الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
168 - (73)(55) باب: في الفرق بين دم الحيض ودم الاستحاضة وغسل المستحاضة
648 -
(296)(142)(106) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ هِشَام بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ بنْتُ أَبِي حُبَيشٍ إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم. فَقَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلا أَطْهُرُ. أَفَأَدَعُ الصَّلاةَ؟ فَقَال: "لا. إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ
ــ
168 -
(73)(55) باب: في الفرق بين دم الحيض ودم الاستحاضة وغسل المستحاضة
648 -
(296)(142)(106)(وحدَّثَنا أَبُو بَكْرِ بن أبي شيبة وأبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني (قالا حَدَّثَنَا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي (عن هشام بن عروة) الأسدي أبي المنذر المدني (عن أبيه) عروة بن الزبير الأسدي أبي عبد الله المدني (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان (قالت) عائشة (جاءت فاطمة بنت أبي حُبيش) بضم الحاء مصغرًا، واسم أبي حُبيش قيس بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قُصي القرشية الأسدية ثبت ذكرها في الصحيحين من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حُبيش
…
الحديث، اهـ من الإصابة (إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيتي (فقالت) فاطمة (يا رسول الله إني امرأة) ذات دم مستمر لأني (أُستحاض) بضم الهمزة على صيغة المضارع المبني للمجهول أي أُصِبْتُ بالاستحاضة وابتُلِيتُ بها، والاستحاضة جريان الدم من فرج المرأة في غير أوانه وأوقاته (فلا أَطْهُرُ) أي فلا أجد الطهارة والنقاء من الدم (أ) يُرَخَّصُ لي في ترك الصلاة (فأدع) وأترك (الصلاة) لعدم طهارتي، فالهمزة للاستفهام الاستفتائي داخلة على محذوف معطوف عليه ما بعد الفاء، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف كما هو مذهب الزمخشري وهو الراجح كما بسطنا الكلام على ذلك في الحدائق (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا) تدعي الصلاة ولا تتركيها مرة (إنما ذلكِ) بكسر الكاف خطابًا لمؤنث أي إنما ذلك الدم الجاري منك على الدوام (عِرْقٌ) أي دم عرق يُسَمَّى بالعاذل بالذال المعجمة أي دم عرق انقطع فسال أي هو دم عِلَّةٍ لا دم جبلة فلا يمنع من العبادات والاستمتاع والعاذل بالذال
وَلَيسَ بِالْحَيْضَة، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيضةُ فَدَعِي الصَّلاةَ. وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي"
ــ
المعجمة وباللام، وحكى ابن سِيدَه فيه: العادل بالدال المهملة مع اللام، وفي الصحاح بذال معجمة وراء "العاذر" وهو عرق في أدنى رحم المرأة أي في أسفله وأقربه، وأما الحيض فهو دم يخرج من عرق في أقصى رحمها وأبعده وأعلاه على سبيل الصحة في أوانه (وليس) ذلك الدم الجاري منكِ على الاستمرار (بالحيضة) أي بدم الحيضة الَّذي يخرج من أقصى رحم المرأة في أوانه على سبيل الصحة، قال النواوي: يجوز في حاء الحيضة كسرها على معنى الهيئة والحالة، وفتحها وهو الأظهر على معنى الحيض (فإذا أقبلت الحبضة) المعتادة لك قبل استمرار الدم أي جاء وقتها سَوَاءٌ كان من أَوَّلِ الشهر أو آخره أو وسطه (فدعي الصلاة) أي اتركيها أي اتركي الصلاة وجميع ما يحرم بالحيض من الطواف والاستمتاع وغير ذلك (وإذا أدبرت) وانقطعت حيضتك المعتادة قبل استمرار الدم أي مضى وقتها مطلقًا (فاغسلي عنك الدم) أي اغتسلي غسل انقطاع الحيض (وصلي) في أيام استحاضتك حتَّى يُقبل وَقْتُ حيضِكِ المعتَاد أي لا تتركي الصلاة في كل الأوقات ولكن اتركيها في مقدار العادة ويوكَلُ ذلك إلى أمانتها وردها إلى عادتها ويختلف ذلك باختلاف الأشخاص، وفيه دلالة على أن فاطمة كانت معتادة.
وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [6/ 82] والبخاري [306] وأبو داود [282 - 298] والترمذي [125] والنسائي [1/ 183 - 185].
