الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
استطراد بعض المكثرين من التأليف:
قالوا: إن الإمام أبا الفرج ابن الجوزي جمعت الكراريس التي كتبها، وحسبت مدة عمره، وقسمت الكراريس على المدة فكان ما خص كل يوم تسع كراريس. قال في "جلاء العينين": وهذا شيء عظيم لا يكاد يقبله العقل، ويقال: إنه جمعت براية أقلامه التي كتب بها حديث رسول الله وأوصى أن يسخن له بها الماء الذي يغتسل به فكفت، وفضل منها.
وقد عدت مؤلفات جمال الدين الحافظ، وقسمت على عمره، فبلغ كل يوم تسع كراريس كما في ابن خلكان. ويأتي لنا في ترجمة إسماعيل القاضي بيان بعض مؤلفاته العجيبة، وأنه من أعلى طبقة المؤلفين.
وفي "الديباج" أن القاضي أبا بكر محمد بن الطيب الباقلاني كان ورده كل ليلة عشرين ترويحة، ولا ينام حتى يكتب خمسا وثلاثين ورقة من حفظه تصنيفا.
وترك ابن أبي الدنيا ألف تأليف، وابن عساكر ألف تاريخه في ثمانين مجلدا، ويوجد منه بمكتبة ابن يوسف بمراكش سبعة وعشرون مجلدا من تجزئة نيف وثلاثين ضخمة، وقفت عليه بنفسي هذا أحد تواليفه.
وقال السيوطي: منتهى التصانيف في الكثرة ابن شاهين صنف ثلاثمائة وثلاثن مصنفا منها التفسير في ألف جزء، والمسند خمسة عشر مائة، والتاريخ مائة وخمسون مجلدا، ومداد التصانيف ألفا قنطار وثمانمائة قنطار وسبعة وسبعون قنطارا. قال السيوطي: وهذه من بركات طي الزمان كالمكان من وراثة الإسراء وليلة القدر. نقله في "المنح البادية" ومثله في "فهرسة الأمير" إلا أن التاريخ قال: إنه مائة وخمس مجلدات، ولعل هناك تصحيفا في عد قناطير
المداد، أو لعلها أرطال، بل أواق.
وقد ترك الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم عدة كتب في الفقه والحديث والتاريخ منها كتابه المسند في ألف جزء ذكره في "الطبقات السبكية" وألف أبو عبد الله الحاكم المعروف بابن البيع ما يبلغ ألفا وخمسمائة جزء منها تخريج الصحيحين "والعلل" و"الأمالي" و"فوائد الشيوخ" و"المستدرك" على الصحيحين وغيرها.
وبلغت كتب الإمام الأشعري خمسين بين كبير وصغير، وأكثرها في الرد على الطوائف الضالة، وهذا من أصعب شيء في التأليف يحتاج إلى زمن كثير.
وألف الإمام تقي الدين ابن تيمية ثلاثمائة مؤلف في فنون مختلفة ضمن نحو خمسمائة مجلد، وتلميذه الإمام ابن قيم الجوزية نحو الخمسين مجلدا بين ضخم ولطيف، وبلغ كتاب "الفنون" الذي ألفه أبو الوفاء ابن عقيل الحنبلي أربعمائة مجلد، وقيل: ثمانمائة.
وألف الإمام البيهقي ألف جزء كلها تآليف محررة نادرة المثال، كثيرة الفوائد، وأقام يصوم ثلاثين سنة.
وترك محمد بن سحنون الأفريقي الشهير كتابه الكبير في مائة جزء في الفقه والسير والتاريخ وفنون من العلم، وكتاب "أحكام القرآن" أيضا وغيره من الكتب.
وألف الإمام أبو بكر بن العربي المعافري دفين فاس تفسيره الكبير في ثمانين جزءا، وله تآليف أخرى كشرح الترمذي، و"الموطأ"، "وأحكام القرآن" الكبرى، والصغرى، "والقواصم والعواصم"، و"المحصول في الأصول"، كلها تصانيف من أعلى طبقه. وهذا غريب الوجود.
