الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع: التكييف الشرعي للسحب بالبطاقة بغير العملة المودعة في حساب العميل
- تصوير المسألة
مصرفان وعميل، المصرف الأول للعميل فيه حساب جارٍ ومنه صدرت بطاقة الصراف الآلي، والمصرف الثاني ليس للعميل فيه حساب، قام العميل باستيفاء قرضه من المصرف الأول بعملة مغايرة للعملة المودعة في حسابه، ولكن باستخدام آلة صراف المصرف الثاني الذي ليس للعميل فيه حساب، بعمولة تؤخذ من العميل لصالح المصرف صاحب الآلة، وللمنظمة الراعية، وللمصرف المصدر.
- التمثيل
قيام عميل له حساب في مصرِف بيت التمويل الكويتي بالدينار الكويتي، بسحب مئة ريال بالعملة السعودية (1) عن طريق السحب الآلي، من حسابه السابق في بيت التمويل الكويتي، ولكن عن طرق آلة صرف تابعة لبنك مصرف الراجحي (2)، فتترتب عليه عمولة للبنك صاحب الآلة ـ مصرف الراجحي ـ وعمولة للمصرف المصدرـ بيت التمويل الكويتي ـ جراء
(1) كأن يكون العميل مسافراً من الكويت إلى السعودية، وأراد السحب من رصيده في مصرف بيت التمويل الكويتي، فاستخدم آلة مصرف الراجحي للسحب، فإن مصرف الراجحي لن يعطيه الدينار الكويتي، بل يعطيه الريال السعودي، أو العكس.
(2)
وهو بنك إسلامي مقره في المملكة العربية السعودية.
الحوالة للخارج، وعمولة للمنظمة الراعية، فيزا ـ مثلاً ـ تؤخذ من حسابه في بيت التمويل.
- محور البحث
يدور محور البحث في مسألتنا حول شرعية ذلك السحب المالي بالعملة المغايرة، وحكم العمولة المقتطعة، أو النسبية المستفادة للمصرف صاحب الآلة المسحوب منها، والمصرف المصدر، والمنظمة الراعية.
التكييف الشرعي
اختلف الباحثون في التكييف الشرعي لهذه المسألة على عدة أقوال نذكر أهمها:
التكييف الأول: قرض (1)، وحوالة مقترنة بالصرف (2).
لا يخفى أن هذا السحب المالي من البنك الخارجي هو عبارة عن إذن من المصدر للبطاقة لبنك خاص أو لكل أحد في أن يؤدي قرضًا عليه لمن يحمل بطاقته، فحامل البطاقة يأخذ النقد على ذمة المصدر وهو مأذون في التصرف فيه، ويتملكه الساحب إما بعنوان أداء الدين الذي له على المصدر (استيفاء) فيما إذا كان الساحب صاحب حساب دائن لدى البنك المصدر للبطاقة وهو
(1) انظر بطاقات الائتمان للشيخ حسن الجواهري، مجلة مجمع الفقه الإسلامي (2/ص: 16626)، وانظر البطاقات البنكية الإقراضية والسحب المباشر من الرصيد (ص: 219). وانظر مجلة مجمع الفقه الإسلامي، (2/ 20740)، وأيضاَ (2/ 13496).
(2)
الإحتراف في المعاملات المالية المعاصرة شرح كتاب أبجديات التجارة الإسلامية، (ص: 605)، الدكتور ياسر عجيل النشمي، ط، دار الضياء للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، (1428 هـ، 2007 م).
أمر لا بأس به، أو بعنوان الاقتراض من البنك المصدر أن لم يوجد له حساب دائن لدى البنك المصدر للبطاقة.
فإذا سحب العميل ببطاقته مبالغ نقدية من فروع بعض البنوك الخارجية المرتبطة ببنكه بواسطة منظمة الفيزا مثلًا، مباشرة أو من طريق أجهزة الصرف الآلي، فإن البنك المصدر يقوم بتسديد الدين الذي أخذه عميله
(صاحب البطاقة)، وعملية التسديد تقتضي أولًا أن يقرض البنك عميله عملة محلية أو أن العملة المحلية موجودة لدى حساب العميل ثم يقوم بتحويلها إلى العملة الخارجية، فيستحق البنك المصدر الفرق في تحويل هذه العملة وهو ما يسمى بالصرف، فيبيع نقده الذي هو دينار إلى العميل بدولار ثم يسدد دين عميله في الخارج بواسطة الدولار، فيحصل البنك على فائدة الصرف، وعمولة التحويل (1). كما يكون للمنظمة الراعية نصيب من العمولة وكذا للمصرف المقرض.
