الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجزء الأول
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، منزل القرآن بلسان عربي مبين. والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن صحابته الغر الميامين الذين تلقوا هذا القرآن من فيه طريّا بأفصح بيان وأعلى إعجاز، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد، فإن علم القراءات القرآنية ذروة العلوم وسنامها؛ إذ به يتلى كتاب الله المجيد، ومنه تعبق أفانين اللغة العربية نحوا وبلاغة وصرفا. فهو الخير الذي زفّه إلينا عليه الصلاة والسلام بقوله:(خيركم من تعلم القرآن وعلمه). وقد ألف أعلام أمتنا الإسلامية كثيرا من أسفار هذا العلم الجليل بما جعلهم غرة التاريخ ومصابيح الدجى. وكانت مدينة واسط العراق عين الفيض العلمي التي انبجست عن كوكبة من العلماء الأفذاذ في هذا الشأن. فانساحوا انسياح الماء العذب في أرجاء المعمورة ولا سيما الفردوس المفقود:- بلاد الأندلس المسلمة- لينشروا علم القراءات المبارك، فأينعت تلك البقاع التي حلوا بها بعلماء حملوا راية علم الآباء والأجداد، لينقلوها أمانة إلى الأحفاد. فقد ترك لنا أولئك الأعلام مصنفات شتى في القراءات السبع والقراءات العشر وغيرها؛ ضمت بين جنباتها الثر الوفير من علوم اللغة العربية ولا سيما علم الأصوات اللغوية الذي أدهش- ما أبدع فيه علماؤنا- علماء الغرب في الدراسات الألسنية المعاصرة.
والحق الذي لا مراء فيه، أن دارس العربية إن لم يطلع على القراءات القرآنية وما فيها من الظواهر الصوتية والنحوية غاب عنه الكثير من أسرار هذه اللغة المعطاء. ولا يخفى أن تحقيق المخطوطات ودراستها فن علمي جميل يحتاج إلى
جهد وصبر طويلين، يحببه لأهله ما يسيل من ثماره من جنى المنفعة والأجر. فكل مخطوط يستنشق نسمات التحقيق، يتشكل مصباحا منيرا للدارسين والباحثين. إذ لا يمكنهم الاستغناء في بحوثهم وتآليفهم عن المصادر المحققة التى كانت فيما سبق مخطوطات ناءت تحت غبار القرون السحيقة حتى هيأ الله تعالى لها من ينفض عنها تراب الزمن ويقدمها بحلة علمية قشيبة للأجيال.
لكل هذه الأسباب انفتحت رغبة الباحث لتحقيق هذا المخطوط الموسوم ب (الكنز في القراءات العشر) لتاج الدين أبي محمد عبد الله بن عبد المؤمن الواسطي المتوفى سنة 740 هـ، وذلك بعد حصوله على نسختين منه، أولاهما:
نسخة دار المخطوطات في صنعاء اليمن، وثانيتهما: نسخة جامع الزيتونة في تونس، اللتين سأفرد كلّا منهما بالحديث عنها في قسم الدراسة.
إن العثور على نسختين كاملتين واضحتين من هذا المخطوط، مزيل للشك واللبس، دافع لتشمير ساعد الجد والمثابرة، وذلك بعد اطلاعي على كلتا النسختين والمقابلة بينهما بدقة وأناة؛ لأجل التحقيق والتوثيق لما ورد فيهما من مادة علمية، كانت مدار هذا البحث الذى بذلت فيه صباح مساء ما بوسعي من الجهد في تخريج القراءات، وترجمة الأعلام، والتعليق على المسائل اللغوية والنحوية؛ ليأتي عملي منقسما إلى قسمين: القسم الأول الخاص بالدراسة للمؤلف وكتابه الكنز، والقسم الثاني الخاص بالنص المحقق.
وقد احتوى القسم الأول على فصلين هما: الفصل الأول المخصص لدراسة حياة المؤلف، والفصل الثاني الخاص بدراسة الكتاب.
فالفصل الأول ضم ثلاثة مباحث: عرّفت في الأول منها باسم المؤلف ونسبه، وكنيته ولقبه، ثم ولادته ونشأته، ثم ثقافته ومكانته العلمية، وختمته بوفاته.
وعرضت في المبحث الثاني شيوخه الذين أخذ العلم عنهم، وكذلك تلاميذه الذين أخذوا عنه. وسردت في المبحث الثالث مؤلفاته وآثاره العلمية.
