من بعده من السنيين بالفضل حتى إنهم انتسبوا إليه مع أن مذهب السنة كان ظاهرا، وكانوا قبله يسمون المثبتة.

صنف ابن عساكر مجلدا في مناقبه، وأثنى الأئمة عليه كثيرا كابن أبي زيد القيرواني، والقابسي، ولا يلتفت لكلام المعتزلة فيه من الحنفية، ولا لكلام الحنابلة الذين ليسوا على مذهبه كالإمام الذهبي، وقد رد عليه تلميذه السبكي كثيرا، وكابن حزم في بعض كتبه وإن أثنى عليه في كتابه "الفصل" كما أثنى عليه الذهبي في كتاب "العلو" كثيرا. حاصله طعن فيه من لا يرى رأيه وذلك معلوم.

ومن غريب ما في "الطبقات السبكية" أنه تردد أولا فيمن يعده من المجددين في المائة الثالثة هل الإمام الأشعري أو ابن سريج الشامي، ثم أداه التعصب المذهبي إلى أن قال: إن الأشعري وإن كان أيضا شافعي المذهب إلا أنه رجل متكلم، كان قيامه للذب عن أصول العقائد دون فروعها، وكان ابن سريج فقيها يذهب عن الفروع، فكان أولى بهذه المرتبة.

فتأمل قوله وإن كان شافعيا. كأن الدين الذي يجدد هو مذهب الشافعي، وما سواه لا عبرة به. وتأمل ما أدى إليه التعصب من تقديم الفروع على الأصول عكس المعقول والمنقول. وكم لهذا من نظير عنده على أننا لا نسلم عدم معرفته بالفروع، ففي "المنح البادية" عن عبد الله بن محمد بن طاهر الصوفي قال: رأيت أبا الحسن الأشعري وقد أبهت المعتزلة في المناظرة، فقال له بعض الحاضرين: قد عرفنا تبحرك في الكلام، فإنا نسألك عن مسألة ظاهرة في الفقه ما تقول في الصلاة بغير فاتحة الكتاب؟ فقال: ثنا زكريا بن يحيى السراج، ثنا عبد الجبار، ثنا سفيان، ثني الزهري، عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت مرفوعا "لا

ص: 129

صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" أخرجه أحمد والشيخان وأصحاب السنن، وحدثنا زكريا، ثنا بندار ثنا يحيى بن سعيد عن جعفر بن ميمون ثني أبو عثمان عن أبي هريرة قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أنادي في المدينة: "إنه لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب" قال: فسكت السائل. فهذا يدل على مقامه في الحديث والفقه، وإن لم يكن بالمقلد البحت.

وإن شئت أن تعرف ما كان عليه الأشعري في المعتقد، فانظر ترجمته من كتاب "العلو" للذهبي وانظر كتاب "الإبانة" فكل منهما مطبوع، وبذلك تعلم أنه سلفي العقيدة وفيه مخالفة كثيرة لما في "السنوسية""والمرشد المعين" الموضوعين في مذهب الأشعري. توفي سنة 334 أربع وثلاثين وثلاثمائة وقيل 333 ثلاث وثلاثين وثلاثمائة ودفن بالبصرة.

409-

أبو بكر محمد بن محمد بن وشاح 1 بن اللباد:

شيخ المالكية في وقته بالقيروان، مولى لموالي موسى بن نصير القائد الشهير، سمع من جميع شيوخ وقته كيحيى بن عمرو البغامي، وحمديس القطان، وأبي عمران البغدادي، ومحمد بن المنذر، وغيرهم وأخذ عنه ابن أبي زيد، والقابسي، ودارس بن إسماعيل، وغيرهم. أثنى عليه تلاميذه وغير واحد من الأفاضل كابن حارث، وابن العربي وغيرهم ووصفوه بالحفظ والإتقان والتقوى وسعة العلم والزهد.

وهو ممن امتحنه الشيعة في دولة بني عبيد، ولما أدخلوه السجن تلقاه المراودي فأعرض عنه حيث كان سجن لسب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: والله إني لأبغضك يا أبا بكر قديما، فقال له: الحمد لله يا فاسق الذي لم يجعل في قلبك بغض النبي

1 أبو بكر محمد بن محمد بن وشاح بن اللباد: أبو بكر القيرواني الشهرة ابن اللباد، توفي سنة "333":

شجرة النور الزكية "84".

ص: 130

-صلى الله عليه وسلم وحبي ثم سرح، ولزم داره، فكان ابن أبي زيد وغيره من الطلبة يأتونه خفية، ويجعلون الكتب في أوساطهم حتى تبتل بعرقهم.

ومن كلامه: أزهد الناس في العالم أهله وجيرانه، وقوله: ما قرب الخير من قوم قط إلا زهدوا فيه. توفي سنة 333 ثلاث وثلاثين وثلاثمائة صح ملخصا من "المدارك" وكان له أصحاب نشروا فقهه شبهوهم بأصحاب مالك، فمحمد بن نظيف القيرواني، ثم المصري بابن القاسم، وابن أبي زيد بأشهب، وابن أخي هشام بابن نافع، وابن التبان بابن بكير.

410-

أحمد بن محمد بن خالد بن ميسر أبو بكر الإسكندراني:

انتهت إليه الرئاسة بمصر بعد ابن المواز وهو راوي كتبه، وكان يوازيه في الفقه، ألف كتاب الإقرار والإنكار توفي سنة 339 تسع وثلاثين وثلاثمائة، وضبطه عياض ميسر بفتح السين كذا في "الديباج"1.

411-

أبو محمد قاسم بن أصبغ 2 بن محمد بن يوسف المرواني:

ولاء القرطبي الشهير بالبياني نسبة إلى بيانة من عمل قرطبة. سمع من بقي بن مخلد والخشني وغيرهما، ورحل العراق وغيرها فسمع من إسماعيل القاضي وغيره، وانصرف للأندلس بعلم كثير، فكان له بقرطبة قدر كبير. وسمع منه عبد الرحمن الناصر، وولي عهده، وطال عمره، فلحق فيه الأصاغر بالأكابر،

1 أحمد بن محمد بن خالد بن ميسر أبو بكر الإسكندراني ص"37"، وهو مترجم أيضا في سير أعلام النبلاء "9/ 213"، وحسن المحاضرة "1/ 255".

