الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع: التطور التاريخي للنقود
لم يعرف البشر النقود المعدنية، أو الورقية إلا بعد أن مروا بمراحل وأطوار جعلتهم يتوصلون إلى ذلك، نستطيع إيجازها بما يلي:
أولاً: النقود السلعية
وهي المقايضات التي تكلمنا عنها سابقاً، فهي أول ما عرف البشر، بحسب ما يمكن أن يهتدي له العقل البشري. فقد كانت المجتمعات البدائية تختار سلعة من السلع المتوفرة للقيام بدور الوسيط في التبادل، وكان اختيارها يختلف من بيئة لآخرى تبعاً لاختلاف النواحي الاقتصادية والاجتماعية، وعلى وفق عادات وأذواق المجتمع، فكانت الماشية تتخذ نقوداً في مجتمعات الرعي، والمحاصيل الزراعية في المجتمعات الزراعية، وأدوات الزينة في مجتمعات الصيد (1).
ثانياً: النقود المعدنية
ولقد تم استخدام البرونز أولاً ومن ثم الحديد ثم النحاس، وأخير المعدنين النفيسين الثمينين الذهب والفضة (2)، في فترات قديمة من التاريخ من قبل الأفراد ودون تدخل الحكام ، فكان الأفراد يحملون المعادن النفيسة بالكميات
(1) أنظر الأوراق النقدية (ص: 101) وما بعدها. وللاستزادة راجع مقدمة في النقود والبنوك (ص: 78) وما بعدها.
(2)
انظر المصدر السابق بتصرف يسير (ص: 107).
التي تلزم لمبادلاتهم فإذا تمت الصفقات فيما بينهم قاموا بوزن الكميات الضرورية من هذه المعادن لتسوية هذه الصفقات وذلك باستخدام موازين حساسة كانوا يحملونها معهم، وبالرغم من أن هذه الطريقة في تسوية المبادلات قد أنقذت أطراف التبادل التجاري من أعباء المقايضة إلا أنها لم تكن مريحة في حد ذاتها بسبب الحاجة إلى وزن المعدن النفيس في كل صفقة بعد التأكد من نوعيته ولذلك كان اختراع سك النقود من أهم التطورات التالية ، فلقد قام الحاكم بوزن معدن النفيس بدقة في قطع ذات أوزان مختلفة مميزة ونقشها بعبارات مختصرة تدل على قيمتها أو زنتها.
ولقد بين ابن خلدون أهمية سك النقود وأنها من وظيفة الحاكم فقال: وهي وظيفة ضرورية للملك، إذ بها يتميز الخالص من المغشوش بين الناس في النقود عند المعاملات، ويتقون في سلامتها الغش بختم السلطان عليها بتلك النقوش المعروفة (1).
وبعض الملوك يضعون عليها، اسم الحاكم المصدر لها وربما صورت عليها صورة هذا الحاكم، وهذه القطع النقدية المحددة الوزن والشكل الذي قام الحاكم بسكها وإصدارها لتَّسهيل بين الناس هي ما عُرف منذ القدم باسم العملات النقدية ولقد سهَّل اختراع سك النقود عمليات التبادل التجاري كثيراً حيث أصبح على البائعين والمشترين أن يحددوا قيمة صفقاتهم بكمية من
(1) مقدمة ابن خلدون (1/ 261)، عبدالرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي، ط، دار القلم، بيروت الطبعة الخامسة، (1984 م).
المعادن النفيسة ثم يقوموا بتسوية هذه القيمة باستخدام ما يلزم من العملات النقدية دون الحاجة إلى الميزان الحساس وقطع المعدن بالمقادير اللازمة كما كانوا يفعلون من قبل.
وبمرور الزمن ارتقى فن سك العملات المعدنية كثيراً وأمكن إصدارها في أشكال أكثر دقة حتى تسلم من عمليات الغش والتزوير التي تعرضت لها وبذلك يطمئن الأفراد لها وللتعامل بواسطتها (1).
ثالثاً: النقود الورقية
عندما اتسع نطاق التجارة وزاد حجم المعاملات وحصل التجار على أرباح طائلة لجأ الناس إلى إيداع أموالهم في خزائن لدى الصاغة خوفا من السرقة وكان المودعون يحصلون على صكوك بقيمة ودائعهم وكان الفرد كلما أراد القيام بعملية تجارية يذهب إلى الصائغ ويصرف منه قيمة الصك ليدفع ثمن المشتريات ومع مرور الزمن استطاع التاجر أن يقوم بتظهير الصك للتجار الآخرين ومع قبول الأفراد لفكرة تظهير الصكوك لاختلاف قيم المعاملات أخذ الصياغ في إصدار صكوك بفئات صغيرة مثل العشرة جنيهات والخمسة ومنذ ذلك التاريخ ظهر استعمال النقود الورقية وأطلق عليها البنكنوت عندما تولت البنوك إصدار هذه الأوراق وهي تمثل دين على البنك يدفع عند كل
(1) اقتصاديات النقود والبنوك، (ص: 11) وما بعدها. د. عبد الرحمان يسري أحمد، ط، الدار الجامعية، مصر (2003 م).