وقد تكلمنا عن عقدي القرض والحوالة في الفقه الإسلامي، فيما سبق مما يغنينا عن إعادته هنا.
ويبقى الكلام عن الصرف في الفقه الإسلامي وهو ما سنتكلم عنه الآن، ومن ثم نُنَزِّل التكييف على مسألتنا هذه.
تعريف الصرف
تعرف الحنفية: بيع الثمن بالثمن جنسا بجنس أو بغير جنس (2).
(1) البطاقات الائتمانية للشيخ حسن الجواهري، مجلة مجمع الفقه الإسلامي (2/ 16626).
(2)
الدر المختار (5/ 257).
تعريف المالكية: بيع النقد بنقد مغاير لنوعه (1).
تعريف الشافعية والحنابلة: بيع النقد من جنسه أو غيره (2).
وهكذا نجد الفقهاء اتفقوا على أن الصرف بيع النقود بنقود أخرى، كبيع الذهب بالفضة، أو العكس، أو مبادلتها ببعضها.
واليوم قامت الأوراق النقدية مكان الذهب والفضة، فأخذت أحكامها، لكونها تمثل أثماناً للأشياء، كما كان النقدان الأولان الذهب والفضة؛ فبيع الدينار بالريال، أوالريال بالدولار، لها ذات أحكام الصرف في الذهب والفضة.
مشروعية الصرف
بيع النقود ببعضها جائز بالكتاب والسنة، وهو داخل في عموم حلية البيع، كما أن الحاجة إليها داعية.
أما الكتاب: فبيع النقود داخل تحت عموم قول الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} سورة البقرة - الآية (275)
وأما السنة: فما رواه عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلاً بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ (3).
(1) حاشية الدسوقي (3/ 2).
(2)
مغني المحتاج (2/ص: 25). وانظر شرح منتهى الإرادات (2/ص: 73)
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه (3/ 1211)، برقم (1587)، باب الصرف وبيع الذهب.
أي: بيعوا الذهب بالذهب والفضة بالفضة مثلاً بمثل" والمراد به المماثلة في القدر، لا في الصورة، وحيث إن عقد الصرف بيع الأثمان بعضها ببعض، ولا يقصد به إلا الزيادة والفضل دون الانتفاع بعين البدل في الغالب، والربا كذلك فيه زيادة وفضل، وضع الفقهاء لجواز الصرف شروطاً تُميِّز الربا عن الصرف، وتمنع الناس عن الوقوع في الربا (1).
وأما دعوى الحاجة لبيع النقود ببعضها، فمعلوم متقرر لا سيما في عصرنا، لمن كان يريد السفر والتنقل بين البلدان؛ بل إن السفر أو الإقامة في بلدٍ ما قد تكون متعذرة، ما لم يبع ما عنده من نقود بلده بنقود البلد التي جاء إليها.
شروط الصرف
اشترط الفقهاء شروطاً للصرف لا يصح ما لم تتوفر، والصرف إما أن يكون بجنسه، أو بغير جنسه وبيانها كالتالي:
أولاً: تَقَابُضُ الْبَدَلَيْنِ:
اتفق الفقهاء على اشتراط التقابض للبدلين بين البائع والمشتري قبل افتراقهما (2)، سواء كان الصرف من نفس الجنس أو من غيره، ودليلهم في ذلك، قول النبي صلى الله عليه وسلم: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ .. ، يَدًا
(1) الموسوعة الفقهية الكويتية (26/ 350)، مادة صرف.
(2)
انظر الاختيار لتعليل المختا (2/ 41)، والتاج الإكليل (4/ 311)، والحاوي الكبير (5/ 111)، والمغني (4/ 54).
بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ (1). ونهى أن يباع غائب منها بناجز (2).
قال ابن المنذر: وأجمعوا أن المتصارفين إذا تفرقا قبل أن يتقابضا أن الصرف فاسد (3).
ثانياً: التَّمَاثُل:
هذا هو الشرط الثاني من شروط الصرف، وهو خاص ببيع أحد النقدين بجنسه، كبيع الذهب بالذهب، أو الفضة بالفضة، وإن اختلفت جودتهما، لقوله صلى الله عليه وسلم:"مِثْلاً بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ"(4).
