الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيا: النّحويّة:
إنّ نحو اللغة العربية هو المسلك الإعرابي الذى تسير فيه ألفاظها. والإعراب من الظواهر التي اختصت بها العربية، (وهو الفارق بين المعاني المتكافئة في اللفظ)(1). والأصل في العربية أن تكون العلامات ذوات دلالة على المعاني، وأنّ اختلاف العلامات يؤدي إلى اختلاف المعاني (2). ومن هنا فقد اختص الإعراب بالأواخر؛ لأنه دليل على المعاني اللّاحقة للمعرب (3).
وقد احتفظت العربية الفصحى في ظاهرة التصرف الإعرابي بسمة من أقدم السّمات اللغوية التي فقدتها جميع اللغات السامية (4). وتجلّت هذه السمة واضحة في آيات الذكر الحكيم وما ورد فيه من قراءات ضمها كتاب الكنز نختار منها الآتي:
1 -
تشديد نون المثنى إذا كان اسما موصولا أو اسم إشارة: ظهر هذا في قوله تعالى: واللذان يأتيانها منكم [النساء/ 16] وإن هذان لساحران [طه/ 63] وإحدي ابنتي هاتين [القصص/ 27] وفذانك برهانان [القصص/ 32] وربنا أرنا اللذين (5)[فصلت/ 29]. فحقّ نون المثنى والملحق به الكسر، وفتحها لغة من لغات العرب (6). وقد سمع عندهم تشديد نون المثني في اسم الإشارة والاسم الموصول فقط (7).
قال ابن هشام: ويجوز تشديد نونهما رفعا بالاتفاق وجرّا ونصبا خلافا للبصريين (8). ونسب هذا التشديد إلى تميم وقيس وأسد، أما التخفيف فنسب إلى قريش (9). وشدّدت النون هنا فى المثنى للتعويض عن الياء المحذوفة منه، إذ إن
(1) المزهر 1/ 327.
(2)
معاني النحو 1/ 29.
(3)
بدائع الفوائد 1/ 34.
(4)
العربية/ 3.
(5)
الكنز/ 557.
(6)
شرح ابن عقيل 1/ 69.
(7)
كشف المشكل 1/ 194.
(8)
أوضح المسالك 1/ 140، وشرح اللمحة البدرية 1/ 317.
(9)
الظواهر اللغوية في قراءة الحسن البصري/ 62.
الأصل المفرد للاسم الموصول هو (الذي)، وعند تثنيته تسقط الياء ويؤتى مكانها بالألف في حالة الرفع، وبالياء في حالتي النصب والجر، فهو قبل حذف الياء ستكون تثنيته (اللّذيان) أو (اللّذيين) وبعد حذفها سيكون (اللّذان) أو (اللّذين)، ثم جيء بنون ثانية مع النون الأولى كعوض عن الياء المحذوفة (1). وقيل: إن تشديد النون للدلالة
على أن اسم الإشارة هنا مخالف لقياس المثنى الذي ليس بمبهم (2).
2 -
إعراب المثنى والملحق به بالألف رفعا ونصبا وجرّا: ورد هذا في قراءة النصب لاسم الإشارة (هذان) في قوله تعالى: إن هذان لساحران (3)[طه/ 63]. والمشهور عند النحاة أن المثنى والملحق به ينصب بالياء، أما الصحيح عندهم فإعرابه بحركة مقدّرة على الياء. لكنه جاء هنا على لغة من يجعل المثنى والملحق به معربا بحركات مقدّرة على الألف مطلقا رفعا ونصبا وجرّا (4). وإلى هذا ذهب ابن كيسان، ونقله ابن هشام غير منسوب إلى أحد وقال: وعلى هذا فقراءة (هذان) أقيس إذ الأصل في المبنيّ ألّا تختلف صيغه (5).
3 -
صرف ما لا ينصرف: من العلل التي تمنع صرف الاسم علّة الجمع المتناهي أو ما تسمى بصيغة منتهى الجموع. وهي كل جمع وقع بعد ألف تكسيره حرفان أو ثلاثة أوسطها ساكن، فإن كان أوسطها متحركا صرف (6). وعلّل ابن هشام منع هذه الصيغة من الانصراف بأنّ الجمع منزّل منزلة جمعين، فهو جمع انتهت إليه
(1) حجة القراءات/ 194، وشرح ابن عقيل 1/ 141، وظاهرة التعويض في العربية/ 43، 44
(2)
منثور الفوائد/ 38.
(3)
الكنز/ 487.
(4)
شرح اللمحة البدرية 1/ 779، وشرح ابن عقيل 1/ 58، 59، وفقه اللغة (د. كاصد) / 256.
(5)
مغني اللبيب 1/ 37، 38، وابن كيسان/ 152، 153 وللزيادة في توجيه هذه القراءة ينظر أيضا: معاني القرآن (الفراء) 2/ 183، 184، والخصائص 3/ 65.
(6)
شرح ابن عقيل 3/ 327، والفوائد الضيائية 1/ 213، وظاهرة التنوين/ 144.
الجموع ووقفت عنده فلم تجاوزه فكأنه جمع مرتين (1).
وفي قوله تعالى: سلاسلا وأغلالا وسعيرا [الدهر/ 4] قرأ المدنيان وهشام والكسائيّ وأبو بكر بتنوين (سلاسلا) في الوصل وقرأ حمزة ورويس بغير ألف (2).
