المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌182 - (87) (69) باب التيمم - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ٦

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌141 - (46) (28) باب المسح على الناصية والعمامة والخمار

- ‌142 - (47) (29) باب التوقيت في المسح على الخفين

- ‌143 - (48) (30) باب حكم فعل الصلوات الخمس بوضوء واحد

- ‌144 - (49) (31) باب كراهة غمس اليد في الإناء لمن استيقظ من النوم حتى يغسلها ثلاثًا

- ‌145 - (50) (32) باب إذا ولغ الكلب في الإناء أريق الماء وغُسِل الإناء سبع مرات

- ‌[فصل]

- ‌146 - (51) (33) باب النهي عن البول في الماء الراكد

- ‌147 - (52) (34) باب النهي عن الاغتسال في الماء الراكد

- ‌148 - (53) (35) باب صب الماء على البول وغيره من النجاسات إذا حصلت في المسجد وأن الأرض المتنجسة بذلك تطهر بصب الماء عليها من غير حاجة إلى حفرها وتقويرها والأمر بالرفق على الجاهل إذا فعل منكرًا وأن المساجد إنما بنيت للصلاة ولذكر الله تعالى فيها

- ‌(فصل في مسائل منثورة تتعلق بهذا الباب)

- ‌149 - (54) (36) باب مشروعية النضح في تطهير بول الصبي الرضيع الذي لم يأكل طعامًا

- ‌150 - (55) (37) باب فَرْكِ المنيِّ وحَتِّهِ من الثوب

- ‌151 - (56) (38) باب غسل المني من الثوب

- ‌152 - (57) (39) باب نجاسة الدم وكيفية غسله

- ‌153 - (58) (40) باب وجوب الاستبراء والتستر من البول

- ‌154 - (59) (41) باب ما يحل من الحائض

- ‌155 - (60) (42) باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله وهو معتكف في المسجد وهي في بيتها وطهارة سؤرها

- ‌156 - (61) (43) باب في الحائض تُناول الخمرة من البيت لزوجها المعتكف في المسجد

- ‌157 - (62) (44) باب جواز مشاربة الحائض ومؤاكلتها ومساكنتها والاتكاء عليها في حال قراءة القرآن

- ‌158 - (63) (45) باب الوضوء من المذي وغسل الذكر منه

- ‌159 - (64) (46) باب غسل الوجه واليدين إذا استيقظ من النوم

- ‌160 - (65) (47) باب وضوء الجنب إذا أراد النوم أو الأكل أو معاودة أهله وطوافه على نسائه بغسل واحد

- ‌161 - (66) (48) باب وجوب الغسل على المرأة إذا رأت في المنام مثل ما يرى الرجل

- ‌162 - (67) (49) باب بيان صفة مني الرجل والمرأة وأن الولد مخلوق من مائهما

- ‌163 - (68) (50) باب في بيان صفة غسله صلى الله عليه وسلم من الجنابة

- ‌[فصل في صفة غسل الجنابة]

- ‌164 - (69) (51) باب بيان القدر المستحب في ماء الغسل والوضوء وجواز اغتسال الرجل والمرأة من إناء واحد وغسل أحدهما بفضل الآخر

- ‌165 - (70) (52) باب كم مرة يُصَبُّ الماء على الرأس عند الغسل من الجنابة

- ‌166 - (71) (53) باب: الرخصة في ترك نقض ضفائر المغتسلة

- ‌167 - (72) (54) باب: استحباب استعمال المغتسلة من الحيض فرصة من مسك في موضع الدم

- ‌168 - (73) (55) باب: في الفرق بين دم الحيض ودم الاستحاضة وغسل المستحاضة

- ‌169 - (74) (56) باب: لا تقضي الحائض الصلاة وتقضي الصوم

- ‌170 - (75) (57) باب: استتار المغتسل عند غسله بثوب ونحوه

- ‌171 - (76) (58) باب: النهي عن النظر إلى العورة وعن الإفضاء

- ‌172 - (77) (59) باب: من اغتسل عريانًا وحده في الخلوة

- ‌173 - (78) (60) باب: الاعتناء بحفظ العورة

- ‌174 - (79) (61) باب: ما يستتر به عند قضاء الحاجة

- ‌175 - (80) (62) باب: ما جاء في الرجل يطأ ثم لا ينزل

- ‌176 - (81) (63) باب نسخ إنما الماء من الماء ووجوب الغسل بالتقاء الختانين

- ‌177 - (82) (64) باب الوضوء مما مست النار

- ‌178 - (83) (65) باب نسخ الوضوء مما مست النار

- ‌179 - (84) (66) باب الوضوء من لحوم الإبل

- ‌180 - (85) (67) باب يقين الطهارة لا يُرفع بالحدث المشكوك فيه

- ‌181 - (86) (68) باب طهارة جلود الميتة بالدباغ

- ‌182 - (87) (69) باب التيمم

- ‌183 - (88) (70) باب لا يرد قاضي الحاجة على من سلَّم عليه

- ‌184 - (89) (71) باب الدليل على طهارة المسلم ولو جنبًا

- ‌185 - (90) (72) باب ذكر الله تعالى في كل الأحيان

- ‌186 - (91) (73) باب جواز أكل المحدث الطعام وأنه لا كراهة في ذلك وأن الوضوء ليس على الفور

- ‌187 - (92) (74) باب ما يقول إذا أراد دخول الخلاء

- ‌189 - (93) (75) باب الدليل على أن نوم القاعد لا ينقض الوضوء

الفصل: ‌182 - (87) (69) باب التيمم

‌182 - (87)(69) باب التيمم

710 -

(329)(175)(139) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَة؛ أَنَّهَا قَالتْ: خَرَجْنَا مَعَ

ــ

182 -

(87)(69) باب التيمم

والتيمم لغة: القصد، يقال تيممت فلانًا أي قصدته لحاجة، ومنه قوله تعالى {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} ومنه قول الشاعر هَجْوًا للمخاطبين:

تَيَمَّمْتُكُم لَمَّا فَقَدْتُ أُولِي النُّهَى

ومَن فَقَدَ المَاء تيمَّمَ بِالتُّرْبِ

وشرعًا: إيصال تراب طهور إلى الوجه واليدين بدلًا عن وضوء أو غسل وهو من خصائص هذه الأمة، وفرض سنة ست كما عليه الأكثرون، وقيل سنة أربع. واختلف فيه فقيل رخصة مطلقًا وقيل عزيمة مطلقًا وقيل إن كان لفقد الماء فعزيمة وإلا فرخصة وهو الذي اعتمده الشيخ الحفني.

