الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكيفية الامتحان وغير ذلك مما أدخل الأزهر في صف الكليات العظيمة ذات النظام المعتبر، ورقاها إلى أوج الفلاح، وأجرى بنفسه ذلك النظام، ورقى جرايات التدريس والمتعلمين، وأدخل علوما عصرية للأزهرية لم تكن تدرس فيها من قبل كالتاريخ والجغرافيا وغيرها، وجعل ستمائة جنيها مكافآت الناجحين سنويا، فتقدمت الأزهر والعلوم الإسلامية في أيامه تقدما عظيما بإعانة محمد عبد المذكور، وفي الحقيقة بإعانة الخديوي المتنور عباس حلمي باشا، وفي أيامه أنشئت الكتبخانة العمومية في الأزهر، وبنى الرواق العباسي، وزيد في مرتبات العلماء ومشايخ الأروقة من الأوقاف، ولكن في أيامه حصل حادث الشوام، فانصرف عن الإفتاء والمشيخة سنة 1317، وله من الكتب كتاب في الفقه الحنفي يدرس به في المدارس الأميرية ألفه على النسق المدرسي.
إصلاح القرويين:
بمناسبة تكلمنا على ابتداء إصلاح الأزهر، فلنقل كلمة عن أختها القرويين لما عسى أن يكون لهذا المعهد من التأثير على ارتقاء الفقه أو انحطاطه أثناء القرن الجاري؛ لأنه المعهد الأعظم في إفريقيا الشمالية للعلوم العربية والدينية والآداب الإسلامية، لا سيما بعد سقوط الأندلس، فهو الينبوع النمير لهاته العلوم، والقبس النير للدين الحنيف، ومادة حياة القومية المغربية العربية، وبه قوامها، وقائد رشدها، وشمس نورها، وقد بلغ صيت الرعيل الأكبر من المؤلفين المتخرجين منه أقصى المغارب، ولا تزال تآليفهم سراجا وهاجا في الأقطار الشاسعة، ومعاهدها الجامعة.
إن القرويين لم يزل على حالة القديم، فمع كونه مسجدا دينيا مقدسا هو محل تطوع مفتح الأبواب لإلقاء الدروس الدينية والعربية، وتلقيها من غير أن يكون به نظام، ولا ترتيب لسير دروسه، ولا للموظفين الدينيين المتخرجين منه.
ولم تزل رواتب المدرسين به تافهة على ما وقع في السكة النقدية من الانحطاط حتى صارت لا تسد خلة المدرسين، ولا تسل عن المتعلمين، فصار جل المدرسين يتعاطى حرفة يسد بها رمقه، فتعطلت دروس، وأهملت فنون كانت فيه زاهرة يانعة من قبل. وهكذا بقيت الحال أسيفة إلى أن هيأ الله توظيفي نائب الصدارة العظمى في المعارف والتعليم، وكنت أول من وظف بها إذ لم يكن لوزارة المعارف وجود في المغرب من قبل سنة 1330 ثلاثين وثلاثمائة وألف، فكان أمر القرويين أول ما أهمني قلبا وقالبا؛ لأنهما أمي وظئري، ومن ثديها العذب ارتضعت، وبها أمطيت عني التمائم، وبعد مجهودات صدر أمر شريف سنة 1332 اثنين وثلاثين وثلاثمائة وألف بإدخال نظام إليها تنهض به لائق بمنزلتها من قلب الأمة المغربية، بل الإفريقية، وأسند نظرها إلي فقدمت فاسا صحبة أحد أعضاء الكتابة العامة للدولة الحامية، وهو المستعرب الشهير الذائع الصيت لدى العلماء والعوام مسيو مرسي المكلف بتعضيدي في درس المسألة وإيجاد أسباب حلها إداريا.