وفي المفهم: قوله (إنما ذلك عرق) دليل لنا على العراقيين في أن الدم السائل من الجسد لا ينقض الوضوء فإنه قال بعد هذا فاغسلي عنك الدم وصلي، وهذا أصح من رواية من روى (فتوضَّئِي وصلي) باتفاق أهل الصحيح وهو قول عامة الفقهاء، ويعني بقوله (ذلك عرق) أي عرق انقطع فسال أي هو دم علة، ويدل أيضًا أن المستحاضة حكمها حكم الطاهر مطلقًا فيما تفعل من العبادات وغيرها فيطؤها زوجها خلافًا لمن منع ذلك وهو عائشة وبعض السلف، وقوله (فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة) يدل على أن هذه المرأة مميزة فإنه صلى الله عليه وسلم أحالها على ما تعرف من تغير الدم، وقد نص على هذا الحديث أبو داود فقال (إذا كان دم الحيض فإنه دم أسود يُعرف، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة، وإذا كان الآخر فتوضيء وصلي) رواه أبو داود [286] من حديث
649 -
(00)(00)(00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ وَأَبُو مُعَاويةَ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ
ــ
فاطمة بنت أبي حُبيش، وبهذا تَمَسَّك مالك في أن المستحاضة إنما تعمل على التمييز فإن عدمته صلت أبدًا ولم تعتبر بعادة خلافًا للشافعي، ولا تتحيض في علم الله من كل شهر خلافًا لأحمد وغيره وهو رد على أبي حنيفة حيث لم يعتبر التمييز، وقوله (فإذا أدبرت الحيضة فاغسلي عنك الدم وصلي) لم يختلف الرواة عن مالك في هذا اللفظ، وقد فسره سفيان فقال: معناه إذا رأت الدم بعد ما تغتسل تغسِلُ الدم فقط، وقد رواه جماعة وقالوا فيه: فاغسلي عنك الدم ثم اغتسلي، وهذا رد على من يقول إن المستحاضة تغتسل لكل صلاة وهو قول ابن عُلَية وجماعة من السلف، وعلى من رأى عليها الجمع بين صلاتي النهار بغسل واحد وصلاتي الليل بغسل وتغتسل للصبح، ورُوي هذا عن علي رضي الله عنه وعلى من رأى عليها الغسل من ظهر إلى ظهر وهو مذهب سعيد بن المسيب والحسن وعطاء وغيرهم، وقد رُوي عن سعيد خلافه.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله تعالى عنها فقال:
649 -
(00)(00)(00)(حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي النيسابوري ثقة من (10) مات سنة (226) روى عنه في (19) بابا، قال (أخبرنا عبد العزيز بن محمد) بن عبيد الدراوردي الجهني أبو محمد المدني صدوق من (8) مات سنة (189) روى عنه في (9) أبواب (وأبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي ثقة من (9) مات سنة (195) روى عنه في (14) بابا (ح وحدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي أبو رجاء البغلاني ثقة من (10) مات سنة (240) روى عنه في (7) أبواب، قال (حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قُرْطٍ الضبي أبو عبد الله الكوفي ثقة من (8) مات سنة (188) روى عنه في (16) بابًا تقريبًا (خ وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني أبو عبد الرحمن الكوفي ثقة من (10) مات سنة (234) روى عنه في (10) أبواب، قال (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير الهمداني أبو هشام الكوفي ثقة من (9) مات سنة (199) روى عنه في (17) بابا (ح. وحدثنا خلف بن هشام) بن ثعلب بالمثلثة والمهملة البزار بالراء آخره
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ. كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، بِمِثْلِ حَدِيثِ وَكِيعٍ وَإِسْنَادِهِ.
وَفِي حَدِيثِ قُتَيبَةَ عَنْ جَرِيرٍ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيشِ بْنِ عَبْدِ الْمُطلِبِ بْنِ أَسَدِ. وَهِيَ امْرَأَةٌ مِنَّا.
قَال: وَفِي حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زيدٍ زِيادَةُ حَرْفِ، تَرَكْنَا ذِكْرَهُ
ــ
المقرئ أبو محمد البغدادي ثقة من (10) مات سنة (227) روى عنه في (3) أبواب، قال (حدثنا حماد بن زيد) بن دِرْهَم الأزدي أبو إسماعيل البصري ثقة من (8) مات سنة (179) روى عنه في (14) بابا، وأتى بحاء التحويلات لبيان اختلاف مشايخ مشايخه (كلهم) أي كل من هؤلاء المذكورين من عبد العزيز وأبي معاوية في السند الأول وجرير في الثاني وعبد الله بن نمير في الثالث وحماد بن زيد في الرابع رَوَوْا (عن هشام بن عروة) بن الزبير الأسدي المدني (بمثل) متن (حديث وكيع) بن الجراح المذكور آنفًا (و) بمثل (إسناده) أي إسناد وكيع يعني عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها. وهذه الأسانيد كلها من الخماسيات الأول منها: رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد نيسابوري أو ثلاثة مدنيون وواحد كوفي وواحد نيسابوري، والثاني منها: ثلاثة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد بغلاني، والثالث منها: مدنيون واثنان كوفيان، والرابع منها: ثلاثة منهم مدنيون وواحد بصري وواحد بغدادي، وغرضه بسوقها بيان متابعة أولئك الأربعة لوكيع في رواية هذا الحديث عن هشام بن عروة، وفائدتها بيان كثرة طرقه (و) لكن (في حديث قتيبة عن جرير جاءت فاطمة بنت أبي حُبيش بن عبد المطلب بن أسد) قال النواوي: هكذا وقع في الأصول بلفظ ابن عبد المطلب، واتفق العلماء على أنه وهم والصواب فيه حذف لفظة عبد فإن اسم أبي حُبيش قيس بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قُصي، والله أعلم (وهي) أي فاطمة بنت أبي حبيش (امرأة منا) أي من بني أسد، وقائل هذا الكلام هو هشام بن عروة أو أبوه عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى يعني أنها من فخذه لأنها أسدية (قال) المؤلف رحمه الله تعالى (وفي حديث حماد بن زيد) وروايته عن هشام (زيادة حرف) وكلمة على رواية غيره (تركنا ذكره) أي ذكر ذلك الحرف وأسقطناه في روايتنا عنه لأنه انفرد به وهي شاذة، وتلك الزيادة المتروكة من حديث حماد هي قوله (وتوضئِي) بعد قوله (فاغسلي عنك الدم) أسقطها مسلم لانفراد حماد به وبيان مثل هذا مما يدل على شدة ورعه وإتقانه وحفظه رحمه الله تعالى، قال النسائي: لا أعلم من ذكر
