الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن الأمثلة التي ورد فيها التأثر المقبل والمدبر في هذه الإدغامات:
أ- إدغام الباء في الباء إذا كانا في كلمتين، كما في قوله تعالى: العذاب بما [الأنعام/ 26] والرعب بما [آل عمران/ 151](1). فمثل هذا الإدغام لا يجوز عند البصريين؛ لأن الحرف الأول المدغم مسبوق بساكن، لذا حملوه على الإخفاء (2). وقد أشار الواسطيّ إلى رأي البصريين بقوله: (وإذا كان قبل الحرف المدغم حرف ساكن صحيح، فقال
قوم: إن الإدغام فيه غير ممكن متمسكين بالقاعدة في عدم اجتماع ساكنين، وقالوا: إنه مخفي، والحق أنه مدغم لأنه قد قلب واتصل بما بعده وشدّد، وهذه هي حقيقة الإدغام) (3).
ب- إدغام الميم المتحركة في الباء كما في قوله تعالى: والله أعلم بأعدائكم [النساء/ 45] وبأعلم بالشاكرين (4)[الأنعام/ 53]. ومثل هذا الإدغام لا يجيزه النحويون؛ لأن في الميم غنّة، وجعل الرّضي الأسترآباذي تسمية هذا بالإدغام مجازا، وإنما هو إخفاء (5). وقد أشار الواسطيّ إلى أنه إخفاء (6).
ج- إدغام الراء في اللام متحركة كانت أم ساكنة، كما في قوله تعالى: فيغفر لمن يشاء [البقرة/ 284] واستغفر لهن الله (7)[الممتحنة/ 12]. ومثل هذا الإدغام لم يجزه الخليل ولا سيبويه؛ لئلا يذهب التكرير. وقد أجاز الكسائيّ والفرّاء إدغام الراء في اللام قياسا (8). ونقل ابن عصفور هذا الإدغام وقال: (إلا أنّ ذلك شاذّ)(9). أما ابن الجزري فجوّزه لأنه مرويّ ولأن الراء تدغم في اللام إذا
(1) الكنز/ 386.
(2)
أبو عمرو وجهوده في القراءة والنحو/ 85.
(3)
الكنز/ 169.
(4)
الكنز/ 416، 395.
(5)
أبو عمرو بن العلاء وجهوده في القراءة والنحو/ 86.
(6)
الكنز/ 183.
(7)
الكنز/ 151.
(8)
أبو عمرو بن العلاء وجهوده في القراءة والنحو/ 86.
(9)
المقرب/ 366.
تحركت بأي حركة (1).
د- إدغام نون التنوين في اللام، كما في قوله تعالى: وأنه أهلك عادا الأولى (2)[النجم/ 50]. وقال النّحّاس في هذا الإدغام، وهي القراءة البيّنة في العربية حيث حرّك التنوين لالتقاء الساكنين. وقد تكلم النحويون في هذا الإدغام، فذهب المبرد إلى أنه لحن، وأجازه الزّجّاج (3). أما القراء فقد أجازوا إدغام النون أو التنوين في اللام؛ لتقارب مخرجيهما لأن كليهما من طرف اللسان، وهما من الأصوات الأسنانية اللثوية في نظر المحدثين (4).
8 -
أثر الحركة في بنية الكلمة: كما أن للحركة الإعرابية أثرا في الدلالة الإعرابية للكلمة، فكذلك للحركات الواقعة على بنية الكلمة أثر في معاني هذه الكلمات وأحوالها. وقد وردت هذه الظاهرة في مواطن عديدة من القراءات الواردة في الكنز تختار منها:
أ- قوله تعالى: وصدوا عن السبيل [الرعد/ 32] وكذلك: وصد عن السبيل [المؤمن/ 37] حيث قرأ الكوفيون ويعقوب بضم الصاد، وقرأ الباقون بالفتح فيه (5). فقراءة الضم يكون الفعل فيها مبنيّا للمجهول ومتعديا، أما قراءة الفتح فتحوّله إلى مبنيّ للمعلوم ويكون فيها لازما لا يحتاج إلى مفعول (6).
ب- قوله تعالى: مستكبرين به سامرا تهجرون [المؤمنون/ 68] حيث قرأ نافع (تهجرون) بضم التاء وكسر الجيم، وقرأ الباقون بفتح التاء وضم الجيم (7).
فقراءة نافع من الفعل أهجر، وهو إذا جاء الرجل بأمر قبيح وتكلّم به. وهو الهجر،
(1) أبو عمرو بن العلاء وجهوده في القراءة والنحو/ 86.
(2)
الكنز/ 580.
(3)
إعراب القرآن (النحاس) 3/ 276، 277، أبو عمرو بن العلاء وجهوده في القراءة والنحو/ 87.
(4)
أبو عمرو بن العلاء وجهوده في القراءة والنحو/ 87.
(5)
الكنز/ 454.
(6)
تحفة الأقران/ 123.
(7)
الكنز/ 500.
ويقال: رماه بهاجرات ومهجرات أي بفضائح. فالمعنى على هذه القراءة: إنكم تأتون بالهجر. أما قراءة الباقين فمن الفعل هجر يهجر هجرا إذا هذى فهو من الهذيان، والمعنى على هذه القراءة: إنكم تهذون (1).
ج- قوله تعالى: لم يسرفوا ولم يقتروا [الفرقان/ 67] حيث قرأ المدنيان وابن عامر (يقتروا) بضم الياء وكسر التاء، وقرأ المكي والبصريان بفتح الياء وكسر التاء (2). فالقراءة الأولى من الفعل أقتر يقتر بمعنى أقلّ وافتقر فهو مقتر أي مقلّ وهذه القراءة هي قراءة أهل المدينة (3). أما القراءة الثانية فهي من الفعل قتر، يقال: قتر فلان على أهله فهو يقتر ويقتر قترا وقتورا إذا ضيّق عليهم في النفقة (4) وقد يكون موسرا، ولا يقال أقتر عليهم (5). وفي أدب الكاتب: أنّ قتر وأقتر الرجل بمعنى واحد أي قلّ ماله (6).
د- قوله تعالى: حتى يصدر الرعاء [القصص/ 21] حيث قرأ أبو جعفر وأبو عمرو وابن عامر بفتح الياء في الفعل (يصدر) وضم داله، وقرأ الباقون بضم الياء وكسر الدال (7). فقراءة فتح الياء وضم الدال جعلت الفعل أصله من صدر الثلاثي أي يصدر الرّعاء بأغنامهم، بمعنى يرجعون، والفعل هنا لازم. أما القراءة بضم الياء وكسر الدال فجعلته من أصدر الرّباعي فيكون متعديا ومعنى الكلام: حتى يرجع الرّعاء أغنامهم (8).
…
(1) فعلت وأفعلت/ 111، والصحاح 2/ 851.
(2)
الكنز/ 508.
(3)
فعلت وأفعلت/ 124.
(4)
الأفعال (ابن القوطية) / 53.
(5)
فعلت وأفعلت/ 124، 125، والصحاح 2/ 786.
(6)
أدب الكاتب/ 462.
(7)
الكنز/ 520.
(8)
الحجة في القراءات السبع/ 276، وتحفة الأقران/ 109.