ولما حللنا فاسا، جمعت علماءها الأعلام كلهم، وشرحت لهم الحال، ورغبتهم في تشكيل لجنة لتحسين حال القرويين من بينهم بالانتخاب على نسق انتخاب المجلس البلدي بفاس؛ إذ كان مرادنا الوقوف على أنظارهم وحاجاتهم، وأن نبدي لهم ما ظهر لي من إدخال نظام مفيد، وإصلاحات مادية مع إصلاحات أدبية في أسلوب التعليم أيضا، وإحياء علوم اندثرت منها كليا، وتتبادل الآراء على عين المكان، ونجعل قانونا أساسيا للقرويين يكفل حياتها ورقيها، ولا نبرم أمرا إلا بعد حصول موافقتهم، بل استحسانهم، فقبلوا ذلك بغاية الارتياح، وشكلوا لجنة من أماثلهم بأغلبية الأصوات تحت اسم مجلس العلماء التحسيني للقرويين تركبت من رئيس وستة أعضاء وثلاثة خلفاء يوم 21 جمادى الثانية عام 1332 وبعد ما وقع احتفال تسميتهم الرسمية بمحضر خليفة السلطان بقصر البطحاء، وأعيان المدينة شرعنا في العمل معهم، فكنا نجتمع يوميا فأطرح عليهم مسألة مما كنت أريد إدراجه من التنظيم والتحسين في القانون الأساسي للقرويين،
ثم التمس آراءهم، واسمع ملاحظاتهم، فيحرر كل واحد ما ظهر له، ويؤخر البت في المسألة إلى جلسة ثانية حتى يطلع المجلس على تلك التحريرات، ثم يقترع على الرأي المقبول، فيثبت في سجل التقريرات أصل المسألة وما أبداه كل واحد فيها، ثم ما وقع عليه رأي الجميع أو الأغلب عليه. وفي الجلسة التي بعدها يسرد عليهم محضر الجلسة قبلها حتى يسلموه، فيثبت في سجل القرارات، وعند ذلك نشرع في إملاء مسألة أخرى، وعلى هذه الخطة كان سيرنا إلى أن تجمع من تلك القرارات مائة مادة ومادتان 102 مقسمة على عشرة أقسام، وهي:
القسم الأول: وفيه 22 مادة في نظام المجلس الأساسي، وكيفية تكوينه، وبيان أوقات اجتماعه، وتحديد نظره وتصرفاته، وخصائص الرئيس والأعضاء وخلفائهم، وتكوين أمين صندوق له وكاتب وما يتبع ذلك.
الثاني: وفيه 7 مواد في ضابط العالمية وامتحان طالبها، وتنقيح قائمة العلماء التي كانت ملآنة بمن لا يستحق أن يدرج فيها وإدخال من حرم منها مع استحقاقه وطبقاتها المكونة إذ ذاك من 154 عالما ومقرئا.
الثالث: وفيه 7 مواد أيضا في كيفية امتحان المدرسين.
الرابع: وفيه 15 مادة في إحداث توظيف شيخ للقرويين وناظرين 2 معه، وتحديد نظرهم، وكيفية سير أعمالهم التي أهمها مراقبة الدروس، وسير النظام، وكيفية إدخال النظام التدريجي للدروس والمدرسين والتلاميذ.
الخامس: وفيه 27 مادة في ضابط التدريس وامتحان التلاميذ، وتنظيمهم طبقات ابتدائية وثانوية وعالية، وأن لا يقبل واحد في مرتبة إلا بعد نجاحه في امتحان التي قبلها شفاهيا وكتابة، ومدة القراءة في كل طبقة، والصفات التي تؤهل المدرس لنوال هذا الوظيف وشروط قبول المتعلمين الذين يندرجون في النظام.
السادس: وفيه 11 مادة في العطلة السنوية، والرخص الاعتيادية وغيرها وضوابط ذلك.
السابع: وفيه 5 مواد في المجازات على تأليف الكتب ولا سيما الدراسة، وكيفية امتحان التواليف التي يطلب أصحابها الجوائز.
الثامن: وفيه 4 مواد في ضابط التقاعد ومن يستحقه.
التاسع: وفيه 3 مواد في الأمور التأديبية لمن خالف الضوابط، أو أساء المعاملة، أو ارتكب ما يخل بناموس العلم والدين.
العاشر: يعرض هذا القانون على أنظار الجلالة اليوسفية لتصدق عليه أو تنقحه، ولا يكون قابل لتنفيذ إلا بعد ذلك، وكان الفراغ منه في 22 شعبان العام.
ويكفي اللبيب المنصف إمعان النظر في عنوان الأقسام العشرة ليعترف أنه منطبق على مبادئ الدين الحنيفة، والقومية العربية المغربة وشعارها أتم انطباق كيف لا وقد حصلنا على موافقة نخبة علماء فاس، بل المغرب الذين هم هيأه المجلس على الطريقة التي شرحناها آنفا بكل حرية وكل استقامة مما لا يمكن أن يتهمنا فيه أحد بتطرف أو ابتداع.
وأقول من غير تمدح أو تبجح: إن ذلك القانون لو خرج من حيز الخيال إلى حيز الأعمال، لكان محييا للقرويين، مجددا لهيئتها التدريسية تجديدا صحيحا متينا؛ إذ ليس له مرمى سوى ترميم ما انهار من هيكلها المشمخر باعثا لعلوم وفنون من أجداثها كان الإهمال أخفاها، وتطاول الأزمان عفاها، مرقيا ومحسنا لما فضل عن أيدي الأوهام والإهمال سائقا لمن تمسك به إلى العروج بذلك المعهد الخطير إلى مستوى نظامي عصري ديني، به يبلغ العلم والدين والثقافة أوج الكمال والفخار.