أما الفصل الثاني فقد تألف من خمسة مباحث. خصصت المبحث الأول منها للتحقق من اسم الكتاب، وتوثيق نسبته إلى مؤلفه. وعرضت في المبحث الثاني منهج الكتاب وأبرز سمات المؤلف فيه. وتكلمت في المبحث الثالث عن أهمية الكتاب بين غيره من كتب القراءات. وفي المبحث الرابع درست الظواهر والمسائل اللغوية والنحوية. وانتهى هذا الفصل بالمبحث الخامس الذي أوضحت فيه منهجي وخطواتي التي اتبعتها في الدراسة والتحقيق، إضافة إلى وصف نسختي المخطوط ومظان وجود نسخه الأخرى في مكتبات العالم.
أما القسم الثاني من هذا البحث فقد خصصته لتحقيق متن الكتاب كاملا مضبوطا بالشكل والحركات حسب أقسامه الثلاثة التي ارتآها المؤلف. وكنت في هذا القسم قد وضعت الهوامش أسفل المتن، وضمنتها التعليلات والتوجيهات والتخريجات التي حاولت جهد الإمكان إيجازها كي لا يطول حجم البحث.
إن عملي في تحقيق المخطوط ودراسته لم يخل من الصعوبات التي كان أهمها، الحصول على المصادر المطلوبة التي كانت في الذهن، ولا سيما تلك المصادر المحققة تحقيقا علميّا وفنيّا والتي لم تسمح الظروف بوصولها، لكن هذا لم يمنع من الاعتماد على المتوفر منها بغية إتمام هذا العمل. وقد كانت المصادر التي اعتمدتها منقسمة إلى عدة أقسام بحسب احتياج البحث إليها. فمنها ما هو في علوم القرآن الكريم، مثل كتب القراءات والتفسير، إضافة إلى كتب الحديث النبوي الشريف. ومنها ما هو علوم العربية وآدابها وهي الأعم الأغلب من المصادر. ومنها ما كان خاصّا بالتراجم التأريخية والمواقع البلدانية. وكان اعتمادي في تخريج القراءات فرشا وأصولا قائما بالدرجة الأولى على كتابي التيسير في القراءات السبع لأبي عمرو الداني والإرشاد في القراءات العشر لأبي العز القلانسي؛ لأنهما يشكلان خلاصة وقوام كتاب الكنز للواسطي. ومع هذين المصدرين، كان كتاب النشر في القراءات العشر لابن الجزري قد أخذ حصة موازية لهما في الاعتماد.
وتجدر الإشارة إلى أنني ركزت على ضبط النص وتخريجه بأمانة ودقة هما عماد فن التحقيق. ثم أوجزت البحث بخاتمة باللغة العربية احتوت على النتائج التي توصلت إليها مع أهم المقترحات التي أرجو أن يكتب الله تعالى لها التحقيق على أيدي الدارسين والباحثين. وأعقبت ذلك بخاتمة أيضا باللغة الإنجليزية لأجل تعريف الناطقين بغير العربية بهذا الكتاب.
إنني بعد إنجاز هذا الجهد العلمي أحمد الله تعالى وأشكره حمدا وشكرا يوافيان نعمه ويكافئان مزيده على ما منّ به علىّ من جهد وصبر؛ حتى يأخذ هذا المخطوط طريقه إلى الظهور خدمة للقرآن الكريم ولغتنا السامقة المعطاء، وخدمة للعلم وأهله، داعيا العلي القدير جل في علاه أن يكتبه رحمة وثوابا في صحيفة أعمالي، ويجعله خالصا لوجهه الكريم، وأن يوفقنا أجمعين لخدمة دينه الحنيف.
ولا يسعني في الختام إلا تقديم أطيب الشكر وأصدق الامتنان إلى أستاذنا الدكتور حاتم صالح الضامن؛ لإشرافه على عملي هذا، وكذلك إلى أخي الأستاذ الدكتور نوري ياسين الهيتي؛ لموافاته لي بالنسخة اليمانية من المخطوط. كما أشكر الإخوة الذين أسعفوني بتوجيهاتهم السديدة، داعيا الله تعالى للجميع بالحفظ والتوفيق.
وأخيرا، فإني لا أدعي الكمال، فالكمال لله تعالى وحده، وحسبي أني توخيت بجهدي الخدمة والنفع للعلم وأهله. فإن كان ثم خلل أو نقص، فهما من سمات الجبلّة البشرية التي فطر الله عليها الناس أجمعين؛ وشفيعي ما قيل:(لو عورض كتاب سبعين مرة لوجد فيه خطأ؛ أبى الله تعالى أن يكون كتاب صحيح غير كتابه).
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين الأنبار (حرسها الله) د. خالد المشهداني 15 شعبان 1424 هـ- 11/ 10/ 2003 م