الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
167 - (72)(54) باب: استحباب استعمال المغتسلة من الحيض فرصة من مسك في موضع الدم
643 -
(295)(141)(105) حدَّثنا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ. قَال عَمْرٌو: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ صَفِيَّةَ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: سَأَلَتِ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: كَيفَ تَغْتَسِلُ مِنْ حَيضَتِهَا؟ قَالت:
ــ
167 -
(72)(54) باب: استحباب استعمال المغتسلة من الحيض فرصة من مسك في موضع الدم
والفِرْصة على وزن سدرة قطعة قطن أو خرقة تستعملها المرأة في مسح دم الحيض كذا في المصباح، فيكون الجار في قوله من مسك متعلقًا بخَاصٍّ أي باب استحباب استعمالها قطعة قطن مطيَّبَة بمسك في موضع الدم وهو الفرج بأن تحشو تلك القطعة المطيبة في فرجها لتَطْييبه.
643 -
(295) - (141)(105)(حَدَّثَنَا عمرو بن محمد) بن بكير (الناقد) أبو عثمان البغدادي (و) محمد بن يحيى (ابن أبي عمر) العدني ثم المكي، حالة كونهما (جميعًا) أي مجتمعين في الرواية (عن) سفيان (بن عيينة) الهلالي الكوفي، وأتى بقوله (قال عمرو) الناقد (حَدَّثَنَا سفيان بن عيينة) تورعًا من الكذب على عمرو (عن منصور بن صفية) بنت شيبة بن عثمان وهو منصور بن عبد الرحمن بن طلحة بن الحارث القرشي العبدري الحجبي المكي نسب إلى أمه لشهرته بها ثقة من (5) مات سنة (138) روى عنه في (3) أبواب (عن أمه) صفية بنت شيبة بن عثمان بن أبي طلحة العبدرية المدنية، لها رؤية، روى عنها في (5) أبواب (عن عائشة) الصديقة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد كوفي واثنان مكيان أو مكي وبغدادي (قالت) عائشة (سألت امرأة) من الأنصار كما في رواية البخاري أو هي أسماء بنت شَكَل بفتح الشين المعجمة وفتح الكاف كما صرح به في آخر الباب (النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيتها عن كيفية تطهيرها من الحيض، فقالت في سؤالها (كيف تغتسل) الحائض (من) حدث (حيضتها قالت) صفية بنت شيبة كذا في نسخة الأبي
فَذَكَرَتْ أَنَّهُ عَلَّمَهَا كَيفَ تَغْتَسِلُ. ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً مِنْ مِسْكٍ فَتَطَهَّرُ بِهَا. قَالتْ: كَيفَ أَتَطَهَّرُ بِهَا؟ قَال: "تَطَهَّرِي بِهَا. سُبْحَانَ اللهِ" وَاسْتَتَر - (وَأَشَارَ لَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ
ــ
والسنوسي بتاء التأنيث وهي أوضح، وفي بعض النسخ (قال) بالتذكير فالضمير عائد أيضًا على صفية بمعنى الراوي (فدكرت) عائشة (أنَّه) صلى الله عليه وسلم (عَلَّمَهَا) أي علم السائلة كيف تغتسل) من حيضتها بصب الماء أولًا على رأسها ثم على سائر جسدها أي بأن قال لها تطهري فأحسني الطهور ثم صبي على رأسك فادلكيه دلكًا شديدًا حتَّى يبلغ الماء شؤون رأسك أي أصولَه ثم صُبِّي الماءَ على سائر جسدك (ثم) بعد ما فرغت من الاغتسال (تأخذ فِرْصَةٌ) بوزن سدرة أي قطعة من قطن أو خرقة، وقال القسطلاني: بتثليث الفاء بمعنى قطعة وقيل بفتح القاف والصاد المهملة أي شيئًا