ولكن مع الأسف المكدر تداخل في القضية ذوو الأغراض الشخصية فبينما نحن نبني ونصلح، ونرمم بفاس، وقد شرعوا في الهدم والتخريب في الرباط بغير فاس، وما كدنا نختم القانون المشار إليه حتى صدر أمر شريف برجوعنا، ولم يبق من مشروعنا إلا أن راتب المدرسين ضعف أضعافا، فصار للطبقة الأولى فرنك
100 مائة شهرين وستين للثانية إلخ، هذا بعد المضاعفة، وبه تعلم ما كان قدره قبل التحسين في سالف القرون، وأبقى المجلس صوريا لا حياة له ولا ظهور إلا في الحفلات الرسمية والمقامات التشريفية، وهكذا يفعل التحاسب وحب الأثرة بين نبلاء المغاربة الذين أشربوا في قلوبهم حب إيثار الأغراض الشخصية على المصالح العمومية بل والدينية. أصلح الله القلوب والأحوال، والمتحصل من المسألة أن حالة القرويين لم تزل في جمود ولم تتحسن قط مع ما بذلناه من الجهود، وبل انحطاطها يزداد كل يوم غير أن المدرسين والطلبة قد شعروا الآن، فهم يبثون الشكوى في الإعلان والنجوى ولم تجد إلى يومنا هذا يدا مساعدة، وعسى أن يهيئ لها الحق سبحانه مستقبلا زاهرا، ونصيرا ظاهرا.
ولو قدر لها أن تسير على ذلك النظام، لارتقى الفقه عما هو عليه من الانحطاط الكلي عندنا حتى سقطت هيبته وهيبة حملته من القلوب.
وفي شرح الحال والتأسف على المآل يقول الشاعر الاجتماعي الإصلاحي الفذ في وقته صاحب التاريخ المشهور محمد السليماني رحمه الله:
سلا هل أرجت ريح الخزامي
…
وهل سرب المها ألف المقاما
وهل شحرورهم يزهو ويشدو
…
وينفث من محاسنه انسجاما
وهل زهر الخميلة باكرته
…
سماء المزن فافتر ابتساما
وهل تلك المتالع في سماء
…
بأعلا الدوح تنعش مستهاما
وهل سعد السعود أتى بشيرا
…
بميعاد الأجلة والندامى
وهل غصن التمني عاد حقا
…
نضيج التمر مخضلا قواما
وهل بيت الجعافرة السراة
…
كرام العرب صونا واحتراما
على ما كان ملجأ للعفاة
…
فسيح الرحب مقصودا دواما
بنى الحجوي الثقاة لقد أقاموا
…
بأكمل وصف من صلى وصاما
وكهفهم الوزير أخي المعالي
…
أخي الإصلاح همته تساما
أحلال المشاكل مهما عزت
…
حماة الضيم تجعلها وئام
لأنت العارف المقدام مهما
…
مسكت الصولجان غدا قواما
وأنت أخو العلوم إذا ادلهمت
…
غيوم الجهل تحسبا قتاما
سبرت سناءها وفرجت عنها
…
وكنت لها وكنت لها إماما
رحيب الصدر تنصف كل فرد
…
وتقنعه إذا اجترأ اجتراما
فكم من دعوة أغنيت فيها
…
وعند الصون تنتقم انتقاما
وكم من سائس يُدعى رئيسا
…
خلبت نهاه واجتزت المراما
خدمت العلم حقا فاستضاءت
…
معالمه وقوم فاستقاها
رددت إلى المعارف كل فخر
…
بترتيب أنيق لا يساما
غزلت لهم غداة نصحت غزلا
…
رقيقا عالجوه فما استقاما
وأيقظت النوام بزجر قال
…
وتذكير فما فقهوا الكلاما
بدا من بعض أهل الزيغ طيش
…
فسبب عن صنيعهم انخراما
رضوا بالبخس في سوق المعالي
…
فظنوها لجهلهم اغتناما
رضوا بالطل عجزا ثم قالوا
…
دعوا ما كان كيف جرى وداما
ألسنا العالمين لدى البرايا
…
أتوقظنا وما كنا نياما
سبكت لهم سبائك من لجين
…
ومن تبر تغالى أن تساما
فكان الطرف منهم بعد سبر
…
ومعيار غثاء أو رغاما
على أن المعارف لا تداني
…
أناسا طالما ألفوا عواما
فدعهم في غباوتهم ستبلى
…
سرائرهم وسنصرموا انصراما
وهل تجدي معالجة لميت
…
وهل يغني الصريخ لمن تعاما
أمير المؤمنين رآك أهلا
…
حباك غداة طوقك الوساما
وقدمك افتخارا مستشارا
…
لدولته وقلدك الحساما
فدم للعز والإقبال شهما
…
كريما ماجدا فردا هماما
وحقق فيك ما يرجى بنصح
…
لمن والوا لدلتنا احتراما
وشادوا مجدها وحموا حماها
…
وساسوها اقتدارا واحتشاما
فاس في 5 ذي القعدة 1332 صديقكم محمد بن الأعرج السليماني الحسني.