710 -

(329)(175)(139)(حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي أبو زكرياء النيسابوري ثقة، من (10)(قال) يحيى (قرأت على مالك) بن أنس بن أبي عامر الأصبحي المدني أي قرأت وأنا منفرد وهو بمنزلة أخبرني مالك (عن عبد الرحمن بن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق القرشي التيمي أبي محمد المدني، وأمه أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، روى عن أبيه في الوضوء والصلاة والزكاة والصوم وغيرها، ومحمد بن جعفر بن الزبير في الصوم، ويروي عنه (ع) ومالك وشعبة وعمرو بن الحارث وهشام بن عروة في الزكاة، وسماك بن حرب في الزكاة، ويحيى بن سعيد الأنصاري في الصوم، وحماد بن سلمة في الحج، وأيوب السختياني والسفيانان وخلق، قال أحمد: ثقة ثقة، وقال العجلي وأبو حاتم والنسائي: ثقة، وقال أبو الزناد: كان ثقة ورعًا كثير الحديث، وقال في التقريب: ثقة جليل من السادسة، مات سنة (126) ست وعشرين ومائة (عن أبيه) القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق القرشي التيمي أبي محمد المدني أحد الفقهاء ثقة، من كبار (3) مات سنة (106) روى عنه في (5) أبواب (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلَّا يحيى بن يحيى فإنه نيسابوري (أنها) أي أن عائشة (قالت: خرجنا مع

ص: 342

رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ. حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيدَاءِ (أَوْ بِذَاتِ الْجَيشِ) انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي فَأَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْتِمَاسِهِ. وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ. وَلَيسُوا عَلَى مَاءٍ. وَلَيسَ مَعَهُمْ مَاءٌ

ــ

رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة (في بعض أسفاره) قال النواوي: فيه جواز مسافرة الرجل بزوجته الحرة؛ أي خرجنا معه في بعض غزواته، وهي غزوة بني المصطلق كما قاله ابنا سعد وحبان، وجزم به ابن عبد البر في الاستذكار، وكانت سنة ست كما قاله ابن إسحاق أو خمس كما قاله ابن سعد، ورجحه الحاكم في الإكليل، وفي هذه الغزوة كانت قصة الإفك، وقال الداودي: وكانت قصة التيمم في غزوة الفتح، ثم تردد في ذلك (حتى إذا كنا بالبيداء) بفتح الموحدة، والمد موضع أدنى إلى مكة من ذي الحليفة (أو) قالت عائشة (بذات الجيش) بفتح الجيم وسكون المثناة التحتية آخره شين معجمة هما موضعان بين مكة والمدينة، والشك من أحد الرواة عن عائشة كما أشرنا إليه، وقيل منها واسْتُبْعِد والذي في غير هذا الحديث أنه كان بذات الجيش كحديث عمار بن ياسر رضي الله عنه عند أبي داود والنسائي بإسناد جيد "عرّس رسول الله صلى الله عليه وسلم بذات الجيش ومعه عائشة زوجه فانقطع عقدها .. " الحديث ولم يشك بينه وبين البيداء (انقطع عقدٌ لي) أي عقد في عنقي استعرته من أسماء أختي، والعقد بكسر العين وسكون القاف كل ما يعقد ويعلَّق في العنق ويسمى أيضًا قلادة أي قلادة كان ثمنها اثني عشر درهمًا، والإضافة في قولها لي باعتبار حيازتها للعقد واستيلائها لمنفعته لا أنها ملك لها بدليل ما في الرواية الآتية "أنها استعارت من أسماء قلادة"(فأقام) أي مكث (رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه) أي لأجل التماس ذلك العقد وطلبه والبحث عنه فعلى تعليلية بمعنى اللام (وأقام الناس معه) صلى الله عليه وسلم لأجل طلبه (و) الحال أن النبي صلى الله عليه وسلم والناس معه (ليسوا) نازلين (على ماء) موجود في ذلك الموضع (وليس معهم ماء) في مَزَاودهم وأسقيتهم، وفي هذا فوائد: منها جواز العارية وجواز عارية الحلي، وجواز المسافرة بالعارية إذا كان بإذن المعير، وجواز اتخاذ النساء القلائد، وفيه الاعتناء بحفظ حقوق المسلمين وأموالهم وإن قَلَّتْ، ولهذا أقام النبي صلى الله عليه وسلم على التماسه، وجواز الإقامة في موضع لا ماء فيه وإن احتاج إلى التيمم.

ص: 343

فَأَتَى النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرِ فَقَالُوا: أَلا تَرَى إِلَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ؟ أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَبِالنَّاسِ مَعَهُ. وَلَيسُوا عَلَى مَاءٍ. وَلَيسَ مَعَهم مَاءٌ. فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي قَدْ نَامَ. فَقَال: حَبَسْتِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسَ. وَلَيسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيسَ مَعَهُمْ مَاءٌ. قَالتْ: فَعَاتَبَنِي أَبُو بكْرٍ. وَقَال مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ. وَجَعَلَ يَطْعُنُ بِيدِهِ فِي خَاصِرَتِي

ــ

(فأتى الناس) وجاؤوا (إلى) والدي (أبي بكر) الصديق رضي الله عنه للاشتكاء مني إليه (فقالوا) له (ألا ترى) يا أبا بكر، بإثبات همزة الاستفهام التقريري الداخلة على لا النافية، وفي بعض روايات البخاري إسقاطها (إلى ما صنعت عائشة) برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالناس من الأمر الفظيع لأنها (أقامت) وحبست (برسول الله صلى الله عليه وسلم و) حبست (بالناس معه) عن سفرهم وسيرهم على التماس العقد، أسند الفعل عليها لأنه كان بسببها (و) الحال أنهم (ليسوا) نازلين (على ماء) موجود في هذا المنزل (وليس معهم ماء) في رحالهم وقد حان وقت الصلاة، وشكوى الناس إليه يدل على أن الوضوء كان مشروعًا وإلا فما الذي يعظم عليهم من ذلك (فجاء) إليَّ (أبو بكر) والدي لعتابي (ورسول الله) أي والحال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي) و (قد نام) لما ناله من تعب التماس العقد (فقال) لي أبو بكر (حبست) يا هَنْتَاهُ (رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس) معه من سفرهم (و) إنهم (ليسوا على ماء وليس معهم ماء) في رحالهم (قالت فعاتبني) أي لامني (أبو بكر) على حبس الناس بِسَبَبِي، والعتاب لوم الحبيب حبيبه على أمر لا يليق به اهـ. دمنهوري على متن الكافي في العروض (وقال) أبو بكر في عتابي (ما شاء الله) سبحانه وتعالى (أن يقول) هو، فقال: حبست الناس على قلادة، وفي كل مرة تكونين عناء على الناس، ولم تقل عاتبني أبي بل أنزلته منزلة الأجنبي لأن الأبوة تقتضي الحُنُوَّة، وما وقع منه من العتاب بالقول والتأديب بالفعل مغاير لذلك في الظاهر اهـ قسطلاني (وجعل) أي شرع أبو بكر (يطعُنُ بيده في خاصرتي) بضم العين وقد تفتح أو الفتح للقول كالطعن في النسب، والضم للفعل كالرمح، وقيل كلاهما بالضم، وقال الفيومي: الطعن في جميع معانيه من باب قتل، وأجاز بعضهم فيه فتح العين لمكان حرف الحلق اهـ مصباح. والخاصرة: المترف تحت

ص: 344

فَلا يَمْنَعُنِي مِنَ التَّحَرُّكِ إِلا مَكَانُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى فَخِذِي. فَنَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَصْبَحَ عَلَى غَيرِ مَاءٍ. فَأَنْزَلَ اللهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ فَتَيَمَّمُوا. فَقَال أُسيدُ بْنُ الْحُضَيرِ - وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ -: مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ. فَقَالتْ عَائِشَةُ: فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيهِ. فَوَجَدْنَا الْعِقْدَ تَحْتَهُ

