الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والصحيح أنه يجوز تجزؤ الاجتهاد بأن يصل لبعض الناس قوة الاجتهاد في بعض الأبواب دون بعض بأن يعلم أدلة ذلك الباب باستقراء منه، أو من مجتهد كامل، وينظر فيها كالفرائض، وقد كان زيد بن ثابت مشهورا بالفرائض، وعبد الله بن عمر بالمناسك، وعلي بن أبي طالب بالقضاء وتوقف مالك وأبو حنيفة في كثير من المسائل، وقالا: لا ندري. انظر "المنتهي" لابن الحاجب.
مواد الاجتهاد، تيسر الاجتهاد، الطباعة، كتبه:
قال ابن عبد السلام في فصل التحكيم من شرح ابن الحاجب: مواد الاجتهاد في زماننا أيسر منه في زمن المتقدمين لو أراد الله الهداية، ولكن لا بد من قبض العلم على ما أخبر به الصادق صلوات الله عليه.
ابن عرفة: ما أشار إليه من تيسر الاجتهاد هو ما سمعته يحكيه عن بعض الشيوخ أن قراءة مثل الجزولية1، والمعالم الفقهية، والاطلاع على أحاديث "الأحكام الكبرى" لعبد الحق ونحو ذلك يكفي في تحصيل الاجتهاد.
قال عرفة: يريد مع يسر الاطلاع على فهم مشكل اللغة بمختصر العين و"الصحاح" للجوهري ونحو ذلك من كتب غريب الحديث ولا سيما مع نظر كلام ابن القطان وتحقيق أحاديث الأحكام. وبلوغ درجة الإمامة أو ما قاربها في
1 الجزولية بضم الجيم نسبة إلى الإمام عيسى بن عبد العزيز يللبخت البربري المراكشي الجزولي، كان إماما في العربية لا يشق له غبار، له المقدمة المشهورة وهي حواش على جمل الزجاجي، وقال بعضهم: ليس فيها نحو، وإنما هي منطق لحدودها وصناعتها العقلية توفي سنة 607 سبع وستمائة. ا. هـ. من بغية الوعاة بخ وأما متن ابن التلمساني، فلعله، "مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول" تأليف الشريف أبي عبد الله محمد بن أحمد التلمساني المتوفي سنة 771 إحدى وسبعين وسبعمائة وهو متن من أحسن ما ألف فيه نحو خمس كراريس، أنفع شيء في بابه وأجوده. ا. هـ. المؤلف.
العلوم المذكورة غير مشترط في الاجتهاد إجماعا. ا. هـ.
وقال أبي في أقضية شرح مسلم ما نصه: وكان ابن عبد السلام يحكي أن من الشيوخ من كان يصعب الاجتهاد، ومنهم من كان يسهل أمره، وإليه كان يذهب الشيخ ابن عرفة، ويرى أنه يكفي من مادته النحوية مثل الجزولية والأصولية متن ابن التلمساني.
قال: وأما الحديث، فهو اليوم سهل؛ لأنه قد فرغ من تمييز صحيحه من سقيمه، فإذا نزلت به مسألة أم الولد مثلا، فيكفيه أن يجمع من المصنفات "الأحكام الكبرى" لعبد الحق، وينظر ما فيها، ويكفيه فيه تصحيح مؤلفه، ولا يلزمه نظر ثان في سنده، ولا يكون مقلدا في ذلك. قالوا: ويكتفى في معرفة الإجماع بالنظر في كتب الإجماع الموضوعة فيه كإجماع ابن القطان. وكان الشيخ يقول: إذا أحضر هذه المصنفات للنظر في النازلة، فإنه يجتمع لديه من الأحاديث فيها ما لا يكاد يحضر مالكا، قال: وأنسب من رأيته على هذه الصفة يعني في المشاركة في هذه المواد ابن عبد السلام وابن هارون. ا. هـ.
وممن كان يصعب الاجتهاد الإمام الشافعي وأحمد بن حنبل بما شرطاه في ذلك الباب قبله، ونحى نحوهما الشيخ الإمام علي السبكي، وذلك كله مقابل للمشهور الذي صدر به في "جمع الجوامع" واعلم أن مواد الاجتهاد اليوم في القرن الرابع عشر أيسر مما كان في زمن الأبي وابن عرفة ومن قبلهما بسبب أهل الفضل الذين اعتنوا بالمطابع، وطبعوا الكتب المعينة على الاجتهاد، وأن طهور الطباعة نقل العلم من طور إلى طور، وقد كان المتقدمون يعانون مشاق عظيمة في كتب الكتب، ويحتاجون لمادة مالية وزمن طويل أما بعد ظهور الطباعة عندنا أواسط القرن الماضي، فقد تيسر ما كان عسيرا إلا أنها وجدت الأمة في التأخر، والفقه في الاضمحلال، والهمم في جمود، فكأننا لم نستفد منها شيئا، فإذا قسنا ما استفدناه منها، ودرجة الرقي التي حصلت بسبب ظهور الكاغد كما قدمناه في القسم الثالث من هذا الكتاب حكمنا بأننا لم نتقدم خطوة تعتبر، وتناسب ما تقدمه غيرنا من الأمم، ورغما عن ذلك فقد وجدت كتب كانت أعز من بيض
الأنوق، وانتشرت ولا سيما كتب الحديث، فقد طبعوا الكتب الستة و"الموطأ" وشروحها، ومسند أحمد، ومعه "كنز العمال" الذين هما من أجمع الكتب لما يحتاج إليه المجتهد من السنة، وطبعوا في الهند "مستدرك الحاكم" وتلخيصه للذهبي، كما طبع مسند أبي داود الطيالسي، وطبقات الإمام ابن سعد، وعلل أبي حاتم، وكتب بالرجال للذهبي وغيره، ومسند الشافعي، والأم مسند أبي حنيفة، وغيرها من كتب المتقدمين ثم "تيسير الوصول إلى جامع الأصول" لابن الديبع وهو وحده كاف، وعمدة الأحكام وشرحها وغير هذا مما يطول تعداده من كتب الحديث المعتمدة وكفى بكتاب المشكاة للتبريزي المشتمل على أحاديث "5495" وهي معظم ما يحتاجه المجتهد وشرحها لعلي القاري، ففيه تحقيق أحاديث الأحكام ومخرجيها، وعلل ما أعل منها، وعلى الناظر فيه أن لا يغتر بتعصبه لمذهبه، بل ينظر فيه نظرا استقلاليا.