يسيرًا من المسك مثل القَرْصَة بطرف الأصبعين، وقال ابن قتيبة: إنما هو بالقاف والضاد المعجمة؛ أي قطعة من مسك، والرواية ثابتة بالفاء والصاد المهملة ولا مجال للرأي في مثله، والمعنى صحيح بنقل أئمة اللغة، ومِن في قوله (من مسك) على الرواية الأولى وهي الثَّابتة بمعنى الباء متعلقة بمحذوف خاص صفة لفرصة، والمسك بكسر الميم دم الغزال والمعنى ثم تأخذ قطعة من قطن أو خرقة ملطَّخَة مطيَّبَة بمسك ثم تحشوها في فرجك (فتطهَّر بها) أي فتُطَيِّب بتلك الفرصة فرجها وتزيل عنه رائحة الدم، وقال القاضي عياض: ورُوي (مِن مَسْك) بفتح الميم وسُكون السين وهي رواية الأكثرين وهو الجِلْد والمعنى ثم تأخذ قطعة من جلد وتحمل بها معكِ لمسح القُبل، واحتج لهذا بانهم كانوا في ضَيقٍ يَمتنع معه أن يمتهنوا المسك مع غلاء ثمنه، وهذا قول ضعيف والصحيح الأول (فتطهر) أي تنظف (بها) أي بالفرصة (قالت) أسماء بنت شكل (كيف أتطهر) وأتنظف (بها) أي بتلك الفرصة يا رسول الله (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (تطهري) أي تنظفي (بها) أي بتلك الفرصة (سبحان الله) أي عجبًا للَّه في شؤونه التي منها خفاء هذا الأمر الظاهر الواضح عليك الَّذي لا يحتاج الإنسان في فهمه إلى فكر وتأمل، قال القسطلاني: أي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحان الله متعجبًا من خفاء ذلك عليها (واستتر) عنا بوضع يده على وجهه مبالغة في التعجب من ذلك.
قال النواوي: وفي هذا جواز التسبيح عند التعجب من الشيء واستعظامه وكذلك يجوز عند التثبت على الشيء والتذكر به، وفيه استحباب استعمال الكنايات فيما يتعلق بالعورات، قال عمرو الناقد (وأشار لنا) أي بين وحكى لنا (سفيان بن عيينة) استتار
بِيَدِهِ عَلَى وَجْهِهِ) - قَال: قَالتْ عَائِشَةُ: وَاجْتَذَبْتُهَا إِلَيَّ. وَعَرَفْتُ مَا أَرَادَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم. فَقُلْتُ: تَتَبَّعِي بِهَا أَثَرَ الدَّمِ. وَقَال ابْنُ أَبِي عُمَرَ في رِوَايَتِهِ: فَقُلْتُ: تَتَبَّعِي بِهَا آثَارَ الدَّمِ
ــ
النبي صلى الله عليه وسلم (بـ) وضع (يده على وجهه قال) الراوي يعني صفية بنت شيبة، وفي بعض النسخ قالت أي صفية بنت شيبة نظير ما مر (قالت) لنا (عائشة واجْتَذَبْتُهَا) أي جذبت أسماء بنت شكل (إليّ) لئلا تؤذي النبي صلى الله عليه وسلم بتكرار سؤالها عليه، وفي رواية (فاجتذبتها) بالفاء بدل الواو وتقديم الذال المعجمة على الموحدة، وفي أخرى بتقديم الموحدة على الذال (فاجتذبتها) والمعنى واحد أي جررتُها بثوبها إليَّ (و) الحال أنِّي قد (عرفتُ) وفهمت (ما أراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله لها تطهري (فقلت) لها (تَتَبَّعِي) وتزيلي (بها) أي بالفرصة الممسكة (أثر الدم) في الفرج أي رائحته (وقال) محمد (بن أبي عمر في روايته) هذا الحديثَ قالت عائشة (فقلت) لأسماء بنت شكل (تَتَبَّعِي بها) أي تَمسَّحِي بتلك الفِرصة (آثارَ الدم) أي مواضعَ الدم يعني بها الفرج بصيغة الجمع، ونقل النواوي عن المحاملي أنَّه قال: تُطَيِّبُ كُل موضع أصابه الدم من بدنها، وفي ظاهر الحديث حجة له. اهـ.
