الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول: حقيقة بطاقة الدفع المسبق وتكييفها
قبل الكلام عن تكييف هذه البطاقة لابد من الوقوف على حقيقة هذا النوع من البطاقات من جهة بيان ماهيتها، فهل تُعدُّ نقود تأخذ أحكامها؟ أم أنها أوراق تقوم بما يقوم به الشيك التقليدي مع تطور في خدماته، وتكون حينئذ بمثابة الإقراض للبنك من العميل (1)؟
وعلى ذلك يمكن أن تُخرَّج المسألة على النحو التالي:
- التخريج الأول: عقد قرض
وقد تكلمنا عن القرض وأحكامه في الفقه الإسلامي فيما سبق بما يغنينا عن تكراره هنا (2). وبقي الكلام حول التكييف والتنزيل الفقهي فنقول:
بيان التكييف
تُعد هذه البطاقة سنداً بدَين، ويتم استيفاء ذلك الدين بما يتناقص من القيمة المخزنة في البطاقة عند استخدامها، وعلى هذا فالعلاقة بين المصدر والمشتري هي علاقة قرض.
ويترتب على هذا التخريج عدم جواز بيعها بأقل من قيمتها المخزنة فيها؛ لأنه قرض جر منفعة للمقرض وهو هنا المشتري، أما لو باعها بثمن أكثر فهو قرض بشرط رد أقل من قيمته، وهو جائز على بعض أقوال أهل العلم (3).
(1) انظر التجارة الإلكترونية وأحكامها الفقهية (428). وانظر فتوى للدكتور الشبيلي على موقعه على شبكة المعلومات العالمية (الانترنت) على هذا الرابط: http://www.shubily.com/index.php? news=49
(2)
انظر (ص: 165) وما بعدها.
(3)
انظر المهذب (1/ 304)، الكافي (2/ 125).
- جهات عقد القرض
المقرِض: العميل صاحب البطاقة
المقترض: المصرف أو البنك أو الجهة المصدرة للبطاقة
القرض: المبلغ المدفوع والتي تحويه البطاقة
ويتضح هذا التنزيل من خلال النقاط التالية:
- التنزيل الفقهي
أولاً: دفع العميل مبلغاً لمصدر البطاقة يعد إقراضاً منه لتلك الجهة المصدرة، ويعد قرضاً حالاً بنص العقد المجرى بينهما.
ثانياً: قبول المصدر للمبلغ من العميل يعد قبولاً للاقتراض بالمبلغ المودع في البطاقة.
ثالثاً: تمثل البطاقة التي تصرف للعميل وثيقة بالمبلغ المقرَض، وله استيفاؤه في أي وقت شاء.
رابعاً: استعمال العميل للبطاقة في نقاط البيع، أو أجهزة الصراف الآلي، يمثل استيفاءً لقرضه بالتدريج سواء عن طريق الإحالة عليه أو الاستيفاء منه مباشرة وبحسب رغبته.
أدلة التكييف الفقهي:
يمكن الاستدلال لهذا التكييف بأثر العقد الناتج عن هذه المسألة، حيث إن العميل يُضمِّن المصدر المبلغ الذي تحتويه البطاقة، وهذا شأن عقد القرض.
كما أن ضياع أو تلف البطاقة لا يعني ضياع أو تلف المبلغ، حيث يبقى في ذمة المصرف ويمكن للعميل استيفاؤه منه، أو الإبلاغ عن ضياع البطاقة
واستبدالها، وهذا يعني أن البطاقة قرض مستقر في ذمة المصدر، والبطاقة تمثل وسيلة استيفاء للقرض لا أكثر.
الحكم الشرعي:
عقد القرض من عقود الإرفاق في الشريعة الإسلامية وهو مشروع بل مندوب له، ولكن يمكن القول إن الإرفاق هنا ليس متحققاً، فليس البنك أو المصرف فقيراً لنقرضه، ولكن يتجه القول أيضاً أن الإرفاق ليس شرطاً لصحة القرض.
وعليه يتعين القول بصحة التعامل بهذه العقود الناشئة عن هذه البطاقات، لاسيما ما تجره من مصالح وتيسير على الناس.