فإذا ضممت ذلك إلى "تيسير الوصول" السابق تجده كافيا وافيا، وربما لم يحصل عليه مجتهدو العصر الأول إلا بعد عناء كثير، وزمن ليس بيسير. ولو أنه كان متيسرا لكل مجتهد، لقل الخلاف، ولم يبق كثير من الاعتساف، ولا يستهان بـ"بلوغ المرام" وشرحه "نيل الأوطار" للشوكاني، فهناك غاية وطر المجتهد، إلى ذلك من الكتب التي طبعت وسهل تناولها، وجزى الله السادات الهنود خيرا، فقد اعتنوا بكتب السنة وطبعوها وأتقنوا كثيرا منها، ثم المصريين، فلهم جميعا على السنة اليد البيضاء، والمنقبة العصماء، ومن تلك الكتب ما كرر طبعه بمصر والهند وأوربا. وإني لآسف لكون المغرب لم يعتن بطبع كتب الحديث، ولمستشرقي أوروبا فضل في الطباعة معروف في كتب السنة لم يكن مثله للمغرب، وقد كان الواجب أن يضرب بسهم مصيب، وإنما اعتنى بكتب الفروع ونحوها من علوم الآلة، ولم يتقنها، ونسأل الله أن يفتح البصائر.
ومن الكتب التي تعين على الاجتهاد جدا أحكام ابن العربي في تفسير وآيات الأحكام الفقهية من القرآن العظيم، وأحكام الجصاص الحنفي، وتفسير ابن جرير الطبري، ونهاية ابن الأثير، وكتاب "بداية المجتهد" لابن رشد الحفيد،
وكتاب "القاموس المحيط" في اللغة وشرحه و"أساس البلاغة" للزمخشري و"فتح الباري" على صحيح البخاري، فهو من مواد الاجتهاد المعتبرة، وكتاب "المنتقى" للباجي الذي يرشد إلى طريق الاجتهاد والتعليل والقوادج وغير ذلك، وكتاب "إعلام الموقعين" لابن قيم الجوزية من أحسن ما يدرب على الاجتهاد، ويوضح طريق الرشاد لولا ما فيه من التحامل على الحنفية والأشعرية، وقد صرح الإمام الغزالي بأن سنن أبي داود السجستاني كافية للمجتهد، مغنية عن غيرها، نقله أول شرح المشكاة لابن سلطان القاري ومن كتب هذا الشأن كتاب "التحقيق" في أحاديث التعليق لابن الجوزي الذي اشترط فيه على نفسه أن يخرج ما ذكره فقهاء المذاهب تعليقا من أحاديث الأحكام، ويتكلم عليها من غير تعصب لمذهب على مذهب، وكتاب "تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق" للحافظ شمس الدين أحمد بن عبد الهادي، فإنه مفيد جدا لمن يعني بأحاديث الأحكام فحص به كتاب التعليق، أبدى ما لابن الجوزي من الأوهام.
ثم لا بد للمجتهد أن يعرف الناسخ والمنسوخ من القرآن والسنة، أما القرآن فتقدم لنا صدر الكتاب أنه لم يتعين النسخ إلا في بضعة عشر آية قد سلفت مبينة، ولابن حزم كتاب مطبوع في الناسخ والمنسوخ من القرآن، وأما السنة، فقال ابن القيم: إن النسخ الواقع في الأحاديث التي اجتمعت عليها الأمة لا تبلغ عشرة أحاديث البتة، بل ولا شطرها كما سبق، وهذا بحسب نظره ولا يخلو من المبالغة.
ولا بد للمجتهد أن يكون له معرفة بمواقع الإجماع لئلا يخرقه كما سبق، فيجب عليه معرفة الكتب المؤلفة فيه لأبي بكر الرازي وغيره وقد تقدم لنا كلام في هذا الموضوع عند الكلام على الإجماع فارجع إليه، ولم أعثر إلى الآن على شيء من كتب الإجماع مطبوعا، وكان الواجب الاعتناء بطبعها سواء "الإقناع في مسائل الإجماع" لأبي الحسن بن القطان، أو كتاب "الإجماع" لابن حزم، أو ابن عبد البر، أو ابن المنذر، وكل منهم ألف في ذلك. وقد حذروا من إجماعات ابن عبد البر نعم إن الإجماعات هي مفرقة في كتب الفقه غير أن الاطلاع على كتب