2 أبو محمد قاسم بن أصبغ بن محمد بن يوسف المرواني: ترجمته في تذكرة الحفاظ "853"، وبغية الوعاة ص"375"، والديباج المذهب ص"222"، ومعجم الأدباء "16/ 236"، ولسان الميزان "4/ 458".

ص: 131

وكانت الرحلة إليه بالأندلس. كان ثبتا صادقا مأمونا من أئمة المالكية، وله مصنفات في الحديث حسنة خمسة، منها "المصنف" المخرج على كتاب أبي داود، واختصاره المسمى "المجتبى" على نحو كتاب ابن الجارود "المنتقى" وكان قد فاته السماع منه فألف مصنفا على أبواب كتابه خرجه عن شيوخه، ومنها مسند حديثه عن غرائب مالك، ومسند حديث مالك رواية يحيى، وله أحكام القرآن، والناسخ والمنسوخ وغيرها توفي سنة 340 أربعين وثلاثمائة عن اثنين وتسعين سنة، وتغير ذهنه قبل وفاته بثلاث سنين.

412-

محمد بن يحيى التمار 1 الأسواني أبو الذكر الفقيه: صاحب التصانيف في الأصول والفروع، نزل مصر، وبها توفي سنة 344 أربع وثلاثمائة.

413-

بكر بن العلاء القشيري 2 أبو الفضل:

بصري وخرج عنها إلى مصر، فأدرك بها رئاسة عظيمة. أثنى عليه غير واحد، ألف كتبا جليلة، اختصر كتاب القاضي إسماعيل وزاد عليه، وله كتاب الرد على المزني وكتاب الأشربة، رد على الطحاوي، وكتاب أصول الفقه، وكتاب القياس، وكتاب في مسائل الخلاف، وكتاب الرد على القدرية، وغيرها.

توفي سنة 344 أربع وأربعين وثلاثمائة. ا. هـ. بخ من "المدارك".

414-

أبو الحسن علي بن جعفر السلفاني: أحد مشيخة المالكية بمصر وكان أهل جزيرة أقرطيش "كريت" طلبوا من مصر أن يوجهوا لهم من يفقههم ويتقلد حكمهم، فوقع الاتفاق عليه، وأقام بها إلى أن دخلها الروم

1 محمد بن يحيى التمار: ترجمة في نيل الابتهاج ص"227".

2 بكر بن العلاء القشيري أبو الفضل "بصري": أبو الفضل المصري القشيري البصري، توفي سنة "344":

شجرة النور الزكية "79" ترجمة "139".

ص: 132

سنة 350 خمسين وثلاثمائة، وملكوها، فأسر فيمن أسر، وذهب للقسطنطينية أسيرا ذكره في "المدارك"1 ولم يذكر وفاته، وذكر مناظرة وقعت بينه وبين ملكها فانظرها.

415-

أبو إسحاق محمد بن القاسم بن شعبان العنسي 2:

من ولد عمار بن ياسر، أحفظ علماء وقته لمذهب مالك في مصر ورأس علمائها، متفنن في سائر العلوم إلا العربية وكان يلحن مع التدوين والورع. ألف كتاب الزاهي المشهور وغيره إلا أن له غرائب من أقوال مالك وأقوالا شاذة عن قوم لم يشتهروا بصحبته لم يروها الثقاة. توفي سنة 355 خمس وخمسين وثلاثمائة، ووافق موته دخول العبيديين لمصر، وكان شديد الكره لمذهبهم الرافضي، فكان يدعو على نفسه بالموت قبل دولتهم، فأجيبت دعوته وقد ناف الثمانين.

416-

أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم بن مسرة التجيبي 3:

مولاهم الطليطلي الأصل القرطبي الدار، كان حافظا لفقه مالك متقدما فيه، صدرا في الفتيا، يناظر في الفقه، ولم يكن له كبير علم بالحديث، متين الدين، بعيدا عن السلطان، لا تأخذه في الله لومة لائم، قدم للشورى إشارة من

1 "3/ 295".

2 أبو إسحاق محمد بن القاسم بن شعبان العنسي من ولد عمار: أبو إسحاق، الشهرة ابن القرطبي المصري المالكي، توفي سنة "355":

الميزان "4/ 14"، المعتز "5913"، لسان الميزان "5/ 348"، التمهيد "2/ 181".

3 أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم بن مسرة التجيبي: التجيبي نسبة إلى تجيب بصيغة المضارع من أجاب اسم امرأة أم قبيلة نسب إليها أولادها. ا. هـ. ابن خلكان، وترجمته في سير أعلام النبلاء "10/ 163"، والديباج المذهب ص"96".

ص: 133

ولي العهد الحكم بن الناصر الأموي، وبه كملت عدتهم ستة عشر مستشارا ولم يكن في عصره أكثر منه خيرا ولا أكمل ورعا.

له كتاب "النصائح" مشهور، وكتاب "معالم الطهارة" وكان صليبا قليل الهيبة للملوك، راوده الحكم المستنصر أن يأتيه يوما بولده أحمد وكان صغيرا، وعزم عليه في ذلك، فاعتذر إليه، وقال: لا يقول الناس هذا الشيخ المرائي استجلب بولده دراهم السلطان، فأعفاه من ذلك. وكان عند والده الناصر "أعذار" واحتفل في استدعاء وجوه الناس، ولم يتخلف إلا أبو إبراهيم، فساءه، وكتب إليه يعتبه ويطل بمنه وجه عذره.