650 -
(297)(143)(107) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا قَالتِ: اسْتَفْتَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ جَحْشِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالتْ: إِنِّي أُسْتَحَاضُ. فَقَال: "إِنمَا ذَلِكِ عِرْقٌ فَاغْتَسِلِي. ثُمَّ صَلِّي" فَكَانَتْ
ــ
(وتوضئِي) غير حماد يعني في حديث هشام وإلا فقد ذكرها أبو داود وغيره من حديث عدي بن ثابت وحبيب بن أبي ثابت وأيوب بن أبي مسكين، وقال أبو داود: وكلها ضعيفة، اهـ من الأبي. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث فاطمة بنت أبي حُبيش بحديث أم حبيبة بنت جحش رضي الله تعالى عنهما فقال:
650 -
(297) - (143)(107)(حدثنا قتيبة بن سعيد) بن طريف الثقفي أبو رجاء البغلاني، قال (حدثنا ليث) بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي مولاهم أبو الحارث المصري ثقة من (7) مات سنة (175) روى عنه في (15) بابا (ح وحدثنا محمد بن رمح) بن المهاجر التُجِيبِيُّ بضم المثناة مولاهم أبو عبد الله المصري ثقة ثبت من (10) مات سنة (242) روى عنه في (5) أبواب، قال (أخبرنا الليث) بن سعد، وأتى بحاء التحويل لبيان اختلاف كيفية سماع شيخيه (عن) محمد بن مسلم بن عبيد الله (بن شهاب) الزهري أبي بكر المدني ثقة من (4) مات سنة (125) روى عنه في (23) بابا (عن عروة) بن الزبير الأسدي أبي عبد الله المدني (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان أو مصري وبغلاني (أنها) أي أن عائشة (قالت استَفْتَتْ) وسألت (أم حبيبة بنت جحش) بن رئاب الأسدية زوج عبد الرحمن بن عوف أخت زينب بنت جحش أم المؤمنين رضي الله تعالى عنهما (رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت) في استفتائها (إني أُستحاض) بضم الهمزة أي أُصبت بالاستحاضة -وهي جريان الدم في غير أوانه- فكيف أُصلي؟ (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما ذلك) الدم الجاري منكِ (عِرْق) أي دم عرق انقطع في أدنى الرحم وأسفله يُسمى العاذل فليس بحيض لأن الحيض يخرج من أقصى الرحم وقعره لجبلة فلا يمنع هذا الخارج منك الصلاة فلا تتركيها (فـ) ـإذا أدبرت وانقطعت حيضتك التي كانت قبل هذا الدم المستمر بك (اغتسلي) غسل انقطاع الحيضة المعتادة (ثم) بعد اغتسالك هذا الغسل (صلي) الصلاة المكتوبة وغيرها، قالت عائشة:(فكانت)
تَغْتَسِلُ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ.
قَال اللَّيثُ بْنُ سَعْدٍ: لَمْ يَذْكُرِ ابْنُ شِهَاب أَن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ أَنْ تَغْتَسِلَ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ. وَلَكِنهُ شَيءٌ فَعَلَتْهُ هِيَ. وَقَال ابْنُ رُمْحٍ فِي رِوَايَتِهِ: ابْنَةُ جَحْشٍ. وَلَمْ يَذْكُرْ أُمَّ حَبِيبَةَ
ــ
أم حبيبة بعد ذلك (تغتسل) باختيارها لا بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم (عند كل صلاة) مكتوبة، وإنما أمرها الرسول صلى الله عليه وسلم باغتسالها عند إدبار حيضتها المعتادة فقط لا عند كل صلاة، وفي القسطلاني: وأمرها بالاغتسال مطلق فلا يدل على التكرار، وإنما كانت تغتسل لكل صلاة تطوعًا كما نص عليه الشافعي وإليه ذهب الجمهور قالوا: يجب على المستحاضة الغسل لكل صلاة إلا المتحيرة، لكن يجب عليها الوضوء، وما في مسلم من قوله (فأمرها بالغسل لكل صلاة) طَعَنَ فيه النقاد لأن الأَثْبات من أصحاب الزهري لم يذكروها، نعم ثبتت في سنن أبي داود فَيُحْمَل على الندب جمعًا بين الروايتين، وقد عَدَّ المنذريُّ المستحاضاتِ في عهده صلى الله عليه وسلم خمسًا: حَمنة بنت جحش، وأم حبيبة بنت جحش، وفاطمة بنت أبي حبيش، وسهلة بنت سهيل القرشية العامرية، وسودة بنت زمعة أم المؤمنين (قال الليث بن سعد) بالسند السابق (لم يذكر ابن شهاب) عندما روى لنا هذا الحديث (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أم حبيبة بنت جحش أن تغتسل عند كل صلاة) فريضة (ولكنه) أي ولكن اغتسالها (شيء فَعَلَتْه هي) باختيارها لا بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم. وقال الشافعي: إن اغتسالها لكل صلاة كان تطوعًا منها لا أنها أُمرت به، وقال ابن عُلية وغيره: تغتسل لكل صلاة، وقال علي وبعض الصحابة: تجمع بين صلاتي النهار بغسل وبين صلاتي الليل بغسل وتصلي الصبح بغسل ثالث، وقال الحسن وابن المسيب وعطاء وغيرهم: تغتسل كل يوم من ظهر إلى ظهر، وقال مالك: ليس عليها إلا غسل واحد لإدبار الحيضة، والحديث حجةٌ لمالك ورَدّ على الجميع، وذكر العلماء أن أصح حديث في الباب حديث هشام في قصة فاطمة بنت أبي حُبَيش، اهـ من السنوسي (وقال) محمد (بن رمح في روايته: ابنة جحش ولم يذكر) ابن رمح لفظة (أم حبيبة) بل ذكرها قتيبة في روايته.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أم حبيبة بنت جحش رضي الله تعالى عنها فقال:
