الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نقض حكم المجتهد:
من الأحكام الفقهية الأصولية التي أتعجب منها، ولا أعرف محملها قولهم كما في "جمع الجوامع" وغيره: إذا حكم حاكم مجتهد، فلا ينقض حكمه إلا إذا خالف نصا أو قياسا جليا، ونحوه لخليل، ويمثلون لذلك بأمثلة.
منها إذا حكم باستسعاء العبد1 فأقول في نفسي: كيف يمكن أن يعترف لنا مجتهد أنه خالف نصا في استسعاء العبد مع أنه في "الصحيحين" أبي داود والنسائي وغيرهما وإن كان بعضهم ادعى إدراجه من قول قتادة، لكنه مردود كما في "فتح الباري" عدد 114 من الجزء الخامس، فمن الذي خالف النص حينئذ، وكيف يمكن أن يعترف أنه خالف جلي القياس، وباب الاستحسان مفتوح، والمسائل التي خالف الحنفية والمالكية جلي القياس فيها للاستحسان مفتوح، والمسائل التي خالف الحنفية والمالكية جلي القياس فيها للاستحسان أكثر من أن تحصر، وقصير العلم ضيق الفكر هو الذي يعتقد أن أبطل حجة خصمه جازما أنه لا يمكن أن يأتي بحجة أو حجج غيرها والشريعة بحر زاخر، والأنظار ليس لها أول ولا آخر.
ومن القواعد الفقهية التي نص عليها ابن نجيم أن الاجتهاد لا ينقض بمثله، وقال الوانشريسي في "إيضاح المسالك": الظن هل ينقض بالظن أم لا، وعليه تغير الاجتهاد في الأواني والثياب والقبله والحكم والفتوى.
وقال ابن الحاجب في "المنتهى": لا ينقض الحكم في الاجتهادات منه ولا من غيره باتفاق للتسلسل، فتفوت مصلحة نصب الحاكم، وخالف ذلك في مختصره الفرعي، فحكى عن ابن القاسم الفسخ، وعن ابن الماجشون وسحنون لا يجوز فسخه وصوبه الأئمة. ثم قال الوانشريسي: ينقض حكم الحاكم إذا
1 هو أن يكتسب المال ليتخلص به من الرق.
خالف نصا صريحا أو إجماعا أو قياسا جليا أو القواعد. ا. هـ. بخ.
فتأمل ذلك فإن الحاكم إذا ثبت اجتهاده وعدالته، تعذر نقض حكمه بدعوى مخالفة ما ذكر؛ لأنه يؤدي إلى التسلسل ونقض ظن بمثله.
قال الخطيب في "المحصول": الدلائل السمعية لا تفيد اليقين إلا بنفي تسع احتمالات وما أظن ذلك بموجود نعم مراتب الظنون تقوى وتضعف. ا. هـ. نقله العياشي في رحلته عدد 274 ج2 ولم يقتصر ابن الحاجب في "المنتهى" على ما نقله صاحب الإيضاح، بل زاد بعده، وينقض إذا خالف قاطعا، وهذا الاستثناء لا بد منه، وكان الأولى بالعلماء أن يمضوا حكم المجتهد إذا ثبتت عدالته مطلقا اتفاقا إذا لم يخالف قاطعا وما سوى ذلك إنما هو فتح باب الجدال الذي لا يوجد له مصراع يسد به.
وإنما نعلم أن عمر قد نقض حكم أبي بكر في استرقاق سبي بني حنيفة، ولكن لنا أن نقول: إن ذلك كان لسياسية اقتضاها الحال كما أعتق المسلمون في حياته عليه السلام سبي هوازن استصلاحا لهم وليس نقضا لحكمه خلاف ما سبق لنا في عدد 41 و43 ج3 فمثل هذه الجزئية لا تنهض دليلا لمسألة توجب الشغب كهذه.
أما المقلد، فينقض حكمه، وتبطل فتواه مهما خالف نصوص مذهبه وعلى هذا عمل المشارق والمغارب في الزمن الحاضر، وعلى كل حال نقض حكم الحاكم المجتهد العدل، إذا خالف نصا، أو جلي قياس، أو إجماعا اختلف فيه، ورجح بناني في حاشية الزرقاني الفسخ مستدلا بأدلة واهية، وسلمها رهوني، والذي يظهر خلافه.
وما نسبه في إيضاح المسالك لابن الماجشون نسب بناني له خلافه وهو النقض، ونسب عدم النقض لابن عبد الحكم زاعما أنه تفرد به، وقد علمت عدم تفرده به، بل ليس من المعقول نقض أحكام الحنفية والشافعية والحنابلة المقلدين إذا خالفوا عمل أهل المدينة أو نصا أو جلي قياس في نظرنا، فالقول بالنقض قريب من الهذيان، والله أعلم.