ويقاس عليه كل نقدين يقومان مقام الذهب والفضة، كالدينار بالدينار، أو الريال بالريال وهكذا، فكل عملة تعد جنساً، وليست كل العملات جنساً واحداً، إذ أن قوتها الشرائية ليست متكافئة، فلا تجوز الزيادة في بيع أحدهما بالآخر، سواء كانت هذه الزيادة من نفس الجنس، أو من غيره.
وقد اتفق الفقهاء أيضاً على اشتراط التماثل إذا اتحد الجنس (5)، ودليلهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ،
(1) سبق تخريجه قريباً.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (2/ 761)، برقم (2068)، باب بيع الفضة بالفضة.
(3)
الإجماع (1/ 92)، محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري أبو بكر، ط، دار النشر: دار الدعوة - الإسكندرية - (1402 هـ)، الطبعة: الثالثة، تحقيق: د. فؤاد عبد المنعم أحمد.
(4)
سبق تخريجه قريبا.
(5)
انظر بدائع الصنائع ج 5/ صـ 183، ومواهب الجليل ج 4/ صـ 345، والحاوي الكبير ج 5/ صـ 76، والمغني ج 4/ صـ 26.
وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلاً بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ .. (1) وقوله: لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَاّ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ. وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إِلَاّ مِثْلاً بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا غَائِبًا بِنَاجِزٍ (2)، وقوله صلى الله عليه وسلم: لَا تَبِيعُوا الدِّينَارَ بِالدِّينَارَيْنِ وَلَا الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ (3).
أنواع الصرف
للصرف صور وأنواع كثيرة، مثبتة في كتب الفقه الإسلامي (4)، ونحن نذكر أهمها والمتعلقة بموضوع بحثنا، وهي كالتالي:
النوع الأول: بيع أحد النقدين بجنسه
والمقصود بالنقدين الذهب والفضة، أو ما يقوم مقامهما في الوقت الحاضر، وقد اتفق الفقهاء على اشتراط التماثل في القدر والوزن، والحلول قبل التفرق في مجلس العقد، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم، عن بيع النقد بجنسه متفاضلاً كما نهى عن بيع النقد بجنسه نساءً.
(1) سبق تخريجه قريباً.
(2)
سبق تخريجه قريباً.
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه ج 3/ صـ 1209، برقم 1585، باب الربا.
(4)
إنما ذكرت المشهور، وما له تعلق ببحثي، وإلا فقد جمعت الموسوعة الفقهية الكويتية أنواعاً كثيرة أوصلتها إلى ستة أنواع وتحت كل نوع عدة صور، راجعها إن شئت، 26/ 364، مادة صرف.
النوع الثاني: بيع أحد النقدين بالآخر
يجوز في بيع أحد النقدين كالذهب ـ مثلاً ـ بالفضة، متفاضلاً لاختلاف الجنس، ولكن يشترط التقابض في مجلس العقد، وقد أجاز النبي صلى الله عليه وسلم، مثل هذا البيع إذا كان يداً بيد، أي يتقابضا قبل انفضاض المجلس.
النوع الثالث: صرف ما في الذمة أو على الذمة
يمكن تصوير المسألة بعدة صور، إذ أن الصرف في الذمة له صور شتى أشهرها ما يلي:
الصورة الأولى:
رجل له على آخر ذهباً، وللآخر عليه دراهم، فأراد الأول اقتضاء ما له من الآخر، والآخر اقتضاء ما له من الأول، فتصارفا ما في ذمتهما وأسقط الثاني ما في ذمته من ذهب بقدر ما في ذمة الأول من دراهم.
حكم هذه الصورة:
اختلف الفقهاء في حكم هذه الصورة على ثلاثة أقوال:
الأول: جواز هذه الصورة
ذهب الحنفية (1) إلى جواز المصارف في الذمة على هذه الصورة، ووجه الجواز أنه جعل ثمنه دراهم لا يجب قبضها ولا تعيينها بالقبض وذلك جائز إجماعاً؛ لأن التعيين للاحتراز عن الربا أي ربا النسيئة ولا ربا في دين سقط،
(1) انظر الدر المختار (5/: 256).
إنما الربا في دين يقع الخطر في عاقبته ولذا لو تصارفا دراهم ديناً بدنانير ديناً صح لفوات الخطر (1).
الثاني: منع هذه الصورة
ذهب الشافعية (2) والحنابلة (3)، إلى منع المصارفة في الذمة بهذه الصورة، وجعلوا ذلك من بيع الكالئ بالكالئ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الكالئ بالكالئ (4)، وفُسِّر بأنه الدين بالدين (5).