651 -
(00)(00)(00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ وَعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ (خَتَنَةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم،
ــ
651 -
(00)(00)(00)(وحدثنا محمد بن سلمة) بن عبد الله بن أبي فاطمة (المرادي) الجَمَلَيُّ بفتح الجيم والميم مولاهم أبو الحارث المصري الفقيه، روى عن ابن وهب في الإيمان والاستحاضة والصلاة وغيرها، وابن القاسم وجماعة، ويروي عنه (م د س) وقال النسائي: ثقة ثقة، وقال ابن يونس: كان ثبتًا في الحديث، وقال في التقريب: ثقة ثبت من الحادية عشرة، مات سنة (248) ثمان وأربعين ومائتين، قال (حدثنا عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي مولاهم أبو محمد المصري الفقيه ثقة حافظ عابد، من (9) مات سنة (197) روى عنه في (13) بابا (عن عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري أبي أمية المصري الفقيه المقرئ ثقة فقيه حافظ من (7) مات سنة (148) روى عنه في (13) بابا (عن ابن شهاب) الزهري المدني (عن عروة بن الزبير) الأسدي المدني (وعمرة بنت عبد الرحمن) بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية الفقيهة سيدة نساء التابعين ثقة، من (3) ماتت قبل المائة، روى عنها في (6) أبواب، وهذه غير عمرة التي هي من سروات النساء فإنها من الصحابيات أخت عبد الله بن رواحة يعني أن الزهري روى عن عروة بن الزبير وعن عمرة كما هو لفظ البخاري، قال القاضي عياض: رواية المرادي هكذا (عن عروة وعمرة) بالواو العاطفة، وخالفه الأوزاعي وقال (عن الزهري عن عروة عن عمرة) بغير واو، قال النواوي: والأول يعني رواية المرادي بالواو هو الصواب (عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة مصريون، وغرضه بسوقه بيان متابعة عمرو بن الحارث لليث بن سعد في رواية هذا الحديث عن الزهري، وفائدتها بيان كثرة طرقه (أن أم حبيبة بنت جحش) بن رئاب الأسدية أخت زينب بنت جحش أم المؤمنين (ختنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أي أخت زوجته صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش معناه قريبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قال أهل اللغة: الأخْتَانُ جمع خَتَنٍ بفتحتين وهم أقارب زوجة الرجل، والأحماء أقارب زوج المرأة، والأصهار يَعُمُّ الجميع
وَتَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عَوْفٍ)، اسْتُحِيضَتْ سَبْعَ سِنِينَ. فَاسْتَفْتَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ هَذِهِ لَيسَتْ بِالْحَيضَةِ. وَلكِنَّ هذَا عِرْقٌ. فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي".
قَالتْ عَائِشَةُ: فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ فِي مِرْكَنِ فِي حُجْرَةِ أُختِهَا زينَبَ بِنْتِ جَحْشِ.
حَتَّى تَعْلُوَ حُمْرَةُ الدَّمِ الْمَاءَ
ــ
(و) كانت أم حبيبة (تحت عبد الرحمن بن عوف) الزهري، أحد العشرة المبشرين رضي الله عنهم، فكان بينه صلى الله عليه وسلم وبين عبد الرحمن بن عوف أُسلوفة، ويقال هما سِلْفَان بالكسر أي متزَّوِّجَا الأختين، وفي كتاب الوصايا من صحيح البخاري إطلاق ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمرو بن الحارث الخزاعي أخي أم المؤمنين جويرية بنت الحارث رضي الله تعالى عنها (استحيضت) أي أُصيبت بالاستحاصة (سبع سنين) أي سبع سنوات، جمع سنة شذوذًا، لأن شرط جمع السلامة أن يكون مفردًا علمًا لمذكر عاقل أو صفة له، وهذا ليس منه وتغير فيه بناء مفرده أيضًا لأنه مفتوح الأول وهذا ليس كذلك (فاستفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي طلبت الفُتيا والجواب منه (في) حكم (ذلك) الذي أصابها من دم الاستحاضة، هل تترك الصلاة لأجله أم تُصلي معه؟ (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب استفتائها (إن هذه) الاستحاضة (ليست بالحيضة) الجِبِلِّيَّةِ التي لا يُصَلَّى معها (ولكنَّ هذا) الدم الذي يجري منكِ (عرق) أي دم يجري من عرق انقطع في أدنى الرحم يسمى العاذل وليس بحيض (فـ) ـإذا أدبر قدر حيضك المعتاد قبل هذا الدم (اغتسلي) غسل الحيض مرة واحدة (وصلي) الصلوات كلها حتى يعود قدر حيضك المعتاد مع الوضوء إذا انتقض وضوئك بنحو البول والنوم (قالت عائشة) رضي الله تعالى عنها بالسند السابق (فكانت) أم حبيبة (تغتسل في مِرْكَنٍ) أي في الإجَّانَة التي تغسل فيها الثياب، وفي المفهم: المركن الإجَّانة؛ والإجانة بكسر الهمزة وتشديد الجيم المفتوحة هي القصرية التي تغسل فيها الثياب كانت تقعد فيها فتصُبُّ عليها الماءَ مِنْ غيرها فيستنقع فيها فتعلو حمرةُ الدم السائل منها الماءَ ثم تخرج منها فتغسل ما أصاب رجليها من ذلك الماء المتغير بالدم أي في مركن كان (في حجرة أختها) أي في بيت أختها (زينب بنت جحش) زوج النبي صلى الله عليه وسلم أي كانت تغتسل في المركن فتجلس فيه وتصب عليها الماء فيختلط الماء المتساقط عنها بالدم الخارج منها فيحمرُّ الماء (حتى تعلو) وتغلب (حمرة الدم الماء) المتساقط منها. وهذا
قَال ابْنُ شِهَابِ: فَحَدَّثْتُ بِذَلِكَ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ. فَقَال: يَرْحَمُ اللهُ هِنْدًا. لَوْ سَمِعَتْ بِهذِهِ الْفُتْيَا. واللهِ، إِنْ كَانَتْ لَتَبْكِي. لأَنَّهَا كَانَتْ لا تُصَلِّي.
