الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
157 - (62)(44) باب جواز مشاربة الحائض ومؤاكلتها ومساكنتها والاتكاء عليها في حال قراءة القرآن
587 -
(263)(109)(72) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا وكيعٌ، عَنْ مِسْعَرٍ وَسُفْيَانَ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيح، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: كُنْتُ أَشْرَبُ وَأَنَا حَائِضٌ، ثُمّ أُناولُهُ النبي صلى الله عليه وسلم. فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فيَّ، فَيَشْرَبُ، وَأَتَعَرَّقُ الْعَرْقَ
ــ
157 -
(62)(44) باب جواز مشاربة الحائض ومؤاكلتها ومساكنتها والاتكاء عليها في حال قراءة القرآن
587 -
(263)(109)(72)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب قالا حدثنا وكيع) بن الجراح بن مليح الرؤاسي (عن مسعر) بن كدام بن ظهير بن عبيدة الهلالي أبي سلمة الكوفي ثقة من (7) مات سنة (153) روى عنه في (9) أبواب (وسفيان) بن سعيد الثوري أبي عبد الله الكوفي ثقة ربما دلس من (7) مات سنة (161) روى عنه في (24) بابا (عن المقدام بن شريح) بن هانئ الحارثي الكوفي ثقة من (6) روى عنه في (3) أبواب تقريبًا (عن أبيه) شريح بن هانئ بن يزيد المذحجي الحارثي أبي المقدام الكوفي، كان من كبار أصحاب علي بن أبي طالب رضي الله عنه ثقة مخضرم معمر عابد قتل بسجستان سنة (87) وله (100) سنة، روى عنه في (4) أبواب (عن عائشة) أم المؤمنين. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا عائشة وزهير بن حرب (قالت) عائشة (كنت أشرب) الشراب من الكأس (وأنا حائض ثم أناوله) أي أعطي ما بقي في الكأس من الشراب (النبي صلى الله عليه وسلم ليشرب منه (فيضع) صلى الله عليه وسلم عند شربه (فاه) أي فيه الشريف (على موضع فيّ) بإدغام ياء الإعراب في ياء المتكلمة أي على موضع فمي من الكأس (فيشرب) من ذلك الشراب؛ فدل هذا الحديث على جواز المشاربة مع الحائض، والمعنى أُعطيه صلى الله عليه وسلم الإناء الذي شربتُ فيه فيضع فيه على موضع فمي من الإناء فيشرب منه، وهذا من غاية مخالفته لليهود بغضًا لهم، ومن نهاية موافقته لعائشة حبًّا لها (و) كنت (أتعرق) بفتح الهمزة من باب تفعل الخماسي والهمزة للمضارعة (العَرْق) بفتح العين وسكون الراء يجمع على عُرَاق بضم العين على وزن غراب، قال الهروي: وهو جمع نادر، وهو عظم
وَأنَا حَائِضٌ. ثُمَّ أُنَاولُهُ النبي صلى الله عليه وسلم. فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فيِّ. وَلَمْ يَذْكُرْ زُهَيرٌ: فَيَشْرَبُ.
588 -
(264)(110)(73) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ الْمَكِّي، عَنْ مَنْصُورٍ،
ــ
أخذ منه معظم اللحم وبقيت عليه بقية منه أي وكنت آكل اللحم بأسناني من العظم الذي عليه بقية اللحم (وأنا) أي والحال أني (حائض ثم أناوله) أي أعطي ذلك العرق (النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه) أي فيه (على موضع فيّ) أي على موضع فمي من ذلك العرق، وفي هذا دلالة على جواز مؤاكلة الحائض ضد ما عليه اليهود من مجانبة الحائض (ولم يذكر زهير) بن حرب في روايته لفظة (فيشرب) وهي مما تفرد به أبو بكر بن أبي شيبة، قال القرطبي: وهذه الأحاديث متفقة الدلالة أن الحائض لا ينجس منها شيء ولا يجتنب منها إلا موضع الأذى فحسب، والله تعالى أعلم اهـ.
وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [6/ 210] وأبو داود [259] والنسائي [1/ 148].