ــ

الجنب الذي هو موضع الكلية. وفيه تأديب الرجل ولده بالقول والفعل والضرب ونحوه، وفيه تأديب الرجل ابنته، وإن كانت كبيرة متزوجة خارجة عن بيته اهـ نووي (فلا يمنعني من التحرك) بسبب طعنه في خاصرتي (إلَّا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أي كونه صلى الله عليه وسلم ونومه (على فخذي) فمكان هنا مصدر ميمي من كان التامة، وفيه جواز نوم الرجل على فخذ امرأته وأنه لا يستحيى منه من الأجانب والأصهار إذ لو كان منكرًا لم يدخل أبو بكر حتى يستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم اهـ أبي (فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي (حتى أصبح) أي دخل في الصباح وهو (على غير ماء) وفي القسطلاني ما يدل على أنه متعلق باصبح أو نام على سبيل التنازع (فأنزل الله) سبحانه وتعالى (آية التيمم) التي في سورة المائدة وهي قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيدِيَكُمْ} الآية إلى قوله {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 6] ولم يقل آية الوضوء، وإن كان مبدوءًا به في الآية لأن الطارئ في ذلك الوقت حكم التيمم، والوضوء كان مقررًا يدل عليه قوله: وليس معهم ماء (فتيمموا) بصيغة الماضي أي تيمم الناس لأجل الآية أو هو أمر على ما هو لفظ القرآن ذكره بيانًا أو بدلًا من آية التيمم أي أنزل الله فتيمموا اهـ ق (فقال) وفي رواية قال (أُسَيد) بضم الهمزة مصغر أسد (بن الحضير) بضم الحاء المهملة وفتح الضاد المعجمة الأنصاري الأوسي الأشهلي (وهو أحد النقباء) ليلة العقبة الثانية المتوفى بالمدينة سنة (20) عشرين (ما هي) أي ما البركة التي حصلت للمسلمين برخصة التيمم (بأول بركتكم) أي بأول بركة حصلت بسببكم (يا آل أبي بكر) بل هي مسبوقة بغيرها من البركات، وفي تفسير إسحاق البستي من طريق ابن أبي مليكة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ما أعظم بركة قلادتك"(فقالت عائشة) رضي الله تعالى عنها (فبعثنا) أي أثرنا وأقمنا (البعير الذي كنت) راكبة (عليه) حالة السير مع أسيد بن حضير (فوجدنا العقد) أي القلادة (تحته) أي تحت البعير في مكان بروكه فسبحان الفاعل ما يشاء. وجاء في البخاري في هذا الحديث فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا فوجده، وفي رواية

ص: 345

711 -

(00)(00)(00) (حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ وَابْنُ بِشْرٍ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ قِلادَةً. فَهَلَكَتْ. فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَاسًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي طَلَبِهَا، فَأَدْرَكَتْهُمُ الصَّلاةُ فَصَلَّوْا بِغَيرِ

ــ

رجلين، وفي رواية أناسًا فحملها إسماعيل القاضي على التناقض لأن القضية واحدة، وقال غيره: لا تعارض، ويجمع بينها بأن يكون أسيد بُعِث في طلبها مع رجال فلم يجدوا شيئًا في وجهتهم فلما رجعوا وأرادوا الرحيل وأثاروا البعير وجده أسيد بن الحضير تحته والله أعلم.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 179] والبخاري [334 و 4607] وأبو داود [317] والنسائي [1/ 163 - 164].

ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

711 -

(00)(00)(00)(حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد بن (أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي ثقة، من (10) قال (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي مولاهم الكوفي ثقة، من (9)(ح وحدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء بن كريب الهمداني الكوفي مشهور بكنيته ثقة، من (10) قال (حدثنا أبو أسامة و) محمد (بن بشر) العبدي أبو عبد الله الكوفي ثقة، من (9)(عن هشام) بن عروة بن الزبير بن العوام الأسدي أبي المنذر المدني ثقة، من (5)(عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوام الأسدي أبي عبد الله المدني ثقة فقيه، من (3)(عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذان السندان من خماسياته رجال كل منهما ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان، وغرضه بسوقهما بيان متابعة عروة بن الزبير للقاسم بن محمد في رواية هذا الحديث عن عائشة، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة (أنها) أي أن عائشة (استعارت) أي أخذت (من) أختها (أسماء) بنت أبي بكر الصديق ذات النطاقين زوج الزبير بن العوام ووالدة عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهم أجمعين (قلادة) أي عقدًا يُعَلَّق في العنق لتتزين بها وتردها إليها (فهلكت) أي ضاعت تلك القلادة وهم على سفر (فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسًا من أصحابه) وراءهم (في طلبها) أي لأجل طلب تلك القلادة (فأدركتهم الصلاة) أي دخل عليهم وقتها وهم في طلبها وليسوا

ص: 346

وُضُوءٍ. فَلَمَّا أَتَوُا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم شَكَوْا ذَلِكَ إِلَيهِ. فَنَزَلَت آيَةُ التَّيَمُّمِ. فَقَال أُسَيدُ بْنُ حُضَيرٍ: جَزَاكِ اللهُ خَيرًا. فَوَاللهِ! مَا نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ قَطُّ إِلا جَعَلَ اللهُ لَكِ مِنْهُ مَخْرَجًا. وَجَعَلَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ بَرَكَةً

ــ

على ماء (فصَلَّوا) بفتح اللام المشددة على صيغة الماضي أي أدَّوا الصلاة في وقتها (بغير وضوء) باجتهادهم (فلما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم ورجعوا إليه وهم لم يجدوها (شَكَوْا ذلك) بفتح الكاف المخففة من الشكوى؛ أي أخبروا ذلك الذي فعلوه من الصلاة بلا وضوء (إليه) صلى الله عليه وسلم على سبيل الشكاية (فنَزلت آية التيمم) التي في سورة المائدة (فقال أُسيد بن حضير) لعائشة (جزاك الله خيرًا) أي جعل الله الخير والثواب جزاءً لك على أعمالك كلها (فوالله) أي فاقسمت بالله (ما نزل بك أمر) يُهِمُّكِ (قط) أي فيما مضى من الزمان (إلَّا جعل الله لك منه) أي من ذلك الأمر المهم المكروه لك فرجًا و (مخرجًا) وانكشافًا وزوالًا عنك (وجعل للمسلمين فيه) أي في ذلك الأمر الذي نزل بك (بركة) أي خيرًا كثيرًا في دينهم، كرخصة التيمم في ضياع قلادتها.

وشارك المؤلف في هذه الرواية البخاري [336] وأبو داود [317] والنسائي [1/ 163 - 164، وابن ماجه [568].

قال القرطبي: وكون الأناس المبعوثين صلوا بغير وضوء ولا تيمم دليل لمن صار إلى أنه إذا عدمهما يصلي، وهي مسألة اختلف العلماء فيها على أربعة أقوال: الأول: لا صلاة عليه ولا قضاء عليه قاله مالك وابن نافع والثوري والأوزاعي وأهل الرأي. الثاني: يُصلِّي ويقضي قاله ابن القاسم والشافعي. الثالث: يُصلِّي ولا يُعيد قاله أشهب. الرابع: يقضي ولا يُصلِّي. وسبب الخلاف في هذه المسألة هل الطهارة شرط في الوجوب أو في الأداء؟ ولا حجة للمتمسك بهذا الحديث على شيء من هذه المسألة لأن كون المبعوثين صلوا كذلك رأْيٌ رأوه ولم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرهم على شيء من ذلك، وأيضًا فإنه قال فصلوا بغير وضوء فنفى الوضوء خاصَّةً، ولم يتعرض للتيمم، فلعلهم فعلوا كما فعل عمار تمرغوا في التراب والله أعلم اهـ مفهم.