652 -
(00)(00)(00) وحدّثنى أَبُو عِمْرَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ زِيادٍ. أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ،
ــ
الحديث أعني حديث أم حبيبة شارك المؤلف في روايته أحمد [6/ 83] والبخاري [327] وأبو داود [288 - 291] والترمذي [129] والنسائي [1/ 181 - 182].
(قال ابن شهاب) بالسند السابق (فحدثت بذلك) الحديث يعني حديث أم حبيبة (أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام) القرشي المدني، كان أحد الفقهاء السبعة قيل اسمه محمد وقيل اسمه أبو بكر وكنيته أبو عبد الرحمن، والصحيح أن اسمه وكنيته واحد، ثقة فقيه عابد من (3) مات سنة (94) يروي عنه في (6) أبواب (فقال) أبو بكر (يرحم الله هندًا) لم يذكر من هي فلم يدر أقريبته أم حليلته، وفي آخر الإصابة لابن حجر "هند" غير منسوبة، وقع ذكرها في حديث أبي بكر بن عبد الرحمن بن هشام عند مسلم. . إلخ ما هنا بعينه لم يزد عليه شيئًا، ولو في قوله (لو سمعت بهذه الفتيا) أي فتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأم حبيبة إما للتمني أي أتمنى سماعها بهذه الفتيا فتعمل بها أو للشرط والجواب محذوف تقديره لكان خيرًا لها (والله) أي أقسمت بالله الذي لا إله غيره، وإن في قوله (إن كانت لتبكي) مخففة من الثقيلة بدليل ذكر اللام الفارقة بعدها أي إنه كانت لتبكي ليلًا ونهارًا تأسفًا على تعطلها من الصلاة وأكثر العبادات (لأنها كانت) مستحاضة (لا تصلي) لاستمرار دمها في جميع الأوقات.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أم حبيبة بنت جحش رضي الله تعالى عنها فقال:
652 -
(00)(00)(00)(وحدثني أبو عمران محمد بن جعفر بن زياد) بن أبي هاشم الخراساني الأصل ثم البغدادي الوركاني بفتح الواو والراء، وقيل بسكون الراء نسبة إلى محلة أو قرية تسمى وركان ثقة من (10) مات سنة (228) روى عنه في (4) أبواب تقريبًا، قال (أخبرنا إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري أبو إسحاق المدني نزيل بغداد وقاضيها ثقة حجة من (8) مات سنة (183) روى
(يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ)، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: جَاءَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ جَحْشٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَتِ اسْتُحِيضَتْ سَبْعَ سِنِينَ بِمِثْلِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ إِلَى قَوْلِهِ: تَعْلُوَ حُمْرَةُ الدَّمِ الْمَاءَ. وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ.
653 -
(00)(00)(00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَمْرَة، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ ابْنَةَ جَحْشٍ كَانَتْ تُسْتَحَاضُ سَبْعَ سِنِينَ بِنَحْو حَدِيثِهِمْ
ــ
عنه في (14) بابًا، وأتى بالعناية في قوله (يعني ابن سعد) إشارة إلى أن هذه النسبة مما زادها من عند نفسه أيضًا إيضاحًا للراوي (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني (عن عمرة بنت عبد الرحمن) بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله أربعة منهم مدينون وواحد بغدادي، وغرضه بسوقه بيان متابعة إبراهيم بن سعد لعمرو بن الحارث في رواية هذا الحديث عن ابن شهاب، وفائدتها بيان كثرة طرقه مع بيان محل المخالفة والنقصان (قالت) عائشة رضي الله تعالى عنها (جاءت أم حبيبة بنت جحش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت) أم حبيبة (استحيضت) أي أصيبت بدم الاستحاضة (سبع سنين) وساق إبراهيم بن سعد (بمثل حديث عمرو بن الحارث) أي بمماثله في جميع لفظه ومعناه (إلى قوله) أي إلى قول عمرو بن الحارث (تعلو حمرة الدم الماء ولم يذكر) إبراهيم بن سعد (ما بعده) أي ما بعد قوله تعلو حمرة الدم يعني قوله قال ابن شهاب فحدثت بذلك. . إلخ.
ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أم حبيبة رضي الله تعالى عنها فقال:
653 -
(00)(00)(00)(وحدثني محمد بن المثنى) بن عبيد العنزي أبو موسى البصري ثقة من (10)(حدثنا سفيان بن عيينة) بن أبي عمران ميمون الهلالي أبو محمد الأعور الكوفي ثقة مدلس من (8)(عن) محمد بن مسلم (الزهري) المدني (عن عمرة) بنت عبد الرحمن الأنصارية المدنية (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها (أن) أم حبيبة (ابنة جحش كانت نستحاض) أي يجري دم الاستحاضة (سبع سنين) وساق سفيان بن عيينة عن الزهري (بنحو حديثهم) أي بمقارب حديث ليث بن سعد، وعمرو بن الحارث، وإبراهيم بن سعد في اللفظ والمعنى. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة
654 -
(00)(00)(00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخبَرَنَا اللَّيثُ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيث عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ عِرَاكٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا قَالتْ: إِنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ سَأَلَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الدَّمِ؟ فَقَالتْ عَائِشَةُ. رَأَيتُ مِرْكَنَهَا
ــ
منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد بصري، وغرضه بسوقه بيان متابعة سفيان بن عيينة لليث بن سعد وعمرو بن الحارث وإبراهيم بن سعد في رواية هذا الحديث عن الزهري، وفائدتها بيان كثرة طرقه.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أم حبيبة رضي الله تعالى عنها فقال:
654 -
(00)(00)(00)(وحدثنا محمد بن رمح) بن المهاجر التجيبي أبو عبد الله المصري ثقة من (10) قال (أخبرنا الليث) بن سعد الفهمي أبو الحارث المصري ثقة من (7)(ح وحدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي أبو رجاء البغلاني ثقة من (10) قال (حدثنا ليث) بن سعد، وأتى بحاء التحويل لبيان اختلاف كيفية سماع شيخيه عن ليث تورعًا من الكذب على أحدهما لو اقتصر على إحدى الصيغتين (عن يزيد بن أبي حبيب) اسمه سويد مولى شريك بن الطفيل الأزدي أبي رجاء المصري عالمها، قال ابن سعد: ثقة كثير الحديث، وقال في التقريب: ثقة فقيه ولكنه يرسل، من (5) مات سنة (128) روى عنه في (11) بابا (عن جعفر) بن ربيعة بن شرحبيل بن حسنة الكندي الحسني أبي شرحبيل المصري، وثقه أحمد وابن سعد والنسائي، وقال أبو زرعة: صدوق، وقال في التقريب: ثقة من (5) مات سنة (136) روى عنه في (4)(عن عراك) بن مالك الغفاري المدني ثقة فاضل من (3) مات بعد (100)(عن عروة) بن الزبير الأسدي المدني (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سباعياته ثلاثة منهم مدنيون وأربعة مصريون، وغرضه بسوقه بيان متابعة عراك بن مالك لابن شهاب في رواية هذا الحديث عن عروة، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة (أنها قالت أن أم حبيبة) بنت جحش (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن) حكم (الدم) المستمر بها هل تترك بسببه الصلاة أم تصلي معه؟ (فـ) أخبرت عائشة عن كثرة دمها حين (قالت عائشة رأيت مركنها) أي مركن أم حبيبة وإجانتها التي تغتسل
مَلآنَ دَمًا. فَقَال لَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "امْكُثِي قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُكِ حَيضَتُكِ. ثمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي".
655 -
(00)(00)(00) حدّثني مُوسَى بْنُ قُرَيشِ التَّمِيمِيُّ. حَدَّثَنَا إِسْحاقُ بْنُ بَكْرِ بْنِ مُضَرَ. حَدَّثَنِي أَبِي
ــ
فيها، حالة كونه (ملآن) أي مملوءًا (دمًا) خارجًا منها، وقوله ملآن هو وصف مذكر على وزن فعلان، ومؤنثه على فعلى وفعلانة وفي بعض الرواية ملأى وكلاهما صحيح الأول على لفظ المركن وهو مذكر، والثاني على معناه وهو الإجانة، اهـ نووي. وجملة القول معترضة بين السؤال والجواب لأن الفاء هنا اعتراضية لأنها تكون للاعتراض كالواو كما هو مذكور في محله (فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤالها (امكثي) بلا صلاة ولا صوم مثلًا (قدر ما كانت) وكان هنا زائدة أي قدر زمن (تحبسك) وتمنعك عن الصلاة (حيضتك) المعتادة لك قبل هذا الدم الفاسد (ثم) بعد مضي قدر زمن حيضتك المعتادة (اغتسلي) غَسْلَ رَفْعِ حَدَثِ الحيض المعتاد مرة واحد (وصلي) الصلوات الخمس وغيرها وافعلي سائر العبادة الممنوعة بحدث الحيض وتوضئي إذا طرأ عليك نواقض الوضوء إلى أن يعود زمن حيضك المعتاد.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث أم حبيبة رضي الله تعالى عنها فقال:
655 -