(1) حاشية ابن عابدين (5/ 256)، والبحر الرائق (6/ 216).
(2)
انظر مغني المحتاج (2/ 25).
(3)
انظر المغني (4/ 51).
(4)
أخرجه الدارقطني في سننه (3/ 71)، برقم (296)، كتاب البيوع. والحاكم في المستدرك (2/ 65)، برقم (2345)، كتاب البيوع، وقال هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وقد نقل في ابن حجر في تلخيص الحبير عن الإمام أحمد قوله في هذا الحديث: ليس في هذا حديث يصح لكن إجماع الناس على أنه لا يجوز بيع دين بدين ونقل عن الشافعي قوله: قال الشافعي أهل الحديث يوهنون هذا الحديث، ونقل ابن حجر في تفسير هذا البيع فقال: وروى البيهقي عن نافع قال هو بيع الدين بالدين، ويؤيد هذا نقل أحمد الإجماع الماضي وقد رواه الشافعي في باب الخلاف فيما يجب به البيع بلفظ نهى عن الدين بالدين. انظر تلخيص الحبير (3/ 26)، برقم (1205). وقال في البدر المنير: الجمهور على تضعيف هذا الحديث، ووهم الحاكم في قوله هو على شرط مسلم، انظر البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير، (6/ 567)، ابن الملقن، طبع، دار الهجرة للنشر والتوزيع، الرياض، السعودية، الطبعة الأولى، تاريخ الطبع، (1425 هـ، 2004 م). وعليه فيكون دليل المنع من هذا البيع هو الإجماع كما نقله الإمام أحمد ومستنده هذا الحديث.
(5)
انظر مغني المحتاج (2/ 25). والمغني (4/ 51).
الثالث: التفصيل
أما المالكية (1) فقد فصَّلوا في المسألة، فقالوا إن كان الدينان مؤجلان، سواء اتحد الأجلان أم اختلفا، أو أحدهما حالاً والآخر مؤجلاً، وتصارفا قبل حلولهما بأن أسقط كل منهما ماله على الآخر في نظير إسقاط الآخر ماله عليه، فإن ذلك لا يجوز لأن ذلك من بيع الدين بالدين، وإن كانا حالين جاز لعدم تأخر القبض لاستحقاق كل منهما قبض ما هو عليه بمجرد عقد الصرف فيقبضه من نفسه (2).
الصورة الثانية:
اقتضاء الدائن بأحد النقدين من المدين بالنقد الآخر، كأن يكون رجل له دنانير على آخر فيستوفي منه دراهماً بدلاً من الدنانير.
حكم هذه الصورة:
اختلف الفقهاء في حكم الصرف في الذمة على ما في هذه الصورة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: جواز الصرف على ما في هذه الصورة
ذهب الحنفية (3)، والشافعية في الجديد (4)، والحنابلة (5)، وهو قول أكثر أهل العلم (6)، إلى جواز هذه المصارفة، بشرطين:
(1) انظر منح الجليل (4/ 497).
(2)
المصدر السابق.
(3)
انظر بداية المبتدي (1/ 144).
(4)
انظر مغني المحتاج (2/ 70)، والإقناع للشربيني (2/ 280).
(5)
انظر المعني (4/ 51) وما بعدها.
(6)
انظر المصدر السابق.
1 -
أن يُقبض البدل في مجلس العقد
2 -
وأن تكون بسعر يومها
أما اشتراط التقابض، وأن يكون الصرف بسعر اليوم، فمعلوم من النص، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: فيما روى ابن عمر قال: كنت أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم وأبيع بالدراهم، وآخذ الدنانير آخذ هذه من هذه وأعطي هذه من هذه، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم في بيت حفصة، فقلت يا رسول الله رويدك أسألك إني أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير آخذ هذه من هذه وأعطي هذه من هذه، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء (1).
