المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أشهر أصحاب الإمام مالك بعد القرن الرابع إلى الآن: - الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي - جـ ٢

[الحجوي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌القسم الثالث: في الطور الثالث للفقه وهو طور الكهولة

- ‌مدخل

- ‌مجمل التاريخ السياسي

- ‌حدوث مادة الكاغد وتأثيره على الفقه:

- ‌الأئمة المجتهدون أصحاب المذاهب المدونة في هذا العصر:

- ‌استطراد بعض المكثرين من التأليف:

- ‌الاختلاف في مظنة الاتفاق:

- ‌حدوث علم التصوف ومجمل تاريخه وأطواره:

- ‌بعض تراجم الصوفية

- ‌مدخل

- ‌الزيدية في اليمن:

- ‌بعض تراجم الزيدية:

- ‌فقه الشافعية

- ‌تراجم المجتهدين في القرن الثالث والرابع

- ‌مدخل

- ‌تراجم الحنفية في القرن الثالث والرابع:

- ‌أشهر أصحاب مالك في المائة الثالثة والرابعة:

- ‌بعض أصحاب الشافعي الذين نشروا مذهبه في القرنين الثالث والرابع:

- ‌أشهر أصحاب الإمام أحمد بن حنبل في القرن الثالث والرابع:

- ‌صنعة التوثيق المسمى قديما عقد الشروط في هذا العصر

- ‌استنتاج من حالة الفقهاء في المدة السالفة:

- ‌علم الخلافيات:

- ‌القسم الرابع: في الطور الرابع للفقه وهو طور الشيخوخة والهرم المقرب من العدم

- ‌مدخل

- ‌مجمل التاريخ السياسي لهذه القرون:

- ‌إحياء الاجتهاد على عهد الدولة الموحدية بالمغرب والأندلس في القرن السادس:

- ‌تراجم الفقهاء في هذه العصور:

- ‌إصلاح القرويين:

- ‌أشهر أصحاب الإمام مالك بعد القرن الرابع إلى الآن:

- ‌أشهر مشاهير الشافعية بعد المائة الرابعة إلى الآن:

- ‌مشاهير الحنابلة بعد القرن الرابع:

- ‌تجديد الفقه:

- ‌ما صار إليه الفقه من القرن الرابع إلى وقتنا إجمالا:

- ‌مناظرة فقيهين في القرن الخامس:

- ‌غوائل الاختصار وتاريخ ابتدائه:

- ‌عدم تنقيح كتب الفقه:

- ‌فقه العمليات وتاريخ نشأته وانتشاره:

- ‌تحرير لمسألة العمل الفاسي:

- ‌التقليد وأحكامه:

- ‌تقليد الإمام الميت:

- ‌التزام مذهب معين وتتبع الرخص:

- ‌المذاهب الأربعة ليست متباعدة:

- ‌هل يجوز الخروج عن المذاهب:

- ‌حكم التصوير ونصب التماثيل بالمدن لعظماء القوم:

- ‌خصال المفتي:

- ‌ما صارت إليه الفتوى في القرون الوسطى:

- ‌حال الإفتاء في زماننا:

- ‌الكتب التي يفتى منها بالمغرب:

- ‌الاجتهاد

- ‌مدخل

- ‌المجتهد، شروطه، أقسامه:

- ‌مواد الاجتهاد، تيسر الاجتهاد، الطباعة، كتبه:

- ‌بحث مهم:

- ‌هل كل مجتهد مصيب:

- ‌اقتداء المذهب بعضهم ببعض

- ‌نقض حكم المجتهد:

- ‌هل انقطع الاجتهاد أم لا، إمكانه، وجوده:

- ‌من أدرك رتبة الاجتهاد:

- ‌ذيل وتعقيبات للمؤلف

- ‌مدخل

- ‌البحث الأول:

- ‌البحث الثاني:

- ‌البحث الثالث:

- ‌البحث الرابع:

- ‌البحث الخامس:

- ‌البحث السادس:

- ‌البحث السابع:

- ‌البحث الثامن:

- ‌البحث التاسع:

- ‌البحث العاشر:

- ‌البحث الحادي عشر:

- ‌البحث الثاني عشر:

- ‌البحث الثالث عشر:

- ‌البحث الرابع عشر:

- ‌البحث الخامس عشر:

- ‌البحث السادس عشر:

- ‌البحث السابع عشر:

- ‌البحث الثامن عشر:

- ‌البحث التاسع عشر:

- ‌البحث العشرون لبعض الأصحاب الرباطيين:

- ‌البحث الحادي والعشرون له أيضا ونصه:

- ‌البحث الثاني: والعشرون له أيضا ونصه

- ‌البحث الثالث والعشرو: له أيضا

- ‌البحث الرابع والعشرون: من بعض الأصحاب الفاسيين

- ‌البحث الخامس والعشرون:

- ‌البحث السادس والعشرون:

- ‌الفهارس:

- ‌فهرس أبواب القسم الثالث من الفكر السامي:

- ‌فهرس أبواب القسم الرابع من كتاب الفكر السامي:

الفصل: ‌أشهر أصحاب الإمام مالك بعد القرن الرابع إلى الآن:

‌أشهر أصحاب الإمام مالك بعد القرن الرابع إلى الآن:

552-

أولهم عبد الرحيم بن أحمد الكتامي 1:

أبو عبد الرحمن يعرف بابن العجوز الدار، فاسي الوفاة من قبيلة كتامة، ومن كتاب قومه كانت له ولأبيه فيهم وفي المغرب رياسة العلم، وإليه الرحلة من أقطاره، وعليه دارت الفتوى، وأعقب عقبا نجباء في العلم [

] خمسة أئمة إمام ابن إمام، وهم ولده عبد الرحمن، ثم ابنه محمد، ثم ابنه عبد الرحمن وعن هذا أخذ عياض، وكان فيهم القضاء في عواصم المغرب بل والأندلس. وصل عبد الرحيم إلى الأندلس وأفريقية، وأخذ عن الإمام ابن أبي زيد، واختص به، وسمع منه كتبه النوادر، والمختصر، وجاء بهما وبغيرهما إلى سبتة، وعن دراس بن إسماعيل الفاسي والأصيلي، ووهب بن ميسرة الحجازي، وانتفع الناس به، وكان من حفاظ المذهب المالكي الناشرين له. توفي بفاس سنة 413 ثلاث عشرة وأربعمائة.

553-

أبو عبد الله محمد بن عمر بن يوسف بن بشكوال 2:

المعروف بالحافظ لقبا، ويعرف بابن الفخار قرطبي، كان حافظا للحديث،

1 أولهم عبد الرحيم بن أحمد الكتامي أبو عبد الرحمن "ابن العجور": أبو عبد الرحمن، ابن العجوز، الكتامي، المالكي، سير النبلاء "17/ 374، الحاشية"، الديباج المذهب ص"153".

2 أبو عبد الله محمد بن عمر بن يوسف بن بشكوال: الديباج المذهب ص"171".

ص: 235

عارفا بالحجة والنظر، رحل فاتسعت روايته، فكان أحفظ الناس وأحضرهم للعلم وسرعة الجواب، وأفقههم على اختلاف العلماء كان يحفظ المدونة والنوادر، ويوردها من صدره، آخر الحفاظ الراسخين العارفين بالكتاب والسنة، مجاب الدعوة1، وله اختصار نوادر ابن أبي زيد، رد عليه في مسائل، واختصاره المبسوط لا بأس به، وله رد على رسالة ابن أبي زيد تعسف فيه سماه التبصرة، ورد على وثائق ابن العطار، وله مذاهب أخذ بها في خاصته؛ إذ كان مجتهدا كصلاته الأشفاع خمسا، وتعجيل صلاة العصر جدا، وعدم غسل الذكر كله من المذي.

هجر قرطبة عند دخول البربر، وتنقل في الأندلس، وسكن بلنسية، فأقام بها مطاعا إلى أن توفي سنة 419 تسع وعشرة وأربعمائة. وبشكوال بباء أعجمية مخففة مضمومة ويقال: بشكال بألف مقحمة وبغير واو، وقد يكتب بواو ولام ليس بينهما ألف، ومعنى بشكوال عياد؛ لأنه ولد يوم عيد. ا. هـ. من "المنح البادية".

554-

القاضي عبد الوهاب بن نصر التغلبي 2:

البغدادي مؤلف كتاب المعونة لمذهب عالم المدينة والتلقين، وهو على صغره من خيار الكتب وأكترها فائدة، وكتاب الإشراف على مسائل الخلاف، وكتاب النصرة لمذهب إمام دار الهجرة، وشرح المدونة لم يكمل، وله شرح مختصر ابن أبي زيد، وشرح الرسالة، والإفادة في أصول الفقه، وله كتب بديعة في المذهب والخلاف والأصول.

قال فيه ابن بسام في "الذخيرة": كان فقيه الناس، ولسان أصحاب القياس، سمع أبا عبد الله العسكري وابن شاهين والأبهري، وقد رد في "المدارك" على من أنكر سماعه منه وكبار أصحابه كابن القصار، وابن الجلاب،

1 فيه نظر لا يثبت إلا بوحي.

2 القاضي عبد الوهاب بن نصر التغلبي البغدادي: الديباج المذهب ص"159"، وفوات الوافيات "2/ 419"، وشذرات المذهب "3/ 223".

ص: 236

وسمع أبا بكر الخطيب وغيرهم، ولي قضاء الدينور وغيرها من أعمال العراق، ثم ابتلي بالفقر الذي ألجأه لمفارقة بغداد إلى مصر، وقد ودعه جملة موفورة من أعلامها، وطوائف كثيرة، فقال لهم: لو وجدت بين ظهرانيكم رغيفين كل غداة وعشية ما عدلت ببلدكم وأنشد:

لا تطلبن من المجبوب أولادا

ولا السراب لتسقي منه ورادا

ومن يروم من الأرذال مكرمة

كمن يروم من الأتبلن أوتادا

قال في "المدارك": ولعل سبب خروجه قصة جرت له لكلام قاله في الشافعي، فخاف على نفسه وطُلِبَ، فخرج فارا عنها. ا. هـ. وتوجه لمصر، فملأ أرضها وسماءها علما، وحمل لواءها، واستتبع سادتها وكبراءها، تناهت إليه الغرائب، وانثالت عليه الرغائب، وولي قضاء المالكية بها؛ إذ في عهد العبيديين صار بها قاضيان شيعي ومالكي، فمات لأول ما دخلها وهو الذي قال في مرض موته: لا إله إلا الله لما عشنا متنا.

وقضية القاضي هذه تدل على أن العبيديين لم يتمكنوا من إخضاع أفكار العلماء ولا العامة، وإن أخضعوا سيوف الدولة وقال في بغداد:

بغداد دار لأهل المال واسعة

وللصعاليك دار الضنك والضيق

أصبحت فيهم مضاعا بين أظهرهم

كأنني مصحف في بيت زنديق

توفي رحمه الله سنة 422 اثنين وعشرين وأربعمائة عن ثلاث وسبعين. وكما هو من عليه الفقهاء، فهو من أحسن الشعراء، ذكره ابن بسام في "الذخيرة" ومن شعره:

متى يصل العطاش إلى ارتواء

إذا استقت البحار من الركايا

ومن يثني الأصاغر عن مراد

إذا جلس الأكابر في الزوايا

وإن ترفع الوضعاء يوما

على الرفعاء من إحدى الرزايا

ص: 237

إذا استوت الأسافر والأعالي

فقد طابت منادمة المنايا

555-

أبو عمران موسى بن عيسى بن أبي حاج الغفجومي 1:

الفاسي بيتهم بفاس مشهور يعرفون ببني حاج، استوطن القيروان، وحصلت له رياسة ورحل إلى المشرق، وكانت له رواية واسعة.

قال في "المدارك" جمع من عوالي حديثه مائة ورقة، وقال عنه ابن عمار: إنه مقطوع بفضله وإمامته، أخذ عن الباقلاني وسمع من المستملي وأبي ذر وتفقه في قرطبة على الأصيلي وطبقته، وفي القيروان على القابسي، وكان من أحفظ الناس للحديث والمذهب المالكي، مجودا للقرآن بالسبع عارفا بالرجال، رحلوا إليه من الأندلس وأفريقية له تواليف في الحديث والفقه، وتعليق على المدونة لم يكمل، وكان ما بينه وبين أبي بكر بن عبد الرحمن نفرة، فطمع صاحب أفريقية أن يتوصل بذلك لتقليل نفوذهما على العامة بشهادة أحدهما على الآخر، فتقوم الحجة عليهما معا؛ إذ كانت العامة طوعهما، فلما اختبرها وجد دينهما أمتن مما يظن، وخاب ظنه. قاله في "المدارك".

ومن محاسن أجوبته في مسألة: هل الكفار يعرفون الله أم لا؟ التي وقع فيها نزاع عظيم بين العلماء، وتجاوزهم إلى العامة، وكثر التماري فيها حتى خرج عن حد الاعتدال إلى القتال، فقال قائل: لو ذهبنا إلى أبي عمران، لشفانا فجاءه أهل السوق بجماعتهم، وقالوا: نحب جوابا بينا على قدر أفهامنا، فأطرق ساعة، وقال: لا يكلمني إلا واحد، ويسمع الباقون، ثم التفت إلى واحد منهم، فقال: أرأيت لو لقيت رجلا، فقلت له: تعرف أبا عمران الفاسي؟ فقال: أعرفه، فقلت: صفه لي، فقال: هو رجل يبيع البقل والحنطة والزيت في سوق ابن هشام، ويسكن صبرة أكان يعرفني؟ قال: لا، قال: فلو لقيت آخر، فقلت:

1 أبو عمران موسى بن عيسى بن أبي حاج الغفجومي الفاسي: أبو عمران: الغفجومي، حاشية الأنساب "10/ 68"، الديباج المذهب ص"344".

ص: 238

هل تعرف أبا عمران؟ فقال: نعم، فقلت له: صفه لي، فقال: هو رجل يدرس العلم، ويفتي الناس، ويسكن بقرب السماط، أكان يعرفني؟ قال: نعم. قال: فهما مثال الكافر والمؤمن، فإن الكافر إذا قال: إن لمعبوده صاحبة وولدا، أو إنه جسم وقصد بعبادته من هذه صفته، فلم يعرف الله، ولم يصفه بصفته، ولم يقصد بعبادته إلا من هذه صفته وهو بخلاف المؤمن الذي يقول: إن معبوده الله الأحد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحدا، فهذا قد عرف الله ووصفه بصفاته، وقصد بعبادته من يستحق الربوبية سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا. فقامت الجماعة وقالوا: جزاك الله خيرا من عالم، فقد شفيت ما بنفوسنا ودعوا له، ولم يخوضوا في المسألة بعد هذا المجلس. توفي سنة 430 ثلاثين وأربعمائة، وبإشارته توجه عبد الله بن ياسين إلى الصحراء، فأنشأ دولة لمتونه، وإن شئت ذلك، فقف على تاريخنا لأفريقيا الشمالية.

556-

أبو القاسم عبد الرحمن بن علي محمد الكتاني:

المعروف بابن الكاتب من فقهاء القيروان المشاهير وحذاقهم، تفقه في مسائل مشتبهة من المذهب، قال الطايثي: سألته عن فروق في مسائل مشتبهة من المذهب، وقد أعضل جوابها كل من لقيته من علماء العراق، فأجابني فيها ارتجالا على ماكان عليه من شغل البال بالسفر، وقد وقفت على جوابه في جزء منطو على أحد وأربعين فرقا، له كتاب في الفقه كبير مشهور في نحو مائة وخمسين جزءا ذكره في "المدارك" ولم يذكر له وفاة.

557-

أبو عمر أحمد بن محمد الطلمنكي 1:

المعافري أصله من طلمنكة بثغر الأندلس الشرقي، ونشأ بقرطب، فكان

1 أبو عمر أحمد بن محمد الطلمنكي المعافري: ابن الكاتب، سير النبلاء "11/ 126"، شذرات "3/ 243"، والديباج المذهب ص"243".

ص: 239

من أعلامها، اتسعت روايته وتفنن في علوم الشريعة، وغلب عليه القرآن والحديث، وألف تواليف نافعة كبار ومختصرة، ككتاب الدليل إلى معرفة الجليل نحو مائة جزء وله تفسير نحو هذا، وكتاب البيان في إعراب القرآن، وفضائل مالك ورجال الموطأ، وكتاب الرد على ابن ميسرة، وكتاب الوصول إلى معرفة الأصول، وغير ذلك، له فضائل حسنة أكثر من أن تحصى وكان سيفا على أهل البدع، توفي ببلده مرابطا سنة 429 تسع وعشرين وأربعمائة وقارب السبعين.

558-

أبو إسحاق إبراهيم بن حسن التونسي 1:

إمام جليل فاضل صالح منقبض متبتل، عليه تفقه جماعة من الإفريقيين، وله شروح حسنة، وتعاليق مستعملة متنافس فيها على كتاب ابن المواز والمدونة، وفيه يقول عبد الجليل الديباجي:

حاز الشريفين من علم ومن عمل

وقلما يتأتى العلم والعلم

وقد وقع له محنة عجيبة بسبب إفتائه بالحق، وإن الشيعة فرقتان غلاة زنادقة تحل دماؤهم، ومؤمنون معصوموا الدم يحل نكاحهم وهم من يفضل عليا على أبي بكر مخالفا في ذلك رأي العلماء والفكر العام من العام حيث تألبوه ضده، وألزموه أن يقر على نفسه بالخطأ، والرجوع عن فتواه في المنبر بحضور الجم الغفير، ففعل. انظر تفضيل ذلك في "المدارك" وغيرها توفي سنة 432 اثنين وثلاثين وأربعمائة.

559-

أبو القاسم المهلب بن أحمد بن أسد بن أبي صفرة التميمي 2:

سكن المرية من الراسخين في العلم، المتفننين في الفقه والحديث والنظر،

1 أبو إسحاق إبراهيم بن حسن التونسي: الديباج المذهب "88/ 89".

2 أبو القاسم المهلب بن أحمد بن أسد بن أبي صفرة التميمي: الوافي بالوفيات "26/ 117"، والصلة ص"567"، والديباج المذهب ص"368".

ص: 240

صحب الأصيلي، وتفقه معه، وكان صهره، ورحل، فسمع من شيوخ الأندلس والقيروان والمشرق. قال ابن الحذاء: كان أذهن من لقيت وأفهمهم وأفصحهم، وقال أبو الأصبع: به حيي كتاب البخاري بالأندلس، له كتاب "التصحيح في اختصار الصحيح" وعلق عليه شرحا حسنا مفيدا. توفي سنة 433 ثلاث وثلاثين وأربعمائة.

560-

أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الله الخولاني القيرواني

من الطبقة الثانية من أهل أفريقية شيخ فقهائها حافظ المذهب وزعيمه، حاز الذكر، ورياسة الدين مع صاحبه أبي عمران الفاسي حتى لم يكن لأحد معهما في المغرب اسم يعرف، وتفقه عليهما الخلق الكثير، توفي سنة 432 اثنين وثلاثين وأربعمائة.

561-

أبو ذر عبد بن أحمد بن محمد الهروي 1:

روى صحيح البخاري أخذ عنه الإمام الباجي وغيره، وروايته أتقن الروايات، وله كتابه المخرج على الصحيحين وغيره، وقد أخذ فقه مالك عن ابن القصار وأبي سعد الأبهري، وأخذ عن الباقلاني وابن فورك حظا من السنة، وله الرحلة والواسعة وجاور الحرمين إلى أن مات ناشرا للعلم. وقد سمع الحديث من الدارقطني والإمام الحاكم وأبي إسحاق المستملي وأبي محمد الحموي، وأبي الهيثم السرخسي، وغيرهم، وروى عنه أعلام كثيرون توفي سنة 435 خمس وثلاثين وأربعمائة عن تسع وسبعين سنة.

1 أبو ذر عبد بن أحمد بن محمد الهروي: أبو ذر، ابن السماك، الخراساني، المالكي، الهروي، الأنصاري، ولد سنة 255، مات سنة 434 أو 435:

فهرس الفهارس "1/ 157، 2/ 610"، المشتبه "486"، الأعلام "3/ 269"، معجم المؤلفين "5/ 65، 66"، التنكيل "15/ 336"، التقييد "2/ 170"، طبقات الحفاظ ص"425"، نسيم الرياض "1/ 431، 233"، التمهيد "6/ 64"، سير النبلاء "17/ 554"، تاريخ بغداد "11/ 141".

ص: 241

562-

أبو محمد مكي بن أبي طالب 1:

واسمه محمد، ويقال: حموش بن مختار القيرواني نزيل قرطبة الإمام المقرئ الفقيه الأديب المتفنن في القراءات والتفسير اللغوي النحوي الراوية، ولي الشورى وصنف تصانيف جليلة في علم القرآن ومن أشهر تصانيفه الهداية في التفسير، والكشف في وجوه القراءات، واختصار الحجة للفارسي، وكتاب إعراب القرآن، وكتاب الإيضاح في ناسخه ومنسوخه، وكتاب المأثور عن مالك في الأحكام والتفسير، والتبصرة، والموجز، واختصار أحكام القرآن، والإيجاز واللمع في الإعراب، وانتخاب نظم القرآن للجرجاني، والواعي في الفرائض، قال عياض: وأخبرني شيخنا أبو إسحاق بن جعفر أنه له تصنيفا في الفقه. توفي سنة 437 سبع وثلاثين وأربعمائة وقد نيف عن الثمانين.

563-

أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد الحضرمي 2:

المعروف باللبيدي مشهور من علماء أفريقية ومؤلفيها، وجه أبو الحسن القابسي لتفقيه أهل المهدية، فحاز رياسة العلم، وألف كتابا جامعا في المذهب أزيد من مائتي جزء كبار في مسائل المدونة وبسطها والتفريع عليها وزيادات الأمهات، ونوادر الروايات، واختصر المدونة، سماه الملخص، وله أخبار شيخه أبي إسحاق الجبنياني وكان شاعرا محسنا توفي سنة 440 أربعين وأربعمائة.

1 أبو محمد مكي بن أبي طالب واسمه محمد ويقال: حموش بن مختار القيرواني: أبو محمد، القيس القرطبي القيرواني، مات سنة 437:

نسيم الرياض "3/ 386، 1/ 138"، المعين ص"1408"، إفادة النصيح ص"15"، وفيات الأعيان "5/ 274".

2 أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد الحضرمي: المعروف باللبيدي: الديباج المذهب ص"152".

ص: 242

564-

أبو سعيد أو أبو القاسم خلف بن أبي القاسم الأزدي 1:

المعروف بالبراذعي من كبار أصحاب أبي محمد بن أبي زيد والقابسي، ومن حفاظ المذهب له تآليف، منها كتاب التهذيب مختصر المدونة تبع فيه طريقة ابن أبي زيد إلا أنه ساقه على نسق المدونة، وحذف ما زاده ابن أبي زيد، وقد حصل عليه الإقبال شرقا وغربا دراسة وشرحا، وتعليقا واختصارا من أئمة المالكية بالأندلس والمغرب، وتركوا به المدونة ومختصراتها، وتشغل دورا مهما قبل ظهور مختصرا ابن الحاجب الفرعي، وقد انتقد عليه عبد الحق الإشبيلي أشياء أحالها في الاختصار عن معناها.

قال عياض: وهو مقلد في ذلك لشيخه ابن أبي زيد، فله وقع الغلط، لكن هذا لا يدفع الاعتراض عنه، ولا يخففه كما هو معلوم. وله الشرح والتمامات من مسائل المدونة، واختصار الواضحة، ثم لفظته القيروان إلى صقلية لمناقضته لابن أبي زيد، أو لكونه من شيعة العبيديين، وفيها اشتهرت كتبه.

قال عياض: لم تبلغني وفاته، ولكن ذكره بعد اللبيدي وطبقته، فهو من الطبعة الثامنة، وذكر من "معالم الإيمان" أنه مات في صقلية أو القيروان وقد وقفت على نسخة عتيقة من التهذيب ذكر البراذعي أولها أنه روى المدونة عن أبي بكر محمد بن أبي عقبة عن جبلة بن حمود عن سحنون، وأنه فرغ من تأليفه سنة 372 اثنين وسبعين وثلاثمائة، وهذه النسخة من أحباس خزانة قسنطينة أو الجزائر.

1 أبو سعيد أو أبو القاسم خلف بن أبي القاسم الأزدي "البراذعي": أبو القاسم، الأزدي القرطبي الأندلسي، ولد سنة 325، مات سنة 393:

الوافي بالوفيات "13/ 364"، تاريخ علماء الأندلس "1/ 136"، شذرات "3/ 144"، طبقات القراء "1/ 272"، سير النبلاء "17/ 113، 241"، الأعلام "12/ 311"، معجم المؤلفين "4/ 107 والحاشية".

ص: 243

565-

خلف بن مسلمة بن عبد الغفور 1:

فقيه حافظ ألف كتاب الاستغناء في أدب القضاء والحكام، نحو خمسة عشر جزءا، كثير الفائدة والعلم. توفي نحو سنة 440 أربعين وأربعمائة.

566-

أبو الحسن علي بن خلف بن بطال البكري 2:

يعرف بابن اللحام أصلهم من قرطبة، وخرجته الفتنة إلى بلنسية، أخذ عن أبي عمر الطلمنكي وطبقته، وألف شرحا على البخاري مشهورا كبيرا يتنافس فيه كثير الفائدة. وله كتاب في الزهد والرقائق، وكان نبيلا جليلا متصوفا، توفي سنة 444 أربع وأربعين وأربعمائة.

567-

محمد بن محمد بن مغيث الصدفي 3:

من أهل طليطلة يكنى أبا بكر، روى عن محمد بن إبراهيم الخشني، وعبدوس بن محمد، وابن أبي زمنين، وأبي عمر الطلمنكي وغيرهم.

وكان من جلة الفقهاء، وكبار العلماء، ومقدما في الشورى، ذكيا فطنا قال ابن مظاهر: أخبرني من سمع محمد بن عمر بن الفخار يقول مرات: ليس بالأندلس أبصر من محمد بن مغيث بالأحكام.

وتوفي سنة 444 أربع وأربعين وأربعمائة. ا. هـ. من صلة ابن بشكوال.

1 خلف بن مسلمة بن عبد الغفور: الصلة "1/ 169"، الديباج المذهب ص"113".

2 أبو الحسن علي بن خلف بن بطال البكري "ابن اللحام": أبو الحسن، البكري القرطبي البلسي، مات سنة 444، أو 449:

التاج المكلل ص"296" عنوان الدراية ص"260"، سير النبلاء "18/ 47"، معجم المؤلفين "7/ 87"، الحاشية، شجرة النور الزكية ص"115"، العبر "3/ 219"، دائرة الأعلمي "22/ 260".

3 محمد بن محمد بن مغيث الصدفي: من أهل طليطلة، الصلة "2/ 533".

ص: 244

568-

أبو بكر محمد بن عبد الله بن يونس التميمي 1:

نسبا، الصقلي دارا كان فقيها إماما عالما فرضيا، ملازما للجهاد، موصوفا بالنجدة، مشهورا في المذهب المالكي. وهو أحد الأربعة الذين اعتمد الشيخ خليل ترجيحاتهم في مختصره. ألف كتابا جامعا لمسائل المدونة والنوادر، وعليه اعتمد من بعده وكان يسمى مصحف المذهب لصحة مسائله ووثوق صاحبه. توفي سنة 451 إحدى وخمسين وأربعمائة وقبره معلوم في مناستر بأفريقية زرته، وعليه بناء فخم2، وهو الذي يعني ابن عرفة بالصقلي.

569-

عبد الله بن ياسين الجزولي 3:

مؤسس دولة لمتونة المرابطين بالمغرب، وناشر الدين في الأصقاع الصحراوية، وفي السودان، وناشر المذهب المالكي، والمقيم لدولة عظمى على أنقاض دول كثيرة متلاشية بالمغرب، هذا الرجل من أفضل من يتزين بذكره، ويتحلى بترجمته كتابنا هذا؛ لأنه مجدد للإسلام في إفريقيا الشمالية، ومنها وصل إلى الأندلس، وعنه انتشر النور بعد الظلمة التي أحاطت بهذه الأقطار، وأدخل الحضارة والحياة الإسلامية العربية إلى سكان القفار، وكون إنسانا متمدنا مسلما بشوشا من قوم كانوا وحوشا، ولم شعث الإسلام بعد فتن وافتراق، وكون وحدة أماطت الذل والشقاق. أما أعماله السياسية، فهي مبنية على الاختصار في تاريخنا لإفريقيا الشمالية، كان الرجل من أفضل علماء المغرب الأقصى، وأكثرهم تمسكا بالدين، وقياما بالحق والأمر بالمعروف، وعلى يديه تم إسلام الصحراء والسودان، والذي أشار علي لمتونة به هو شيخه أبو عمران

1 أبو بكر بن عبد الله بن يونس التميمي: الديباج المذهب ص"274".

2 وقد ورد في ما غير حديث صحيح عن المعصوم صلى الله عليه وسلم النهي عن البناء فوق القبور، منها عن جابر رضي الله عنه رواه مسلم وغيره.

3 عبد الله بن ياسين الجزولي: المدارك "4/ 780، 781"، الاستقصا "2/ 7، 19".

ص: 245

الفاسي، وفي "المسالك والممالك" لأبي عبيد البكري إن ما شذ فيه ابن ياسين المذكور أخذه الثلث من الأموال المختلطة، وزعم أن ذلك يطيب باقيها.

قلت: وقد شطر سيدنا عمر مال بعض عماله قال البكري: وإذا دخل الرجل في دعوتهم، وتاب، أقاموا عليه الحدود تطهيرا له، فيضرب مائة حد الزنى وثمانين حد القذف، ومثلها حد الخمر، وربما زيد، ومن ثبت عليه القتل، قتل ولو جاء تائبا طائعا، ومن تخلف عن الجماعة، ضرب عشرين، ومن فاتته ركعة، ضرب خمسا في أشياء مثل هذه، وهي إن صحت مسائل سياسية إرهابية أكثر منها أحكاما فقهية؛ لأن الرجل كان يهذب أمة بلغت نهاية ما يتصور من التوحش والجفاء، فهو معذور في شذوذه، ولا يزيل التطرف في الإباحة، وخلع ربقة النظام الديني إلا التطرف في ضده، على أن الرجل نجح نجاحا باهرا في عمله العظيم وهداية تلك الأمة إلى النهج القويم.

توفي مجاهدا في البرغواطيين سنة 451 إحدى وخمسين وأربعمائة، ودفن بكريفلة قرب الرباط، وقبره يزار الآن بعد ما مهد الصحراء والسودان والمغرب الأقصى.

570-

أبو القاسم عبد الخالق بن عبد الوارث التميمي 1:

المعروف بالسيوري، آخر طبقة من علماء أفريقية، وخاتمة أئمة القرويين أخذ عن أبي عمران الفاسي، وأبي بكر بن عبد الرحمن وطبقتهما، وكانت له عناية بالقراءات والحديث، وعلوم اللسان، وأصول الفقه وغيرها.

أفرد نفسه للدرس، فانتفع به عالم كبير كان من الحفاظ المعدودين يحفظ المدونة ودواوين المذهب حتى إن من ذكر له قولا غريبا يقول: هذا ليس في ديوان كذا ولا ديوان كذا يعدد أكثر الدواوين من كتب المذهب والمخالفين، وانعدمت

1 أبو القاسم عبد الخالق بن عبد الوارث التميمي "السيوري": الديباج المذهب ص"158".

ص: 246

المدونة يوما من القيروان، فأملاها من حفظه. وكان له ورع شديد، فما كان يأكل ما فيه شبهة، ولما هجم العرب، وخربوا القيروان، واختلطت الأموال بالحرام، ترك أكل اللحم إلا من وحش، واحتذاء النعل إلا من جلد وحش، والكتابة والفتوى إلا في رق وحش، أورق قديم كذا ذكر في "معالم الإيمان" وهذا يدل على عدم وجود الكاغد إذ ذاك مع أنه اخترع في المشرق أيام الرشيد قبل ذلك فعله لم يكن يوجد في أفريقيا لقلة المواصلة، ولهذا لم يعرف له تأليف، وإنما يوجد كراسة تعليق على المدونة، وأما التعليق المنسوب إليه عليها، فإنما كتبه أصحابه عن درسه، ونسبوه إليه، وقد خالف مالكا في بعض المسائل اجتهادا منه.

منها جنسية القمح والشعير ألقى يوما لسنور لقمتين إحداهما: قمح، والأخرى: شعير، فشم الشعير وتركها، وأكل القمح، فقال: عجبا حتى الحيوان فرق بين الجنسين، وخالفه في التدمية إذ لم يذكر فيها أثر دم أو قيء، فلم يعول عليها. وقال بخيار المجلس لما قام عنده من الأدلة على رجحان قول المخالف، فحلف بالمشي إلا مكة أن لا يفتي بقول مالك فيها جميعا. توفي سنة ستين وأربعمائة.

571-

أبو عمر أحمد بن محمد بن القطان 1:

مفتي قرطبة دارت الفتيا عليه وعلى ابن عتاب، كان متفننا فقيها نظارا أحفظ الناس للمدونة والمستخرجة، وأبصر الناس بالتهدي إلى مكنونهما، قائما بتغيير المنكر، وكسر آلات اللهو. وتوفي بباجة سنة 460 ستين وأربعمائة.

572-

أبو عبد الله محمد بن عتاب 2:

شيخ المفتين بقرطبة الإمام الجليل، المتصرف في كل باب من أبواب العلم،

1 أبو عمر أحمد بن محمد بن القطان مفتي قرطبة: شذرات الذهب "3/ 308".

2 أبو عبد الله محمد بن عتاب: أبو عبد الله، الجزامي الأندلسي، توفي سنة 402: سير النبلاء "18/ 328"، نسيم الرياض، المعين ص"1465"، الوافي بالوفيات "4/ 79"، العبر "3/ 250"، بغية الملتمس ص"115".

ص: 247

الحافظ النظار، البصير بالأحكام والعقود والحديث على سنن أهل الفضل، جزل الرأي، حصيف العقل على منهاج السلف، طلب للقضاء في بلده وغيرها. توفي سنة 463 ثلاث وستين وأربعمائة عن نيف وثمانين.

573-

أبو عمر يوسف بن عمر بن عبد البر 1:

النمري بفتح الميم نسبة إلى النمرين قاسط بكسرها شيخ علماء الأندلس، وكبير محدثيها في وقته، وأحفظ من كان فيها للسنة، وفاق فيها من تقدمه، وعظم شأنه بها تفقه علي بن المكوي، وابن الفرضي وغيرهما، وأخذ عنه عالم كثير كأبي عبد الله الحميدي، وأبي علي الغساني وغيرهما.

قال الباجي: إنه أحفظ أهل المغرب، لم يكن بالأندلس مثله، له كتاب "التمهيد" على الموطأ لم يتقدمه أحمد بمثله في عشرين مجلدا، قال ابن حزم: لا أعلم في الكلام على فقه الحديث مثله، فكيف أحسن منه.

وهو مرتب على أسماء شيوخ مالك على حروف المعجم، وله كتاب الاستذكار بمذاهب علماء الأمصار، فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار شرحها على نسق أبوابها، وكتاب التقصي لحديث الموطأ، وكتاب الإنباه على قبائل الرواة، وكتاب القصد والأمم في أنساب العرب والعجم، وكتاب أسماء المعروفين بالكني في سبعة أجزاء، والاكتفاء في القراءات، وكتاب اختصار التمييز لمسلم، وكتاب الإنصاف فيما في بسم الله من الخلاف، انتصر فيه لمذهب الشافعي بأدلة كثيرة، وزيف أدلة المالكية، وهو عندي في كراستين، واختصار تاريخ أحمد بن سعيد، والإشراف في الفرائض، وله كتاب الاستيعاب مطبوع،

1 أبو عمر يوسف بن عمر بن عبد البر النمير بن قاسط: الديباج المذهب ص"357"، وسير النبلاء "11/ 181"، ووفيات الأعيان "2/ 458"، وبغية الملتمس ص"476"، وجذوة المقتبس ص"344"، والبداية "12/ 104"، وتذكرة الحفاظ "3/ 306"، والشذرات "3/ 314".

ص: 248

وكتاب الكافي في الفقه المالكي، وكتاب جامع بيان العلم وفضله قد طبع مختصره1 وله كتب كثيرة في فنون عدة كان موفقا في التأليف، معانا عليه، وكان مستقل الفكر، بعيدا عن الجمود، مبغضا للتقليد، ناصرا للسنة، تعرب عن ذلك كتبه النافعة، جال في غرب الأندلس وشرقها، وتولى قضاء لشبونة وهي عاصمة البرتغال الآن "أجبوه" وشنترين، وسكن دانية وبلنسية وشاطبة. وبها توفي سنة 463 ثلاث وستين وأربعمائة ربيع الأخير عن خمس وتسعين سنة في السنة التي توفي فيها حافظ المشرق أبو بكر أحمد بن علي البغدادي، وقد رثى نفسه قبل موته بقوله:

تذكرت من يبكي على مداوما

فلم ألف إلا العلم بالدين والخبر

علوم كتاب الله والسنن التي

أتت عن رسول الله في صحة الأثر

وعلم الألى قرن فقرن وفهم ما

له اختلفوا في العلم بالرأي والنظر

فابن عبد البر كان من المجتهدين لزهرة الفقه والاجتهاد والأثر. رحمه الله.

قال أبو محمد بن حزم: وممن أدركنا من أهل العلم على الصفة التي من بلغها استحق الاعتداد به في الاختلاف مسعود بن سليمان، ويوسف بن محمد بن عبد البر نقله في "إعلام الموقعين" عدد 30 من السفر الأول.

574-

أبو حفص عمر بن عبد النور 2:

المعروف بالحكار الصقلي عالم فاضل، نظار محقق، حسن الكلام والتأليف، أديب شاعر مجيد، له على المدونة شرح كبير نحو ثلاثمائة جزء، وانتقد على التونسي ألف مسألة واختصر كتاب التمامات ذكره في "المدارك" ولم يذكر له وفاة.

1 وطبع الأصل أيضا في مصر بالمطبعة المنيرية.

2 أبو حفص عمر بن عبد النور الحكار: المدارك "4/ 800".

ص: 249

575-

عبد الحق بن محمد بن هارون السهمي 1:

القرشي أصله من صقلية، ورحل للمشرق مرتين، له كتاب الاستدراك على تهذيب البراذعي، والنكت والفروق لمسائل المدونة، توفي بالإسكندرية سنة 466 ست وستين وأربعمائة، من كلامه:

أرى فتن الدنيا تزيد وأهلها

يخوضون بالأهواء في غمرة الجهل

فما إن ترى من مخلص ذي بصيرة

وما إن ترى من صادق القول والفعل

فيا سوء حالي حين أصبحت فارغا

ولم ادخر زادا وما زلت في شغل

576-

أبو الحسن علي بن محمد الربعي المعروف باللخمي 2:

وإنما هو ابن بنت اللخمي، أصله من القيروان، ونزل صفاقص بسبب الفتنة، تفقه بابن محرز والتونسي والسيوري وغيرهم، وأخذ عنه المازري، وأبو الفضل بن النحوي وغيرهما، وكان متفننا في علوم الأدب والحديث والفقه، حسن الفهم، جيد الفقه والنظر، أبعد الناس صيتا في بلده، وبقي بعد أصحابه، فحاز رياسة إفريقية جملة، وصارت فتاويه كل مطار، مشهورا بالفضل وحسن الخلف، له تعليق على المدونة شهر بالتبصرة، حسن مفيد، لكن نقل المعيار عن

1 عبد الحق بن محمد بن هارون السهمي القرشي: المدارك "4/ 774".

2 أبو الحسن علي بن محمد الربعي "اللخمي": من القيروان، الديباج المذهب ص"203"، ومعالم الأيمان "3/ 246"، والحلل السندسية ص"143".

ص: 250

المقري أن اللخمي لم يحرره في حياته، فكان الشيوخ لا يستجيزون النقل منه كما يأتي في آخر الكتاب غير أنني رأيت في "جذوة الاقتباس" أن ابن النحوي لما أخذ عنه، طلب منه تبصرته، فقال له: تريد أن تحمل علمي على كفك إلى المغرب، فهذا يدل على تحريره لها، وأخذهم لها عنهم في حياته، وله اختيارات خالف فيها من تقدمه.

قال في "المدارك": وربما اتبع نظره، فخالف المذهب فيما ترجح عنده، فخرجت اختياراته في الكثير عن قواعد المذهب. ا. هـ. وقد ضرب به المثل كما قيل:

لقد هتكت قلبي سهام جفونها

كما هتك اللخمي مذهب مالك

واللخمي أحد الأئمة الأربعة المعتمدة ترجيحاتهم في مختصر خليل حتى في اختياره من عنده رغما عما قاله عياض. توفي بصفاقص سنة 478 ثمان وسبعين وأربعمائة هكذا في الحطاب أول شرح المختصر، وفي "معالم الإيمان" وأما ما في "الديباج" من أنه توفي سنة ثمان وتسعين فلعله تصحيف.

577-

أبو محمد عبد الحميد بن محمد المقري المعروف بابن الصائغ 1:

قيرواني، سكن سوسة أدرك صغيرا أبا بكر بن عبد الرحمن، وتفقه بالعطار وابن محرز والسيوري والتونسي وغيرهم، كان فقيها نبيلا فهما فاضلا أصوليا زاهدا نظارا، جيد الفقه، قوي العارضة، محققا له تعليق على المدونة أكمل به الكتب التي بقيت على التونسي، وبه تفقه المازري وغيره وأصحابه يفضلونه على اللخمي قرينه تفضيلا كثيرا. وأفتى في المهدية زمن قضاء ابن سعلان شرط ذلك عند توليه القضاء، فانتفع الناس به، وجرت عليه محنة حيث سجن تميم بن المعز ولده حتى أعطي مالا لفدائه باع فيه كتبه، فلذلك انقبض عن الفتيا، ورجع إلى سوسة ملازما بيته ستة أعوام لا ينتفع به أحد إلى أن احتل

1 أبو محمد عبد الحميد بن محمد المقري: المعروف بابن الصائع، الديباج المذهب ص"159".