(00)(00)(00)(حدثني موسى بن قريش) بن نافع (التميمي) البخاري بمعجمة روى عن إسحاق بن بكر بن مضر في الوضوء، ويحيى بن صالح الوحاظي في الأطعمة، ويروي عنه (م) وقال في التقريب: مقبول من الحادية عشرة مات سنة (252) اثنتين وخمسين ومائتين، قال (حدثنا إسحاق بن بكر بن مضر) بن محمد القرشي مولاهم مولى شرحبيل بن حسنة أبو يعقوب المصري، روى عن أبيه في الوضوء فقط، ويروي عنه (م س) وموسى بن قريش هذا الحديث الواحد والربيع الجيزي وأبو حاتم ويحيى بن عثمان، وله في مسلم فَرْدُ حديثٍ هذا الحديثُ، قال أبو حاتم: لا بأس به، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق فقيه من العاشرة مات سنة (218) ثماني عشرة ومائتين، قال إسحاق (حدثني أبي) بكر بن مضر بن محمد بن حكيم القرشي مولاهم مولى شرحبيل بن حسنة أبو محمد أو أبو عبد الملك المصري، وثقه
حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ عِرَاك بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّهَا قَالتْ: إِنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بنْتَ جَحْشٍ. الَّتِي كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عَوْفٍ. شَكَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الدَّمَ. فَقَال لَهَا: "امْكُثِي قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُكِ حَيضَتُكِ. ثُمَّ اغْتَسِلِي". فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ عِنْدَ كُل صَلاةٍ
ــ
الخليلي والعجلي والنسائي وأبو حاتم وأحمد وابن معين، وقال في التقريب: ثقة ثبت من (8) مات سنة (174) روى عنه في (9) أبواب، قال (حدثني جعفر بن ربيعة) الكندي المصري (عن عراك بن مالك) الغفاري المدني (عن عروة بن الزبير) الأسدي المدني (عن عائشة) أم المؤمنين (زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهذا السند من سباعياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة مصريون وواحد بخاري، وغرضه بسوقه بيان متابعة بكر بن مضر ليزيد بن أبي حبيب في رواية هذا الحديث عن جعفر بن ربيعة، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة في سوق الحديث (أنها) أي أن عائشة رضي الله تعالى عنها (قالت إن أم حبيبة بنت جحش) بن رئاب القرشية (التي كانت تحت عبد الرحمن بن عوت) الزهري (شكت) أي أخبرت على سبيل الشكاية (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الدم) أي دم الاستحاضة الذي يجري منها هل تصلي معه أم لا؟ (فقال لها) رسول الله صلى الله عليه وسلم (امكثي) بلا صلاة ولا صوم (قدر ما كانت تحبسك) أي قدر زمن تمنعك فيه (حيضتك) المعتادة لك قبل هذا الدم المستمر من نحو الصلاة (ثم) بعد ما مضى قدر زمن حيضتك المعتادة (اغتسلي) غسل انقطاع الحيض المعتاد بنية استباحة نحو الصلاة ثم صلي حتى يعود زمن الحيض المعتاد لك، قالت عائشة (فكانت) أم حبيبة بعد فتوى النبي صلى الله عليه وسلم (تغتسل عند كل صلاة) مكتوبة باختيارها طوعًا لا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمرها بغسل واحد بتقدير انقطاع الحيض، والله أعلم.
واعلم أنه لا يجب على المستحاضة الغسل لشيء من الصلاة ولا في وقت من الأوقات إلا مرة واحدة في وقت انقطاع حيضها المعتاد، وبهذا قال جمهور العلماء من السلف والخلف ودليلهم أن الأصل عدم الوجوب فلا يجب إلا ما ورد الشرع بإيجابه، ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمرها بالغسل إلا مرة واحدة عند انقطاع
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حيضها وهو قوله صلى الله عليه وسلم (فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي) وليس في هذا ما يقتضي تكرار الغسل.
وأما الأحاديث الواردة في سنن أبي داود والبيهقي وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بالغسل فليس بشيء ثابت وقد بين البيهقي ومن قبله ضعفها، وإنما صح في هذا ما رواه البخاري ومسلم في صَحِيحَيهِمَا أن أم حبيبة بنت جحش رضي الله تعالى عنها استحيضت فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما ذلك عرق فاغتسلي ثم صلي فكانت تغتسل عند كل صلاة، قال الشافعي رحمه الله تعالى: إنما أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل وتصلي وليس فيه أنه أمرها أن تغتسل لكل صلاة، قال: ولا شك -إن شاء الله تعالى- أن غسلها عند كل صلاة كان تطوعًا غير ما أُمرت به، وذلك واسع لها، هذا كلام الشافعي بلفظه وكذا قال شيخه سفيان بن عيينة والليث بن سعد وغيرهما وعباراتهم متقاربة، والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ نواوي.
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأول حديث فاطمة بنت أبي جُبَيش ذكره للاستدلال به وهو أصح ما في هذا الباب وذكر فيه متابعة واحدة والثاني حديث أم حبيبة وذكره للاستشهاد به وذكر فيه خمس متابعات، والله أعلم.
وقد قدمنا أن الاستحاضة جريان الدم من فرج المرأة في غير أوانه وأنه يخرج من عرق يقال له العاذل بخلاف دم الحيض فإنه يخرج من قعر الرحم على سبيل الصحة، وأما حكم المستحاضة فمبسوط في كتب الفقه أَحْسَنَ بسطٍ، ونحن نشير إلى طرف من مسائلها فنقول:
