الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
158 - (63)(45) باب الوضوء من المذي وغسل الذكر منه
595 -
(266)(112)(75) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا وكيع وَأَبُو مُعَاويَةَ وَهُشَيمٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُنْذِرِ بْنِ يَعْلَى، ويكْنَى أبا يَعْلَى عَنِ ابْنِ الْحَنَفِيةِ،
ــ
158 -
(63)(45) باب الوضوء من المذي وغسل الذكر منه
وفي المذي لغات: مَذْيٌ بفتح الميم وسكون الذال وتخفيف الياء، ومَذِيٌّ بفتح الميم وكسر الذال وتشديد الياء، ومَذِيٌ بفتح الميم وكسر الذال وتخفيف الياء، فالأُوليان مشهورتان أولاهما أفصحهما وأشهرهما، والثالثة حكاها أبو عمر الزاهد عن ابن الأعرابي، ويقال في فعله مَذَى من باب رَمَى، وأمذى بهمزة القطع ومَذَّى بتضعيف العين، والمذي: هو ماء أبيض رقيق لزج يخرج عند شهوة ضعيفة لا بشهوة قوية ولا دفق ولا يعقبه فتور وربما لا يحيى بخروجه، ويكون ذلك للرجل والمرأة، وهو في النساء أكثر منه في الرجال.
590 -
(266)(112)(75)(حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمَّد (بن أبي شيبة) قال (حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي (وأبو معاوية) محمَّد بن خازم الضرير التميمي الكوفي (وهشيم) بن بشير بن القاسم السلمي الواسطي (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي (عن منذر بن يعلى) الثوري أبي يعلى الكوفي، روى عن ابن الحنفية في الوضوء وسعيد بن جبير وعاصم بن ضمرة والربيع بن خُثَيم وغيرهم، ويروي عنه (ع) والأعمش وجامع بن أبي راشد وفطر بن خليفة وسعيد بن مسروق الثوري وطائفة، وثقه ابن معين وابن سعد والعجلي، وقال ابن سعد: كان قليل الحديث، وقال في التقريب: ثقة من السادسة، وأتى بقوله (ويكنى أبا يعلى) إيضاحًا له (عن ابن الحنفية) محمَّد بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي أبي القاسم أو أبي عبد الله المدني الإِمام المعروف بابن الحنفية نسب إلى أمه خولة بنت جعفر بن قيس بن مسلمة بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدُّؤَل بن حنفية الحنفية أي منسوبة إلى حنيفة، وكانت من سبي اليمامة، وروى عن أبيه علي بن أبي طالب في الوضوء والنكاح، وعثمان وعمار، ويروي عنه (ع) ومنذر بن يعلى الثوري وبنوه عبد الله والحسن وإبراهيم وعمرو بن دينار وخلق، ثقة عالم من الثانية مات برُضْوَى جبل بالمدينة سنة (80) ثمانين، ودفن بالبقيع، روى عنه في (2)
عَنْ عَلِيٍّ؛ قَال: كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً وَكُنْتُ أَسْتَحيي أَنْ أَسْأَلَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، لِمَكَانِ ابْنَتِهِ، فَأَمَرْتُ الْمِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ، فَسَأَلَهُ فَقَال:
ــ
بابين (عن) أبيه (علي) بن أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنه وختنه وأبي سِبْطَيهِ الحسن والحسين قتل في رمضان بالكوفة سنة أربعين (40) أبي الحسن المدني، روى عنه في (7)(قال) علي بن أبي طالب (كنت) أنا (رجلًا مَذَّاءً) صيغة مبالغة على زنة شداد أي كثير المذي كما جاء عنه في كتاب أبي داود (قال كنت ألقى من المذي شدة فكنت أغتسل منه حتى تشقق ظهري).