فأجابه بما نصه: سلام على الأمير سيدي ورحمة الله قرأت أبقى الله الأمير سيدي كتابك وفهمته، ولم يكن توقفي لنفسي إنما كان لأمير المؤمنين سيدنا أبقاه الله ولسلطاته لعلمي بمذهبه وسكوني إلى تقواه، واقتفائه لأثر سلفه الطيب رضي الله عنهم، فإنهم كانوا يستبقون من هذه الطبقة بقية لا يمتهنونها بها يشينها ويغض منها، ويطرق إلى تنقيصها يستعدون بها لدينهم، ويتزينون بها عند رعاياهم ومن يفد عليهم من قصادهم، فلهذا تخلفت، ولعلمي بمذهبه وفقه الله.

فلما قرأ الكتاب الحكم، أعلم أباه الناصر، فاستحسن اعتذاره. توفي أبو إبراهيم بطليطلة خرج مع الحكم غازيا سنة 355 اثنين أو أربع أو خمس وخمسين وثلاثمائة عن خمس وسبعين سنة، ولما علم الحكم بموته وكان فتح عليه حصن قال: لا أدري بأي الفرحتين أسر بأخذ الحصن، أو موت إسحاق؛ لخوفه منه، وطوع العامة له. ا. هـ. بخ "المدارك" فانظر رحمك الله كيف كان عز الورع وعز الصلابة في الدين، وخوف الخلفاء من العلماء.

417-

أبو ميمونة دراس بن إسماعيل الجراوي 1

الفاسي المشهور بالمحدث، كان فقيها حافظا للرأي، له رحلة للمشرق

1 أبو ميمون دراس بن إسماعيل الجراوي الفاسي "المحدث": أبو ميمونة الفقيه الفاسي. حاشية الإكمال "7/ 81"، تاريخ علماء الأندلس "46".

ص: 134

فسمع من علي بن مطر بالإسكندرية كتاب ابن المواز، وأخذ بالقيروان عن أبي بكر بن اللباد، وقرأ عليه أبو الحسن القابسي، وابن أبي زيد وغيرهما، وتكرر دخوله للأندلس مجاهدا، وسمع منه فيها غير واحد، وهو الذي أدخل مذهب مالك إلى فاس، بل المغرب الأقصى، وكانوا قبله على مذهب الحنفية.

قال أبو بكر المالكي: كان من الحفاظ المعدودين والأئمة المبرزين من أهل الفضل والدين.

وفي "المدارك" لما طرأ القيروان، اطلع الناس من حفظه على أمر عظيم حتى يقال: ليس في وقته أحفظ منه، وكان نزوله على ابن أبي زيد وأظهر تفسيره لعلماء القيروان، وشفوفه على كثير منهم. ا. هـ.

توفي سنة 357 سبع وخمسين وثلاثمائة على ما في ابن الفرضي، وفي تاريخ الأفارقة ثمان وخمسين، وقبره خارج باب الجيزيين بفاس مشهور وله مسجد بمصموده بفاس معروف إلى الآن من أقوم مساجدها قبلة.

418-

أبو عبد الله محمد بن حارث الخشني 1:

الأفريقي، ثم القرطبي وقد دخل سبتة وهو الذي حقق قبلة جامعها، وتولى ببجاية المواريث، له التآليف الحسنة ككتاب "الاتفاق والاختلاف" في مذهب مالك، وكتاب "رأي مالك الذي خالفه فيه أصحابه" وكتاب "طبقات المالكية" وتاريخ وصلت كتبه مائة ديوان. توفي سنة 361 إحدى وستين وثلاثمائة.

1 أبو عبد الله محمد بن حارث الخشني الأفريقي ثم القرطبي: أبو عبد الله الخشني القيرواني المغربي المحاسبي الشهرة ابن حارث، توفي سنة "371 أو 370":

سير النبلاء "16/ 165"، معجم طبقات الحفاظ ص"154"، تراجم المؤلفين التونسيين "2/ 205"، تاريخ علماء الأندلس ص"112"، العبر "2/ 324"، معجم المؤلفين "9/ 168".

ص: 135

419-

أبو حنيفة النعمان بن محمد الداعي بن منصور بن أحمد بن حيون 1:

أحد الأئمة الفضلاء المشار إليهم بالفقه والدين والنبل، وله تصانيف منها كتاب "اختلاف أصول المذهب" وكتاب "الأخبار" في الفقه، وكتاب "الاقتصار" فيه أيضا، وكتاب "ابتداء الدعوة للعبيديين" وكان مالكي المذهب، ثم انتقل إلى مذهب الإمامية.

قال ابن زولاق في كتاب "أخبار قضاة مصر": إنه كان في غاية الفضل من أهل القرآن والعلم بمعانيه، عالما بوجوه الفقه واختلاف الفقهاء والشعر، وأيام الناس مع العقل والإنصاف، وألف أهل البيت من الكتب آلافا من الأوراق بأحسن تأليف.

وله ردود على أبي حنيفة ومالك والشافعي وابن سريج، وكتاب "اختلاف الفقهاء" وشعر لأهل البيت، وله القصيدة المنتخبة في الفقه، وكان ملازما صحبة المعز أبي تميم الفاطمي، قدم أفريقية معه كان قاضيه بها.

وتوفي سنة 363 ثلاث وستين وثلاثمائة وقد ولي القضاء بمصر ولده علي أشركه إياه المعز مع أبي طاهر محمد الذهلي، وزاد لعلي دار الضرب والنظر في الجامعين، ثم استقل بالقضاء وحده على الديار المصرية والشام والحرمين والمغرب وجميع مملكة العزيز الفاطمي والخطابة والإمامة والعيار في الذهب والفضة والموازين والمكاييل، وبقي القضاء في بيتهم مدة طويلة، فتولى أخوه وولده وولد أخيه إلى آخر القرن الرابع.

وكان فيهم علم على ما كان من مذهب الإمامية الآخذين به، والناشرين له. انظر ابن خلكان.