ثم استدل المؤلف على بعض أجزاء الترجمة بحديث آخر لعائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
588 -
(264)(110)(73)(حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري ثقة من (10) قال (أخبرنا داود بن عبد الرحمن) العطار أبو سليمان (المكي) روى عن منصور بن صفية في الوضوء والزهد، وعمرو بن دينار في النكاح، وابن جريج والقاسم بن أبي بَزَّةَ، ويروي عنه (ع) ويحيى بن يحيى وابن وهب، قال أبو داود: ثقة، وقال العجلي: مكي ثقة، ووثقه البزار، وضعفه ابن معين، وقال في التقريب: ثقة من الثامنة مات سنة (175) خمس وسبعين ومائة، له في (خ) فرد حديث (عن منصور) بن عبد الرحمن بن طلحة بن الحارث القرشي العبدري الحجبي المكي، وهو ابن صفية بنت شيبة، روى عن أمه صفية بنت شيبة في الوضوء والصلاة والزهد، وسعيد بن جبير ومحمد بن عباد بن جعفر وغيرهم، ويروي عنه (خ م د س ق) وداود بن عبد الرحمن وسفيان بن عيينة ووهيب وابن جريج والثوري وغيرهم، قال النسائي: ثقة وأثنى عليه أحمد وسفيان بن عيينة، وقال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث، وقال في التقريب: ثقة من الخامسة مات سنة
عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أنَّهَا قَالتْ: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَتَّكِئُ في حِجْرِي وَأَنَا حَائِضٌ، فَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ
ــ
(138)
سبع أو ثمان وثلاثين ومائة، روى عنه في (3) أبواب (عن أمه) صفية بنت شيبة بن عثمان بن أبي طلحة العبدرية المدنية، لها رؤية، روت عن عائشة في الوضوء والحج واللباس والفضائل، وأسماء بنت أبي بكر في الصلاة والحج واللباس، ويروي عنها (ع) وابنها منصور وابن أخيها عبد الحميد بن جبير بن شيبة ومصعب بن شيبة والحسن بن مسلم بن يناق وغيرهم (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان مكيان وواحد نيسابوري (أنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكئ) ويستند من الاتكاء وهو الاستناد على شيء (في حِجري) بتثليث الحاء أي على حضني ومقدم بدني، هكذا صوابه عند الرواة كلهم هنا، وفي البخاري ووقع للعذري في حجرتي بضم الحاء وبالتاء المثناة من فوق وهو وهم (وأنا) أي والحال أنا (حائض) وفيه دلالة على طهارة جسد الحائض (فيقرأ القرآن) وفيه جواز قراءة القرآن بالقرب من محل النجاسة. وفي المفهم: وقد استدل بعض العلماء بهذا الحديث على جواز قراءة الحائض للقرآن وحملها المصحف وفيه بُعْدٌ، لكن جواز قراءة الحائض للقرآن عن ظهر قلب أو نظر في المصحف ولا تمسه؛ هي إحدى الروايتين عن مالك وهي أحسنها تمسكًا بعموم الأوامر بالقراءة وبأصل ندبية مشروعيتها، ولا يصح ما يذكر في منعها القراءة من نهيه صلى الله عليه وسلم الحائض عن قراءة القرآن، وقياسها على الجنب ليس بصحيح فإن أمرها يطول وليست متمكنة من رفع حدثها فافترقا، ويؤخذ من قراءته صلى الله عليه وسلم القرآن في حجر الحائض جواز استناد المريض إلى الحائض في صلاته إذا كانت أثوابها طاهرة وهو أحد القولين عندنا، وصحيح الرواية (وأنا حائض) بغير هاء، ووقع عند الصدفي (حائضة) والأول أفصح وهذه جائزة أيضًا لأنها جارية، كما قال الأعشى:
أَيَا جَارَتَا بِينِي فَإِنَّكِ طَالِقَةْ
…
وَمَوْمُوقَةٌ مَا دُمْتِ فِينَا وَوَامِقَهْ
وكما قال تعالى {وَلِسُلَيمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً} [الأنبياء: 81] وللنحاة في الأول وجهان أحدهما: أن حائضٌ وطالقٌ ومرضعٌ مما لا شِرْكة فيه للمذكر فاستغنى عن العلامة، والثاني: وهو الصحيح أن ذلك عن طريق النسب أي ذات حيض ورضاع وطلاق كما قال
589 -
(265)(111)(74) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ مَهْدِي، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَن الْيَهُودَ كَانُوا، إِذَا حَاضتِ الْمَرْأَةُ فِيهِمْ، لَمْ يُؤَاكِلُوهَا وَلَمْ يُجَامِعُوهُنَّ في الْبُيُوتِ، فَسَأَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. فَأَنْزَلَ الله تَعَالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ
ــ
تعالى {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} [المزمل: 18] أي ذات انفطار. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 117 و 135] والبخاري [297] وأبو داود [260] والنسائي [1/ 191].