والمذي ماء أبيض رقيق يخرج عند الملاعبة والتَّذكار، أكثر خروجه من العزب وهو نجس باتفاق العلماء إلا ما يحكى عن أحمد بن حنبل من أنه طاهر كالمني عنده وهو خلاف شاذ، وقد تقدم القول في نجاسة المني، ويقال فيه مَذْيٌ بسكون الذال وتخفيف الياء، ومذِيٌّ بكسر الذال وتشديد الياء، ويقال في فعله مَذَى وأمْذَى لغتان كما مر قريبًا.
أي كنت رجلًا كثير المذي وكنت أغتسل منه اجتهادًا وقياسًا على خروج المني حتى حصل لي شقوق الجسم والظهر من شدة ألم البرد (وكنت أستحيي) مضارع استحيا من باب استفعل أي أخاف حياءً من (أن أسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن حكمه (لمكان ابنته) عندي أي لكون ابنته فاطمة تحتي رضي الله تعالى عنها؛ أي استحييتُ عن سؤال هذه المسألة، وإن كان السؤال جائزًا أيضًا فإن الله لا يستحيي من الحق (فأمرت المقداد) بن عمرو بن ثعلبة الكندي أبا عمرو المدني، وقيل له (ابن الأسود) ونُسِب إليه لأنه كان في حجره وكان قد تبناه، وقيل حالفه، وكان أبوه حليفًا لبني كِندة فنسب إليه، وكان هو حليفًا للأسود بن عبد يغوث الزهريّ فتبناه الأسود فنسب إليه، صحابي مشهور أسلم قديمًا وشهد بدرًا والمشاهد كلها، روى عنه (ع) وعلي بن أبي طالب وابن عباس وأنس بن مالك وغيرهم، مات سنة (33) وهو ابن (70) سنة بالجُرَف على ثلاثة أميال من المدينة فحُمِل إلى المدينة ودفن بها، أي طلبت من المقداد أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حكم خروج المذي هل يوجب الغسل أو الوضوء (فسأله) أي فسأل المقداد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حكم المذي (فقال) رسول الله صلى الله عليه
"يَغْسِلُ ذَكَرَهُ. وَيتوَضأُ"
ــ
وسلم في جواب سؤاله: إذا أمذى أحدكم (يغسل ذكره) وثوبه منه إذا أصابه لأنه نجس (ويتوضأ) لأنه خارج من أحد السبيلين كالبول فينقض الوضوء، قال تقي الدين: الرواية فيه بالرفع على أنه خبر في معنى الأمر وهو جائز لاشتراكهما في إثبات الشيء، ويصح فيه الجزم على تقدير الجازم وهو لام الأمر على ضعف وبعضهم منعه إلا لضرورة. اهـ أبي، قال القرطبي: ظاهر هذا أنه يغسل جميع ذكره لأن الاسم للجملة وهو رأي المغاربة من أصحابنا، وهل ذلك للعبادة فيفتقر إلى نية، أو لقطع أصل المذي فلا يحتاج؟ قولان لأبي العباس الإبيَاني وأبي محمَّد بن أبي زيد، وذهب بعض العراقيين من أصحابنا إلى أنه يغسل موضع النجاسة فقط، ولم يختلف العلماء أن المذي إذا خرج على الوجه المعتاد أنه ينقض الوضوء. اهـ منه.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 79] والبخاري [269] وأبو داود [206 - 209] والترمذي [114] والنسائي [1/ 96 - 97].
