الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البحث السادس والعشرون:
من بعض علماء فاس، ونصه ذكرتم في الصفحة 358 من الجزء 1 من "الفكر السامي" أن مالكا لا يرى حكمنا بين اليهود إذا ترافعوا إلينا مع أن الإمام مخير في الحكم بينهم وعدمه إن لم يأب بعض، طبق قوله تعالى:{فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} 1. ا. هـ.
وجوابه:
إن ما في الصفحة المذكورة موضوعه في الزنى خاصة، كما هو في صدر الكلام وعجزه، فالذي نسبته للمذهب هو قول خليل: الزنا وطء مكلف مسلم إلخ وقوله: يرجم المكلف الحر المسلم إلخ فمقتضاه أن اليهودي إذا زنى بيهودية، وترافعوا إلينا أن لا نعتبره زنى ولا نحد واحدا منهما، وقد نسبه الزرقاني في شرح الموطأ للمالكية، فظاهره لكلهم وذلك خلاف حديث الصحيحين وهو رجمه عليه السلام ليهودي ويهودية زنيا.
وأجاب المالكية بأنه تنفيذ حكم التوراة بينهم، وليس حكما منه عليه السلام، ولكن المالكية يمنعون تنفيذ هذا الحكم الآن الذي نفذه صلى الله عليه وسلم، وأما في غير الزنى، فالأولى عندهم عدم الحكم بينهم فالحديث وارد عليهم لا محالة وهم مخالفون لظاهره.
1 سورة المائدة: 42.
ثم إن حكم الحاكم المسلم بين أهل الكتاب فيه تفصيل عند المالكية، وذلك أن خمسة مسائل لا يحكم فيها بحال جمعها أبو العباس بن القاضي في قوله:
لا حكم بين الكافرين بخمسة
…
بل يرفعون بها إلى الكفار
وهي النكاح وضده ثم الزنى
…
والخمر زد هبة من الفجار
وأما التظالم فيما بينهم عدا الميراث، فإنه يحكم بينهم، ويمنعون من الظلم، أحبوا أم كرهوا، كما قاله ابن مرزوق في شرح المختصر، وأما الإرث وبقية الأحكام غير التظالم، فإن الإمام بين الحكم بينهم إذا ترافعوا إلينا إن لم يمتنع بعضهم، فإن امتنع، رفعوا إلى حكامهم من أهل الكتاب.
قال مالك: وأحب إلي ألا يحكم بينهم، أي لقوله تعالى:{وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} 1 فاشترط القسط وإصابته شاقة. فترك الحكم الذي لا مضرة معه أسلم.
وهذا ما لم يسلم بعضهم فإن أسلم حكم بينهم بحكم الإسلام، وإلى هذا أشار خليل بقوله في باب الفرائض: وحكم بين الكفار بحكم المسلم إن لم يأب بعض إلا أن يسلم بعضهم، فكذلك إن لم يكونوا كتابيين وإلا فبحكمهم. انظر شراحه هكذا ينبغي تحرير هذه المسألة لا كما وقع في السؤال.
وأما الحنفية فأهل الذمة عندهم محمولون في البيوع والمواريث وسائر العقود على أحكام المسلمين بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم ألزم أهل نجران بترك الربا أو ينبذ عهدهم، وكذا الحدود إلا أنهم لا يحكمون بالرجم لعدم توفر شروط
1 سورة المائدة: 42.
الإحصان، فورد الحديث عليهم كالمالكية.
ولهم تفصيل في النكاح يعلم في محله من كتبهم، ويقولون: إن آية التخيير {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} 1 منسوخة بآية {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} 2 وآية {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} 3 إلا في بيع الخمر والخنزير لغير المسلم قال الجصاص في أحكامه: ولا نعلم خلافا بين الفقهاء أن من استهلك لذمي خمرا أن عليه قيمتها فانظره وبه يعلم أن ما درجنا عليه في عدد 37 من الجزء الأول من أن آية التخيير منسوخة تبعنا فيه الإتقان وهو مذهب حنفي شافعي، والذي يجري على مذهب المالكية أنه لا ناسخ ولا منسوخ في الآيتين، ذلك أن قوله تعالى:{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} مخصوصة بأحكام التظالم؛ إذ حكى الثعالبي في "الجواهر الحسان" الإجماع على الحكم بينهم فيها رضوا أو أبو. وقال مجاهد: إن آية التخيير هي الناسخة، ولذلك نبهنا في الصحيفة 38 من ج1 على أنه يمكن النزاع في نسخ بعض الآيات التي مثلنا بها للنسخ هذا آخر ما يتعلق بالذيل، وبتمامه تم الكتاب والحمد لله رب العالمين.
وإنما أبهمت أسماء الذي بحثوا معي بملاحظتهم القيمة، ونبهوني لبعض أغلاطي محافظة على ولائهم وعواطفهم التي هي عندي مقدسة؛ لأن الحقائق تجرح، ولا آمن زيغ القلم في مقام المناظرة وإني لهم من الشاكرين على التفاتهم لتأليف هو من سقط المتاع، وتصحيحهم لبعض أغلاطه، والله يجازيهم خير جزاء بمنه، ومني إليهم سلام الله ورحمته.
اللهم اختم لنا بالسعادة التي ختمت بها لأصفيائك، واجعل خير أيامنا
1 سورة المائدة: 45.
2 سورة المائدة: 42.
3 سورة المائدة: 45.
وأسعدها يوم لقائك، وأجرنا على عوائد فضلك، وأجرنا من مكر عدلك وهيئ لنا عملا مقبولا، وثوابا مباركا مكفولا، وأنجح لنا كل عمل وحقق لنا فيك كل أمل، واجعل لي لسان صدق في الآخرين، واعصمني بك من مكايد الحاسدين، واجعلني لأنعمك من الشاكرين، واغفر لي ولمن له علي حق من المؤمنين آمين والحمد لله رب العالمين. وصل الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وآله وكل من أعانه على رفع منار الدين.
وكان الفراغ في جل ما قبل الذيل بفاس في شهور سنة 1336هـ 1918م.
وألحقت بعض الزيادات وتراجم بعد، ووقع الفراغ من تبييض الذيل بالرباط في جمادى الثانية 1349 سنة تسعة وأربعين وثلاثمائة وألف.
عبيد ربه وأسير كسبه محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي وفقه الله.