قال النواوي: واعلم أن التيمم ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، وهو من خصوصية هذه الأمة، وأجمعت الأمة على أن التيمم لا يكون إلَّا في الوجه واليدين سواء كان عن حدث أصغر أو أكبر وسواء تيمم عن الأعضاء كلها أو عن بعضها. واعلم أنه اختلف العلماء في كيفية التيمم فمذهبنا ومذهب الأكثرين أنه لا بد من

ص: 347

712 -

(330)(176)(140) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَابْنُ نُمَيرٍ. جَمِيعًا عَنْ أَبِي مُعَاويَةَ قَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شقِيقٍ؛ قَال: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ عَبْدِ اللهِ وَأَبِي مُوسَى. فَقَال أَبُو مُوسَى: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمنِ، أَرَأَيتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَجْنَبَ فَلَمْ يَجِدِ الْمَاءَ شَهْرًا. كَيفَ يَصنَعُ بِالصَّلاةِ؟

ــ

ضربتين ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين، وممن قال بهذا من العلماء علي بن أبي طالب وعبد الله بن عمر والحسن البصري والشعبي وسالم بن عبد الله بن عمر وسفيان الثوري ومالك وأبو حنيفة وأصحاب الرأي وآخرون رضي الله تعالى عنهم أجمعين، وذهبت طائفة إلى أن الواجب ضربة واحدة للوجه والكفين وهو مذهب عطاء ومكحول والأوزاعي وأحمد وإسحاق وابن المنذر وعامة أصحاب الحديث، وحُكي عن الزهري أنه يجب مسح اليدين إلى الإبطين هكذا حكاه عنه أصحابنا في كتب المذهب، وقد قال الخطابي: لم يختلف أحد من العلماء في أنه لا يلزم مسح ما وراء المرفقين، وحكى أصحابنا أيضًا عن ابن سيرين أنه قال لا يجزئه أقل من ثلاث ضربات ضربة للوجه وضربة ثانية لكفيه وثالثة لذراعيه اهـ منه.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنهما فقال:

712 -

(330)(176)(140 140)(حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (وأبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (و) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي حالة كونهم (جميعًا) أي مجتمعين في الرواية (عن أبي معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي (قال أبو بكر حدثنا أبو معاوية عن) سليمان بن مهران (الأعمش) الكاهلي الكوفي (عن شقيق) بن سلمة الأسدي أبي وائل الكوفي (قال) شقيق بن سلمة (كنت جالسًا مع عبد الله) بن مسعود الهذلي الكوفي الصحابي الجليل صاحب النعلين، ومن المعلوم عندهم أن عبد الله إذا أطلق من الصحابة فهو عبد الله بن مسعود (وأبي موسى) الأشعري عبد الله بن قيس الكوفي (فقال أبو موسى) لعبد الله بن مسعود (يا أبا عبد الرحمن) كنية عبد الله بن مسعود (أرأيت) أي أخبرني (لو أن رجلًا أجنب) أي صار جنبًا (فلم يجد الماء شهرًا) كاملًا (كيف يصنع بالصلاة) هل يتيمم ويصلي أو يترك

ص: 348

فَقَال عَبْدُ اللهِ: لا يَتَيَمَّمُ وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ شَهْرًا. فَقَال أَبُو مُوسَى: فَكَيفَ بِهَذِهِ الآيَةِ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6] فَقَال عَبْدُ اللهِ: لَوْ رُخِّصَ لَهُمْ فِي هَذِهِ الآيَةِ، لأَوْشَكَ، إِذَا بَرَدَ عَلَيهِمُ الْمَاءُ، أَنْ يَتَيَمَّمُوا بِالصَّعِيدِ، فَقَال أَبُو مُوسَى لِعَبْدِ اللَّهِ: أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ:

ــ

الصلاة حتى يجد الماء (فقال عبد الله) بن مسعود (لا يتيمم) ولا يصلي (وإن لم يجد الماء شهرًا) كاملًا (فقال أبو موسى) لعبد الله (فكيف) تصنع وتؤول (بهده الآية) المذكورة (في سورة المائدة {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً}) طهورًا حسًّا أو شرعًا ({فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا}) أي فاقصدوا ترابًا ({طَيِّبًا}) أي طهورًا الدالة على وجوب التيمم عند فقدان الماء (فقال عبد الله) بن مسعود (لو رُخِّصَ لهم) أي للناس في التيمم (في هذه الآية) أي بمقتضى ما ذُكر في هذه الآية (لأوشك) الناس (إذا برد عليهم الماء) أي لقربوا وأسرعوا إلى (أن يتيمموا بالصعيد) الطيب فسدًا لباب التيمم عليهم لا نُرخِّص لهذا الجُنُبِ في التيمم، واستشكل ما ذهب إليه ابن مسعود كعمر رضي الله تعالى عنهما من إبطال هذه الرخصة مع ما فيه من إسقاط الصلاة عمن خوطب بها وهو مأمور بها، وأُجيب: بأنهما إنما تأولا الملامسة في الآية وهي قوله تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} على مماسة البشرتين من غير جماع إذ لو أرادا الجماع لكان فيه مخالفة الآية صراحةً لأنه تعالى قال {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} أي اغتسلوا ثم قال: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} فجعل التيمم بدلًا عن الوضوء، فلا يدل على جواز التيمم للجنب، ولعل مجلس المناظرة بين أبي موسى وابن مسعود ما كان يقتضي تطويل المناظرة وإلا فكان لابن مسعود أن يجيب أبا موسى بأن الملامسة في الآية المراد بها تلاقي البشرتين بلا جماع، والحاصل أن عمر وابن مسعود رضي الله تعالى عنهما لا يريان تيمم الجنب لآية {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} ولآية {وَلَا جُنُبًا إلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} اهـ قسطلاني. وفي بعض الهوامش قوله (لأوشك) جواب "لو" ومعناه قَرُب وأسرع، وجملة أن يتيمموا فاعله (وبرد) بفتح الراء وضمها، قال الجوهري: والفتح أشهر، والمفهوم من كلام ابن مسعود أنه لا يرى للجنب التيمم (فقال أبو موسى لعبد الله ألم تسمع) الهمزة فيه للاستفهام التقريري أي ألم تسمع يا أبا عبد الرحمن (قول عمار) بن ياسر العَنْسِي - بالنون الساكنة - وكان من السابقين الأولين، وهو وأبوه شهدا المشاهد كلها، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:

ص: 349

بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَاجَةٍ فَأَجْنَبْتُ. فَلَمْ أَجِدِ الْمَاءَ. فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ. ثُمَّ أَتَيتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ. فَقَال: "إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ بِيَدَيكَ هَكذَا" ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيهِ الأَرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً. ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَال عَلَى الْيَمِينِ، وَظَاهِرَ كَفَّيهِ، وَوَجْهَهُ؟ فَقَال

