الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
148 - (53)(35) باب صب الماء على البول وغيره من النجاسات إذا حصلت في المسجد وأن الأرض المتنجسة بذلك تطهر بصب الماء عليها من غير حاجة إلى حفرها وتقويرها والأمر بالرفق على الجاهل إذا فعل منكرًا وأن المساجد إنما بنيت للصلاة ولذكر الله تعالى فيها
554 -
(258)(94)(58) وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، وَهُوَ ابْنُ زَيدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَال فِي الْمَسْجِدِ،
ــ
148 -
(53)(35) باب صب الماء على البول وغيره من النجاسات إذا حصلت في المسجد وأن الأرض المتنجسة بذلك تطهر بصب الماء عليها من غير حاجة إلى حفرها وتقويرها والأمر بالرفق على الجاهل إذا فعل منكرًا وأن المساجد إنما بنيت للصلاة ولذكر الله تعالى فيها
أي هذا باب معقود في بيان كيفية تطهير الأرض المتنجسة بالبول وغيره من المائعات النجسة سواء كانت مسجدًا أو غيره، وأن ذلك يحصل بصب الماء الذي يغلبها عليها من غير حاجة إلى حفر وتقوير المحل المتنجس منها، ورميه وأن المساجد إنما بنيت للصلاة فيها وذكر الله تعالى وتلاوة القرآن لا للبول فيها ورمي القاذورات فيها.
554 -
(258)(94)(58)(وحدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي أبو رجاء البغلاني ثقة من (10) مات سنة (240) قال (حدثنا حماد) بن زيد بن درهم الأزدي أبو إسماعيل الأزرق البصري ثقة ثبت فقيه من (8) مات سنة (179) وأتى بقوله (وهو ابن زيد) إشعارًا بأن هذه النسبة من زيادته (عن ثابت) بن أسلم البناني مولاهم أبي محمد البصري ثقة عابد من (4) مات سنة (123)(عن أنس) بن مالك بن النضر الأنصاري الخزرجي النجاري أبي حمزة البصري مات سنة (93) وقد جاوز (100) وهذا السند من رباعياته رجاله كلهم بصريون إلا قتيبة فإنه بغلاني (أن أعرابيًّا) أي أن رجلًا من سكان البادية، قال النواوي: والأعرابي هو الذي يسكن البادية، اهـ. والبادية ضد الحاضرة، والأعرابي ضد الحضري، والعربي ضد العجمي، والأعرابي منسوب إلى الأعراب وهم ساكنوا البادية لأن الأعراب جمعٌ جرى مجرى القبيلة كأنمار اسم قبيلة وقيل إنما نسب إليه لأنه لو نسب إلى عربي المفرد لم يُفِد كونه بدويًا لأن العربي ضد العجمي سكن البادية أم لا (بال) أي أخرج حدث البول (في المسجد) النبوي، قال الأبي: يحتمل أنه
فَقَامَ إِلَيهِ بَعْضُ الْقَوْمِ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "دَعُوهُ وَلا تُزْرِمُوهُ" قَال: فَلَما فَرَغَ دَعَا بِدَلْوٍ مِنْ مَاءِ، فَصَبَّهُ عَلَيهِ.