ص: 251

العدو المهدية، وأهين تميم، عند ذلك عاد عبد الحميد إلى الظهور، قاله في "المدارك" وإني لأعجب من انبساطه لا من انقباضه، ولقد فسدت أحوال وأخلاق ذلك الزمان، ولذلك كانت دولة أفريقيا في اضمحلال حيث صارت أفكار أكابر علمائها وأعمال أمرائها إلى ما سمعت. توفي المترجم سنة ست وثمانين وأربعمائة 486.

578-

أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي 1:

-باجة الأندلس- التجيبي القاضي رحل إلى المشرق، فحج أربع حجج، ومكث فيه نحو ثلاثة عشر عاما في بغداد والموصل والشام والحجاز وغيرها، ودرس في كثير من عواصمها، وأخذ عن أبي ذر والخطيب البغدادي وغيرهما، ورجع للأندلس بعلم كثير، ألف تآليف طارت بها الركبان، وحصل بها على الشهرة واتساع الحال بعد ضيقه، فقد كان يؤاجر نفسه ببغداد على حراسة درب هناك، ولما رجع للأندلس كان يضرب ورق الذهب، ويعقد الوثائق، وكان يخرج للإقراء وبيده المطرقة التي يخدم بها، ثم ولي القضاء في مدن هي دون قدره.

قال فيه ابن العربي في "القواصم": إن الله تدارك الأمة به وبالأصيلي حيث رحلوا وأفادوا وجاءوا بلباب العلم، فرشوا على القلوب الميتة، وعطروا الأنفاس الذفرة، وله تآليف منها، الاستيفاء على الموطأ لا يدرك ما فيه إلا من بلغ درجته، لم يكمل، وكتاب المنتقى عليها أيضا مطبوع، وله اختصاره واختصره أيضا في كتاب الإيماء قدر ربعه، واختصر المدونة وشرحها بشرح لم يتم، وله

1 أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي التجيبي القاضي: أبو الوليد، الباجي، التجيبي القرطبي، ولد سنة 403، وقتل سنة 470:

نسيم الرياض "1/ 233"، طبقات الحفاظ ص"440"، المعين ص"1503"، الأنساب "2/ 14"، فوات الوفيات "2/ 64"، والوافي بالوفيات "15/ 372"، الصلة "1/ 187"، وفيات الأعيان "2/ 142"، العبر "3/ 280"، البداية والنهاية "12/ 122"، سير النبلاء "18/ 535".

ص: 252

كتاب في الخلافيات لم يتم، ومختصر المختصر في مسائل المدونة، وكتاب في التعديل والتجريح على صحيح البخاري، وكتابان في الأصول، وكتبه كثيرة مفيدة كما في "المدارك" وهو الذي تصدى لمناظرة ابن حزم الظاهري بعدما عجز أهل الأندلس عنه، وتبعه كثير على رأيه فأفحمه. وقد امتحن لما صدر منه القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم كتب تمسكا بظاهر بعض الأحاديث، فعابوا عليه وكفروه.

وألف رسالة في ذلك بأن بها علمه وعذره، وقبله منه علماء جلة وإن كان القوم بعدم الكتابة أصوب ومذهب الجمهور، مولده سنة 403 ثلاث وأربعمائة، وتوفي سنة 494 أربع وتسعين وأربعمائة.

وفي "المدارك" سنة أربع وسبعين بتقديم السين ويؤيد صحتها ما قال: إنه جاء إلى المرية سفيرا بين رؤساء الأندلس يولفهم على نصرة الإسلام، ويروم جمع كلمتهم مع جنود ملوك المغرب المرابطين على ذلك، فتوفي قبل تمام غرضه. وفي سنة 494 أربع وتسعين كابن ابن تاشفين استأصل جل رؤساء الأندلس كما يعلم من مراجعة التاريخ.

579-

أبو عبد الله محمد بن أبي نصر الأزدي 1:

الحميدي الأندلسي الميورقي أصله من قرطبة إمام جليل أخذ عن ابن حزم، وابن عبد البر وغيرهما ورحل للمشرق فحج، ودخل الشام ومصر والعراق، واستوطن بغداد فظهر نبله وعلمه وإتقانه وورعه ونزاهته، له كتاب "الجمع بين الصحيحين" وتاريخ الأندلس "جذوة المقتبس" في سفر أملاه من حفظه.

توفي سنة 488 ثمان وثمانين وأربعمائة عن نحو سبعين سنة والحميدي مصغر نسبة إلى جدة حميد.

1 أبو عبد الله محمد بن أبي نصر الأزدي الحميدي الأندلسي الميورقي: وفيات الأعيان "4/ 282"، وتذكرة الحفاظ ص"1218"، ونفح الطيب "2/ 112"، والصلة ص"530".

ص: 253

580-

أبو علي الحسين بن محمد بن فيره 1:

ابن حيوان الصدفي المعروف بابن سكره السرقسطي إمام عصره ووحيد دهره، وآخر أئمة الأندلس من نوعه، حافظ للحديث وأسماء رجاله، إمام في الفقه قرأ على أبي عمرو الداني، ورحل للعراق، فأخذ عن أعلامه كأبي بكر الشاشي، وعلق عنه تعليقته الكبرى وأقام هناك خمس سنين، وسمع من ابن عبد البر والباجي والدولابي ونظراء هؤلاء بالأندلس ومصر والمشرق، وسمع من الحميدي السابق وطبقته وأبي المعالي والطرسوشي، وخلق كثير، وكان كثير الفوائد، غزير العلم، وسمع منه خلق كثير ببغداد والمغرب، واستقر بمرسية، فرحل أناس إليه من الأقطار قال هو يوما لبعض الناس: خذ الصحيح، واذكر أي متن أذكر لك سنده أو أي سند أذكر لك متنه.

سمع القاضي عياض، واعتمده في الشفاء وغيرها، وأخذ عنه صهره المتولي لشئونه أبو عمران موسى بن سعادة وعلى نسخته وعلى نسخته صحح وقابل النسخة المسماة في المغرب بالشيحة كما يأتي في ترجمة أبي عمران، كما أجاز أبا طاهر السلفي وابن بشكوال وغيرهم ولد سنة 452 اثنين وخمسين وأربعمائة، وقلد القضاء بطلب من أهل مرسية، فأجاد السيرة، وأقام الحق إلى أن عزل نفسه واختفى، فلم يوقف له على أثر، وفي "المنح البادية" وغيرها أنه توفى سنة 514 أربع عشرة وخمسمائة زاد الخفاجي في سادس ربيع الأول في غزوة كنترة ويقال قنترة بالقاف، واستشهد فيها من المسلمين المتطوعة نحو عشرين ألفا ولم يقتل من العسكر أحد، وكانت على المسلمين.

1 أبو علي الحسين بن محمد بن فيره بن حيون الصدفي: فيره بكسر الفاء وضم الراء المشددة بعدها أصله الأسبان الحديد اسم لجده، وحيون فتح المهملة وضم الياء المثناة المشددة، وسكرة بضم السين المهملة وفتح الكاف مشددة، والصدفي قال شيخنا أبو العباس ابن سودج: بفتحتين نسبة إلى الصدف بفتح فكسر بن سهل وهي قبيلة من حمير كبيرة من خطه على نسخة الصلة لابن بشكوال. ا. هـ. مؤلف.

نفح الطبيب "2/ 90"، وتذكرة الحفاظ ص"1253"، وتهذيب ابن عساكر "4/ 359".

ص: 254

581-

أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي 1:

زعيم الفقهاء بالأندلس والمغرب، المعروف بصحة النظر، ودقة الفقه، وجودة التأليف مطبوعا عليه، حافظ المذهب، له المفزع في المعضلات، وكانت الدراية أغلب عليه من الرواية من أخذه منها بالحظ الأوفر، له كتاب البيان والتحصيل لما في المستخرجة من التوجيه والتعليل من كتب المالكية الجليلة القدر المعتمدة عند كل من جاء بعده قال في أوله: ومن جمعه إلى كتابي المقدمات حصل على ما لا يسع جهله من أصول الديانات، وأحكم رد الفرع إلى أصله، وحصل على درجة من يجب تقليده إلخ واختصر المبسوطة، ولخص كتاب "مشكل الآثار" للطحاوي، وله أجزاء كثيرة في فنون مختلفة.

تولى قضاء قرطبة، ثم استعفى، وأكب على التأليف، وكانت الرحلة إليه من الأقطار. أخذ عنه القاضي عياض وغيره، وهو أحد الأربعة المعتمد ترجيحهم في مختصر خليل، وذكر عبد الرحمن الغرياني في حاشية المدونة عن الزغبي عن ابن عرفة أنه لا يجوز لأحد أن يقف في مسألة على نص ابن رشيد، ويأخذ فيها بكلام اللخمي، وقد بحث معه الشيخ أحمد بابا السوداني في ترجمة الغرياني المذكور من "نيل الابتهاج" بأن خليلا المبين لما به الفتوى ذهب في مسائل على قول اللخمي مع وقوفه على خلاف ابن رشد فيها. فانظره فالقضية أغلبية لا كلية عند من لا قدرة له على النظر في الأدلة.

توفي سنة 520 عشرين وخمسمائة رحمه الله.

1 أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشيد القرطبي: أبو الوليد، الفقيه، القاضي، الماهي، مات سنة 520:

التكملة لوفيات النقلة "1/ 261"، والحاشية، إفادة التصحيح ص"63"، العنية ص"112".

ص: 255

582-

أبو بكر محمد بن الوليد الفهري الطرطوشي 1:

يعرف بابن أبي رندقة2 نشأ بطرطوشة -بضم الطاءين- ورحل لطلب العلم في أقطار الأندلس وصحب أبا الوليد الباجي بسرقسطة وأخذ عنه مسائل الخلاف، وكان يميل إليها، وتفقه به، ثم رحل للمشرق، فدخل بغداد والبصرة، فأخذ عن أبي بكر الشاشي المستظهري وغيره، وسكن الشام مدة، ودرس بها، فبعد صيته وكان راضيا من الدنيا بالقليل لورعه، ثم سكن الإسكندرية.

وتزوج امرأة موسرة وهبت له دارا سكن أعلاها، وجعل أسفلها مدرسة للطلبة، وكان نزوله بالإسكندرية بعد قتل بني عبيد لعلمائها، فنشر العلم بها، وأحيا معالمه بعد ما تعطلت دروسه، وكان يقول: إن سألني الله عن المقام بالإسكندرية مع ما هي عليه من تعطيل الجمعة وغير ذلك من المناكر التي كانت أيام العبيديين أقول له: وجدت قوما ضلالا، فكنت سبب هدايتهم.

وهكذا ينبغي للعلماء، بل يجب عليهم القيام بهداية الخلق، ولا يجوز لهم الهجرة إلا إذا يئسوا الهداية، أو خافوا الفتنة على أنفسهم أو دينهم، وامتحنه العبيديون بإخراجه منها، وملازمة الفسطاط، وأن لا يأخذ عنه أحد، ثم ألف تواليف مهمة في الأصول ومسائل الخلاف، وله كتاب في البدع، وله سراج الملوك في السياسة.

توفي بالإسكندرية سنة عشرين وخمسمائة 520.

1 أبو بكر محمد بن الوليد الفهري الطرطوشي "ابن أبي رندقه" من طرطوشة: أبو بكر، القرشي، الفهري الأندلسي، الطرطوشي، المغرب، مات بعد سنة 516:

سير النبلاء "19/ 490"، المعين ص"1655"، الأنساب "19/ 69"، وفيات الأعيان "4/ 262"، التقييد "1/ 119"، ومعجم المؤلفين "12/ 96"، الأعلمي "27/ 132".

2 رندقة بفتح الراء وسكون النون، وفتح الدال المهملة والقاف: لفظة إفرنجية. ابن خلكان.

ص: 256

583-

أبو بكر محمد بن خلف بن سلمان بن فتحون الأوريولي 1:

روى عن أبيه، وابن المفوز والصدفي، وأكثر عنه وعن غيرهم، اعتنى بالحديث كثيرا، له استلحاق على "الاستيعاب" في الصحابة في سفرين، واستمد منه صاحب "الإصابة" وغيره.

توفي سنة 520 عشرين وخمسمائة

584-

أبو عمران موسى بن سعادة 2:

مولى سعيد بن نصر الذي هو مولى الناصر الأموي من أهل بلنسية، وخرج منها بعد "480" لما غلب عليها العدو، وتوطن مرسية. سمع أبا علي الصدفي، ولازمه وصاهره، تولى أشغاله، وله رحلة أخذ فيها عن الطرطوشي وغيره، وعني بالرواية، فكتب النسخة الشهيرة من صحيح البخاري رواية أبي ذر بخطه، ورواها عن صهره المذكور، قرأها عليه مرارا وهي في المغرب المسماة بالشيخة، رواها عن ابن أخيه محمد بن سعادة كما يأتي في ترجمته قال ابن الأبار: لم أقف لأبي عمران على خبر بعد عام 522 اثنين وعشرين وخمسمائة.

قال ابن الأبار في جزء "التكملة" المطبوع في الجزائر عدد 40: قرأت بخط أحمد بن خلف المازري شهادته على أبي عمران بن سعادة بتنفيذ وصية صهره الصدفي في صدر رجب من السنة المذكورة.

1 أبو بكر بن خلف بن سليمان بن فتحون الأوريولي: أبو بكر، الأوريولي، مات سنة 519 أو سنة 520:

حاشية الأنساب "1/ 386، 387"، المعجم للقضاعي ترجم 93 ص"110"، الوافي بالوفيات "3/ 45، 46"، بغية المتلمس ص"73، معجم المؤلفين "9/ 284".

2 أبو عمران موسى بن سعادة مولى سعيد بن نصر: أبو عمران، المرسى مات سنة 514:

شجرة النور الزكية ص"148"، نفح الطيب "2، 221"، بغية الملتمس ص"456".

ص: 257

585-

أبو عبد الله محمد بن علي بن عمر التميمي المازري 1:

الشهير بالإمام أصله من مازر بفتح الزاي وكسرها مدينة بصقلية، نزل المهدية سواحل أفريقية، فكان إماما لبلاد أفريقية، وهو آخر من اشتغل فيها بتحقيق العلم ورتبة الاجتهاد، ودقة النظر، أخذ عن اللخمي، وعبد الحميد السوسي المعروف بابن الصائغ وغيرهما. ومرض يوما فلم يجد من يداويه سوى طبيب يهودي، فأخذته الحمية واشتغل به، فكان يفزع إليه في الطب كما يفزع إليه في الفتيا. شرح صحيح مسلم، والبرهان لإمام الحرمين، والتلقين لعبد الوهاب في الفقه، وله كتاب "إيضاح المحصول في برهان الأصول" أخذ عنه عياض بالإجازة وغيره، ولم يكن في عصره للمالكية في أقطار الأرض أفقه، ولا أقوم لمذهبه منه. وله مشاكل في علوم كثيرة كالحساب والأدب، فكان أحد رجال الكمال إلى حسن الخلق، وأنس المجلس، وكان قلمه أبلغ من لسانه، وأناف سنة على الثمانين، وتوفي سنة 536 ست وثلاثين وخمسمائة، وهو أحد الأربعة الذين اعتمد خليل ترجيحهم، بل وأقوالهم، ومع إدراكه رتبة الاجتهاد، فلم يكن يفتي الناس إلا بالمشهور رحمه الله.

586-

أبو بكر محمد بن عبد الله الشهير بابن العربي المعافري 2:

الإشبيلي العلم المتبحر الحافظ كان أبوه من فقهاء إشبيلية، وله حظوة عند

1 أبو عبد الله محمد بن علي بن عمر التميمي المازري "الإمام": أبو عبد الله، التميمي، المازري، المالكي، مات سنة 536:

التاج المكلل ص"116"، سير النبلاء "20/ 104"، الحاشية، معجم المؤلفين "11/ 32"، وفيات الأعيان "4/ 285"، المشتبه ص"565"، نسيم الرياض "4/ 202"، الأعلمي "27/ 67"، والوافي بالوفيات "4/ 151".

2 أبو بكر محمد بن عبد الله "ابن العربي المعافري الإشبيلي: وفيات الأعيان "4/ 296"، والديباج المذهب ص"281"، وتذكرة الحفاظ ص"1294"، والوافي "3/ 330"، وشذرات الذهب "4/ 141".

ص: 258

ملوك بني عباد بها، فلما انقضت دولتهم رحل للمشرق بعدا من ولاة لمتونة المستولين بعدهم الذين حجزوا أملاكه، ويقال: إنه ذهب في سفارة من يوسف بن تاشفين اللمتوني بالبيعة لخليفة بغداد سنة خمس وثمانين وأربعمائة، فرحل معه ولده أبو بكر هذا وهو ابن سبع عشرة سنة بعدما تأدب، وقرأ القراءات، فلقي بمصر والشام وبغداد والحجاز أعلاما كبارا كالغزالي والطرطوشي، والصيرفي والأكفاني والشاشي وغيرهم، فاتسع في رواية الحديث والفقه والخلافيات والأصول والأدب والشعر، وكان معدودا من الشعراء المجيدين ومن شعره قوله:

من لي بمن يثق الفؤاد بوده

وإذا ترحل لم يزغ عن عهده

يا بؤس نفسي من أخ لي باذل

حسن الوفاء بقربه لا بعده

يولي الصفاء بنطقه لا خلقه

ويدس صابا في حلاوة شهده

فلسانه يبدي جواهر عقده

وجنانه تغلي مراجل حقده

لا هم إني لا أطيق مراسه

بك أستعيذ من الحسود وكيده

ورجع من رحلته، فمات أبوه بالإسكندرية سنة 493 ثلاث وتسعين وأربعمائة. قال ابن بشكوال: وفيها عاد أبو بكر إلى الأندلس، فقدم بلده إشبيلية بعلم كثير لم يأت به أحد ممن كان له رحلة إلى المشرق؛ إذ كان متفننا في العلوم مستبحرا فيها، ثاقب الذهن، واسع الجمع، مقدما في المعارف كلها، متكلما في أنواعها، نافذا في جميعها، حريصا على نشرها مع أدب أخلاق، وكرم نفس، وثبات ود، فجلس للوعظ والتفسير، وتولى الشورى، ثم القضاء ببلده، فكان سيفا للحق صارما.

وصنف تصانيف شهيرة، فشرح الموطأ شرحين، وله "عارضة الأحوذي شرح الترمذي" طبع في الهند وأحكام القرآن الكبرى، طبع بمصر وله الصغرى أيضا والقواصم والعواصم، والمحصول في أصول الفقه وتفسيره، بالغ ثمانين جزءا قال هو: إنه ألفه في عشرين سنة ثمانين ألف ورقة، وله كتاب السياسيات، وكتاب المسلسلات، وكتاب النيرين على الصحيحين، وكتاب مشكل القرآن

ص: 259

والسنة، والإنصاف في مسائل الخلاف، عشرون مجلدا، وكتاب أعيان الأعيان، وغير ذلك من التآليف المفتخرة فهو من الطبقة العليا من مؤلفي الإسلام، وله جود البحر يقال: إنه بنى سور إشبيلية بلده بالآجر والجير من ماله الخاص.

أخذ عنه القاضي عياض، والإمام السهيلي، وابن باذش، وابن خليل وابن النعمة، وابن حبيش، وغيرهم، وآخر من حدث عنه بسماع أبو بكر بن حسنون وبإجازة أبو الحسن الغافقي الشقوري نزيل قرطبة، وجاء في وفد البيعة لعبد المؤمن الموحدي لمراكش، فتوفى عند منصرفه منها قيل مسموما ولا يبعد ذلك إذا صح أنه بنى سور مدينته من ماله؛ لأن استبداد الملوك يأبى ذلك، ويورث الغيرة. ودفن بفاس وقبره بها مشهور إلى الآن، وذلك سنة 543 ثلاث وأربعين وخمسمائة وعمره خمس وسبعون سنة رحمه الله.

وقال ابن خلدون: إن وفاته كانت سنة اثنين وأربعين، وذلك بعد ما قتل ولده عبد الله في هيعة دخول الموحدين إلى إشبيلية من غير قصد، فضاعف الله له الأجر، والأول أصح لأنه ذكره ابن بشكوال الذي لقيه وأخذ عنه، ونقله عنه ابن خلكان وسلمه.

587-

أبو الفضل عياض -بكسر العين- بن موسى بن عياض 1

ابن عمرون بن موسى اليحصبي -بضم الصاد- قبيلة من حمير كان أصلهم من الأندلس وانتقلوا لفاس ثم سبتة، وجده عمرون هو الذي انتقل من فاس لسبتة، فهو سبتي الدار والمولد فاسي الأصل، كان مقدم وقته في الحديث والتفسير والأدب والشعر والأصول والفقه والعلوم العربية، مشاركا له الرحلة من الأقطار، وله الرياسة في بلده فتيا وقضاء، خطيبا بليغا شاعرا مجيدا كامل الأخلاق، حليما كريما صلبا في الحق، طلب العلم بالمغرب، ورحل للأندلس سنة سبع وخمسمائة، فأخذ عن أعلامها كأبي علي الصدفي، وابن رشد، وابن

1 أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض بن عمرون بن موسى اليحصبي: وفيات الأعيان "3/ 483"، والديباج المذهب "168"، وتذكرة الحفاظ ص"1204"، والإحاطة "2/ 167"، وشذرات الذهب "4/ 138".

ص: 260

العربي وغيرهما، واستقضى بقرطبة، وحمدت سيرته في ولايته كلها.

وله تآليف حسنة شهيرة كالشفا في التعريف بحقوق المصطفى، طار ذكرها والإقبال عليها مشرقا ومغربا، وانتقد عليه فيها تساهله في أحاديثها كثيرا، وأجيب بأن ذلك من باب المناقب، قيل: وله فيها ما هو موضوع، ويظهر أنه لم ينقحها مع ما فيها من الإطناب.

وقال ابن تيمية: فيه غلو وهو كتاب مع ذلك جليل القدر، عظيم الصيت في الإسلام، ولا يخلو كبير من قادح، قد سلموا له مزية السبق فيه، واستفاد منه الناس مشرقا ومغربا، وله غيرها في الفقه والحديث واللغة وغيرها كمشارقه على الصحيحين، والموطأ، وله شرح مسلم، وكتاب التنبيهات على المدونة، وهو من كتب المالكية المعتمدة إلى الآن، وله كتاب ترتيب المدارك في طبقات أصحاب مالك نقلنا عنه كثيرا في هذا الكتاب تراجم المالكية مباشرة وبواسطة، وقواعد الإسلام وغيرها من تآليف جليلة القدر، عظيمة الخطر.

ومن الناس من يعتبره رأس علماء المغرب في الإسلام صدق علمه شهرته داخل المغرب وخارجه، أصابته محنة سياسية بيناها في تاريخنا فراجعها، فغرب من سبتة إلى مراكش فتوفي بها سنة 544 أربع وأربعين وخمسمائة عن ثمان وأربعين سنة، وقبره بها مشهور رحمه الله.

588-

عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن عطية المحاربي الغرناطي 1:

قاضي المرية بالأندلس، له تفسير وكان مشاركا في الفقه والأحكام والحديث والأدب. توفي سنة 546 ست وأربعين وخمسمائة، وفي الصلة سنة

1 عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن عطية المحاربي الغرناطي "قاضي المرية": أبو محمد، المحابي، ولد سنة 481، مات سنة 542، وقيل سنة 446:

التكملة لوفيات النقلة "1/ 122"، والمعين رقم "1732"، سير النبلاء "19/ 587"، بغية الملتمس ص"389"، الإحاطة في أخبار غرناطة "3/ 539"، الأعلمي "21/ 55"، نفح الطيب "2/ 526".

ص: 261

اثنين وأربعين.

589-

عمر بن محمد بن واجب القيسي البلنسي 1:

صاحب الأحكام تفقه بأبي محمد بن سعيد، قاضي بلنسية، ولازمه طويلا، وعرض تهذيب البراذعي أربعة عشرة مرة، آخر حفاظ المسائل بشرق الأندلس، محسنا للفتوى، مقدما في الشورى، وأخذ عنه الفقه، ونوظر فيه مع تواضع ونزاهة غلب عليه الفقه دون الحديث. توفي سنة 557 سبع وخمسين وخمسمائة، وبيت بني واجب فيهم علماء كثيرون بالأندلس تجدهم في الصلة وفي ذيلها.

590-

علي بن إسماعيل بن محمد بن عبد الله بن حرزهم 2:

إمام فاس وعالمها، وصالحها ومتصوفها، وفقيهها ومحدثها، ومسندها الحافظ المدرس النفاع الزاهد الشيخ الواعظ، الدال على الله، المرشد لطريقه، غلب التصوف على فقهه وتبحره، فتاب على يده كثير، وتزهد على يده أمير الوقت، وكيف لا هو بنفسه خرج عن ماله لله لأخيه، فأبى أخوه من قبوله، فقال له: إن لم تقبله، تصدقت به على الجذمى، واقتدى في عمله بقوله عليه السلام لأبي طلحة الأنصاري لما تصدق ببستانه بيرحاء جعلها في الأقربين، وقد قال أبو مدين الغوث: كل ما كنت أسمعه من غير علي بن حرزهم لا أنتفع به، وما كنت أسمعه منه يتعلق بقلبي فأنتفع به، فسألته عن ذلك، فقال: إن الكلام إذا خرج عن صدق من القلب، صادف القلب، فانتفع به. قال: ولازمته، فانتفعت به وكذلك أبو عبد الله التاودي وغيرهما، وقد كثرت أتباعه وتلاميذه، وانتفع الخلق به وبتهذيبه وإصلاحه القلوب. توفي سنة 559 تسع وخمسين وخمسمائة.

1 عمر بن محمد بن واجب القيس البلنسي: نيل الابتهاج ص"194".

2 علي بن إسماعيل بن محمد بن عبد الله بن حرزهم: نيل الابتهاج ص"198".

ص: 262

591-

أبو عبد الله محمد بن يوسف بن سعادة 1:

مولى سعيد بن نصر مولى عبد الرحمن الناصر، الجامع بين العلم والرواية، والتفنن في المعارف، وكان مائلا إلى التصوف، مؤثرا له، حسن الهدي والسمت والوقار تاليًا لكتاب الله آناء الليل وأطراف النهار، كثير الخشوع في الصلاة، لا يفتر عنها دائما، له حظ من الصوم لا يزال عليه راتبا، سمع من أبي علي الصدفي، واختص به، وأكثر عنه، وإليه صارت دواوينه وأصوله العتاق وإسماع كتبه الصحاح لصهر كان بينهما، وألف كتاب "شجرة الوهم المترقية إلى ذروة الفهم" لم يسبق إلى مثله، وكانت عنده أيضا أصول حسان بخط عمه أبي عمران موسى مع الصحيحين بخط الصدفي في سفرين قال ابن عباد، ولم أر عند شيوخنا مثل كتبه في صحتها وإتقانها وجودتها، توفي أول يوم من سنة 566 ست وستين وخمسمائة وولد سنة 496. ست وتسعين وأربعمائة روى عن عمه أبي عمران موسى بن سعادة صاحب الرواية والنسخة الشهيرة المعتمدة المسماة بالشيخة، كانت من أحباس القرويين وهي بخط أبي عمران المذكور، عليها خط أبي علي الصدفي شاهد بأن أبا عمران قرأها عليه، وقد ضاع السدس الأول منها، قال في "نفخ الطيب": ونسخ صحيح البخاري ومسلم بخطه، وسمعهما على صهره أبي علي، وكانا أصلين لا يكاد يوجد في الصحة مثلهما فنسخة الشيخة ليست من قبيل الوجادة، بل رواية متصلة إلى الصدفي من طريق أبي عمران وولد أخيه المترجم معا إلى البخاري خلافا للتاجمعوعتني.

592-

علي بن عبد الله المتيطي 2:

وبه شهر نسب إلى قرية من أحواز الجزيرة الخضراء بالأندلس، وبها توطن قرأ بفاس، ومهر في كتاب الشروط والوثائق، وقد ألف الوثائق المشهورة التي تنسب إلى ناب في أحكام إشبيلية، وولي قضاء شريش، توفي سنة 570 سبعين

1 أبو عبد الله محمد بن يوسف بن سعادة مولى سعيد بن نصر مولى عبد الرحمن الناصر: نفح الطيب "2/ 158"، والتكملة ص"505".

2 علي بن عبد الله المتيطي: نيل الابتهاج ص"199".

ص: 263

وخمسمائة.

593-

أبو القاسم خلف بن عبد الملك بن مسعود بن موسى بن بشكوال 1:

القرطبي إمام حافظ لا سيما في الحديث والتاريخ، له كتاب الغوامض والمبهمات في اثني عشر جزءا على نسق كتاب الخطيب البغدادي، وله كتاب "الصلة" نقلت عنه هنا كثيرا وهو مطبوع بأوروبا وغيره. توفي سنة 578 ثمان وسبعين وخمسمائة عن أربع وثمانين سنة.

494-

أبو محمد عبد الحق بن عبد العزيز بن عبد الله الأزدي 2:

الإشبيلي، ويعرف بابن الخراط نزل بجاية عند الفتنة الواقعة في إشبيلية على انقراض دولة لمتونة بها، فنشر علمه، وصنف، وولي الخطابة والإمامة بجامعها الأعظم. وكان فقيها حافظا عالما بالحديث وعلله ورجاله، زاهدا عابدا ناسكا ملازما للسنة، والتقلل من الدنيا مشاركا في فنون كثيرة كالأدب والشعر، صنف الأحكام الصغرى والكبرى والوسطى في أحاديث أصل الفقه؛ إذ كان في زمن الموحدين الذين ألزموا الناس بالاجتهاد، واتباع الظهر من الكتاب والسنة، وترك القياس، وقد استمد من كتاب أبي القاسم الزيدوني، وزاد عليه العلل كما ذكر ذلك في أول الأحكام، وقد سبقه إلى صنيعه أبو العباس بن أبي مروان

1 أبو القاسم خلف بن عبد الملك بن موسى بشكوال القرطبي: الديباج المذهب ص"114"، ووفيات الأعيان "2/ 240".

2 أبو محمد عبد الحق بن عبد العزيز بن عبد الله الأزدي الإشبيلي "ابن الخراط": أبو محمد، الأزدي، الإشبيلي، الأندلسي، الشهرة ابن الخراط، ولد سنة 510، مات سنة 581، وقيل سنة 582:

عنوان الدراية ص"41"، التاج المكلل ص"161"، أربع رسائل "115، 116"، الديباج ص"175"، شذرات الذهب "4/ 271"، مرآة الجنان "3/ 422"، تذكرة "4/ 1350"، بغية الملتمس ص"178"، سير النبلاء "21/ 198"، الأعلام "3/ 281".

ص: 264

الشهير بلبلة، فحظى عبد الحق بإقبال الخلق على أحكامه دونه، وقد تعقب عليه بعض أحاديثه حافظ المغرب أبو الحسن بن القطان بكتاب سماه "الوهم والإيهام" ولكن رد عليه كثيرا منها ابن المواق، ولعبد الحق كتب كثيرة؛ إذ كان محظوظا في التأليف، مبارك له فيه، فله كتاب تعقب فيه على تهذيب البراذعي أشياء أحالها في الاختصار عن معناها، وله كتب كثيرة في الحديث يطول سردها. انظرها في "الديباج".

وعلى كل حال هو من الطبقة العليا في التصنيف المفيد، وأحكامه من الكتب التي ينبغي طبعها، ولا تغني عنها المصابيح ولا المشكاة، ولا ما ألف بعدهما، وقد ظفرت بنحو النصف من أول أحكامه وأظنها الوسطى بلغت إلى وسط كتاب الجهاد كتبت بإتقان، وتصحيح متين بخط مشرقي في سفر ضخم ذكر كاتبها آخرها أنها كملت عام 737 سبع وثلاثين وسبعمائة، وأن السفر الذي يليها أوله باب في التحصر وحفير الخندق، ولو ظفرت بالنصف الثاني لطبعتها. ولعله في الخزانة الخديوية بمصر، وعثرت على بعض أجزاء الصغرى في مكتبة مراكش الحبسية، وله كتب في الوعظ وآخر في اللغة معهم، وفي الأنساب وغيرها من الفنون.

تولى القضاء لبني غانية في بجاية، ونالته محنة بعد احتلال الموحدين لها، وعصمه الله منهم؛ إذ كان المنصور نذر دمه فتوفى سنة 582 اثنين وثمانين وخمسمائة كما كان مرقوما على رخامة قبره، وشاهده صاحب "عنوان الدارية" عن سن يبلغ اثنين وسبعين رحمه الله. وأشهر من يسمى عبد الحق في المالكية المغاربة من أهل هذه الطبقة هذا لاشتهار كتبه وخصوصا الأحكام فإذا أطلق هذا الاسم، فإليه ينصرف، وتقدم لنا عبد الحق بن محمد بن هارون الصقلي، وهناك عبد الحق آخر أقل شهرة منهما، وهو عبد الحق بن غالب المحاربي الغرناطي وتقدم.

595-

أحمد بن محمد بن أحمد الهلالي الشهير بابن المناصف الغرناطي: يكنى أبا جعفر توفي سنة 585 خمس وثمانين وخمسمائة.

ص: 265

596-

أبو القاسم أحمد بن محمد بن خلف الحوفي 1:

الإشبيلي أصله من حوف مصر بيت علم وعدالة، فقيه حافظ، ذاكر للمسائل، بصير بالشروط والتوثيق، فرضي ماهر، له في الفرائض تصانيف كبير ووسط ومختصر، وكل بلغ في الإجادة الغاية، استقضى بإشبيلية مرتين، فحمدت سيرته نزاهة وجزالة وشدة على أهل الشر، ويقال: إنه [ما] أخذ مرتبا على القضاء، بل كان يصطاد الحوت مرة في الأسبوع يقتات بثمنه حتى خلصه الله من القضاء توفي سنة 588 ثمان وثمانين وخمسمائة.

597-

أبو محمد القاسم بن فيره بن أبي القاسم خلف بن أحمد الرعيني الشاطبي 2:

الضرير المقرئ كان آية في القراءات والحديث واللغة وغيرها من الفنون. كان إذا قرئ عليه صحيح البخاري ومسلم والموطأ تصحح النسخ من فيه، ويملي النكت على المواضع التي تحتاج إليها وله نظم "حرز الأماني في القراءات" ألف بيت ومائة بيت وثلاثة وسبعون بيتا، أبدع فيها كل الإبداع، سواء من جهة الفن، أو من جهة الأسلوب والرموز التي لم يسبق إليها، وهي عمدة القراء في مشارق الأرض ومغاربها حتى أصبح حفظها قرينا لحفظ القرآن العظيم في مكاتب الإسلام، ومن حفظها وفهم رموزها حصل القراءات السبع من زمنه إلى الآن. سمع الحديث من أبي عبد الله محمد بن يوسف بن سعادة، وأبي الحسن علي بن هذيل وأقرانهما، وانتفع بالأخذ عنه عالم كبير في المشرق والمغرب. كان يجتنب فضول الكلام، ولا ينطق إلا فيما تدعو إليه ضرورة، ولا يجلس للإقراء إلا على وضوء على هيئة حسنة وتخشع واستكانة.

1 أبو القاسم أحمد بن محمد بن خلف الحوفي الإشبيلي: الديباج المذهب ص"54".

2 أبو محمد القاسم بن فيره بن أبي القاسم خلف بن أحمد الرعيني الشاطبي الضرير المقرئ: وفيات الأعيان "4/ 71"، والتكملة رقم "1973"، وغاية النهاية "2/ 20"، والديباج المذهب ص"224"، ومعجم الأدباء "16/ 293"، طبقات الشافعية "4/ 297".

ص: 266

وكان يقول عن نفسه: إنه يحفظ وقر بعير من أوراق العلم. توفي بمصر سنة 590 تسعين وخمسمائة.

598-

أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد الحفيد 1:

قاضي الجماعة بقرطبة روى عن أبيه أبي القاسم استظهر عليه الموطأ حفظا، وعن المازري وابن بشكوال وغيرهم، وأخذ الطب عن ابن جريول، وكانت الدراية أغلب عليه من الرواية، وله من معرفة الرواية ما يندر في غيره، وله المشاركة في الأصول والكلام ولم ينشأ بالأندلس مثله كمالا وعلما وفضلا، وعلى شرفه كان أشد الناس تواضعا مع شدة حرص على العلم قيل: لم يدع النظر إلا يوم وفاة والده وليلة بنائه بأهله. كثير التصنيف، سود فيما صنف أو ألف نحوا من عشرة آلاف ورقة، وكانت له الإمامة في علوم الأوائل دون أهل عصره يفزع إليه في الفتوى في الطب كالفقه مع العربية والأدب، حافظا لأشعار العرب، له بداية المجتهد المطبوعة المتداولة دالة على باع وكمال اطلاع على اختصارها وبدايته نهاية غيره، وكتاب الكليات في الطب، ومختصر المستصفى في الأصول، والضروري في العربية، تنيف تواليفه على الستين، محمود السيرة في القضاء، لم يصرف وجاهته عند الملوك في ترفيه حاله، بل في مصالح بلاده، ونالته محنة زمن يعقوب المنصور بسبب مهارته في العلوم الفلسفية حيث عادة أهل الأندلس إذاية من خاضها كائنا من كان، ولكن لم يلبث المنصور أن راجع فيه بصيرته، فقربه وأخذها عنه.

توفي سنة 595 خمس وتسعين وخمسمائة عن خمس وسبعين سنة رحمه الله.

1 أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد الحفيد قاضي الجماعة: أبو الوليد، الصلة "2/ 553"، قضاة الأندلس ص"111"، والتكملة "1/ 269"، والمعجب ص"442"، وشذرات الذهب "4/ 320".

ص: 267

599-

أبو محمد يسكر بن موسى الجورائي ثم الغفجومي 1:

من قبيلة بتادلا الفاسي، أحد أشياخ المغرب في الدين والفضل، والزهد والورع والمجاهدة، والتقشف والإيثار، حامل لواء الفقه المالكي في وقته، وله حاشية على المدونة، غزير العلم، لا يتناول مما في أيدي الناس، يتحرى الحلال، فلا يأكل إلا من نتاج غنمه وبلده التي ورثها من أبيه.

توفي سنة 598 ثمان وتسعين وخمسمائة.

600-

أحمد بن هارون بن أحمد بن عات النفزي الشاطبي 2:

من كبار الحفاظ الجامعين بين الفقه والحديث والأدب، وهو بالحديث أشهر متوسط الطبقة في حفظ فروع الفقه، أما الحديث، فيسرد المتون والأسانيد، عدل ثقة مأمون كان أهل شاطبة يفخرون به وبابن عبد البر؛ إذ كان على سنن الصالحين نزاهة ومتانة دين، وتقشفا وخشونة ملبس كان يستظهر عدة كتب.

وقال ابن نذير: حضرته في الموطأ والبخاري يقرأ منهما كل يوم نحو عشرة أوراق من لفظه عرضا لا يتوقف في شيء من ذلك، مجيدا للنظم والنثر، مهيب وقور، له تصانيف.

وفقد رحمه الله في وقعة العقاب بناحية جيان غازيا سنة 609 تسع وستمائة.

1 أبو محمد يسكر بن موسى الجورائي الغفجومي: نيل الابتهاج ص"160".

2 أحمد بن هارون بن أحمد بن عات النفزي الشاطبي: تذكرة الحفاظ ص"1389"، ونفح الطيب "2/ 601".

ص: 268

601-

أبو محمد عبد الله بن نجم بن شاش الجذامي السعدي 1:

الفقيه الشهير صاحب "الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة" كتاب جليل فصيح العبارة صنفه على ترتيب وجيز الغزالي، وقد تسرقه طريقته، فيدخل بعض أقوال الشافعية في المذهب المالكي، ومع ذلك، فهو كتاب من أحسن ما صنف المالكية، وكان من أبناء الأمراء توفى مجاهدا في دمياط سنة 610 عشر وستمائة.

602-

أبو ذر مصعب بن محمد بن مسعود الخشني 2:

أصله من جيان بالأندلس، ويعرف بابن أبي ركب قاضي جيان، ثم استوطن فاس ورحل الناس إليه في طلب العلم، ولا سيما في الحديث والعربية. له شرح غريب سيرة ابن إسحاق وغيره، وكان على سنن السلف، توفي سنة 604 أربعمائة وستمائة.

603-

أبو الحسن علي بن إسماعيل الأبياري 3:

بفتح الهمزة وسكون الباء بعدها الإسكندري من الأئمة الأعلام، برع في

1 أبو محمد عبد الله بن نجم بن شاشي الجذامي السعدي الفقيه: التكملة للخندري "2" الترجمة "1677"، وفيات الأعيان "3/ 61، 62"، العبرة "5/ 61، 62"، دول الإسلام "2/ 90"، البداية النهاية "13/ 86"، الديباج المذهب "1/ 443"، عقد الجمان للعيني "17/ 399"، حسن المحاضرة "1/ 214"، شذرات الذهب "5/ 69"، شجرة النور "165".

2 أبو ذر مصعب بن مسعود الخشني "من جيان": أبو ذر، الخشني، إفادة النصيح "109"، المشتبه "217"، كتاب الصلة "2/ 700"، حاشية الإكمال "3/ 263".

3 أبو الحسن علي بن إسماعيل الأبياري الإسكندري، أبو الحسن، البياري الربعي، مات سنة 518:

حاشية الإكمال "1/ 143"، دائرة الأعلمي "3/ 37"، تبصير المنتبه "1/ 34"، المشتبه ص"8".

ص: 269

علوم كثيرة خصوصا الفقه والأصول، ومنهم من فضله فيه على الفخر الرازي، له كتاب "سفينة النجاة" على نسق الإحياء، فضلها بعض الفضلاء على الإحياء، وله تكملة حسنة على كتاب مخلوف الذي جمع فيه بين التبصرة والجامع لابن يونس والتعليقة لأبي إسحاق تدل على قوته في الفقه وأصوله. توفي سنة 616 ست عشرة وستمائة.