وصرف (سلاسلا) هنا جاء لمناسبة ما بعده وهو جائز (3) بل حسن؛ لأنها وليتها كلمتان منوّنتان فنوّنت مراعاة لهما (4). وقال الزّجّاجي: إنّ ما لا ينصرف أصله الصرف وكثير من العرب لا يمتنع من صرف شيء في ضرورة شعر ولا غير، فالتنوين هنا ردّ إلى الأصل (5).
وقد ورد نظير هذا في قوله تعالى: قواريرا قوارير (6)[الدهر/ 15، 16] حيث نوّنت (قواريرا) الأولى لأنها رأس آية، ورءوس الآي التي قبلها والتي بعدها كلّها منونة، أما (قواريرا) الثانية فنونت لمجاورتها للأولى (7).
4 -
إعراب (لدن) الظرفية: وذلك في قوله تعالى: لينذر بأسا شديدا من لدنه [الكهف/ 2] حيث قرأ عاصم برواية أبي بكر (لدنه) بإسكان الدال وإشمامها الضمّ مع كسر النون والهاء، وقرأ الباقون بضم الدال والهاء وسكون النون بينهما (8).
والذى عليه كلام العرب بناء هذا الظرف لشبهه بالحرف، وهو لا يخرج عن الظرفية إلا بجرّه ب (من) وهو الكثير فيه، ولم تعربه إلّا قبيلة قيس (9). وعلى لغة هذه القبيلة جاءت رواية أبي بكر لقراءة عاصم (10).
(1) الكتاب 3/ 227، وأمالي السهيلي/ 38، 39، شرح اللمحة البدرية 1/ 248.
(2)
الكنز/ 609.
(3)
أوضح المسالك 4/ 126، وشرح ابن عقيل 2/ 229، والفوائد الضيائية 1/ 213.
(4)
ظاهرة التنوين/ 106.
(5)
أخبار أبي القاسم الزجاجي:/ 229، والخصائص 2/ 96.
(6)
الكنز/ 609.
(7)
ظاهرة التنوين/ 106.
(8)
الكنز/ 473.
(9)
شرح ابن عقيل 2/ 67، وأوضح المسالك 3/ 145، وشفاء العليل 1/ 484، وشرح الأشموني 1/ 457.
(10)
شفاء العليل 1/ 484.
5 -
حذف نون الوقاية من (لدنّي): تعدّ (لدن) من الظروف المبنية وهي بفتح اللام وضم الدال وسكون النون، وفيها عدة لغات (1). وقد ظهر حذف نون الوقاية من هذا الظرف في قوله تعالى: من لدني عذرا [الكهف/ 76] حيث قرأ المدنيان بضم الدال وتخفيف النون، ورواه أبو بكر بسكون الدال وإشمام الضم مع تخفيف النون، بينما قرأ الباقون بضم الدال وتشديد النون (2).
والفصيح، أن نون الوقاية تلحق (لدن) المضاف إلى ياء المتكلم فتقرأ بتشديد النون، وحذف هذه النون قليل (3) في الكلام، ولا يختص بالضرورة خلافا لسيبويه،
والغالب إثبات هذه النون (4).
6 -
حذف نون الرفع من الفعل المضارع المرفوع: وذلك في قوله تعالى: قل أفغير الله تأمروني أعبد [الزمر/ 64]. فقد قرأ المدنيان بنون واحدة مخففة (5).
وهذه القراءة جاءت على حذف إحدى النونين؛ وذلك لأن العرب يستثقلون التضعيف كما ذكر سيبويه (6). والنون المحذوفة هنا هي نون الرفع على أحد الرأيين (7) وليست نون الوقاية. وقد ذهب إلى هذا ابن هشام فقال: (الصحيح أن المحذوف نون الرفع)(8). وساق بعض المحدثين أدلة على هذا الرأي وعدّه من باب التّرخّص في الحذف الإعرابي (9).
ونظير هذا الحذف ما ورد في قراءة قوله تعالى: فبم تبشرون [الحجر/ 54] وكذلك في قوله تعالى: تشاقون (10)[النحل/ 27].
7 -
رفع الفعل المضارع بعد حتى: ترد حتى في كلام العرب على عدة أوجه منها
(1) الصحاح 6/ 2194، والفوائد الضيائية 2/ 144، 145.
(2)
الكنز/ 477.
(3)
شرح ابن عقيل 1/ 115.
(4)
أوضح المسالك 1/ 120.
(5)
الكنز/ 552.
(6)
الكتاب 3/ 520.
(7)
حجة القراءات/ 625، وشفاء العليل 1/ 124.
(8)
أوضح المسالك 1/ 109.
(9)
العلامة الإعرابية/ 365.
(10)
الكنز/ 463.
أنها تنصب الفعل المضارع الواقع بعدها بنفسها على رأي الكوفيين، وب (أن) مضمرة بعدها على رأي البصريين لأنها عندهم حرف غاية وجرّ (1). ويبدو أن هذا الرأي هو الذى دفع السّهيليّ من نحاة الأندلس إلى القول بأنّ (حتى) حرف معناه في غيره لا في نفسه بخلاف الاسم (2).
وقد ورد رفع (حتى) للفعل المضارع بعدها في قوله تعالى: وزلزلوا حتى يقول الرسول [البقرة/ 214] حيث قرأ نافع برفع (يقول)(3). وهذه القراءة على أن الفعل مؤول بالحال فيكون التقدير: حتى حالة الرسول والذين آمنوا معه أنهم يقولون ذلك (4)، وأما قراءة النصب فعلى تقدير: إلى أن يقول الرسول (5).
