الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وذكر فيه متابعة واحدة. قال القاضي عياض: قوله (إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات) .. الخ يَحتج به من يعمم الغسل لأنه جاء بعد الترخيص في الاتخاذ، ويحتمل أن يرجع إلى الكلاب الأُخَر، واختلف قول مالك في الخنزير هل يغسل من ولوغه كالكلب لأنه نجس أو لأنه يستعمل النجاسات أو لا يغسل لأنه لا يؤذي ولا يُقتنى؟ فلم توجد فيه علة الكلب وعلى الغسل فلا يطلب فيه السَّبْعُ بل هو كغيره مما عادته استعمال النجاسات وفيه التفصيل المعلوم في الفروع. اهـ منه. وحكي عن بعض العلماء أن الحكمة في نجاسة الخنزير أن إبليس حين أهبط من الجنة أهبط على صورته كما أن الحكمة في نجاسة الكلب أن في أصل خلقته بزاق إبليس كما مر، والأولى أن يقال إن الحكمة في نجاستهما من بين سائر الحيوانات تعبدي، والله سبحانه وتعالى أعلم.
[فصل]
قال النواوي: أما أحكام أحاديث الباب ففيها دلالة ظاهرة لمذهب الشافعي وغيره ممن يقول بنجاسة الكلب لأن الطهارة تكون عن حدث أو نجس وليس هنا حدث فتعين النجس فإن قيل المراد الطهارة اللغوية؛ فالجواب: أن حمل اللفظ على حقيقته الشرعية مقدم على اللغوية، وفيها أيضًا نجاسة ما ولغ فيه وأنه إن كان طعامًا مائعًا حرم أكله لأن إراقته إضاعة له فلو كان طاهرًا لم يأمرنا بإراقته بل قد نُهِينا عن إضاعة المال وهذا مذهبنا ومذهب الجماهير أنه ينجس ما ولغ فيه ولا فرق بين الكلب المأذون في اقتنائه وغيره؛ ولا بين كلب البدوي والحضري لعموم اللفظ.
وفي مذهب مالك أربعة أقوال: طهارته، ونجاسته، وطهارة سؤر المأذون في اتخاذه دون غيره وهذه الثلاثة عن مالك، والرابع عن عبد الملك بن الماجشون المالكي أنه يُفْرَق بين البدوي والحضري، وفيها الأمر بإراقته وهذا متفق عليه عندنا ولكن هل الإراقة واجبة لعينها أم لا تجب إلا إذا أراد استعمال الإناء أراقه؟ فيه خلاف ذكر أكثر أصحابنا أن الإراقة لا تجب لعينها بل هي مستحبة فإن أراد استعمال الإناء أراقه، وذهب بعض أصحابنا إلى أنها واجبة على الفور ولو لم يُرِد استعماله حكاه الماوردي من أصحابنا في كتابه الحاوي؛ ويحتج له بمطلق الأمر وهو يقتضي الوجوب على المختار
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهو قول أكثر الفقهاء، ويحتج للأول بالقياس على باقي المياه النجسة فإنه لا تجب إراقتها بلا خلاف، ويمكن أن يجاب عنها: بأن المراد في مسألة الولوغ الزجر والتغليظ والمبالغة في التنفير عن الكلاب، والله أعلم.
وفيها وجوب غسل نجاسة ولوغ الكلاب سبع مرات وهذا مذهبنا ومذهب مالك وأحمد والجماهير، وقال أبو حنيفة: يكفي غسلها ثلاث مرات، والله أعلم. وأما الجمع بين الروايات فقد جاء في رواية سبع مرات أولاهن بالتراب، وفي رواية أخراهن أو أولاهن، وفي رواية سبع مرات السابعة بالتراب، وفي رواية سبع مرات وعفروه الثامنة بالتراب، وقد روى البيهقي وغيره هذه الروايات كلها، وفيها دليل على أن التقييد بالأولى وبغيرها ليس على الاشتراط بل المراد إحداهن، وأما رواية وعفروه الثامنة بالتراب فمذهبنا ومذهب الجماهير أن المراد اغسلوه واحدة منهن بالتراب مع الماء فكأن التراب قائم مقام غسلة فسميت ثامنة لهذا، والله أعلم.