قال القسطلاني: واستُنْبِطَ من هذا الحديث أن العالِمَ يَكْنِي بالجواب في الأمور المستورة، وأن المرأة تسأل عن أمر دينها، وتكرير الجواب لإفهام السائل، وأن للطالب الحاذق تفهيم السائل قولَ الشيخ وهو يسمع، وفيه الدلالة على حُسن خُلُق الرسول صلى الله عليه وسلم وعظيم حلمه وحيائه. اهـ. وقال القاضي عياض: وفي الحديث الاستحياء عند ذكر ما يُسْتَحْيَا منه لا سيما ما يُذكر من ذلك بحضرة الرجال والنساء خصوصًا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي صفته صلى الله عليه وسلم أنَّه لم يكن فحاشًا فيجب أن يقتديَ به أهل الفضل فيستحيون وينقبضون عند ذكر ذلك ويَكْنُون عن الألفاظ المستقبحة، ألا ترى إلى قول عائشة تَتَبَّعِي بها أثر الدم تَكْنِي به عن موضع خروجه، وفيه التسبيح عند إنكار الشيء والتعجب منه، اهـ.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري رواه في الطهارة عن مسلم بن إبراهيم عن وهيب، وفي الاعتصام عن محمد بن عقبة عن فضيل بن سليمان، والنسائي في الطهارة عن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الزهري عن سفيان [159] وعن الحسن بن محمد عن عفان عن وهيب [266] اهـ تحفة.
644 -
(00)(00)(00) وحدَّثني أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ. حَدَّثَنَا حَبَّانُ. حَدَّثَنَا وُهَيبٌ. حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: كَيفَ أَغْتَسِلُ عِنْدَ الطُّهْرِ؟ فَقَال: "خُذِي فِرْصةً مُمَسَّكَةً فَتَوَضَّئِي بِهَا" ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ سُفْيَانَ
ــ
ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
644 -
(00)(00)(00)(وحدثني أحمد بن سعيد الدارمي) أبو جعفر المروزي ثقة حافظ من (11) قال (حَدَّثَنَا حبان) بفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة بن هلال الباهلي أبو حبيب البصري ثقة ثبت حجة مأمون، قال أحمد: إليه المنتهى في التثبت بالبصرة، من (9) مات سنة (216) روى عنه في (8) أبواب، قال (حَدَّثَنَا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي أبو بكر البصري ثقة ثبت لكنه تغير قليلًا بآخره، من (7) مات سنة (165) روى عنه في (12) بابا، قال (حَدَّثَنَا منصور) بن عبد الرحمن بن طلحة الحَجَبِي المكي المعروف بابن صفية (عن أمه) صفية بنت شيبة العبدرية المدنية (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان بصريان وواحد مكي وواحد مروزي، وغرضه بسوقه بيان متابعة وهيب بن خالد لسفيان بن عيينة في رواية هذا الحديث عن منصور ابن صفية، وفائدتها بيان كثرة طرقه مع بيان محل المخالفة (أن امرأة) وهي أسماء بنت شكل (سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن كيفية غسلها عن المحيض فقالت (كيف أغتسل) يا رسول الله (عند الطهر) من المحيض والتنفظ منه (فقال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم (خذي) بعد إيصال الماء إلى جميع شعرك وبشرتك (فِرْصة) أي قطعة من قطن (مُمَسَّكَة) أي مطيبة بمسك ملطخة به، وهو بضم الميم الأولى وفتح الثانية ثم مهملة مشددة مفتوحة على صيغة اسم المفعول، قال القسطلاني: أي قطعة من صوف أو قطن مطيبة بمسك (فَتَوَضَّئِي) الوضوء اللغوي؛ وهو التنظيف أي تنظفي من رائحة الدم (بها) أي بتلك الفرصة الممسكة بأن تحشوها في فرجها لتزيل رائحة الدم (ثم ذكر) وهيب بن خالد (نحو حديث سفيان) بن عيينة أي قريبه في اللفظ والمعنى، وتمام رواية وهيب كما في البخاري "ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم استحيا ثم أعرض بوجهه فأخذْتُها فجذبتُها فأخبرتها بما يريد النبي صلى الله عليه وسلم".