* استشكال ودفعه
يبعد تخريج البطاقة على عقد القرض؛ لأن البطاقة لها قيمة اعتبارية بذاتها، فحاملها قد قبض قيمتها حقيقة، وتشبه هذه البطاقات في نشأتها النقود الورقية في بداية ظهورها عندما كان يدون عليها تعهد من البنك المصدر لحاملها بدفع قيمتها من الذهب عند الطلب، وهو ما حدا ببعض العلماء في أول الأمر إلى أن يجعل لها - أي النقود الورقية -حكم الدين، ثم لم يعد لهذا القول حظ من النظر بعد أن انتشرت الأوراق النقدية، وأصبح لها من النفوذ والقبول والرواج في الأوساط التجاية ما يجعلها تعادل النقدين - الذهب والفضة - أو تتفوق عليهما، وبعد أن أدت تلك النقود دورها بدأ العالم - كما يشير إلى ذلك كثير من الاقتصاديين - يتجه إلى عصر اللانقد، أي العصر الذي تختفي قيه النقود الورقية، ويظهر التعامل بالنقود البلاستيكية من بطاقات ائتمان،
وبطاقات خصم فوري، وبطاقات تخزين وغيرها، والعالم يشهد تطوراً رهيباً في هذه المجالات.
ويمكن الجواب عليه:
إنه لابد من التمييز بين أن البطاقة تمثل نقداً حقيقياً بديلاً عن النقود التقليدية وبين أن تكون وسيلة ونظام دفع، فالبطاقة لا تمثل نقداً بذاتها بدليل أن تلفها لا يُعد تلفاً للنقود التي تحويها، وأيضاً فإن المال المودع فيها يظل في ذمة المصرف ويضمن المصرف تلف المال مما يدل على أن البطاقة لا تعدو وسيلة دفع أو نظام للاستيفاء فحسب.
- التخريج الثاني: عقد صرف
تكلمنا سابقاً عن عقد الصرف في الفقه الإسلامي وبينا كثيراً من أحكامه (1)، وبقي الكلام حول التكييف والتنزيل الفقهي وبيان الحكم الشرعي فنقول:
بيان التكييف
هذه البطاقة لها حكم النقد وعلى هذا فالعقد بين المصدر والمشتري هو عقد صرف، فيجب التقابض عند شراء البطاقة، كما يجب التساوي بين القيمة المخزنة في البطاقة والقيمة التي اشتريت بها إذا كانت القيمتان بعملة واحدة، أما إن اختلفت العملة فلا مانع من اختلاف القيمتين.
- جهات عقد الصرف
طالب الصرف: هو العميل صاحب البطاقة
قابل الطلب: المصرف المصدر للبطاقة
(1) انظر (ص: 208) وما بعدها.
الصرف: تحويل المصرف للنقود الورقية إلى نقود إلكترونية في البطاقة
التنزيل الفقهي:
يمكن توضيح التكييف الفقهي عبر النقاط التالية:
أولاً: ذهاب العميل للمصدر لطلب البطاقة يمثل طلب استبدال للنقود الورقية بالنقود الالكترونية وهذه عملية صرف.
ثانياً: قبول المصدر لطلب العميل وصرفه البطاقة، ودفع المبلغ من جهة العميل وإيداعه في البطاقة كل ذلك يمثل إتمام عملية الصرف.
ثالثاً: تمثل البطاقة نقوداً لها القبول العام، ويحق للعميل استخدامها كالنقود الورقية.
أدلة التكييف:
مما يمكن الاستدلال لهذا التكييف أن هذه البطاقات أصبح لها اليوم من الحماية والقبول والرواج عند الناس مثل ما للنقود الورقية، فقبضها في قوة قبض محتواها من النقود، وقد نص أهل العلم على أن المرجع في تحديد القبض إلى العرف، فحكم هذه البطاقات كحكم الشيك المصرفي المصدق، بل البطاقات أكثر وضوحاً في معنى النقدية من الشيكات لأنها وسيلة للتبادل التجاري بدون قيود بخلاف الشيك فإنه لا يمكن صرفه إلا لمن حُرر لصالحه.
الحكم الشرعي:
عقود الصرف من العقود الجائزة في الشريعة الإسلامية بالشروط المبينة عند الفقهاء (1)، والتي استنبطوها من روح الشرع الحنيف، وعليه فعقود هذه
(1) انظر (ص: 208) وما بعدها.
البطاقات جائزة ما التزمت بالشروط المبينة في الشريعة الإسلامية، كاشتراط التقابض عند اختلاف الجنس، واشتراط التقابض والتماثل عند اتحادهما.