1 أبو حنيفة النعمان بن محمد: ترجمته في سير النبلاء "10/ 182"، ولسان الميزان "6/ 167"، وشذرات الذهب "3/ 47".

ص: 136

420-

أبو بكر محمد بن عبيد الله المعيطي الأندلسي 1:

من أبناء الأشراف، كان حافظا للفقه، عالما بمذهب مالك، وكان الحكم الأموي أمير المؤمنين كلفه هو وأباه عمر الإشبيلي بإتمام كتاب "الاستيعاب" الذي كان ابتدأه بتأليف بعض أصحاب القاضي إسماعيل في العراق جعله ديوانا جامعا لقول مالك خاصة دون أصحابه، ولم يكمل منه إلا خمسة أجزاء، وفتح لهما خزائنه، فجمعا الأسمعة حيث كان من رواية المدنيين والمصريين والشاميين والعراقيين والأفريقيين، فأكملاه في مائة جزء، ولما رفعاه للحكم، سر به وأمر لهما بألفي دينار لكل واحد، وكسوة، وقدمهما للشورى.

قال في "المدارك": رحل المعيطي إلى المشرق وهو ابن ثلاثين وكان ورعا زاهدا، وفي آخر عمره تبتل ولبس الصوف، وتوسد الأرض، واعتزل امرأته باختيارها، فصار لا يجالس أحدا البتة بعد ما كان ذا رياسة في العلم والخير، وشور وعظم جاهه، وكان تبتله سبعة عشر شهرا مات فيها وهو ينيف على الأربعين فقط قبل أقرانه. وصلى عليه أبوه سنة 367 سبع وستين وثلاثمائة.

421-

أبو طاهر محمد بن أحمد بن عبد الله بن نصر الذهلي 2:

السدوسي البغدادي، ولي قضاء بغداد وواسط ودمشق ومصر. دخلها

1 أبو بكر محمد بن عبيد الله المعيطي الأندلسي: ترجمته في الديباج المذهب ص"266، 267".

2 أبو طاهر محمد بن أحمد بن عبد الله بن نصر الذهلي السدوسي البغدادي: يقال محمد بن أحمد بن عبد الله أبو الطاهر، الذهلي القاضي المالكي البجيري البغدادي، ولد سنة "279"، توفي سنة "367":

تاريخ بغداد "1/ 313"، الأنساب "2/ 97"، الوافي بالوفيات "2/ 45"، الإكمال "1/ 196"، سير النبلاء "16/ 204"، الأعلام "5/ 311"، التمهيد "8/ 286"، العبر "2/ 344".

ص: 137

سنة 340 أربعين وثلاثمائة، ولم يتول قضاءها أحد تولى قضاء بغداد غيره وغير يحيى بن أكثم اعتنى به أبوه في صغره، فسمع من عبد الله ابن الإمام أحمد وعلي بن محمد السمار وغيرهما.

وقال عن نفسه: إني كتبت العلم بيدي ولي تسع سنين، وسمع منه عامة أهل مصر، والحافظ الدارقطني، وأبو شامة الهروي، وخلائق. كان ثقة كثير السماع جليلا في الحديث والقضاء متفننا في علوم، وكان يذهب إلى قول مالك، ألف كتابا أجاب فيه عن مسائل مختصر المزني على مذهب مالك، وربما اختار خلافه كعدم الحكم بالشاهد واليمين، ويحكى أن أباه وإسماعيل القاضي كانا مالكيين، ولا يحكمان به.

ومما استحسن من كلامه أنه تلقى الخليفة المعز العبيدي ثم الفاطمي بالإسكندرية، وكان معه قاضيه النعمان بن محمد، فسأله المعز: كم رأيت من خليفة؟ قال: واحد فقال: ومن هو؟ قال: أنت والباقي كلهم ملوك، ثم قال له: أحججت؟ قال: نعم، قال: وزرت؟ قال: نعم، قال: سلمت على الشيخين، قال شلغني عنهما النبي صلى الله عليه وسلم، كما شغلني أمير المؤمنين عن ولي عهده، فأرضى الخليفة وتخلص من ولي عهده؛ إذ كان لم يسلم عليه بحضرة الخليفة، فازداد الخليفة به عجبا، وخلع عليه، وأبقاه على ولايته التي كان ولاه إياه جوهر الكاتب، وأجازه بعشر آلاف درهم، وأقام قاضيا بها ست عشرة سنة، لكن أشرك معه أبا الحسن علي بن أبي حنيفة بن حيون القيرواني كما سبق.

ولد سنة تسع وسبعين ومائتين وهي سنة النجباء التي ولد بها جعفر بن الفرات، والحسن بن القاسم بن عبيد الله وغيرهما. توفي سنة 367 سبع وستين وثلاثمائة، ومن قصته هذه تعلم أخلاق القضاة في ذلك الزمان، وما كانوا يقاسونه في الضغط على الفكر من الأمراء الجائرين، وكيف يتخلصون.

ص: 138

422-

عبد الله بن الحسن بن الجلاب 1:

وفي "المدارك" عبيد الله بالتصغير وكناه أبا القاسم أو أبا الحسين، وحكى عن الشيرازي أن اسمه عبد الرحمن، والصواب عبيد الله بصري تفقه بالأبهري، وكان من أحفظ أصحابه، وأخذ عنه أبو محمد عبد الوهاب بن نصر القاضي وغيره، له كتاب في مسائل الخلاف، وكتاب التفريع في المذهب مشهور. توفي سنة 378 ثمان وسبعين وثلاثمائة.

423-

أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الله الشهير بابن خويز منداد 2:

روى عن ابن أبي داسة، وتفقه بالأبهري، وأبو الحسن المصيصي، وغيرهم، وله كتاب كبير في الخلاف، وآخر في الأصول، وآخر في أحكام القرآن، وله أقوال في المذهب وآراء انفرد بها كقوله: إن التيمم يرفع الحدث، ولا يعتق على الرجل إلا آباوه وأبناؤه، ويقول في الأصول: إن خبر الواحد يوجب القطع، وإن العبيد لا يدخلون في خطاب الأحرار، ومن أجل هذا قال عياض: إنه ليس بالقول في الفقه، ولم يذكر وفاته، نعم ذكره في أواخر القرن الرابع.