8 -
رفع الفعل المضارع ونصبه بعد (أن) المخففة: من نواصب الفعل المضارع (أن) المخففة. وشرط عملها هذا أن لا تقع بعد فعل من أفعال اليقين. ويجوز في الواقعة بعد الظن رفع الفعل المضارع بعدها وهو قليل. والأكثر في كلام العرب النصب وهو الأرجح (6).
وفي قوله تعالى: وحسبوا ألا تكون فتنة [المائدة/ 71] قرأ الكوفيون إلا عاصما (تكون) برفع النون، وقرأ الباقون بالنصب. وقال أبو حيان: وليس في الواقعة بعد الشك إلّا النصب (7).
9 -
جزم الفعل المضارع بشرط مقدّر: ذهب ابن هشام إلى أنه إذا سقطت الفاء بعد الطلب وقصد معني الجزاء جزم الفعل جوابا لشرط مقدر لا بسبب الطّلب، وذلك لتضمن الفعل معنى الشرط (8).
(1) الكتاب 3/ 16، والخصائص 1/ 261، ومغني اللبيب 1/ 121 وما بعدها.
(2)
نتائج الفكر/ 252.
(3)
الكنز/ 362.
(4)
أوضح المسالك 4/ 176.
(5)
كشف المشكل 1/ 540.
(6)
أوضح المسالك 4/ 161، والمطالع السعيدة 2/ 36، وحاشية الدسوقي 1/ 26.
(7)
المطالع السعيدة 2/ 37.
(8)
أوضح المسالك 4/ 187.
ونظير هذا، قراءة جزم الفعل يرثني من قوله تعالى: فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث (1)[مريم/ 6]. فقراءة الجزم هنا على أنه جواب لفعل الطلب (هب)، أما قراءة الرفع
فعلى أنه صفة ل (وليّ) فيكون المعني: وليّا وارثا (2) وقال ابن جرير الطبري: وأولى القراءتين عندي بالصواب قراءة من قرأ برفع الحرفين على الصلة للوليّ لأن الوليّ نكرة وأن زكريا إنما سأل ربه أن يهب له وليّا يكون بهذه الصفة كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا أنه سأله وليّا ثم أخبر أنه إذا وهب له ذلك كانت هذه صفته، لأن، ذلك لو كان كذلك كان ذلك من زكريا دخولا في علم الغيب الذى قد حجبه الله عن خلقه (3).
10 -
إعمال المصدر المنون: إذا نوّن المصدر نصب ما بعده على الظرف وعلى المفعول ونحوه (4)، كما في قوله تعالى: أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما [البلد/ 14] حيث قرأ المكي وأبو عمرو والكسائي (أطعم) فعلا ماضيا (5) فيكون (يتيما) منصوبا على أنه مفعول به للفعل. وقرأ الباقون (إطعام) فيكون (يتيما) منصوبا على أنه مفعول به للمصدر المنون (6)؛ لأن المصدر المقدّر من أن والفعل يعمل عمل الفعل إذا كان مضافا أو منوّنا أو محلّى بالألف واللام (7)، وإعماله محلّى بالألف واللام قليل (8). وإعماله مضافا أكثر ومنونا أقيس (9).
11 -
اسم الفاعل المنون: يعمل اسم الفاعل إذا كان منونا أو محلّى بالألف واللام (10). وقد ورد اسم الفاعل المنون المجرد من الألف واللام في قوله
(1) الكنز/ 482.
(2)
أوضح المسالك 4/ 189، والفوائد الضيائية 2/ 265، ومعاني النحو 4/ 393.
(3)
القراءات القرآنية في بلاد الشام 1/ 168.
(4)
أمالي السهيلي/ 113.
(5)
الكنز/ 626.
(6)
مشكل إعراب القرآن 3/ 819، وشرح ابن عقيل 3/ 94.
(7)
ظاهرة التنوين/ 157.
(8)
الفوائد الضيائية/ 2/ 191.
(9)
المقرب/ 142، وأوضح المسالك 3/ 205، وشرح ابن عقيل 3/ 93، 94.
(10)
الكتاب 1/ 164 وما بعدها، وظاهرة التنوين/ 128.
تعالى: إن الله بالغ أمره [الطلاق/ 3]. فروى حفص (بالغ) بغير تنوين مع جر (أمره)، وقرأ الباقون بتنوينه مع جر ما بعده (1). ولكل من القراءتين دلالة تختلف عن الأخرى. فالقراءة بدون تنوين على الإضافة تدل على الماضى، والقراءة بالتنوين تدل على الاستقبال (2) وفيها يكون (أمره) منصوبا على أنه مفعول به لاسم الفاعل بمعنى سيبلغ أمره فيما يريد منكم (3).
ومن نظائر هذا الباب قراءة قوله تعالى: هل هن كاشفات ضره [الزمر/ 38] وكذلك قراءة قوله تعالى: أو ممسكات رحمته (4)[الزمر/ 38].
12 -
إقامة المفعول به مقام الفاعل: ينوب المفعول به عن الفاعل بعد الفعل المبني للمجهول، ولا يصح قيام غيره من مصدر أو ظرف أو جار ومجرور. هذا هو مذهب البصريين عدا الأخفش (5). وقد قرأ أبو جعفر قوله تعالى: ليجزي قوما بما كانوا يكسبون [الجاثية/ 14] بالياء والبناء للمجهول هكذا: (ليجزى)، فتمسّك بها الكوفيون على رأيهم الذى يجيز إقامة غير المفعول مقام الفاعل (6).