555 -
(00)(00)(00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى،
ــ
بال فيه لقرب عهده بما كانت عليه العرب من الجفاء والبعد عن أدب الشرع (فقام إليه) أي إلى ذلك الأعرابي (بعض القوم) الجالسين مع الرسول صلى الله عليه وسلم لمنعه من البول، وفي الرواية الآتية (فصاح به الناس) قال الأبي: بدارهم بالإنكار يدل على أن تغيير المنكر على الفور وأنه لا يفتقر إلى إذن الإمام (فإن قلت) لو كان البول في المسجد منكرًا لم ينههم النبي صلى الله عليه وسلم عن تغييره بقوله دعوه (قلت) أجاب المازري بأن ذلك لخشية أن يقوم على تلك الحال فينجس محلًا آخر أو لأنه إذا قام انقطع بوله فيتأذى بالحقنة، قال القاضي عياض: أو لأنهم أغلظوا في التغيير وحقهم الرفق لا سيما التغيير على الجاهل، ويدل على هذا الوجه أنه زاد في البخاري في آخر الحديث إنما بعثتم ميسِّرين ولم تبعثوا معسرين (فقال) لهم (رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوه) أي دعوا الأعرابي البائل على بوله واتركوه حتى يقضي بوله (ولا تُزْرِمُوه) بضم التاء وإسكان الزاي وبعدها راء من الإزرام بمعنى القطع، وفي بعض النسخ (دعوه لا تزرموه) بلا واو وهو يرجح كون النهي خوف أن يتضرر بالحقنة، أي اتركوه ولا تقطعوا عليه بوله لأنه لو قطع عليه بوله لتضرر، ولأن التنجس قد كان حاصلًا في جزء من المسجد فلو أقاموه في أثناء بوله لتنجست ثيابه ومواضع كثيرة من المسجد، وفي الحديث استحباب الرفق بالجاهل وتعليمه من غير تعنيف عليه. اهـ من المبارق (قال) أنس (فلما فرغ) الأعرابي من بوله (دعا) أي طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم (بدلو) أي بإحضار دلو مملوءة (من ماء) طهور (فصبه) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي أمر بصب ذلك الماء (عليه) أي على مصاب بوله من المسجد وهذا محل الترجمة من الحديث، قال النواوي: وأما الدلو ففيه لغتان التذكير والتأنيث، اهـ. قال المازري: فيه أن النجاسة المائعة غير اللزجة يكفي في تطهيرها صب الماء وإتباعه دون دَلْكٍ بخلاف ما كان منها يابسًا أو لزجًا، اهـ.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال:
555 -
(00)(00)(00)(حدثنا محمد بن المثنى) بن عبيد العنزي أبو موسى
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، عَنْ يَحْيى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. جَمِيعًا عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ. قَال يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَدَنِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَذْكُرُ؛ أَنَّ أَعْرَابيًّا قَامَ إِلَى نَاحِيَةٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَبَال فِيهَا، فَصَاحَ بِهِ النَّاسُ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"دَعُوهُ" فَلَمَّا فَرَغَ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِذَنُوبِ فَصُبَّ
ــ
البصري ثقة من (10) قال (حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ (القطان) التميمي أبو سعيد البصري ثقة من (9)(عن يحيى بن سعيد) بن قيس (الأنصاري) النَّجَّاري أبي سعيد المدني ثقة من (5) مات سنة (144) روى عنه في (16) بابا (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي مولاهم أبو زكرياء النيسابوري ثقة من (10) مات سنة (226)(وقتيبة بن سعيد) وأتى بالتحويل لبيان اختلاف مشايخه ومشايخهم وإن كان شيخ الكل واحدًا حالة كونهم (جميعًا) أي مجتمعين في الرواية (عن) عبد العزيز بن محمد بن عبيد (الدراوردي) أبي محمد الجهني مولاهم المدني صدوق من (8) مات سنة (189) وأتى بقوله (قال يحيى بن يحيى أخبرنا عبد العزيز بن محمد المدني) تورعًا من الكذب عليه بالعنعنة (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري المدني (أنه) أي أن الأنصاري (سمع أنس بن مالك يذكر) ويحدث. وهذان السندان من رباعياته أيضًا الأول منهما رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان بصريان والثاني منهما رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد منهم إما بغلاني وإما نيسابوري، وغرضه بسوقهما بيان متابعة يحيى بن سعيد الأنصاري لثابت البناني في رواية هذا الحديث عن أنس بن مالك، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة في بعض الكلمات؛ أي أن الأنصاري سمع أنس بن مالك حالة كونه يذكر ويحدِّثُ (أن أعرابيًّا) وبدويًا (قام إلى ناحية) وجانب (في المسجد) أي من المسجد النبوي (فبال) الأعرابي (فيها) أي في تلك الناحية (فصاح به الناس) الجالسون مع الرسول صلى الله عليه وسلم أي زجروه بصوت رفيع مزعج (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للقوم الذين أزعجوه بصوت رفيع (دعوه) أي اتركوا هذا الأعرابي على حاله حتى يفرغ من بوله لئلا يُنَجِّسَ نفسه وموضعًا آخر من المسجد (فلما فرغ) الأعرابي من بوله (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مَن عنده (بـ) إحضار (ذَنُوب) أي دلو مملوءة من ماء (فصُبَّ) بالبناء
عَلَى بَوْلِهِ.