645 -
(00)(00)(00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن جَعْفَرٍ. حدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُهَاجِرِ؛ قَال: سَمِعْتُ صَفِيَّةَ تُحدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ؛ أَن أَسْمَاءَ سَأَلَتِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَنْ غُسْلِ الْمَحِيضِ؛ فَقَال: "تَأْخُذُ إِحْدَاكُنَّ مَاءَهَا وَسِدْرَتَهَا فَتَطَهَّرُ
ــ
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
645 -
(00) - (00)(00)(حَدَّثَنَا محمد بن المثنى) العَنَزِي أبو موسى البصري ثقة من (10)(و) محمد (بن بشار) العبدي أبو بكر البصري ثقة من (10) وأتى بقوله: (قال ابن المثنى حَدَّثَنَا محمد بن جعفر) الهذلي أبو عبد الله البصري المعروف بغُندر ثقة من (9) إشارة إلى أن ابن بشار روى عنه بالعنعنة (حَدَّثَنَا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم أبو بسطام البصري ثقة إمام الأئمة من (7)(عن إبراهيم بن المهاجر) بصيغة اسم الفاعل بن جابر البجلي أبي إسحاق الكوفي، روى عن صفية بنت شيبة في الوضوء، وأبي الشعثاء سُلَيم المحاربي في الصلاة، وطارق بن شهاب وغيرهم، ويروي عنه (م عم) وشعبة وأبو الأحوص والثوري وغيرهم، قال أحمد: لا بأس به، وقال العجلي: جائز الحديث، وقال النسائي: ليس بالقوي في الحديث، وقال مرة: ليس به بأس، وقال في التقريب: صدوق لَيِّنُ الحفظِ من الخامسة (قال) إبراهيم (سمعت صفية) بنت شيبة العبدرية المدنية، حالة كونها (تُحدِّث) وتروي (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان مدنيان وواحد كوفي، وغرضه بسوقه بيان متابعة إبراهيم بن المهاجر لمنصور بن عبد الرحمن في رواية هذا الحديث عن صفية، وفائدتها بيان كثرة طرقه (أن أسماء) بنت شكل الأنصارية (سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن) كيفية (غسل المحيض) بفتح الغين على أن المحيض اسم مكان أي عن كيفية تنظيف مكان الحيض وهو الفرج، وبضمها على أن المحيض مصدر ميمي فالإضافة فيه بمعنى اللام الاختصاصية لأنه ذكر لها خاصة هذا الغسل أي عن كيفية الغسل المختص بالحيض (فقال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم (تأخذ إحداكن) أيَّتُها المسلمات (ماءها وسدرتها) والسدرة شجر النبق؛ والمراد بها هنا ورقها الَّذي ينقع به في الغسل، وفي بعض النسخ وسدرها، قال الأبي: وهو الغاسول المتخذ من النبق (فتطهر) أي فتنظف من الدم
فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ. ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ دَلْكًا شَدِيدًا. حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا. ثُمَّ تَصُبُّ عَلَيهَا الْمَاءَ. ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً مُمسَّكَةً فَتَطَهَّرُ بِهَا"
ــ
بحذف إحدى التاءين لأنه من باب تفعَّل الخماسي (فتُحسن الطهور) أي الوضوء، قال القاضي عياض: التطهر الأول هو لإزالة النجاسة وما مَسَّها من دم الحيض، قال النواوي: والأظهر أنَّه الوضوء (ثم تَصُبُّ) الماء وتفرغه (على رأسها فتدْلُكه) أي فتدلك رأسها (دلكًا شديدًا) أي مبالِغًا (حتَّى تبلغ) إحداكن وتصل بدلكها (شؤون رأسها) أي إلى أصول شعر رأسها، وفي بعض النسخ (حتَّى يبلغ) الماء إلى أصول شعرها، والشؤون بضم الشين المعجمة وبعدها همزة؛ والمراد أصول شعر رأسها، قال القاضي: والشؤون ملتقى عظام الرأس وموضع فَرْقِهِ، وقال القرطبي: والشؤون هي ملتقى فلَقَتَي الرأس ومنها تجري الدموع، وقال النواوي: والشؤون المخطوط التي في عظم الجمجمة؛ وهو مجتمع شعب عظامها، الواحد منها شان، وفي النهاية هي عظامه وطرائقه ومواصل قبائله.