هذا ولقد كان قال عند العزم على الشروع في التنظيم مهل جمادى الثانية من قصيدة طويلة نص الحاجة منها.
عطفا أخي لا تماطل إننا
…
متعطشون إلى العلا وجماله
يسر لنا طرق النظام وكل ما
…
فيه النجاة من الشقا وضلاله
ها قد خرجنا م الحوادث جملة
…
فاعمد إلى نهج الصلاح وواله
إلخ وهي طويلة من غرر قصائده، وذلك كله دال على ما يعلقه فريق مهم من المفكرين على إصلاح ذلك المعهد العظيم.
ومن مستتعبات المسالة المتعلقة برقي الفقه ما سعى فيه العبد الضعيف مدة تكليفه السابق من إدخال اللغة العربية ومبادئ الدين من توحيد وفقه وأخلاق للمدارس الابتدائية الدولية والأهلية، ثم الثانوية، ووقعت المساعدة على ذلك من جانب المقيم العام الميرشال اليوطي الذي أنهض المغرب، وكان من الشغف بإحياء مآثر الإسلام بمكان رفيع لائق بما له من سعة المدارك، ونزاهة الأفكار الإصلاحية، فصارت تلك المدارس عربية فرنسوية بعد ما كانت فرنسوية فقط، ووقعت تسمية مدرسين عربيين لتلك العلوم مع معلمين للكتابة العربية والقرآن العظيم، وبسبب ذلك نجحت تلك المدارس نجاحا فوق ما كان يؤمل في تربية النشأة الجديدة المغربية على ثقافة فكرية متينة موافقة للدين والفكر المغربي، ولا عبرة بمن شذ، فأقبل عليها الأهالي حتى البوادي بعد نفورهم الشديد منها، وستكون تلك الناشئة سبب إسعاد بلادها، وتقدم وطنها، وبها سينتعش الفقه
والعلوم العربية التي هي في دور الاحتضار بهذه البلاد.
وقد نسج الأهالي على منوالنا لما رأوا من حسن نتائج المدارس الدولية في اللغة العربية لحسن نظامها وسهولة منزع تدريسها، وترتيبها، ففتحوا عدة مدارس على نفقتهم قرآنية تهذيبة عربية في فاس والرباط حول سنة 1338 ثم في سلا والدار البيضاء ومراكش.
ولكن واأسفاه، إن أمرها صار إلى التأخر، بل أغلق جلها لارتخاء عزائم الأهالي، وعدم فهم كثير من القائمين بها معنى النظام ما هو، وخطؤهم في استعماله على نهج لا هو قديم ولا حديث مع البخل بالمال الذي هو حياة المشاريع النافعة، وحصول منافسات وغايات مع أن هذه مسألة حياة لا مسألة منافسة أو مباهاة.
548-
محمد عبده المصري:
مفتي الحنفية بالديار المصرية1 علامة جليل مشارك متبحر مصلح كبير، وأستاذ شهير حر اللسان والضمير، مؤسس نهضة مصر العربية، وصاحب الأيادي البيضاء، وأنفع من أدركنا من علماء الإسلام للإسلام، ترجمته قد خصها تلاميذه بتآليف؛ إذ هو من أشهر رجال الإسلام في العالم.
ولد بقرية شبرا بمصر سنة 1366 ست وستين، وشب في طلب العلم بإلزام من أبيه في طنطا، ثم في الأزهر على الشيخ جمال الدين الأفغاني الشهير، ولما تصدر للتدريس والتأليف، ونفع الطلاب، فألف شرحي مقامات البديع ونهج البلاغة، ورسالة في التوحيد وحواشي على الدواني، والإسلام والنصرانية والتفسير وغيرها.