واعلم أنه لا فرق عندنا بين ولوغ الكلب وغيره من أجزائه فإذا أصاب بوله أو روثه أو دمه أو عرقه أو شعره أو لعابه أو عضو من أعضائه شيئًا طاهرًا في حال رطوبة أحدهما وجب غسله سبع مرات إحداهن بالتراب ولو ولغ كلبان أو كلب واحد مرات في إناء ففيه ثلاثة أوجه لأصحابنا: الصحيح أنه يكفيه للجميع سبع مرات، والثاني يجب لكل ولغة سبع، والثالث يكفي لِوَلَغَات الكلب الواحد سبع ويجب لكل كلب سبع ولو وقعت نجاسة أخرى في الإناء الذي ولغ فيه الكلب كفى عن الجميع سبع ولا تقوم الغسلة الثامنة بالماء وحده ولا غمس الإناء في ماء كثير ومكثه فيه قدر سبع غسلات مقام التراب على الأصح وقيل يقوم، ولا يقوم الصابون والأُشْنان وما أشبههما مقام التراب على الأصح، ولا فرق بين وجود التراب وعدمه على الأصح، ولا يحصل الغسل بالتراب النجس على الأصح، ولو كانت نجاسة الكلب دمه أو روثه فلم يزل عينه إلا بست غسلات مثلًا فهل يحسب ذلك ست غسلات أم غسلة واحدة أم لا يحسب من السبع أصلًا؟ فيه ثلاثة أوجه: أصحها واحدة.
وأما الخنزير فحكمه حكم الكلب في هذا كله لأنه أسوأ حالًا منه، هذا مذهبنا، وذهب أكثر العلماء إلى أن الخنزير لا يفتقر إلى غسله سبعًا، وهو قول الشافعي وهو قوي في الدليل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال أصحابنا: ومعنى الغسل بالتراب أن يَخْلِط التراب في الماء حتى يتكَدَّر ولا فرق بين أن يصب الماء على التراب أو التراب على الماء أو يأخذ الماء الكَدِر من موضعه فيغسل به فأما مسح موضع النجاسة بالتراب فلا يجزيء ولا يجب إدخال اليد في الإناء بل يكفي أن يلقيه في الإناء ويحركه، ويستحب أن يكون التراب في غير الغسلة الأخيرة ليأتي عليه ما يُنَظِّفُه، والأفضل أن يكون في الأولى.
ولو ولغ الكلب في ماء كثير بحيث لم ينقص ولوغه عن قلتين لم ينجسه ولو ولغ في ماء قليل أو طعام فأصاب ذلك الماء أو الطعام ثوبًا أو بدنًا أو إناءً آخر وجب غسله سبعًا إحداهن بالتراب، ولو ولغ في إناء فيه طعام جامد أُلْقِي ما أصابه وما حوله وانتُفِع بالباقي على طهارته السابقة كما في الفأرة تموت في السمن الجامد والله سبحانه وتعالى أعلم.
وأما قوله أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب، ثم قال ما بالهم وبال الكلاب، ثم رخص في كلب الصيد وكلب الغنم وفي الرواية الأخرى وكلب الزرع فهذا نهي عن اقتنائها، وقد اتفق أصحابنا وغيرهم على أنه يحرم اقتناء الكلب لغير حاجة مثل أن يقتني كلبًا إعجابًا بصورته أو للمفاخرة به أو للعداوة على الجيران فهذا حرام بلا خلاف، وأما الحاجة التي يجوز الاقتناء لها فقد ورد هذا الحديث بالترخيص لأحد ثلاثة أشياء: وهي الزرع، والماشية، والصيد، وهذا جائز بلا خلاف، واختلف أصحابنا في اقتنائه لحراسة الدور والدروب، وفي اقتناء الجرو ليُعَلَّم فمنهم من حرمه لأن الرخصة إنما وردت في الثلاثة المتقدمة، ومنهم من أباحه وهو الأصح لأنه في معناها، واختلفوا أيضًا في من اقتنى كلب صيد وهو رجل لا يصيد، والله أعلم.
وأما الأمر بقتل الكلاب فقال أصحابنا: إن كان الكلب عقورًا قُتِل، وإن لم يكن عقورًا لم يجز قتله سواء كان فيه منفعة من المنافع المذكورة أو لم يكن، قال أبو المعالي إمام الحرمين: والأمر بقتل الكلاب منسوخ، قال: وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب مرةً، ثم صح أنه نهى عن قتلها، قال: واستقر الشرع عليه على التفصيل الذي ذكرناه، قال: وأمر بقتل الأسود البهيم وكان هذا في الابتداء وهو الآن منسوخ هذا كلام إمام الحرمين، ولا مزيد على تحقيقه، والله سبحانه وتعالى أعلم.