وفي المفهم: قوله (تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها) السدر هنا هو الغاسولُ المعروفُ وهو المتخَذُ مِنْ ورق شجر النبق وهو السدر، قوله (فتطهر) وهذا التطهرُ الَّذي أَمَرَ باستعمال السدر فيه هو لإزالة ما عليها من نجاسةِ الحيض، والغسلُ الثاني هو للحيض، وقولُه (فتدلكه دلكًا شديدًا) حجةٌ لمن رأى التدليكَ (فإن قلتَ) إنما أمر بهذا في الرأس ليعم جميعَ الرأس. (قلتُ) وكذلك يقال في جميع البدن، فإن قيل لو كان حكم جميع البدن حكمَ الرأس في هذا لبَيَّنَه فيه كما بيَّنه في الرأس، قلت: لا يحتاج إلى ذلك، وقد بيَّنَه في عضو واحد، وقد فُهِمَ عنه أن الأعضاء كُلَّها في حكمِ العضو الواحدِ في عموم الغسل وإجادته وإسباغه فاكتفى بذلك، (والشؤونُ) هو أصلُ فَرْقِ الرأس ومُلْتقَاها ومنها تجيء الدموع، وذِكْرُها مبالغةٌ في شدةِ الدلك وإيصال الماء إلى ما يَخْفَى من الرأس (ثم تَصُبُّ عليها) أي على سائر جسدها (الماء) لغسل الحيض (ثم) بعد فراغها من غسلها (تَأْخُذُ فِرْصَةً) أي قطعةً مِنْ قُطن أو من خرقة (مُمَسَّكة) أي مُطيَّبة بطيب مسك (فتطَهَّرُ) أي تُنَظِّفُ وتَطيِّب (بها) أي بتلك الفرصةِ فرجها بأن تَحْشو تلك الفرصة في قُبلها.
وفي المفهم: (الفِرْصة) صحيح الرواية فيها بكسر الفاء وفتح الصاد المهملة؛ وهي القطعة من الشيء، وهي مأخوذة من الفَرْص وهو القطع، والمَفْرَصَ والمِفْرَاصُ الَّذي تُقَطَّع به الفضة، وقد يكون الفرص بمعنى الشقِّ يقال فرصتُ النعل أي شققتُ أذنيها،
فَقَالتْ أَسْمَاءُ: وَكَيفَ تَطَهَّرُ بِهَا؛ فَقَال: "سُبْحَانَ اللهِ، تَطَهَّرِينَ بِهَا" فَقَالتْ عَائِشَةُ - (كَأَنَّهَا تُخْفِي ذَلِكَ) - تَتَبَّعِينَ أَثَرَ الدَّمِ. وَسَأَلَتْهُ عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ؟ فَقَال: "تَأْخُذُ مَاءً
ــ
وفي المصباح فرصتُ النَّعل أي خرقتُ أذنيها للشِّرَاك، وأما (مُمسَّكة) فروايتنا فيها بضم الميم الأُوْلَى وفتحِ الثانية وتشديد السين؛ ومعناه مطيَّبَة بالمسك مبالغةً في نفي ما يُكره وإزالتِهِ من ريح الدم، وعلى هذا تصح رواية الخُشني عن الطبري: فِرْصة من مِسْك بكسر الميم، وعلى هذا الَّذي ذكرناه أكثر الشارحين، وقد أنكر ابن قتيبة هذا كله، وقال: إنما هو فُرْضَة بضم الفاء وبالضاد المعجمة، وقال: لم يكن للقوم وُسْع في المال بحيث يستعملون الطيب في مثل هذا، وإنما هو مَسْكٌ بفتح الميم ومعناه الإمساك، فإن قالوا: إنما سُمع رباعيًّا، والمصدر إمساك قيل سُمع أيضًا ثلاثيًّا فيكون مصدره مَسْكًا، والمعنى ثم تأخذ جِلْدَةَ إمساكِ أي جلدةَ ذات صوفٍ وشَعْرٍ تُمْسِكُ وتمنع بها الدم من السيلان، قال الشيح: ولقد أحسن من قال في ابن قتيبة هَجُومٌ وَلُوجٌ على ما لا يُحسِن، ها هو قد أنكر ما صح من الرواية في فِرصة وجهِلَ ما صحَّحَ نَقْلَه أئمةُ اللغة، واختار ما لا يلتئم الكلام معه فإنه لا يصح أن يقال خذ قطعة من إمساك، وسوى بين الصحابة كلهم في الفقر وسُوءِ الحال بحيث لا يقدرون على استعمال مِسك عند التطهُر والتنظُّف مع أن المعلوم من أحوال أهل الحجاز واليمن مبالغتهم في استعمال الطيب من المسك وغيره، وإكثارهم ذلك واعتيادهم له، فلا يلتفت لإنكاره ولا يُعَرَّجُ على قوله .. إلخ ما أطال هنا.