604-

أبو الحسن علي بن عبد الملك بن يحيى الكتامي الحميدي 1:

من أهل فاس يعرف بابن القطان قرطبي الأصل، شارح أحكام عبد الحق، والمتمم لتحقيق ما يتعلق بنقد أحاديثها والجواب عن بعض ما انتقده عبد الحق منها، وهو صاحب كتاب الإقناع في مسائل الإجماع، وكتاب أحكام النظر، وصاحب كتاب النزاع في القياس، وله مقالات في الأوزان وغيرها من أبصر الناس بالحديث، وأحفظهم لرجاله، وأشدهم به عناية مع تفنن ودراية. أخذ عن أبي ذر الخشني، وعن أبي عبد الله بن الفخار وأكثر عنه وغيرهما، وخدم السلطان بمراكش، ونال دنيا عريضة. وتوفي بسجلماسة قاضيها سنة 628 ثمان وعشرين وستمائة.

605-

أبو عمرو عثمان بن أبي بكر المعروف بابن الحاجب 2:

الرويني المصري الدمشقي ثم الإسكندري الكردي جمال الدين وكان أبوه حاجبا للملك عز الدين موسك الصلاحي، مشارك في العلوم العربية وأتقنها أي

1 أبو الحسن علي بن عبد الملك بن يحيى الكتامي الحميدي "من أهل ناسي": سير النبلاء "13/ 191"، وتذكرة الحفاظ "4/ 192، 193"، الابتهاج "200، 201".

2 أبو عمرو عثمان بن أبي بكر المعروف بابن الحاجب الرويني المصري: سير النبلاء "13/ 287"، ووفيات الأعيان "1/ 195"، وطبقات القراء "1/ 508"، وشذرات الذهب "5/ 381"، وبغية الوعاة "323".

ص: 270

إتقان بدليل مصنفاته السائرة فيها سير الشعاع ككافيته في النحو، وشافيته في الصرف، وألف في القراءات والعروض وغيرها، والمختصرين له في الأصول، وبرع في مذهب مالك، وصنف فيه مختصره الشهير الذي نسخ ما تقدمه، وشغل دورا مهما وأقبل عليه الناس شرقا وغربا حفظا وشرحا إلى أن ظهر مختصر خليل، وأثنوا عليه ثناء جما منهم نصار الدين المشذالي البجائي، فهو أول من أدخله للمغرب، ورغبهم فيه، فشرحه ثلاثة من أعلام التونسيين في عصر واحد، وهم ابن راشد القفصي، وابن عبد السلام وابن هارون، لكن الأول هو الشارح الحقيقي على أنه استعان بابن دقيق العيد؛ لأنه شيخه، أما الأخيران، فإنما سارا في ضوء نبراسه، لكن أتقن بالشرح شرح ابن السلام الهواري، ثم شرحه بقرب التاريخ الشيخ خليل بمصر مستعينا بابن عبد السلام وصنيع ابن الحاجب في التأليف الذي هو الاختصار وتنافس فيه من بعده، واستحسنوه هو الذي كان سببا في هرم العلوم العربية التعقيد، وتطويل الشروح، وضياع وقت الطالب في المسألة الواحدة زمنا طويلا، ويأتي مزيد بسط لذلك.

وابن الحاجب هو الذي مزج النحو بعلم البيان والمعقول، فزاد صعوبة أيضا، وكان حجة ثبتا ورعا ذا أخلاق عالية، ركنا من أركان العلم والعمل. توفي سنة 646 ست وأربعين وستمائة.

606-

أبو محمد صالح الهسكوري 1:

من أهل فاس بيتهم بيت صلاح وجلالة يضرب به المثل في العدالة، وبه مثل ابن عرفة للمبرز فيها لمزيد شهرته علما ودينا، أخذ عنه أبو الفضل راشد الوليدي وأبو إبراهيم الأعرج الورياغلي صاحب الطرر على المدونة وغيرهما. كان شيخ المغرب علما وعملا، له تقييد على الرسالة توفي سنة 653 ثلاث وخمسين وستمائة، ودفن بفاس وليس هو دفين آسفي، فإن هذا قرشي مخزومي، وقيل: أموي صميم أو مولى، وقيل: دكالي ماجري. ترجمة حفيده صاحب المنهج الواضح في تحقيق كرامات أبي محمد صالح، فالأول من رجال

1 أبو محمد صالح الهسكوري من أهل فاسي: أبو محمد، تنقيح المقال "5653"، جامع الرواة "1/ 404"، دائرة الأعلمي "20/ 155".

ص: 271

العلم، والثاني من أهل التصوف والصلاح، فلا تغتر بما في "الديباج" توفي الثاني هذا سنة 631 إحدى وثلاثين وستمائة.

607-

عبد الله بن عبد الرحمن بن عمر المعري 1:

الأصل الشارمساحي المولد الإسكندري، ثم البغدادي بحر علم لا تدركه الدلاء، ولي تدريس المستنصرية ببغداد، وكان يحضره جميع المدرسين، وألقى بعض العلماء عليه مسألة من بيوع الآجال، فقال: أذكر فيهما ثمانين ألف وجه، فاستغرب ذلك فقهاء بغداد، فشرع يسرد عليهم إلى أن انتهى إلى مائتي وجه، فاستطالوها وأضربوا عنها، وأذعنوا لفضله وسعة علمه، له اختصار المدونة على وجه غريب سماه نظم الدرر طابق مسماه، وشرحه بشرحين، وكتاب الفوائد، وكتاب التعليق، وهذا في علم الخلاف، وشرح آداب النظر، وشرح الجلاب وغير ذلك. توفي سنة 669 تسع وستين وستمائة.

608-

أبو محمد عبد العزيز بن إبراهيم التيمي القرشي 2:

الشهير بابن بزيزة التونسي الإمام المشهور في الفقه والحديث والتفسير وأحد رجال المذهب الذين اعتمد خليل ترجيحهم في توضيحه، له الإسعاد في شرح الإرشاد، وشرح الأحكام الصغرى لعبد الحق، وله تفسير جمع فيه بين الزمخشري وابن عطية، وشرح التلقين، ومنهاج العارف، بين فيه أكثر المشكلات، ومختصره إيضاح السبيل إلى مناهج التأويل، توفي سنة 673 ثلاث وسبعين وستمائة.

1 عبد الله بن عبد الرحمن بن عمر المعري: نيل الابتهاج "178".

2 أبو محمد عبد الغزيز بن إبراهيم التميمي القرشي "ابن بزيز التونسي": أبو فارس، التميمي، القرشي، الشهرة ابن بزيزة، ولد سنة 616، مات سنة 662:

تراجم المؤلفين التونسين "1/ 127".

ص: 272

609-

أبو الفضل راشد بن أبي راشد الوليدي 1:

نسبة إلى بني وليد قبيلة قرب فاس الفاسي، إمام جليل فقها وعلما لم يكن في وقته أتبع للحق منه، لا تأخذه في الله لومة لائم، له كتاب الحلال والحرام، وطرر على المدونة، وله الفتاوى، أخذ عن أبي محمد صالح السابق وغيره، وأخذ عنه أبو الحسن الصغير وغيره.

ومن كلامه في كتاب الحلال والحرام مما سمعه من أبي محمد عبد الله بن موسى الفشتالي: لا يجوز اليوم اتخاذ شيوخ لسلوك طريق المتصوفة أصلا، فإنهم يخوضون في فروعها، ويتركون شرط صحتها وهو باب التوبة، ولو وجدت تواليف القشيري والغزالي لألقيتها في البحر، ولأتمنى على الله أن أكون معهما في المحشر، بل مع ابن أبي زيد، بل مع أبي محمد يسكر، وكان يقرئ بفاس، فإذا رجع إلى بني وليد يحرث بيده، فيضع ابن يونس على رأس المرجع واللخمي على الطريق الآخر، ويقرأ مسألة من كل واحد إذا وصل يتأملها وقت الحراثة. وانظر في المعيار كثيرا من فتاويه. توفي سنة 675 خمس وسبعين وستمائة.

610-

أبو العباس أحمد بن إدريس شهاب الدين 2:

الصنهاجي الشهير بالقرافي أحد الأعلام المشهورين في المذهب المالكي وقد انتهت إليه الرياسة وقته فيه وفي العلوم وله التواليف المهمة كالذخيرة والفروق، وشرح التهذيب، وشرح الجلاب في الفقه، والتنقيح في الأصول، وشرح محصول الرازي، وغيرها من الكتب العجيبة الصنع العظيمة الوقع وذكر شمس الدين بن عدلان أنه حرر ثمانية علوم في أحد عشر شهرا أو أحد عشر عاما في ثمانية أشهر. توفي سنة 684 أربع وثمانين وستمائة.

1 أبو الفضل راشد بن أبي راشد الوليدي: نيل الابتهاج "117".

2 أبو العباس أحمد بن إدريس شهاب الدين الصنهاجي الشهير بالقرافي: الديباج المذهب "67"، والمنهل الصافي "1/ 215"، والوافي "5/ 119".

ص: 273

611-

أحمد بن محمد بن منصور ناصر الدين 1:

الشهير بابن المنير الجذامي الإسكندري إمام بارع في الفقه والأصلين والعربية وفنون شتى ذو الباع الطويل في المناظرة والبلاغة والإنشاء، متبحر في العلوم، موفق فيها خصوصا في التفسير والقراءات ولي الأحباس، وديوان النظر والقضاء والخطابة.

روى عن عز الدين قال: الديار المصرية تفتخر برجلين: ابن دقيق العيد، وابن المنير، له تفسير وحواشي الكشاف، ومختصر التهذيب وحاشية على البخاري، وديوان شعر وغير ذلك. توفي سنة 683 ثلاث وثمانين وستمائة. ومنير بضم الميم وفتح النون وكسر الياء المشددة مثناة تحت.

612-

علي بن يحيى الصنهاجي الجزيري 2:

نزيل الجزيرة الخضراء، فنسب إليها، ودرس بها، وعقد الشروط، وولي قضاءها، له مختصر في الوثائق مفيد جدا سماه المقصد المحمود في تلخيص العقود. توفي سنة 685 خمس وثمانين وستمائة.

613-

أبو محمد محمد بن أبي الدنيا 3:

حافظ الدنيا وراويتها الفقيه المالكي الشهير ولد بطرابلس الغرب، وبها نشأ، ورحل للمشرق واستقضي بتونس، وبها نشر علمه، وله تصانيف كحل الالتباس في البرد على نفاة القياس وغيره. توفي سنة 684 أربع وثمانين وستمائة.

1 أحمد بن محمد بن منصور ناصر الدين: الشهير بابن المنير الجذامي الإسكندري:

فوات الوفيات "1/ 72"، وبغية الوعاة "168"، وشذرات الذهب "5/ 318"، والديباج المذهب "327".

2 علي بن يحيى الصنهاجي الجزيرة: نيل الابتهاج "200".

3 أبو محمد محمد بن أبي الدنيا: أعلام من طرابلس "65"، وإيضاح المكنون "1/ 416".

ص: 274

614-

أبو أحمد بن أبي بكر بن مسافر الشهير بابن زيتون 1:

ويكنى بأبي الفضل تونسي، ورحل للمشرق، فاستفاد علما عظيما، واستقضي بتونس، وقد ذكر في "المعيار" أنه أدرك رتبة الاجتهاد، وكان إليه المفزع في الفتيا. توفي سنة إحدى وتسعين وستمائة 691 رحمه الله وهو أول من أظهر كتب الفخر الرازي الأصولية بأفريقية.

615-

أبو محمد عبد الله بن أبي جمرة 2:

الشهير بالعارف، له حواشي على صحيح البخاري مشهورة، وكان إمام سنة صلبا في دينه، بارعا في الفقه والحديث. توفي شهيدا بالأندلس بلده سنة 695 خمس وتسعين وستمائة.

616-

أبو الحسن علي بن محمد بن منصور الشهير بابن المنير 3:

زين الدين الجذامي الإسكندري بحر علم تفيض أمواجه وغيث سماح لا تغيض لجاجه، ذو المآثر السنية والمفاخر، شرح البخاري شرحا لا نظريا له في تدقيقات مناسبات تراجيمه، وتحرير فقهه وغير ذلك من عجائبه، وهو من مفاخر الإسكندرية. توفي سنة 695 خمس وتسعين وستمائة، وشرحه هذا من أعظم المواد التي استمد منها الحافظ ابن حجر وغيرها، كما استمد من حاشية أخيه السابق.

1 أبو أحمد بن أبي بكر بن مسافر: نيل الابتهاج "140".

2 أبو محمد عبد الله بن أبي جمرة "العارف": الرواة من الإخوة والأخوات "643".

ويوجد عبد الله بن حمزة آخر: الزبيدي، مدني، التحفة اللطيفة "2/ 314".

3 أبو الحسن علي بن محمد بن منصور الشهير بابن المنير زين الدين الجزامي الإسكندري: الإسكندراني، الكنى للقمي "1/ 429"، الوافي "12/ 190"، ونيل الابتهاج "203"، المشتبه "507".

ص: 275

617-

أبو محمد بن أبي عبد الله محمد بن عمران الشريف الكركي 1:

شيخ المالكية والشافعية بالديار المصرية والشامية في وقته قال القرافي: إنه تفرد بثلاثين فنا وحده، وشارك الناس في علومهم. مولده بفاس، وبها أخذ المذهب المالكي عن الشيخ أبي محمد صالح المتقدم، وقدم مصر محصلا للمذهب، فصحب عز الدين بن عبد السلام، وتفقه عليه في مذهب الشافعي، وعنه أخذ القرافي. توفي سنة 698 ثمان وتسعين وستمائة.

618-

أبو الفتح محمد بن علي بن وهب القشيري المصري 2:

المشهور بتقي الدين بن دقيق العيد المالكي الشافعي، وصفه السبكي بأنه المجتهد المطلق قال: ولم يختلف الشيوخ أنه المبعوث على رأس السبعمائة تفرد بالمشاركة في العلوم والرسوخ في علم الحديث والأصول والعربية، رحل للحجاز والشام، وسمع من كثير، وألف تآليف مهمة كشرح العمدة، وكتاب الإلمام في أحاديث الأحكام، وشرحه شرحا عظيما لم يكمل، وشرح مختصر ابن الحاجب في الفقه لم يكمل، وهو أول من افتض بكارته وغيرها. وأبوه كان شيخ المالكية، وله مزية في إزالة النفرة بين المذاهب حيث كان يفتي على مذهب مالك والشافعي معا جزاه الله خيرا. توفي سنة 702 اثنتين وسبعمائة.

1 أبو محمد بن أبي عبد الله بن محمد بن عمران الشريف الكركي: الديباج المذهب "332".

2 أبو الفتح محمد بن علي بن وهب القشيري المصري تقي الدين: أبو الفتح، القشيري، المنفلوطي القوصي، المصري، الشهرة: ابن دقيق المالكي الشافعي، ولد سنة 625، مات سنة 702:

الوافي بالوفيات "4/ 193"، الوفيات "328"، طبقات الحفاظ "513"، المعين "2325"، التاج المكلل ص"461"، الطالع السعيد "567"، معجم طبقات الحفاظ ص"164"، البدر الطالع "2/ 229"، الدرر الكامنة "4/ 210"، فوات الوفيات "2/ 484"، معجم المؤلفين "11/ 70".

ص: 276

619-

أبو القاسم القاسم بن أبي بكر اليمني التونسي 1:

عرف بابن زيتون مفتي أفريقية والمنظور إليه بها وقطب أصولها وفروعها المرجوع إليه في أحكامها غير مدافع ولا منازع، كلامه كلام ممارس للعلم غير هيوب ولا فرق، طلبه شرقا وغربا وخدمه من لدن شب إلى أن دب، غلبت عليه المسائل، فشغلته عن الرواية، أي الإكثار منها، وإلا فقد ذكر ابن مرزوق وغيره أنه ممن أدرك رتبة الاجتهاد. توفي سنة 703 ثلاث وسبعمائة.

620-

أبو الربيع سليمان الونشريسي 2:

الفاسي الإمام المقرئ بجامع الأندلس منها كان يقرأ "التفريع" لابن الجلاب و"المدونة" يقوم عليهما أتم قيام، ومن جملة من يحضر مجالسه الإمام خلف الله المجاصي الذي كان يحفظ المقدمات والتحصيل والبيان لابن رشد، وفي بعض دروس الشيخ سليمان نسب مسألة من المسح على الخفين لابن رشد من التقييد والتقسيم، فقال خلف الله: والله ما قال هذا ابن رشد قط. ولحسن خلق الشيخ ما غضب ولا أحمر، بل نزل عن كرسيه وهو يقول: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحق القيوم، وترك القراءة يومين، وفي اليوم الثالث اجتمع عليه طلبته، وكانوا كل يوم يجتمعون، ويتركون الكلام في ذلك إعظاما له، فقال لخلف الله: يا أبا سعيد تكذبني في النقل نصحتك أعواما كثيرة فما جزائي إلا هذا، فقال: يا سيدي إن ابن رشد ما تكلم على الخفين في مقدماته، ولا ذكر ذلك في بيانه، فأخذ الشيخ الجزء الذي وسمه ابن رشد بالتقييد والتقسيم، ودفعه إليه حتى رأى فيه ما نقله عنه، فقبل حينئذ يده، واعتذر، فقبل عذره. فانظر كيف كان فقهاء المغرب وأخلاقهم توفي سنة 705 خمس وسبعمائة.

1 أبو القاسم بن أبي بكر اليمني التونسي: عنوان الدراية "56".

2 أبو الربيع سليمان الونشريسي الفاسي: أبو الربيع، الجرح والتعديل "4/ 661/ 662"، التاريخ الكبير "9/ 38"، نيل الابتهاج "119".

ص: 277

621-

الحسين بن أبي القاسم المعروف بالنبلي 1:

عز الدين قاضي القضاة ببغداد الإمام الصدر في العلوم وخصوصا الفقه واللغة مدرس الطائفة المالكية بمستنصرية بغداد بعد سراج الدين الشارمساحي، وكان يدعى قاضي قضاة المماليك، صارما مهيبا شهما، له تآليف مفيدة كالهداية في الفقه واختصر كتاب ابن الجلاب، وله كتاب مسائل الخلاف، والإمهاد في أصول الفقه، وكتاب في الطب. توفي سنة 712 اثنتي عشر وسبعمائة، والنبلي بكسر النون نسبة إلى قرية بالعراق.

622-

أبو الحسن علي بن عبد الحق الزرويلي 2:

الشهير بالصغير مصغرا ومكبرا، الشهير عند أهل إفريقيا بالمغربي، بيتهم مشهور بفاس انتهت إليه رياسة الفقه بها والأصول، أحد الأقطاب الذين دارت عليهم الفتيا، ولي القضاء بتازا، ثم بفاس، فأقام الحق على الكبير والصغير حتى أمراء بني مرين، ووجد الدين متضعضعا فأقامه، وشدد عليهم كثيرا، ومن تشديداته التي عيبت عليه وهو مذعور فيها أنه نصب من يثق به لاستنكاه وريح الخمر من أفواه من يتهم بشربها، فأقام العدل وقمح الفسق، له شرح على التهذيب للبراذعي قال ابن مرزوق: ونسخه مختلفة جدا، ويقال: إن الطلبة الذين كانوا يحضرون مجلسه هم الذين كانوا يقيدون عنه ما يقوله في كل مجلس، فكل له تقييد، وهذا سبب الاختلاف الموجود في نسخ التقييد والشيخ لم يكتب شيئا بيده وأكثر اعتماد أهل المغرب على تقييد الفقيه الصالح أبي محمد عبد العزيز القروي، فإنه من خيار طلبته علما ودينا. ا. هـ. من نوازل الصلاة "المعيار"، ينسب له شرح على الرسالة قيده عنه تلاميذه أيضا مطبوع.

وقال ابن مرزوق فيه: إنه شيخ الإسلام ما عاصره مثله ولا كان مثله فيما قارب عصره وبمقامه في الفقه يضرب المثل قد جمع بين العلم والعمل رحمه الله.

1 الحسين بن أبي القاسم المعروف بالنبلي: الديباج المذهب "106".

2 أبو الحسين علي بن عبد الحق الزرويلي "الصغير": الديباج المذهب "212".

ص: 278

وقال أيضا تواترت عدالته وأمانته وأنه بالمنزلة العليا من الثقة في مكانه وزمانه وإليه انتهت رياسة الفقه بالمغرب الأقصى في زمانه وهو حامل رايته. نقله في "المعيار" في نوازل الصلاة ولا غرابة إذ عد مبعوثا في رأس القرن السابع بقطره. توفي سنة 719 تسع عشرة وسبعمائة.

623-

أبو العباس أحمد بن محمد بن عثمان الأزدي المراكشي 1:

عرف بابن البناء لحرفة أبيه، إمام فقيه مشارك متفنن في علوم نقلية وعقلية، مبرز في علم التعاليم من حساب وهيئة ونجوم وفلك، مرحولا إليه من شاسع الأقطار، بلغ في تلك العلوم غاية قصوى، ورتبة عليا، تواليفه سارت مسير الشمس في الآفاق، ذكر له في "نيل الابتهاج" عدة تواليف في الفقه وغيره من العلوم الشرعية والتعليم يطول سردها كحاشية الكشاف وتفسير الكوثر والعصر، وتفسير الباء من البسملة، وكتاب التقريب في أصول الدين، ومنتهى السول في علم الأصول، وشرح تنقيح القرافي، ورسالة في الرد على مسائل فقهية ونجومية، وكتاب عمل الفراض وشرح بعض مسائل الحوفي، والروض المربع في صناعة البديع، ومراسم الطريقة في علم الحقيقة، وشرحه، تأليفان لم يُسبق لمثلهما ومقالة في الإقار والإنكار وأخرى في المدبر، وكتاب في الفلاحة وآخر في المساحة ورسالة في المكاييل، وأخرى في الإسطرلاب وأخرى في الأنواء فيه صور الكواكب وقانون في معرفة الأوقات بالحساب، وكتب عديدة في النجوم والهيئة والحساب وغير ذلك من الفنون، فلا يكاد يكون علم مهم إلا ألف فيه. مولده بمراكش سنة 654 أربع وخمسين وستمائة، وتوفي سنة 721 إحدى وعشرين وسبعمائة.

624-

وهناك أبو العباس بن البناء مراكشي آخر قاضي أعمات. توفي سنة 724 أربع وعشرين وسبعمائة أدون من هذا.

1 أبو العباس أحمد بن محمد بن عثمان الأزدي المراكشي: الدرر الكامنة "1/ 287"، ونيل الابتهاج "65"، البدر الطالع "1/ 108".

ص: 279

625-

وثم أيضا ابن البناء أبو بكر محمد العبيدي: كاتب مشهور إشبيلي توفي بسبتة سنة 646 ست وأربعين وستمائة.

626-

عبد الرحمن بن محمد بن عسكر شهاب الدين 1:

البغدادي مدرس المدرسة المستنصرية، مشهور بالفقه والزهد والعبادة، له التصانيف المفيدة، منها كتاب المعتمد في الفقه غزير العلم اقتصر فيه على المشهور من الأقوال غالبا، وكتاب العمدة، وكتاب الإرشاد، أبدع فيه كل الإبداع جعله مختصرا وحشاه بمسائل قل أن توجد في المطولات مع إيجاز بليغ وهو الذي شرحه أحمد زروق الفاسي، وله تواليف في الحديث وغيره. توفي سنة 732 اثنين وثلاثين وسبعمائة.

627-

قاسم بن عبد الله بن محمد بن الشاط 2:

الأنصاري السبتي أبو القاسم والشاط اسم جده، كان طوالا نسيج وحده في أصالة الرأي ونفوذ الفكر، وجودة القريحة، وتسديد الفهم، وحسن الشمائل، مقدم موصوف بالإمامة في الفقه، حسن المشاركة في العربية، كاتب مرسل، ريان من الأدب، له نظر في العقليات، وفي الحلل السندسية قال الحافظ ابن راشد: ما رأيت عالما في المغرب إلا رجلين ابن البناء بمراكش، وابن الشاط بسبتة، وله تواليف منها أنوار البروق في تعقب الفروق، للقرافي مطبوع بتونس، ولي عليه تعقبات كتبتها عليه عند إقرائه. نسأل الله تمامها، وغنية الرائض وتحرير الجواب في توفير الثواب، وفهرسة حافلة توفي سنة 723 ثلاث وعشرين وسبعمائة عن ثمانين سنة.

1 عبد الرحمن بن محمد بن عسكر شهاب الدين البغدادي: الديباج المذهب "151"، والدرر الكامنة "2/ 344".

2 قاسم بن عبد الله بن محمد بن الشاط الأنصاري السبتي أبو القاسم: الديباج المذهب "226"، وفهرس الفهارس "2/ 413".

ص: 280

628-

إبراهيم بن حسن عبد الرفيع الربعي 1:

التونسي قاضيها وفقيهها النظار من الأئمة الكبار نادرة زمانه، له تواليف كثيرة منها معين الحكام كتاب مشهور غزير العلم كأنه اختصر المتيطية، واختصار أجوبة ابن رشد، والرد على ابن حزم، توفي سنة 734 أربع وثلاثين وسبعمائة.

629-

أبو عبد الله محمد بن محمد بن الحاج العبدري 2:

الفاسي الأصل، القاهري الدار، الإمام العلم الشهير بالزهد والوقوف مع السنة له طريق في التصوف شهيرة أخذها عن العارف أبي محمد بن أبي جمرة، وينكر على الطرق ما ابتدعوه من البدع التي لا تعلق لها بالسنة، إمام في الفقه، له كتاب المدخل وغيره. توفي سنة 737 سبع وثلاثين وسبعمائة.

630-

علي بن محمد بن محمد بن محمد -ثلاثا- بن يخلف المنوفي 3:

المصري نور الدين صاحب التصانيف الكثيرة كعمدة السالك على مذهب مالك، ومختصرها، وتحفة المصلي وشرحها، وستة شروح على الرسالة، وشرح القرطبية، وشرح المختصر، لكن لم يكمل بل شرحان، وأربعون حديثا، وشرح البخاري، وشرح مسلم، وشرح ترغيب المنذري، وتواليف أخرى انظر أسماءها في نيل الابتهاج توفي سنة 739 تسع وثلاثين وسبعمائة.

1 إبراهيم بن حسن بن عبد الرفيع الربعي التونسي: الوافي "5/ 26"، والديباج المذهب "89"، المنهل الصافي "1/ 45".

2 أبو عبد الله محمد بن محمد بن الحاج العبدري الفاسي: الدرر الكامنة "4/ 237"، والديباج المذهب "327".

3 علي بن محمد بن محمد بن محمد -ثلاثا- بن يخلف المنوفي المصري نور الدين: ولد سنة 857، مات سنة "939":

معجم المؤلفين "7/ 230" والحاشية.

ص: 281

631-

أبو القاسم محمد بن أحمد بن جزي الكلبي 1:

الغرناطي وبيتهم بها، ثم بفاس مشهور بالعلم، كان حافظا قائما على التدريس، مشاركا في الفنون العربية والحديث والتفسير، جامعا للكتب، ملوكي الخزانة، جميل الأخلاق ألف كثيرا في فنون شتى كتهذيب صحيح مسلم، وكتاب القوانين الفقهية في تلخيص مذهب المالكية، والتنبيه على مذهب الشافعية والحنفية والحنبلية، وكتاب تقريب الوصول إلى علم الأصول، وله كتاب الأنواع السنية في الألفاظ السنية، جمع فيه جملة من الأحاديث الصحاح في الأحكام وغيرها في نحو أوراق 36 مخطوط عندي جعله على نسق القضاعي وغيرها. توفي سنة 741 إحدى وأربعين وسبعمائة.

632-

أبو زيد بن عبد الرحمن بن عفان الجزولي 2:

الفاسي دارا وقرارا حافظ المذهب، وحجته شيخ الرسالة والمدونة المشهور بالعلم والصلاح معا، أعلم الناس بمذهب مالك وأورعهم وأصلحهم، يحضر مجلسه أكثر من ألف فقيه، معظم يستظهر المدونة، قيد الطلبة عنه ثلاثة تقاييد على الرسالة، أحدها المشهور بالمسبع في سبعة أسفار، والمثلث في ثلاثة، وصغير في سفرين، وكلها مفيدة انتفع الناس بها إلا أن أهل المذهب حذرا من النقل عنها، لعدم تحريره لها بيده، وقالوا: إنها تهدي ولا تعتمد، وقد عمر طويلا ولم يقطع التدريس. توفي سنة 741 إحدى وأربعين وسبعمائة ومن ترجمة الرجل تعلم ما كان عليه العلم بفاس في القرن الثامن فلو فرضنا أنه لم يكن بفاس إلا ألف فقيه وهم الذين يحضرون درسه لكان كافيا في الدلالة على تقدم الحالة الفكرية العلمية في ذلك العصر بالنسبة لعصرنا الذي لا يبلغ علماء

1 أبو القاسم محمد بن أحمد بن جزي الكلبي الغرناطي: الدرر الكامنة "30/ 365"، ونفح الطيب "3/ 270"، والديباج المذهب "295"، وفهرس الفهارس "1/ 244".

2 أبو زيد عبد الرحمن بن عفان الجزولي الفاسي: أبو زيد، الجزولي، مالكي، الفاسي، الوفيات "531"، نيل الابتهاج "165، 166".

ص: 282

القرويين المائتين، ولا أظن أنه يوجد في المغرب كله ثلاثمائة فقيه الآن فسبحانك يا مقدم ويا مؤخر.

633-

أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله عرف بابن الإمام التلمساني 1:

العلامة الجليل المجتهد الكبير، هو وأخوه أبو موسى عيسى مشهوران بالرسوخ في العلم والاجتهاد شرقا وغربا، حافظان جامعان رحلا على المشرق، ودخلا الشام، وناظرا ابن تيمية، وظهرا عليه على ما كان له من سعة العلم والظهور على كل من ناظره، وكانا يذهبان إلى الاجتهاد وترك التقليد، وأن يكون العالم مستقل الفكر لا يجرفه تيار التقليد إن كانت له مقدرة، وكانا على جانب من التقوى والاستقامة. ولما أراد أبو الحسن المريني أن يطلب معونة للجهاد، قال له أبو زيد: لا يصلح هذا حتى تكنس بيت المال وتصلي فيه كما فعل علي بن أبي طالب، ولأبي زيد شرح على فرعي ابن الحاجب. توفي سنة 743 ثلاثي وأربعين وسبعمائة. وتوفي أخوه أبو موسى سنة تسع وأربعين بعدها.

634-

أبو عبد الله محمد بن عبد السلام بن يوسف 2:

الهواري قاضي الجماعة بتونس كان إماما حافظا متقنا للعلوم العربية، فصيح اللسان صحيح النظر، عالما بالحديث ممن أدرك رتبة مجتهد الفتوى، فكانت له قوة الترجيح من الأقوال. اعتمد ترجيحه خليل معاصره وغيره، ولا تأخذه في الحق لومة لائم، أخذ عنه ابن عرفة وأقرانه، توفي سنة 749 تسع وأربعين وسبعمائة.

1 أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن الإمام التلمساني: تعريف الخلف "1/ 201".

2 أبو عبد الله محمد بن عبد السلام بن يوسف الهواري "قاضي الجماعة بتونس": أبو عبد الله، الهواري التونسي المنستيري، معجم المؤلفين "10/ 171 الحاشية".

ص: 283

635-

أبو عبد الله محمد بن علي الرصاع فقيه القيروان ومفتيها المتوفى في السنة المذكورة.

636-

أبو فارس عبد العزيز بن محمد القروي 1:

الفاسي: الفقيه المدرس النفاع المفتي الصالح الأحوال، أكبر تلاميذ أبي الحسن الصغير، وهو الذي جمع تقييد شيخه المذكور على المدونة بخطه وحبسه بفاس، وهو أحسن تقاييد تلاميذه وأصحها، وقع النقل عنه في "المعيار" في غير ما موضع، وأما التقييد الكبير، فجمعه رجل من صدور الطلبة يقال له: اليحمدي، قال السلطان أبو الحسن المريني للمترجم: وليناك مع عامل الزكاة، فقال له: أما تستحيي من الله تأخذ لقبا من ألقاب الشريعة، وتضعه على مغرم من المغارم، فضربه السلطان بسكين مغمد كان يعتاد حمله بيده، ثم تحلل منه، فسامحه، توفي سنة 750 خمسين وسبعمائة.

637-

محمد بن إبراهيم بن أحمد العبدري الشهير بالأبلي 2:

نسبة إلى أبلة بالأندلس تلمساني الأصل، فاسي الدار، إمام علامة، مجمع على علمه وإمامته قال فيه المقري: هو عالم الدنيا، وأثنى عليه ابن خلدون كثيرا، وقال: قيل فيه: إنه أعلم العالم في عصره بفنون العلم رحل إلى الحرمين والشام والعراق، ولقي علماء جلة، وأخذ عنه أكابر علماء عصره، طلب للقضاء بتلمسان، ففر إلى فاس، واختفى، وبها قرأ علوم التعاليم، ثم ذهب إلى مراكش، فأخذ عن ابن البناء التعاليم أيضا والحكمة، ثم رجع لفاس، فعظم بها صيته، واجتباه أبو الحسن المريني بمجلسه الخاص، فكان رأسه وحضر معه وقعة طريف في الأندلس، ووقعة القيروان، وهناك أخذ عنه علماء أفريقية كابن

1 أبو فارس عبد العزيز بن محمد القروي الفاسي الفقيه: نيل الابتهاج "179".

2 محمد بن إبراهيم بن أحمد العبدري الشهير بالأبلي تلمساني الأصل فاسي الدار: نيل الابتهاج "245".

ص: 284

عرفة، وابن خلدون، ولد سنة 681 إحدى وثمانين وستمائة، وتوفي بفاس سنة 757 سبع وخمسين وسبعمائة.

638-

أبو الحجاج يوسف بن عمر الأنفاسي 1:

الفاسي عالمها ومفتيها وإمام القرويين وخطيبه، ذو ورع وزهد وتقشف ومراقبة، وكمال فضل، عظيم الصيت، شهير الذكر في الأقطار الأفريقية، نشر العلم، فانتفع به الخلق، له تقييد على الرسالة قيده عنه الطلبة من أحسن التقاييد وأنفعها، قال زروق: لا يعتمد ما كتبه على الرسالة؛ لأنه إنما هو تقييد قيده الطلبة زمن الإقراء وفي معناه ما قيد عن شيخه عبد الرحمن بن عفان الجزولي، فذلك يهدي ولا يعتمد، وقد سمعت أن بعض الشيوخ أفتى بأن من أفتى من التقاييد يؤدب، قال الخطاب: يريد إذا ذكروا نقلا يخالف نص المذهب وقواعده. نقله في "تكميل الديباج".

639-

عبد الله الوانغيلي 2: الضرير مفتي فاس وعالمها، انفرد في وقته بفهم مختصري ابن الحاجب الفرعي والأصلي والمدونة، له في المعيار فتاوى كثيرة وأثني عليه فيه.

توفي سنة 779 تسع وسبعين وسبعمائة.

640-

عبد الله بن محمد الأوربي 3: الفاسي الصدر العالم المفتي قاضيها، ماهر في العلوم الفقهية والتاريخية والأنساب، فتاويه في "المعيار" أيضا.

توفي سنة 782 اثنين وثمانين وسبعمائة.

1 أبو الحجاج يوسف بن عمر الأنفاسي الفاسي: البستان "297، 299".

2 عبد الله بن الوانغيلي الضرير مفتي فاس: نيل الابتهاج "149".

3 عبد الله بن محمد بن الأوربي الفاسي الصدر: نيل الابتهاج "243".

ص: 285

641-

أبو الضياء خليل بن إسحاق الكردي المصري 1:

الشهير بالجندي وكان من جند الحلقة يلبس زيهم الثياب القصيرة متقشفا زاهدا عالما محيطا بالمذهب المالكي مشاركا، متفننا صدرا في علوم الشريعة واللسان شرح فرعي ابن الحاجب شرحا حافلا سماه التوضيح في ست مجلدات انتقاه من ابن عبد السلام عصريه، وزاد فيه عزو الأقوال، وقد اعتمد اختياراته وأنقاله لعلمه بفضله، وكثيرا ما يرد الفرع لأصله، ثم اختصر ابن الحاجب، وسلك فيه طريق الحاوي عند الشافعية، فجمع الفروع الكثيرة من كتب المذاهب حتى قالوا: إنه حوى مائة ألف مسألة منطوقا ومثلها مفهوما، وإنما ذلك تقريب وإلا ففيه أكثر من ذلك بكثير، بل قال الهلالي: فيه المسألة الواحدة التي تجمع ألف ألف مسألة مع أن مختصر ابن الحاجب قال ابن دقيق العيد: إنه جمع أربعين ألف مسألة.

وقال في "المنح البادية": إن ابن الحاجب جمع ستا وتسعين ألف مسألة، وإن تهذيب البراذعي ستة وثلاثون ألف مسألة، وإن في رسالة ابن أبي زيد أربعة آلاف مسألة هذا وقد اقتصر في مختصره على ما به الفتوى من الأقوال، وترك بقيتها، ولم يخرج من المسودة إلا ثلثه الأول إلى النكاح، والباقي أخرجه تلاميذه، ومع ذلك أقام في تأليفه خمسا وعشرين سنة مع أن البخاري أتم تحرير الجامع الصحيح في ست عشرة سنة فقط، والسبب هو أن خليلا بالغ في اختصاره حتى عد من الألغاز، وقد شرحه ربيبه وتلميذه بهرام، واستعان على شرحه بالتوضيح المذكور، وشرحه بثلاثة شروح، كما شرحه البساطي، والسنهوري، والتتائي، والحطاب، والشيخ علي الأجهوري، وتلاميذه الشيخ عبد الباقي الزرقاني، والسيد محمد الخرشي، وشرحه من أهل فاس ميارة وجسوس وابن غازي، وابن عاشر وابن رحال، وحشاه العارف الفاسي والجنان، ومن أهل تلمسان ابن مرزوق وغيرهم، واعتنى الناس مشارقة ومغاربه

1 أبو الضياء خليل بن إسحاق الكردي المصري "الجندي": الدرر الكامنة "2/ 86"، وحسن المحاضرة "1/ 262"، والديباج المذهب "115"، ونيل الابتهاج "112".

ص: 286

به اعتناء زائدا، وقصروا همتهم عليه لكثرة ما فيه من الفروع التي لا تكاد توجد في غيره، فكأنه قد استقصى الصور الخيالية، وهيهات أن تستقصى. ويوجد عليه من الشروح والحواشي ما يزيد على الستين كما قال ابن غازي، هذا في زمنه، فكيف بما زيد بعده. ثم إن الذي أدخل مختصر خليل المغرب هو محمد بن عمر بن الفتوح التلمساني المكناسي سنة 805 خمس وثمانمائة كما في "الروض الهتون" فبعد ذلك حصل إقبال المغاربة عليه، ثم على شرح الزرقاني لما فيه من زيادة فروع والاختصار في الشروح الذي هامت به عقول أهل القرون الوسطى من علماء الإسلام وشدة الاختصار موقعة في الخلل لا محالة، ومع ذلك فمختصر خليل أكثر المؤلفات الفقيهة صوابا رغما عن كون مؤلفه إنما خرجه إلى النكاح كما سبق، وقد وقع للزرقاني أغلاط في النقل وغيره، فاعتنى المغاربة، بتصحيحه، ووضعوا عليه حواشي مستمدة من حواشي الشيخ مصطفى الرمصاي على التتائي وغيرها، منهم الشيخ أبو عبد الله محمد بن الحسن بناني، وشيخ شيوخنا سيدي محمد بن المدني جنون اختصر حاشية الرهوني، والكل مطبوع وأكثر الشروح تحريرا شرح الشيخ أبي عبد الله الحطاب، وشرح أبي عبد الله محمد المواق، وقد طبعا بمصر سنة 1338. وحاصله أنه من زمن خليل إلى الآن زادت العقول فترة والهمم ركودا، وتخدرت الأفكار بشدة الاختصار والإكثار من الفروع التي لا يحاط بها والصورة النادرة، فاقتصروا على خليل وشروحه، حتى قال الناصر اللقاني: إنما نحن خليليون إن ضل ضللنا. قال أحمد السوداني: وذلك دليل دروس الفقه وذهابه، فقد صار الناس من مصر إلى المحيط الغربي خليليين لا مالكية إلى هنا انتهت الحالة.

ولو اقتصرنا على ترجمة خليل، ولم نزد أحدا بعده ما ظلمنا جل الباقي؛ لأن غالبهم تابعون له، فمن زمن خليل إلى الآن تطور الفقه إلى طور انحلال القوى، وشدة الضعف، والخرف الذي ما عده إلا العدم، وسيأتي في ترجمة القباب قول الشاطبي وابن خلدون أن ابن شاس، وابن بشير، وابن الحاجب أفسدوا الفقه فإذن خليل أجهز عليه، لكن في الحقيقة أن الذي أجهز عليه هم الذين جعلوه ديوان دراسة للمبتدئين والمتوسطين وهو لا يصلح إلا للمحصلين

ص: 287

على صاحبه قال في أوله مبينا له به الفتوى، ولم يقل جعلته لتعليم المبتدئين، فلا لوم عليه. توفي الشيخ خليل سنة 776 ست وسبعين وسبعمائة وقيل: تسع وستين، وقيل: تسع وستين، وقيل: سبع وستين والأول صححه السوداني، وأما ما في "الديباج" من أنه توفي سنة 749 تسع وأربعين وسبعمائة، فإنما ذلك تاريخ وفاة شيخه المنوفي قاله الخطاب.

642-

أبو عبد الله محمد بن هارون الكناني التونسي 1:

وصفه ابن عرفه تلميذه بأنه ممن أدرك الاجتهاد المذهبي له شرح على ابن الحاجب الفرعي والأصلي، واختصره المتيطية، وله المشاركة والنزاهة، توفي سنة 570 خمسين وسبعمائة، وفي "درة الحجال" سنة تسع وأربعين.