وسند هذا الحديث أعني حديث المقداد بن الأسود من سباعياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وأربعة كوفيون أو ثلاثة منهم كوفيون وواحد واسطي، ومن لطائفه أن فيه رواية صحابي عن صحابي، وفي المفهم: قوله (وأمرت المقداد بن الأسود) هذا يدل بظاهره على أنه لم يحضر مجلس السؤال، ويتوجه على هذا إشكال وهو أن يقال كيف اكتفى بخبر الواحد المفيد لغلبة الظن مع تمكنه من الوصول إلى اليقين بالمشافهة ويلزم منه جواز الاجتهاد مع القدرة على النص. والجواب أن تقول: يحتمل أن يكون مع أمره بالذهاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإرساله حضر مجلس السؤال والجواب ولو سلمنا عدم ذلك قلنا إن العمل بخبر الواحد جائز مع إمكان الوصول إلى اليقين إذا كان في الوصول إلى اليقين كلفة ومشقة، فإن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم كانوا يتناوبون حضور مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم لسماع ما يطرأ فيه ويحدث من حضر لمن غاب، والشعبي صلى الله عليه وسلم كان يوجه ولاته وأمراءه ليعلموا الناس العلم آحادًا مع تمكنه من إرسال عدد التواتر أو أمره أن يرتحل إليه عدد التواتر ليسمعوا منه ولم يفعل ذلك إسقاطًا للمشقة ومجانبةً للتعنيت والكلفة ولذلك قال تعالى {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} [التوبة: 122] والطائفة لا يحصل العلم بخبرهم إذ الفرقة أقلها ثلاثة، والطائفة منهم واحد أو اثنان ولا يلزم على
591 -
(00)(00)(00) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِي، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أخْبَرَنِي سُلَيمَانُ قَال: سَمِعْتُ مُنْذِرًا، عَنْ محمد بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَلِيٍّ؛ أَنَّهُ قَال: اسْتَحْيَيتُ أَنْ أَسأَل النبي صلى الله عليه وسلم عَنِ الْمَذْيِ مِنْ أَجْلِ فَاطِمَةَ. فَأمَرْتُ الْمِقْدَادَ فَسَألهُ. فَقَال: "مِنْهُ الْوُضُوءُ"
ــ
ذلك تجويز الاجتهاد مع وجود النص لأنهم رضي الله عنهم لم يجتهدوا إلا حيث فقدوا النصوص القاطعة والمظنونة، وذلك لأن الظن الحاصل من نصوص أخبار الآحاد أقوى من الظن الحاصل عن الاجتهاد، وبيان ذلك أن الوهم إنما يتطرق إلى أخبار الآحاد من جهة الطريق وهي جهة واحدة ويتطرق إلى الاجتهاد من جهات متعددة فانفصلا، والله أعلم. اهـ.
ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث المقداد رضي الله عنه فقال:
591 -
(00)(00)(00)(وحدثنا يحيى بن حبيب) بن عربي (الحارثي) أبو زكريا البصري ثقة من (10) مات سنة (248) روى عنه في (5) أبواب، قال (حدثنا خالد) بن الحارث بن عبيد الهجيمي أبو عثمان البصري ثقة ثبت من (8) مات سنة (186) وولد له (16) ابنًا، روى عنه في (12) بابًا تقريبًا، وأتى بالعناية في قوله (يعني ابن الحارث) إشارة إلى أنه من زيادته (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي أبو بسطام البصري ثقة إمام من (7) مات سنة (160) روى عنه في (30) بابا، قال (أخبرني سليمان) بن مهران الأعمش الكاهلي أبو محمَّد الكوفي (قال) سليمان الأعمش (سمعت منذرًا) ابن يعلى الثوري الكوفي (عن محمَّد بن علي) بن أبي طالب الهاشمي أبي القاسم المدني المعروف بابن الحنفية (عن علي) بن أبي طالب رضي الله عنه (أنه) أي أن عليًّا (قال) كنت رجلًا مذاءً فـ (استحييت أن أسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن) حكم (المذي) هل هو موجب للغسل كالمني أو الوضوء كالبول؟ وهل هو نجس كالبول أو طاهر كالمني؟ (من أجل) كون (فاطمة) بنته صلى الله عليه وسلم تحتي (فأمرت المقداد) بن الأسود بسؤاله صلى الله عليه وسلم عن حكم المذي (فسأله) صلى الله عليه وسلم المقدادُ (فقال) صلى الله عليه وسلم في جواب سؤاله (منه) خبر مقدم أي من خروج المذي (الوضوء) واجب لا الغسل أي هو مثل البول لاشتراكهما في المخرج فيجب من خروجه الوضوء وغسل الذكر وما أصابه من الثوب والبدن، ومثله أيضًا الودي وهو ماء أبيض كدر لا رائحة له يخرج