طلب ومع اتساع نطاق العمليات تولت الدولة الإشراف على إصدار هذه الأوراق عن طريق البنوك المركزية (1).
وقد كانت هذه الأوراق قابلة للتحويل حيث كان يمثلها غطاء كامل بمقدار قيمتها من الذهب إلى أن أصبحت أوراق إلزامية لها غطاء ذهبي بالكامل وعلى هذا الأساس تنقسم النقود الورقية إلى ثلاثة أنواع:
نقود ورقية نائبة:
وهي عبارة عن شهادات أو صكوك ورقية تمثل كمية من الذهب أو الفضة مودعة في المصرف على شكل نقود أو سبائك لتعادل قيمتها المعدنية قيمة هذه الصكوك مائة بالمائة، وفي هذه الحالة يحصل تداول الذهب أو الفضة دون أن ينتقل من الخزانة والسبب في الالتجاء إلى هذه الأوراق هو سهولة حملها وعدم تعرضها للتآكل أو السرقة (2).
نقود ائتمانية:
بعد أن نجحت المصارف في نشر تداول النقود الورقية الوثيقة اكتسبت ثقة كبيرة وبالتالي زاد إقبال تعامل الأفراد معها، الأمر الذي شجع المصارف على إصدار كمية من النقود الورقية تزيد عن حجم الودائع لديها وهذا يعني أن الأفراد قد يمتلكون أوراقا نقدية لا يقابلها رصيد من الذهب، وهنا بدأت
(1) انظر الأوراق النقدية في الاقتصاد الإسلامي (ص: 117)، ومابعدها.
(2)
انظر المصدر السابق بتصرف (ص: 120).
الدولة بالتدخل في تنظيم هذه النوع من النقود فأنشأت المصارف المركزية المعروفة اليوم.
نقود ورقية إلزامية:
وهي التي تصدرها الحكومة في أوقات غير عادية كفترة الحروب مثلا. ولا يقابل هذه الأوراق رصيد معدني، كالأوراق من فئة الخمسة والعشرة قروش التي صدرت في مصر في خلال الحرب العالمية الثانية (1).
رابعاً: نقود الودائع
تتكون نقود الودائع من أرصدة حسابات الأفراد لدى البنوك التجارية عن طريق فتح حسابات جارية، والتي تنتقل ملكيتها من فرد لآخر عن طريق السحب عليها باستعمال الشيكات. وقد ازداد الاعتماد على نقود الودائع تحت ضغط تزايد المعاملات التجارية. وقد أدى انتشار استعمال نقود الودائع إلى توفير وسائل مبادلات تجارية.
ففي الوقت الحاضر يعتبر الشيك وسيلة دفع مهمة، إذ أصبحت الشيكات تستعمل على نطاق واسع حتى في سداد أثمان المشتريات في المجال
التجاري. والشيك لا يعتبر نقدا في حد ذاته، وإنما هو وسيلة لتحويل المبلغ من ودائع العملاء لدى البنوك. فالودائع هي النقود وليس الشيك كذلك طالما يحق لأي فرد أن يمتنع عن قبول الشيكات. ونظرا للاستعمال الكبير لتداول
(1) انظر النقود والبنوك، (ص: 17).
الشيكات أصبحت نقود الودائع أهم أنواع النقود وقد أخذت الحكومات تصدر التشريعات اللازمة التي تكفل الثقة للتعامل بالشيك ومن أمثلة ذلك يعتبر إعطاء شيك بدون رصيد بمثابة جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات
بالحبس.
وإضافة إلى الودائع التجارية توجد أنواع أخرى من الودائع المصرفية مثل الودائع بأجل أو بأخطار، وودائع التوفير، إلا أن هذه الأنواع الأخرى من الودائع لا يمكن السحب عليها بالشيكات عند الطلب ، بل يستلزم الأمر مرور فترة حتى يمكن تحويلها إلى سيولة جاهزة ، وعلى ذلك يطلق مشبه
النقود (1).
خامساً: النقود الإلكترونية
ظهر هذا النوع من النقود بفضل التطور التكنولوجي في الوقت الراهن، وتستعمل هذه الطريقة الجديدة للدفع، تقنيات حديثة لتداول النقود الكتابية "بطاقة الدفع وبطاقة القرض"، وذلك بسحب محدود في الموزعات الأوتوماتكية للأوراق النقدية، وتسجل العمليات الدائنة والمدينة في ظل هذه الطريقة بواسطة التحويلات الأوتوماتيكية. كما تعد هذه الطريقة خلاصة ما توصل إليه التطور الكبير الذي عرفته النقود الكتابية في الوقت الحاضر
(1) اقتصاديات النقود والبنوك، (ص: 29) وما بعدها.