556 -
(00)(00)(00) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْب. حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْحَنَفِيُّ. حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ. حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبَي طَلْحَةَ. حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، (وَهُوَ عَمُّ إِسْحَاقَ)،
ــ
للمجهول أي أريق ذلك الذَّنوب (على) مصاب (بوله) من المسجد بلا دلك له، والذنوب بفتح الذال وضم النون الدلو العظيم المملوءة ماء، وفي المصباح ولا يسمى ذنوبًا حتى يكون مملوءًا بماء، وفي مفردات الراغب الذنوب في الأصل الفرس الطويل الذنب والدلو الذي ليس له ذنب طويل فاستعير للنصيب.
ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال:
556 -
(00)(00)(00)(حدثنا زهير بن حرب) بن شداد الحرشي أبو خيثمة النسائي ثقة من (10) قال (حدثنا عمر بن يونس) بن القاسم (الحنفي) الجُرَشي بضم الجيم وبالشين المعجمة أبو حفص اليمامي ثقة من (9) مات سنة (206) روى عنه في (9) أبواب، قال (حدثنا عكرمة بن عمار) العجلي الحنفي أبو عمار اليمامي صدوق من (5) مات سنة (159) روى عنه في (9) أبواب، قال (حدثنا إسحاق) بن عبد الله (بن أبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري الخزرجي النجاري أبو يحيى المدني نسب إلى جده، وأبوه عبد الله أخو أنس لأمه وهو ابن أم سليم بنت ملحان تزوجها أبو طلحة بعد موت والد أنس رضي الله عنهم كان يسكن دار جده أبي طلحة بالمدينة فنسب إليه، روى عن أنس بن مالك في الوضوء والصلاة والزكاة والحج وغيرها، وأبيه عبد الله في الأدب، وأبي مرة مولى عقيل في الأدب، وعبد الرحمن بن أبي عمرة في الرحمة، ويروي عنه (ع) وعكرمة بن عمار والأوزاعي ومالك بن أنس وهمام وحماد بن سلمة وعثمان بن حكيم ويحيى بن أبي كثير وعبد العزيز بن أبي سلمة وغيرهم، وقال في التقريب: ثقة حجة من الرابعة مات سنة (132) اثنتين وثلاثين ومائة، روى عنه في (6) أبواب تقريبًا، قال (حدثني أنس بن مالك) بن النضر الأنصاري أبو حمزة البصري، وقوله (وهو) أي أنس بن مالك (عم إسحاق) بن عبد الله بن أبي طلحة لأمه كلام مدرج من بعض الرواة أدرجه لإيضاح ما بين إسحاق وأنس من القرابة، وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم يماميان وواحد بصري وواحد مدني وواحد نسائي، وغرضه بسوقه بيان متابعة
قَال: بَينَمَا نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَامَ يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ. فَقَال أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَهْ مَهْ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا تُزْرِمُوهُ. دَعُوهُ" فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَال. ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم دَعَاهُ فَقَال لَهُ: "إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لا تَصْلُحُ لِشَيءٍ
ــ
إسحاق بن أبي طلحة لثابت بن أسلم ويحيى الأنصاري في رواية هذا الحديث عن أنس، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من الزيادة الكثيرة التي لا تقبل الفصل (قال) أنس بن مالك (بينما نحن في المسجد) النبوي جالسون (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي) أي رجل من سكان البادية، و"بينما" ظرف زمان كبين زيدت عليها ما فأفادتها الإضافة إلى جملة الشرط وربط جوابها بإذا الفجائية وهي متعلقة بجوابها كما مر بسط الكلام فيها في أول كتاب الإيمان في حديث عمر رضي الله عنه والمعنى هنا بين أوقات جلوسنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فاجأنا