وأيضاً، فإذا قضاه بسعر يومها ولم يجعل للمقضي فضلاً لأجل تأجيل ما في الذمة، لأنه إذا لم ينقصه عن سعرها شيئا فقد رضي بتعجيل ما في الذمة
(1) أخرجه أبو داوود في سننه (3/ 250)، برقم (3354)، باب اقتضاء الذهب من الورق. وأخرجه النسائي في سننه (7/ 281)، برقم (4582)، باب بيع الفضة بالذهب وبيع الذهب بالفضة. والحاكم في المستدرك (2/ 50)، برقم (2285)، وقال على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وقال في البدر المنير (6/ 566): قَالَ الترمذي وغيره لم يرفعه غير سماك، وعلق الشافعي- في [رواية] حرملة - القول به عَلَى صحته، وأما الحاكم فقال في مستدركه: إنه صحيح عَلَى شرط مسلم، وكأنه بناه عَلَى المذهب الصحيح في تقديم الرفع عَلَى الوقف. وقال في تحفة المحتاج في أدلة المنهاج (2/ 233)، الودياشي الإندلسي ـ (804 هـ) طبع دار حراء، مكة المكرمة، تاريخ الطبع، (1406 هـ)، الطبعة الأولى: وقال الترمذي والبيهقي تفرد برفعه سماك وأكثر الرواة وقفوه على ابن عمر ولك أن تقول سماك من رجال مسلم استقلالا والبخاري تعليقا ووثق أيضا فلم لا يكون من باب تعارض الرفع والوقف والأصح تقديم الرفع كما فعله ابن حبان.
بغير عوض فأشبه ما لو قضاه من جنس الدين، ولم يستفصل النبي صلى الله عليه وسلم، ابن عمر حين سأله، ولو افترق الحال لسأل واستفصل (1).
القول الثاني: عدم جواز الصرف على ما في هذه الصورة
ذهب ابن عباس، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وابن شبرمة، وروي ذلك عن ابن مسعود (2)؛ وهو مذهب الشافعي في القديم (3)، ذهبوا إلى عدم جواز الصرف على الذمة على ما في هذه الصورة، وقالوا لأن القبض شرط وقد تخلف (4)، فلا يجوز الصرف بدون القبض، وما في الذمة ليس بمقبوض.
القول الثالث: التفريق فيما كان في الذمة
ذهب المالكية (5)، إلى القول بعدم جواز الصرف على ما في الذمة بهذه الصورة إن كان ما في الذمة مؤجلاً، ولم يكن حالاً، لافتقاره للقبض، إذ القبض شرط في الصرف، وما كان مؤجلاً ليس مقبوضاً ولا بمعنى المقبوض، وعليه يكون المطالَبُ مسلِفاً، أو مقرِضاً على ما في ذمته.
وقد توقف الإمام أحمد (6) في هذه الصورة.
ووجه اشتراط المالكية، حلول الدين الذي في الذمة، أنهم اعتبروه قبضاً أو بمعنى القبض، ولكن إن كان مؤجلاً فإنهم لم يعتبروه قبضاً ولا بمعنى
(1) المغني (4/ 51) وما بعدها.
(2)
المغني (4/ 51).
(3)
مغني المحتاج (2/ 70).
(4)
انظر مغني المحتاج (2/ 70)، المغني (4/ 52).
(5)
انظر شرح مختصر خليل (6/ 3)، والشرح الكبير (3/ 228)،
(6)
المغني (4/ 52).
القبض، لأن الذمة عامرة وإنما يكون المطالب ها هنا كالمسلِف على ذمته، فإذا حل الأجل قبض ما أسلفه عنها، أو يقدر أنه نقد ها هنا ليأخذ من ذمته عند حلول الأجل فيصير صرف فيه تأخير (1).
وأجيب عليهم بأن الدين ثابت في الذمة وهو بمنزلة المقبوض، وإن كان مؤجلاً فكأنه رضي بتعجيل ما في الذمة بغير عوض، فأشبه ما لو قضاه من جنس الدين، ولم يستفصل النبي صلى الله عليه وسلم، ابن عمر حين سأله، ولو افترق الحال لسأل واستفصل (2).
بيان التكييف:
يتضح التكييف الفقهي لمسألتنا من خلال الآتي:
- جهة عقد القرض
المقترض: العميل الساحب
المقرض: المصرف صاحب الآلة
القرض: المبلغ المسحوب من آلة المصرف
- جهة عقد الحوالة
المحيل: العميل الساحب
(1) انظر التاج والأكليل بتصرف (4/ 310).
(2)
انظر بتصرف يسير المغني (4/ 52)، وكشاف القناع (3/ 270).