وألف الإمام أبو جعفر الطحاوي تآليف كثيرة، وكتب في مسألة واحدة
وهي: هل كان حجة على الإسلام بقران أو إفراد أو تمتع ألف ورقة، وكم لذها من نظير في علماء الإسلام. وقد بلغت تآليف أبي عبيدة مائتين في علوم مختلفة وبلغت مؤلفات ابن سريج أربعمائة.
276-
والقاضي الفاضل مائة واحدة، وبلغت مؤلفات عبد الملك بن حبيب عالم الأندلس ألف كتاب. ذكره في "نفخ الطيب" وكانت تواليفهم تحوي مجلدات، فكتاب "مرآة الزمان" في التاريخ لسبط.
277-
ابن الجوزي أربعون مجلدا "وتاريخ بغداد" للخطيب أربعة عشر، والأغاني عشرون مجلدا.
278-
وكامل ابن الأثير12.
وشرح النبات 279- لأبي حنيفة الدينوري بلغ ستين مجلدا.
وبلغت تآليف يعقوب بن إسحاق الكندي فيلسوف العرب 280- في الفلسفة والطب والهندسة وعلوم كثيرة، لكن مجلداتهم تختلف من عشر ورقات إلى مائة هذا مع صعوبة نيل مواد الكتابة في تلك الأزمان، أما المتأخرون، فتوفرت المواد لديهم، ومع ذلك لم يبلغ مبلغ من تقدم مثل الحافظ ابن حجر صاحب "الفتح" و"الإصابة" وغيرهما والذهبي والسيوطي الذي نافت تآليفه على أربعمائة، فإن جلها صغير الحجم إلى الورقة والورقتين وأكثر من الشيخ أبو الفيض محب الدين محمد مرتضى الحسيني الواسطي الزبيدي الحنفي نزيل مصر، وكفى بشرحه القاموس، وشرح الإحياء دليلا على ذلك، وقد عم نفعهما، ووقع إقبال العالم الإسلامي عليهما مع تحرير وإتقان وأكثر أهل عصرنا تأليفا فيما أظن الشيخ فريد وجدي المصري صاحب "دائرة المعارف" و"كنز العلوم واللغة" وغيرهما والله يحفظه فقد افتخرت به مصر على غيرها.
استنتاج حالة الفقه في المدة الماضية:
قد كان خمس من المجتهدين المستقلين من الذين دونت مذاهبهم في مائة
سنة تقريبا، ولم يصل إلى أول المائة الرابعة إلا الأخير كما رأيت، فكانت المائة الثالثة مزادنة بالأئمة الكبار على قلتهم بالنسبة للمائة قبلها بخلاف الرابعة التي فشا فيها التقليد، وصار العلماء للجدال في أي المذاهب أفضل، وأيها يرجح وأن المجتهدين مع كونهم في المائة الثانية أكثر وأوفر كانوا أجل وأعظم، فمثل جلالة مالك العلمية والرحلة إليه من أطراف الدنيا، واتجاه الرأي العام الإسلامي من جميع المعمور إليه لم يوجد في هذه الثالثة، كل ذلك تصديق لقوله:"خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"1.
ففي القرن الثالث كان آخر المجتهدين اجتهادا مستقلا مطلقا ولم يصل للرابع إلا قليل. وكانوا في هذه القرون الثلاثة على ترتيب القرون الثلاثة في الحديث لكثرة وجلالة كما سبق.