592 -
(00)(00)(00) وحدّثني هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِي وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَباسٍ؛ قَال: قَال عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: أرْسَلنَا الْمِقْدَادَ بنَ الأَسْوَدِ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلَهُ عَنِ الْمَذْيِ يَخْرُجُ مِنَ الإِنْسَانِ، كَيفَ
ــ
بعد البول غالبًا، فهو أيضًا يوجب الوضوء لا الغسل، فكل من البول والمذي والودي نجس موجب للوضوء لا الغسل لاشتراك الثلاثة في المخرج دون المني. وسند هذا الحديث من ثمانياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة بصريون واثنان كوفيان، وغرضه بسوقه بيان متابعة شعبة لوكيع وأبي معاوية وهشيم في رواية هذا الحديث عن الأعمش، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وفيه فائدة تصريح الأعمش سماعه من منذر بن يعلى لأنه مدلس، وكرر متن الحديث لما في هذا الرواية من المخالفة للرواية الأولى في بعض الكلمات.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث المقداد بن الأسود رضي الله عنه فقال:
592 -
(00)(00)(00)(وحدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم (الأيلي) أبو جعفر السعدي مولاهم نزيل مصر ثقة من (10) مات سنة (253) روى عنه في (2) بابين تقريبًا (وأحمد بن عيسى) بن حسان المصري صدوق من (10) مات سنة (243) روى عنه في بابين تقريبًا (قالا حدثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي أبو محمَّد المصري ثقة حافظ من (9) روى عنه في (13) بابا، قال (أخبرني مخرمة بن بكير) بن عبد الله بن الأشج المخزومي أبو المسور المدني صدوق من السابعة (7) مات سنة (159) روى عنه في (4) أبواب (عن أبيه) بكير بن عبد الله بن الأشج المخزومي مولاهم أبي عبد الله المدني ثم المصري ثقة من (5) مات سنة (120) روى عنه في (13) بابا (عن سليمان بن يسار) الهلالي مولاهم المدني مولى ميمونة أم المؤمنين ثقة فاضل من (3) مات سنة (100) روى عنه في (14) بابا (عن) عبد الله (بن عباس) بن عبد المطلب الهاشمي حبر الأمة أبي العباس الطائفي (قال: قال علي بن أبي طالب أرسلنا المقداد بن الأسود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسأله عن حكم المذي (فسأله) صلى الله عليه وسلم المقداد (عن) حكم (المذي) الذي (يخرج من الإنسان) رجلًا كان أو امرأة فقال له (كيف
يَفْعَلُ بِهِ؟ فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "تَوَضأْ وَانْضِحْ فَرْجَكَ"
ــ
يفعل) الإنسان الذي خرج منه (به) أي بالمذي، هل يتوضأ منه أو يغتسل؟ (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤاله (توضأ) أنت من خروجه لأنه ينقض الوضوء (وانضح فرجك) بفتح الضاد وكسرها، أي واغسل قُبُلك منه لأنه نجس وما أصابك منه فالنضح هنا بمعنى الغسل المذكور في الرواية المتقدمة، والواو غير مرتبة ويحتمل أن يريد به أن يرش ذكره بعد غسله أو وضوئه لينقطع أصل المذي أو يقل، والله أعلم اهـ من المفهم. وهذا السند أيضًا من ثمانياته رجاله خمسة منهم مدنيون وواحد طائفي وواحد مصري وواحد أيلي، وغرضه بسوقه بيان متابعة ابن عباس لمحمد بن علي في رواية هذا الحديث عن علي، ومن لطائفه أنه اجتمع فيه ثلاثة من الصحابة روى بعضهم عن بعض.