643-

أبو عبد الله محمد بن سليمان السطي 2:

نسبة لقبيلة قرب فاس أحد أعلام فاس، بل أعلام أفريقيا كلها مشاركة وتفننا وإتقانا، وحفظا وضبطا، أثنى عليه ابن خلدون، له شرح على المدونة، وشرح على الحوفية وتعليق على جواهر ابن شاس فيما خالف فيه المذهب وغير ذلك. مات غريقا قرب بجاية لما ركب في أسطول أبي الحسن المريني وهو ممن أصيب المغرب بفقده في جملة الأعلام نخبة المغرب غرقوا، وضاعت معهم نفائس الكتب، ورزيء المغرب في أنفس أعلاقه، وأنفس أعلامه، وبموتهم ظهر نقصان بين، وفراغ شاسع في عمارة سوق العلم، وبه أصبحت دياره بلاقع، وأقفرت المدارس والجوامع، وذلك سنة 750 خمسين وسبعمائة أو تسع وأربعين على ما في "درة الحجال".

1 أبو عبد الله محمد بن هارون الكناني التونسي: نيل الابتهاج "239"، والحلل السندسية في الأخبار التونسية "338"، وشجرة النور "311".

2 أبو عبد الله بن سليمان السطي: نيل الابتهاج "243".

ص: 288

644-

أبو عبد الله محمد بن الصباغ الخزرجي المكناسي 1:

من مكناسة الزيتون ذكره ابن خلدون من تلاميذه وابن غازي أيضا، كان حافظا متقنا لا سيما في علم الفقه، أملى على حديث "يا أبا عمير ما فعل النغير" أربعمائة فائدة في مجلس واحد، وهو الذي أورد على ابن عبد السلام أربعة عشر اعتراضا، فلم ينفصل عن واحد منها على جلالته وحفظه، رحمهم الله جميعا. توفي غريقا في السنة المذكورة.

645-

أبو عبد الله محمد بن أحمد بن علي العلواني 2:

الشريف التلمساني: إمام المغرب المتفنن الجامع الذي صرح عصريه ابن مرزوق الجد الخطيب ببلوغه درجة الاجتهاد، أقام بفاس مدة، وبها اشتهر علمه وفتاويه، أخذ عنه علماء أفريقية وأفاضلها، ألف كتاب المفتاح في أصول الفقه، وهو كتاب مختصر لطيف، وشرح جمل الخونجي، خصصت ترجمته بالتأليف توفي سنة 771 إحدى وسبعين وسبعمائة عن 61 سنة.

646-

أبو عبد الله محمد بن عمر الشهير بابن رشيد مصغرا الفهري 3 السبتي: ثم الفاسي العلامة الحافظ عالم المغرب ومسنده صاحب الرحلة الواسعة، توفي في المحرم سنة 721 إحدى وعشرين وسبعمائة.

1 أبو عبد الله محمد بن الصباغ الخزرجي المكناسي: نيل الابتهاج "243".

2 أبو عبد الله بن محمد بن أحمد بن علي العلواني الشريف التلمساني إمام المغرب: أبو عبد الله، العلواني التلمساني، مات سنة "842":

تعريف الخلف "1/ 110"، نيل الابتهاج "255"، والبستان "164".

3 أبو عبد الله محمد بن عمر الشهير بابن رشيد الفهري السبتي ثم الفاسي: أبو عبد الله، الشهرة ابن رشيد الفهري السبتي ولد سنة "657"، مات سنة "721":

فهرس الفهارس "1/ 443"، شجرة النور الزكية "216"، الديباج المذهب "310".

ص: 289

647-

أبو عمر محمد بن عثمان الشهير بابن المرابط 1 الغرناطي، ثم الدمشقي: مات سنة 752 اثنتين وخمسين وسبعمائة.

648-

أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر مرزوق العجيسي 2:

التلمساني شمس الدين الملقب بالجد نادرة زمانه علما وعملا وحفظا وإتقانا ونبلا، رحل واستفاد، وبلغ من العلوم الإسلامية كل مراد، شرح البخاري، والشفا، وعمدة الأحكام، ترجمته عند الحافظ ابن حجر في "إنباء الغمر" وغيره واسعة، توفي سنة 781 إحدى وثمانين وسبعمائة على ما في "كفاية المحتاج".

649-

أبو العباس أحمد بن قاسم القباب الفاسي 3:

إمام المغرب بل أفريقية في وقته، انتهت إليه رياسة الفتيا والتوثيق والمشاركة في الفنون مليء "المعيار" من فتاويه، وبها ابتدأ، وله تآليف في فنون كشرح قواعد عياض، وبيوع ابن جماعة، واختصار أحكام النظر، لابن القطان، وله مباحث مع أبي إسحاق الشاطبي شيخ الأندلس، ولما لقي ابن رفعة، وأطلعه

1 أبو عمرو محمد بن عثمان الشهير بابن المرابط الغرناطي ثم الدمشقي: أبو عمرو، الغرناطي، ولد سنة 680"، مات سنة "752":

معجم طبقات الحفاظ "162"، طبقات الحفاظ "527"، الدرر الكامنة "3/ 163". الديباج المذهب "305". وشذرات الذهب "6/ 271".

2 أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر مرزوق العجيسي التلمساني شمس الدين "الجد": أبو عبد الله العجيسي النحوي شمس الدين التلمساني، الشهرة الحفيد الخطيب ابن مرزوق، ولد سنة 766، ومات سنة 842 أو 781، وقيل: مات بعد 920:

فهرس الفهارس "1/ 523"، والحاشية، الإحاطة في أخبار غرناطة "3/ 103"، دائرة معارف الأعلمي "26/ 161"، أعلام الجزائر، "141، 145"، تعريف الخلف "1/ 141".

3 أبو العباس أحمد بن قاسم القباب الفاسي: الديباج "41"، ونيل الابتهاج "72، 73".

ص: 290

على مختصره قال له: ما صنعت شيئا إذ لا يفهمه المبتدي، ولا يحتاج إليه المنتهي، وذلك ما حمله على بسط العبارة وتليين الاختصار في آخره، وهذا كما قال أبو إسحاق الشاطبي: إن ابن بشير وابن شاس وابن الحاجب أفسدوا الفقه، ونحوه لابن خلدون في المقدمة، وبالجملة كان القباب كما قال أحمد بابا من أكابر علماء المذهب حفظا وتحقيقا وتقدما وجلالة، وممن يتحرى أكل الحلال، استقصى أول أمره بجبل طارق، ثم أعفي، وأقبل على نفع العباد، ثم ألزم بقضاء فاس فاختفى إلى أن أعفي، ثم ظهر فأكب على نشر العلم. وله مناظرات مع إمام تلمسان العقباني ألفها العقباني، وسماها "لب اللباب في مناظرات القباب" نقلها الونشريسي في نوازله وغيرها. توفي سنة 779 تسع وسبعين وسبعمائة، وقيل: سنة سبع وتسعين.

650-

أبو سعيد فرج بن قاسم بن لقب الثعالبي 1:

بالعين المهملة كما في "المنح البادية" شيخ شيوخ غرناطة، ومن انتهت إليه رياسة فتوى الأندلس في وقته، له تآليف مفيدة وفتاويه في المعيار وغيره ذات اعتبار، وكان بينه وبين عصريه ابن عرفة مراجعات فتاو وأحاكم بين غرناطة وتونس. وبالجملة فهو أحد أئمة الأندلس النظار. توفي سنة 783 ثلاث وثمانين وسبعمائة عن إحدى وثمانين سنة.

651-

أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي الدار الشهير بالشاطبي 2:

الإمام الحافظ الجليل المجتهد من أفراد المحققين الأثبات، وأكابر المتفننين فقها وأصولا وعربية وغيرها، له كتاب "الموافقات" في أصول الفقه طبع بتونس، وكتاب "الاعتصام" في إنكار البدع، يطبع في مصر، وشرح بيوع صحيح

1 أبو سعيد فرج بن قاسم بن لب الثعلبي: شيخ شيوخ غرناطة: الديباج المذهب "220"، وشذرات الذهب "6/ 282"، وبغية الوعاة "372".

2 أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي الدار الشهير بالشاطبي: نيل الابتهاج "46، 50"، وفهرس الفهارس "1/ 134".

ص: 291

البخاري وغيره، وكان شديدا على أهل البدع وله فتاو مهمة مذكورة في "المعيار" وغيره. وكان يناظر ابن عرفة وابن لب، ويظهر عليهما في فتاويه. توفي سنة 790 تسعين وسبعمائة.

652-

أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن عباد النفزي 1:

المشهور بابن عباد الرندي الأصل، الفاسي الدار الفقيه، الصوفي الزاهد الخطيب المتفنن كان كما قال عصريه ابن الخطيب القسمطيني: على صفة البدلاء الصادقين النبلاء، ومثله يعظ الناس لاتعاظه في نفسه، له أجوبة في مسائل العلم نحو مجلدين، وله الرسائل الكبرى والصغرى، ونظم الحكم العطائية وشرحها، وتآليف في الحديث، وكان له باع في الفقه وغيره من العلوم يقوم على مختصر ابن الحاجب والرسالة وغيرهما. وأحواله أحوال الكمل الأول لم ير بعده مثله كان يخدم نفسه، ولم يملك خادما ولباسه في داره مرقعة يسترها إذا خرج بثوب آخر. توفي سنة 792 اثنتين وتسعين وسبعمائة عن ثلاث وخمسين سنة رحمه الله.

653-

عبد الله بن محمد بن أحمد الشريف التلمساني 2:

الإمام ابن الإمام الحجة النظار الأعلم من أكابر علماء وقته صاحب الصيت الكبير، نشر العلم ببلده وبالأندلس فقها وحديثا وتفسيرا، وبيتهم بين علم خصت تراجمهم بالتآليف. له فتاو في "المعيار" معروفة. توفي غريقا منصرفه من غرناطة لبلده عام 792 اثنتين وتسعين وسبعمائة.

1 أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن عباد النفزي: نيل الابتهاج "279، 281"، ونفح الطيب "5/ 341، 350".

2 عبد الله بن محمد بن أحمد الشريف التلمساني: نيل الابتهاج "150".

ص: 292

654-

أحمد بن عمر بن علي بن هلال الربيعي 1:

الإسكندري ثم الدمشقي إمام متفنن في علوم كالفقه والعربية والأصول والحديث. وله رواية واسعة، وتواليف عديدة، منها شرح ابن الحاجب الفقهي في ثمانية أسفار كبار، وكان شرحه شرحا مطولا، ثم تركه وله على مختصره الأصلي شرحان وغيرها. توفي سنة 795 خمس وتسعين وسبعمائة.

655-

أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن عسكر البغدادي 2:

الإمام حامل لواء المالكية ببغداد، كان متفننا في المعقول والمنقول، ولي قضاء بغداد وحسبتها، له الهيبة العظيمة والأخلاق العالية، والهمة السرية مدرس مدرسة المستنصرية، له تآليف كشرح الإرشاد من تآليف والده في مذهب مالك، وشرح مختصر ابن الحاجب الفرعي والأصلي، وله تفسير كبير، وله تعليقه في علم الخلاف، لم يذكر ابن فرحون وفاته، وذكر وفاته أخيه قاضي قضاة المالكية بالشام المصري سنة 796 ست وتسعين وسبعمائة.

656-

أبو عبد الله محمد بن محمد بن عرفة 3:

الورغمي التونسي: خطيبها ومفتيها المحقق المتفنن النظار، انتهت إليه رياسة المذهب المالكي بالديار الأفريقية آخر عمره، تواليفه سارت مسير الأمثال كمختصره في الفقه محرر الأنقال، شغل دورا مهما بعد ظهوره درسه بنفسه في بلده، وفي المشرق لما حج، وطريقته فيه معروفة وهو في سبعة أسفار، إلا أنه اختصره كثيرا وسلك فيه اصطلاحا خاصا به لا سيما في نصفه الأول صعب على الناس فهمه حتى إنه في آخر عمره صار يصعب عليه هو نفسه بعض المواضع منه

1 أحمد بن عمر بن علي بن هلال الربيعي الإسكندري: الديباج المذهب "82، 83".

2 أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن عسكر البغدادي: الديباج المذهب "333".

3 أبو عبد الله محمد بن محمد بن عرفة الورغمي التونسي: الضوء اللامع "9/ 240"، وشذرات الذهب "7/ 38"، وبغية الوعاة "98"، والبدر الطالع "2/ 255".

ص: 293

كما وقع له في تعريف الإجارة، ولذلك بسط عبارته في نصفه الأخير نوعا ما، وكان استغلال عبارته مع كثرة الأقوال المذهبية، داعيا لتركه، وإقبال الناس على مختصر خليل من بعده، وله غيره في المنق والأصول والقراءات وغيرها كثير العبادة والذكر شاغلا لوقته بما يعينه توفي سنة 803 ثلاث وثمانمائة.

657-

أبو زكرياء يحيى بن أحمد بن محمد بن حسن المعروف بالسراج 1:

النفزي الحميري الرندي الأصل، الفاسي الدار والمولد: الفقيه الرحالة الراوية انتهت إليه رياسة الرواية والحديث بالمغرب قلما تجد كتابا يشار إليه في المغرب ليس عليه خطه وله فهرسة وسماع عظيم، ومع ذلك فهو فقيه صوفي له مع ابن عباد مراسلات، وإليه كان يكتب رسائله المشهورة من سلا، وبيتهم بيت علم ورياسة ونبل في الأندلس شهير مدة طويلة بفاس، ولا زال نسلهم موجودا إلى وقتنا هذا، ولهم نباهة واعتبار توفي سنة 805 خمس وثمانمائة ودفن مع ابن عباد بالباب الحمراء من فاس.

658-

أبو البقاء بهرام بن عبد الله الدميري 2:

تاج الدين قاضي القضاة بمصر برع في المذهب، وألف "الشامل" في الفقه، وشرح المختصر الخليلي ثلاثة شروح، ومختصر ابن الحاجب الأصلي، وشرح الإرشاد وهو أجل من تكلم على مختصر خليل علما ودينا وتأدبا وتفننا، بل الذي افتض بكارته هو والأقفهسي، وله غير ذلك توفي سنة 805 خمس وثمانمائة.

1 يحيى بن أبي بن حسن "السراج" النفري الحميري: أبو زكريا النفري الحميري الأندلس الفاسي، توفي سنة "805":

فهرس الفهارس "2/ 993"، الحاشية، معجم المؤلفين "1/ 184، 185"، دائرة معارف الأعلام "3/ 85".

2 أبو البقاء بهرام بن عبد الله الدميري "تاج الدين": الضوء اللامع "3/ 19"، وحسن المحاضرة "1/ 263"، ونيل الابتهاج "101".

ص: 294

659-

محمد بن علي بن علاق 1:

وبه يعرف الغرناطي حافظها ومفتيها وقاضيها سبط الإمام ابن جزي، له شرح على مختصر ابن الحاجب الفرعي في عدة أسفار، وشرح فرائض ابن الشاط، وله فتاو في "المعيار" مذكورة. توفي سنة 806 ست وثمانمائة.

660-

أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن خلدون 2:

الحضرمي الإشبيلي الأصل التونسي المولد إمام المؤرخين وسيد الأخباريين وصدر الفقهاء والكتاب والشعراء والمتفننين الحافظ الثقة الحجة المحدث الفيلسوف مخترع الفلسفة التاريخية وقدوتها، مؤلف التاريخ الكبير والمقدمة التي سارت مثلا في الآخرين، ترجمت إلى سائر اللغات، وأجمعت على استحسانها سائر الأمم، ولخص كثيرا من كتب ابن رشد، وشرح البردة للإمام البوصيري شرحا دل على مقدرته في الأدب والعلوم العربية، وألف في المنطق تأليفا دل على كرامة تصوره ودقة أفكاره، ولخص محصول الفخر الرازي في أصول الفقه، وألف في الحساب وغيره، وله الشعر الرائق والنثر البديع الفائق ذو أسلوب في الإنشاء مطبوع عليه، وكل تاريخه بل تواليفه إنشاء بديع عربي خالص، وكفى بتاريخه آية على فضله، وإحاطة إدراكه بالتواريخ الإسلامية وغيرها، والأنساب العامة والخاصة. هذا مع تقلبه في وظائف مهمة بتونس وفاس والأندلس. حسده عليها معاصروه بما أدى به للجلاء إلى مصر فولى بها قاضي القضاة، ومات بها فجأة سنة 808 ثمان وثمانمائة عن ست وسبعين سنة.

1 محمد بن علي بن علاق "له شرح فرائض ابن الشاط": نيل الابتهاج "281، 282".

2 أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي الإشبيلي الأصل: أبو زيد، الحضرمي، الإشبيلي، التونسي، ولد سنة "732"، توفي سنة "807":

شجرة النور الزكية "227"، الضوء اللامع "4/ 145"، شذرات الذهب "7/ 76"، ونفح الطيب "6/ 171"، ونيل الابتهاج "169"، والبدر الطالع "337".

ص: 295

661-

محمد بن علي بن محمد الأنصاري الشهير بالحفار 1: الغرناطي، إمامها ومحدثها ومفتيها الشيخ المعمر ملحق الأحفاظ بالأجداد، له فتاوٍ في "المعيار" مشهورة. توفي سنة 810 عشر وثمانمائة.

662-

سعيد بن محمد العقباني 2 التلمساني: إمامها وعلامتها وقاضيها وقاضي بجاية وسلا ومراكش، فقيه متفنن صدر مشهور له شرح على الحوفية لا نظير له، وشرح ابن الحاجب والخونجي وبعض سور من القرآن، وأخذ عنه أئمة كبار. توفي سنة 811 إحدى عشرة وثمانمائة.

663-

أبو مهدي عيسى بن أحمد الغبريني 3:

التونسي قاضي تونس وفقيهها، وحافظ المذهب بها، انتهت إليه رياستها بعد ابن عبد السلام وابن عرفة، قال ابن ناجي: إنه ممن يظن به حفظ المذهب بلا مطالعة وبالغ في الثناء عليه في غير موضع، وقال تلميذه الأمير أبو عبد الله المدعو الحسن شيخنا ابن عرفة وشيخنا الغبريني ممن يجتهد في المذهب، ولا يحتاج للدليل على ذلك؛ إذ العيان شاهد بذلك. توفي سنة 815 خمس عشرة وثمانمائة.

644-

محمد بن خلفة الوشناني 4:

التونسي الشهير بالأبي بضم الهمزة وكسر الموحدة مشددة، إمام مدقق بارع رحالة حافظ من أعيان أصحاب ابن عرفة، له إكمال الإكمال شرح مسلم وهو فقهي فروعي، وشرح المدونة، توفي سنة 828 ثمان وعشرين وثمانمائة

1 محمد بن علي بن محمد الأنصاري الشهير بالحفار الغرناطي: نيل الابتهاج "282".

2 سعيد بن محمد العقباني التلمساني: توفي سنة 811:

الديباج المذهب "124، 125"، ونيل الابتهاج "125، 126".

3 أبو مهدي عيسى بن أحمد الغبريني التونسي قاضي تونس: نيل الابتهاج "193".

4 محمد بن خليفة الوشتاني التونسي: أبو عبد الله، التونسي، الوشتاني، مات سنة 828:

معجم المؤلفين "9/ 287"، والحاشية، البدر الطالع "2/ 169"، ونيل الابتهاج "287".

ص: 296

وخلفة بوزن نعمة وقبضة.

665-

عبد الله بن مقداد الأقفهسي 1: القاضي جمال الدين من تلاميذ خليل انتهت إليه رياسة المذهب بمصر، شرح المختصر بشرح كشرح بهرام في ثلاثة مجلدات ضخام، توفي سنة 823 ثلاث وعشرين وثمانمائة.

666-

أبو مهدي عيسى بن علال المصمودي 2:

مصمودة الهبط، ويقال: الكتامي الفاسي شيخ الجماعة بها وفقيهها وقاضيها، له تعليق على مختصر ابن عرفة الفقهي، ويقال: له استدراكات عليه. وله رحلة وسماع وزهد وورع إمام القرويين وخطيبها، توفي 823 ثلاث وعشرين وثمانمائة.

667-

أبو القاسم محمد بن عبد العزيز التازغدري 3:

مفتي فاس وخطيبها الإمام الفقيه النظار أكثر ابن غازي من النقل عنه في كتبه، وله تعليق على تقييد أبي الحسن الصغير على المدونة وفتاو كثيرة، ذكر في "المعيار" بعضها، قتل غدرا سنة 832 اثنتين وثلاثين وثمانمائة.

668-

أبو بكر محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن عاصم الغرناطي: قاضيها، له مشاركة في الفنون، وكتب مفيدة، منها رجزه في الفقه المسمى "تحفة الحكام في الأحكام" مشهور متداول شرحه المشارقة

1 عبد الله بن مقداد الأقفهسي القاضي جمال الدين: الضوء اللامع "5/ 17"، شذرات الذهب "7/ 160"، ونيل الابتهاج "155".

2 أبو مهدي عيسى بن علال المصمودي ويقال: الكتامي الفاسي: الضوء اللامع "6/ 155"، ونيل الابتهاج "193".

3 أبو القاسم محمد بن عبد العزيز التازغدري: الضوء اللامع "1/ 140".

ص: 297

والمغاربة، وأقبلوا عليه لسهولة لفظه ورقة أسلوبه، وله غيره من التآليف، توفي سنة 829 تسع وعشرين وثمانمائة.

669-

عبد العزيز بن موسى بن معطي العبدوسي 1:

الفاسي: ثم التونسي الإمام الحافظ المتقن الجامع المتفنن الذي اعترف حفاظ وقته بأنه أحفظ أهل الأرض، وأوسع العلماء علما في الطول والعرض، حامل لواء المذهب في وقته شيخ الإسلام، وابن شيوخ الإسلام بيت اشتهر بفاس فضله، وسلم له الأئمة الأعلام، قد أعجب به علماء تونس وأمراؤها لما ورد عليهم، وعطلت دروس جامع القصر وقت تدريسه، وصار جميع العلماء يحضرون إلقاءه، ويستفيدون منه مدة نحو عشرين سنة. وكان كتب لهم ابن مرزوق الحافظ يقول لهم: يرد عليكم حافظ المغرب، فكان كما قال، بل عجبوا منه، ولا سمعوا بمثله لا في تونس، ولا في بجاية ولا غيرهما، فكان البرزلي مبرزا على أقرانه في حفظ الفقه بتونس، وكان المشذالي في بجاية، وما كان أحد منهما يشبهه فضلا عن أن يدانيه، قال أبو عبد الله الزلديوي المفتي بتونس: تركت درسي، وحضرت درسه، فرأيت شيئا لا يدرك إلا بعناية ربانية، موقوف على من رزقه الله الحفظ، ينفق منه كيف يشاء، قال: لازمناه حضرا وسفرا، وعلمنا طريقه تفكرا ونظرا، فلا يقدر على طريقه إلا من حاز فطنة كاملة الاستواء ممدة من جميع القوى، فمن طريقه إذا قرأ المدونة فاستمع لما يوحى: يبتدئ على المسألة من كبار أصحاب مالك، ثم ينزل طبقة حتى يصل إلى علماء الأقطار من المصريين والأفريقيين والمغاربة والأندلسيين وأئمة الإسلام وأهل الوثائق والأحكام حتى يمل السامع، وينقطع عن تحصيله المطالع، وكذا انتقل إلى الثانية وما بعدها، هذا بعض طريقه في المدونة، وأما إذا ارتقى إلى كرسيه في التفسير، فترى أمرا معجزا ينتفع به من قدر له النفع من الخاصة والعامة يبتدئ بأذكار وأدعية مرتبة لذلك يكررها كل صباح يحفظها الناس، ويأتونها من كل فج عميق

1 عبد العزيز بن موسى بن معطي العبدوسي الفاسي التونسي: نيل الابتهاج "179".

ص: 298

يتسابقون في حفظها وبعد ذلك يقرأ القارئ آية، فلا يتكلم بشيء منها إلا قليلا، ثم يفتتح فيما يناسبها من الأحاديث النبوية وأخبار السلف، وحكايات صوفية، وسير شريفة نبوية وصحابية وأخبار التابعين وتابعيهم، ثم بعدها يرجع للآية، وربما أخذ في نقل الأحاديث فيقول: الحديث الأول كذا، والثاني كذا، والثالث كذا، إلى المائة فأزيد حتى يختمها، ثم كذلك في المائة الثانية، ونشك في المائة الثالثة، ويأتي في نظر ذلك ونقلها بأمر خارق للعادة هكذا فعل في مسجد القصر وغيره، وكان الناس يتسابقون إلى المواضع قبل الصبح رجالا ونساء يتزاحمون عليها، وفي خارج المسجد أكثر مما في داخله وصوته جهير يسمع الكل، ومنع السلطان من يخلط عليه ويحيره من الطلبة.

وإلا فطلبة تونس لا يردهم ذلك عمن لا يشاركهم في علومهم يأتونه من قبلها، وما تصدى لمعارضته إلا شيخنا أبو العباس المعقلي حرض الطلبة تحريضا عاما، ويقول: إنا لله خلت تونس حتى صار هذا يتكلم فيها بما يشتهي، ولكن خافوا من السلطان رحمه الله، وهذه الطريق قالوا إن ابن أخيه عبد الله يفعلها بفاس بالقرويين وعملها بمصر، فتعجبوا من حفظه ونقله المتين من الأحاديث وثباته عليها وترتيبه، وتكلموا فيه في العربية، فقرأ لهم ألفية ابن مالك، فسلك مسلكه في المدونة بدأ بالنقل عن أصحاب سيبويه، ثم نزل إلى السيرافي وشراح الكتاب، وطبقات النحويين حتى مل الحاضرون وأذعنوا.

ويقال: إنه دخل يوما على البرزلي وكان أعمى، فلما تكلم العبدوسي قال له البرزلي: أهلا بواعظ بلدنا، فقال له العبدوسي: قل وفقيهها، فسكت البرزلي، فعد ذلك من إقدام العبدوسي وسرعة جوابه رحمهم الله نقل هذا في "نيل الابتهاج" باختصار قال: ونقل عنه الإمام أبو زيد الثعالبي في شراح ابن الحاجب وابن ناجي في حواشي المدونة.

ومن لطائفه سئل يوما عن الشافعي ومالك فقال: أين قبر مالك، فقالوا: في المدينة، وأين قبر الشافعي، فقالوا: بمصر، فقال: بينهما ما بين قبريهما توفي سنة 837 سبع وثلاثين وثمانمائة.

ص: 299

قلت: قد ذكرتني ترجمة هذا الحافظ الكبير ترجمة الإمام أبي الفرج ابن الجوزي الحنبلي البغدادي التي بسطها عن عيان الرحالة ابن جبير الأندلسي في رحلته فلتنظر ولا بد.

هذا وما وقع للعبدوسي بتونس لا يستغرب لأن أهل القطر التونسي موصوفون بالإنصاف، ولين العريكة، ومحبة علماء المغرب وتعظيمهم وإكرامهم، وكم من عالم من المغرب ذهب إليهم، فأحسنوا القرى، وأخذوا عنه، وأعظموا جانبه، وقد قدمت لتونس سنة 1336، فاجتمع جماعة من سادتهم، وطلبوا مني إملاء درس تفسيري على نسق دروسي بفاس حيث كان بعضهم حضر دروسي التفسيرية وأعجب بها، ولولا الأدب معهم، لقلت: الحق أنهم قد استسمنوا ذا ورم، وتعينت إجابتهم لما أعلم من حسن قصدهم على ما في الباع من القصر، ولقد أهديت التمر لهجر، فوافق أنني كنت وصلت في التفسير إلى أول سورة قد أفلح المؤمنون، فأمليت بجامع الزيتونة عند باب الشفا درسا في العشر الآي الأول من السورة المذكورة فسرتها من حيث ثمانية عشر علما، وقد حضر أعلامهم الشيوخ العظام مثل رئيس أهل الشورى بالمجلس الشرعي السيد/ أحمد الشريف، والقاضيين المالكي والحنفي، وأهل الإفتاء على كبر سنهم وصغر سني وقلة بضاعتي، وأظهروا من الإجلال للعلم وأهله ما هم أهل له، ثم طلبوا مني أن أكتب لهم الدرس المذكور، فكتبت ما علق بفكري منه، وطبعوه ووزعوه تمتينا للروابط العلمية بين القطرين على علماء تونس والمغرب، وقرظوه ومدحه الأديب الأريب الفاضل العلامة المتفنن سيدي محمد الناصر الصدام بقصيدة ارتجالية هناك، وحين أكملت الدرس استأذنني في إملائها، فقلت له: إن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لحسان أن ينشد شعره في المسجد النبوي، فأنشدها وأظهر كل من حضر ما هم له أهل من كمال التجلة والإعظام والإعجاب مما أعلم أني دونه بمراحل. جزاهم الله خيرا آمين والقوم ذوو أخلاق شريفة عالية ونهضة علمية عربية وآداب سامية أنجح الله نهضتهم، وحقق آمالهم.

ص: 300

670-

أبو عبد الله محمد بن أحمد بن علي الحسني الفاسي 1:

أصلا المكي الحافظ سبط قاضي القاضي كمال الدين النويري قاضي المالكية بمكة المشرفة ومؤرخها تقي الدين. له ترجمة واسعة في "ذيل طبقات الحفاظ" لابن فهد، وله مصنفات في التاريخ والفقه وغيرهما. توفي سنة 832 اثنين وثلاثين وثمانمائة.

671-

أبو الفاضل قاسم بن عيسى بن ناجي 2:

الفقيه الحافظ الزاهد الورع، له تفقه عظيم، وقيام على المدونة والرسالة واستحضار للفروع ولي قضاء باجة وجربة وقيروان، وله شرح على الرسالة مطبوع، وشرح على المدونة شتوي في أربعة أسفار وصيفي في سفرين. توفي سنة 837 سبعة وثلاثين وثمانمائة. وله الزيادات على معالم الإيمان في رجال القيروان مطبوع أيضا.

672-

أبو الفضل محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر بن مرزوق العجيسي 3:

التلمساني الشهير بالحفيد الحجة الحافظ المتفنن ذو التآليف والفتاوى السائرة

1 أبو عبد الله محمد بن أحمد علي الحسني الفاسي: ذيل طبقات الحفاظ لابن فهد ص"291، 297".

2 أبو قاسم بن عيسى بن ناجي: نيل الابتهاج "223".

3 أبو الفضل محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر مرزوق العجيسي التلمساني: أبو عبد الله، العجيسي، المالكي، التلمساني، ولد سنة 766، مات سنة 842:

معجم المؤلفين "8/ 317، 318 الحاشية" دائرة معارف الأعلمي "26/ 157"، الضوء اللامع "7/ 50".

ص: 301

المذكورة في "المعيار" وغيره، وله شرح على "التهذيب"، وشرح على مختصر خليل لم يكملا، وله أراجيز في علم النحو والحديث والقراءات والميقات وغيرها، وشرح على بردة البوصيري، وشرح على صحيح البخاري، وغيره وبيتهم شهير بالعلم في تلمسان وترجمته خصت بالتآليف.

توفي سنة 842 اثنتين وأربعين وثمانمائة ووهم في "كشف الظنون" فقال: سنة 781 وهي سنة وفاة جده وقد تقدم.

673-

أبو القاسم بن أحمد بن محمد المعتل 1:

البلوي القيرواني ثم التونسي الشهير بالبرزلي فقيهها ومفتيها وحافظها صاحب النوازل التي هي من كتب المذهب الأجلة، أجاد فيها ما شاء الله، كان إماما نظارا بحاثا مستحضرا للفقه عارفا بصنعة الفتوى انتهت إليه رياستها في وقته بعد الغبريني وابن عرفه الذي كان ملازما له نحو أربعين سنة، وأخذ عن غيره من شيوخ أفريقية ومصر، فكان شيخ الإسلام في وقته علما وإتقانا.

توفي سنة 844 أربع وأربعين وثمانمائة.

674-

أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الرحمن الشهير بابن 2 زاغو المغراوي:

التلمساني، الإمام المحقق المتفنن العابد، له شرح على التلمسانية في الفرائض، وتفسير على الفاتحة، كثير الفوائد وفتاو في أنواع العلوم، نقل في "المعيار" و"المازونية" جملة منها. توفي سنة 845 خمس وأربعين وثمانمائة.

1 أبو القاسم بن أحمد بن محمد المعتل البلوي القيرواني التونسي "البرزلي": نيل الابتهاج "226"، والبستان "150، 152".

2 أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الرحمن الشهير بابن زاغو المغراوي التلمساني: نيل الابتهاج "78".

ص: 302

675-

أبو القاسم محمد بن محمد بن سراج الغرناطي 1:

مفتيها وقاضيها حافظ المذهب، وحامل رايته البارع في الفتوى له شرح على مختصر خليل، وأكثر المواق من النقل عنه، وله فتاوٍ كثيرة في "المعيار" توفي سنة 848 ثمان وأربعين وثمانمائة.

676-

عمر بن محمد بن عبد الله الباجي 2:

باجة تونس، ثم التونسي عرف بالقلشاني قاضي الجامعة بتونس العلامة المحقق النظار الحافظ الإمام المطلع الجليل ممن قل سماح الزمان بمثله علما وجلالة، ومع تبحره في الفقه كان طبيبا أخذه عن الشريف الصقلي وهو صنو أبي العباس القلشاني شارح الرسالة، شرح الطوالع شرحا حسنا وصل فيه إلى الإلهيات، وله شرح عظيم على فرعي ابن الحاجب في غاية الحسن والاستيفاء والجمع مع تحقيق بالغ ينقل كلام ابن عبد السلام ويذيله بكلام غيره كابن راشد وابن هارون والمشذالي وخليل وابن عرفة، وابن فرحون وغيرهم مع البحث معهم.

ويطرزها بنقل فحول أهل المذهب كالنوادر، وابن يونس، والباجي، واللخمي، وابن رشد، والمازوني، وابن بشير، وسند، وابن العربي وغيرهم، مع البحث في ألفاظ المتن إفرادا وتركيبا مما يدل على سعة علمه وقوة إدراكه وجودة نظره وإمامته في العلوم، نقل المازوني والمعيار جملة من فتاويه.

توفي سنة 848 ثمان وأربعين وثمانمائة.

1 أبو القاسم محمد بن محمد بن سراج الغرناطي: نيل الابتهاج "308".

2 عمر بن محمد بن عبد الله الباجي "القاشاني" بن "باجة": الضوء اللامع "6/ 137"، ونيل الابتهاج "196، 197".

ص: 303

677-

عبد الله بن محمد بن موسى بن معطي العيدروسي 1:

الفاسي الإمام الحافظ مفتي فاس وخطيبها وعالم الديار المغربية، ومحدثها وصالحها، ولي فتوى فاس والمغرب، وخطابة القرويين، كان رساخ الباع في الحفظ والإتقان، عريق المجد والسخاء، إماما في نصح الأمة، أزال كثيرا من البدع، وأصلح أحوال أهل وقته، أمر بالمعروف، ونهى عن المنكر، وأقام الحدود والحقوق، وكان أكثر علمه فقه الحديث، واسع الأخلاق، وكان أقوى من جده في العمل، وجده أقوى من في العلم، كان يعمل الخوض خفية، ويعطيه لمن لا يعرف أنه له يبيعه، فيتقوت منه في رمضان، ولم يخلف يوم مات إلا ستة أثواب أو ثلاثة لضروري ملبوسه، وكان يشترط في نكاحه العزل فرارا من الولد لفساد الزمان، ولا تفارق كمه الشمائل، وله نظم حسن في شهادة السماع وفتاو كثيرة في "المعيار" وغيره.

ومناقبه خصت بالتأليف، وهو من العبادسة بني معطي أعقاب أبي عمران موسى العبدوسي، منهم ولده المحدث الحافظ أبو القاسم الفقيه، وولده الفقيه أبو عبد الله والد صاحب الترجمة، وهم بيت كبير من بيوت العلم أقام العلم ورياسته فيهم زمنا طويلا حتى في نسائهم، وآخرهم أم هانئ العبدوسية وأختها أختا صاحب الترجمة. توفي سنة 849 تسع أو ثمان وأربعين وثمانمائة.

687-

محمد بن عمر أقيت المسوفي الصنهاجي 2:

قاضي تنبكت أبو الثناء عالم التكرور وصالحها، ومدرسها وفقيهها، وإمامها بلا مدافع، ولي القضاء، فأظهر العدل، وأنصف الرعية من أولي الأمر، وكان السلاطين يزورونه، فلا يقوم إليهم ولا يلتفت إليهم أحيا العلم بتلك

1 عبد الله بن محمد بن موسى بن معطي العيدروسي الفاسي: أخبار مكناس "4/ 502، 503".

2 محمود بن عمر أقيت المسوفي الصنهاجي قاضي تنبكت أبو الثناء: شجرة النور "278".

ص: 304

الأصقاع، وكان أكثر ما يقرئ المدونة والرسالة، وهو أول من أظهر خليلا بتلك النواحي، وقيد عنه تقاييد أخرجوها شرحا في سفرين. توفي سنة 855 خمس وثمانمائة عن سبع وثمانين سنة.

679-

أبو القاسم وأبو الفضل قاسم بن سعيد بن محمد العقباني 1:

التلمساني الإمام شيخ الإسلام، ومفتي الأنام الفرد العلامة الحافظ القدوة العارف المجتهد المعمر ملحق الأحفاد بالأجداد الرحال، له اختيارات خارجة عن المذهب نازعه عصريه ابن مرزوق الحفيد في كثير منها، وقال فيه القلصادي في فهرسته: مرتقي درجة الاجتهاد بالدليل والبرهان، ولي قضاء تلمسان في صغره، ورأى أمله من ذريته في كبره، ودرس وأفاد الجهابذة النقاد، روى عن الحافظ ابن حجر والبساطي وغيرهما، له تعليق على فرعي ابن الحاجب وأرجوزة تتعلق باجتماع الصوفية على الذكر. وبيتهم بيت علم أبوه ووالده وحفيده. توفي عن سن عالية سنة 854 أربع وخمسين وثمانمائة.

680-

أبو عبد الله محمد بن محمد بن أحمد المقري 2:

بفتح الميم والقاف المشددة وتخفف القرشي التلمساني الأصل، الفاسي قاضيها، له مشاركة تامة في العلوم، وله كتاب "القواعد" اشتمل على ألف ومائتي قاعدة للمذهب المالكي هي أصوله التي بني عليها، وله كتب في فنون شتى وقال فيه ابن مرزوق: إنه وصل درجة الاجتهاد المذهبي والتخيير والتزييف من الأقوال. توفي سنة 858 ثمان وخمسين وثمانمائة.

1 أبو القاسم وأبو الفضل قاسم بن سعيد بن محمد العقباني التلمساني: الضوء اللامع "6/ 181"، ونيل الابتهاج "223/ 224".

2 أبو عبد الله بن محمد بن محمد بن أحمد المقري القرشي التلمساني الأصل الفاسي: نيل الابتهاج "249".

ص: 305

681-

أم هانئ بنت محمد العبدوسي 1:

فقيهة فاس الصالحة الأحوال أخت الإمام الحافظ عبد الله العبدوسي هي آخر فقهاء هذا البيت الذي رفع العلم عماده. توفيت سنة 860 ستين وثمانمائة ولها أخت مثلها اسمها فاطمة العبدوسية يشار إليها بالفقه والصلاح.

682-

أبو العباس أحمد بن عمر المزجلدي 2:

بجيم معقودة بعد الزاي قبيلة بجبال عمارة إمام علم شهير من أئمة فاس كان يحفظ المدونة، ويمليها حفظا، ويملي ألفاظ شراحها كذلك من غير تكلف، ويبين مآخذهم وأنهم إنما شرحوا أولها بآخرها، وآخرها بأولها، ويقول: ما نزل حكم من السماء إلا وهو في المدونة كان نزها زاهدا مهيبا، صلبا في الحق ولا يبالي بالدنيا وأبنائها. توفي سنة 864 أربع وستين وثمانمائة.

683-

أبو العباس أحمد بن سعيد التيحميسي 3:

الشهير بالحباك المكناسي أصلا، الفاسي الفقيه الإمام الخطيب علامة شاعر متصوف نظم بيوع ابن جماعة التونسي محررة بما وضع عليها الإمام أحمد القباب. توفي سنة 870 سبعين وثمانمائة.

684-

سالم بن إبراهيم الصنهاجي المغربي:

قاضي القضاة بالشام والقدس مولده بالمغرب، وبه قرأ العلم، أسره الكفار ثم أنجاه الله، ولما ولي الشام سار بسيرة حسنة باحترام وعفة ونزاهة. توفي سنة 873 ثلاث وسبعين وثمانمائة عن نحو مائة سنة.

1 أم هانئ بنت محمد العبدوسي: نيل الابتهاج "348".

2 أبو العباس أحمد بن عمر المزجلدي: نبل الابتهاج "81".

3 أبو العباس أحمد بن سعيد التيجميسي "الحباك" أخبار مكناس "1/ 313، 315".

ص: 306

685-

أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي 1:

الجعفري الهاشمي الزينبي الجزائري الإمام العلم الزاهد القدوة الكامل صاحب الجواهر الحسان في تفسير القرآن، وروضة الأنوار في الفقه، قدر المدونة جمع فيها لباب نحو ستين دواوين المالكية المعتمدة من حصل عليه حصل على خزانة مالكية فقهية، وشرح ابن الحاجب الفرعي في سفرين مع جامع كبير ختمه به في جزء، وجامع الأمهات في أحكام العبادات وغيرها تآليف كثيرة. توفي بالجزائر سنة 875 خمس وسبعين وثمانمائة عن نحو تسعين سنة.

ونسبة الثعالبي إلى الثعالبة بوطن الجزائر قبيلة شهيرة به من عرب معقل والجعفري إلى جعفر بن أبي طالب الطيار شهيد مؤته، وينسب أيضا زينبي نسبة إلى زينب بنت علي بن أبي طالب، وفاطمة البتول زوجة عبد الله بن جعفر رضي الله عنهم، وقد بسط القول في هذا النسب الأطهر العلامة أحمد بن خالد الناصري في كتابه "طالع المشتري في النسب الجعفري" فانظره، فإنه مطبوع بفاس. وإلى قبيلة الثعالبة المذكورين ينتسب قبيلنا من حجاوة قال الناصري المذكور: والثعالبة جعافرة صرحاء في النسب المذكور ويأتي في ترجمة أبي مهدي عيسى الثعالبي أنه من هذا القبيل، صرح بذلك في الصفوة وغيرها كما صرح بذلك من ترجموا لأبي زيد المذكور، ويأتي في ترجمة الإمام أبي بكر الحجوي قريبا أنه منهم.