424-

محمد بن الحسن بن عبد الله بن مذحج الزبيدي 3:

قاضي إشبيلية وعالم الأندلس وإمام اللغة في وقته، كان مع حفظه في

1 عبد الله بن الحسن بن الجلاب: "ملحوظة: في "المدارك" عبيد الله وكناه أبا القاسم". أربع رسائل "15"، وفيات ابن منقذ "234".

2 أبو بكر بن أحمد بن عبد الله الشهير بابن خويز منداد: أبو عبد الله أبو بكر، مات في حدود الأربعمائة. نسيم الرياض "14/ 141".

3 محمد بن الحسن بن عبد الله بن مذحج الزبيدي قاضي إشبيلية: أبو بكر الزبيدي الإشبيلي، ولد سنة "316"، توفي سنة "379": معجم المؤلفين "9/ 198، 199"، والحاشية، وفيات الأعيان "4/ 372".

ص: 139

الفقه وإتقانه أعلم أهل زمانه باللغة والأدب والشعر. قال ابن حيان: لم يكن له في هذا الباب نظير في الأندلس مع افتتان في علوم كثيرة، من فقه وحديث وفضل واستقامة، وكان ابن زرب يقدمه ويفضله ويزوره، له كتاب الأبنية، وكتاب لحن العوام، ومختصر العين، وزيادة كتاب العين، وكتاب غلط صاحب العين، وله كتاب في الرد على محمد بن مسرة. توفي سنة 377 سبع وسبعين وثلاثمائة.

425-

أبو محمد عبد الله بن أبي زيد النفزي 1:

نسبا القيرواني إمام المالكية في وقته، وجامع مذهب مالك، وشارح أقواله والمنتصر له، واسع العلم، فصيح القلم واللسان، شاعر متفنن مع الصلاح والعفة والورع.

كانت له الرحلة من الآفاق ونجب أصحابه، وملأت البلاد تآليفه، حتى قيل فيه: مالك الصغير. وهو وطبقته آخر المتقديم وأول المتأخرين، فكان تاريخ هذه الطبقة فاصلا بين التاريخين للفقه.

قال فيه حافظ المغرب أبو الحسن بن عبد الله القطان: ما قلدته حتى رأيت النسائي يقلده، واستجازه ابن مجاهد من بغداد وغيره، وقال فيه تلميذه القابسي: إنه إمام موثوق به في ديانته وروايته.

سمع من خلق كثير كابن اللباد والأبياني والقطان، وابن الأعرابي وخلق كثير، وعنه أبو بكر بن عبد الرحمن والبراذعي، وأبو بكر بن موهب وغيرهم من أهل أفريقية، والأندلس، والمغرب، له كتاب "النوادر" و"الزيادات على المدونة" أوعب فيه الفروع المالكية، فهو في المذهب المالكي كمسند أحمد عنه

1 أبو محمد عبد الله بن أبي زيد النفزي: ترجمته في سير أعلام النبلاء "11/ 3"، وطبقات الفقهاء ص"139" للشيرازي، وتذكرة الحفاظ "3/ 211"، والديباج المذهب ص"136"، وشذرات الذهب "3/ 131".

ص: 140

المحدثين إذا لم توجد فيه المسألة فالغالب أن لا نص فيها، ينيف على المائة جزء، وله "مختصر المدونة" وعلى هذين معول المالكية في عصور بعده وفي عصره، وله "الرسالة" المتداولة الآن بين أيدي أهل المشرق والمغرب، وكتب أخرى كثيرة يطول عدها، فهو من الطبقة العالية في المؤلفين وعندي أنه أحق من يصدق عليه حديث "يبعث الله على رأس كل مائة عام من يجدد لهذه الأمة أمر دينها" 1 هذا في أفريقيا وما قرب منها وفي المشرق القاضي أبو بكر الباقلاني لسان الفقهاء والمتكلمين، وقيل: الأستاذ سهل الصعلوكي، وقيل: أبو حامد الإسفراييني، وتقف على تراجم الكل في هذا المؤلف.

ولك أن تقول: إن ابن أبي زيد لم يصل إلى رأس المائة. قلنا: إلغاء الكسر معلوم في كثير من موارد الشريعة المطهرة، وما قارب الشيء يعطي حكمه على رأس المائة يحتمل أنه من المبعث أو الهجرة أو من الوفاة النبوية؛ لأن اصطلاح عد التاريخ من الهجرة إنما كان زمن عمر، ولا يحكم بالمتأخر على المتقدم والله أعلم. على أنه لا مانع أن يعد القيروان في قطره، والأصيلي في قطره، والقاضي عبد الوهاب في قطره، والباقلاني في قطره، وغيرهم، وعلى كل حال، فالذي يصلح لهذه المزية في هذه المائة كثيرون كالقاضي ابن محسود الهواري بفاس، وغيره، و"من" في الحديث تصدق بالواحد والجماعة. والله أعلم. توفي ابن أبي زيد سنة 386 ست وثمانين وثلاثمائة.

426-

أبو بكر محمد بن يبقى بن محمد بن زرب 2: قاضي قرطبة، ومفتيها، الموصوف بسعة العلم والنظر والنزاهة والفضل، من

1 أخرجه أبو داود "4291" من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ $"إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها" وإسناده صحيح، وصححه الحاكم والعراقي. قال ابن كثير: قد ادعى كل قوم في إمامهم أنه المراد بهذا الحديث، والظاهر أنه يعم جملة من العلماء من كل طائفة وكل صنف من مفسر ومحدث وفقيه ونحوي ولغوي وغيرهم.

2 أبو بكر محمد بن يبقى بن محمد بن زرب: ترجمته في جذوة المقتبس "93"، والشذرات "3/ 101"، والديباج المذهب "268، 269".