وهذا مخالف لأقيسة البصريين الذين قالوا إنّ النائب عن الفاعل في الآية هو ضمير الغفران (7).
ونظير هذا قراءة قوله تعالى: كذلك نجزي كل كفور [فاطر/ 36] حيث قرأ أبو عمرو الفعل (نجزي) بياء مضمومة وفتح الزاي و (كلّ) بالرفع على أنه نائب فاعل (8).
13 -
تقديم خبر الفعل الناقص على اسمه: في جملة الفعل الناقص يقع الخبر بعد الاسم، ولكن قد يتقدم عليه وجوبا أو جوازا بشروط (9). وهذا التقديم موافق
(1) الكنز/ 597.
(2)
شرح ابن عقيل 3/ 106.
(3)
إعراب القرآن (النحاس) 3/ 453، ومشكل إعراب القرآن 2/ 740.
(4)
الكنز/ 551.
(5)
أوضح المسالك 2/ 149.
(6)
شرح ابن عقيل 2/ 121.
(7)
نشأة النحو/ 114.
(8)
الكنز/ 538.
(9)
الغرة المخفية 2/ 422، وأوضح المسالك 1/ 242.
للقياس عند ابن جني (1). وفي قوله تعالى: ليس البر أن تولوا وجوهكم [البقرة/ 177] قرأ حمزة وحفص (البرّ) بالنصب (2) على أنه خبر للفعل الناقص مقدم على اسمه. ومن العلماء من يرى هذه القراءة أرجح من جهة الصناعة، وعلل ذلك بأن المصدر من (أن) المصدرية يكون في قوة الضمير، والضمير يترجح جعله اسما (3). والحقيقة أن هذه الأرجحية ربما كانت بسبب التقديم ذاته، أى تقديم الخبر على الاسم، حيث إن هذا التقديم له دلالة بلاغية أوقع من غيره، إذ إنّ العرب تقدم الذى بيانه أهم لهم وهم بشأنه أعنى وإن كانا جميعا يهمّانهم ويعنيانهم (4). وهذا التقديم والتأخير يدخل ضمن ما يسمى بالتأليف التام الذى يعدّ عنصرا من عناصر تأليف الجملة العربية (5) لأن موقع المفردة يسهم إسهاما كبيرا في تفسير قيمة التقديم الفنية للنص ويمثل مرحلة من مراحل الاتصال بين المتلقي والمعنى المراد (6).
14 -
فتح وكسر همزة (إنّ) بعد فاء الجزاء: إذا وقعت (إنّ) بعد فاء الجزاء فيجوز فتحها وكسرها (7). ورد هذا في قوله تعالى: كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم [الأنعام/ 54]، حيث قرأ الشاميّ وعاصم ويعقوب (فأنّه) بفتح الهمزة وقرأ الباقون بكسرها (8).
وقراءة الفتح على جعل (أنّ) وصلتها مصدرا مبتدأ خبره محذوف والتقدير:
فالغفران جزاؤه، أو على جعلها خبرا لمبتدإ محذوف، والتقدير: فجزاؤه الغفران. أما قراءة الكسر فعلى جعلها جملة جوابا ل (من)(9).
(1) الخصائص 2/ 382.
(2)
الكنز/ 359.
(3)
أمالي المرتضى 1/ 206، 207.
(4)
دلائل الإعجاز/ 84.
(5)
معاني النحو 1/ 11.
(6)
في البنية والدلالة/ 135.
(7)
الفوائد الضيائية 2/ 339.
(8)
الكنز/ 405.
(9)
شرح ابن عقيل 1/ 361.
ونظير هذا قراءة قوله تعالى: ندعوه إنه (1)[الطور/ 28]. فمن قرأ بالفتح فعلى تقدير دخول لام التعليل؛ لأن هذه اللام إذا دخلت على (إنّ) لفظا أو تقديرا فتحت همزتها، ومن قرأ بالكسر فعلى الاستئناف والجواب لسؤال مقدر قبله (2).
وقال النحاس: (والكسر أبين لأنه إخبار بهذا فالأبلغ أن يبتدأ)(3).
15 -
إعمال (إن) المخففة عمل (إنّ) المشددة: تهمل (إن) المخففة عند أكثر العرب وإذا أهملت لزمتها اللام الفارقة بينها وبين (إن) النافية (4)، ويقل عندئذ إعمالها كالمشددة إلا ما حكي عن سيبويه والأخفش (5). ففي قوله تعالى: وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم [هود/ 111] قرئ بتخفيفها وتشديدها (6). والذين قرءوا بتخفيفها خفّفوا أيضا (ما) التي بعدها.
وعلى هذه القراءة يكون للآية إعرابان، في كلّ منهما تكون (إن) مؤكّدة عاملة عمل (إنّ) المشددة غير أن (ما) تقع اسما موصولا بمعنى الذى خبرا ل (إن)، وتقع أيضا زائدة (7). وعند الكوفيين لا يجوز إعمال (إن) المخففة بأي حال من الأحوال (8).
16 -
الفصل بين (أنّ) المخففة وخبرها: إذا خففت (أنّ) المفتوحة بقيت على عملها، لكن اسمها لا يكون إلا ضمير الشأن محذوفا، وخبرها لا يكون إلّا جملة اسمية أو فعلية (9). فإذا كان اسمها جملة اسمية لم يحتج إلى فاصل إلّا إذا
(1) الكنز/ 579.