686-

أبو عبد الله محمد بن قاسم 2:

اللخمي نسبا المكناسي دارا، ثم الفاسي الشهير بالقوري بفتح القاف،

1 أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي الجعفري الهاشمي الزينبي الجزائري: أبو زيد، الثعالبي، الجزائري، ولد سنة 786، توفي سنة 875:

شجرة النور الزكية "264"، الضوء اللامع "4/ 152"، ونيل الابتهاج "173، 175"، وفهرس الفهارس "2/ 131، 132".

2 أبو عبد الله محمد بن قاسم اللخمي نسبا المكناس دارا: أخبار مكناس "3/ 595، 597".

ص: 307

وتقديم الواو على الراء الإمام المتبحر المفتي، المشاور الحجة الأنزه، آخر حفاظ المدونة بفاس، كان ينقل في درسه لها كلام المتقدمين والمتأخرين وذكر مواليدهم ووفياتهم، وضبط أسمائهم، ويشبع الكلام على الأحاديث التي يستدلون بها، له شرح في مختصر خليل، توفي بفاس سنة 872 اثنين وسبعين وثمانمائة.

687-

علي بن عبد الله نور الدين شهر بالسنهوري 1:

نسبة إلى قرية من قرى مصر شيخ المالكية بمصر، وكانت حلقته من أجل حلق العلم بها شرح المختصر بشرح جليل لم يكمل، وشرح الآجرومية، وله تعليق على التلقين على ما قيل قال تلميذه زروق: كان حافظا للفقه، عارفا بالنحو والأصول، وقال المنوفي: إنه رأس محقق زمانه. توفي سنة 889 تسع وثمانين وثمانمائة.

688-

أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن الحفيد 2: الشهير بابن رشد السجلماني قاضي حلب، ومن انتهت إليه رياستها توفي سنة 789 تسع وثمانين وسبعمائة.

689-

علي بن محمد بن محمد بن علي القرشي البسطي 3:

نزل غرناطة الشهير بالقلصادي الفقيه العالم المشارك الفرضي الرحلة

1 علي بن عبد الله نور الدين بالسنهوري: أبو الحسن، ولد سنة 814، مات سنة "889":

شجرة النور الزكية "258"، الضوء اللامع "5/ 249، 251"، نيل الابتهاج "168".

2 أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن الحفيد "ابن رشد السلجماني قاضي الحلب": أبو زيد، أبو المحاسن، الدمشقي، الشافعي، الكزبري الصغير، أو الكزبري الحفيد، مات سنة "1262":

فهرس الفهارس "1/ 484"، معجم المؤلفين "5/ 177، 178"، ثبت الكزبري ص"58، 120".

3 علي بن محمد بن محمد بن علي القرشي البسطي الشهير "القلصادي: أبو الحسن، القرشي البسطي، الأيدلسي، ولد سنة "815"، مات سنة "891":

معجم المؤلفين "7/ 230"، شذرات الذهب "6/ 308"، ونيل الابتهاج "168".

ص: 308

الحيسوبي من أئمة الأندلس المشهورين بكثرة التأليف، هاجر عن غرناطة لما نزلت بها المصيبة العظمى إلى أفريقية، وكان على قدم عظيم في الاجتهاد ومداومة التدريس ونشر العلم والتأليف، من تواليفه "أشهر المسالك إلى مذهب مالك"، وشرح مختصر خليل، والرسالة، والتلقين، و"هداية الأنام شرح مختصر قواعد الإسلام"، و"هداية النظار في تحفة الأحكام والأسرار" و"كشف الأسرار عن علم الغبار"، و"كشف الجلباب عن علم الحساب" وشرحان عن التلخيص و"كليات الفرائض"، وشرحها، وشرحان على التلمسانية، وشرح ألفية ابن مالك، والخزرجية في تواليف كثيرة بين شرح وتصنيف، بين بعضها في "نيل الابتهاج" فانظره. توفي بباجة أفريقية سنة 891 إحدى وتسعين وثمانمائة والقلصادي بفتح القاف واللام والصاد المهملة كما في "المنح البادية" وغيرها.

690-

أبو عبد الله محمد بن موسى بن محمد بن سند اللخمي1: المصري، ثم الدمشقي، حافظ متقن، وإمام متفنن، له عدة كتب في الحديث وغيره. توفي سنة 792 اثنين وتسعين وسبعمائة.

691-

أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن الشهير بحلولو2: اليزليتني الطرابلسي له شرحان على المختصر وآخران على جمع الجوامع، واختصر فتاوى البرزلي وغير ذلك. قال السخاوي: كان حيا سنة 895 خمس وتسعين وثمانمائة.

1 أبو عبد الله محمد بن موسى بن محمد بن سند اللخمي المصري ثم الدمشقي: حسن الحاضرة "1/ 203"، والدرر الكامنة "4/ 270"، وشذرات الذهب "6/ 326"، وتذكر الحفاظ "177، 368".

2 أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن الشهير بحلولو: الضوء اللامع "2/ 260، 261"، ونيل الابتهاج "83، 84".

ص: 309

692-

أبو عبد الله محمد بن يوسف بن عمر السنوسي 1:

وبه شهر التلمساني، ونسبته إلى قبيلة قربها من البربر، وأم أبيه شريفة حسنية عالم تلمسان ولسان متكلميها إمام مشهور تواليفه في العقائد على مذهب متأخري الأشعرية، كالكبرى والوسطى والصغرى وشرحها، مع صلاحه وزهده واشتهاره بذلك في الأقطار، ألف تلميذه الملالي تأليفا في التعريف به وبمناقبه وقد لخصه أحمد بابا السوداني في "نيل الابتهاج" قال: وبلغني أنه شرح فرعي ابن الحاجب، وله شرحان على الحوفية، وفتاو وأراجيز، وله تواليف كثيرة في فنون. توفي سنة 895 خمس وتسعين وثمانمائة عن نيف وستين سنة.

693-

أبو محمد عبد الله الورياجلي 2:

الفاسي علامة مشارك الصدر الأوحد ممن بلغ رتبة الاجتهاد أو كاد، وكان من فحول علماء الدنيا الذين تشد إليهم رحال طلاب العلم يقرئ المذاهب الأربعة، ينتصر لمذهب مالك كأنه المازري، ومن طالع أجوبته يقضي بصحة ذلك؛ إذ لا يذكر إلا الخلاف الكبير، ومن عادته أن يشتغل بالتدريس في فصلي الربيع والشتاء، ويخرج في فصلي الصيف والخريف للرباط، وحراسة ثغور القبائل الهبطية، ونشر العلم بها، وفضائله جمة، تولى رياسة العلم بفاس، وبها استقر إلى أن مات، وما كانت ترفع إليه إلا المعضلات المهمات.

توفي سنة 894 أربع وتسعين وثمانمائة، وقيل: في العشر الأولى من القرن العاشر.

1 أبو عبد الله محمد بن يوسف بن عمر السنوسي: السنوسي، التلمساني، الحسيني، ولد سنة "832"، مات سنة "895":

معجم المؤلفين "12/ 132، الحاشية".

2 أبو محمد عبد الله الورياجلي الفاسي: نيل الابتهاج "159".

ص: 310

694-

أبو مهدي عيسى بن أحمد بن محمد الماواسي البطوئي 1:

الفاسي بيتهم بيت علم وجلالة بها، وهو فقيهها ومفتيها وعالمها، أقام يخطب بفاس الجديد نحو ستين سنة، وله فتاوٍ نقل بعضها في "المعيار" تدل على كماله، وولي خطة الفتوى بعد الإمام القوري، ورقي أعلا درجاتها، وكان حافظا محققا من جلة الفقهاء وكبار العلماء توفي سنة 896 ست وتسعين وثمانمائة عن سن عالية.

695-

أبو عبد الله محمد بن يوسف العبدري الشهير بالمواق 2:

الغرناطي حضر استيلاء الإسبان على غرناطة، له شرح على مختصر خليل شرحه بنقل كلام الفقهاء الذي يؤيده، وما لم يجد له عاضدا سكت عنه، وهو صنيع لطيف يرجع بنا لاستحضار كلام الأقدمين، وقد طبع بمصر سنة 1328 توفي سنة 897 سبع وتسعين وثمانمائة.

696-

أبو العباس أحمد بن أحمد بن محمد بن عيسى زروق 3:

بوزن تنور البرنسي4 بضم النون الفاسي الإمام الفقيه المحدث الصوفي المشهور في العالم الإسلامي الرحالة، ذو التصانيف العديدة المفيدة، والمناقب

1 أبو مهدي عيسى بن أحمد بن محمد الماواسي البطوئي الفاسي: نيل الابتهاج "194".

2 أبو عبد الله محمد بن يوسف العبدري الشهير بالمواق الغرناطي: نيل الابتهاج "324، 325"، والضوء اللامع "10/ 98"، شجرة النور "262".

3 أبو العباس أحمد بن أحمد بن محمد بن عيسى زروق: نيل الابتهاج "84، 87"، والبستان "45، 50"، وسلوة الأنفاس "3/ 183، 184".

4 البرنسي نسبة إلى البرانس قبيلة بربرية قرب فاس، وزروق يقال لأزرق العينين، ثم صار علما. ا. هـ. "المؤلف".

ص: 311

الحميدة، والزهد والورع، والانكباب على العلم والهداية، له شرحان على الرسالة، وآخر على مختصر خليل، وشرح على إرشاد ابن عسكر، وابن القرطبية، والوغليسية، والغافقية والعقيدة القدسية للغزالي ونيف وعشرون شرحا على الحكم، والنصيحة الكافية، وكتابه القواعد في التصوف، مطبوع، وكتاب عدة المريدين فيه ما أحدثه الصوفية العالية في المؤلفين، بل والمنصفين والمرشدين، ذابا عن السنة، قوالا للحق، وهو آخر المحققين الجامعين بين الفقه والتصنيف، المحتج به عند الطائفتين، أخذ عن شيوخ المشرق والمغرب، وأخذوا عند كذلك. توفي سنة 899 تسع وتسعين وثمانمائة، ودفن بتكرين من أعمال طرابلس الغرب، وقبره هناك مشهور، وله طريقة خاصة في التصوف وأتباع رحمه الله.

697-

أبو العباس أحمد بن محمد بن زكري المانوي 1:

التلمساني علامتها ومفتيها، وحافظها المتفنن الأصولي الفروعي، المفسر الأبرع، له تآليف في مسائل القضاء والفتيا، وشرح عقيدة ابن الحاجب، والمنظومة الكبرى في علم الكلام تنيف عن ألف وخمسمائة بيت شرحها أئمة أعلام، وله فتاوٍ كثيرة منقولة في "المعيار" توفي سنة 899 تسع وتسعين وثمانمائة.

698-

أبو الحسن علي بن قاسم بن محمد التجيبي 2:

الشهير بالزقاق الفاسي مؤلف نظم المنهج المنتخب في اصول المذهب،

1 أبو العباس أحمد بن محمد بن زكري المانوي التلمساني: نيل الابتهاج "87، 88"، وفهرس الفهارس "4/ 438، 439".

2 أبو الحسن علي بن قاسم بن محمد التجيبي "الزقاق" الفاسي": أبو الحسن، التجيبي، ولد سنة "625":

وادي أشي "65"، الاستقصا "2/ 182"، شجرة النور "274".

ص: 312

ولاميته أيضا شهيرة في أحكام فقهية في مسائل جرى بها عمل فاس، ويكثر حدوثها، ويحتاج القضاة لمعرفتها. توفي سنة عالية سنة 912 اثنتي عشرة وتسعمائة.

699-

أبو العباس أحمد بن يحيى بن محمد بن عبد الواحد الوانشريسي 1:

التلمساني الأصل، الفاسي الدار، حامل لواء المذهب المالكي بالديار الأفريقية في وقته، وصاحب كتاب المعيار المشتمل على فتاوى فقهاء المغرب والأندلس وأفريقية جمع فأوعى، وهو من التآليف ذات الشأن عند فقهاء الوقت على ما فيه من ضعف بعض الفتاوى طبع بفاس واشتهر في العالم، وله تعليق على مختصر ابن الحاجب، وكتاب في القواعد الفقهية سماه "إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك" جمع نحو مائة قاعدة فقهية بني عليها الخلاف المالكي، ولكن كلها أو جلها مختلف فيها. وعن الاختلاف فيها نشأ الاختلاف في فروعها، فهو كفلسفة مفيدة وله وثائق، وكتاب في الفروع، وشرح وثائق الفشتالي وغيرها. توفي سنة 914 أربع عشرة وتسعمائة وفي "دوحة الناشر": في آخر العشرة الأولى في القرن العاشر إلا أن صاحب الدوحة لا يحرر الوفيات.

700-

أبو عبد الله بن عبد الله بن محمد اليفرني 2:

الشهير بالقاضي المكناسي نسبة إلى قبيلة مكناسة الفاسي قاضيها وإمامها الفقيه الشهير، مكث في قضائها بضعا وثلاثين سنة لعدله وسياسته وكفاءته،

1 أبو العباس أحمد بن يحيى بن عبد الواحد الوانشري التلمساني: نيل الابتهاج "87، 88"، وفهرس الفهارس "4/ 438، 439".

2 أبو عبد الله بن عبد الله بن محمد اليفرني الشهير بالقاضي المكناسي: جذوة الاقتباس "151"، وأخبار مكناس "3/ 599".

ص: 313

بيتهم بيت علم ووجاهة بفاس، وصار عليها سمة ابن القاضي وهو شيخ صاحب "المعيار"، وينقل فتاويه فيه وأحكامه، له تواليف، منها مجالس القضاة والحكام في سفر متوسط، وهو عمدة القضاء إلى الآن والتنبيه والإعلام فيما أفتاه المفتون، وحكم به القضاة من الأوهام، وكان لا يولي أحدا الشهادة إلا بعد اللتيا والتي، ويقول: من طلبها لي، فكأنما خطب ابنتي، وأصاب في ذلك، فإن بعض القضاة كان يقول للشهود: أنتم القضاة ونحن المنفذون، وهكذا كان شأن الشهادة إلى أن تولى عبد الرحمن الطرون، فإنه كسر الباب، وأدخل لها الغث والسمين. توفي سنة 917 سبع عشر وتسعمائة. عن ثمان وسبعين سنة.

701-

أبو عبد الله محمد بن أحمد بن غازي العثماني 1:

المكناسي الأصل مكناسة الزيتون ثم الفاسي شيخ الجماعة بها والذي انتهت إليه رواية السنة بأفريقية، وفهرسته خير دليل على ذلك، واجتماع علماء المغرب على الأخذ عنه وتوثيقه وقبول روايته، الإمام الحافظ المشارك في الفنون العقلية والنقلية صدرا في القراءات والتجويد، عارفا بوجوهه، وصدرا في الحديث ورجاله، والتفسير والفقه، ورياضي كبير، وكانت إليه الرحلة في الأقطار الإفريقية، غزا بنفسه غير ما مرة، وكان يحرض عليه في خطبه، جامع أشتات الفضائل، ذو التصانيف العجيبة في القراءات والحديث والعربية والحساب والعروض والفقه، خطيب القرويين وإمامها، له تقييد على البخاري، وله شفاء الغليل شرح مختصر خليل، وتكميل التقييد على المدونة، وحل مشكل كلام ابن عرفة، وله المنية منظومة في الحساب وشرحها متداولة بين الناس في سفر ضخم، تدل على أن العلوم الرياضية كانت بالمغرب زاهرة في القرن العاشر، وتآليف أخرى كلها غرر توفي شهيدا ذهب للحراسة بنفسه على شيبته في الثغور المغربية، فمرض وجيء به لفاس عليلا فتوفي سنة 919 تسع عشرة وتسعمائة عن ثمان وسبعين سنة، فقد كان مجددا رحمه الله، وكانت له اليد الطولى في إنقاذ بلده من

1 أبو عبد الله محمد بن أحمد بن غازي العثماني المكناسي الفاسي: نيل الابتهاج "333"، وشجرة النور "267"، وفهرس الفهارس "1/ 210".

ص: 314

الاحتلال البرتغالي والتسلط الأجنبي.

702-

أبو عبد الله محمد بن أبي الهبطي الصماتي 1:

الفاسي الإمام الفقيه النحوي الفرضي الأستاذ المقرئ وهو الذي يقرأ أهل المغرب بالوقف الذي جعله في القرآن الكريم منذ زمنه إلى الآن مطبقين عليه، وهو أخذه عن الإمام ابن غازي شيخه، وإن كان في بعضه نظر، وإن تلقاه قراء المغرب بالقبول. توفي سنة 930 ثلاثين وتسعمائة.

703-

أبو الحسن علي بن هارون المطغري 2:

مطغرة تلمسان أصله منها، وانتقل جده إلى فاس إمام علامة مفتي فاس، وحامل راية المذهب بها، راوية فحل من فحولها، جلس إلى الإمام ابن غازي يأخذ عنه الفقه تسعة وعشرين سنة، وإلى الإمام الونشريسي صاحب "المعيار" وغيرهما، وانتهت إليه رياسة الفقه والإفتاء بعدهما والتدريس، ونفع العباد، ونشر الدين والخطابة بالقرويين، وصار شيخ الجماعة في وقته، تشد إليه الرحال، واقرأ المدونة في حياة ابن غازي، وممن أخذ عنه سيدي رضوان الجنوي والمنجور وغيرهما. توفي سنة 951 إحدى وخمسين وتسعمائة، وقد أناف على الثمانين.

704-

أبو محمد عبد الواحد بن الإمام أحمد بن يحيى الونشريسي 3:

الزناتي الفاسي إمام وقته في الفقه من غير مدافع، متضلع في الأدب

1 أبو عبد الله محمد بن أبي الهبطي الصماتي الفاسي: الصماتي بضم المهملة نسبة إلى صماته قبيلة جبلية بالمغرب الشمالي والهبطي بفتح أوله نسبة بلاد الهبط معروفة هناك. ا. هـ. "المؤلف".

2 أبو الحسن علي بن هارون المطغري مطغرة تلمساني: نيل الابتهاج "212".

3 أبو محمد عبد الواحب بن الإمام أحمد بن يحيى الونشريسي الزناتي الفاسي: نيل الابتهاج "188".

ص: 315

والأصول مشارك في الفنون محقق للجميع مع طلاقة لسان، وحسن بيان وثبات جنان، ولطف وحسن شمائل، وجودة فهم وخط، وشعر لا يقارع فيه، صحيح الدين، متين الورع، معيب وقور، متقدم في الإنشاء وعقد الشروط مجلسه يحضره أكابر العلماء.

تولى القضاء ثمان عشرة سنة، ثم الفتيا بعد شيخه ابن هارون، وهو في ذلك مداوم على الدروس، عدل في أحكامه، أخذ عن والده صاحب المعيار وابن غازي وغيرهما، ومن تواليفه نظم قواعد مذهب مالك بن أنس لخص فيه إيضاح المسالك لوالده، وزاد عليه زيادات رائقة، وشرح مختصر ابن الحاجب الفرعي في أربعة أسفار، وشرحه على الرسالة مطول عجيب، ونظم تلخيص ابن البناء في الحساب، وله تعليق حسن على البخاري لم يكمل، وله أزجال وموشحات لرقة طبعه، ومن قوته في الدين أن السلطان أبا العباس المريني أبطأ في الخروج لصلاة العيد حتى حان الظهر، وبعد خرجوه رقي المنبر، فقال: الله آجركم في صلاة العيد، ثم أمر المؤذن أن يؤذن للظهر، فصلى بهم الظهر، وانصرف، ولم يراع سلطان ولا غيره. توفي قتيلا شهيدا سنة 955 خمس وخمسين وتسعمائة عن نحو سبعين سنة.

705-

أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن اليسيتني 1:

بفتح التحتانية وكسر السين المشددة نسبة إلى قبيلة بربرية الفاسي عالمها ومفتيها الفقيه المشارك المتقدم في العلوم، رحل للأقطار، وأتى بعلوم كانت اندثرت من الديار الأفريقية فأحياها، له شرح مختصر خليل إلى النواقض، وجزء في حقوق السلطان على الرعية وحقوقها عليه، وآخر في الرد على البلبالي في إنكاره القول بطهارة بول المريض الذي صارت له أوصاف الماء بحيث باله كما

1 أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن اليسيتني الفاسي: نيل الابتهاج "338، 339"، وسلوة الأنفاس "3/ 59، 60".

ص: 316

شربه وتواليف أخرى في علم الكلام وغيره. توفي سنة 959 تسع وخمسين وتسعمائة.

706-

أبو زيد عبد الرحمن بن علي سقين 1، 2:

السفياني العاصمي الفاسي، الفقيه الخطيب، المحدث الراوية الرحالة، لقي بمصر جماعة، منهم برهان الدين القلقشندي، وزكريا الأنصاري القاضي، وابن فهد بمكة، والسخاوي كلهم عن الحافظ ابن حجر العسقلاني، وعنه أخذ المنجور، وأبو راشد البدري ورضوان الجنوي وغيرهم، كل ذلك مبين في أسانيدنا. توفي سنة بفاس سنة 956 ست وخمسين وتسعمائة عن ثلاث وثمانين سنة.

707-

عمر بن محمد الكماد الأنصاري القسطنطيني:

الفقيه العالم الكبير المتفنن المحقق الراسخ، الصالح الأحوال ألف كتاب البضاعة المزجاة على طريق الطوالع والمواقف في غاية التحقيق والإيضاح، وفتاوى في الفقه وتعليقا على قول "خ": وخصصت نية الحالف، وكتابا حفيلا في الرد على الشبوبية أصحاب المرابط عرفة القيرواني وغيرها توفي سنة 960 ستين وتسعمائة.

708-

أبو عبد الله محمد بن أبي الفضل المدعو خروف التونسي الأنصاري:

الملقب جار الله الإمام الفقيه الأصولي المحدث الأديب المشارك المتبحر، قرأ

1 سقين مصغر مشدد القاف كما في "المنح البادية".

2 أبو زيد عبد الرحمن بن علي سقين السفياني العاصمي الفاسي: أبو زيد، العاصمي، السفياني، العصري الفاسي، الشهرة سقي، سقير، توفي سنة "956":

فهرس الفهارس "2/ 987"، شجرة النور الزكية "279".

ص: 317

بأفريقية ومصر، وأسر، ففداه السلطان أحمد الوطاسي، فاستوطن فاسا، فدد بها سند العلوم المعقولية، وعنه أخذ على الحقيقة، وكان له على المنقولات أيضا سند عال، وهو ممن ضمت فهرستنا سنده الكريم، أخذ بفاس عن سقين وعلي بن هارون، وعبد الواحد الونشريسي وغيرهم، وأخذ عنه سيدي رضوان والمنجور، والقصار، وسيدي يوسف الفاسي وغيرهم.

توفي سنة 966 ست وستين وتسعمائة.

709-

القاضي حسين المكي 1: نشر العلم بها وفيمن يرد إليها، ويحسن لطلبتها وفقرائها، وعين لقضاء القضاة في المدينة المنورة، ثم صار شيخ الإسلام وناظر المسجد الحرام، وخطيب الموقف. توفي سنة 990 تسعين وتسعمائة.

710-

أبو النعيم رضوان بن عبد الله الجنوي 2:

الفاسي الفقيه المحدث، أورع أهل زمانه وواحد وقته علما وعملا، شريف الخلال، لطيف الصفات، شديد الاتباع للشروع وآداب السنة، لا يذكر غائب بحضرته إلا بما اقتضاه العلم، ولا يترك أحدا يقبل يده، ويقول: ما مد يده إلا مأذون أو مجنون أو طرمون، ولست بواحد منهم قال فيه الإمام القضار: رضوان الرجل الصالح لو أدركه أبو نعيم لجعله في "الحلية" وقد ألف في مناقبه تلميذه أحمد بن موسى المرابي تحفة الإخوان في مجلد، والشيخ رضوان قد ألف كتابا في الفقه، وله نظم الحلية لأبي نعيم، وتقاييد كثيرة.

توفي سنة 991 إحدى وتسعين وتسعمائة عن تسع وسبعين سنة، ولم يخلف بعد تجهيزه ما يورث عنه سوى حصير الصلاة، وخيط يشمر به أكمامه للوضوء لزهده وورعه، وأعجب من ذلك أنهما بيعا بسبعين مثقالا، وحين

1 حسين المكي "القاضي": شذرات الذهب "8/ 419".

2 أبو النعيم رضوان بن عبد الله الجنوي الفاسي: اليواقيت الثمينة "1/ 151، 152"، وفهرس الفهارس "1/ 325، 326".

ص: 318

رفعت لابنته التي لم يترك وارثا سواها أبت من قبولها، وقالت: إنهما لا يساويان هذا القدر، فاشتروا بها بقعة وبنوا بها زاوية هي باسمه إلى الآن بفاس.

والجنوي نسبة إلى جنوة بلد بإيطالية أسلم أبوه بها لما رأى فرسه راث ليلا بكنيسة، فجاء الرهبان صباحا وباعوا الروث بمال عظيم بدعوى أن المسيح أتى للكنيسة فراث فرسه، فهجر دينا خرافيا وجاء للمغرب، فأسلم وتزوج يهودية أسلمت، فولد لهما سيدي رضوان رحمه الله.

711-

أبو العباس أحمد بن علي المنجور 1:

الفاسي الإمام المحصل المشارك عارف بالرجال والحديث والفقه والعربية والتعاليم وله تآليف، منها نظم الفوائد في الكلام، وشرح المنهج المنتخب إلى قواعد المذهب في الفقه وغيرها، وله شعر رائق. توفي سنة 995 خمس وتسعين وتسعمائة.

712-

أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن الحطاب الرعيني 2:

المغربي الأصل المولود بمكة، له شرح على المختصر الخليلي جليل استمد منه كل من شرحه بعده، وهو أكثر الشروح تحريرا وإتقانا، وعليه اعتمد البناني وابن سودة والرهوني في كثير من تعقباتهم على الزرقاني، وله غيره من المؤلفات الحسنة.

توفي سنة 954 أربع وخمسين وتسعمائة.

1 أبو العباس أحمد بن علي المنجور الفاسي: أخبار مكناس "1/ 319، 332"، وسلوة الأنفاس "3/ 60"، نيل الابتهاج "95، 98".

2 أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن الحطاب الرعيني المغربي الأصل: نيل الابتهاج "337، 338".

ص: 319

713-

محمد بن عبد الله الوجديجي الملقب شقرون 1:

التلمساني وفد على السلطان بفاس، فأكرمه، وولاه الفتوى بمراكش وسائر أقطار المغرب فكان يتردد لنشر العلم بينها وبين فاس وأخذ عنه أعيانهما كان مفننا عارفا بالأصلين والمعقول والحساب والفرائض نافذا في الفروع الفقهية منطبعا معها يحسن النوازل ويقوم على مختصر ابن الحاجب أتم قيام، له شرح على التلمسانية في الفرائض، فكان عالم الزمان وفارس المنابر وعروس الكراسي طلق اللسان منفسح الصدر كثير المعرفة يحضر مجلسه أعيان الفقهاء والسلطان بنفسه وانتفع به العموم. توفي سنة 983 ثلاث وثمانين وتسعمائة عن خمس وسبعين.

714-

أبو العباس أحمد بن الحسن بن يوسف الشهير بابن عرضون 2:

الزجلي3 باللام الشفشاوني بلد بشمال المغرب قاضيها وعالمها، وفقيهها، له كتاب اللائق في الوثائق حسن في بابه، وآخر في الأنكحة مجلد ضخم.

توفي سنة 992 اثنين وتسعين وتسعمائة، وكان أبوه أبو علي الحسن فقيها أيضا له أجوبة في الفقه تؤذن باتساعه في العلم وتأتي ترجمة أخيه أبي عبد الله عرضون.

1 محمد بن عبد الله الوجديجي الملقب شقرون التلمساني: نيل الابتهاج "340"، البستان "261".

2 أبو العباس أحمد بن الحسن بن يوسف الشهير بابن عرضون الزجلي: اليواقيت الثمينة "1/ 18".

3 الزجلي نسبة إلى أزجل على غير قياس مدينة مهمة كانت قرب وزان بجبال الهبط من المغرب الأقصى، فخربت بالفتن، ولا زالت آثارها وهي الآن مدثر. ا. هـ. "المؤلف".

ص: 320

715-

يحيى بن محمد الحطاب المكي 1:

فقيه مكة وعالمها، متفنن بارع مؤلف، له تواليف في الفقه والمناسك والعروض، منها الالتزامات، كتاب مطبوع وغيرها. توفي بعد ثلاث وتسعين وتسعمائة، وهو حفيد الحطاب السابق.

716-

إبراهيم بن علي بن محمد بن فرحون 2:

وبه شهر برهان الدين اليعمري الجياني الأصل، المدني المولد والدار، قاضيها وعالمها، جامع للفضائل، ومشارك في الفنون، واسع العلم، فصيح القلم، كثير العبادة، زاهد، رحل إلى مصر والشام وغيرها، وتولى قضاء المدينة المنورة، فأحسن السيرة فيها، لم تأخذه في الله لومة لائم، مات في بيت الكراء وعليه دين كثير. ألف تواليف مهمة كشرح ابن الحاجب، و"درر الخواص"، وهي ألغاز في الفقه لم يسبق لمثله، و"تبصرة الحكام" و"الديباج المذهب في رجال المذهب"، ولخصت عنه كثيرا من التراجم في هذا المجموع وغيرها من التواليف الحسان. انظر ترجمته الحفيلة في "نيل الابتهاج"، توفي سنة 999 تسع وتسعين وتسعمائة.

717-

الشيخ محمد بن محمد التبنبكتي 3:

عرف ببغيغ بباء موحدة مفتوحة فغين معجمة فياء مثناة مضمومة، فعين مهملة، الفقيه الصالح العابد الناسك من العلماء العاملين قال في "تكميل الديباج" لا يبعد عندي أن يكون هو العالم المبعوث على رأس هذا القرن، وذكر

1 يحيى بن محمد بن الحطاب المكي: حاشية الأكمال "3/ 165"، نيل الابتهاج "360".

2 إبراهيم بن علي بن محمد بن فرحون: الدرر الكامنة "1/ 48"، ونيل الابتهاج "30، 32"، وشذرات الذهب "6/ 357".

3 محمد بن محمد التبنبكتي "عرف ببغيغ": الونكري، التنبكي، ولد سنة "796"، مات سنة "835":

معجم طبقات الحفاظ ص"169"، طبقات الحفاظ "545"، الأعلمي "2/ 128".

ص: 321

الرهوني في فصل المباح من الطعام أن علماء السودان يزعمون أنه المبعوث على رأس الألف في نظرهم. ونقل عن أبي العباس المقري أنه رأى له حاشية على المختصر وشراحه تدل على سعة تبحره.

وذكر في الصفوة أنه توفي سنة 1002 اثنتين وألف. وقد ترجمه في "تكميل الديباج" و"خلاصة الأثر" وغيرهما.

718-

أبو محمد عبد الواحد بن أحمد الحميدي:

مصغيرا إمام كبير وعلم شهير، حامل لواء المذهب المكالي بفاس بوقته، بل بالمغرب مع المشاركة في كثير من الفنون، مفتي فاس وقاضيها الذي طالت ولايته أزيد من ثلاثين سنة لم تطل لغيره إلا القاضي المكناسي اليفرني والقاضي بوخريص إلا أن هذا أعفي في آخر عمره، وقد أكثر علماء فاس من نقل العمليات عنه، ووصفه جمهور المؤرخين بالعدل وحسن السيرة، ولا يلتفت لما لمزه به في "الجذوة" نخرج به علماء كثيرون، وزثنوا عليه وعلى أحكامه وقضاياه، وبيتهم بيت علم وجلالة بفاس.

توفي سنة 1003 ثلاث وألف.

719-

أبو القاسم بن قاسم بن محمد أبي القاسم بن سودة المري الغرناطي الأصل الفاسي

العلامة المتفنن المفتي القاضي بتازة، ثم مراكش المشارك وهو ممن نقل عنه أصحاب العمليات وغيرهم، ولعله أول من اشتهر من هذا البيت بفاس، ونشر العلم في المغرب، وأخذ عنه الجمع الكثيرون وهو أخذ عن الحميدي السابق، توفي سنة 1004 أربع وألف.

ص: 322

720-

يحيى بن محمد بن محمد بن محمد السراج النفزي الحميدي الأندلسي:

حفيد يحيى السراج الكبير، علم الأعلام مفتي فاس وخطيبها من العلماء المبرزين المشاركين في الفقه والتفسير، والأصول العارفين المتقنين للنحو والفقه، يعرف المدونة ويدرسها يحفظ مختصر خليل، وله به عناية حتى ألف عليه حاشية، ولما ولي الفتوى، اجتهد وحرر النقول، وتحرى الحق، لا يخرج عن المشهور له تعرف له هفوة قط من صغره.

توفي سنة 1007 سبع وألف وما كان يتخذ مأكولا مخصوصا ولا ملبوسا كأبناء جنسه رحمه الله بل يقنع بأقل ما تيسر.

721-

بدر الدين محمد بن يحيى المصري الشهير بالقرافي 1:

القاضي المالكي بها، له شرح على المختصر، وآخر على القاموس، وتعليق على أوائل ابن الحاجب، وذيل ديباج ابن فرحون في طبقات المالكية ذكر فيه ما ينيف على ثلاثمائة شخص في أربعة كراريس أو خمسة، وشرح الموطأ والتهذيب بين فيه مشهور ما فيه من الخلاف. توفي سنة 1009 تسع وألف.

722-

أبو العباس أحمد بن محمد الذهبي 2:

المنصور سلطان المغرب والسودان وجوهرة عقد دولة السعديين اليتيمية، كان من أهل العلم والسياسة والكياسة والرياسة، قد ترجمه غير واحد من المؤرخين، ووصفوه بالعلم وحسن التدبير والسياسة، ولنقتصر على نظم منسوب

1 بدر الدين محمد بن يحيى المصري "القرافي" القاضي المالكي: توفي سنة 1009:

خلاصة الأثر "4/ 258، 262"، ونيل الابتهاج "342".

2 أبو العباس أحمد بن محمد الذهبي المنصور: الاستقصا في أخبار المغرب الأقصى "3/ 42، 95"، وخلاصة الأثر "1/ 222".

ص: 323

للإمام أبي عبد الله محمد القصار مفتي فاس الشهير ونصه:

ولم نجد من جدد الدين سوى

إمامنا المنصور فالكفر توى

بخيله وناره1 أحيا العلوم

وأهلها وكتبها على العموم

في كل يوم جوده على الشريف

ثم الأسير والفقيه والتريف

أما المساجد فكالجنات

حسنا وتدريسا على الساعات

أبقاه ربنا لإحيا الدين

في قوة وغلب متين

وكفى بشهادة مثل هذا الإمام أن جعله مجددا. توفي سنة 1012 اثنتي عشرة وألف.

723-

أبو عبد الله محمد بن قاسم القيسي الغرناطي 2:

الشهير بالقصار عالم بفاس بل المغرب ومفتيه ورحلته ومحدثه ومعقوليه، وهو الذي أحيا المعقول بفاس هو والإمام المنجور بعدما كان اندثر، واقتصروا على النحو ونحوهما وكذلك رحل ليسيتني، فجاء بشيء من ذلك، فأخذ عنهما المنجور والقصار ونفعا من بعدهما، وإليهما مرجع شيوخ المغرب دراية ورواية، وبقي القصار بعد المنجور، فكان النفع به أكثر.

توفي سنة 1012 اثنتي عشرة وألف.

1 أشار بقوله -وناره- لاستعمال الأسلحة النارية البارودية مكاحل ومدافع. ا. هـ. "المؤلف".

2 أبو عبد الله محمد بن قاسم القيسي الغرناطي الشهير بالقصار: أبو عبد الله، القصار، الغرناطي، الفاسي، القيسي، المتوفي سنة 1012:

فهرس الفهارس والحاشية "2/ 965"، شجرة النور الزكية "295".

ص: 324

724-

أبو عبد الله محمد بن الحسن بن يوسف الشهير بابن عرضون الزجلي الشفشاوني 1:

قاضيها وعالمها، متبحر مشارك في العلوم، وكان له شعر رائق، له تواليف حسنة كشرح الرسالة، وشرح حفيدة السنوسي، والممتع المحتاج في آداب الزواج، انتقل لفاس، وبها توفي سنة 1012 اثنتي عشرة وألف.

725-

أبو المحاسن يوسف بن محمد بن يوسف بن عبد الرحمن الفاسي الفهري: العالم الإمام النظار، له آثار جليلة توفي سنة 1013 ثلاث عشرة بعد الألف.

726-

أبو النجا سالم بن محمد السنهوري 2:

شيخ المالكية بمصر في وقته، له حاشية على المختصر لخصها من الخطاب. توفي سنة 1016 ست عشرة وألف عن نحو سبعين خريفا.

727-

محمد بن علي بن محمد الشبراملسي 3:

المصري إمام المالكية في وقته المتضلع من العلوم، صرف وقته في التحصيل والتأصيل والتفريع، وله مشاركة في العلوم العقلية وألف مؤلفات كثيرة. قال في الخلاصة: كان سنة 1021 إحدى وعشرين وألف موجودا وفي "الصفوة".

توفي سنة 1087 سبع وثمانين وألف.

1 أبو عبد الله محمد بن الحسن بن يوسف الشهير بابن عرضون الزجلي الشفشاوني: هدية العارفين "2/ 265".

2 أبو النجا سالم بن محمد السنهوري: توفي سنة "1016":

خلاصة الأثر "2/ 204"، واليواقيت الثمينة "1/ 155"، ونيل الابتهاج "126".

3 محمد بن علي بن محمد الشبراملسي المصري: خلاصة الأثر "4/ 44".

ص: 325

728-

محمد بن علي بن إبراهيم الإسترابادي 1:

نزيل مكة الحافظ صاحب كتب الرجال الثلاثة المشهورة، وله مؤلفات كثيرة، منها شرح آيات الأحكام، وفضله شهير. توفي سنة 1028 ثمان وعشرين وألف.

729-

الشيخ أحمد الفاروقي السرهندي 2:

النقشبندي من علماء الهند. ذكر النبهاني في "جواهر البحار" أنه المجدد على رأس الألف يعني بقطرة توفي سنة 1034 أربع وثلاثين وألف.

730-

أبو العباس أحمد بن أحمد المدعو بابا السوداني 3:

من مدينة تمبكتو صنهاجي مسوفي، بيتهم بيت علم من نحو خمسمائة سنة، ألف نحو أربعين كتابا، منها شرح على المختصر، لم يكمل وحاشية على المختصر، أيضا تامة في سفرين، و"نيل الابتهاج" ذيل الديباج في طبقات المالكية، مطبوع كانت له مشاركة في فنون، وامتحن بالأسر، وضياع خزانة كتبه التي كانت تنيف على ألف وستمائة مجلد على أنه أقل عشيرته كتبا لما استولى أحمد المنصور السعدي على بلده، ثم سرح، فنشر العلم بمراكش، وأقبل عليه طلابه بها، بل قضاتها وأعيان علمائها واشتهر ذكره من سوس إلى بجاية ثم عاد لبلاده مسرحا.

توفي سنة 1036 ست وثلاثين وألف.

1 محمد بن علي بن إبراهيم الإسترابادي: الميوزا، مات سنة 1028:

معجم المؤلفين "10/ 298"، خلاصة الأثر "4/ 96"، دائرة الأعلمي "27/ 54، 69".

2 الشيخ أحمد الفاروقي السرهندي النقشبندي: سبحة المرجان "47".

3 أبو العباس أحمد بن أحمد المدعو بابا السوداني: خلاصة الأثر "1/ 170، 172".

ص: 326

731-

عبد الرحمن بن محمد الفهري القصري 1:

الشهير بالعارف الفاسي، إمام جليل، أخذ عن أبي المحاسن أخيه والقصار والمنجور وغيرهم، وقد أفرد ترجمته سيدي عبد الرحمن بن عبد القادر بتأليف، له شرح السنوسية، وحاشية على خليل، وأخرى على البخاري، وغيرها. توفي سنة 1036 ست وثلاثين وألف.

732-

عبد الواحد بن أحمد بن أحمد بن علي بن عاشر الأنصاري 2:

الفاسي منشأ ودارا، عالم محقق مشارك غزا في سبيل الله، وألف تواليف مفيدة، منها نظمه المسمى "المرشد المعين على الضروري من علوم الدين" يحفظه ولدان المغرب، وألف محاذات مختصر خليل، والجمع بين أصول الدين وفروعه، وشرحا على المختصر، التزم نقل لفظ ابن الحاجب والتوضيح لم يكمل، وله حاشية على التتائي، وغير ذلك. توفي سنة 1040 أربعين وألف.

733-

أبو علي الحسن بن رحال المعدني 3:

المكناسي الأصل، الفاسي الدار، قاضي فاس العليا إمام محقق نقاد فقيه، مفتي فاس حافظ للمذهب المالكي، له على مختصر خليل حاشية في عدة أسفار، وله شرح عليه لم يكمل، وحاشية على شرح ميارة على "تحفة الحكام" مطبوعة بمصر، وله غيرها. توفي سنة 1040 أربعين وألف.

1 عبد الرحمن بن محمد الفهري القصري الشهير "بالعارف" الفاسي: اليواقيت الثمينة "1/ 191"، وخلاصة الأثر "2/ 378، 379".

2 عبد الواحد بن أحمد بن أحمد بن علي بن عاشر الأنصاري الفاسي: ريحان الأدب "8/ 88".

3 أبو علي الحسن بن رحال المعداني المكناسي الأصل الفاسي الدار: اليواقيت الثمينة "1/ 135"، 137"، وأخبار مكناس "3/ 7، 9".

