الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بمجتهد الفتوى وهذه الطائفة يجوز لها أن تفتي من الأقوال بما علمت صحته، وتعمل في خاصة نفسها، ولا يجوز لها أن تجتهد لعدم القدرة منها على الاجتهاد لعدم استكمالها لآلته.
ابن الحاجب في "المنتهى": اختلفوا في جواز إفتاء من ليس بمجتهد بمذهب مجتهد، فقيل: يجوز، وقال أبو الحسن: لا يجوز، والمختار أنه إن كان مطلعا على مآخذ مجتهده، أهلا للنظر فيها، جاز وإلا فلا، لنا إجماع المسلمين في كل عصر على قبول مثل ذلك. ا. هـ.
خصال المفتي:
قال في "المنتهى": وأما المفتي: فالعلم بأصول الفقه، وبالأدلة السمعية التفصيلية، واختلاف مراتبها، وما يتوقف العلم بذلك عليه من العقليات كما تقدم. ا. هـ.
هذا حد المفتي المجتهد بعدما دونت العلوم، وأما المقلد، فالمشترط فيه أنه لا بد أن يكون متوسطا في العلوم العربية، ماهرا في علوم أصول الفقه، ليعرف تطبيق النصوص على النازل، عارفا بعرف البلد التي يفتي فيها، عالما بما جرى به عملها، مستحضرا لنصوص المذهب الذي يفتي عليه، عارفا بمطلقها ومقيدها، وعامها وخاصها، ماهرا في فهم اصطلاحاتها، واندراج جزئياتها في كلياتها، سالكا سبيل الجد والتبصر، مكثرا من مطالعة أقوال الأئمة الفقهاء.
وقد قال أئمة المغرب: على المفتي أن يقرأ مختصر خليل كل سنة، وإلا فلا يوثق بفتواه، ومما يتأكد على المفتي المالكي استحضار قواعد القرافي، ومنهاج الزقاق كقواعد ابن نجيم عند الحنفية، بل هذه نافعة لأصحاب المذاهب كافة، و"إيضاح المسالك" للونشريسي عند المالكية، وقواعد عز الدين بن عبد السلام، والمقري وعياض وأمثاله.
وأمثال هذه الكتب في سائر المذاهب هي التي تحصل ملكه الفتوى، وتوسع فكر المفتي، وترشده، وتقية مواقع الزلل.
كذلك على المفتي الإكثار من مطالعة كتب الفتاوى والنوازل الواقعة، ليعرف منها كيفية تطبيق الأحكام الكلية على القضايا الجزئية؛ لأن المفتي والقاضي أخص من الفقيه، إن الفقيه كعالم بكبرى القياس من الشكل الأول، والمفتي والقاضي كل منهما عالم بها، وعارف بصغراه وهذا أشق، وفقه القضاء والفتوى محتاج إلى أعمال النظر في الصور الجزئية، وإدراك ما اشتملت عليه من الأوصاف الكائنة فيها، فيلغي ما كان من الأوصاف طرديا، ويعتمد على ما له تأثير في العلة التي شرع الحكم لأجلها، أشار لهذا ابن عرفة، وأصله لشيخه ابن عبد السلام، وفي أحكام ابن العربي عن مالك لا يكون الرجل عالما مفتيا حتى يحكم الفرائض في الدين، وعموم وقوعها بين المسلمين. ا. هـ.
والمراد إتقان ذلك وإحكامه، وإلا فالمفتي لا يجوز أن ينتصب للفتوى إلا وله معرفة بأبواب الفقه كلها.
وذكر الحافظ ابن بطة عن الإمام أحمد قال: لا ينبغي للرجل أن ينصب نفسه للفتوى حتى يكون فيه خمس خصال:
أولاها: النية ليكون على كلامه نور.
الثانية: أن يكون له علم وحلم ووقار وسكينة.
الثالثة: أن يكون قويا على ما هو فيه، وعلى معرفته.
الرابعة: الكفاية وإلا مضغة الناس.
الخامسة: معرفة الناس وإلا راج عليه المكر والخداع والاحتيال.
ومن آداب المفتي أن يتثبت، ولا يتسرع للجواب، فقد سئل مالك عن مسألة، فقال: لا أدري، فقيل له: إنها مسألة سهلة، فغضب، وقال: ليس في
العلم خفيف، أما سمعت قول الله:{إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} 1 وقال: لا ينبغي لرجل أن يرى نفسه أهلا لشيء حتى يسأل من هو أعلم منه، وما أفتيت حتى سألت ربيعة ويحيى بن سعيد، فأمراني، ولو نهيهاني، لانتهيت، وقال: من سأل عن مسألة ينبغي له أن يعرض نفسه على الجنة والنار، وكيف يكون خلاصة في الآخرة، ثم يجيب فيها، وقال: ما أفتيت حتى شهد لي سبعون أني أهل لذلك.
وهكذا ينبغي لمن انتصب لهذا المنصب الخطير، ولا يجوز للمفتي أن يفتي بضد لفظ حديث أو آية مثل أن يسأل عمن صلى ركعة من الصبح، ثم طلعت الشمس هل يتم صلاته؟ فيقول لا، والنبي صلى الله عليه سلم يقول:"فليتمها" 2 ومثل أن يسأل عمن مات وعليه صوم هل يصوم عنه وليه؟ فيقول: لا، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:"صام عنه وليه" 3 وانظر في إعلام الموقعين أمثلة كثيرة من هذا النمط.
ولا يجوز للمفتي أن يتبع في فتواه غرضه ومشتهاه، أو يحابي بدين الله.
1 سورة المزمل: 5.
2 أخرجه البخاري "2/ 33" بشرح الفتح، ومسلم "608" من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أدرك أحدكم سجدة صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس، فليتم صلاته، وإذا أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس، فليتم صلاته".
وبهذا يقول الشافعي وأحمد وإسحاق، وخالف أبو حنيفة، فقال: من طلعت عليه الشمس وهو في صلاة الصبح، بطلت صلاته، وأخرجه مسلم "609" أيضا من حديث عائشة.
3 أخرجه البخاري "4/ 68"، ومسلم "1147" من حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من مات وعليه صيام، صام عنه وليه" قال الحافظ ابن حجر: وقد أجاز الصيام عن الميت أصحاب الحديث وعلق الشافعي في القديم القول به على صحة الحديث، كما نقله البيهقي في "المعرفة" وهو قول أبي ثور، وجماعة من محدثي الشافعية أهل الحديث وقال البيهقي في الخلافيات: هذه المسألة ثابتة لا أعلم خلافا بين صحتها.