مجيء أعرابي (فقام) الأعرابي حالة كونه (يبول في المسجد فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم له (منه منه) أي اكْفُفْ اكفف عن البول في المسجد، قال في تلخيص النهاية: ومه اسم فعل أمر بمعنى اكفف وأصله ماذا بمعنى الاستفهام الإنكاري فأبدلوا ألفها هاء وحذفوا ذا للتخفيف فقالوا منه وكرروها للتأكيد، وفي القرطبي: هي اسم فعل أمر بمعنى كُفَّ مبني على السكون، قال النواوي: هي كلمة زجر تستعمل مكررة وقد تُفْرَدُ وقد تكسران وقد تُنَوَّن الأولى وتكسر الثانية، ويقال فيه بَهِ بَهِ بدل الميم، ويقال مهمهت به أي زجرته (قال) أنس (قال) لهم (رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تُزْرِمُوهُ) بتقديم الزاي أي لا تقطعوا عليه بوله يقال زَرِمَ بوله بكسر الراء من باب فرح أي انقطع وأَزْرَمَهُ غيره إزرامًا ويحتمل أمره بتركه لئلا تنتشر النجاسة وتكثر ولئلا يضره قطعه وليرفق به (دعوه) أي اتركوه حتى يفرغ من بوله (فتركوه حتى بال) أي حتى فرغ من بوله (ثم) بعد ما فرغ من بوله (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه) أي دعا الأعرابي تعليمًا له بحرمة المسجد (فقال له) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن هذه المساجد) أي أن مساجدنا هذه أيها المسلمون، قال الأبي: الإشارة إليها مع حضورها يُشْعِر بتعظيمها المناسب لتنزيهها عما ذكر من القاذورات (لا تصلح لشيء) أي لا تليق بشيء (من هذا
مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلا الْقَذَرِ. إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللهِ عز وجل، وَالصَّلاةِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ"، أَوْ كَمَا قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قَال: فَأَمَرَ رَجُلًا مِنَ الْقَوْمِ، فَجَاءَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ، فَشَنَّهُ عَلَيهِ
ــ
البول) الذي أنت بلت فيه (ولا) لشيء من (القذر) قال الفيومي: القذر بفتحتين وبفتح وكسر الوسخ؛ وقد يطلق على النجس، اهـ. والمراد هنا المعنى الأعم كالبصاق والمخاط والنخاعة، قال القاضي: فيه الرفق بالتغيير على الجاهل، وتعليمه ما جهل، وتنزيه المساجد عن الأقذار (إنما هي) أي ما هذه المساجد إلا مبنية (لذكر الله عز وجل وثنائه، والذكر كل ما سيق لثناء أو دعاء كالتهليل، والتسبيح، والاستغفار، قال الأبي: وفي معنى الذكر قراءة العلم، قال مطرف: لا أعلم مجالس الذكر إلا مجالس الحلال والحرام، كيف تبيع! كيف تشتري! كيف تنكح! لكن كره في العُتْبِيَّة رفع الصوت بذلك فيه، وأجازه ابن مسلمة (والصلاة) فيها (وقراءة القرآن) قال القاضي: وكلمة إنما للحصر فلا يعمل فيها شيء من مكاسب الدنيا، قال الأبي: فلا يُنْسَج فيه، قال مالك: ولا أحب لذي منزل أن يبيت فيه، وخففه للضيف ومن لا منزل له، وفي النوادر قال مالك: ولا أحب أن يوضع فيه فراش ولا وساد للجلوس عليه، قال: ولا بأس أن يضطجع فيه للنوم، قال: وينهى عن السؤال فيه، قال ابن عبد الحكم: ولا يعطي فيه للسائل ولا ينشد فيه ضالة، وأو في قوله (أو) الحديث (كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من الألفاظ التي تشبه اللفظ المذكور هنا، شك من الراوي فيما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم من الألفاظ التي تفيد معنى ما ذكر، كقوله لا يحل فيها شيء من هذا البول ولا الوسخ (قال) أنس (فأمر) رسول الله صلى الله عليه وسلم (رجلًا من القوم) الجالسين معه أن يأتي بدلو من ماء (فجاء) الرجل (بدلو) عظيمة مملوءة (من ماء فَشَنَّه) أي شن ذلك الرجل الماء الذي في الدلو أي صبه بشدة وكثرة (عليه) أي على المحل المصاب بالبول.
ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب إلا حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وذكر فيه متابعتين، قال النواوي: شَنَّه بالشين المعجمة وسَنَّه بالسين المهملة والمعنى واحد أي صبه عليه صبًا يغلبه، وفرَّق بعضهم بينهما فقال: هو بالمهملة الصب في سهولة، وبالمعجمة الصب بكثرة وقال ابن الأثير: الشن بالمعجمة الصب المتقَطِّع وبالمهملة الصب المتصل، اهـ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وفي هذا حجة للجمهور على أن الأرض النجسة لا يطهرها الجفوف بالشمس ونحوها بل الماء، وقال أبو حنيفة: إنما تطهر بالحفر ورمي المصاب بالنجس.
قال النواوي: أما الأحكام المستنبطة من هذا الحديث فكثيرة منها إثبات نجاسة بول الآدمي وهو مجمع عليه ولا فرق بين الكبير والصغير بإجماع من يُعتد به لكن بول الصغير يكفي فيه النضح، كما سيأتي في الحديث الآتي إن شاء الله تعالى، ومنها احترام المسجد وتنزيهه عن الأقذار، ومنها الأرض النجسة تطهر بصب الماء عليها ولا يشترط حفرها خلافًا لأبي حنيفة فإنه قال: لا تطهر إلا بحفرها كما مر آنفًا، ومنها أن غُسَالة النجاسة طاهرة وهذه المسئلة فيها خلاف بين العلماء ولأصحابنا فيها ثلاثة أوجه؛ أحدهما أنها طاهرة مطلقًا، والثاني أنها نجسة مطلقًا، والثالث إن انفصلت وقد طهر المحل فهي طاهرة، وإن انفصلت ولم يطهر المحل فهي نجسة؛ وهذا الثالث هو الصحيح، وهذا الخلاف إذا انفصلت غير متغيرة، أما إذا انفصلت متغيرة فهي نجسة بإجماع المسلمين سواء تغير طعمها أو لونها أو ريحها، وسواء كان التغير قليلًا أو كثيرًا، ومنها الرفق بالجاهل وتعليمه ما يلزمه من غير تعنيف ولا إيذاء إذا لم يأت بالمخالفة عنادًا أو استخفافًا، ومنها دفع أعظم الضررين باحتمال أخفهما لقوله صلى الله عليه وسلم (دعوه) قال العلماء كان في قوله صلى الله عليه وسلم (دعوه) مصلحتان أحدهما أنه لو قُطِعَ عليه بوله تضرر، وأصل التنجيس قد حصل فكان احتمال زيادته أولى من إيقاع الضرر به، والثانية أن التنجيس قد حصل في جزء يسير من المسجد فلو أقاموه في أثناء بوله تنجست ثيابه وبدنه ومواضع كثيرة من المسجد، ومنها أن في قوله صلى الله عليه وسلم (إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول
…
) إلخ صيانة المساجد وتنزيهها عن الأقذار والأوساخ ورفع الأصوات والخصومات والبيع والشراء وسائر العقود، وما في معنى ذلك كالنكاح والطلاق والاقتصاص، قال القرطبي: وفي هذا حجة لمالك في منع إدخال الميت المسجد وتنزيهها عن الأقذار جملة؛ فلا يقص فيها شعر ولا ظفر، ولا يُتَسَوَّك فيها لأنه من باب إزالة القذر، ولا يُتَوضأ فيها، ولا يؤكل فيها طعام منتن الرائحة إلى غير ذلك مما في هذا المعنى، اهـ.
قال الأبي: ومنع في المدونة أن يبصق على حصيره ويدلكه أو فيه وهو غير محصب، قال: ويبصق في المحصب تحت قدمه أو أمامه أو عن يمينه أو عن شماله،