ثم استشهد المؤلف لحديث عائشة بحديث أنس رضي الله تعالى عنهما فقال:
589 -
(265)(111)(74)(وحدثني زهير بن حرب) الحرشي النسائي (حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) الأزدي البصري (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري (حدثنا ثابت) بن أسلم البناني البصري (عن أنس) بن مالك الأنصاري البصري. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم بصريون إلا زهير بن حرب فإنه نسائي (أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها) أي لم يشاركوها بالأكل معها ولم يشاربوها (ولم يجامعوهن في البيوت) أي لم يخالطوهن ولم يساكنوهن في بيت واحد؛ أي لم يشاركوها في الأكل والشرب والمساكنة في البيت، وإنما جمع الضمير هنا مع إفراده أولًا لأن المراد بالمرأة الجنس فعبر أولًا بالمفرد نظرًا للفظها ثم بالجمع نظرًا إلى معناها على طريق التفنن. اهـ مرقاة. وفي رواية أبي داود (إن اليهود كانت إذا حاضت منهم المرأة أخرجوها من البيت ولم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها) في البيت أي لم يشاركوها في الأكل والشرب والمساكنة في البيت (فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية أبي داود زيادة (عن ذلك) أي عن المؤاكلة والمشاربة والمجامعة معها في البيت، قال الأبي: وإنما سألوه لأنهم توهموا أن شرع من قبلهم شرع لهم فسألوه هل يفعلون ذلك؟ وأول من سأله ثابت بن الدحداح كذا في كتاب النكاح، وقيل أسيد بن حُضير وعباد بن بشر وهو قول الأكثرين. اهـ ابن رسلان، قلت: وظاهر الحديث أن مجيئهما بعد نزول الآية. اهـ من هامش البذل (فأنزل الله) سبحانه و (تعالى) قوله) ({وَيَسْأَلُونَكَ}) أي ويسألك الناس يا محمَّد) ({عَنِ}) وطء ذات ({الْمَحِيضِ}) أي الحيض ومؤاكلتها ومشاربتها ومساكنتها، والمَحِيضُ مَفْعَلٌ من الحيض
قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} إِلَى آخِرِ الآيَةِ فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "اصْنَعُوا كُل شَيءٍ إِلا النكَاحَ" فَبَلَغَ ذلِكَ الْيَهُودَ فَقَالُوا: مَا يُرِيدُ هَذَا الرجُلُ أَنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنَا شَيئًا إِلا خَالفَنَا فِيهِ، فَجَاءَ أُسَيدُ بْنُ حُضَيرٍ وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ فَقَالا: يَا رَسُولَ الله، إِن الْيَهُودَ، تَقُولُ كَذَا وَكَذَا، فَلا نُجَامِعُهُن؟
ــ
يصلح من حيث اللغة للمصدر والزمان والمكان، وأكثر المفسرين من الأدباء زعموا أن المراد به المصدر ويقال: فيه اسم مصدر والمعنى واحد، وقال ابن عباس: المحيض موضع الدم وبه قال محمَّد بن الحسن فعلى هذا يكون المراد منه المكان، ورُجِّحَ كونه مكان الدم بقوله {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} فإذا حُمل على موضع الحيض كان المعنى فاعتزلوا النساء في موضع الحيض قالوا واستعماله في الموضع أكثر وأشهر منه في المصدر ({قُلْ}) لهم يا محمَّد ({هُوَ}) أي الدم أو مكان الحيض ({أَذًى}) أي قدّر، وحمل الأذى على هذا يكون بتقدير المضاف أي ذو أذًى، والأذى: ما يؤدي أي شيء يُسْتَقْذَر ويؤذي من يقربه نُفْرَة منه وكراهة له ({فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ}) أي اعتزلوا وطء النساء وابتعدوا عنه ({فِي الْمَحِيضِ}) أي في زمان الحيض أو مكانه أو في الدم (إلى آخر الآية)[البقرة: 222](فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اصنعوا) معهن وافعلوا (كل شيء) من المؤاكلة والمشاربة والمساكنة (إلا النكاح) أي الجماع في القبل (فبلغ) أي وصل (ذلك) الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه من الترخيص في ذلك (اليهود فقالوا) أي اليهود (ما يريد هذا الرجل) ويقصد يعنون به النبي صلى الله عليه وسلم وعبروا به لإنكارهم نبوته (أن يدع) أي يترك (من أمرنا) أي من أمور ديننا (شيئًا إلا خالفنا) بفتح الفاء لاتصاله بضمير المفعول (فيه) أي في ذلك الشيء يعني لا يترك أمرًا من أمورنا إلا مقرونًا بالمخالفة، كقوله تعالى {لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إلا أَحْصَاهَا} (فجاء أسَيد) بضم الهمزة مصغرًا (بن حضير) مصغرًا بن سماك بن عَتِيك -بالفتح- الأنصاري الأشهلي يكنى أبا يحيى، وكان أسيد من السابقين إلى الإِسلام، وهو أحد النقباء ليلة العقبة (وعباد) بفتح العين وتشديد الموحدة (بن بشر) بن وقش -بفتح الواو وسكون القاف وبمعجمة- الأنصاري الأشهلي أسلم بالمدينة على يدي مصعب بن عمير أي جاءا إلى النبي صلى الله عليه وسلم (فقالا يا رسول الله أن اليهود تقول كذا وكذا) اسم مبهم جُعِلَ كنايةً عن قول اليهود المذكور آنفًا (فلا نجامعهن) أي أفلا نطأهن في المحيض، كما في
فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم حَتَّى ظَنَنَّا أَنْ قَدْ وَجَدَ عَلَيهِمَا، فَخَرَجَا فَاسْتَقْبَلَهُمَا هَدِيَّةٌ مِنْ لَبَنٍ إِلَى النبي صلى الله عليه وسلم، فَأَرْسَلَ في آثَارِهِمَا. فَسَقَاهُمَا. فَعَرَفَا أَنْ لَمْ يَجِدْ عَلَيهِمَا
ــ
رواية أبي داود ليكمل مخالفتنا إياهم، وفي بعض النسخ أفلا نجامعهن بإظهار همزة الاستفهام (فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم من البياض إلى الحمرة، كما هو عادته عند الغضب وإنما تغير لأنهم قالوا ذلك بعد نزول الآية وبعد تبيين النبي صلى الله عليه وسلم لأن قولهم مخالف للأمر المنصوص عليه من الله تعالى (حتى ظننا أن قد وجد) وغضب (عليهما) أي على أسيد وعباد، وأن مخففة من الثقيلة أي أنه قد وجد عليهما، والحال أنه لم يغضب عليهما لما سيأتي قريبًا، وهذا الظن على معناه الأصلي (فخرجا) من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم خوفًا من زيادة الغضب (فاسقبلهما) وفي رواية أبي داود فاستقبلتهما بتاء التأنيث أي استقبل الرجلين شخص معه (هدية من لبن) يهديها (إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل) أي بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم (في آثارهما) وفي بعض النسخ أثرهما، أي في ورائهما وعقبهما أحدًا من الحاضرين فناداهما فجاءآه (فسقاهما) من اللبن تلطفًا بهما (فعرفا) أي علم الرجلان، وفي رواية أبي داود (فظنَّا)(أن لم يجد) ولم يغضب (عليهما) وفي رواية أبي داود (أنه لم يجد) أي أنه صلى الله عليه وسلم لم يغضب عليهما لأنهما ما تكلما من الكلام إلا بحسن نيتهما فكانا في ذلك معذورين.
قال القرطبي: وتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول أُسيد بن الحُضَير وعباد بن بشر، إنما كان ليبين أن الحامل على مشروعية الأحكام إنما هو أمر الله ونهيه لا مخالفة أحد ولا موافقته كما ظنا، ثم لما خرجا من عنده وتركاه على تلك الحالة خاف عليهما أن يحزنا وأن يتكدر حالهما فاستدرك ذلك واستمالهما وأزال عنهما ما أصابهما؛ بأن أرسل إليهما فسقاهما اللبن رأفة ورحمة منه لهما على مقتضى خلقه الكريم، كما قال تعالى:{بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128] اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 246] وأبو داود [2165] والترمذي [2981] والنسائي [1/ 152].
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث: الأول والثاني منها لعائشة ذكرهما للاستدلال بهما على أجزاء الترجمة، والثالث حديث أنس ذكره للاستشهاد لهما، والله سبحانه وتعالى أعلم.