(فقالت أسماء) بنت شكل لرسول الله صلى الله عليه وسلم (وكيف تطهر) إحدانا وتتنظف (بها) أي بالفِرصة (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبًا من خفاء ذلك عليها (سبحان الله) أي تنزيهًا لله في شؤونه كلّها (تطهرين بها) أي تتنظفين بالفرصة (فقالت عائشة) لها حالة كون عائشة (كأنها) أي كان عائشة (تُخفي) وتُسِرُّ (ذلك) الكلام الَّذي تقول لأسماء عن غيرها. قال النواوي: معناه قالت لها عائشة كلامًا خفيًّا تَسْمَعُه المخاطبةُ ولا يسمعه الحاضرون، وهذه الجملة مُدْرَجَة أدخلها الراوي بين الحكاية والمَحْكِي أي بين القول ومقوله، وهو قولها (تتبعين أثر الدم) أي يعني النبي صلى الله عليه وسلم بقوله لك تطهرين بها تَتبعين وتُزيلين بتلك الفرصة أثرَ الدم ورائحتَه من القُبُل (وسألته) صلى الله عليه وسلم أيضًا أسماءُ بنت شكل (عن) كيفيةِ (غَسْلِ الجنابة) من جماع أو احتلام (فقال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم (تأخذ) إحداكن (ماء) طهورًا
فَتَطَهَّرُ، فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ. أَوْ تُبْلِغُ الطُّهُورَ. ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ. حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا. ثُمَّ تُفِيضُ عَلَيهَا الْمَاءَ". فَقَالتْ عَائِشَةُ: نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الأَنْصَارِ، لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ في الدِّينِ.
646 -
(00)(00)(00) وحدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، في هذَا الإِسْنَادِ نَحْوَهُ
ــ
(فتطهر) أي فتوضأ به (فتُحسن الطهور) أي الوضوء بإسباغ مواضع الفرض وآدابه (أو) قال لها (تُبْلِغُ الطهور) أي تُكمل إحداكن الوضوء بالإسباغ، والشك من عائشة أو ممن دونها (ثم) بعد إكمال وضوئها (تصب) إحداكن أي تفرغ الماء (على رأسها فتدلكه) أي تدلك أصول شعرها (حتَّى تبلغ) إحداكن بدلكها (شوون رأسها) أي أصول شعرها، وفي بعض النسخ (حتَّى يبلغ) أي الماء أصول شعرها (ثم تفيض عليها) أي على سائر جسدها (الماء، فقالت عائشة) عند ما حدثت هذا الحديث إنعم النساء) والمخصوص بالمدح (نساء الأنصار لم يكن يمنعهن) لم يَحْجُزْهُنَّ (الحياء) من الناس (أن يتفقهن) ويتعلمن (في) أحكام (الدين) رضي الله تعالى عنهن.
وحديث عائشة هذا شارك المؤلف في رواية هذه الرواية أحمد [6/ 147] والبخاري [315] وأبو داود [314 - 316] والنسائي [1/ 135 - 137].
ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
646 -
(00)(00)(00)(وحدثنا عبيد الله بن معاذ) بن معاذ بن نصر التميمي العنبري أبو عمرو البصري ثقة حافظ من (10) مات سنة (237) روى عن أبيه فقط في مواضع كثيرة قال عبيد الله (حَدَّثَنَا أبي) معاذ بن معاذ بن نصر التميمي العنبري أبو المثنى البصري ثقة من (9) مات سنة (196) روى عنه في (10) أبواب، قال (حَدَّثَنَا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي أبو بسطام البصري ثقة إمام الأئمة من (7) وقوله (في هذا الإسناد) متعلق بما عمل في المتابع، وفي بمعنى الباء، وقوله (نحوه) مفعول ثان لما عمل في المتابع، والضمير عائد إلى المتابَع المذكور في السند السابق وهو محمد بن جعفر، والمعنى حَدَّثَنَا معاذ بن معاذ عن شعبة بهذا الإسناد أي عن إبراهيم بن المُهاجِر عن صفية عن عائشة نحو ما حدث محمد بن جعفر عن شعبة. وهذا السند أيضًا من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان مدنيان وواحد كوفي، وغرضه بسوقه بيان
وَقَال: قَال: "سُبْحَانَ اللهِ، تَطَهَّرِي بِهَا" وَاسْتَتَرَ.