اعلم أن المستحاضة لها حكم الطاهرات في معظم الأحكام، فيجوز لزوجها وطؤها في حال جريان الدم عند جمهور العلماء، وعن عائشة أنه لا يأتيها زوجها وبه قال النخعي والحكم، وكرهه ابن سيرين، وقال أحمد لا يأتيها إلا أن يطول ذلك بها، وفي رواية عنه أنه لا يجوز وطؤها إلا أن يخاف زوجها العنت، والمختار ما قدمناه عن الجمهور؛ والدليل عليه ما روي عن عكرمة عن حمنة بنت جحش أنها كانت مستحاضة وكان زوجها يجامعها رواه أبو داود والبيهقي وغيرهما بهذا اللفظ بإسناد حسن، قال البخاري في صحيحه: قال ابن عباس: المستحاضة يأتيها زوجها إذا صلت، الصلاة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أعظم. ولأن المستحاضة كالطاهرة في الصلاة والصوم وغيرهما فكذا في الجماع، ولأن التحريم إنما يثبت بالشرع ولم يرد الشرع بتحريمه، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وأما الصلاة والصيام والاعتكاف وقراءة القرآن ومس المصحف وحَمْلهُ وسجودُ التلاوة وسجود الشكر ووجوب العبادات عليها فهي في كل ذلك كالطاهرة وهذا مجمع عليه، وإذا أرادت المستحاضة الصلاة فإنها تؤمر بالاحتياط في طهارة الحدث وطهارة النجس فتغسل فرجها قبل الوضوء والتيمم إن كانت تتيمم وتحشو فرجها بقطنة أو خرقة رفعا للنجاسة أو تقليلا لها، فإن كان دمها قليلًا يندفع بذلك وحده فلا شيء عليها غيره، وإن لم يندفِع شدت مع ذلك على فرجها وتلَجَّمَت، وهو أن تشد على وسطها خرقة أو خيطًا أو نحوه على صورة التكة وتأخذ خرقة أخرى مشقوقة الطرفين فتدخلها بين فخذيها وأليتيها وتشد الطرفين بالخرقة التي في وسطها أحدهما قدامها عند سرتها والآخر خلفها وتحكم ذلك الشد وتلصق هذه الخرقة المشدودة بين الفخذين بالقطنة التي على الفرج إلصاقًا جيدًا، وهذا الفعل يسمى تلجمًا واستثفارًا وتعصيبًا، قال أصحابنا: وهذا الشد والتلجم واجب إلا في موضعين أحدهما: أن تتأذى بالشد ويحرقها اجتماع الدم فلا يلزمها لما فيه من الضرر، والثاني: أن تكون صائمة فتترك الحشو في النهار وتقتصر طي الشد، قال أصحابنا: ويجب تقديم الشد والتلجم على الوضوء وتتوضأ عقب الشد من غير إمهال فإن شدت وتلجمت وأخرت الوضوء وتطاول الزمان ففي صحة وضوئها وجهان الأصح: أنه لا يصح، وإذا استوثقت بالشد على الصفة التي ذكرناها ثم خرج منها دم من غير تفريط لم تبطل طهارتها ولا صلاتها ولها أن تصلي بعد فرضها ما شاءت من النوافل لعدم تفريطها ولتعذر الاحتراز عن ذلك، أما إذا خرج الدم لتقصيرها في الشد أو زالت العصابة عن موضعها لضعف الشد فزاد خروج الدم بسببه فإنه يبطل طهرها، فإن كان ذلك في أثناء صلاة بطلت، وإن كان بعد فريضة لم تستبح النافلة لتقصيرها، وأما تجديد غسلِ الفرج وحشوه وشدِّه لكل فريضة فيُنْظَر فيه إن زالت العصابة عن موضعها زوالًا له تأثير أو ظهر الدم على جوانب العصابة وجب التجديد، وإن لم تزل العصابة عن موضعها ولا ظهر الدم ففيه وجهان لأصحابنا أصحهما: وجوب التجديد كما يجب تجديد الوضوء.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ثم اعلم أن مذهبنا أن المستحاضة لا تصلي بطهارة واحدة أكثر من فريضة واحدة مؤداة كانت أو مقضية وتستبيح معها ما شاءت من النوافل قبل الفريضة وبعدها، ولنا وجه أنها لا تستبيح أصلا لعدم ضرورتها إلى النافلة والصواب الأول، وقال أبو حنيفة: طهارتها مقدرة بالوقت فتصلي في الوقت بطهارتها الواحدة ما شاءت من الفرائض الفائتة، وقال ربيعة ومالك وداود: دم الاستحاضة لا ينقض الوضوء فإذا تطهرت فلها أن تصلي بطهارتها ما شاءت من الفرائض إلى أن تُحْدِثَ بغير الاستحاضة، والله أعلم.
قال أصحابنا: ولا يصح وضوء المستحاضة لفريضة قبل دخول وقتها، وقال أبو حنيفة: يجوز ودليلنا أنها طهارة ضرورة فلا تجوز قبل وقت الحاجة، قال أصحابنا: وإذا توضأت بادرت إلى الصلاة عقب طهارتها فإن أخرت بأن توضأت في أول الوقت وصلت في وسطه نظر إن كان التأخير للاشتغال بسبب من أسباب الصلاة كستر العورة والأذان والإقامة والاجتهاد في القبلة والذهاب إلى المسجد الأعظم والمواضع الشريفة والسعي في تحصيل سترة تصلي إليها وانتظار الجمعة والجماعة وما أشبه ذلك جاز على المذهب الصحيح المشهور، ولنا وجه أنه لا يجوز وليس بشيء، وأما إذا أخرت بغير سبب من هذه الأسباب وما في معناها ففيه ثلاثة أوجه أصحها: لا يجوز وتبطل طهارتها، والثاني: يجوز ولا تبطل طهارتها، ولها أن تصلي بها ولو بعد خروج الوقت، والثالث: لها التأخير ما لم يخرج وقت الفريضة فإن خرج فليس لها أن تصلي بتلك الطهارة، فإن قلنا بالأصح وأنها إذا أخرت لا تستبيح الفريضة فبادرت فصلت الفريضة فلها أن تصلي النوافل ما دام وقت الفريضة باقيًا فإذا خرج وقت الفريضة فليس لها أن تصلي بعد ذلك النوافل بتلك الطهارة على أصح الوجهين، والله أعلم.
قال أصحابنا: وكيفية نية المستحاضة في وضوئها أن تنوي استباحة الصلاة ولا تقتصر على نية رفع الحدث، ولنا وجه أنه يجزئها الاقتصار على نية رفع الحدث، ووجه ثالث أنه يجب عليها الجمع بين نية استباحة الصلاة ورفع الحدث؛ والصحيح الأول، فإذا توضأت المستحاضة استباحت الصلاة، وهل يقال ارتفع حدثها فيه أوجه لأصحابنا؛ الأصح: أنه لا يرتفع شيء من حدثها بل تستبيح الصلاة بهذه الطهارة مع وجود الحدث كالمتيمم فإنه محدث عندنا، والثاني يرتفع حدثها السابق والمقارن للطهارة دون المستقبل، والثالث يرتفع الماضي وحده، والله سبحانه وتعالى أعلم، اهـ نواوي.