ص: 141

أحفظ أهل زمانه لمسائل مالك، وكان القاضي بن السليم يقول له: لو رآك ابن القاسم لعجب منك، مشارك في الفنون العربية، ورع عفيف، له كتاب "الخصال" في الفقه عارض به كتاب "الخصال" الحنفي، فجاء غاية في الإتقان، ولما ولي القضاء، وجاء الناس لتهنئته، كشف لهم عن صندوق من المال، وقال لهم: إن فشا من مالي ما يناسب هذا، فلا لوم، وإن ظهر علي أكثر منه، وجب مقتي.

توفي سنة 381 إحدى وثمانين وثلاثمائة، وفي "الديباج" إحدى وثلاثين وهو تصحيف.

427-

أبو محمد عبد الله بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله 1:

ابن جعفر الأصيلي من كورة شذونة الأندلسي، ونشأ بأصيلا مرسى قرب طنجة من المغرب الأقصى، وطلب بها العلم، وأبوه من مسلمة أهل الذمة كما في "المدارك" وتفقه بقرطبة على اللؤلؤي وأبان بن عيسى وغيرهم، ورحل للمشرق، فلقي بأفريقية عبد الله بن أبي زيد، والأبياني، وبمصر ابن شعبان، وبمكة أبا بكر الآجري، ولقي بالعراق الأبهري وغيرهم ورجع للأندلس، فانتهت إليه رئاسة المالكية بها، وألف في المذاهب كتبا.

قال الدارقطني؛ لم أر مثله، وقال غيره: كان من حفاظ مذهب مالك والتكلم على الأصول وترك التقليد، ومن أعلم الناس بالحديث، وأبصرهم بعلله ورجاله، وولي قضاء سرقسطة، وكان نظير ابن أبي زيد في القيروان،

1 أبو محمد عبد الله بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن جعفر الأصيلي بن كورة: أبو محمد الأصيلي الأندلسي الفقيه، توفي سنة "392":

الوافي بالوفيات "17/ 7"، تذكرة الحفاظ "3/ 1024"، العبر للذهبي "3/ 52"، تاريخ علماء الأندلس ص"249"، الديباج المذهب "1/ 433، 434"، شذرات الذهب "3/ 140"، نسيم الرياض "2/ 44"، معجم المؤلفين "6/ 18، 19"، بغية المقتبس ص"340"، حاشية الأنساب "1/ 296".

ص: 142

وعلى هديه لولا ضجره الشديد وقت غيظه.

ومن فتاويه لابن أبي عامر جواز الصلاة في العمارية التي كان يلزم الصلاة الفريضة فيها في أسفاره، وكان يصلي إيماء للنقرس الذي أصاب قدميه وهي إحدى روايتي ابن القاسم في "المدونة" ومنع ذلك حتى يباشر الأرض أرجح قاله في "المدارك" قال: وكان ينكر الغلو في كرامات الأولياء، ويثبت منها ما صح سنده، ومن كراماته هو ولا ولده، وأمن من كان في المجلس، فأجيب دعاؤه. توفي سنة 392 اثنين وتسعين وثلاثمائة.

وتوفي ولده بعده بأعوام قبلها، وكان في سنة 400 من الفتن والمحن وخراب الأندلس ما كان.

428-

أبو بكر محمد بن عبد الله التميمي الشهير بالأبهري 1:

البغدادي ذو التآليف الكثيرة في شرح مذهب مالك والاحتجاج له وناشره في العراق وراء النهر والجبل. أقام ستين سنة على الفتوى والتدريس بجامع المنصور ببغداد، ولم ينجب أحد بالعراق من المالكية بعد إسماعيل القاضي ما أنجب أبو بكر الأبهري، فقد روى عنه الدارقطني والباقلاني والأصيلي، وأجاز لابن أبي زيد وغيرهم، كما أنه لا قرين لهما في المذهب بقطر من الأقطار إلا سحنون في طبقتهما، بل هو أكثر، ثم أبو محمد بن أبي زيد في هذه الطبقة وكان من المقرئين المجودين، وله شرحان على المختصر، وكتاب الأصول، وكتاب إجماع أهل المدينة، وكتاب العوالي في الحديث والأمالي، وغيرها كثير.

ومن كلامه: الدين عز، والعلم كنز، والحلم حرز، والتوكل قوة.

1 أبو بكر محمد بن عبد الله التميمي الشهير بالأبهري البغدادي: ثقات "7/ 425"، مجمع زوائد "3/ 98"، التاريخ الكبير "1/ 136"، الجرح والتعديل "7/ 1686"، لسان الميزان "5/ 238"، الميزان "3/ 612".

ص: 143

وعرض القضاء على الأبهري فامتنع، وبعد موته وتلاحق أصحابه به خرج القضاء عن المالكية إلى الشافعية والحنفية، وضعف مذهب مالك في العراق، وقل طالبه؛ لأن الناس تابعون لمذهب الحكومة. توفي الأبهري سنة 395 خمس وتسعين وثلاثمائة والذي في "المدارك" خمس وسبعون بالموحدة بعد السين والعين عن ثمانين ونحوها. ومن أقرانه أبو الفرج عمر بن محمد الليثي، وابن بكير، وأبو بكر محمد بن أحمد بن الجهم وطبقتهم.

429-

أبو الحسن علي بن أحمد البغدادي 1: الشهير بابن القصار صاحب كتاب "مسائل الخلاف" الذي لا أكبر منه عند المالكية، استقضي ببغداد وكانت وفاته سنة 398 ثمان وتسعين وثلاثمائة.