قال النواوي: وفي الحديث من الفوائد أنه لا يوجب الغسل، وأنه يوجب الوضوء، وأنه نجس ولهذا أوجب غسل الذكر منه؛ والمراد به عند الشافعي والجماهير غسل ما أصابه المذي لا غسل جميع الذكر، وحُكي عن مالك وأحمد في روايةٍ عنهما البخاري غسل جميع الذكر، وفيه أن الاستنجاء بالحجر إنما يجوز الاقتصار عليه في النجاسة المعتادة وهو البول والغائط، أما النادر كالدم والمذي وغيرهما فلا بد من الماء وهذا أصح القولين في مذهبنا، وللقائل الآخر بجواز الاقتصار فيه على الحجر قياسًا على المعتاد أن يجيب عن هذا الحديث بأنه خرّج على الغالب فيمن هو في بلد أن يستنجي بالماء أو يحمله على الاستحباب، وفيه جواز الاستنابة في الاستفتاء وأنه يجوز الاعتماد على الخبر المظنون مع القدرة على المقطوع به لكون علي بن أبي طالب اقتصر على قول المقداد مع تمكنه من سؤال النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن هذا قد يُنَازَع فيه ويقال فلعل عليًّا كان حاضرًا مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت السؤال وإنما استحيا أن يكون السؤال منه بنفسه، وفيه استحباب حسن العشرة مع الأصهار وأن الزوج يستحب له أن لا يذكر ما يتعلق بجماع النساء والاستمتاع بهن بحضرة أبيها وأخيها وابنها وغيرهم من أقاربها، ولهذا قال علي رضي الله عنه فكنت أستحي أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته؛ لأن معناه أن المذي يكون غالبًا عند ملاعبة الزوجة وقبلتها ونحو ذلك من أنواع الاستمتاع والله سبحانه وتعالى أعلم.
وقال أيضًا وقوله في السند الأخير (قال ابن وهب: أخبرني مخرمة بن بكير، عن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أبيه، عن سليمان بن يسار) الخ، هذا الإسناد مما استدركه الدارقطني وقال: قال حماد بن خالد: سألت مخرمة هل سمعت من أبيك؟ فقال: لا، وقد خالفه الليث عن بكير فلم يذكر فيه ابن عباس، وتابعه مالك عن أبي النضر هذا كلام الدارقطني، وقد قال النسائي أيضًا في سننه: مخرمة لم يسمع من أبيه شيئًا، وروى النسائي هذا الحديث من طرق بعضها طريق مسلم هذه المذكورة وفي بعضها عن الليث بن سعد عن بكير عن سليمان بن يسار، قال: أرسل علي المقداد هكذا أتى به مرسلًا، وقد اختلف العلماء في سماع مخرمة من أبيه، فقال مالك رحمه الله تعالى، قلت لمخرمة: ما حدثت به عن أبيك سمعته منه فحلف بالله لقد سمعته، قال مالك: وكان مخرمة رجلًا صالحًا، وكذا قال معن بن عيسى: إن مخرمة سمع من أبيه، وذهب جماعة إلى أنه لم يسمعه قال أحمد بن حنبل: لم يسمع مخرمة من أبيه شيئًا إنما يروي عن كتاب أبيه، وقال يحيى بن معين وابن أبي خيثمة: يقال وقع إليه كتاب أبيه ولم يسمع منه، وقال موسى بن سلمة قلت لمخرمة: حدثك أبوك؟ فقال: لم أدرك أبي ولكن هذه كتبه، وقال أبو حاتم: مخرمة صالح الحديث إن كان سمع من أبيه، وقال علي بن المديني: ولا أظن مخرمة سمع من أبيه كتاب سليمان بن يسار ولعله سمع الشيء اليسير، ولم أجد أحدًا بالمدينة يخبر عن مخرمة أنه كان يقول في شيء من حديثه: سمعت أبي.
فهذا كلام أئمة هذا الفن وكيف كان! فمتن الحديث صحيح من الطرق التي ذكرها مسلم قبل هذه الطريق، ومن الطريق التي ذكرها غيره، والله سبحانه وتعالى أعلم.
ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث المقداد بن الأسود وذكر فيه متابعتين والله أعلم.
***