وهو من أول من كتب في الجرائد من العلماء المعممين، فكتب في الجريدة الرسمية الوقائع المصرية إذ تولى رياسة قلم المطبوعات، فكان كل يوم يحرر فصلا
1 محمد عبده المصري: تاريخ الأستاذ الإمام، وزعماء الإصلاح ص"280".
في موضوع اجتماعي أو أدبي أو علمي، وينتقد أعمال الحكومة ومنشوراتها لفظا ومعنى، فكان موقظا للنهضة القلمية في الديار المصرية، ولكنه اتهم بمشاركة في الثورة العرابية، فنفي للشام، ثم وقع العفو عنه، ووظف قاضيا، ثم كان كمستشار للخديوي عباس حلمي باشا ذي الأفكار الصائبة في إصلاح مصر ونهضتها، فسعى لديه في تشكل مجلس الأزهر، وانتظم في جملة أعضائه، وكان في الحقيقة هو مديره تحت رياسة الشيخ حسونة السابق، وسعى في تخصيص ألفي جنيه للأزهر من الميزانية وثلاثة آلاف من الأوقاف سنويا، وبذلك تسنى للأزهر أن يصير لما هو عليه الآن، ثم مفتيا للحنفية، ومن لوزامها شيخ رواقهم، فكان أكثر عنايته بالأزهر وبالتدريس فيه.
ونشر ما في كتاب الله من أنواع الإرشاد وإيقاظ العباد، وبذلك ظهرت بركة عظيمة علمية وقلمية في القطر المصري نشأت عنها حركة وطنية إصلاحية كان الشيخ محركها الأكبر، وبقي على مبدئه السامي إلى أن لقي مولاه يوم السبت 6 يوليو سنة 1905 موافق ثالث جمادى الأولى سنة 1323.
ومن فتاويه حل ذبيحة أهل الكتاب سماه بالفتوى الترنسفالية، وجواز لبس القبعة في بلاد لا يلبس فيها سواها، وخالفه فيها كثير من معاصريه، وشنعوا به، لكنه لم يلتفت.
549-
عبد الرحمن البحراوي 1
المصري الأزهري العلامة الشهير ولد سنة 1235، وتصدر للتدريس سنة 1264، وألف عدة تآليف كتقريره على شرح العيني، وله كتابات على أغلب كتب المذهب الحنفي، وتخرج عليه كثير من علماء الأزهر، وتقلب في القضاء والإفتاء عدة مرات، وتولى رياسة المجلس الأول بالمحكمة الشرعية المصرية الكبرى، ثم الإفتاء بالحقانية وغير ذلك.
1 عبد الرحمن البحراوي المصري الأزهري: الخطط التوفيقية "15/ 11"، تاريخ الأزهر ص"171، 172"، والأعلام الشرقية "2/ 121، 122".
550-
محمد بخيت المطيعي 1:
الإمام العالم الشهير العلامة المحرر الكبير ولد بالمطيعة سنة 1281، واشتغل بالطلب في الأزهر سنة 1281، فأخذ عن عبد الرحمن الشربيني والبحراوي السابق، وجمال الدين الأفغاني، وغيرهم، ودرس سنة 1292، وتقلب في وظائف القضاء بالسويس وبورسعيد وغيرهما، ثم التفتيش في الحقانية، وقضاء الإسكندرية، ورياسة المجلس الشرعي الكبير، وغيرها، ولا زال حيا وقتنا هذا والحمد لله على وجود أمثاله المصلحين.
551-
أحمد بيرم:
أخونا في الله شيخ الإسلام بتونس الآن لم يزل ما بين الشباب والكهولة، عالم جليل مشارك محرر متقن ممتع متفنن، حلو الشمائل، عذب المذاكرة منصف خلاب بفصاحته ولطف أخلاقه وخلقته ومنطقه، خطيب مصقع، وأديب لكل الفضائل مجمع، جم المزايا والمفاخر أثيل المجد، وافر السعد، وكلما تسمع عنه الأذن تصدقه عند لقي الأعين. أدام الله النفع به، وبأفكاره الراقية، وبارك للإسلام فيه، وفي ذلك البيت الرفيع العماد إلى يوم التناد وهو سابع من تولى من بيتهم مشيخة الإسلام بتونس حفظه الله. وهذه حفنة من رمل الدهناء، أو جرعة من ماء السمك بالنسبة للعلماء الحنفية اكتفينا بها كضرب مثال ممن عجز عن حد جامع لأولئك الرجال.
1 محمد بخيت المطيعي: رياض الجنة "1/ 162"، وصفوة العصر "1/ 504"، وتاريخ الأزهر ص"172"، توفي سنة 1354هـ.