(2)
حجة القراءات/ 684، وأوضح المسالك 1/ 340، والمشكاة الفتحية/ 202.
(3)
إعراب القرآن (النحاس) 3/ 254.
(4)
ما لم ينشر من الأمالي الشجرية/ 409، 410 نقلا عن كتاب (نصوص محققة في اللغة والنحو، وأوضح المسالك 1/ 366.
(5)
شرح ابن عقيل 1/ 378، وشفاء العليل 1/ 367، وحاشية الدسوقي 1/ 22.
(6)
الكنز/ 444.
(7)
الحجة في القراءات السبع/ 190. 191.
(8)
منثور الفوائد/ 67.
(9)
شرح ابن عقيل 1/ 383، 386.
قصد النفي. وعلى عدم الفصل جاءت قراءة نافع ويعقوب لقوله تعالى: أن لعنة الله [النور/ 7] بتخفيف (أنّ) ورفع ما بعدها (1). أما إذا كان خبرها جملة فعلية فعلها متصرف يفيد الدعاء فلا يفصل بينهما بفاصل (2)، وعلى هذا جاءت قراءة نافع لقوله تعالى: أن غضب الله [النور/ 9] بكسر الضاد فعلا ماضيا ورفع لفظ الجلالة فاعلا (3).
17 -
نصب المستثنى ورفعه: إذا كان الكلام في جملة الاستثناء منفيّا والمستثنى من جنس المستثنى منه الموجود في الجملة، فالمختار في المستثنى الرفع على أنه بدل حسب قول البصريين، أو على أنه عطف نسق حسب قول الكوفيين (4). وفي قوله تعالى: ما فعلوه إلا قليل منهم [النساء/ 66] قرأ الشامي بنصب (قليل)، وقرأ الباقون بالرفع (5).
فالقراءة بالنصب جاءت على الاستثناء الذي قال عنه مكي: (وهو بعيد في النفي، لكنه كذلك في مصاحف أهل الشام)(6). والذى عليه ابن مالك وابن هشام أن النصب عربيّ جيد وفصيح شائع (7). أما قراءة الرفع فقد جاءت على البدل من ضمير الجماعة الواو، وهو هنا بدل بعض من كل على رأي البصريين، أو على أنه معطوف على الفاعل المرفوع قبله وهو الواو (8) على رأي الكوفيين الذين عدّوا (إلّا) حرف عطف بمنزلة لا العاطفة. وكان ثعلب قد اعترض على رأي البصريين وقال: كيف يكون (قليل) بدلا وهو موجب ومتبوعه منفي؟ لأنه كان ينكر مخالفة
(1) الكنز/ 503.
(2)
شرح ابن عقيل 1/ 386، وأوضح المسالك 1/ 372.
(3)
الكنز/ 503.
(4)
بدائع الفوائد 3/ 60، وأوضح المسالك 2/ 257، والفوائد الضيائية 1/ 418.
(5)
الكنز/ 391.
(6)
مشكل إعراب القرآن 1/ 201.
(7)
أوضح المسالك 2/ 258، وشرح الأشموني 2/ 452.
(8)
مشكل إعراب القرآن 1/ 201، وأوضح المسالك 2/ 258.
البدل للمبدل منه في الإيجاب والنفي. وقد أجاب أبو سعيد السيرافي بأن تخالف البدل مع المبدل منه في النفي والإيجاب لا يمنع البدلية (1).
ومن نظائر هذا قراءة قوله تعالى: ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك [هود/ 81]. حيث قرأ العشرة إلا ابن كثير وأبا عمرو (امرأتك) بالنصب (2).
18 -
اقتران جملة الحال الفعلية بالواو. إذا وقع الحال جملة فعلية فعلها مضارع منفي بالحرف (لا) فيجوز أن يصحبها الواو رابطا لها بصاحب الحال (3). وذهب ابن مالك في غير الألفية إلى أنّ هذا لا يجوز، وأنّ ما ورد مما ظاهره كذلك فإنه يؤول على إضمار مبتدأ (4). وفي قراءة قوله تعالى: فاستقيما ولا تتبعان [يونس/ 89] بتخفيف النون (5) عند ابن عامر، يكون تقدير الكلام على رأي ابن مالك: وأنتما لا تتّبعان. ويقع (لا تتّبعان) خبرا لمبتدإ محذوف، والفعل هنا معرب على غير قراءة التشديد (6).
19 -
إضافة الظرف إلى الجملة الاسمية: عند إضافة الظرف إلى غير معرب ولا متمكّن يحسن فيه البناء على الفتح والإعراب أيضا (7). وقد وردت الإضافة في قوله تعالي: ومن خزي يومئذ [هود/ 66] حيث قرأ المدنيان والكسائي بفتح ميم (يومئذ) على البناء، وقرأ الباقون بكسره جرّا (8).
ويجوز عند الكوفيين أن تبنى ظروف الزمان مع الفعل المستقبل ولا يجوز ذلك عند البصريين؛ لأن المستقبل معرب (9).
(1) شرح الأشموني 2/ 437.
(2)
الكنز/ 443، وفي توجيه هذه الآية ينظر: بدائع الفوائد 3/ 65 وما بعدها.
(3)
تسهيل الفوائد/ 113، وشرح ابن عقيل 2/ 281، وشفاء العليل 2/ 546.
