الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التقدم وحاصلهما نفي الشريك، ونفي الحدوث النافي، للزم منكر مدعي النبوة دليل النفي، وكذلك صلاة سادسة، وصوم شوال، والمدعى عليه بحق. وأجيب بأن الدليل قد يكون استصحابا مع عدم الرافع له، وقد يكون انتفاء لازم. ا. هـ. منه بلفظه. وأما تعريف الشهاب للضروري، فلا ينافي سبر المستدل، ولا تمسك بالبراءة لأنه صار ضروريا له بعدهما، وعنهما نشأت ضروريته، أو هو ضروري له من أول مرة، ولكن لم يكتف بما عنده من الضرورة رعيا لحال خصمه، فقال: إني سبرت أو تمسكت بالبراءة الأصلية تبرعا منه، وإن لم يكن مطالبا بذلك من حيث قواعد الجدل، بل يكفي أن يدعي علما ضروريا هذا ما أوجب عليه زيادة ما ذكر بناء على القول الذي اقتصر عليه صاحب "جمع الجوامع" وصححه والله ولي التسديد.
البحث التاسع عشر:
وهو وقع لكم في الربع الأول من "الفكر السامي" في مبحث أصل القياس وأسرار التشريع، وفي الثانية في ترجمة أبي حنيفة، وفي الثالث في ترجمة داود الظاهري أن الأحكام الشرعية لها علل، ولتلك العلل حكم ومصالح إلخ وهذا يوهم أن أحكام الله وأفعاله قصدت منها أغراض وعلل غائية، ويوهم وجوب مراعاة الصلاح والأصلح والتحسين والتقبيح العقليين، فنرجو من مكارمكم إيضاح المقام بما عودتمونا من مضاء القريحة، وفضل البيان حتى يزول كل إيهام، فبأفكاركم تزول الغياهب، وبقلمكم يستجلى كل ضباب.
وجوابه:
إن أفعال الله منزهة عن الأغراض والبواعث والغايات والعلل، كما هو
مذهب السنة، وليس في كلامنا أفعال الله، بل في كلامنا التصريح بنفي ذلك في غير ما موضع عن أفعال الله، وانظر عدد 362 من الجزء 1 وعدد 318 منه ففيهما مقنع وشفاء والذي ذهبت إليه في الكتاب كله وهو مذهب أكثر الفقهاء، وبعض الأشاعرة أن أحكام الشريعة الخمسة من حلال وحرام وندب وكراهية ووجوب، لها علل، بمعنى أن الشرع جعل لها علامات وأمارات تسمى في عرف الفقهاء والأصوليين علل الأحكام مثل الإسكار الذي جعل علة لحرمة الخمر حيث يفضي إلى الفتن والعداوة والبغضاء، ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة بتغطيته العقل، ولتلك العلل حكم ومصالح تترتب على تلك الأحكام، كصون العقل والمال والبدن والعرض المرتب على تحريم الخمر إلى غير ذلك مما سبق في عدد 81 من الجزء 1.
ولا يلزم من إثبات ذلك إثبات ما يسميه المعتزلة غرضا وعلة عقلية لأفعال الله التي لا بد عندهم أن تكون تابعة للأصلح أو الصلاح وجوبا عليه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
فما نسميه نحن علة إنما هو أمارة وعلامة نصبها الشرع على الحكم للمجتهد لتتبع كل ما وجد فيه العلة، فيكون فيه الحكم، وإنما هناك اشتراك في مجرد لفظ العلة التي وقع التواضع عليها بالإصطلاح حتى إن السبكي اعترض على الإمام الآمدي حيث سماها باعثا لما يوهمه من مذهب الاعتزال مع أن كتابه "الأحكام" الذين بين أيدينا ما عبر فيه إلا بالعلة والعلامة والأمارة، ولعله في غيره، أو في محل لم نقف عليه.
وأيضا أن كون الأحكام روعيت فيها مصالح الخلق ليس ذلك على سبيل الوجوب على الله وأنما هو لطف منه سبحانه وتفضيل وامتنان، فالفرق واضح بين القولين وصراحة كلامنا في ذلك لا إبهام فيها ولا إيهام.