ــ

"إن عمارًا مُلِئَ إيمانًا" أخرجه الترمذي واستأذن عمار عليه صلى الله عليه وسلم فقال له: "مرحبًا بالطَّيِّبِ المطيَّب" وقال: "من عادى عمارًا عاداه الله ومن أبغض عمار أبغضه الله" له (62) اثنان وستون حديثًا اتفقا على حديثين وانفرد (خ) بثلاثة و (م) بحديث (بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في) قضاء (حاجة) له من حوائجه (فأجنبت) في الطريق أي صرت جنبًا (فلم أجد الماء) الذي أغتسل به من الجنابة (فتمرَّغْتُ) أي تقلبت بجميع جسمي (في الصعيد) أي في التراب الطاهر تمرُّغًا (كما تمرغ) وتتقلب (الدابة) والحمار على التراب بحذف إحدى التاءين في الموضعين لأنه من باب تفَعَّل الخماسي، وفي الرواية الآتية فتمَعَّكْتُ وكلاهما بمعنىً أي فتقلَّبْتُ في التراب كما تتقلب الدابة فيه ظنًّا مني أن التيمم إذا وقع بدل الوضوء وقع على هيئة الوضوء للوجه واليدين فإذا وقع بدل الغسل يقع على هيئة الغسل في جميع البدن (ثم) بعد قضاء حاجته صلى الله عليه وسلم والصلاة كذلك (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك) الذي فعلته من التمرغ في التراب (له) صلى الله عليه وسلم (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما كان) الشأن أو كان زائدة أي إنما (يكفيك) ويجزئك في التيمم مطلقًا (أن تقول) وتضرب (بيديك) على الأرض (هكذا) أي مثل ما أنا ضربتهما على الأرض وفيه إطلاق القول على الفعل كما مر (ثم) بعد قوله إنما يكفيك أن تفعل هكذا (ضرب) صلى الله عليه وسلم (بيديه) أي بكفيه الشريفتين (الأرض ضربة واحدة) أي مرة واحدة، لم يوجد ذكر ضربة واحدة في عبارة المشكاة، ولا يكفي في التيمم ضربة واحدة إلَّا في مذهب الحنابلة وحجتهم هذا الحديث وفي غير هذه الطريق ذكر ضربتين (ثم مسح) النبي صلى الله عليه وسلم (الشمال) أي وضع باطن كف الشمال (على) باطن كف (اليمين) ليحصل مسح باطن الكفين (و) مسح (ظاهر كفيه و) مسح (وجهه) وفي المفهم: ومسحه الشمال على اليمين مراعاةٌ لحال اليمين حتى تكون هي المبدوء بها، وكونه في هذه الرواية أخّر الوجه في الذكر، وكونه في الرواية التالية قدّمه يدل على عدم دلالة الواو على الترتيب (فقال

ص: 350

عَبْدُ اللهِ: أَوَ لَمْ تَرَ عُمَرَ لَمْ يَقْنَعْ بِقَوْلِ عَمَّارٍ؟ .

713 -

(00)(00)(00) وحدّثنا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقٍ. قَال: قَال أَبُو مُوسَى لِعَبْدِ اللهِ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِقِصَّتِهِ نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي مُعَاويَةَ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ هَكذَا" وَضَرَبَ

ــ

عبد الله) بن مسعود لأبي موسى (أ) تقنع يا أبا موسى بقول عمار في ترخيص التيمم للجنب (ولم تر عمر) بن الخطاب (لم يقنع) ولم يكتف (بقول عمار) وحديثه في ترخيص التيمم للجنب، وعدم قناعة عمر بقول عمار يظهر مما يأتي، وإنما لم يقنع لأنه كان حاضرًا معه في تلك السفرة ولم يتذكر القصة فارتاب لذلك، وعبارة الإكمال: وإنما لم يقنع به لأنه أخبر عن شيء حضره عمر معه ولم يذكره، فجَوَّزَ عليه الوهم كما جوز على نفسه النسيان ولكن قد تركه وما اعتقده وصححه ولم يتهمه بقوله: نوليك من ذلك ما توليت، بخلاف ما لو قطع بخطئه. قلت: فقد قنع به فلا يتم قوله لم يقنع بقول عمار اهـ أبي.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [710 و 716] وأبو داود [321] والنسائي [1/ 170] وسند هذا الحديث من سداسياته رجاله كلهم كوفيون إلَّا عمار بن ياسر فإنه مدني. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عمار رضي الله عنه فقال:

713 -

(00)(00)(00)(وحدثنا أبو كامل) فضيل بن حسين (الجحدري) البصري ثقة من (10) قال (حدثنا عبد الواحد) بن زياد العبدي مولاهم أبو بشر البصري ثقة ولكن في حديثه عن الأعمش وحده مقال، من (8) قال (حدثنا الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي (عن شقيق) بن سلمة الأسدي أبي وائل الكوفي (قال) شقيق (قال أبو موسى) الأشعري (لعبد الله) بن مسعود (وساق) أي ذكر عبد الواحد (الحديث) السابق (بقصته) أي بتمام قصته (نحو حديث أبي معاوية) أي بمثله في اللفظ والمعنى و"النحو" هنا بمعنى المثل ولذلك احتاج إلى الاستثناء. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان بصريان وواحد مدني، وغرضه بسوقه بيان متابعة عبد الواحد لأبي معاوية في رواية هذا الحديث عن الأعمش ثم بَيَّنَ محل المخالفة بين الروايتين فقال (غير أنه) أي لكن أن عبد الواحد (قال) في روايته (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمار (إنما كان يكفيك أن تقول) وتفعل (هكذا) أي مثل ما أنا أصفه لك (وضرب) صلى الله عليه

ص: 351

بِيَدَيهِ إِلَى الأَرْضِ. فَنَفَضَ يَدَيهِ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَكَفَّيهِ.

714 -

(00)(00)(00) حدّثني عَبْدُ اللهِ بْنُ هَاشِمٍ الْعَبْدِيُّ. حَدَّثَنَا يَحْيَى (يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ) عَنْ شُعْبَةَ. قَال: حَدَّثَنِي الْحَكَمُ عَنْ ذَرٍّ،

ــ

وسلم أي أوصل وألصق (بيديه) أي بكفيه (إلى الأرض) ونقل التراب بهما (فنفض يديه) أي حركهما تخفيفًا للتراب (فمسح وجهه وكفيه) ففي هذه الرواية تقديم الوجه على اليدين ففيه دلالة على أن "الواو" في الرواية السابقة ليست للترتيب كما هو المعلوم فيها، وقوله (إنما كان يكفيك) خاطبه بإنما ليحصر له القدر الواجب وهو أن يضرب الأرض بيده، ثم يمسح وجهه، ثم يضرب ضربة أخرى فيمسح كفيه اهـ مفهم، قوله (فنفض يديه) يقال نفض الثوب من باب نصر نفضًا إذا حركه ليزول عنه الغبار ونحوه والشجرة إذا حركها ليسقط ما عليها والورق من الشجر أسقطه اهـ م ج وفي روايات البخاري:"ونفخ فيهما" قال العيني: احتج به أبو حنيفة على جواز التيمم من الصخرة التي لا غبار عليها لأنه لو كان معتبرًا لما نفخ صلى الله عليه وسلم في يديه اهـ، وقال (ع) وفي قوله (فنفض يديه) حجة لمالك والشافعي في إجازتهما النفض الخفيف لئلا يتعلق باليدين من كثير التراب ما يلوث الوجه أو من دقيق الحجر ما يؤذيه، اهـ.

ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث عمار رضي الله عنه فقال:

714 -

(00)(00)(00)(حدثني عبد الله بن هاشم) بن حيان بالتحتانية (العبدي) أبو عبد الرحمن الطوسي سكن نيسابور لم يرو عنه غير مسلم ثقة، من صغار (10) مات سنة (255) روى عنه في (9) أبواب، قال (حدثنا يحيى) بن سعيد بن فروخ التميمي أبو سعيد القطان البصري ثقة متقن، من كبار (9) مات سنة (198) روى عنه في (13) بابا، وأتى بالعناية في قوله (يعني ابن سعيد القطان) إشارة إلى أن هذه النسبة من زيادته (عن شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي أبي بسطام البصري ثقة متقن إمام، من (7) مات سنة (160) روى عنه في (30) بابا (قال) شعبة (حدثني الحكم) بن عتيبة مصغرًا الكندي مولاهم أبو محمد الكوفي ثقة ثبت فقيه إلَّا أنه ربما دلس، من (5) مات سنة (113) روى عنه في (9) أبواب (عن ذر) بن عبد الله بن زُرَارَة الهمداني المُرْهِبي بضم الميم وإسكان الراء وكسر الهاء الكوفي، روى عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى في الوضوء، ويروي عنه (م) والحكم بن عتيبة ثم يقول الحكم: وحدثني ابن عبد الرحمن بن أبزى وسلمة بن كهيل عنه أيضًا في إسناده وسعيد بن جبير وعبد الله بن شداد وابنه عمر بن ذر

ص: 352

عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ رَجُلًا أَتَى عُمَرَ فَقَال: إِنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدْ مَاءً. فَقَال: لا تُصَلِّ

ــ

ومنصور والأعمش، قال البخاري: صدوق في الحديث وكذا قال الساجي، وقال ابن حبان في الثقات: كان من عباد أهل الكوفة ووثقه ابن نمير، وقال في التقريب: ثقة عابد رُمي بالإرجاء من السادسة، مات بعد المائة (عن سعيد بن عبد الرحمن بن أَبْزَى) بفتح فسكون ففتح مقصورًا الخزاعي مولاهم الكوفي، روى عن أبيه في الوضوء، ويروي عنه (ع) وذر بن عبد الله المرهبي وقتادة وطلحة بن مصرّف، قال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة من الثالثة (عن أبيه) عبد الرحمن بن أبزى الخزاعي مولاهم الكوفي من صغار الصحابة أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وصلى وراءه وكان في عهد عمر رجلًا وكان واليًا على خراسان لِعَليٍّ، له (12) اثنا عشر حديثًا، روى عن عمار بن ياسر في الوضوء في (خ م) وأبي بكر وأُبي، ويروي عنه (خ م د ت س ف) وابنه سعيد بن عبد الرحمن والشعبي (عن عمار) بن ياسر بن الحصين بن قيس بن ثعلبة بن عوف بن يام بن عنس العنسي بنون ساكنة بين المهملتين المخزومي مولاهم أبي اليقظان المدني آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين حذيفة بن اليمان وكان أبيض الرأس واللحية قُتل يوم صفين مع علي وصلَّى عليه علي بن أبي طالب ودُفن هناك سنة (37) سبع وثلاثين، وهو ابن (93) ثلاث وتسعين، روى عنه (ع) وأبو موسى الأشعري وعبد الرحمن بن أبزى في الوضوء وأبو وائل في الصلاة وقيس بن عباد له (62) اثنان وستون حديثًا، اتفقا على حديثين وانفرد (خ) بثلاثة و (م) بحديث. وهذا السند من ثمانياته وإن كان فيه انقطاع رجاله أربعة منهم كوفيون واثنان بصريان وواحد مدني وواحد طوسي، وغرضه بسوقه بيان متابعة عبد الرحمن بن أبزى لأبي موسى الأشعري في رواية هذا الحديث عن عمار بن ياسر، ومن لطائفه أن فيه رواية صحابي عن صحابي ومتابعة صحابي لصحابي.

وشارك المؤلف في هذه الرواية أعني رواية عبد الرحمن بن أبزى عن عمار بن ياسر البخاري [338] وأبو داود [318 - 328] والنسائي [1/ 165 - 170].

قال عبد الرحمن بن أبزى: (أن رجلًا) لم أر من ذكر اسمه (أتى عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (فقال) الرجل لعمر (إني أجنبت) أي صرت جنبًا (فلم أجد ماء) أغتسل به من الجنابة فهل لي صلاة مع الجنابة؟ (فقال) عمر للرجل (لا تُصَلِّ) حتى تجد ماء

ص: 353

فَقَال عَمَّارٌ: أَمَا تَذْكُرُ، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ أَنَا وَأَنْتَ فِي سَرِيَّةٍ فَأَجنَبْنَا. فَلَمْ نَجِدْ مَاءً. فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ. وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فِي التُّرَابِ وَصَلَّيتُ. فَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ بِيَدَيكَ الأَرْضَ. ثُمَّ تَنْفُخَ. ثُمَّ تَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَكَ وَكَفَّيكَ" فَقَال عُمَرُ: اتَّقِ اللهَ. يَا عَمَّارُ. قَال: إِنْ شِئْتَ لَمْ أُحَدِّثْ بِهِ

ــ

تغتسل به (فقال عمار) بن ياسر وهو جالس في مجلس عمر (أما تذكر) بقلبك (يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت) كائنان (في سرية) أي في طائفة من الجيش، والهمزة في "أما" للاستفهام التقريري و"ما" نافية أو حرف استفتاح وتنبيه كألا الاستفتاحية أي ألا تذكر يا أمير المؤمنين وقت كوني وكونك في سرية، قال ابن الأثير: السرية طائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة تُبعث إلى العدو، وجمعها السرايا سموا بذلك لأنهم يكونون خلاصة العسكر وخيارهم من الشيء السَّرِي النفيس (فأجنبنا) أي أجنبت أنا وأنت أي صرنا جنبين (فلم نجد ماء) نغتسل به (فأما أنت) يا أمير المؤمنين (فلم تُصل) لأجل الجنابة (وأما أنا فتمعَّكْتُ) أي تمرغت وتقلبت (في التراب) ظنًّا مني أن التيمم عن الجنابة يكون في جميع البدن قياسًا على الوضوء (وصليت) أي أديت الصلاة في وقتها فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرته بما فعلتُهُ في تيممي (فقال النبي صلى الله عليه وسلم لي (إنما يكفيك) ويُجزئك في تيممك مطلقًا (أن تضرب) وتنقل (بيديك) أي بكفيك (الأرض) أي التراب (ثم تنفخ) على كفيك تخفيفًا للغبار لئلا يؤذيك في عينك مثلًا (ثم تمسح بهما) أي بكفيك (وجهك) أولًا (و) تمسح بعده (كفيك) والواو لا تفيد الترتيب بل لمطلق الجمع في المسح نظير قولك جاء زيد وعمرو (فقال عمر) بن الخطاب لعمار (اتق الله يا عمار) أي تحرز وتجنب من الخطإ فيما ترويه وتثبت فيه فلعلك نسيت أو اشتبه عليك فإني كنت معك ولا أتذكر شيئًا من هذا الذي ذكرته (قال) عمار (أن شئت) أن لا أحدث شيئًا من هذا الحديث (لم أحدث به) أحدًا من الناس سمعًا وطاعة لك.

والمعنى إن رأيت المصلحة في إمساكي عن التحديث به راجحة على مصلحة تحديثي به أمسكت عن التحديث به بعد اليوم، فإن طاعتك واجبة على في غير المعصية وأصل تبليغ هذه السنة وأداء العلم قد حصل، فإذا أمسكت بعد اليوم لا أكون داخلًا فيمن كتم العلم، وإنما الكتم في حديث لم يرو البتة ويحتمل أنه أراد إن شئت لم أحدث

ص: 354

قَال الحَكَمُ: وَحَدَّثَنِيهِ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ، مِثْل حَدِيثِ ذَرٍّ. قَال: وَحَدَّثَنِي سَلَمَةُ عَنْ ذَرٍّ، فِي هذَا الإِسْنَادِ الَّذي ذَكَرَ الْحَكَمُ. فَقَال عُمَرُ: نُوَلِّيَكَ مَا تَوَلَّيتَ

ــ

به تحديثًا شائعًا بحيث يشتهر في الناس بل لا أحدث به إلَّا نادرًا والله أعلم اهـ نووي. زاد (ع) مع أنه حديث خالف رواية الإمام وخطأ فيه رأيه فالمرء في سعة من ذكره، وأيضًا فالآية قد أدت معناه لأنها عامة في الجنب وغيره ففيه لزوم طاعة الإمام والرجوع إلى ما يُفتي به في نازلة اختُلِف فيها لا سيما إذا كان هو الأعلم وأنكر مستند غيره اهـ.