(4)
شرح عمدة الحافظ/ 447، 448، وشرح ابن عقيل 2/ 282.
(5)
الكنز/ 439.
(6)
حجة القراءات/ 336، وشرح عمدة الحافظ/ 449، وشرح ابن عقيل 2/ 382.
(7)
أمالي السهيلي/ 92، وشرح الأشموني 1/ 421.
(8)
الكنز/ 442.
(9)
شرح القصائد التسع المشهورات/ 115، وشرح الأشموني 1/ 426، 428.
ومن نظائر هذا قراءة قوله تعالى: من فزع يومئذ [النمل/ 89] وكذلك قوله تعالى: من عذاب يومئذ (1)[المعارج/ 11].
20 -
إضافة الظرف إلى الجملة الفعلية جوازا: وذلك في قوله تعالى: هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم [المائدة/ 119]. حيث قرأ نافع بنصب (يوم) وقرأ الباقون بالرفع (2).
ومذهب البصريين في الاسم المضاف جوازا إلى جملة فعلية فعلها مضارع هو وجوب إعراب هذا الاسم، ولا يجوز البناء إلّا في ما أضيف إلى جملة صدّرت بفعل ماض (3). أما الكوفيون فيجيزون الإعراب والبناء، والإعراب أرجح، وتبعهم في هذا أبو على الفارسي وابن مالك في ألفيته (4). وقال ابن عصفور:
(والإعراب أحسن)(5)، فيكون (يوم) مرفوعا على أنه خبر لاسم الإشارة قبله، ويكون على أحد الرأيين عند الكوفيين مبنيّا على الفتح لإضافته إلى الفعل، وعندئذ يحتمل موضعه النصب والرفع (6).
21 -
إضافة العدد (مائة) إلى الجمع: ذكر ابن مالك أن اسم العدد (مائة) لا يضاف إلّا إلى مفرد (7). وقد وردت القراءة بإضافته إلى غير المفرد في قوله تعالى:
ولبثوا في كهفهم ثلاث مئة سنين [الكهف/ 25]. فقد قرأ حمزة والكسائي وخلف بغير تنوين (مائة) بل بإضافتها إلى (سنين)(8). وإضافة هذا العدد إلى الجمع ورد بقلّة على رأي ابن عقيل (9)، وهو حسن في القياس قليل في
(1) الكنز/ 517، 602.
(2)
الكنز/ 400.
(3)
شرح ابن عقيل 3/ 60، وشرح الأشموني 3/ 421، 426، 428.
(4)
أوضح المسالك 3/ 136، وشرح ابن عقيل 3/ 58، 59، والفوائد الضيائية 2/ 147، ومجموع مهمات المتون/ 342.
(5)
المقرب/ 317.
(6)
مشكل إعراب القرآن 1/ 244، 245
(7)
أوضح المسالك 4/ 255، وشرح ابن عقيل 4/ 68.
(8)
الكنز/ 474.
(9)
شرح ابن عقيل 4/ 69.
الاستعمال (1). وقال الرّضى: (وقد يجمع مميز المائة نحو: مائة رجال)(2).
22 -
الفصل بين المتضايفين. أجاز الكوفيون في سعة الكلام الفصل بين المضاف الذى هو شبه الفعل والمضاف إليه بما نصبه المضاف من مفعول به أو ظرف أو شبهه، وإلى هذا ذهب ابن مالك (3).
وقد وردت القراءة بالفصل بينهما بمفعول المضاف في قوله تعالى: وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم [الأنعام/ 127] حيث قرأ ابن عامر بنصب (أولادهم) على أنه مفعول به ل (قتل) وجرّ (شركائهم) على أنه مضاف إليه، وهو من إضافة المصدر إلى فاعله (4).
ومثل هذا الفصل غير جائز عند البصريين إلّا في الشّعر مطلقا (5). ووافق الزمخشريّ البصريين في هذا، وردّ قراءة ابن عامر في الآية الشريفة السابقة، وقال الصبان:(ولا عبرة بردّه مع ثبوتها بالتواتر)(6). وكان ابن كيسان قد ذهب إلى أنه إذا فصل بين المضاف والمضاف إليه نوّن المضاف، وردّ صاحب الخزانة بأن هذا القول لا يلتفت إليه لأن العرب إذا فصلت بينهما لم تنوّن (7).
23 -
العطف على الجوار: وذلك في قوله تعالى: وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم [المائدة/ 6] حيث قرأ نافع والشامي ويعقوب والكسائي بنصب (أرجلكم) وقرأ الباقون بالجر (8). فقراءة النصب بالعطف على (أيديكم) المنصوب، ولا يضر الفصل بالجملة بين المعطوف والمعطوف عليه خلافا لابن
(1) مشكل إعراب القرآن 1/ 440.
(2)
ابن كيسان/ 176.
(3)
أوضح المسالك 3/ 177، وشرح ابن عقيل 3/ 82، ونشأة النحو/ 125.
(4)
الكنز/ 412.
(5)
الخصائص 2/ 390، 404، وشرح الأشموني 3/ 500، والقرآن الكريم وأثره في الدراسات النحوية/ 325.
(6)
نشأة النحو/ 125.
(7)
خزانة الأدب 4/ 420. 421، وأبو الحسن بن كيسان/ 160.
(8)
الكنز/ 396.