وأما التحسين والتقبيح العقليان، فما أبعد كلامنا عنه والتحقيق أن العقل يدرك حسن بعض الأفعال بمعنى ملاءمتها للطبع أو كمالها كالصدق والعلم،
ويدرك قبح بعض أو نقصه كالكذب والجهل بمعنى منافرة الطبع أو نقصها وهذا محل اتفاق بين الأشاعرة والمعتزلة ولكن ذلك ليس في كل فعل فعل، بل في البعض، وقد يخفى عن العقل الحكم في البعض، ولا يدركه إلا من قبل الشرع كما أنه يمدح ذلك الحسن ويذم القبيح، ولا سبيل إلى إدراك الثواب والعقاب إلا من قبل الشرع هذا في الأحكام. أما في أفعال الله تعالى، فالذي مشى عليه محققون من الأشاعرة أنه لا ابتداع فيقول من قال: إن أفعال الله كأحكامه لا تخلو من حكم ومصالح وغايات راجعة إلى عبيده لا إلى ذاته تعالى تفضلا لا وجوبا، وهو منزه عن أن يصله نفع من ذاته لذاته فضلا عن غيره؛ لأنه غني عن العالمين، ورعايتها من لطفه ورحمته التي وسعت كل شيء، ولا يجب1 على الرب شيء وهو الفاعل المختار القادر القهار، ولا يلزم على مراعاتها استكمال أصلا كما حرره صدر الشريعة وغيره؛ لأن المصلحة ليست راجعة إليه حتى يستكمل بها بل إلى مخلوقاته المفتقرة إليه تفضلا ومنة اقتضاها أنه الحكيم العليم المريد، فوصفه نفسه بالفعال لما يريد، وبالحكيم يقتضي القصد والإرادة والحكيم لا يريد إلا ما فيه فائدة ومصلحة لعبيده تفضلا منه لكرمه الواسع وجوده العميم قال صدر الشريعة في الأصول: وما أبعد عن الحق قول من قال: إنها ليست معللة بمصالح العباد، فإن بعثه الرسل عليهم لاهتداء الخلق، وإظهار المعجزات لتصديقهم، فمن أنكر التعليل، فقد أنكر النبوة، قال صاحب "التلويح": إن تعليل بعثة الرسل باهتداء الخلق لازم لها، وكذا تعليل إظهار المعجزة على يدهم بتصديق الخلق لهم، وإنكار اللازم يوجب إنكار الملزوم؛ إذ ينتفي بانتفاء اللازم، فإن قالوا: إن تحصيل مصلحة العبد وعدمه إن استويا بالنسبة إليه تعالى حيث لا
1 ليت شعري ما معنى الوجوب عليه تعالى؟ ومن الذي أوجب هذا الوجوب؟ وهل المخلوق يحكم على الخالق؟ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وقد اتفق أهل السنة والمعتزلة معا أنه لا حاكم إلا الله {إِنِ الْحُكْمُ إِلَاّ لِلَّهِ} وأن العقل لا يوجب شيئا على الله سبحانه، نعم قد أوجب الله على نفسه أشياء وردت في القرآن والسنة كعدم تعذيب أهل الفترة قال تعالى:{لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} وذلك الإيجاب تفضل منه ومنة اقتضاه عدله ورحمته. ا. هـ. مؤلف.
نفع ولا ضرر يصل لذاته فلا يصح أن يقال: إن ذلك غرض أو علة، فليلزم الترجيح بلا مرجح، وإن لم يستويا بالنسبة إليه، كان فعله للأولوية، فيلزم الاستكمال لأن معنى كونه غرضيا أو علة هو أنه مقصود ومراد له تعالى، أي توجهت إرادته إليه من غير أن تكون فيه مصلحة لنفسه تعالى، ومثل ذلك قد يحدث لأمثالنا إليه من غير أن تكون فيه مصلحة لنفسه تعالى، ومثله ذلك قد يحدث لأمثالنا والله منزه عن التمثيل، فإنا قد نواسي ونحسن لمن لا منفعة لنا فيه، ولا نرجو منه ثناء ولا ثوابا ولا غرض لنا أصلا سوى الرحمة والشفقة لا سيما إن كان في معرض الهلاك لولا تلك المواساة.