430-

أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عيسى بن أبي زمنين 2:

بفتح الزاي والميم وكسر النون المري البيري، من مفاخر غرناطة، وكبار المحدثين، والفقهاء الراسخين أجل أهل وقته فقها وحديثا، متفننا عارفا باختلاف العلماء، متضلعا في الأدب والأخبار والنحو وقرض الشعر، متبتلا متقشفا، دائم الصلاة والبكاء، كثير الصدقة مواسيا بجاهه وماله فصيحا، آخذا بالأفئدة حسن التأليف، له تفسير للقرآن، وشرح للمدونة واختصار لها، ليس في مختصراتها مثله باتفاق، وله كتاب "المنتخب" في الأحكام شهير، واختصار شرح الموطأ لابن مزين، وأصول الوثائق، وكتب مهمة غيرها.

توفي بالبيرة سنة 399 تسع وتسعين وثلاثمائة عن خمس وسبعين، ولا

1 أبو الحسن علي بن أحمد البغدادي الشهير بابن القصار: البغدادي. إفادة النصيح "ص40"، الديباج المذهب "199".

2 أبو عبد الله محمد بن عبد بن عيسى بن أبي زمنين المري البيري: سير أعلام النبلاء "11/ 42، 43"، وجذوة المقتبس "53"، وشذرات الذهب "3/ 156"، والديباج المذهب "269".

ص: 144

يبعد عده من المجددين بقطره.

431-

أحمد بن سعيد بن إبراهيم الهمداني 1

المعروف بابن الهندي، واحد عصره في علم الشروط، وأقر له بذلك فقهاء الأندلس طرا، وكتابه في ذلك مفيد جامع يحتوي على علم كثير، وعليه اعتمد حكام الأندلس والمغرب، سلك فيه الطريق الواضح، وتكلم فيه ابن حيان بأنه عديم المروءة، أحد من لاعن زوجته في الأندلس. وذكر في كتابه أشياء منكرة انظر "المدارك" توفي سنة 399 تسع وتسعين وثلاثمائة.

432-

أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الله المعروف بابن العطاء 2:

رئيس الموثقين، كان متفننا في علوم الإسلام، عارفا بالشروط، أملى فيها كتابا، عليه عول أهل زماننا اليوم، وكان يفضل الفقهاء بمعرفته اللسان والنحو، وكان يزري بأصحابه المفتين، ويعجب بما عنده إلى أن تمالئوا عليه بالعداوة، وحملوا قاضي قرطبة ابن زرب على سخطه بجميع أنواع الجراح، وأمضاها ابن أبي عامر، وأمره بملازمة داره، وقطع شوراه، فناله مكروه عظيم، ثم رده إلى الشورى، وأفرده في الشورى ما بين العمال والرعية. توفي في عقب ذي الحجة سنة 399 تسع وتسعين وثلاثمائة.

433-

أبو محمد عبد الله بن محمد بن محسود الهواري:

قاضي فارس وإمامها الإمام الزاهد الذي يضرب المثل بورعه وعدله، أخذ عن ابن أبي زيد القيراوني، وأخرج زيادات مختصرة على المدونة وكان شديدا في

1 أحمد بن سعيد بن إبراهيم الهمداني المعروف بابن الهندي: المغرب في حلي المغرب "112"، والديباج المذهب "38".

2 أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الله "ابن العطار": الوافي بالوفيات "2/ 53".

ص: 145

أحكامه، أقام الحدود القتل فما دونه. ومن ورعه لم يثبت أنه عامل أحدا بفاس، بل كان القمح يأتيه من بلده هوارة، والإدام يشترى له من مكناسة، وامرأته تغزل ثيابه، ولم يوجد في تركته سوى حصير الصلاة وإناء الوضوء ومصحف التلاوة.

وفي "الأنيس" أنه توفي سنة إحدى وأربعمائة 401 رحمه الله. وإني لأعده من المجددين على رأس المائة بقطره.

434-

أبو عمر أحمد بن عبد الملك المعروف بابن المكوي 1:

الإشبيلي، مولى بني أمية شيخ الأندلس في وقته حتى صار فيها بمنزلة يحيى بن يحيى، واعتلى على الفقهاء، ونفذت الأحكام برأيه، لا يداهن السلطان، ولا يدع قول الحق، القريب والبعيد عنده سواء.

استفتاه ابن أبي عامر في قتل عبد الملك بن منذر البلوطي مستظهرا بكتاب بخط يده دال على مؤامرة على قتله، وأفتى بعض الفقهاء بالقتل، فقال ابن المكوي: رجل هم بسيئة ولم يعملها، ولم يجرد سيفا ولا أخاف سبيلا مع أنه ممن قال فيهم عليه السلام:"اقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم" 2 فلا أرى عليه شيئا ولما صلبه المنصور بن أبي عامر، انقبض ابن المكوي بداره شهرين عن الفتوى إنكارا لما جرى.

كان أحفظ الناس لقول مالك وأصحابه، وهو الذي جمع للحكم مع أبي

1 أبو عمر أحمد بن عبد الملك المعروف بابن المكوي الإشبيلي: سير أعلام النبلاء "11/ 46"، وجذوة المقتبس "123"، والديباج المذهب "39"، وشذرات الذهب "3/ 161".

2 أخرجه أحمد "6/ 181"، وأبو داود "4375"، والطحاوي في "مشكل الآثار""3/ 129" عن عائشة، وأخرجه من طريق آخر البخاري في الأدب المفرد ص"456"، وابن حبان "1520"، وله شاهد من حديث ابن مسعود عند الخطيب في تاريخ بغداد "10/ 85، 86"، وأبي نعيم في "تاريخ أصبهان""2/ 234"، وآخر من حديث ابن عمر عند السهمي في تاريخ جرجان ص"122"، فالحديث صحيح.

ص: 146

بكر المعيطي كتاب "الاستيعاب". ابنه ابن الشقاق على قبره بقوله: رحمك الله، فلقد فضحت الفقهاء في حياتك بقوة حفظك، ولتفضحهم بعد مماتك أشهد أني ما رأيت أحفظ للسنة منك، ولا علم أحد من وجوهها ما علمت. وكان في ابتداء أمره بزازا بحانوته بسوق البزازين، فلما شهر في الناس حذقه، واحتاجوا لفتواه، قلده الحكم الشورى برأي القاضي ابن السليم سنة خمس وستين، فانثال الناس عليه، وانقطع تجره، وضعفت حاله، فأخرج له الحكم ألف دينار.