عصفور (1). أما قراءة الجر فبالعطف على (رءوسكم) المجرورة وهذا ما يسمى بالعطف على الجوار؛ وذلك لأن الواو انفردت عن سائر أحرف العطف بأنها تعطف على الجوار.
وهذا العطف جائز في الجر خاصة (2). وقيل إنّه عطف على (أيديكم) لا على (رءوسكم)(3). وقال الزمخشري في توجيه هذه القراءة: (فإن قلت: فما تصنع بقراءة الجر ودخولها في حكم المسح؟ قلت: الأرجل من بين الأعضاء الثلاثة المغسولة، تغسل بصبّ الماء عليها فكانت مظنّة الإسراف المذموم المنهيّ عنه، فعطف على الممسوح لا لتمسح ولكن لينبّه على وجوب الاقتصاد في صبّ الماء عليها)(4).
24 -
العطف على الضمير المخفوض: مذهب جمهور النحاة أن الضمير المجرور لا يعطف عليه إلا بإعادة الجار له. واختار هذا ابن مالك في ألفيته وقد أجاز الكوفيون العطف هنا دون إعادة، وهو ما ذهب إليه يونس والأخفش وبعدهما ابن عقيل في شرحه على الألفية واحتج بورود السماع نثرا ونظما (5).
وقد جاءت قراءة حمزة بجر (الأرحام)(6) دون إعادة الخافض في قراءته لقوله تعالى: واتقوا الله الذى تساءلون به والأرحام [النساء/ 1] حيث جاء (الأرحام) معطوفا على الهاء المجرورة بالباء (7). وجاءت قراءة الباقين بالنصب عطفا على لفظ الجلالة بعد حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مكانه، فصار تقدير الكلام:
(1) تحفة الأقران/ 160.
(2)
شرح عمدة الحافظ/ 638، ومغني اللبيب 1/ 392، 395.
(3)
مغني اللبيب 2/ 760، 761.
(4)
الكشاف 1/ 597، ومغني اللبيب 2/ 761.
(5)
الإنصاف 2/ 463، وأوضح المسالك 3/ 392، وشرح ابن عقيل 3/ 240، والفوائد الضيائية 2/ 48، ونشأة النحو/ 126.
(6)
الكنز/ 387.
(7)
شرح ابن عقيل 3/ 240.
واتقوا الله وقطع الأرحام. وهذا ما يسمى بعطف الخاص على العام، ومثل هذا العطف جائز سماعا وقياسا (1). وقال ابن جني في توجيه قراءة حمزة:(ليست هذه القراءة عندنا من الإبعاد والفحش والشناعة والضعف على ما رآه فيها وذهب إليه أبو العباس (2)، بل الأمر فيها دون ذلك وأخف وألطف؛ وذلك أنّ لحمزة أن يقول لأبي العباس: إنني لم أحمل (الأرحام) على العطف على المجرور المضمر بل اعتقدت أن تكون فيه باء ثانية حتى كأني قلت: (وبالأرحام) ثم حذفت الباء لتقدم ذكرها) (3).
ومن نظائر هذه القراءة ما ورد في قوله تعالى: ومن وراء إسحاق يعقوب [هود/ 71] حيث قرأ الشامي وحمزة وحفص (يعقوب) بالنصب وقرأ الباقون بالرفع على الباء (4). فقراءة حمزة هنا، قال عنها الفراء إنه نوى بها الخفض ولا يجوز الخفض إلّا بإظهار الباء (5). ولم يجوّز ابن جنى الفصل بين الجار والمجرور وجعله أصعب من الفصل بين المضاف والمضاف إليه، وقال:(وإنما كانت الآية أصعب مأخذا من قبل أنّ حرف العطف منها الذى هو الواو ناب عن الجار الذى هو الباء في قوله تعالى: إسحاق. وأقوى أحوال حرف العطف أن يكون في قوة العامل قبله وأن يلي من العمل ما كان الأول يليه، والجار لا يجوز فصله من مجروره)(6). وذكر مكي أنّ ما قاله الفرّاء إنما هو مذهب الكسائي قبله (7)، وإليه ذهب أبو علي، وقال:(فلا يخلو أن تعطفه على الباء الجارة كأنه أراد أنها بشّرت بهما)(8).
25 -
العطف على الضمير المنصوب: أجاز ابن مالك وابن عقيل عطف الاسم
(1) مشكل إعراب القرآن 1/ 187، والإنصاف في مسائل الخلاف 2/ 463.
(2)
يقصد المبرّد.
(3)
الخصائص 1/ 285.
(4)
الكنز/ 443.
(5)
معاني القرآن 2/ 22.
(6)
الخصائص 2/ 395.
(7)
مشكل إعراب القرآن 1/ 369.
(8)
المسائل العسكريات/ 117.
على الضمير المنصوب المتصل والمنفصل دون حاجة إلى فاصل بينهما (1).
وقد ورد هذا العطف في الكنز في قراءة قوله تعالى: وقوم نوح من قبل [الذاريات/ 46] حيث قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وخلف بجر (قوم) وقرأ الباقون بالنصب (2). فالقراءة بالنصب هنا على أنه معطوف على الهاء والميم في فأخذتهم [الذاريات/ 44] أو معطوف على الهاء في فأخذناه [الذاريات/ 40] أو على الهاء والميم في فنبذناهم [الذاريات/ 40] وقيل أيضا إن العطف هنا ليس على الضمير بل على المفعولية بتقدير فعل قبله (3).
26.