وفعل الله الذي هو غني عن العالمين وهو الرحمن الرحيم بهم كيف لا يكون كذلك، وأي استحالة في هذا، وأي نقص يتصور فيه، قال سعد الدين في شرح "المقاصد": الحق أن تعليل أفعال الله تعالى سيما الأحكام الشرعية بالحكم والمصالح ظاهر كإيجاب الحدود والكفارات وتحريم المسكرات وما أشبه ذلك، وأما تعميمه بأنه لا يخلو فعل من أفعال عن غرض، فمحل بحثه ومراده بالتعليل هو ما بيناه آنفا، فلا يرد بحث الدواني معه، ولله در سعد الدين حيث اعترض جعل القضية كلية، فإنا نعلم أن خلود أهل النار في النار من فعل الله، ولا نفع ولا مصلحة فيه لهم فيما يظهر، ولو كان الحق لا يصدر عنه إلا ما فيه مصلحة العبيد لما أوجد الكافر الفقير المعذب في الدنيا والآخرة؛ إذ العدم أصلح له بلا شبهة. وعلى كل حال أن الغرض والعلة الغائبة والباعث، الصواب نفيه عن جانب الربوبية لإشعاره بالنقص تعالى عن ذلك.
أما قصد حصول الحكم والمصالح بالنسبة للعبيد من أفعاله تعالى وأحكامه، فلا محذور فيه، وليس هو بكلي في كل فعل فعل، ولا في كل حكم حكم من أحكام الشريعة على القول بإثبات التعبدي، وذلك على سبيل التفضل والمنة لا الوجوب. وانظر المجلد الثاني، من "إعلام الموقعين" عدد 23 وما بعده، ولا بد.
تنبيه: وها هنا دقيقة وهو أن بعض المحققين يقول: إن الله فاعل بنوع أشرف من الاختيار، وذلك النوع لا اسم له عندنا لأنا إنما نعرف أسماء ما عهدناه، والناس إذا عدموا شيئا عدموا اسمه، وخواص الخواص معدومة الأسماء، ونحن نحسن بمعانٍ جمة، وفوائد كثيرة لا نستطيع صرفها عن أنفسنا، ونعجز أن نسميها باسم يؤديها تماما، ونعتاض عنها بإرشارات وتشبيهات تقوم مقام الأسماء الفائتة، وقد صح البرهان أن فعل الله تقدس ليس باضطرار؛ لأن هذا نعت العاجز، وليس باختيار أيضا لأن في الاختيار معنى قويا من الانفعال يعلم هذا من ألف شيئا من الفلسفة فلم يبق إلا أنه فاعل بنحو عال شريف يضيق عنه الاسم والرسم كما أنه لو قال لك قائل: لم عبرت عن الله بالتذكير دون التأنيث لما كان عندك إلا أن تقول: هذا ما أقدر عليه، وليس عندي اسم يحضرني سواه.
وأكثر ما أمكنني أنني لم أنعت بنعوت الإناث، والتذكير والتأنيث يوجدان فينا وبهما أشبهنا سائر الحيوان، وهما منفيان عن الله من كل وجه وكل وهم، كما أن قولنا: يفعل الله لا يصح معناه في الباري؛ لأنه عبارة عن انفعال الأشياء إليه؛ لأن الأشياء له، وكلها مشتاقة ومتوجهة إليه، مستأنسة به، وأنت تعلم أنه لا فاعل إلا ويعتريه نوع من الانفعال في فعله، لذلك لا منفعل إلا ويعتريه نوع من أنواع الفعل في انفعاله إلا أن الفعل في الانفعال خفي جدا، وبالعكس الانفعال في الفعل.
لذلك لا يطلق على الفاعل إلا الاسم الأخص له، فظهر أن قولنا: فاعل مختار فيه نوع من المجاز في الكلمتين حكمت به العادة، وضيق اللغة. هذا تحرير القول في هذه المسألة، وإذا ظفرت به فاحتفظ بألف مغنم.