647 -
(00)(00)(00) وحدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. كِلاهُمَا عَنْ أَبِي الأحوَصِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيبةَ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: دَخَلَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ شَكَلٍ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيفَ تَغْتَسِلُ إِحْدَانَا إِذَا طَهُرَت مِنَ الْحَيضِ؟ وَسَاقَ الْحَدِيثَ. وَلَمْ يَذْكُرْ
ــ
متابعة معاذ بن معاذ لمحمد بن جعفر في رواية هذا الحديث عن شعبة، وفائدتها تقوية السند الأول لأن محمد بن جعفر فيه غفلة، ومعاذ بن معاذ ثقة متقن مع بيان محل المخالفة (و) لكن (قال) معاذ بن معاذ في روايته (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (سبحان الله تَطَهَّرِي بها وَاسْتَتَرَ) عنا بوجهه بدل قول ابن جعفر (سبحان الله تطهرين بها).
ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في حديث عائشة رضي الله عنها فقال:
647 -
(00)(00)(00)(وحدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي الحنظلي أبو زكرياء النيسابوري (وأبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (كلاهما) رويا (عن أبي الأحوص) سلام بن سليم الحنفي الكوفي ثقة متقن، من (7) مات سنة (179) روى عنه في (12) بابا (عن إبراهيم بن مُهَاجِر) الكوفي (عن صفية بنت شيبة) المدنية (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان وثلاثة كوفيون أو كوفيان ونيسابوري، وغرضه بسوقه بيان متابعة أبي الأحوص لشعبة في رواية هذا الحديث، عن إبراهيم بن المهاجر (قالت) عائشة (دخلت أسماء بنت شَكَلٍ) بفتحتين الأنصارية الصحابية، روى عنها (م) قال النواوي: هذا هو الصحيح المشهورُ، وحكى صاحب المطالع فيه إسكان الكاف، وذكر الخطيب الحافظ أبو بكر البغدادي في كِتابهِ الأَسْماءِ المبهمة وغَيرُه من العلماء أن اسم هذه السائلة أسماء بنت يزيد بن السَّكَن التي كان يقال لها خطيبة النساء، وروى الخطيب حديثًا فيه تسميتها بذلك، والله أعلم.
(على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيتي (فقالت يا رسول الله كيف تغْتسل إحدانا) معاشر المسلمات (إذا طَهرت) أي أرادت الطهارة (من) حدث (الحيض، وساق) أبو الأحوص (الحديث) السابق بمثل حديث شعبة (و) لكن (لم يذكر) أبو
فِيهِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ
ــ
الأحوص (فيه) أي في حديثه (غسل الجنابة) فاقتصر فيه على غسل الحيض، والله سبحانه وتعالى أعلم.
ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلَّا حديث عائشة رضي الله تعالى عنها وذكر فيه أربع متابعات واعلم أنَّه اختلف العلماء في الحكمة في استعمال المسك، فالصحيح المختار الَّذي قاله الجمهور أن الحكمة في استعماله تطييب المحل ودفع الرائحة الكريهة، وحكى الماوردي فيه قولان أحدهما هذا، والثاني أن الحكمة فيه أنَّه أسرع إلى عُلوق الولد، قال فإن قلنا بالأول ففقدتِ المسكَ استعملت ما يخلفه في طيب الرائحة، وإن قلنا بالثاني استعملت ما قام مقدمه في ذلك من القُسْط والأظفار وشبههما، قال: واختلفوا في وقت استعماله فمن قال بالأول قال: تستعمله بعد الغسل، ومن قال بالثاني قال قبله، هذا آخر كلام الماوردي. وأما قول من قال إن الحكمة الإسراع في العلوق فضعيف أو باطل فإنه على مقتضى قوله ينبغي أن يُخص به ذات الزوج الحاضر الَّذي يُتَوَقَّع جماعه في الحال، وهذا شيء لم يَصِرْ إليه أحد نعلمه، بل الصواب أن الحكمة تطييب المحل وإزالة الرائحة الكريهة، وأن ذلك مستحب لكل مغتسلة من الحيض أو النفاس سواء ذات الزوج وغيرها، وتستعمله بعد الغسل فإن لم تجد مسكًا فطيبًا غيره فإن لم تجد فطينًا فإن لم تجد فالماء كاف، اهـ نووي بتصرف.
***