العطف على اسم (لا) الجنسية: إذا أتي بعد (لا) الجنسية والاسم الواقع بعدها بعاطف ونكرة مفردة وتكررت (لا)، فيجوز فيهما خمسة أوجه (4)؛ وذلك لأن المعطوف
عليه إمّا أن يبنى مع (لا) على الفتح أو ينصب أو يرفع. فإن رفع المعطوف عليه جاز في الثاني وجهان: أولهما البناء على الفتح وثانيهما الرفع (5).
وعلى الوجه الأول منهما جاءت قراءة ابن كثير وأبي عمرو في قوله تعالى: لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة [البقرة/ 254] بالفتح في الثلاثة، وجاءت قراءة الباقين بالرفع فيهن.
ومن نظائر هذا الباب قراءة قوله تعالى: لا بيع فيه ولا خلة [إبراهيم/ 31] وكذلك قوله تعالى: لا لغو فيها ولا تأثيم (6)[الطور/ 23].
27 -
ياءات الأسماء المنقوصة والأفعال: للنحاة في الياءات اللاحقة للاسم والفعل مذاهب. والمختار عندهم في ياء الاسم المنقوص غير المنصوب الحذف
(1) شرح ابن عقيل 3/ 238.
(2)
الكنز/ 578.
(3)
إعراب القرآن 3/ 243، ومشكل إعراب القرآن 2/ 689.
(4)
تنظر هذه الأوجه في: معاني النحو 1/ 402 وما بعدها.
(5)
كشف المشكل 1/ 372، وأوضح المسالك 2/ 14 وشرح ابن عقيل 2/ 11، 15 والفوائد الضيائية 1/ 440، وشرح الأشموني 2/ 18.
(6)
الكنز/ 456، 579.
عند الوقف عليه (1)، كما في قوله تعالى: ولكل قوم هاد [الرعد/ 7، 33] ومن ولي ولا واق (2)[الرعد/ 37]. وإثبات الياء في مثل هذه الحالة جائز عند العرب، وكلا الإثبات والحذف من لغاتهم (3).
ولهم في ياء المتكلم المضافة إلى المنادى الصحيح خمسة أوجه، وقيل أربعة (4) تدور بين الإثبات والحذف. فمثال إثباتها ما ورد في قوله تعالى: يا عبادي الذين آمنوا (5)[العنكبوت/ 56]، ومثال حذفها ما ورد في قوله تعالى:
قال رب احكم (6)[الأنبياء/ 112] ويا عباد فاتقون (7)[الزمر/ 16].
أما الياء المضافة في النداء إلى مثل يا أبت [يوسف/ 4]، و (أمّت)، فلم يجوّزوا إثباتها بل تحذف لأن التاء عوض عنها، فلا يجمع بين العوض والمعوّض منه، وتكون حركة التاء هنا بالفتح أو الكسر وكلاهما جائز (8).
أما الياء اللاحقة للفعل، للعرب فيها الحذف مرة والإثبات مرة. فمن حذفها اكتفى بالكسرة التي قبلها دليلا عليها وذلك أنها كالصلة إذ سكنت، وهي في آخر الحروف واستثقلت فحذفت، ومن أتمّها فهو البناء والأصل (9). وقد ظهر الحذف في قوله تعالى: يوم يأت (10)[هود/ 105] تخفيفا واجتزاء بالكسرة على لغة هذيل وهو كثير فيها (11).
وفسّر بعض المحدثين حذف الياءات بأنه من باب الترخص في الحركة الإعرابية
(1) أدب الكاتب/ 276، وشرح ابن عقيل 4/ 172.
(2)
الكنز/ 455.
(3)
الكتاب 4/ 183، وشرح ابن عقيل 4/ 172، ولغات العرب/ 138، 139.
(4)
المقرب/ 198، وشرح ابن عقيل 3/ 274، والمطالع السعيدة 2/ 102.
(5)
الكنز/ 525.
(6)
الكنز/ 494.
(7)
الكنز/ 552.
(8)
المفصل/ 243، وشرح ابن عقيل 3/ 276، وظاهرة التعويض/ 32.
(9)
معاني القرآن 1/ 200، 201.
(10)
الكنز/ 445.
(11)
القرآن الكريم وأثره في الدراسات النحوية/ 323.
الذى يؤتى به للدلالة على معني معيّن (1).
وعلّل الدكتور فاضل السامرائي ذكر الياء وحذفها في القرآن الكريم، وذلك عند كلامه في كتابه (التعبير القرآني) عن الذكر والحذف فقال: (ويمكن هنا أن نذكر أصلا عامّا في ذكر الياء وحذفها وهو: إنّ الاجتزاء بالكسرة عن الياء يختلف عن ذكر الياء في كلّ ما ورد في القرآن الكريم عدا خواتم الآي والنداء، ولها في كل ذلك خط علم
إضافة إلى السياق الخاص. ففي كل موطن ذكر الياء فيه، يكون المقام مقام إطالة وتفصيل في الكلام، بخلاف الاجتزاء بالكسرة فإن فيه اجتزاء في الكلام، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، إن الياء تتردد مظهرة في المواطن التي تذكر فيها الياء أكثر من المواطن التى يجتزأ بالكسرة عنها، وقد تتردد الكلمة ذات الياء مظهرة في السورة أكثر من تردد الكلمة ذات الياء المجتزئة في موطنها (2).
…
(1) العلامة الإعرابية/ 369.
(2)
التعبير القرآني/ 76.