ص: 327

734-

أبو العباس أحمد بن محمد المقري 1:

شهاب الدين مفتي فاس الرحالة الشهير التلمساني الأصل، الحافظ المتقن، الأديب المؤرخ، أقام مفتيا بفاس 13 سنة، ورحل للمشرق، فحج مرارا، ونشر العلم بمصر والشام والحجاز وبيت المقدس، له كتاب "نفح الطيب" و"زهر الرياض في أخبار عياض"، وغيرهما. توفي بمصر سنة 1041 إحدى وأربعين وألف، وهذا من الرجال الذين خصت تراجمهم بالتأليف.

735-

أبو العباس أحمد وعلي ومحمد السوسي 2:

والواو في لغة البربر بمعنى ابن فأبوه علي، وجده محمد وهو بو سعيدي هشتوكي صنهاجي أحد الأعلام الزهاد المجتهدين والأئمة المهتدين بارع في العلوم، مشارك زاهد متقشف، ومن زهده كان لا دار له يأوي إليهما، بل في مدرسة المصباحية ثواؤه، وله بلدة وهبها له بعض أهل الخير والدين يحرثها بيده، ويجمع زرعها، فلا يأكل إلا منه يجعله قرصة، ويشويه على النار، وكانت تجبى إليه العطايا من الآفاق لشهرة أمره، فلا يلتفت إليها لئلا تفتنه، ولا يتوسع اقتصارا على الضرورة، وإلا فقد قبل البلد التي كان يحرث فيها للضرورة لتحققه بأصلها، ولما فرش بعض الولاة صحن القرويين بالآجر، ترك المرور به تورعا، وربما داوى الأمراض بدقيقة الذي يتقوت به، ويقول: إن الحلال ترياق الأمراض الصعبة.

ولما جاءه تلميذ الشيخ مياره بشرح المرشد الكبير ليكتب عليه، عاب عليه كونه لم يتعرض لشيء من أحوال الآخرة. وإذا عرف بأحد من أشياخه يقول: القطب العارف بالله الزاهد وهذه أمور خفية فمن أين لنا أن نشهد بها وكتب في

1 أبو العباس أحمد بن محمد المقري شهاب الدين: خلاصة الأثر "1/ 302، 311"، وسلافة العصر "589"، فهرس الفهارس "2/ 13، 15"، وريحانة الألبا "293".

2 أبو العباس أحمد وعلي ومحمد السوسي: اليواقيت الثمينة "1/ 31، 32"، فهرس الفهارس "1/ 179".

ص: 328

ذلك رسالة ذكرها ميارة بحروفها آخر الشرح المذكور قائلا: ينبغي للمؤرخ أن يقتصر في أوصاف من يؤرخهم على ما هو ظاهر كالعلم وحسن الإدراك والإتقان ونحو هذا. قلت: ولهذا تجنبت كثيرا من تلك الأوصاف الباطنة إلا إن كانت صادرة عن ثقة أو مشاهدة في نحو الوصف بالزهد والورع، أما الولاية ومراتبها، فتلك أمور لا سبيل لنا لقبول قول قائل فيها، فوكلناه إلى الله سبحانه تحريا للصدق المتعين على أمانة المؤرخ لأنها مشترطة بحسن الخاتمة {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} ومن أين لنا الاطلاع على ذلك كما قال الشيخ المذكور، وللمترجم تواليف "وصلة الزلفي" و"بذل المناصحة" وتأليف في التعريف بالعشرة المبشرين، وبآل بدر، وغالب كلامه في الزهد والورع. توفي سنة 1046 ست وأربعين وألف عن ست وخمسين سنة رحمه الله.

736-

إبراهيم بن إبراهيم بن حسن اللقاني 1:

له سعة اطلاع في الفقه والفتوى والحديث، وله التآليف المفيد كمنظومته في العقائد، وحاشيته على مختصر خليل، وغيرها في فنون شتى، متفق على جلالته ولم يكن أحد من أهل عصره مثله تلاميذ. توفي سنة 1041 إحدى وأربعين وألف.

737-

أبو بكر بن مسعود المراكشي مفتي المالكية بدمشق:

ولد بمراكش، وقرأ بمصر، له مشاركة، وتولى تدريس الغزالية. توفي سنة 1032 اثنين وثلاثين وألف.

738-

أبو القاسم بن محمد السوسي 2:

المغربي نزيل دمشق، ومفتي المالكية بها، فريد عصره في الفتوى، شهم

1 إبراهيم بن إبراهيم بن حسن اللقاني المصري: خلاصة الأثر "1/ 6، 9"، واليواقيت الثمينة "1/ 85، 86"، وفهرس الفهارس "1/ 90".

2 أبو القاسم بن محمد السوسي المغربي: خلاثة الأثر "1/ 145"، واليواقيت الثمينة "1/ 100".

ص: 329

غيور على الدين، مهاب لدى الحكام، مرجوع إليه في المشورة، حدث بالجامع الأموي، فانتفعوا به مع معرفته بالقراءات، له شرح على الشاطبية وعلى النشر. توفي سنة 1038 ثمان أو تسع وثلاثين وألف.

739-

أبو الحسن علي بن عبد الواحد بن محمد بن أبي بكر الأنصاري 1

ينسب إلى سعد بن عبادة السجلماني الأصل السلوي الدار، ثم الجزائري نشأ بسجلماسة، وقرأ بفاس، ورحل للمشرق، فأخذ عن علماء مصر، واستوطن سلا، وبها نشر علمه، وألف تآليف كاليواقيت الثمينة نظم في قواعد المذهب، ونظائر الفقه على نسق منهج الزقاق، وقد من الله عليه بتملكه مخطوطا مع شرح أبي القاسم بالرباطي عليه بخط مؤرخ الرباط الضعيف، وشرح على المنهج المذكور، وتفسير لم يكمل، ونظم في السير، وشرح على التحفة، ونظم في الطب والتشريح والأصول، وغير ذلك وأثنى عليه في الصفوة، ونفح الطيب، والبدور الضاوية، وغيرها، وفي آخر أمره استوطن الجزائر.

قال العياشي: وهو عمدة أبي مهدي الثعالبي، وعنه أخذ كثيرا، وتوفي بها بالطاعون سنة 1054 أربع وخمسين وألف.

740-

أبو مهدي عيسى السكتاني المراكشي 2:

مفتيها وقاضيها علامة نظار، خاتمة الكبار، أوحد علماء عصره قال تلميذه محمد بن محمد بن سليمان في فهرسته: إنه مجدد هذا القرن، وإنما ستر الله مقامه بالقضاء، درس التفسير، وجاء العلماء للأخذ عنه من أقطار بعيدة، له

1 أبو الحسن علي بن عبد الواحد بن محمد بن أبي بكر الأنصاري السجلماسي: أبو الحسن، السجلماسي، الجزائري، الأنصاري، مات سنة 1057:

شجرة النور الزكية "308"، خلاصة الأثر "3/ 173".

2 أبو مهدي عيسى السكتاني المراكشي: خلاصة الأثر "3/ 235، 236".

ص: 330

مؤلفات، منها حواشيه على أم البراهين للسنوسي. توفي سنة 1062 اثنتين وستين وألف وقد أناف على المائة.

741-

أبو الحسن علي الأجهوري 1:

المصري أحد شيوخ الفقه والتصوف، والعلوم العربية شيخ المالكية في الدنيا بوقته، بذاك وصفه العياشي في رحلته. شرح مختصر خليل بشرح حفيل، استمد منه كل من جاء بعده على ما فيه من أغلاط اعتنى المغاربة بتصحيحها، وحاشية عليه لطيفة في نحو عشر كراريس من الله علي بملكها. وله شرح على الرسالة في تآليف أخرى. توفي سنة 1066 ست وستين وألف عن نحو مائة سنة.

742-

سعيد قدورة بن إبراهيم التونسي 2:

الأصل الجزائري المولد والدار، عالم القطر الجزائري في وقته وإمامه، ومسنده ونحريره، وخاتمة محققيه ومحدثيه، يدل لذلك ما في فهرسة تلميذه محمد بن محمد بن سليمان الواسعة، وله عدة مؤلفات منها شرحه على السلم مطبوع. توفي سنة 1066 ست وستين وألف.

743-

أبو عبد الله محمد بن أحمد ميارة 3:

بفتح الميم وتشديد المثناة تحت، الفاسي دارا وقرارا، فقيه متفنن ألف كتبا مفيدة كشرحيه على المرشد المعين، وشرح التحفة لابن عاصم، ولامية الزقاق، وهي مطبوعة بفاس، وبعضها بمصر، واختصر شرح الحطاب على المختصر وبدأ

1 أبو الحسن علي الأجهوري المصري: خلاصة الأثر "4/ 157، 160"، وفهرس الفهارس "2/ 171، 173".

2 سعيد قدورة بن إبراهيم التونسي: تعريف الخلف "1/ 62"، واليواقيت الثمينة "1/ 162، 163".

3 أبو عبد الله محمد بن أحمد ميارة الفاسي الدار: معجم المؤلفين "9/ 14".

ص: 331

في آخر مطول، فلم يكمل، وله تكميل منهج الزقاق، وتآليفه محررة سهلة فصيحة مقبولة لدى الفكر العام المغربي وغيره. توفي سنة 1072 اثنتين وسبعين وألف.

744-

أبو مهدي عيسى بن محمد الجعفري 1:

الثعالبي الهاشمي الزينبي المغربي الجزائري: نزيل مكة هو من نسب سيدي عبد الرحمن الثعالبي السابق، وعندي إجازة بخطه نسب نفسه هكذا الثعالبي الجعفري، وقال في الصفوة: الثعالبي نسبة إلى وطن الثعالبة من عماله الجزائر، الجعفري نسبة لجعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، إمام الحرمين، وعالم المغربين والمشرقين.

ولد بزواوة2 وبها نشأ، وقرأ بها، وفي الجزائر على سيدي سعيد قدورة وغيره، وأخذ بمصر عن أعلامها، وأخذوا عنه وكذا بالحرمين وتونس وغيرها، وشارك في العلوم الكثيرة وقد أثنى عليه العلماء كثيرا من أقرانه وتلاميذه، منهم العياشي في رحلته حتى قال: لو قيل إن أشياخه كانوا يستفيدون منه أكثر مما يفيدونه ما بعد، وله مؤلفات توفي بمكة سنة 1080 ثمانين وألف.

745-

أبو العباس أحمد الحارثي بن أبي بكر الدلائي 3:

من آل أبي بكر الصديق، وبيت الدلائيين بيت علم وسياسة أصحاب ملك

1 أبو مهدي عيسى بن محمد الجعفري الثعالبي الهاشمي الزينبي المغربي الجزائري: أبو المهدي، الجعفري، الهاشمي، الثعالبي، الجزائري، المغربي، جار الله، ولد سنة 1020، مات سنة 1080:

أعلام الجزائر ص"127"، معجم المؤلفين "8/ 33"، خلاصة الأثر "3/ 240"، تعريف الخلف "1/ 82"، شجرة النور الزكية "311".

2 زواوة: قبيلة من أكبر قبائل البربر ما بين الجزائر وبجاية جبلية وبها قرى كثيرة. ا. هـ. المؤلف.

3 أبو العباس أحمد الحارثي بن أبي بكر الدلائي: اليواقيت الثمينة "1/ 33".

ص: 332

المغرب وزوايتهم بتادلا، وكم كان فيهم من عالم ماهر. كان هذا السيد عالما كبيرا له شرح على مختصر ابن الحاجب وفتاوٍ وغيرها. توفي بفاس بعد الثمانين وألف 1080.

746-

أبو سالم عبد الله بن محمد بن أبي بكر العياشي 1:

الفاسي الإمام الرحال، صاحب الرحلة المشهورة، ذات الفوائد المشكورة، أخذ عن شيوخ في المغرب ومصر والحجاز، له مؤلفات كمنظومته في البيوع وشرحها، وكتاب الحكم بالعدل والإنصاف في المقلد، وغير ذلك ورحلته مطبوعة بفاس دالة على فضله وباعه. توفي سنة 1090 تسعين وألف.

747-

محمد بن سعيد المرغتي 2:

السوسي3 نزيل مراكش وإمام جامع المواسين بها، إمام عالم محدث مفسر، عارف بالعربية وغيرها والتنجيم والفلك، بحر لا ساحل له، انتهت إليه رياسة العلم ببلده وزمانه، مكثر من قراءة كتب الحديث، وتخرج عليه عدد لا يحصى، وله كرامات وأحوال طيبة، له منظومة في الفقه، وأخرى في النحو، وأخرى في التنجيم، وأخرى في التصوف، وأخرى في الوفق المخمس الخالي الوسط، وله منظومة وشرحها بشرحين في التوقيت وشهور العام، لها شهرة في المغرب.

ومن فتاويه التي شذ فيها أن القبور التي بداخل أسوار المدن لا حرمة لها،

1 أبو سالم عبد الله بن محمد بن أبي بكر العياش الفاسي: اليواقيت الثمينة "178"، وفهرس الفهارس "2/ 211".

2 محمد بن سعيد المرغتي السوسي: المرغتي، ولد سنة "1007"، مات سنة "1089":

فهرس الفهارس "2/ 554"، والحاشية.

3 المرغتي نسبة إلى مرغتة، بفتح الميم وسكون الراء وكسر الغين المعجمة مداشر في عداد الأخصاص بسوس الأفضل قاله في "الصفوة".

ص: 333

ويجوز نبشها؛ لأن المدينة حبس على الأحياء، وأنى له أن يثبت هذه المقدمة. كان شاعرا منشئا. توفي بالطاعون سنة 1090 تسعين وألف، وفي الصفوة سنة 1089.

748-

أبو محمد عبد القادر بن علي الفهري 1:

الفاسي شهرة ودارا علامة المغرب، وشيخ مشايخه، ومسنده مشارك محقق، انتهت إليه رياسة الفتوى بالديار المغربية مع نزاهة وتمسك بالسنة، وبعد الصيت إلى الشموخ المجد في العلم وتأثل المكانة فيه، ورثوه وأورثوه عن الآباء للأبناء الأحفاد، له فقهية وعقيدة شهيرة، وتأليف مختصر في الأصول، وفتاوي وحواشي على الصحيح، الكل مطبوع بفاس. توفي سنة 1091 إحدى وتسعين وألف.

749-

محمد بن محمد بن سليمان السوسي الروداني 2:

نزيل الحرمين، الإمام الجليل، المحدث المتفنن في كل علم كان بوقته، بل فرد الدنيا في العلوم المالك لمجهولها ومعلومها كذا حلاه في "الخلاصة" وأطنب في وصفه ولد بتارودانت عام 1037 سبعة وثلاثين وألف، وأخذ العلم بالمغرب والجزائر وتونس ومصر والحرمين والشام، وله رحلة واسعة وأسانيد عالية بينها في فهرسته العجيبة، رتب الكتب التي رواها على حروف المعجم، وهي عندي من أعجب الفهارس في مجلد بخط ولده سماها "صلة السلف بموصول الخلف" وبمطالعتها يعلم فضل الرجل.

1 أبو محمد عبد القادر بن علي الفهري الفاس علامة المغرب: أبو السعود، الفاسي، الفهري، ولد سنة "1007"، مات سنة "1091":

فهرس الفهارس "2/ 763"، معجم المؤلفين "5/ 295".

2 محمد بن محمد بن سليمان السوسي الروداني: السوسي، الروداني، المغربي، المالكي، مات سنة "1094":

خلاصة الأثر "4/ 304".

ص: 334

ولقد أوتي خيرا كثيرا، وعليها اعتمد من أتى بعده من أصحاب الفهارس الممتعة، وله الجمع بين الكتب الخمسة والموطأ على طريق ابن الأثير إلا أنه استوعب الروايات ومختصر التحرير لابن الهمام في أصول الحنفية وشرحه، ومختصر تلخيص المفتاح وشرحه، ومختصر في الهيئة، وحاشية التسهيل، وحاشية التوضيح، وجدول جمع فيه العروض، ومنظومة في الميقات وشرحها، واخترع كرة فلكية عظيمة فاقت السكرة القديمة، وقد أشبع القول في وصفها أبو سالم العياشي في رحلته، وأعجب باختراعها، وذكر بعض رسالة المترجم في كيفية العمل بها، وما هو مصور فيها من الدوائر والرسوم.

وذكر أنه كان صناعا يتقن عدة صنائع بيده يتقوت منها، فلا يأكل إلا الحلال كالطرز العجيب والتسفير والخرازة والصياغة وجبر قوارير الزجاج المكسرة، وعمل الإسطرلاب وغيرها، وله في علوم الأدب النهاية، وكان في المنطق والحكمة والطبيعي والإلاهي الأستاذ الذي لا تنال مرتبته بالاكتساب، ويتقن الرياضيات كإقليدس والهيئة والمجسطي والمخروطات والمتوسطات وأنواع الحساب والمقابلة والإرتماطيقي وطريق الخطأين والموسيقى والمساحة معرفة لا يشاركه فيها أحد إلا في ظواهرها دون الدقائق والحقائق، وله في التفسير وأسماء الرجال والعربية يد طولى مع حفظ التواريخ وأيام العرب وأشعارهم والمحاضرات، وكان في الرمل والأوفاق وعلم سر الحرف والسيميا والكيميا حاذقا أتم الحذق، وحصل له في الحرمين شهرة عظيمة حتى عد إمامهما ومع ذلك نفس عليه أمير مكة، فأخرجه منها إلى المدينة المنورة ثم أخرج منها أيضا للشام وبها توفي سنة 1094 أربع وتسعين وألف ورثاه علماء وقته. انظر الخلاصة والصفوة ورحلة العياشي.

ومن فتاويه التي شذ فيها أن مصنوعات الصوف التي تجلب من الروم جوخا رائقا شبيها بالحرير في نعومته نجس لا تصح به الصلاة، وهو لباس علماء المشرق إذ ذاك محتجا بأنه استيقن الخبر من أهل البلد المجلوب منه أنه منتوف من الغنم وهي حية، وأن ذلك سبب نعومته وحسن لونه، فيكون نجسا، وراجعه علماء

ص: 335

عصره، فصمم على ذلك فكان سبب وحشة حصلت له منهم ومن غيرهم.

750-

أبو زيد عبد الرحمن بن عبد القادر الفهري 1:

الفاسي حافظ وقته، المتفنن في المعقول والمنقول لقبه والده بسيوطي زمانه، له تواليف كثيرة تنيف عن مائة في فنون شتى منها الأقنوم، أتى فيه بحدود نحو مائة وخمسين علما، وله جزء نظم فيه النوازل التي جرى بها عمل فاس بالحكم بقول ضعيف نحو ثلاثمائة مسألة، وأقبلوا عليه على ما فيه في بعض المواضع من عدم التحرير وشرحه هو بنفسه، ثم شرحه أبو القاسم بن سعيد العميري وغيره توفي سنة 1096 ست وتسعين وألف.

751-

يحيى بن محمد بن محمد النائلي الملياني 2:

الجزائري علامة القطر الجزائري الرحلة هو في الفقه إمامه وفي الأصول والعربية والبيان والتفسير وغيرها تتقدم الأعلام أعلامه، ولد بمليانة، وتربى بالجزائر، وقرأ بهما على أعلامها كسعيد قدوره وغيره الحديث والفقه وغيرهما، وعن علماء مصر كالبابلي والشبراملسي وغيرهما، وتصدر بالأزهر، فانتفع به أهلها، وكذا في الشام ثم في الروم، وحضر الدرس الذي تجتمع فيه العلماء للبحث بحضرة السلطان العثماني، فاشتهر علمه، ثم رجع لمصر، واشتغل بالتأليف فألف مؤلفات في الفقه وغيره كشرح أم البراهين، وشرح التسهيل، ومؤلف في النحو لطيف وغيرها، وسافر آخر أمره للحج، فمات بالطريق سنة 1096 ست وتسعين وألف، وبعد دفنه حمل لمصر وأقبر بها رحمه

1 أبو زيد عبد الرحمن بن عبد القادر الفهري الفاسي: أبو زيد، الفاسي، الفهرين المالكي، ولد سنة "1040"، مات سنة "1096":

معجم المؤلفين "5/ 145"، التقاط الدرر "1/ 230".

2 يحيى بن محمد بن محمد النائلي الملياني الجزائري: خلاصة الأثر "4/ 486، 488"، وفهرس الفهارس "2/ 446".

ص: 336

الله.

752-

الشيخ عبد الباقي بن يوسف الزرقاني 1:

بيتهم بيت علم بمصر شهير أبوه وجده وولده وغيرهم، له تواليف مفيدة أجلها شرحه مختصر خليل، الذي نسخ ما قبله من الشروح، ولخصها وبالغ في الاختصار، وجمع الفروع، ولم ينقحه من كثير من الأغلاط، لذلك اعتنى به المغاربة وتتبعوه. توفي سنة 1099 تسع وتسعين وألف.

753-

أبو عبد الله محمد بن عبد الله الخرشي 2:

المعروف بيتهم بأولاد صباح الخير، فقيه صالح فاضل مصري شهير، أول من تولى مشيخة الأزهر، وانتهت إليه رياسة مصر حتى لم يبق بها إلا تلاميذه، واشتهر في بلاد الإسلام كلها لصلاحه وورعه، له شرحان على المختصر طبع أصغرهما بفاس وبمصر، واعتنى المغاربة والمشارقة بالتحشية عليه، وله غيرهما. توفي رحمه الله سنة 1101 إحدى ومائة وألف، وفي "الصفوة" اثنتين ومائة وألف.

754-

الشيخ أبو علي الحسن بن مسعود اليوسي 3:

نسبة إلى "آيت يوسي" قبيلة بربرية قرب فاس، إمام فقيه أصولي لغوي أخباري أديب شاعر نظار مشارك ماهر في الفنون، انتهت إليه الرياسة الكبرى في

1 عبد الباقي بن يوسف الزرقاني: توفي سنة "1099":

خلاصة الأثر "2872"، اليواقيت الثمينة "1/ 238، 239".

2 أبو عبد الله محمد بن عبد الله الخرشي: أبو عبد الله، الخراشي، البحيري، المصري المالكي، مات سنة "1110":

معجم المؤلفين "10/ 210، 211"، والحاشية.

3 أبو علي الحسن بن مسعود اليوسي: فهرس الفهارس "2/ 464، 470"، واليواقيت الثمينة "1/ 133، 135".

ص: 337

العلم في زمنه، وله شهرة ذائعة في المغرب والمشرق كشهرة تواليفه التي منها القانون في العلوم، وحواشي على مختصر السنوسي في المنطق، وأخرى على السنوسية، والمحاضرات، الكل مطبوع، وله ديوان شعر طبع أيضا دال عارضة واتساع فكر واطلاع. ترجمه في صفوة من انتشر وغيرها، وله فتاوٍ فقهية كثيرة، وشرح على جمع الجوامع في الأصول لم يكمل وتواليف في فنون. توفي رحمه الله الله سبنة 1102 اثنين ومائة وألف، ويعتبر مجددا على رأس المائة الحادية عشرة.

755-

أبو عبد الله محمد فتحا بن عبد القادر الفاسي 1:

إمام نقاد مشارك في العلوم بالغ فيها رتبة الكمال، ناشر لها تدريسا وتأليفا، له شرح مختصر "الحصن الحصين" وغيره، توفي سنة 1116 ست عشرة ومائة وألف.

756-

محمد بن عبد الباقي الزرقاني 2:

المصري الأزهري الإمام الفقيه المحدث صاحب شرح الموطأ، والمواهب، وغيرهما علامة متقن نحرير توفي سنة 1128 ثمان وعشرين ومائة وألف.

757-

أبو عبد الله محمد العربي بن أحمد بردلة 3:

الأندلسي ثم الفاسي مولدا ووفاة علامة مشارك شيخ الجماعة بها مشار إليه بالتحقيق والإتقان تولى القضاء والفتيا، والنظارة على الأحباس بها مرارا،

1 أبو عبد الله محمد فتحا بن عبد القادر الفاسي إمام نقاد: دليل مؤرخ المغرب "96، 97".

2 محمد بن عبد الباقي الزرقاني المصري الأزهري: أبو عبد الله، الزرقاني المالكي، المصري، ولد سنة "1055"، مات سنة "1112":

فهرس الفهارس "1/ 456"، والحاشية، ومعجم المؤلفين "10/ 124، 125"، والحاشية، شجرة النور الزكية "317".

3 أبو عبد الله محمد العربي بن أحمد بردلة الأندلسي ثم الفاسي: دليل مؤرخ المغرب "490".

ص: 338

وكان موصوفا بالنزاهة والعدل في الأحكام، ممن كان يدرس المدونة وخليلا والبخاري وغيرها، له أجوبة فقهية دالة على اتساع معلوماته. توفي سنة 1133 ثلاث وثلاثين ومائة وألف.

758-

أبو عبد الله محمد بن أحمد المسناوي 1:

البكري الدلائي الفاسي دارا شيخ الإسلام وشيخ الجماعة، الإمام الصدر الكبير المبرز في المعقول والمنقول الذي سارت فتاويه في المغرب كالمثل السائر، جمعها الفقيه ابن إبراهيم مع فتاوي شيخه محمد بن عبد القادر الفاسي، وله رسالة سماها نصرة القبض أبدأ فيها وأعاد، ولخص بعضها بناني في حواشي الزرقاني على أن كثيرا من حاشيته هذه وحاشية التاودي مأخوذة من طرر المسناوي هذا، وله تواليف أخرى في فنون، وهو ممن نسب إليه أنه ادعى الاجتهاد، وأنه لحقيق به في وقته، وبيت الدلائيين شهير في المغرب لكثرة من تخرج منهم من الأئمة الكبار، ولكن لما دخل بيتهم الرياسة السياسية قضت على آثارهم بذهابها فقضى من خلفهم على سلفهم. توفي سنة 1136 ست وثلاثين ومائة وألف.

759-

أحمد بن أحمد بن محمد الشدادي 2:

الفاسي متبحر في العلوم فقها وحديثا وعربية، مرجوع إليه في المشكلات والنوازل تصدى للتدريس بفاس وغيرها من حواضر المغرب وبواديه، وتولى قضاء فاس وغيرها، وله فتاوٍ، وشرح لامية الزقاق، وقيد على التحفة. توفي سنة 1140 أو ست أوربعين ومائة وألف.

1 أبو عبد الله محمد بن أحمد المسناوي البكري الدلائي الفاسي: دليل مؤرخ المغرب "105، 106".

2 أحمد بن أحمد بن محمد الشدادي الفاسي: أخبار مكناس "1/ 341، 343"، واليواقيت الثمينة "1/ 46".

ص: 339

760-

أبو بكر بن عبد الرحمن الحجوي القندوسي:

هذا السيد الجليل هو أبو بكر بن عبد الله بن محمد ضما بن محمد فتحا بن علي بن أبي بكر بن عبد الله بن عبد الرحمن الحجوي الجعفري الزينبي القندوسي هكذا بخطه في إجازته للعلامة التهامي بن المكي الرحموني الفاسي، قال الرحموني في كناشته: ولد شيخنا المذكور سنة 1113 ثلاث عشرة ومائة وألف منسلخ محرم، وذكر في الإجازة المذكورة أنه رحل في طلب العلم في المغرب والمشرق مراكش وفاس وسوس وذرعة وسجلماسة والجزائر وتونس ومصر والحرمين الشريفين والشام واليمن وإستامبول والترك والعراق والبصرة وواسط، فأخذ عن أعلامها وأكابر أئمتها، وحصل على علوم جمة من نحو وعربية وأدب، وفقه وحديث وتفسير، وبيان ومنطق وكلام، وأصول وعروض وسير، وتصوف وتاريخ ونسب وطب وغير ذلك، فصار في البلاد مقصودا، وبلسان أهل العلم محمودا ومن الأئمة الأعلام معدودا، ومد الله له في الأجل، فأدرك سنا عالية، فقصده الأعلام للاستفادة والإجازة، وممن استجازه الرحموني المذكور، وذكر نص إجازته في كناشته، وأوقفني عليها منقولة في كناشته أخونا في الله النابغة البحاث الشيخ عبد الحي الكتاني نقلها من خط الرحموني وأصلها عنده.

وقد ترجمه الرحموني بما سبق، وقال: إنه توفي منتصف محرم سنة 1244 أربعين وأربعين ومائتين وألف عن إحدى وثلاثين ومائة، وأفادني الشيخ محمد الأعرج رئيس زاوية محمد بن بوزيان القندوسي وآخره محمد المصطفى مكاتبة أن والد الشيخ المذكور وهو عبد الرحمن الذي دخل من ذرعة إلى القنادسة في القرن الحادي عشر آخره، وبقي للقرن الثاني عشر حيث أناف على التسعين.

أخذ الطريق عن الشيخ محمد بن بوزيان، عن مبارك بن عزي الينبوعي ثم السجلماسي عن محمد بناصر الذرعي كان عالما عابدا موصوفا بالخير، مشهورا بالصلاح نشر طريقته بتلك الأصقاع، ولا زالت زاويته هناك مشهورة بزاوية

ص: 340

الحجوي إلى الآن، ثم سلك ولده أبو بكر المترجم طريق والده في نشر العلم والدين والإرشاد، وسلوك الطريق، وكان مثله صالح الأحوال، زكي الخصال، دءوبا على فعل الخيرات، مقصودا لنفع العباد إلى أن توفي، ولا زال قبره مشهورا يزال والعامة تقصده للاستشفاء من الحمى ليومنا هذا على عادتهم1.

وقد خلف ولدا وهو محمد بن حسين، وهذا عقب من ولده أبي بكر، وكل منهما كان في سنن أسلافه في صلاح الحال والإرشاد، ونفع العباد، وكان أبو بكر الحفيد هذا مقرئا كبيرا مقصودا في الأصقاع الصحراوية لأخذ القرآن، وعنه تخرج الجم الغفير من القراء إلى أن توفي، وخلف أولاده الذين هم قائمون بالزاوية المذكورة لهذا العهد على سنن أسلافهم الأطهار.

هذا مضمون الكتابة المذكورة وقوله في النسب الجعفري نسبة إلى جعفر الطيار بن أبي طالب شهيد مؤتة صنو علي كرم الله وجهه، والزيبني نسبة إلى زينب بنت علي وفاطمة أخت الحسين وهي زوج عبد الله بن جعفر المذكور، وقد بين ذلك الشيخ أحمد بن خالد الناصري السلوي في كتابه "طالع المشتري في النسب الجعفري" كما سبق.

فالمترجم هو من قبيلتنا حجاوة النازلين بالصقع الصحراوي من الثعالبة وهؤلاء منهم الثعالبة من عرب معقل قال الناصري: هم جعفرة صرحاء من ذرية جعفر المذكور، وقد رد بحجج قاطعة على ابن خلدون الذي زعم أن الطالبيين

1 وهي بدعة منكرة، وواجب العلماء أن يبينوا نبوها عن الإسلام، وأن الاستشفا إنما يكون من الله تعالى بدعائه بأسمائه الحسنى واللجوء إليه، والاستعانة به وبتعاطي الدواء الذي هو سبب الشفاء، فقد أخرج البخاري في صحيحه "10/ 113"، بشرح "الفتح" من حديث أبي هريرة مرفوعا:"ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء" وخرج مسلم "2204" من حديث جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء، برأ بإذن الله" وفي حديث أسامة بن شريك مرفوعا: "تداووا يا عباد الله، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء إلا داء واحد هو الهرم" أخرجه أحمد والبخاري في "الأدب المفرد" وأصحاب السنن وصححه الترمذي وابن خزيمة والحاكم، وهو كما قالوا.

ص: 341

والهاشميين لم يكونوا أهل بادية ونجعة، ولا شك في سقوط هذه الحجة، فكم من أهل حضر صاروا بدوا وبالعكس، ولا زلنا نعاين ذلك بوقتنا هذا لا سيما مع الحوادث التي أوجبت عليهم ذلك زمن بني أمية وبني العباس، وعلى كل حال الناس مصدقون في أنسابهم، وأن هذه الفرقة وهم الثعالبة من عرب معقل ينتسبون إلى جعفر وإلى زينب سبطة الرسول عليه السلام.

قال في "زهر البستان في أخوال المولى زيدان" نقلا عن ابن خلدون: لما غلب أبو الحسن المريني على ممالك بني عبد الواد بتلمسان وأرض الجزائر نقل منه الثعالبة الذين كانوا ببسيط متيجة من عمالة الجزائر إلى المغرب ما بين فاس ومكناسة. ا. هـ. بخ وعند دخولهم تفرقوا ففرقة ذهبت لذرعة، وفرقة توجد بدواخل الصحراء بأرض الملثمين لهذا العهد، وفرقة ذهبت ما بين فاس ومكناسة، ولكن محلها الآن هو ضفة نهر سبوا بمشرع الحجر الواقف مقابل أرض الشراردة، ونسبتهم الثعالبة مشهورة لا يعرفون إلا بها، ولا ينازعون في ذلك، ومنهم الإمام أبو زيد عبد الرحمن الثعالبي دفين الجزائر، والإمام أبو مهدي عيسى الثعالبي دفين مكة، وقد تقدم ذلك في ترجمتيهما.

وأسلافنا قد انتقلوا قديما من الصحراء إلى فاس، وتوطنوا بها، ثم رحلهم المولى إسماعيل إلى تازة لفتنة كانت بفاس، ثم رجع الجد رحمه الله ثانيا إلى فاس حول 1280.

761-

أبو عبد الله محمد يعيش بن الرغاي:

بتشديد المعجمة وسكون الياء آخره الشاوي أصلا الفاسي دارا وقرارا، فقيهها وقاضيها، إمام شهير مشارك حافظ للمذهب نقاد، سارت فتاويه سير الشعاع في البلاد، ولي قضاء تازا وإفتاء زرهون وتدريسها، ثم قضاء فاس، وخطابة القرويين، وحمدت سيرته وعدله، له تآليف، منها حواشيه على شرح مياره على التحفة، وكان صلبا في الحق، وبسبب ذلك دخل اللصوص عليه منزله بالدوح، وقتلوه وهو يقاتلهم عن حريمه إذ كان الزمن زمن فتنة سنة 1150

ص: 342

خمسين ومائة وألف.

762-

أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد التماق الأندلسي الغرناطي أصلا الفاسي:

منشأ ودارا يلقب أهله قديما بأولاد السراج، وبيتهم بالأندلس من أشهر البيوتات في العلم والرياسة، علامة فهامة يتقد ذكاء وفطنة، محقق مالك أزمة التعبير عما يريد، واعية محرر جامع لأشتات العلوم، لا يأكل إلا من عمل قلمه، وألزم بالتدريس ونفع العامة عن إكراه، ثم ولي القضاء والخطابة بعد طول امتناع، فأظهر العدل والتحري والورع والمشاورة، وأخر من سنته من غير ريبة، له حواشي على شرح الحصن الحصين، و"إزالة الدلسة عن أحكام الجلسة" وهي ما يسمى بالكراء على التبقية، ويقال: الزينة والجزاء، و"جمع الأقوال في لبس السروال" وله أسئلة مشتملة على مباحث شريفة رفعها لأشياخه وأجوبة ما كان يرفع إليه أكابر الأشياخ وأخرى من نجباء وقته، وأبحاث على التحفة، واللامية، والعمليات لشيخه أبي زيد الفاسي، وكان يدرس هذه المنظومات والموطأ والرسالة وغير ذلك. توفي سنة 1151 إحدى وخمسين ومائة وألف.

763-

أحمد بن مبارك:

وبه عرف ابن محمد بن علي السجلماسي1 اللمطي الصديقي إمام متبحر نظار صرح بنفسه أنه أدرك الاجتهاد، وله تآليف، منها الإبريز في مناقب الشيخ عبد العزيز الدباغ، انتقدت عليه فيه أمور، كما حرر فيه مسائل لا يستهان بها، لكني وقفت له على ثبت أجاز فيه أحمد المكودي شيخ الإفتاء بتونس ذكر فيه تواليفه، ولم يذكر الإبريز مؤرخ سنة 1143 ثلاث وأربعين توفي سنة 1155 خمس وخمسين ومائة وألف، وفي تاريخ الضعيف سنة 1156 بالوباء.

1 أحمد بن مبارك وبه عرف بن محمد بن علي السجلماسي: اليواقيت الثمينة "1/ 47، 51"، وسلوة الأنفاس "2/ 203، 205".

ص: 343

764-

أبو عبد الله محمد بن عبد السلام بناني 1:

الفاسي دارا وقرارا، إمام محقق مشارك، مفتي فاس وأديبها وعالمها، له شرح على الاكتفاء للكلاعي في ستة أسفار، وشرح لامية الزقاق في الفقه، واختصار الشهاب على الشفاء، وشرح حزب الشاذلي، وقفت عليه وآخر على المشيشية، وآخر على خطبة مختصر خليل، وشرحان على منظومة أبي زيد الفاسي في الإسطرلاب عندي أحدهما، وتكميل شرح حدود ابن عرفة في الفقه، وشرح على خطبة الألفية وقفت عليه، وفهرسة لشيوخه وفتاوٍ وغير ذلك، ولم تقم له الفتوى ولا التدريس بضرورياته، فإنه رحل عام المسغبة لتطوان. فرتب له عاملها مرتبا، فاشتغل فيها بالتدريس، ثم رجع لفاس، وتوفي سنة 1163 ثلاث وستين ومائة وألف عن نحو ثمانين سنة، وما ذكره الضعيف من كونها سنة اثنين وتسعين غير محرر، وقوله: إنه المحشي على الزرقاني ليس بصواب.

765-

أبو عبد الله محمد بن عبد الصادق الدكالي 2:

الفرجي مفتي فاس وخطيبها، له شرح على مختصر خليل وآخر على نظم ابن عاشر، وغير ذلك، وكان ينوب عن شيخه يعيش الرغاي في الفضاء توفي سنة 1175 خمس وسبعين ومائة وألف.

766-

أبو العباس أحمد بن عبد العزيز الهلالي 3:

السجلماسي دفين مدغرة قرب سجلماسة، النظار المتبحر الفقيه اللغوي،

1 أبو عبد الله محمد بن عبد السلام بناني الفاسي: أبو عبد الله، البناني، الفارسي، المالكي، مات سنة "1163":

معجم المؤلفين "10/ 168"، فهرس الفهارس "1/ 224".

2 أبو عبد الله بن محمد بن عبد الصادق الدكالي الفرجي: معجم المؤلفين "10/ 72".

3 أبو العباس أحمد بن عبد العزيز الهلالي السجلماسي: اليواقيت الثمينة "19، 20"، فهرس الفهارس "2/ 421".

ص: 344

له مشاركة في الفنون، وله شرح على المختصر لم يكمل طبع ما وجد منه لو كمل لأغنى عن غيره، وله شرح على خطبة القاموس واصطلاحه، وله رسائل في مسائل علمية، ومن أجل تآليفه شرحه لمنظومة القادري في المنطق طبع بفاس قل أن يكون له نظير استقى من بحره من أتى بعده.

توفي سنة 1175 خمس وسبعين ومائة وألف.

767-

أبو العباس أحمد بن حسن بن محمد المكودي:

المعروف بالورشاني شهاب الدين الفاسي نزيل تونس، ورئيس إفتاء المالكية بها وعالمها ومسندها، أخذ عن أحمد بن مبارك اللمطي بفاس، وبه تخرج، وعندي إجازته له، وثبته المشتمل على أسانيده سنة 1143 وقد حلاه فيها بقوله: الفقيه الوجيه المدرس النزيه صاحب الفهم الغواص الذي يعجز عنه كثير من الخواص، وقال: إنه تردد لدروسه الزمن الطويل إلى أن قال: كامل القريحة والهمة، محصلا لأسباب تحصيله المهمة مع جودة الفطنة، وثقوب الفهم، وسلامة الإدراك من غلبة الوهم العارضة لأهل الطيش والخفة الذين يعتمدون أول ما يتلمح لهم، فيخطفون المسائل خطفة فيخطئون أكثر مما يصيبون، ويفسدون أكثر مما يصلحون إلخ.

وقد كان المذكور من أعيان المدرسين بتونس وممن يرجع إليهم في مهمات المسائل، عارفا بالعلوم الشرعية التي أهلته لنيل أعلى مقام في رياسة الديوان الشرعي المالكي بتونس، وكان من مهرة العلوم العربية درس مغني ابن هشام والشمسية بشرح القطب، والتسهيل بشرح الباشي، وغير ذلك.

توفي سنة 1169 تسع وستين ومائة وألف.

ص: 345

768-

أبو عبد الله محمد بن قاسم جسوس 1:

الفاسي أصلا ودارا فقيه محقق مشارك له شرح على المختصر في تسعة أسفار، وشرح على الرسالة مطبوع بفاس، وآخر على شمائل الترمذي مطبوع بمصر، وشرح على توحيد ابن عاشر مطبوع بفاس وله غيرها. توفي سنة 1182 اثنتين وثمانين ومائة وألف.

769-

أبو العلاء إدريس بن محمد بن إدريس العراقي 2:

الحسيني الحافظ، وأحد أركان الدين المتبحرين، وأعلم أهل وقته بصنعة الحديث، وله فيه التآليف المفيدة كمستدركه على الجامع الكبير للسيوطي اشتمل على نيف وخمسة آلاف حديث، وشرح الشمائل، وشرح الثلث الأخير من الصغاني، وغيرها، وله طرر على هوامش كتب الحديث كالجامع الكبير والشفاء والقضاعي وغيرها، أخذ عن والده وعن علي الحرشي وغيرهما. قال فيه أبو حفص الفاسي: إنه أحفظ من ابن حجر العسقلاني، وأثنى عليه أشياخه كأحمد بن المبارك، ومحمد جسوس وغيرهم. توفي سنة 1183 ثلاث وثمانين ومائة وألف.

770-

أبو حفص عمر بن عبد الله بن عمر بن يوسف الفاسي 3:

الفهري إمام نظام، وفقيه مكثار، له الاطلاع الواسع وإتقان العلوم بغير

1 أبو عبد الله محمد بن قاسم جسوس الفاسي: مات سنة "1182":

سلوة الأنفاس "1/ 330، 331".