(قال الحكم) بن عتيبة بالسند السابق (وحدثنيه) أي وحدثني الحديث المذكور أيضًا يعني حديث عمار بن ياسر سعيد (ابن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه) عبد الرحمن بلا واسطة ذر (مثل حديث ذر) عنه أي مثل ما حدثني ذر عنه، والمعنى أن الحكم روى فيما مر عن سعيد بواسطة ذر ففي سنده نزول، وبيَّن هنا أنه روى عن سعيد بلا واسطة ذر ففي سنده هذا علو فالحاصل أن للحكم سندين عن عبد الرحمن بن أبزى سند نازل وهو الذي ذكره أولًا وسند عال وهو الذي أراده هنا، فقوله هنا (وحدثنيه) معطوف في المعنى على قوله أولًا عن ذر (قال) شعبة بن الحجاج بالسند السابق (وحدثني) أيضًا هذا الحديث (سلمة) بن كهيل فالواو عاطفة على قوله في السند السابق حدثني الحكم عن ذر أي قال شعبة حدثني الحكم هذا الحديث المذكور عن ذر وحدثني أيضًا سلمة بن كهيل (عن ذر في هذا الإسناد) أي بهذا الإسناد (الذي ذكر الحكم) لي سابقًا، يعني بالإسناد قوله عن سعيد بن عبد الرحمن عن أبيه، ولكن قال سلمة في روايته (فقال عمر) بن الخطاب لعمار (نوليك) يا عمار أي نَكِلُ إليك وننسبه لك (ما توليت) أي ما قلت أي نَكِل إليك ما قلتَ ونرُد إليك ما وليته نفسك ورضيت لها به من التيمم عن الجنابة، قال ابن الأثير: وفي الكتاب العزيز {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} اهـ ومراد المؤلف بهذا الكلام بيان متابعة سلمة بن كهيل للحكم بن عتيبة في رواية هذا الحديث عن ذر بن عبد الله الهمداني مع بيان محل المخالفة، وأما ترجمة (سلمة) فهو سلمة بن كهيل الحضرمي أبو يحيى الكوفي، وثقه أحمد والعجلي زاد العجلي فيه تشيع قليل، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة، مات سنة (121) إحدى وعشرين ومائة، روى عنه المؤلف في (12) بابا.

ص: 355

715 -

(00)(00)(00) وحدّثني إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيلٍ. أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ. قَال: سَمِعْتُ ذَرًّا عَنِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبْزَى. قَال: قَال الْحَكَمُ: وَقَدْ سَمِعْتُهُ مِنِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ رَجُلًا أَتَى عُمَرَ فَقَال: إِنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدْ مَاءً. وَسَاقَ الْحَدِيثَ. وَزَادَ فِيهِ: قَال عَمَّارٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنْ شِئْتَ، لِمَا جَعَلَ اللهُ عَلَيَّ مِنْ حَقِّكَ، لا أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا

ــ

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنهما فقال:

715 -

(00)(00)(00)(وحدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي أبو يعقوب المروزي ثقة ثبت، من (11) مات سنة (251) روى عنه في (17) بابا، قال (حدثنا النضر بن شميل) المازني أبو الحسن البصري ثم الكوفي، وثقه ابن معين والنسائي وأبو حاتم وابن المديني، وقال في التقريب: ثقة ثبت، من كبار (9) مات سنة (204) وله (82) روى عنه في (9) أبواب، قال (أخبرنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (عن الحكم) بن عتيبة الكندي الكوفي (قال) الحكم (سمعت ذرًا) بفتح الذال المعجمة وتشديد الراء بن عبد الله الهمداني الكوفي (عن) سعيد (بن عبد الرحمن بن أبزى) الخزاعي الكوفي (قال) شعبة (قال الحكم) سمعت هذا الحديث من ذر بن عبد الله الهمداني (وقد سمعته) معطوف على محذوف كما قدرنا أي وقد سمعته أيضًا (من) سعيد (ابن عبد الرحمن بن أبزى) بلا واسطة ذر بن عبد الله، وجملة قوله "قال الحكم" معترضة بين خلال السند، وقوله (عن أبيه) متصل بما قبل قال "قال الحكم" أي سمعت ذرًا عن ابن عبد الرحمن عن أبيه عبد الرحمن بن أبزى أنه حدثه (أن رجلًا أتى عمر) بن الخطاب (فقال) الرجل لعمر (إني أجنبت) أي صرت جنبًا (فلم أجد ماء) أغتسل به (وساق) النضر بن شميل أي ذكر (الحديث) السابق الذي رواه يحيى بن سعيد عن شعبة (وزاد) النضر بن شميل على يحيى (فيه) أي في الحديث بعد قوله "نوليك ما توليت" أي زاد لفظة (قال عمار يا أمير المؤمنين إن شئت) عدم تحديثه لأحد، واللام في قوله (لما جعل الله) أي لأجل ما جعل الله سبحانه وتعالى وأوجب (علي من) وفاء (حقك) من السمع والطاعة، متعلقة بقوله (لا أُحدث به) أي بهذا الحديث (أحدًا) من الناس، وقوله

ص: 356

وَلَمْ يَذْكُرْ: حَدَّثَنِي سَلَمَةُ، عَنْ ذَرٍّ.

716 -

(331)(177)(141) قَال مُسْلِمٌ: وَرَوَى اللَّيثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ عُمَيرٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ؛

ــ

(ولم يذكر) النضر بن شميل في حديثه لفظة (حدثني سلمة عن ذر) أي لم يذكر قول شعبة وحدثني سلمة كما ذكره يحيى بن سعيد القطان معطوف على قوله "وزاد". وهذا السند من ثمانياته رجاله أربعة منهم كوفيون واثنان بصريان وواحد مدني وواحد مروزي، وغرضه بسوقه بيان متابعة النضر بن شميل ليحيى القطان في رواية هذا الحديث عن شعبة، وفائدتها بيان كثرة طرقه مع بيان محل المخالفة بين الروايتين.

ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث عائشة بحديث أبي الجهيم رضي الله تعالى عنهما فقال:

716 -

(331)(177)(141)(قال) الإمام (مسلم) رحمه الله تعالى (وروى) لنا (الليث بن سعد) الفهمي أبو الحارث المصري ثقة ثبت إمام، من (7) مات سنة (175) روى عنه في (15) بابا، وقائل قوله (قال مسلم) هو الإمام مسلم على سبيل التجريد البديعي أو بعض رواته، قال النووي: قوله (روى الليث بن سعد) هكذا في صحيح مسلم في جميع الروايات منقطعًا بين مسلم والليث وهذا النوع يُسمى معلَّقًا في اصطلاحهم، وقد ذكرنا في المقدمة أن في صحيح مسلم أربعة عشر أو اثني عشر حديثًا منقطعًا وبيناها، اهـ. وقال المازري: وفي مسلم أربعة عشر حديثًا مقطوعًا وهذا أولها، وسَنُنَبِّه على كل منها في محله إن شاء الله تعالى (عن جعفر بن ربيعة) بن شرحبيل الكندي أبي شرحبيل المصري، وثقه أحمد وأبو زرعة، وقال في التقريب: ثقة، من (5) مات سنة (136) روى عنه في (4) أبواب (عن عبد الرحمن بن هرمز) الأعرج الهاشمي مولاهم أبي داود المدني القارئ، وثقه جماعة من النقاد، وقال في التقريب: ثقة ثبت عالم، من (3) مات سنة (117) بالإسكندرية، روى عنه في (7) أبواب (عن عمير) مصغرًا ابن عبد الله الهلالي مولاهم أبي عبد الله المدني مولى أم الفضل ويقال له (مولى ابن عباس) روى عن أبي جهيم بن الحارث بن الصِّمَّة في الوضوء، وأم الفضل بنت الحارث في الصوم، وابن عباس وأسامة بن زيد، ويروي عنه (خ م د س) والأعرج وأبو النضر سالم بن أبي أمية وجماعة، وثقه النسائي وابن إسحاق وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التهذيب:

ص: 357

أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: أَقْبَلْتُ أَنَا وَعَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ يَسَارٍ، مَوْلَى مَيمُونَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَبِي الْجَهْمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ الأَنْصَارِيِّ. فَقَال أَبُو الْجَهْمِ: أَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ نَحْو بِئْرِ جَمَلٍ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيهِ، فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيهِ، حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الْجِدَارِ فَمَسَحَ

ــ

وكان ثقة أخرجوا له حديثين أحدهما في التيمم والآخر في الصيام، مات بالمدينة سنة (104) أربع ومائة (أنه) أي أن عبد الرحمن بن هرمز (سمعه) أي سمع عميرًا مولى ابن عباس حالة كون عمير (يقول أقبلت) أي جئت (أنا) تأكيد لضمير الفاعل في أقبلت ليصح عطف ما بعده عليه (وعبد الرحمن بن يسار) هذا خطأ صريح وصوابه (أقبلت أنا وعبد الله بن يسار) هكذا على الصواب، رواه البخاري وأبو داود والنسائي وغيرهم فقالوا: عبد الله بن يسار، قال القاضي عياض: ووقع في روايتنا صحيح مسلم من طريق السمرقندي عن الفارسي عن الجلودي (أقبلت أنا وعبد الله بن يسار) على الصواب وهم أربعة إخوة عبد الله وعبد الرحمن وعبد الملك وعطاء مولى ميمونة، والله أعلم.

أي أقبلت أنا وعبد الله بن يسار (مولى ميمونة) بنت الحارث الهلالية (زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنها (حتى دخلنا على أبي الجهم) بفتح الجيم وسكون الهاء وهذا غلط أيضًا والصواب (على أبي الجهيم (مصغرًا كما في البخاري وأبي داود والنسائي وغيرهم، اسمه عبد الله (بن الحارث بن الصِّمَّة) بكسر الصاد المهملة وتشديد الميم (الأنصاري) النجاري، صحابي معروف ابن أخت أبي بن كعب بقي إلى خلافة معاوية، يروي عنه (ع) وهو المذكور في حديث المرور بين يدي المصلي. وهذا السند المعلق من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان (فقال) لنا (أبوالجهم) الصواب أبوالجهيم (أقبل) وجاء (رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحو) أي من جانب (بئر جمل) بفتحتين أي من جهة موضع يُسمى بئر جمل؛ وهو موضع معروف بقرب المدينة المنورة (فلقيه) صلى الله عليه وسلم (رجل) من المسلمين لم أر من ذكر اسمه (فسلم) ذلك الرجل (عليه) أي على رسول الله صلى الله عليه وسلم (فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه) أي على الرجل سلامه (حتى أقبل) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي توجه بوجهه (على الجدار فمسح) رسول الله صلى الله عليه

ص: 358

وَجْهَهُ وَيَدَيهِ، ثُمَّ رَدَّ عليه السلام

ــ

وسلم بالجدار (وجهه وبديه) ليتيمم بالجدار لأنه ليس له وضوء (ثم) بعد تيممه (رد عليه) أي على الرجل (السلام) أي سلامه.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 169] والبخاري [337] وأبو داود [329] والنسائي [1/ 165].

وقد استدل البخاري بهذا الحديث على جواز التيمم في الحضر لمن خاف فوات الوقت، وهذا الحديث يؤخذ منه أن حضور سبب الشيء كحضور وقته وذلك أنه لما سلَّم هذا الرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم تعين عليه صلى الله عليه وسلم الرد وخاف الفوت فتيمم، ويكون هذا حجة لأحد القولين عندنا أن من خرج إلى جنازة متوضئًا فانتقض وضوءه أن يتيمم، وقد روى أبو داود من حديث المهاجر بن قنفذ أنه سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فلم يرد عليه حتى توضأ ثم اعتذر إليه فقال: إني كنت كرهت أن أذكر الله إلَّا على طهارة، وهذا يُتَمِّم معنى حديث ابن عمر الآتي وحديث أبي الجهيم هذا، ذكر القاضي عياض: أن مسلمًا ذكره مقطوعًا، وفي كتابه أحاديث يسيرة مقطوعة متفرقة في أربعة عشر موضعًا هذا منها، وفي هذا الحديث حجة لمن قال: إن التيمم يرفع الحدث وهو ظاهر قول مالك في الموطأ ومشهور مذهبه أنه مبيح لا رافع، وقال الزهري وابن المسيب والحسن: يرفع الحدث الأصغر، وقال أبو سلمة: يرفع الحدثين جميعًا اهـ مفهم. قال النواوي: وهذا الحديث محمول على أنه صلى الله عليه وسلم كان عادمًا للماء حال التيمم فإن التيمم مع وجود الماء لا يجوز للقادر على استعماله، ولا فرق بين أن يضيق وقت الصلاة وبين أن يتسع، ولا فرق أيضًا بين صلاة الجنازة والعيد وغيرهما هذا مذهبنا ومذهب الجمهور، وقال أبو حنيفة: يجوز أن يتيمم مع وجود الماء لصلاة الجنازة والعيد إذا خاف فوتهما، وحكى البغوي من أصحابنا عن بعض أصحابنا: أنه إذا خاف فوت الفريضة لضيق الوقت صلاها بالتيمم ثم توضأ وقضاها والمعروف الأول.

وفي هذا الحديث جواز التيمم بالجدار إذا كان عليه غبار؛ وهذا جائز عندنا وعند الجمهور من السلف والخلف، واحتج به من جوز التيمم بغير التراب، وأجاب الآخرون بأنه محمول على جدار عليه تراب، وفيه دليل على جواز التيمم للنوافل والفضائل

ص: 359

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كسجود التلاوة والشكر ومس المصحف ونحوها، كما يجوز للفرائض وهذا مذهب العلماء كافة، إلَّا وجهًا شاذًّا منكرًا لبعض أصحابنا أنه لا يجوز التيمم إلَّا للفريضة؛ وليس هذا الوجه بشيء، فإن قيل كيف يتيمم بالجدار بغير إذن مالكه؟ فالجواب أنه محمول على أن هذا الجدار كان مباحًا أو مملوكًا لإنسان يعرفه فدُلّ عليه النبي صلى الله عليه وسلم وتيمم به لعلمه بأنه لا يكره مالكه ذلك، ويجوز مثل هذا، والحالة هذه لآحاد الناس فالنبي صلى الله عليه وسلم أولى، قال القاضي عياض: وفيه التيمم على التراب المنقول لأن الجدار تراب منقول، وفيه عدم شرطية الغبار في التراب لأن الجدار ترابه منعقد، وجواز التيمم عليه مع وجود غيره، وفيه التيمم للنوافل، اهـ.

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث الأول: حديث عائشة ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني: حديث عمار بن ياسر ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات، والثالث: حديث أبي الجهيم ذكره للاستشهاد أيضًا.

***

ص: 360