- التخريج الفقهي للخدمات من خلال هذه البطاقات
وعلى كلا القولين يختلف التخريج الفقهي للخدمات التي تقوم بها هذه البطاقة فنقول: تقوم هذه البطاقة بخدمات للعميل أهمها:
- السحب الآلي
فعلى التخريج الأول: السحب بهذه البطاقة لا يختلف تكييفه عن تكييفه في السحب ببطاقة الصراف الآلي، إذ أنهما يشتركان في أن كليهما برصيد مغطى، وقد اختلف العلماء في سحب العميل من رصيده المغطى، وذلك بحسب اختلافهم في تكييف فتح الحساب، أهو قرض للبنك أم وديعة عنده؟
وفي مسألتنا هذه هل إيداع العميل نقوده لدى البنك وحصوله على البطاقة يمثل إقراضاً للبنك، بوثيقة سداد فوري (وهي البطاقة)، كما بينا في التخريج الأول، أم وديعة لدى البنك بوثيقة وفاءٍ فوري (وهي البطاقة)؟
فإن اعتبرنا إيداع العميل نقوده في البنك عقد وديعة فإن السحب من خلال هذه البطاقة هو استيفاء من العميل لوديعته.
وإن اعتبرنا إيداع العميل نقوده لدى البنك إقراضاً للبنك كما في التكييف الأول لهذه البطاقة، فإن السحب من خلالها يعد استيفاءً من المقرض لما أقرضه دون زيادة، وسواء كانت الأولى أو الأخرى فكلا الأمرين جائز شرعاً.
وعلى التخريج الثاني: السحب يمثل خدمة يقوم بها الصراف الآلي يقدمها لصاحب البطاقة، وتتمثل بترجمة الرقم النقدي في البطاقة وإخراجه ورقاً نقدياً لصاحب البطاقة، وهي خدمة تستحق الأجرة عليها، ولا حرج فيها شرعاً، ويمكن القول بأنها تمثل عقد صرف لها أحكامه.
- الشراء من خلالها
أما عملية الشراء من خلال هذه البطاقة فعلى التخريجين السابقين يكون التكييف على النحو التالي:
التخريج الأول: وهو تكييف الشراء بالبطاقة على التخريج القاضي كونها قرضاً
عند شراء العميل والدفع من خلال هذه البطاقة لدى نقاط البيع في المحلات التجارية، أو عبر شبكة المعلومات العالمية (الانترنت)، ينطبق عليه من التكييف ما قلناه في بطاقة الصراف الآلي، سواء كان الشراء من المحلات التجارية التقليدية أو الشركات الافتراضية عبر الشبكة العنكبوتية (الانترنت)، وهذا ما يجعلنا في غنى عن إعادة كل ذلك هنا (1).
التخريج الثاني: وهو تكييف الشراء بالبطاقة على التخريج القائل بأنها صرف
الشراء بهذه البطاقة عند أصحاب هذا التخريج عبارة عن بيع بوفاءٍ حال، بمعنى أن صاحب البطاقة عند شرائه السلعة أو المنفعة يدفع النقد حالاً عن
(1) انظر (ص: 263) وما بعدها.
طريق البطاقة التي تمثل النقد الفعلي، فليس الأمر هنا يختلف عن الدفع بالنقود التقليدية.
الترجيح
والذي ترجح لديَّ أن هذه البطاقات تمثل عقد قرض بين العميل ومصدرها، فالعميل يقرض المصدر وتمثل البطاقة وسيلة استيفاء ونظام دفع يعطيها المصدر (المقترض) للعميل (المقرض) ولا تعد هذه البطاقات نقوداً حقيقية للاعتبارات التالية:
أولاً: لم يدَّع مصدروا هذه البطاقات ولا حتى المنظمات الراعية لها أنها تمثل نقداً بديلاً.
ثانياً: الواقع المصرفي يرد اعتبارها نقوداً فعلية وإلا لما جاز للعميل تضمين المصرف المصدر أمواله حالة تعديه أو تقصيره.
ثالثاً: واقع العمليات المصرفية وآليات الوفاء من خلال هذه البطاقات يدل على أنها وسيلة دفع، ونظام استيفاء فحسب، إذ عند الوفاء من خلالها يتم طلب تفويض الموافقة من المصرف المصدر، ولو كانت نقداً لما كان هناك حاجة للاتصال وطلب الموافقة أصلاً.
رابعاً: عند انتهاء صلاحية البطاقة تمتنع خدمة الدفع من خلال هذه البطاقات، ولكن مع بقاء الأموال المودعة فيها لدى المصرف؛ مما يدل على أنها وسيلة دفع ونظام استيفاء فحسب.
خامساً: يستطيع العميل حامل البطاقة سحب أمواله التي في هذه البطاقات من المصرف مباشرة، دون استخدام هذه البطاقات؛ ما يدل على أنها ليست نقداً بل وسيلة من وسائل الاستيفاء والاقتضاء.
لذلك كله أمكن القول بأن هذه البطاقات تمثل وسيلة استيفاء، ونظام دفع فقط، لا نقداً فعلياً، وعليه يترجح تكييفها بعقد القرض كما في التخريج الأول للمسألة. والله أعلم.