2 أبو العلاء إدريس بن محمد بن إدريس العراقي الحسيني الحافظ: فهرس الفهارس "2/ 199، 205"، واليواقيت الثمينة "1/ 96، 97"، وسلوة الأنفاس "1/ 141، 143".

3 أبو حفص عمر بن عبد الله بن عمر بن يوسف الفاسي الفهري: سلوة الأنفاس "1/ 337،=

ص: 346

مدافع، وأظن أنه أعلم وأتقن علماء هذا البيت الفاسي الرفيع العماد، الكثير الأفراد، الذين خدموا العلم خدمة يشكرها لهم التاريخ على مر الأزمان مع عرفوا به من متانة الدين، الترسم برسوم الصالحين رحمه الله، له شرح على التحفة مهم عديم النظير دل على باعه وسعة اطلاعه، وشرح على الزقاقية، وفتاوٍ مهمة للعويصات المدلهمة، وله درجة عالية في الأدب ومشاركة نادرة وهو ممن وصف بالاجتهاد. توفي سنة 1188 ثمان وثمانين ومائة وألف.

771-

الشيخ علي العدوي الصعيدي 1:

المصري عالم فاضل زكي الأحوال، له حواش كثيرة على الخرشي، وأبي الحسن المصري2 المنوفي على الرسالة وغيرها، أول من تولى مشيخة المالكية بالأزهر، وكان على قدم السلف في التقوى ونشر العلم. توفي سنة 1189 تسع وثمانين ومائة وألف.

772-

أبو عبد الله محمد بن الحسن البناني 3:

الفاسي أصلا ودارا خطيب الضريح الإدريسي بها وإمامه، فقيه محقق مشارك، له حاشية على الزرقاني متقنة، وشرح على السلم في المنطق، الكل مطبوع دل على خبرة تامة، وقلم صارم مقوم، وله غيرها. توفي سنة 1194 أربع وتسعين ومائة وألف تاريخه: أدخله الله لجنته، وأرخوه أيضا بقولهم: جلال العلم غاب.

1 علي العدوي الصعيدي المصري: لم يوجد عدوي إلا هذا، الشعراني الشروطي الصالحي العلوي البارع العدوي [ابن الكاكري] ولد سنة "646" مات "726".

الوافي الوفيات "22/ 105"، تنقيح المقال "2/ 1500" الدر الكامنة "3/ 188".

2 وما تقدم لنا في ترجمة أبي الحسن الصغير المغربي من أن له شرحا على الرسالة مطبوع هو غلط. فالشرح المطبوع هو لأبي الحسن علي بن محمد ثلاثا بن خلف المنوفي بلدا المصري مولدا المتوفي سنة "857": كما في حاشية الصعيدي. ا. هـ. "المؤلف".

3 أبو عبد الله محمد بن الحسن البناني الفاسي: سلوة الأنفاس "1/ 161، 164".

ص: 347

773-

أبو العباس أحمد الشريف الثعالبي الجعفري:

الشهير بالبرانسي أحد الأعلام، المفتين في المذهب المالكي بالقطر الجزائري من ذرية الإمام عبد الرحمن صاحب التفسير دفين الجزائر كان من المتبحرين تبحر الراسخين، سالكا نهج المهتدين، رئيس المفتين، عفيف لا تأخذه في الله لومة لائم، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر غير مكترث بأحد.

توفي سنة 1197 سبع وتسعين ومائة وألف.

774-

عبد الكريم بن علي اليازغي أصلا الفاسي 1:

مفتي فاس وفقيهها في عصره، سارت فتاويه سير الشعاع، وله في ذلك شهرة ذائعة ومشاركة واطلاع، وصلابة في الحق، لا يزحزحه عن الحق شيء.

توفي سنة 1199 تسع وتسعين ومائة وألف.

775-

أحمد بن محمد بن أحمد العدوي الشهير بالدردير 2:

شيخ الإسلام بمصر، وشيخ مشايخها، إمام في العلوم العقلية والنقلية، له شرح على المختصر، ومتن في الفقه أيضا، وشرحه وتآليف أخر في فنون، وله أخلاق علية وصراحة في الحق.

توفي سنة 1201 إحدى ومائتين وألف.

1 عبد الكريم بن علي اليازغي الفاسي: أبو محمد، الذهني. مات سنة "1199":

فهرس الفهارس "2/ 115" والحاشية.

2 أحمد بن محمد بن أحمد العدوي: فهرس الفهارس "1/ 293" واليواقيت الثمينة "1/ 56، 57".

ص: 348

776-

الأمير أبو عبد الله سيدي محمد بن عبد الله بن إسماعيل 1:

العلوي سلطان المغرب الأقصى، عالم السلاطين، وسلطان العلماء في وقته، إمام جليل، وجهبذ نبيل، أحيا من العلم مآثره، وجدد الدولة العلوية بعد أن كانت داثرة، جال بنفسه في المغرب، وتقرى قبائله، وعرف دخائله، وأيقن أن الدين قد كان أن يذهب من أهله باستيلاء الجهل على بطونه وقبائله، فألف لهم تأليفه على نسق رسالة ابن أبي زيد تسهيلا على العوام، ليصلوا من ضروريات دينهم إلى المرام، وهي عندي موجودة ومن ذخائري معدودة.

كما ألف بغية ذوي البصائر والألباب في الدرر المنتخبة من تأليف الإمام الحطاب، وله كتاب في الفقه مبسوط أيضا، وكتاب حديثي انتقى فيه من الأحاديث التي أخرجها الأئمة الأربعة في2 مسانديهم مالك أبو حنيفة الشافعي أحمد بن حنبل، ولم يستوعب كل ما فيها، وإنما اختار منها ومن الصحيحين والموطأ ما ظهر له من الأحاديث المتعلقة بالأحكام غالبا، فكان مجلدا متوسطا، وقال: إنه أول من أدخل المسانيد الأربعة للمغرب من الحرم الشريف يعني ما عدا الموطأ، وافتتحه بعقيدة رسالة ابن أبي زيد، وأتى بنخبة مما اتفق عليه الصحيحان، وخاتمه بمناقب آل البيت والخلفاء الراشدين وبقية العشرة، فذلك دليل ما كان له من الاعتناء بإحياء مراسم الدين وسنة جده سيد المرسلين مع ما كان عليه من حفظ الأوطان وتأييد علم الإيمان، كفتحه ثغر الجديدة، وتشييده ثغر السويرة، وسد الثغور، وإظهار الدولة في مظهر العز، وعدم الاتكال على الغرور.

وبالجملة، فقد كان من درر هذه الدولة الفاخرة وأنجمها الزاهرة، وقد كان سلفي العقيدة على مذهب الحنابلة، كما صرح بذلك في تآليفه، وغير خفي أن

1 الأمير أبو عبد الله سيدي محمد بن عبد الله بن إسماعيل العلوي سلطان المغرب: الاستقصا "4/ 91، 122".

2 مسند مالك قال في "كشف الظنون" هو للإمام النسائي، وتقدم ما يتعلق بمسند أبي حنيفة والشافعي في ترجمتيهما. ا. هـ. مؤلف.

ص: 349

الحنابلة من أئمة السنة كالأشعرية والفرق قريب بينهما، وأهمه أن الحنابلة لا يخوضون بحر التأويل بل يفوضون في غالب المتشابه، ومن مآثره أنه كان يحض على قراءة كتب المتقدمين، وينهى عن المختصرات، ويرى الرجوع للكتاب والسنة، ولو عملوا برأيه، لارتقى علم الدين إلى أوج الكمال، وترجمته واسعة، ومحاسنه شاسعة، منها بناؤه مدرسة باب عجيسة بفاس، ومساجد وقناطر وغير ذلك. توفي رحمه الله سنة 1204 أربع ومائتين وألف.

777-

أبو عبد الله التاودي بن الطالب بن سودة 1:

المري القرشي الأندلسي الأصلا، الفاسي دارا ومنشأ، فقيه محقق كبير مشارك، انتهت إليه رياسة العلم في المغرب إقراء وإفتاء، ألحق الأبناء بالآباء، وانفرد بعلو الإسناد حتى صار شيخ الشيوخ، والمحرز على قصب السبق في ميدان الرسوخ، وكثير من أسانيدنا في العلوم تدور عليه له رحلة إلى المشرق أخذ عن أعلام في مصر والحجاز، وأخذوا عنه، وله فهرسة جمعت أسماءهم وأسانيدهم، وله حاشية على الزرقاني المتقدم، وحاشية على صحيح البخاري، وشرح على تحفة الحكام لخصه من شرح ميارة وغيره، وشرح على لامية الزقاق في الأحكام كذلك أيضا، وشرح على جامع خليل، الكل مطبوع بفاس إلا الرحلة، وحاشية الزرقاني، وله غير ذلك. توفي سنة 1209 تسع ومائتين وألف.

778-

أبو عبد الله محمد بن أبي القاسم السجلماني ثم الرباطي 2:

صاحب شرح العمل الفاسي الذي حصل إكباب المفتين والقضاة عليه، وشرح "اليواقيت الثمينة" وغيرهما، وكان فقيها محررا نقادا، وكتبه تدل على

1 أبو عبد الله التاودي بن الطالب بن سودة المري القرشي الأندلسي أصلا: عجائب الآثار "2/ 242".

2 أبو عبد الله محمد بن أبي القاسم السجلماسي ثم الرباطي: "صاحب شرح العمل".

ص: 350

باعه وواسع اطلاعه. توفي في أبي الجعد بالوباء يوم السبت حادي عشر شوال سنة 1214 أربع عشرة ومائتين وألف.

779-

أبو عبد الله محمد بن أحمد بنيس 1:

فقيه متفنن متقن، له شرح على فرائض المختصر، وشرح على الهمزية. توفي بفاس سنة 1214 أربع عشرة ومائتين وألف.

780-

أبو محمد عبد القادر بن أحمد بن العربي بن شقرون 2:

الفاسي علم راسخ، ومجد شامخ، وتحقيق وتدقيق ومشاركة في كل طريق، فضاض كل مشكل، ونور كل معقل. قاضي سجلماسة وفاس، حسن السيرة. توفي سنة 1219 تسع عشرة ومائتين وألف.

781-

أبو عبد الله محمد الطيب بن عبد المجيد بن كيران 3:

عالم محقق نقاد، حامل لواء العلوم المعقولية في المغرب وقته، وحافظ متقن تفرد في وقته بالجمع بين علمي المعقول والمنقول، والفروع والأصول، يعرف أكثر الفنون على أنه مجتهد فيها لا مقلد، وهو ممن حصل رتبة الاجتهاد في زمنه كما وصفه بذلك في "الروض المعطار" وغيره أخذ عن التاودي بن سودة

1 أبو عبد الله محمد بن أحمد بنيس: معجم المطبوعات "593".

2 أبو محمد عبد القادر بن أحمد بن العربي بن شقرون الفاسي: لم يوجد إلا "الكوهن الفارسي" هذا أبو محمد، الشهرة الكومن، مات سنة "1253".

فهرس الفهارس "1/ 490" معجم المؤلفين "5/ 1253".

3 أبو عبد الله محمد بن الطيب بن عبد المجيد بن كيران: أبو عبد الله، الفاسي، ولد سنة "1172"، مات سنة "1227":

معجم المؤلفين "10/ 109" والحاشية.

ص: 351

وبناني وأنظارهما، وأخذ عنه الفقيه أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن الحجرتي الذي هو شيخ بعض شيوخنا له تآليف مفيدة، كالتفسير الذي ليس له نظير من سورة النساء إلى حم غافر، وشرح توحيد المرشد، الذي حشى عليه شيخنا القادري، وشرح الخريدة في المنطق، وحاشية على توضيح ابن هشام، وشرح على حكم العطائية. تواليفه كلها تحقيقات وتحريرات ودرر وغرر، وهي أشهر بين طلبة المغرب من قام زيد.

توفي سنة 1227 سبع وعشرين ومائتين وألف عن خمس وخمسين سنة.

782-

أبو العلاء إدريس بن زيان العراقي الحسيني الفاسي:

الحافظ المشارك سيبويه زمانه، أخذ عن الشيخ التاودي وطبقته وهو مذكور من رجال أسانيدنا الثقاة الجلة. توفي سنة 1228 ثمان وعشرين ومائتين وألف.

783-

أبو عبد الله محمد فتحا بن أحمد الحاج الرهوني 1:

بضم الراء نسبة لرهونة قبيلة بجبال غمارة من المغرب الوزاني قرارا، أخذ العلم بفاس، وكان حافظا متقنا فقيها متفننا، له حاشية على الزرقاني لخص فيها ما زادته حاشية التاودي على بناني، ولكن لم يستوعب التلخيص، ويقال: إن نسخها مختلفة، واستعان أيضا بطرر شيخه أبي عبد الله محمد بن الحسن الجنوي الحسني الوزاني ثم التطواني، المتوفى بمراكش سنة 1200 مائتين وألف.

وهذه الطرر كانت له على الزرقاني والحطاب والمواق والشيخ مصطفى الرماصي والشيخ بناني، فلخصها الرهوني في حاشية المذكورة، وللرهوني تآليف أخرى غيرها، ولكن أهمها الحاشية دلت على فضله وتمكنه من علم الفقه.

1 أبو عبد الله محمد فتحا بن أحمد الحاج الرهوني الوزاني: أخبار مكناس "4/ 181، 186".

ص: 352

فضل تمكن، فلقد أجاد فيها كل الإجادة، وزاد على شيخيه المذكورين كثيرا، فأحسن الإفادة، وسلك في التحقيق طريقا صريحا، ومهيعا صحيحا، ينقل كلام المتقدمين الذي هو الأصل بلفظه مما دل على نشاطه في الاطلاع، وثقوب حفظه، وبسب ذلك فضح أغلاطا كثيرا وقعت لمن قبله في الاختصار والتلخيص أفسدوا بهما كلام المتقدمين، وغيروا الفقه عن مواضعه، فهي مما ادخره للمتأخرين، فكانت حجة على المتقدمين.

فجزاه الله خيرا عن عمله وحرية فكره، ووضوح طريق نقده، وأعانه على ذلك ما عثر عليه من الكتب المهمة في المذهب التي لم يظفر بها الأجاهرة ولا من ناقشهم كالرماصي وبناني والتاودي وأمثالهم، غير أن الحاشية طالت، فجاءت في ثمان مجلدات، لكونها تجلب في المعارك الكبرى نصوص المتقدمين بالحرف الواحد، ولذلك جاء شيخ شيوخنا الحاج محمد جنون، واختصرها بحذف النصوص، وحلاها بفوائد يأتي بغالبها أول الأبواب كأصل الباب من السنة أو الكتاب أو نحو هذا مما لا يخلو من فائدة، وقرب على المطالع ما عسى أن يطول عليه من استيعاب نقول الرهوني.

وقد طبع الاختصار بهامش الأصل. كان الرهوني من فقهاء وقته النظار، وممن تفتخر به الأعصار، دارت الفتيا عليه في المغرب، وكان ملجأ الملمات في النوازل والأحكام، توفي سنة 1230 ثلاثين ومائتين وألف.

784-

أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي 1:

المصري محقق عصره ووحيد دهره بالديار المصرية ذو الحواشي البديعة الفصيحة على الدردير شرح المختصر، وعلى السعد شرح التلخيص، وغيرهما. توفي سنة 1230 ثلاثين ومائتين وألف.

1 أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المصري: عجائب الآثار "4/ 231".

ص: 353

785-

أبو العباس أحمد بن التاودي بن سودة المري:

قاضي فاس ومفتيها ومن جلة علمائها، وهو من رجال سندنا في الحديث وغيره، له اليد الطولى في العلوم والصرامة في الحق وقد فوض إليه السلطان محمد بن عبد الله في جميع قضاة المغرب، فكان كقاضي القضاة. توفي سنة 1335 خمس وثلاثين ومائتين وألف عن اثنتين وثمانين سنة.

786-

أبو محمد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد السنباوي 1:

الشهير بالأمير المغربي الأصل المصري الإمام الشهير، ذائع الصيت، كبير القدر، مشارك في العلوم له التآليف النافعة كمجموعه الذي حاذى به مختصر خليل وشرحيهما وغيرهما، وكان يدرس فقه مالك الذي هو مذهبه، وفقه الحنفي والشافعي، وله فهرسة جامعة بأسانيده، وهو من رجال سندنا في المصريين.

توفي سنة 1232 اثنتين وثلاثين ومائتين وألف.

787-

الأمير سليمان بن محمد بن عبد الله العلوي 2:

سلطان مغربنا يتيمة عقد الدولة علما وديانة وورعا، موصوف بذلك لدى المؤرخين، وتدل لذلك آثاره العلمية، فله حاشية على الخرشي، وعندي تأليف

1 أبو محمد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد السنباوي: عجائب الآثار "54/ 284"، وفهرس الفهارس "1/ 92".

2 الأمير مولانا سليمان بن محمد بن عبد الله العلوي سلطان مغربنا: الاستقصا "4/ 129، 172"، وفهرس الفهارس "2/ 328"، وشجرة النور "380".

ص: 354

له في التجمير بعود الطيب1 في رمضان، ومن خطبة خطبته في ردع رعيته عن بدع المواسم التي تجعل للصالحين نقلتها بلفظها في كتاب برهان الحق، وكان شديد الإنكار لمثل هذه البدع، واقفا مع السنة، شديد التحري. وانظر حوادث أيامه وسيرته في تاريخنا المناظر الجمالية. توفي سنة 1238 ثمان وثلاثين ومائتين وألف.

788-

أبو محمد عبد السلام بن أبي زيد بن الطيب الأزمي:

بفتح الزاي الحسني السباعي، حامل راية المذهب ومفتي الديار المغربية حافظ مطلع نفاع أحيا الله به الفقه في المغرب ونفع به الجم الغفير من أهل وقته ممن تشد إليه الرحال من أهل العلم والتقشف والزهد والورع والانقباض والعبادة. توفي سنة 1241 إحدى وأربعين ومائتين وألف.

789-

أبو عبد الله محمد بن محمد بن إبراهيم المشترائي:

شهر بابن إبراهيم، شيخ الإفتاء بالمغرب، وحافظ المذهب بوقته، مفتي فاس وقاضيها، واستقضي بعد أبي العباس بن سودة نحو السنة سارت فتاويه في داني البلاد وقاصيها، وسلم له الرياسة فيها معاصروه. توفي سنة 1241 إحدى وأربعين ومائتين وألف.

790-

أبو الفداء إسماعيل التميمي التونسي:

شيخ المفتين المالكيين بها، فقيه متبحر، أدرك رتبة الاجتهاد المذهبي، وهو الترجيح كما أخبر عن نفسه، ولم ينكروه. توفي سنة 1248 ثمان وأربعين

1 هذه المسألة تكلم عليها ابن أبي زيد في مختصره، ونقل عن عيسى بن سعادة الفاسي عن ابن الجزار، عن ابن لبابة الكراهة نقله في "المدارك" عن أبي عمران في ترجمة عيسى بن سعادة المذكور في الطبقة الرابعة. ا. هـ. المؤلف.

ص: 355

ومائتين وألف.

791-

إدريس بن عبد الله بن عبد القادر الودغيري 1:

الملقب بالبكراوي حامل راية القراء بفاس وآخر محرريهم، إمام له فيه وفي غيره من العلوم تآليف كحاشية الجعبري، وشرح دالية أحمد بن مبارك السجلماسي، والتوضيح والبيان في مقرئ نافع بن عبد الرحمن، ورجز في الفرائض، وطرر في فرائض خليل، تبلغ تآليفه 18، وكان خطيبا فصيحا، توفي سنة 1257 سبع وخمسين ومائتين وألف.

792-

أبو الحسن علي بن عبد السلام الدسولي 2:

قاضي فاس وتطوان الأعدل، متبحر، حافظ المذهب، وحامل لوائه، جامع للعلوم له شرح الشامل لبهرام في عدة أسفار، وشرح التحفة، وحاشية شرح الزقاقية، وفتاوٍ في سفرين وغيرها.

توفي سنة 1258 ثمان وخمسين ومائتين وألف.

793-

أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد القادر الشهير ببو نافع 3:

الفاسي من أهل فاس العليا وبها دفن، الفقيه الحافظ المحدث، المتفنن

1 إدريس بن عبد الله بن عبد القادر الودغيري: اليواقيت الثمينة "1/ 97"، وسلوة الأنفاس "2/ 343، 345".

2 أبو الحسن علي بن عبد السلام قاضي فاس: الاستقصا "4/ 94".

3 أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد القادر الشهير ببو نافع الفاسي: فهرس الفهارس "1/ 84، 85"، واليواقيت الثمينة "1/ 70".

ص: 356

النحرير الأديب الضابط المتقن النزيه يذكر عنه أنه كان يقول: عندي أربعة وعشرون علما لم يسألني عنها أحد، واعترف له أعلام فاس بالإجادة والتحصيل، كشيخنا أبي العباس أحمد السودي الذي قرأ عليه صحيح البخاري مرتين، وذكر عنه أنه قرأه هو على شيخ المغرب التاودي السودي أزيد من ثمان عشرة مرة، وسنده إلى البخاري معلوم في فهرسته.

وللمترجم شرح الألفية، وفهرسته لمشيخته وغير ذلك.

توفي فجأة سنة 1260 ستين ومائتين وألف عن سن عالية.

794-

أبو عبد الله محمد بن أحمد بناني الشهير بفرعون:

مدرس نفاع موثق، مفتي مؤلف الوثائق الفرعوينة التي عليها عمل مؤلفي المغرب الآن، وشرحها شيخنا الهواري. توفي عن سن عالية سنة 1261 إحدى وستين ومائتين وألف.

795-

عبد الله المدعو الوليد بن العربي بن الوليد العراقي الحسيني 1:

نادرة وقته في الحديث وعلمي المعقول والمنقول حافظ ضابط مشارك كثير الإقراء، شديد الزهد والعبادة، كثير الصمت لا يتكلم إلا فيما يعنيه، وله عدة تآليف كالدر النفيس في تاريخ العراقيين بفاس.

توفي سنة 1265 خمس وستين ومائتين وألف.

1 عبد الله المدعو الوليد بن العربي بن الوليد العراقي الحسيني: أبو محمد، العراقي الحسيني المعقولي، ولد سنة "1209" مات سنة "1265":

معجم المؤلفين "6/ 82" والحاشية.

ص: 357

796-

بدر الدين محمد بن الشاذلي الحمومي:

الفقيه الصالح الأحوال المعمر، مشارك في علوم شتى، وله شرح على "المرشد المعين في الضروري من علوم الدين" وغيره، أخذ عن الشيخ التاودي السودي، وعنه أخذ شيخنا ابن سودة المتقدم، فهو من رجال أسانيدنا العالية، فليس بيني وبين التاودي إلا واستطان من طريقه وطريق بو نافع السابق، وهذا أعلى ما يوجد من الأسانيد في المغرب في عصرنا. توفي رحمه الله سنة 1266 ست وستين ومائتين وألف عن تسع وثمانين.

797-

أبو إسحاق إبراهيم بن عبد القادر بن إبراهيم الرياحي التونسي:

شيخ المالكية بها، إمام جليل، جامع بين التبحر في العلوم والأدب ومكارم الأخلاق، وجمع شتات المعالي، مدرس مؤلف نفاع، له حاشية على الفاكهي، ونظم في النحو، وعدة رسائل في نوازل وقتية، وزار فاسا سنة 1216 ست وعشرة ومائتين وألف في بعثة من لدن باي تونس لطلب إعانة في مسغبة كانت بتونس، محصل له اشتهار وإقبال من عملاء فاس، ونجح في سفارته، ووصل رحم المملكتين. توفي سنة 1266 ست وستين ومائتين وألف ببلده عن ست وثمانين سنة.

798-

أبو عبد الله محمد التهامي بن المكي بن عبد السلام بن رحمون الإدريسي الحسني الفاسي:

الفقيه الجلي العدل، الحسيب الأصيل، فارس علم الرواية، ومن له بالسنة النبوية أتم عناية، سيد عصره وقطره، بهجة علماء الدهر، وفخار أهل العصر. توفي بفاس سنة 1263 ثلاث وستين ومائتين وألف.

ص: 358

799-

أبو عبد الله محمد الطالب بن حمدون بن الحاج السلمي 1:

الفقيه النظار اللغوي المتفنن قاضي مراكش وفاس، نزيه ورع، له حاشية على شرح المرشد في الفقه والتوحيد، و"الأزهار الطيبة النشر في المبادئ العشر" وغيرها. توفي سنة 1273 ثلاث وسبعين ومائتين وألف.

800-

أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن الفلالي الحجرتي:

الإمام المشارك النظار، فارس الفقه المغوار، ومن انتهت إليه رياسة العلم بهذه الديار، شيخ الجماعة بفاس ومفتيها، وزاهدها وناشر العلم في نواديها، أخذ عن عبد السلام الأزمي، وبدر الدين الحمومي، وأبي عبد الله الزروالي، والشيخ الطيب بن كيران، وسيدي حمدون بن الحاج وغيرهم، وعنه أخذ شيخاي سيد أحمد بن الخياط، وسيدي جعفر الكتاني وغيرهما، وجل علماء المغرب، لكونه طال عمره، وانفرد برياسة العلم، عرض عليه القضاء بفاس والإمامة في مسجد الأبارين، فأبى لورعه، وله حواش على الخرشي وغيرها. توفي سنة 1275 خمس وسبعين ومائتين وألف.

801-

عبد السلام بن الطائع بن حم بن السعيدي بن عبد الواحد شهر بوغالب الحسني الجوطي:

عالم مشارك متفنن، أديب جامع لأشتات المكارم، ذو لطف في طبعه

1 أبو عبد الله محمد بن الطالب بن حمودن ابن الحاج السلمي: فيه أسميين محمد بن حمدون [أبو عبد الله] ولكنه لم يكتب بجواره السلمي، أبو عبد الله ولد بعد سنة 1200:

شجرة النور الزكية "401".

وفيه محمد بن حمدون، مكتوب بجواره السلمي النيسابوري، ولكن مكتوب بجواره أبو بكر.

العبر "3/ 236".

ص: 359

وتقوى وورع، أخذ عنه بعض أشياخنا كأحمد بن الخياط وجعفر الكتاني وغيرهما، وكان معدودا من علماء المعقول، بل من الأئمة الفحول، وكان له ولوع بالموسيقى متقن لألحانها.

عرض عليه القضاء فامتنع، وقطعت عنه مرتباته، فصبر واحتسب لورعه وزهده. وفضائله جمة، أخذ عن أبي عبد الله الزروالي، وعليه جل قراءته، وعن حمدون بن الحاج، فسندنا من جهته عال أيضا وفي آخر عمره غلبت عليه أحوال الجذب، فترك التدريس.

توفي سنة 1290 تسعين ومائتين وألف أو تسع وثمانين كما في ثبت تلميذه إبراهيم التادلي عن ولده رشيد قائلا وولادته سنة سبع ومائتين وألف.

802-

محمد بن أحمد عليش المصري 1:

شيخ المالكية بالديار المصرية، بل شيخ مشايخها وعالمها وفقيهها ذو التآليف النافعة كشرح المختصر، والفتاوى، وعليه تخرج جل أهل الأزهر، وكانت له جلالة تهابها الأسود، وكلمة نافذة لتقواه وورعه، فهو نظير الشيج جنون عالم المغرب ومعاصره لا تأخذهما في الله لومة لائم، ونظيرهما الشوكاني في اليمن، والألوسي في العراق. توفي سنة 1299 تسع وتسعين وألف.

803-

محمد بن العربي بو حجر:

عالم تازة وإمامها ومفتيها، كان فقيها ماهرا في الفروع عارفا بتطبيقها، معروفا بسعة الاطلاع، تأتيه الفتاوى من أقاصي الديار المغربية، فيحسن جوابها، مبرزا على أقرانه متقن متفنن.

توفي سنة 1295 خمس وتسعين ومائتين وألف، وهو آخر أهل العلم المشاهير بتازا، وبعده قفرت من العلم إلى الآن.

1 محمد بن أحمد عليش المصري: خطط مبارك "4/ 41"، ومرآة العصر "196" وإيضاح المكنون "1/ 271".

ص: 360

804-

أبو السبطين محمد صديق حسن خان بهادر:

أمير بهويال الهندي عمدة المسندين، وخديم سنة سيد المرسلين عند غيره فيها، له تآليف طبعت أسماءها مع ترجمته الواسعة ومآثره العلمية المتكاثرة في مفتتح "نيل الأوطار" للشوكاني، وقد خدم السنة النبوية خدمة تذكر له فتشكر في القرن الثالث عشر، وطبع الكثير من تواليفه، وكان من جلة الأمراء المصلحين.

ومن تآليفه "حسن الأسوة بما ثبت عن الله ورسوله في النسوة" خصه بالأحكام الخاصة بالنسوة في الشريعة الإسلامية، وله تفسير "فتح البيان" توسط فيه بين المنقول والمعقول، و"لقطة العجلان فيما تمس إليه معرفة الإنسان" قال بيرم في رحلته: هذا العالم الملك من نوادر هذا العصر، فإنه مع اشتغاله بمهام السياسة التي تقلدها بالنيابة عن زوجته سلطانة تلك المملكة قد تبحر في الفنون العلمية سيما الشرعية وآلتها وفصاحته في نسج تآليفه يحمده عليها أهل اللغة العربية، وعلى الخصوص في هذا الزمن الذي كادت أن تتلاشى فيه اللغة والعلوم من الأمة الإسلامية. وعلى كل حال، فهو من مفاخر الأمة في القرن الماضي. ولد سنة سنة 1248 ثمان وأربعين ومائتين وألف، وكان حيا سنة 1301 واحد بعد ثلاثمائة وألف، ولم أقف على وفاته الآن1.

805-

أبو عبد الله محمد بن المدني جنون 2:

المستاري أصلا، الفاسي مولدا وقرارا، من بيت بني جنون، الرفيع العماد، الأصيل التلاد ينتسبون في رسومهم القديمة إلى قبيلة بني مستارة حوز

1 أبو السبطين محمد صديق حسن خان بهادر أمير بهو بال الهندي: توفي سنة 1307هـ وانظر ترجمته في "التاج المكلل""381"، وفهرس الفهارس "1/ 269"، وجلاء العينين "30".

2 أبو عبد الله محمد بن المدني جنون المستاري الفاسي: أبو عبد الله المستاوي، مات سنة "1302":

الأعلام "7/ 94" والحاشية.

ص: 361

وزان، وفيها فرقة بني جنون الأشراف الأدارسة لهذا العهد، وقد ملئت تواريخ المغرب بزخبار دولتهم وللنسابين في ذلك مقال، والناس مصدقون في أنسابهم، وقد أخبرني من أثق به من الطلبة في وزان أن كل بني جنون في بني مستارة أشراف بغير خلافم.

هذا الشيخ من أكبر المتضلعين في العلوم الشرعية الورعين، المعلنين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وخاتمهم في المغرب شيخ شيوخنا، وشيخ شيوخ جل المغرب رأس علمائه في القرن الثالث عشر بلا منازع، كان مفتيها محدثا نحويا لغويا معقوليا مشاركا محققا نزيها، قوالا للحق، مطبوعا على ذلك، غير هياب ولا جل، نزيها مقداما مهيبا، عالي الهمة، دءوبا على نشر العلم والإرشاد، والنهي عن المناكر والبدع والتي تكاثرت في أيامه لا يخشى في الحق لومة لائم يحضر مجلسه الولاة والأمراء أبناء الملوك وغيرهم، وهو يصرح بإنكار أحوالهم وما هم عليه مبين لهناتم غير متشدق، ولا متصنع، بل تعتريه حال ربانية، ولكلامه تأثير على سلطان النفوس رزق في ذلك القبول والهيبة على نحول جسمه، ووصلته بذلك أذاية وسجن، لكن بمجرد سجنه اعتصب الطلبة وقامت قيامة العامة فأطلق سبيله لذلك.

فهو أحق من يقال في حقه: مجدد لكثرة المنافع به، وانتشار العلم عنه، وعن تلاميذه، وقيامه بالنهي عن مناكر وقته، وكان شديدا على أهل الطرق وما لهم من البدع التي شوهت جمال الدين والمتصوفة أصحاب الدعاوى التي تكذبها الأحوال، وما كان أحد يقدر على الرد عليه مع شدة إغلاظه عليهم وعلى غيرهم وسلوكه في ذلك مسلك التشديد، بل التطرف في بعض المسائل، ومع ذلك هابه علماء وقته ولم يجرءوا على انتقاده؛ لأنه كان يتكلم بالحال لا المقال، وتحققوا خلوص نيته ومطابقة سره لعلانيته.

وذكر لي بعض الثقاة أنه سمع من الفقيه أحمد جسوس الرباطي أحد تلاميذه أنه أصبح جنبا، ولما استيقظ، وجد وقت القراءة، فلم يقدر على التخلق خوفا من الشيخ؛ لأنه كسي مهابة وجلالة انعدمت من علماء المغرب بعده،

ص: 362

فذهب للدرس، فما دام جالسا والشيخ ما التفت إلى جهته يقول علنا: أعوذ بالله من وجوه الجنابة، وذلك ما يدل على ما كان له من الكشف الصادق والفراسة النافذة، ولله در من قال: إذا لم يكن العلماء أولياء الله، فليس لله من ولي.

وقريب من هذه القصة وقعت لعبد الرحمن بن أحمد التاجنوزي انظرها في "نيل الابتهاج" وله مناقب جمة كان يحكيها لي الوالد رحمه الله. الذي كان ملازما دروسه. وقد حكى لي شيخي أحمد بن الخياط وغيره أن دروس الشيخ كانت أفضل بكثير مما يكتب في تآليفه، وحكى لي هو أيضا أنه سمع منه فوائد ما سمعها من غيره ولا رآها في كتاب قط مما يدل على اطلاع عظيم، له تآليف مفيدة كحاشيته على موطأ مالك، واختصاره لحاشية الرهوني السابق، وتقدم وصفه، وله تآليف كثيرة في مواضع متنوعة، وكثيرا ما ألف في البدع وما نزلت نازلة مهمة إلا وقد خصها بتأليف. وقد طبع بعضها بفاس. توفي رحمه الله على رأس المائة الثالثة عشرة 1302.

806-

حسن العدوي الحمزاوي 1:

عالم مصر ومفتيها، ذو تآليف مفيدة، كتبصرة القضاء في المذاهب الأربعة، وحاشية البخاري، وأخرى على الشقاء وغيرها. توفي سنة 1303 ثلاث بعد ثلاثمائة وألف.

807-

أبو العباس أحمد بن أحمد بناني المقلب بكلا:

فقيه علامة مشارك، ولا سيما في علوم اللسان والمعقول والحديث والأصول. قد انتهت إليه الرياسة في ذلك بفاس ونواحيها، وأخذ عنه أعلامها وجل أشياخنا، وأدركته وهو شيخ هرم لا يقدر على الدرس، نعم صليت وراءه

1 حسن العدوي الحمزاوي "تبصرة القضاة في المذاهب الأربعة": الخطط التوفيقية "14/ 37" واليواقيت الثمينة "1/ 126".

ص: 363

بالزاوية التيجانية إذ لم يتأخر عن الإمامة فيها في الفخر وغيره إلى أن عجز آخر عمره. وقد أثنى عليه أشياخنا كمحمد الوزاني والحاج محمد جنون، ومحمد القادري وغيرهم، وكلهم يروي عنه سماعا وإجازة، وكان قد حج معه سنة نيف وتسعين أنه كان يراه قائما متهجدا بكلام الله وهو المركب، والأمواج تلعب بهم، وربما سقط في الركعة الواحدة عدة مرات بميد البحر. توفي سنة 1306 ست وثلاثمائة وألف عن سن عالية.

808-

عبد الله بن حمدون بناني 1:

فقيه موثق نحوي شهير بفاس. ولي قضاء طنجة وغيرها، ومات فقيرا، فربح الثواب الفاخر، والثناء العاطر، توفي سنة 1307 سبع وثلاثمائة وألف.

809-

خفاجي سيف الله بن إبراهيم:

عالم الإسكندرية ومسندها، ومن انتهت إليه رياسة العلم فيها وقته، وهو شيخ لكل من بقي بها إلى الآن وفضله عليهم، وخلف أنجالا علماء أفاضل. توفي سنة 1310 عشر وثلاثمائة وألف.

810-

أبو عبد الله محمد بن التهامي الوزاني أصلا الفاسي دارا:

صدر الصدور الجلة، وعلم أعلام الملة، ركن العلم المحجوج، وبرهانه غير المحجوج، الفارس المجلي في كل ميدان، والمشار إليه بكل بنان، جهبذ راض العلوم الصعاب، وسلك السهول والشعاب، فتملك نواصيها بأوثق الأسباب. ولثقوب ذهنه الرحيب، فلا يرمي إلا بالسهم المصيب، خدم الرجال ذوي الحكمال، وركض في كل مجال، فأحرز المعالي بالعوالين وأصبح تاج الرءوس،

1 عبد الله بن حمدون بناني: أبو عبد الله النديم الكاتب.

الكنى للقمي "1/ 267" تنقيح المقال "3/ 42"، ريحانة الأدب "7/ 479".

ص: 364

المفدى بالنفوس، برز على غيره في علوم كالنحو والبيان والفقه توجيه القراءات، فكان فيها لا سيما النحو إذا وطئت أقدام فحوله الثرى، جاوز الثريا يملي تحقيقات دروسه من غير احتياج لكتاب ويشرح متن الألفية أولها بآخرها، ويملي من حفظه قواعدها وشواهدها، ثم شارك في بقية العلوم الإسلامية نقلية وعقلية مع ما أوتي من سهولة التعبير عما في الضمير، ولم يكن له في ذلك نظير، فكانت العويصات لديه ضروريات، فلا يقوم الطالب من درسه إلا محصلا، وبرع في تحصيل قواعد الفنون بشواهدها من كتاب وسنة، متعمق في استنتاج دقائقها العلمية، تارك لكثرة الأبحاث الفارغة اللفظية، جماع للنوادر، مطلع ماهر، يمازج درسه الزاهر بفكاهات تمازح الأفكار، وتذهب بالسآمة، وتصقل الأنظار، إلى لطف أخلاق وهيبة الاستقامة، فكثر النفع به في الأصقاع المغربية حضر وبوادي، وعمرت بمآثره النوادي، فملأت تلاميذه الكراسي والمنابر، وله الفضل على جميع أصحاب المحابر.

ولقد كان بطلا لا ترد شباة نقده، ولا تحل مبرمات عقده، بحر زخار نقاد نظار، إن قيل في غيره فضة، فهو النضار، درسه أعظم درس أدركنا، وأمتع ما رأينا، لازمت دروسه نحو خمسين سنين، وكرعت من بحوره الزاخرة باليمين، عربية وفقها وبيانا وفرائض وحسابا وتوحيدا، ومنطقا وحديثا وغيرها. وأول يوم جلست بين يديه كساني نوره، فوجدت من نفسي إدراكا وتحصيلا لم أجده قبله، فكان ذلك اليوم من أسعد أيامي انتقلت فيه من طور إلى طور، كأني كنت حيوانا فصرت إنسان أو كنت نائما، فأصبحت يقظانا، وأمسيت نشيطا جذلانا، اتخذته عمدتي، وأعددته عدتي والله يجازيه خيرا.

أما قدمه في الورع والزهد والتبتل والعبادة، ففي المكانة التي ما وراءها وراء، ولم أره مدة ملازمتي له إلا ناشرا للعلم، أو تاليا لكتاب الله بحرف أبي عمرو البصري، أو ذاكرا يقوم الليل تهجدا، وفي النهار تراه في نشر العلم ومطاردة الجهل مجاهدا.

تولى قضاء الصويرة، فكان مثال العدل والعفة والاستقامة مع دءوب على

ص: 365

نشر العلم، ولشغفه به، لم يلبث بها إلا قليلا، واستعفى فأعفي، فرجع لفاس طاهرا، وللعلم ناشرا، وله فتاوٍ قليلة، وكان من أهله الشورى في الأحكام، فلم تحفظ له في ذلك فلتة، بل الذكر الجميل، والفخر الجزيل.

وقد خرج من الدنيا فقيرا في بيت بالكراء مع تجمل ظاهره، وإظهار النعمة عليه ولعكوفه على ثلاثة دروس يومية فأكثر، قلت نفثات أقلامه، ومع ذلك، فله مؤلفات لا تخلو من فائدة كتأليفه في إيمان المقلد وغيره، وبالجملة تدارك الله به هيكل العلم الذي كان قد انهار بموت العلامة جنون السابق، فكان خير خلف له في اجتهاد في نشره، وبث روح الحياة في أهله، وعند أخذ، وعن بناني كلا السابق وغيرهما. وتوفي بضعف أصابه من كثرة اجتهاد في ليلة 12 شعبان وهو يتلو قوله تعالى:{وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} برواية البصري سنة 1311 إحدى عشرة وثلاثمائة وألف عن نحو ستين سنة، ولم نر مثل جنازته، ورثاه تلاميذه وأقرانه بقصائد عديدة، وكان المصاب به جليلا، ودفن بالقباب خارج باب الفتح رحمه الله، ولم يعقب ذكرا، ولكن عقبه في العلم لا ينقطع.

811-

أبو إسحاق إبراهيم بن محمد التادلي:

شيخ الجماعة في الرباط في وقته، فقيه حيسوبي، فرضي علامة مشارك، وصفه بذلك تلاميذه، نشر العلم بالرباط بعدما كان صفرا، وصيره زهرا بعدما كان قفرا، طلب العلم بفاس، وأخذه عن شيوخ كعبد السلام بوغالب، والفقيه أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن الحجرتي الفلالي شيخ الجماعة بها وغيرهما، وله تآليف كثيرة كشرحي الألفية، والمختصر، وشرح الرسالة، وشرح المرشد، وغيرها وقد أخبرني مفتي الرباط الفقيه ابن إبراهيم أن الرباط ما كان به من يستحق أن يقال له: عالم قبله، وإنهم كانوا قبل عام 1300 إذا مات أحد لم يعرف عدوله قسم تركته، وإنما يقسمها لهم الطبجية حتى نشره فيهم المذكورة. هكذا قال. توفي سنة 1311 إحدى عشر وثلاثمائة وألف، وما ماتت سمعته الطيبة إلى الآن بالرباط.