فهذه إشارة هذا الحديث ومعجزته الظاهرة، وذلك أن الاجتهاد في نظري هو كنور الشمس النافع الذي به حياة الأرض وما فيها، والتقليد هو كنور القمر الذي يحكي نور الشمس فقط، ونفعه قليل الجدوى، إذ القمر كوكب ميت كما يقولون، ومظلم لا نور له، نعم هو صقيل كالمرآة إذا قابل نور الشمس، انعكست منه الأشعة على الأفق كالمرآة ترتسم فيها أنوار الشمس، وتنعكس منها أشعة قليلة الجدوى، فالمقلد وإن بلغ من العلم ما بلغ، إنما هو كنوز القمر، لكونه مقيدا مغلولا عن الوصول إلى الدليل من الكتاب والسنة ومسالك التعليل، ولذلك اعتبره الأئمة عاميا ولا يقال: عالم إلا لمجتهد.
وحدث في هذه المدة قول الظاهرية بنبذ القياس أو غير الجلي منه، كما تقدم وهو قول وإن كان موجودا من قبل لكنه لم يقل به إلا نزريسير، وكان النزاع في تقديم بعض الأدلة على بعض كتقديم الحنابلة الحديث على الإجماع مخالفين في ذلك للمالكية وغيرهم، وتقديم مذهب الصحابي على القياس مخالفين للحنفية
1 أخرجه البخاري "5/ 191" ومسلم "2535" من حديث عبد الله بن مسعود بلفظ "خير الناس قرني" وبلفظ: "خير أمتي" ولهما من حديث عمران بن حصين بلفظ "إن خيركم قرني
…
".
وغيرهم1.
وتقديم الحديث المرسل على القياس مخالفين للشافعية، وقد جعلوا القياس في آخر درجة من الأدلة ولم ينبذوه بخلاف الظاهرية فراجع ما تقدم من أصول أحمد والظاهرية.
ثم هناك أمر يوجب مزيد الاهتمام والاستغراب وهو أن هؤلاء الخمسة من المجتهدين قد ابتعدوا عن القول بالرأي، ومالوا إلى الظاهر، والعمل بالسنة رغما عن انتشار العلوم الفلسفية في الإسلام حتى دخلت في علوم المعتقدات ولكنها في الفقه لم تؤثر، بل زاد الفقهاء تباعدا بل جمودا مع أن المظنون عكس ذلك.
ولعل جمع السنة التي كانت متفرقة، وظهور العدد الكثير من الأحاديث تسبب عنها فكرة أن في المنقول ما يكفي عن المعقول، وفي نصوص الشريعة ما لا يحتاج معه إلى القياس والاستحسان، وما لم نجد له في النصوص حكما، فذلك مما عفي عنه، فليس لكل مسألة حكم على أنه لا غنى عن الرأي، ولا رأي إلا برواية، ولا رواية إلا برأي.
وهناك سبب آخر في الابتعاد عن الرأي وهو ما ظهر في المعتزلة من التجرؤ على العقائد، والتكلم، في صفات الإله، وذاته المقدسة بسبب الفلسفة وما أدى إليه أمرهم من الفتنة في الدين، لذلك ترك السلف الفلسفة ظهريا، ولجئوا إلى التفويض، ونبذ طريق الفكر والعقل، وعلى هذا المذهب في العقائد كان مالك وأحمد بن حنبل وأتباعهم، فهذا سبب ضعف مذهب الرأي في تلك العصور إلى أن جاء الأشعري، وحارب المعتزلة بنفس السلاح الذي ظهروا به وهو الفلسفة،
1 مذهب الحنفية تقديم قول الصحابي على القياس.
قال الإمام أبو حنيفة: آخذ بكتاب الله تعالى فإن لم أجد فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن لم أجد في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذت بقول الصحابة آخذ بقول من شئت منهم وأدع قول من شئت منهم ولا أخرج عن قولهم إلى قول غيرهم فإذا انتهى الأمر وجاء إلى إبراهيم والشعبي وابن سيرين والحسن وعطاء وسعيد بن المسيب "وعدد رجالا" فقوم اجتهدوا فاجتهد كما اجتهدوا. ا. هـ. انتقاء لابن عبد البر ومناقب الموفق المكي "1-82".