توفي سنة 401 إحدى وأربعمائة.

435-

أحمد بن نصر الداوودي الأسدي 1:

أبو جعفر مسيلي أو بسكري الأصل، وسكن طرابلس، ثم نزل تلمسان، وبها توفي، فقيه متقن فاضل مشارك في الحديث والنظر واللسان، له شرح الموطأ، والداعي في الفقه، والنصيحة في شرح البخاري، والإيضاح في الرد على القدرية. توفي سنة 402 اثنتين وأربعمائة.

436-

القاضي أبو بكر محمد بن الطيب المعروف بالباقلاني 2

البصري المتكلم المشهور، كان على مذهب الإمام الأشعري، ناصرا طريقته، سكن بغداد، وصنف التصانيف الكثير في علم أصول الدين وغيره، أوحد أهل زمانه، وانتهت إليه رياسة مذهبه، معروف بحسن الاستنباط وسرعة الجواب إذا كان في المناظرة كأنه خطيب، لم ير مثله في فصاحة اللسان، وقوة

1 أحمد بن نصر الداوودي الأسدي أبو جعفر مسيلي: الديباج المذهب "35".

2 القاضي أبو بكر محمد بن الطيب المعروف الباقلاني البصري "المتكلم": أبو بكر الباقلاني البصري المتكلم المعتزلي الأشعري، مات سنة "403"، وقيل سنة "393":

الأنساب "2/ 52"، نسيم الرياض "2/ 298، 4/ 149"، تاريخ بغداد "5/ 379"، سير النبلاء "17/ 190"، معجم المؤلفين "1/ 109، 110"، وفيات الأعيان "4/ 269"، الأعلمي "26/ 294".

ص: 147

الجنان، وسهولة التعبير عما في الضمير. قال ابن ناجي في "معالم الإيمان": إنه كان يقرئ المذاهب الأربعة، ويذكر كل مذهب وحجته، ثم يرجح مذهب مالك. ا. هـ. عدد 69 من الجزء الثالث توفي سنة 403 ثلاث وأربعمائة.

والباقلاني بكسر القاف، وفي لامه لغتان، فمن شددها، قصرها، فحذف الألف، ومن خففها، زاد الألف نسبة إلى الباقلاء قصرا ومدا، وزيادة النون في هذه النسبة شذوذ قيل قياس على صنعاني، وقد اعترضها الحريري في "درة الغواص" بأن زيادة النون في صناعني غير مقيس فانظره.

وفي فهرسة محمد بن محمد بن سليمان الروداني الحرمي إمام أهل المغرب والحرمين عن تذكرة الذهبي أن أبا الوليد الباجي قال لأبي ذر الهروي: من أين تمذهبت بمذهب مالك ورأي الأشعري مع أنك هروي؟ فقال: قدمت بغداد، فكنت ماشيا مع أبي الحسن الدارقطني، فلقينا القاضي الباقلاني، فالتزمه الدارقطني، وقبل وجهه وعينه، فلما افترقا، قلت: من هذا؟ قال: هذا إمام المسلمين، والذاب عن الدين القاضي الباقلاني، وفي رواية، هذا سيف السنة، فمن ذلك الوقت تقربت إليه وتمذهبت بمذهبه. ا. هـ.

437-

أبو الحسن علي بن محمد بن خلف المعافري 1:

القيرواني الشهير بابن القابسي، قال في "المدارك": ولم يكن قابسيا، بل هو قسرابي الأصل، وإنما كان عمه يشد عمامته شد القابسيين سمع مع أبي العباس الأبياني، ودارس بن إسماعيل الفاسي وطبقتهما، ورحل للمشرق، فسمع من أبي زيد المروزي وغيره كثير، وكان واسع الرواية عارفا بالحديث وعلله ورجاله، والفقه والأصول، متكلما مؤلفا مجيدا، صالحا متقيا، وكان أعمى،

1 أبو الحسن علي بن محمد بن خلف المعافري القيرواني الشهير بابن القابسي: أبو الحسن، المعافري القابس القروي الشهرة ابن الحسن، ولد سنة "324"، مات سنة "403":

إفادة النصح ص"83"، والأنساب "10/ 286"، طبقات الحفاظ "419"، نسيم الرياض "1/ 145، 4/ 342"، العبر "3/ 85"، سير النبلاء "17/ 158"، تذكرة "3/ 1079"، الأعلام "4/ 326"، وفيات الأعيان "3/ 320"، معجم المؤلفين "7/ 194، 195"، شجرة النور الزكية "97".

ص: 148

ومع ذلك كان من أصح الناس كتبا، وأجودهم ضبطا ضبط له سماعه البخاري من ابن أبي زيد رفيقه أبو محمد الأصيلي، أخذ عنه أبو عمران الفاسي وغيره، وجلس مجلس ابن شبلون بعد وفاته.

وكان في حياته أبي الفتوى، وسد بابه دون الناس، فقال لهم أبو القاسم بن شبلون: اكسروا عليه بابه؛ لأنه وجب عليه فرض الفتيا؛ لأنه أعلم من بقي بالقيروان، فلما رأى خرج إليهم وأنشد:

لعمر أبيك ما نسب المعلى

إلى كرم وفي الدنيا كريم

ولكن البلاد إذا اقشعرت

وصوح نبتها رعي الهشيم

له كتب عديدة كمخلص الموطأ، وكتاب "الممهد" في الفقه، و"أحكام الديانة" وكتاب "المنقذ من شبه التأويل"، و"المنبه للفطن عن غوائل الفتن" والرسالة المفصلة لأحوال المتقين، وكتاب "أحمية الحصون" وكتاب "رتب العلم وأحوال أهله" وغيرها. توفي سنة 403 ثلاث وأربعمائة عن تسع وسبعين.

ص: 149