ص: 366

812-

عبد القادر بن عبد الكريم الورديغي 1:

الشفشاوني الخيراني المغربي الأصل المصري الدار، عالم بارع فقيه مدقق قرأ العلم بفاس، وسكن مصر، له مؤلفات منها "سعد الشموس والأقمار، وزبدة شريعة النبي المختار" في المذاهب الأربعة، وهذا هو عين كتاب "القوانين" لابن جزي زاد ذكر آيات وأحاديث صدر التراجم، ولم يعزها لمخرجها، وفيها ما لا يصح الاستشهاد به، أو لم يطابق المرجم له، وختمها برسالة مالك للرشيد، و"المشتاق لأصول الديانة والأذواق" و"نهاية سير السباق" وقد طبعا بمصر في مجلد واحد، وله كتاب "شمس الهداية" في القضاء على المذاهب الأربعة، وغيرهم، وله تواليف أخرى. توفي بمصر سنة 1313 ثلاث عشرة وثلاثمائة وألف.

813-

الهاشمي بن محمد بن الهاشمي الحجوي الرباطي الدار:

كان علامة دراكة محققا مدرسا، نفاعا ناشرا للعلم، عاكفا عليه جل علماء الوقت بالرباط تلاميذه، وعنه أخذوا، وبه تخرجوا، عالي الهمة، متين الإدراك، نزيه النفس، زكي الأحوال كأبيه وجده رحمهم الله. أخذ عن الفقيه سيدي إبراهيم التادلي وغيره. توفي سنة 1315 خمس عشرة وثلاثمائة وألف.

814-

أبو محمد جعفر بن إدريس الكتاني 2:

الحسني الفاسي شيخنا الإمام الفقيه العلامة الورع الناسك الواعظ الدال

1 عبد القادر بن عبد الكريم الورديغي الشفشاوي الخيراني المغربي الأصل المصري: اليواقيت الثمينة "1/ 218، 219".

2 أبو محمد جعفر بن إدريس الكتاني الحسني الفاسي: أبو المواهب، أبو الفضل، الكتاني الحسني، توفي سنة 1323:

فهرس الفهارس "1/ 186" والحاشية، معجم المؤلفين "3/ 133، 134"، شجرة النور الزكية "433".

ص: 367

على الله بحاله ومقاله، النزيه في أحواله كان ناشرا للعلم متحريا في دينه، متقشفا في عيشه عاكفا على نفع الخلف، صارما في قول الحق من أهل الشورى، المتفق على نزاهته وفضله. أخذ عن شيوخ أشار لهم في كتابه "الشرب المحتضر في بعض أهل القرن الثالث عشر" وله فتاوٍ وتآليف كشرح خطبة شرح ميارة على المرشد المعين، وغيره وقد كان من القوم الذين إذا رُءوا ذكر الله. وبالجملة كان من خيرة من أدركنا نزاهة ودينا عصمه الله من فتنة الدنيا وزخرفها، فأنعم الله عليه بأنجال علماء جلة كسيدي محمد1 الذي رحل إلى المشرق أخينا في الله ونعم الأخ وشهرته كافيه عن إطرائه، وأخيه أحمد وعبد العزيز وعبد الرحمن كلهم من خيار علماء وقتهم وقد توفي الأخيرون رحمهم الله. توفي المترجم سنة 1323 ثلاث وعشرين عن نيف وسبعين، ولما نعوه في مكة صلوا عليه صلاة الغائب، ولم يكن بها أحد من قرابته لماله من طيب الذكر رحمه الله.

815-

أبو العباس أحمد بن خالد الناصري 2:

السلوي دارا وقرارا ينتهي نسبه إلى الشيخ سيدي محمد بن ناصر الدرعي صاحب زاوية درعة الشهيرة بالمغرب. وهذا الشيخ هو من عرب معقل الداخلين للمغرب في القرن الخامس من فرقة منتمية إلى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب من زوجه زينب بنت علي وفاطمة عليهم السلام، ولذلك ينتسبون جعفريين زينبيين، كما حققه المترجم في كتابه "طالع المشتري في النسب الجعفري" رادا على من قال من حفدة الشيخ المذكور: إنهم مقدايون؛ لأن مقداد بن الأسود لم يعقب، ورادا على ابن خلدون الذي اضطرب كلامه في انتساب عرب معقل إلى عبد الله بن جعفر، وقد رد عليه أحسن رد بحجج دامغة، واستدل بأن منهم الثعالبة وهم قبيلنا كما سبق لنا في ترجمة الشيخ عبد الرحمن الثعالبي دفين الجزائر، وهم جعفريون صرحاء كما أثبت ذلك غير واحد من النسابين لما تكلموا على الشيخ

1 توفي ولده سيدي محمد بفاس في 16 رمضان سنة 1345 خمس وأربعين، وقبله أخوه مولاي أحمد سنة أربعين 1340 رحمهم الله.

2 أبو العباس أحمد بن خالد الناصري السلوي: الاستقصا "4/ 50"، وشجرة النور "432".

ص: 368

المذكور، وعلى نسب أبي مهدي عيسى الثعالبي شيخ الحرم المكي. وهو تأليف جيد من أحسن تآليف المترجم، استوفى فيه الكلام على النسب المذكور، وعلى الشيخ بناصر وأولاده وأحواله رضي الله عنه.

كان المترجم علامة عصره، مشاركا متفننا حافظا، دراكة، بعيد الغور، عالي الهمة، حسن الأخلاق، له مكارم جمة تنبئ عن شرف أصله، وكرم فضله. له التاريخ الشهير المسمى بـ"الاستقصا في أخبار المغرب الأقصى" وهو مطبوع، وشهرته تغني عن إطرائه.

وله القيام بإنكار البدع والرد على الطرق فيما خرجوا فيه عن السنة، وذلك في تاريخه، وفي رسالة له، تعظيم المنة بنصرة السنة، ولا بدع في ذلك، فإن آل بناصر من المشهورين بنصرة السنة، والوقوف عندها وعلى ذلك أسست زاويتهم، كما أفصح بذلك اليوسي وغيره، وكان للشيخ مشاركة في الفقه، واطلاع ينبئ عن ذلك ما تكلم عليه من النوازل في التاريخ المذكور، وله إلمام بالأدب والشعر يدل على مقداره فيه شعره في التاريخ المذكور، وشرحه البديع لقصيدة ابن الونان المسمى بـ"زهر الأفنان" وهو مطبوع وله غير ذلك، ولولا اشتغاله في التوظف بخطة عدالة في الكمارك المغربية بالمراسي، لخلف أكثر من ذلك، ولما كان موظفا بفاس، كان يدرس المختصر درسا أعجب به من أدركه وصناعته في الدرس صناعة نافعة جدا، أخبرني بذلك من قرأ عليه. توفي ببلده سنة 1315 خمس عشرة وثلاثمائة وألف.

816-

أبو العباس أحمد بن الطالب السودي 1:

القرشي ثم المري الفاسي، شهاب العلم، وقبس التحصيل والفهم، زعيم الفئة، ويتيمة عقد هذه المائة، بقية السلف، وزينة الخلف، شيخ الجماعة بالمغرب، وشيخ أملاكه والبدر في أفلاكه، بحر العلوم العقلية والنقلية الزاخر، وفلكها الدائر، وشمسها التي أخفت النجوم الزواهر إلى المجد الأثيل الباذخ

1 أبوالعباس أحمد بن الطالب السودي القرشي المري الفاسي: إتحاف أعلام الناس "1/ 456".

ص: 369

المؤسس على أساس العلم السانح إذ بيت بني سودة بيت علم أصيل ومجد أثيل، حملوا المحابر، فحملوا على المنابر، ومع ذلك فالشيخ عصامي لا يتكل على مجد عظامي، لذلك حاز قصب السبق على الأقران، وجلي في الميدان، فكان في التحقيقات البدر المنير إذا أدلهم مشكل، أو ناب معضل، إلى كرم نفس، وإصابة حدس، ورقة طبع دونه النسيم، وخلق كريم يسلي الكليم، حليته الإنصاف شأن الأشراف مع فصاحة سحبانية، وكف حاتمية، وذهن وقاد، وقلم سيال نقاد، كثير المطالعة، واسع الاطلاع، معتن بجمع الفوائد والشوارد، وقيد الأوابد.

وقفت على جملة من كتبه، فلا تجد واحدا منها إلا وعليه خطه وملاحظته القيمة، جاعلا لها فهارس مقربة، فهو شيخ النحارير النظار في عصره، ولم ندرك في بيتهم من يساويه، ولا في حلبته من يساميه، وكان مع ترأسه مجالس الملك الحديثية قاضي مكناس مدة طويلة إلى أن توفي قاضيا. أخذت عنه بفاس صحيح البخاري وشمائل الترمذي، ولازمت درسه فيهما إلى الختم رواية ودراية، وله سند عال بينته في الفهرس، فكان يأتي بالعجائب البينات، ويصير معضلات العلم بحسن ذوقه، وثاقب فهمه، وحسن أسلوبه في التعبير من الواضحات.

كان كثير التقييد يكتب درسه، ويمليه محررا من كراسته، تفرد بهذا العمل لكبر سنه ونحولة جسمه، لكن فكره الوقاد لم يتقمص معه في قميص شيخوخته، بل بقي في عنفوان الشباب يفحم الشباب، ويأتي بفصل الخطاب، راجعته في مسألة كتابة وشفاها، فكان مثال التحقيق والإنصاف بعيدا عن جبروت الولاية والاعتساف. وله عدة تواليف فقهية وحديثية منها حاشية على البخاري، لو طبعت، لكان لها طيران حثيث، ولد سنة 1241 إحدى وأربعين ومائتين وألف. وتوفي عاشر رجب سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة وألف بفاس رحمه الله.

ص: 370

817-

أبو سالم عبد الله الكامل الأمراني العلوي الحسني 1:

بيت المجد الصميم، والفضل العميم، رضع ثدي المعارف على الشيخ جنون الكبير، وطبقته، فكان من الناجحين في حلبته، إلى أخلاق عاليه، ونفس في المكرمات سامية، وتحقيقات للمسائل العلمية بادية، حضرت دروسه الفقهية، فكانت آية الآيات تتضاءل لديه المعضلات مع مشاركة واسعة، وتقوى الله لذلك نافعة، للأدب والتواضع فيه انطباع يجذب الطباع مع رحب باع، وحسن اطلاع، وتحرير عميق يشنف الأسماع، ينثر في درسه الجواهر التي تزري بالزواهر، جلس للدرس بعد وفاة الشيخ الوزاني السابق، فركض في الميدان وجلي، وكان النهار إذا تجلى فلم ينشب أن اقتطفته المنون كهلا سنة 1321 إحدى وعشرين وثلاثمائة وألف.

818-

شيخ الإسلام سليم البشري 2:

المصري، علامة دراكة جهبذ فاضل محقق، تولى رياسة الأزهر سنة 1317، وكانت ولادته سنة 1248، وأخذ عن الشيخ البيجوري، والشيخ عليش وغيرهما، ودرس وتخرج عليه خلق كثير، وهو معدود من المصلحين، فقد رتب بسعيه سبعة من المدرسين بالجامع الزينبي مدة مشيخته به حتى صار قطعة من الأزهر، وتولى مشيخة المالكية بعد عليش، ولما تولى مشيخة الأزهر أكثر من امتحان طالبي التدريس، فكان سببا في كثرة المدرسين، وقد سار الأزهر في أيامه سير انتظام، وتقدم، وأصبح جل مدرسي الرياضيات متخرجين من الأزهر، وله جملة مؤلفات في التوحيد وغيره، أكثرها حواش كما هي عادة أهل وقته وبلده.

1 أبو سالم عبد الله الكامل الأمراني العلواني الحسني: دائرة معارف الأعلمي "21/ 214".

2 سليم البشري المصري [علامة دراكة] : الكنز الثمين "1/ 106"، ومرآة العصر "2/ 465"، كانت وفاته سنة "1332" هـ.

ص: 371

819-

أبو عبد الله محمد فتحا بن محمد بن عبد السلام جنون:

المستاري أصلا الفاسي مولدا وقرارا، من بيت بني جنون الشهير بفاس، وتقدم هذا السيد تحفة الدهر التي يقل لها الكفاء علما وبراعة، رواية ودراية، تقوي واستقامة، وسمتا وهداية نشأته سحبت من العفاف ذيلا، وغضت الطرف حتى عن الطيف ليلا، شاب نشأ في العبادة والإكباب على العلم، والتكفي بما خلفه أسلافه ذوو المجادة، فلم يزل خدن الصيانة، صلب الديانة في عفاف واستكانة، حافظا لناموس العلم، عالي الهمة، مترفعا عن كل ما لا يليق بذوي الأقدار، حتى يظنه الظان متكبرا معجبا، فإذا فاتحه الكلام، أدهشه ما يجده من تواضع، ومكارم أخلاق، فأيقن أنه فيلسوف حكيم، عرف أهل زمانه ففر بدينه، وأقبل على ما يبقى، وأشاح عما يفنى، وقنع بالكفاف، نظر إلى الدنيا نظر استخفاف. عكف على العلوم، وأعطى كليته إليها، ولم ترض همته إلا باقتنائها والغوص على جواهرها وانتقائها، ومع حداثة سنه حصل على ما عجز عنه الشيوخ، ووسم بمقام الرسوخ، وأعانه صفاء مرآة فكره التي ما كدرها اهتمام بمعيشة، ولا هم رياسة، أو خوض حمأة السياسة، فكان حافظا واعية، ضابطا متقنا، بارعا في سائر العلوم الموجودة في زمنه، بحر لا تساجل لجته، وبرهان لا تراجع حجته، مستقيمة محجته، أمعن في العلوم كل الإمعان، وتمكن من صياصيها تمكن العوائد من طبع الإنسان تحسبه في كل فن واضعه، ولا ينزل عويص إلا كان فارعه.

تجلت فيه المواجب الإلهية بأبهى مجاليها، فكنت إذا أردت الموازنة بين دروسه الحديثية والتفسيرة والتجويدية والفقهية إلخ. هل غلب عليه فن منها، فلا تجده إلا بارعا في الكل سواء براعة فحوله العظام وأئمته الأعلام، وذلك ما لم أره في غيره؛ إذ كل من رأينا يغلب عليه فن من الفنون، وهذا لفضل ذكائه، وقوة عارضته واقتداره، لا تجد براعته في واحد منها تنقص عن سواه، فسبحان

ص: 372

من هو على كل شيء قدير.

بلغ غاية الغاية في التحقيق، والفهم الدقيق، فكأنه ينظر للغيب من ستر رقيق، بل لا ستر بينه وبين المعارف إلا أن يلتفت إليها، فتتدلى له الأغصان بالقطائف، ولا يجتني إلا اللطائف إلى فصاحة تترك سحبان لو رآه باهتا، وقسا لاستحيائه ساكتا، إذا مررت بدرسه، ترى خطيبا بدون منبر، وبحرا يقذف أنفس الدرر، لم تحفظ عنه لحنة في دروسه الكثيرة في أنواع الفنون، فما كان ينتابها إلا المنتهون والنبهاء والمدرسون، لذلك أقول عن تحقيق: ما رأيت مثله، ولا رأى مثل نفسه فيما أظن حفظا وإتقانا لكل علم توجه إليه، وفصاحة وثبات جنان وطلاقة لسان، وتصرفا في العلوم وورعا واستكانة وعزوفا عن بهرجة الحياة. هذا مع نحول جسمه، ولطافة شكله، وخفة روحه ومهابته، وحسن بزته، وعمارة الوقت بعد نشر العلم بالأذكار والعبادة، قد لازمته بعد موت الوزاني مدة طويلة إلى أن أقعده المرض لم أتمالك على التخلف عن دروسه ومجالسته ومذاكرته، فانتفعت به كثيرا. فجزاه الله أحسن الجزاء فلا أحفظ أني رأيته إلا في عبادة.

كانت علوم اندرست أو ضعفت فأحياها، ونفخ روحا جديدة في طلابها، فابتهج محياها، درس علم التجويد بعدما درس، وأحيا قراءة التلخيص بمطول السعد بعدما بعد عهد هذه الديار بتهاطل تلك الأمطار، وذلك كله عطل بموته، وأحيا قراءة التفسير بالبيضاوي، لكن القاصرين لِمَ لَمْ يرق ذلك في أعينهم، فزعموا أنه يتسبب عنه موت السلطان، فشغلوه بولاية قضاء أسفى، ويا أسفي على العلم قضى عليه الحسد، وأذهب الروح وترك الجسد، لكن لم يلبث إلا نحو سنة، ثم استعفى فاعفي مشوقا إلى ما تعود من نشر العلم، طاهر الذيل، قائما بحقوق العدل، فرجع لدروسه تاركا التفسير في دروسه.

ولإكباب المترجم على الدروس الكثيرة، وإقبال التلاميذ عليها بإلحاح حيث انتهج في الإلقاء نهج الحفاظ الكبار إملاء كالبحر في مده، وتصرف بديع في التحصيل والبيان، وتبليغ مع تفيهم بليغ، كل من جلس في درسه لا يقدر

ص: 373

على مفارقته، إلا أن يكون قصارا عن فهمه، غير عاشق للعلم، ولا تطربه الفصاحة والبلاغة، لذلك لم تيسر له تواليف مهمة تناسب علمه مع اقتطاف المنون له في زهرة الشباب، ومع ذلك فله تواليف لا تخلو من أهمية كشرحه لخطبة المطول، وتأليفه في البسملة في الصلاة وغيرهما.

وكان أكثر أخذه وتخرجه بالفقيه محمد بن العباس العراقي كما أخذ عنه أحمد بناني كلا السابق ونسيبه جنون والوزاني وغيرهم، وأجازه عدة مشارقة في وجهته للحج، كما أشار لبعض ذلك في ثبته الذي أجازني به، وقد ذكرته في الفهرس، وبينه وبين البخاري من بعض الطرق أحد عشر شيخا، وبينه وبين مالك أربعة عشر، وقد بقي على حاله الموصوف إلى أن نزلت به سكتة ألزمته الفراش مدة، ثم وجد بعض الراحة غير تامة، فبقي بين اعتلال وإبلال إلى أن توفي سنة 1326 ست وعشرين وثلاثمائة وألف، ودفن بضريح أبي غالب برأس القليعة من فاس، وانقرض عقبه من الذكور رحمه الله، إلا أن عقبه العلمي لا ينقطع، إذ جل من يشار إليهم في الوقت مستمدون منه، نعم بموته انطفأت تلك النهضة العلمية العربية، والله يعيدها لأحسن ما كانت.

820-

أبو محمد عبد السلام بن محمد الهواري:

فقيه نقاد، مشارك نفاع، من أساطين العلم الكبر، وأنجمه الدرر، أغر البيان، وبرهانه العيان، فخم مفخم في تدريسه المرتل ألذ من إيقاع المثاني في إلقائه الذي لا يمل، تكسوه جلاله عند الإلقاء لم تكن عند اللقاء، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، استقضى بقصر كتامة ثم السويرة، ثم صار قاضي فاس، أخذت عنه حظا من الفقه والبيان والحديث وغيره وله حواش على شرح لامية الزقاق لابن سودة السابق، وشرح على الوثائق البنانية الكل مطبوع.

توفي رحمه الله في أواخر جمادى الثانية عام 1328 ثمانية وعشرين وثلاثمائة وألف.

ص: 374

821-

أبو محمد الحسن بن العربي الحجوي:

هو الحسن بن العربي بن محمد بن أبي يعزى بن عبد السلام بن الحسن الحجوي الثعالبي الجعفري الزينبي التازي مولدا الفاسي دارا وقرارا ووفاة، والدي وعمدتي، وأول شيخ أخذت عنه أول مسألة فقهية، وغذاني بمعارفه، وأسبغ علي برد مطارفه، كما أخذت عنه السير والتاريخ كثيرا وغيرها، وبأدبه تأدبت، وتحت شعاع نوره أدلجت، فلم لو أذكر ترجمته، لكان من إضاعة الحقوق، القريب من العقوق، لكني أختصر، وعلى بعض ما علمت سعد أقتصر، وإلا فلا سبيل أن أوفيه حقه، ولا أذكر إلا ما تيقنت صدقه.

نسبه تقدم لنا الكلام عليه في ترجمة أبي زيد عبد الرحمن الثعالبي، دفين الجزائر وأبي بكر الحجوي دفين القنادسة قريبا، نشأ في ظلال والده مترددا بين مصادر العلم وموارده، من نعمة يتفيؤ وارفها، إلى طهارة يسحب مطارفها، وأبوه كجدوده قطب بلده الذي عليه مدارها، ومقام حجها واعتمارها، فسلك للعلم الحزون والسهول، وبز في حداثته الكهول إلى أن تحلى بكل كمال، وبلغ ما تقصر عنه الرجال، من علم وفضل وتقوى، ومكارم طابق سرها النجوى، ونفس زكية سهلة، تريك كامل السراوة لأول وهلة، ما شئت من أخلاق محمدية زلال، وخلال آمنة من الاختلال، يتمنى رقتها النسيم، وسماحة متلقاة دعواها بالتسليم، شهير الإيثار، بعيد عن جمع الاستكثار، محب للمساكين، وآل البيت الطيبين، والعلماء العاملين، مع صحبة الصالحين، وعبادة المخلصين، وإنابة المخبتين، سليم الباطن، مغض عن الأعراض الموجبة للضغائن، متفق على فضله من القاطن والظاعن، صادق اللهجة، دائم البشر، واسع الصدر، ثاقب الفكر، وإنه لحسنة من حسنات الدهر، متواصل الأحزان على أحوال المسلمين المتأخرة في هذه الأزمان، ناصح لكل من اجتمع به منهم، دال على الخير، متمسك لأثر السلف الصالح عملا واعتقادا، لا ينام من الليل إلا قليلا، ولكمال سيرته، وصفاء سريرته، ومطابقة سره لعلانيته، رزق فراسة صادقة ينظر فيها بنور الله، ودعاء مستجابا شأن كل أواه يعرف ذلك من أحواله كثيرون ممن كانوا ينتابون

ص: 375

مجالسه التي لا تؤبن فيها الحرم، ويعدونه له كشفا صادقا كنار على علم، ولو شئت، لذكرت من ذلك قضايا عجيبة كثيرة، لكني أكتفي بعلم كثيرين بها وهم أحياء لغاية كتب هذه الأحرف كي لا يقال: مادح أبيه مادح نفسه.

قرأ القرآن على شيخ المقرئين بتازة الذي له الفضل على كل من يمسك القلم بها الأستاذ السيد علال بن كيران، والفقه وغيره على مفتيها بوحجاز السابق لنا ترجمته والمقدم الشاهد، والرجل الصالح الحسن بن حنيني وغيرهم من أعلام تازة، ثم لما حدثت بعض الفتن بمسقط رأسه، ومنبت غرسه، انتقل والده بجميع العائلة الكريمة لفاس في حدود الثمانين من القرن الماضي عائدا لمقر أسلافه الكرام التي نقلوا منها على عهد الدولة الإسماعيلية العلوية، وهناك لازم الفقيه الكبير الحاج محمد بن المدني جنون، والشيخ أحمد بن أحمد بناني كلا، ثم أخذ عن محمد بن قاسم القادري الحديث والسير، وعن غيره من أقرانه، كان آية في الحفظ والاستحضار حكى لي قاضي تازة السيد محمد الخصاصي نزيل طنجة الآن، قال: كان أبوك يحضر مجلس وعظي، فكان يعيد لي كل ما يسمع مني عن ظاهر قلب بالحرف.

وفي المدة التي خاض فيها التجارة عرف لغتين الإسبانية والإنكليزية، وتشرف بالرحلة الحجازية أول ما لبس من الحجازية، ولقي مشرقا ومغربا رجالا عارفين فاغترف من بحرهم المعين، وتلقى راية الاختصاص باليمن، ولقد ظهر فضله، وكمل نبله، واستحصل في كل كمال رتبة قصوى، وله في السير والتاريخ اليد البيضاء، وفي علوم الاقتصاد والاجتماع مكانة عليا يعرفها أهلها، ولقد كان أكبر من الزمان وبنيه، وعدم روضه من يجتنيه، درة مغفلة، وخزانة على اللطائف مقفلة، أنظاره في السياسة بعيدة، وأفكاره ذات سهام سديدة، عرضت عليه وظائف مهمة فأبى، ورآها بالنسبة لحرية لسانه كالهبا، ولاستقلال فكره النضيج وحرية ضميره البهيج كان أكره شيء إليه التوصل إلى الدنيا الخسيسة بالدين الشريف، فكان يؤثر في تكسبه التجارة بعدما قضى من الطلب أوطاره، اقتدى بآبائه في الأخذ بالحظين والإرث بالسهمين، فكان محظوظا

ص: 376

شاكرا ملحوظا بعين المهابة والتجلة، مقصودا للملهوفين، محبوبا من أهل الدنيا والدين، وقلبه مع مولاه باطنا، وفي الأسباب ظاهرا، تحلى من الإنصاف بما يحمد به الإنصاف، حتى كان يظهر لمجالسة الأمية، ويخفض لأهل العلم جناح التواضع حتى يظفر بكل أمنية.

ومن فوائده المبسوطة على أطراف موائده ذاكرته يوما فيما يقوله بعض المالكية في حكم التجارة بأرض الحرب حيث كان هو يتجر في أوربا، فقال لي: لا جامدا على قول الفروعيين، فإن التجارة المذكورة في قوله تعالى:{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} 1 كانت بالشام وهي أرض حرب إذ ذاك، وأقرهم عليها القرآن، والنبي صلى الله عليه وسلم، وقد أتجر عليه السلام بها قبل البعثة بنفسه الكريمة وهو معصوم من المحرم ومن كل ما يقدح في العدالة قبل البعثة وبعدها، على أن أوروبا لم تبق دار حرب، بل هي الآن دار سلام منذ سلم المغرب أصطوله وعقد معها المعاهدات، وتحقق أمن المسلم فيها على دينه وماله وعرضه، وقد أذن الإمام في التجارة بها، وأطال رحمه الله بأدلة لصراحة حكم الجواز بأدلة، وهكذا كانت أجوبته طيب الله ثراه.

ولد نعمه الله بتازة سنة 1259 تسع وخمسين ومائتين وألف حسبما أخبرني به، وفي سنة 1320 ترك الاشتغال بالدنيا عن اختيار، وطلقها حال إقبالها بالبتات إلى الممات، وانزوى في بيته، وأقبل على مولاه بكليته من مطالعة إلى تلاوة إلى ذكر إلى مجاهدة ومشاهدة نحو تسع سنين، إلى أن استأثر به من له البقاء المنزه عن التغير والفناء بعد انحراف مزاجه أسبوعا في 21 ربيع النبوي عام 1328 ثمانية وعشرين وثلاثمائة وألف، وسبحان من حجب الفضائل بالتراب، والنجوم بالسحاب، وجعل الحياة كلمع السراب، ومضجعه المنور بزاوية الصقليين أحبابه بباب عجيسة، وعند الله أحتسب مصيبتي به، فإنها أعظم مصاب، وأسأل له الفوز في دار المآب.

1 سورة الجمعة الآية: 11.

ص: 377

822-

أبو عبد الله محمد فتحا بن قاسم القادري 1:

الحسني الفاسي، الإمام النحرير النقاد، والعلم الذي تتضاءل له الأطواد الفقيه الأصولي المعقولي المشارك في العلوم، وقد تسنم منها الذري التي تقصر عنها الفهوم إذا أظلم ليل عويصه واحتلك، كان فكره شمسا تمحو ذلك الحلك، وهبه الله ذهنا متوقدا، وفكرا متيقظا مهما خطا لا يعرف الخطأ، إلى زهد وعفاف، ورضى بالكفاف، بل طلق الدنيا بالبتات، ووأدها وأد البنات، وقد عين لقضاء السويرة، فاحترم بحرم زرهون تاركا الدنيا لمن رضي بالدون، واعتكف هناك على نشر العلم في بلد كان منه قفرا، فأصبح كروض هتون، إلى أن أعفي، فرجع لفاس متوجا بتاج الزهد الصحيح، والعز الصحيح، وبقي سائر عمره ثابتا في ذلك المقام ما مال قط إلى الحطام، ولا احترف بحرفة أمثاله شهادة ولا فتيا إلى أن جاءه الحمام وقد تجرع من قلة ذات اليد مضاضة ولم تكن عليه فيه غضاضة، وربما سأل ذوي اليسار متعففا شاكرا، ودأب طول عمره للعلم ناشرا، فكان أحد أساطين القرويين العظام الذي عمروها بالروس والتآليف الجسام.

أما الثقة به، فكلمة إجماع فهما ودينا من غير نزاع، لازمته مدة طويلة في دروسه المتنوعة فقها وأصولا، وحديثا وسيرا وتوحيدا وغيرها، وناولني بعض تواليفه الممتعة، وسمعت عليه مرتين إلا قليلا حاشيته على شرح ابن كيران على توحيد المرشد البديعة، وله "رفع العتاب والملام عمن قال إن العمل بالضعيف حرام" وتأليف في إيمان المقلد وآخر في السدل وغير ذلك. وقد ترك الدرس بعض أعوام من آخر عمره إلا قليلا لضعف أصابه في جسمه، وكان جسيما ولد سنة 1259 تسع وخمسين ومائتين وألف كما أخبرني به مشافهة.

وتوفي سنة 1331 إحدى وثلاثين وثلاثمائة وألف.

1 أبو عبد الله محمد فتحا بن قاسم القادري الحسني الفاسي: رياض الجنة "1/ 52، 55"، وفهرس الفهارس "2/ 292، 293".

ص: 378

824-

أبو عيسى المهدي بن محمد بن محمد بن الخضر العمراني 1:

نسبا الوزاني أصلا الفاسي دارا وقرارا الحسني، هو الرجل فقها وفروعا، وأحفظ أهل وقته للمذهب المالكي، وقد ظاهر منه دروعا مع مشاركة في العربية والبيان وغيرهما. علم من الأعلام البادية، وشهاب من الشهب الهادية، أخلاقه روض تضوعت نسماته، وبشره صبح تألقت بسماته يقرط أغراض الدعابة ويصميها، ويفوق سهام الفكاهة إلى مراميها، دءوب على نشر العلم بدروس عامرة، وتواليف متكاثرة هو أكثر من أدركنا بالمغرب تأليفا وتصنيفا، له المعيار الكبير في عدة أسفار والصغير، والفتاوى، وجل المفتين والقضاة يلجئون إلى هذه التواليف. وله حاشية على شرح مصطلح الحديث، وأخرى على شرح الجمل، وأخرى على شرح الآجرومية، وأخرى على شرح الاستعارة، إلى غير ذلك. وقد ملأت المغرب فتاويه ودروسه وطروسه، وانتفع به خلق كثير والله يعينه ويسدده2.

825-

سالم بو حاجب آل سيدي مهذب 3:

التونسي، عالمها ومفتيها وخطيبها، وشيخ الجماعة بها ملحق الأحفاد بالأجداد، والمتفرد فيها بالبرعة وسعة الذكر وعلو الإسناد، ذو الإدراك الدقيق، والطبع الرقيق، والناظر للغيب بسليم إدراكه من ستر رقيق، الغواص النقاد، والمشارك النظار، وشيخ المالكية بهاتيك الديار، طأطأت له رءوس أهل زمانه، وكل من هو الآن بتونس ونواحيها فتلاميذه أو تلاميذ تلاميذه، وإنه لمن المعممين المنورين المفكرين فيما يصلح الدنيا والدين، ومثله قليل في هذا الحين، وله إلمام

1 أبو عيسى المهدي بن محمد بن محمد بن الخضر العمراني: دليل مؤرخ العرب "461".

2 قد توفي رحمه الله آخر يوم من المحرم سنة 1342 اثنين وأربعين وثلاثمائة وألف نحو السبعين فيما أظن، وحصل له فتور آخر عمره. ا. هـ. "المؤلف".

3 سالم بو حاجب آل سيدي مهذب التونسي: شجرة النور "426"، والأعلام الشرقية "2/ 109".

ص: 379

باللغة الإيطالية إذ جلس هناك مدة ليست بالقصيرة في مأمورية دولية، فاستفاد كثيرا، ووقف على غلطنا الكبير الذي ابتليت به الأمة من قديم وهو جهلنا بما عند غيرنا، لذلك كان يرى تعين تعليم علم الأوروبيين وقدم أولاده لذلك، فأنجب منهم أفراد كانوا قدوة لسواهم حصلوا على معلومات قدمتهم لإحراز النصر في معترك الحياة، ونال بهم حظوة كما نالوها، وانتفع بهم وطنهم أي انتفاع، فمنهم ولده الأكبر خليل بوحاجب الذي هو الآن شيخ مدينة تونس، وهذا السيد على جانب عظيم من المزايا والمكارم، له أخلاق أرق من نسيم السحر لقلب من أسحر صيفا، أو مريض ظفر بالشفا، له مائدة حاتمية ومعالي عصامية، تحلى بوقار وسكينة فحل من النفوس بمكانة مكينة، وله معلومات أهلته لنوال منصبه الرفيع يتكلم باللغتين العربية والفرنسية، ويخطب باللسانين، ونال حظوة الدولتين، وله السمعة العاطرة بين قومه، محبوب في عشيرته، ومستقبله أزهر من ماضيه، والله يحفظه ويكثر من أمثاله. وبداره اجتمعت بوالده المذكور مع جملة من أعلام تونس العظام وغيرهم وفرهم الله، وحصلت مذاكرة علمية فاح شذاها، فعطرت النواحي الذفرة، وأحيت القلوب الميتة، وكان ذلك غرة قعدة الحرام عام 1336، وقد أجازني إجازة عامة وخاصة، وناولني جزءا له مطبوعا جمع فيه خطبة الجمعية التي كان يخطب بها بتونس على النسق العصري النافع، حضا لأمته على النهوض، ونفض غبار الخمول، كما هو المفروض.

وسألني: هل لا زال خطباؤكم على النسق القديم في خطبهم مقتصرين فيها على من صام رمضان وأتبعه بست من شوال غير مبالين بإنذار قومهم بمن يتهددهم من البوار، وإرشادهم لما فيه صلاح دنياهم التي بها صلاح دينهم وأخراهم؟

فأجبته: لا زال خطباؤنا على الطرز القديم تماما وهم في نومهم كأمتهم تحسبهم جامدين، فتأسف كثيرا. وقال لي: لا ينبغي ولا يحمد من مثلك السكوت، بل يجب عليك إيقاظ قومك فقلت له: والله لقد بذلت ما في الوسع في دروسي وغيرها، ولكن ماذا ينتفع إيقاظ من لا حياة له، إذ تناديه ودور النوم لا زال لم يتم في الأمتين، وأخاف أن لا يستيقظوا إلا وقد فات الإبان الذي تنفع

ص: 380

فيه اليقظة؛ إذ علماء أمتنا أغرق في النوم من عامتنا، نعم علينا الثبات في مبدئنا من غير ملل، وبينما هو يذاكرني، وينثر درر العلوم ودقائق الفهوم إذ هو يتهم فكره بالخرف والهرم، فقلت له: كلا إن فكرك أصح وأدق من فكر كثير من الشبان، ولا زال فكرك في ثوب الشباب القشيب، لم يتقمص معك في شكل الشيخوخة والمشيب لما عليه الشيخ من النزاهة والتقوى، ونشأته البدوية الصحيحة التربية. وقد كان إذ ذاك في عقد التسعين، وعندي إجازة أجاز فيها الشيخ محمد بن عثمان السنوسي مؤرخه 1290 سنة تسعين ومائتين وألف، حفظه الله وبارك في أنفاسه العاطرة1.

826-

أبو العباس أحمد بن محمد بن الخياط الزكاري الحسني الفاسي الدار:

بل هو مقلتها التي بها تبصر، ولسانها البليغ يسهب أو يختصر، إمام أهل الورع والتقوى، والمشار إليه في المغرب بإتقان العلوم والفتوى والعضو في الشورى، ومبرز ذوي المكانة الدينية العليا، أستاذ الفقهاء والمحدثين، وحامل لواء المفسرين والمحققين والصوفية والمدرسين والمؤلفين، شيخنا وقدوتنا فضاض المشكلات، وبدر المدلهمات، فارس الفقه المجلي، وجامع جوامع أصوله وإمامه المحلي، كشاف التفسير بالسنة، وإضاءة التوحيد في الدجنة، زيد الفرائض، ورافع الحجاب عن علم الحساب، وفائق التوثيق وجنيد المتصوفين من غير ارتياب، ذو التواليف النافعة، والتلاميذ المالئة للأقطار الشاسعة، محظوظ في العلم بالسهمين درسا وتأليفا على تعجب كان يحصل له في الإلقاء، وطالما حضر شورى النوازل القضائية، فنال من العلوم ثناء منيفا، ولقد فشت فتاويه في ديار

1 لقد ورد نعي الشيخ سالم أخيرا بعدما ترقى لرتبة باش مفتي المالكية وهي أعلى رتبة ينالها عالم مالكي بتونس يعني رئيس المجلس الشرعي المالكي، فانتقل من الرتبة الراقية إلى رحمة الله الباقية يوم الأربعاء 3 ذو الحجة عام 1342 اثنين وأربعين وثلاثمائة وألف عن ست وتسعين سنة رحمه الله كما أن ولده سيدي خليل ترقى لأعلى منصب إسلامي هناك وهو الصدارة العظمى وحق له ذلك، فإنه من الرجال الذين يعول عليهم تلك البلاد حقق الله الرجاء فيه وفي بلاده، وأبقاه لها عدة، وفسح له المدة. ا. هـ. "مؤلف".

ص: 381

المغرب، وكان فيها لسان الشريعة المعرب، وما حفظ عنه أنه تناول أجرا على فتوى أو حكم، أو لمز بما يصم، بل ورعه لا تقرب الشبهات حماه، واجتهاد لا يبلغ مرماه، إلى تواضع وخفض جناح، وأخلاق تتأرج منها البطاح.

له تصنيف مختصر في التوحيد، وآخر في القلم الفاسي المصطلح عليه عند الموثقين، وحواش على شرح المصطلح الحديثي، والكل مطبوع. وغير ذلك. وقد تناول شيئا من التجارة في أول أمره، ثم تجرد على طريق الصوفية الدرقاوية، ثم رجع لنشر العلم والعكوف على نفع الخلق إلى الآن، قرأ على شيوخ كبار كالشيخ محمد بن المدني جنون وهو عمدته وغيره ممن ذكرته في الفهرسة، وأخذ عنه عموم علماء المغرب المحققين مرحولا إليه، مؤتمن جليل القدر، عظيم الخطر، قرأت عليه كثيرا من الفقه والحديث والتفسير والأصول والسير وغيرها، وانتفعت به، ولازمته أعواما، وإنه لمن أهل الورع والدين المتين الذين أدركنا والحمد لله.

ولقد ذاكرته وراجعته في عدة مسائل وقد أجازني إجازة عامة وخاصة شفاهيا، ثم أجازني ثانيا كتابة، وأجاز فيها ولدى محمد وعلي أصلح الله حالهما تجد نصها في الفهرسة، ولما نظمت المجلس العلمي بالقرويين، انتخب هو عضوا أول فيه، وخليفة الرئيس، وقد وازرني فيه بأفكاره الصائبة، ثم لما أستعفيت من رياسته، رشح لها كما سبق لنا ذلك، ولا زال رئيسه إلى الآن، وبمثله تشرف المناصب العظام.

أخبرني أنه ولد1 في 16 شعبان عام 1252 اثنتين وخمسين ومائتين وألف والله يزكي عمره للإسلام.

1 قد توفي شيخنا ابن الخياط المترجم بعدما عجز عن الدرس نحو خمس سنين يوم الاثنين 12 رمضان عام 1343 ثلاث وأربعين وثلاثمائة وألف، وكان الرزء به عظيما رحمه الله. ا. هـ. "المؤلف".

ص: 382

827-

أبو العباس أحمد بن الجيلاني الأمغاري الحسني

كما رأيته بخطه، الفاسي دارا وقرارا، لا أدري كيف أقول في تعريفه وهو العلم وفضله أظهر من أن يطويه القلم؛ إذ هو شيخ فقهاء الوقت الأعلام، والمحقق الضرغام، فارس معقول ومنقول، وأحد النظار الفحول، شهير في كل مصر، وبصير بحال أهل العصر، مشهور العلم والنزاهة والكياسة النباهة، فيلسوف الفقهاء، وشيخ النبلاء، وفقيه المتصوفين، وبقية العاملين والصالحين المتصفين المنصفين، ولسان المناطقة والمتكلمين، ثاقب الفهم، واسع الفكر، بادي البشر، مشارك في الفنون محققها والمعقول والتصوف أغلب عليه ولا سيما علم المنطق، فإنه أعرف أهل المغرب به غير مدافع، قرأته عليه مرات، فكان في لسانه كالحديد في يد داود عليه السلام، كما لازمته في النحو والفقه والكلام وغيرها مدة طويلة، وانتفعت به كثيرا جزي خيرا.

تولى عضوية الشورى من لدن الدولة السابقة، فكان مثال النزاهة، طاهر الذيل، ثم انتخب عضوا ثانيا في المجلس العلمي بالقرويين، فكان لي كالعضو الأول مؤازرة، ثم صار خليفة للرئيس السابق، فكان هو المتصرف في أكثر مدته، ثم تولى الرياسة بعده ولا زال شاغلا لهذا المركز المهم في نظر الأمة المغربية، وإنه لحقيق به؛ إذ هو من أجل الشيوخ فضلا، وأكثرهم نفعا، وللمكارم جمعا، وفضل الشيخ كثير، وبحره كبير أنى يفي به قلم العاجز القصير.

أخذ عن الشيخ جنون الكبير وطبقته، وبعض تلاميذه كمحمد بن التهامي الوزاني، وقد شاركته في كثير من شيوخه، وأجازني إجازة خاصة وعامة مشافهة، ولا زال والحمد لله بقيد الحياة بمنصبه الرفيع، مواظبا على درسه الفقهي الخليلي، وهو في عقد السبعين فيما أظن، بارك الله في أنفاسه، وأطال في العافية برد لباسه.

ص: 383