المحال: المصرف صاحب الآلة
المحال عليه: مصرف العميل المصدر للبطاقة
الحوالة: المبلغ المسحوب من قِبل العميل
- أما جهات الصرف والمصارفة فهي كالتالي:
طالب الصرف: العميل الساحب المقرِض للمصرف المصدر
قابل الطلب: مصرف العميل المقترض منه
الصيرفة: استيفاء العميل الدائن (الساحب) قرضه من المصرف المصدر، ولكن بنقد آخر، غير النقد الذي في ذمة المقترض (المصرف المصدر)، وهو الصرف على الذمة.
- التنزيل الفقهي
أولاً: قيام العميل بالسحب من مصرف آخر خارج بلده يعد اقتراضاً، من ذلك المصرف، بعد أن يتأكد المصرف من رصيده في المصرف المصدر وملاءته.
ثانياً: يحيل العميل المصرف الذي اقترض منه، على مصرفه الذي له فيه حساب.
ثالثاً: يقبل مصرف العميل حوالة عميله، بعد التأكد من قابلية رصيده.
رابعاً: إن كانت الحوالة بعملة مغايرة لما في رصيد العميل، يقوم المصرف بصرف العملات، بسعر اليوم الذي وصلت له الحوالة، ولكنه يختار الحد الأعلى من أسعار التحويل، فيستفيد من فارق الأسعار شراءً وبيعاً، حيث أنه يسدد المبلغ بقيمة شراء العملة، ويستوفيه من حامل البطاقة بقيمة بيع العملة الأجنبية، فيقوم المصرف بأمرين: الأول: استبدال العملة والثاني: تحويلها إلى الخارج (1). ومن ثم ينقد المحال بالعملة المطلوبة، بعد اقتطاع أجرة التحويل.
خامساً: يكون العميل قد استوفى قرضه من مصرفه، بنقد آخر يقابله، وهذا هو الصرف على الذمة، على ما في الصورة الثانية كما بينا من قبل.
الحكم الشرعي على هذا التكييف
بناءً على ما سبق من التكييف للمسألة، فقد اختلف الباحثون في الحكم الشرعي على ثلاثة أقوال:
القول الأول: يقضي بمنع تقاضي العمولة من الساحب لصالح المصرف صاحب الآلة، لأنه مقرض وسيستوفي قرضه بزيادة تتمثل بهذه العمولة، والزيادة هذه هي الربا، وقد ذهبت إلى هذا الرأي الهيئة الشرعية لشركة الراجحي المصرفية للاستثمار، (القرار رقم (50) بتاريخ (6/ 12/1410 هـ)) وأوجبت على الشركة حين وصول هذه العمولة إليها أو
(1) موقف الشريعة الإسلامية من البطاقات البنكية (ص: 133).
جزء منها (حيث تقتسم بين الجهات المشاركة في العملية) بأن تقوم شركة الراجحي بتسجيلها للعميل في حسابه، أي تردها إليه (1).
أدلتهم
يمكن أن يستدل لهذا القول على هذا التكييف بعدة أدلة أهمها:
أولاً: شبهة الربا
والربا هنا يتمثل بالزيادة ـ العمولة ـ التي يأخذها البنك صاحب الآلة والذي يعد مقرِضاً، يأخذها من الساحب والذي يعد مقترضاً، إذ أن المصرف صاحب الآلة يستوفي دينه من المحال عليه، ـ مصرف الساحب ـ زائداً عليه مبلغاً من المال، أو مشترطاً نسبة معينة لكل عملية اقتراض، بحسب قوانين البنك ولوائحه الداخلية؛ وهذه الزيادة هي عين الربا.
ثانياً: إن كان السحب من آلة بنك ربوي فإن فيه إعانة له على الإثم، لما يأخذه من العمولات من كل ساحب من آلته، والتي تبلغ أرقاماً كبيرة كلما زاد عدد الساحبين، وهذا من التعاون على الإثم الذي نهينا عنه شرعاً، قال تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} سورة المائدة، آية (2)
(1) مجلة مجمع الفقه الإسلامي (2/ 13496).
القول الثاني: جواز أخذ العمولة سواء كانت مبالغ مقطوعة، أو نسبية بحسب المبلغ المسحوب؛ ويعد ذلك مصاريف وتكاليف القرض، وهذه المصاريف والتكاليف تزيد كلما زادت المبالغ المسحوبة، وذلك للأسباب الآتية:
ليس هناك من يقول بضرورة تناسب الأجر مع التكلفة، التي يتكبدها البنك في تحويل العملة.
أولاً: لابد من مراعاة مخاطر تحويل العملة؛ لأن البنك يكون مسؤولاً أكثر في صورة تحويل مليون ـ مثلاً ـ من كونه مسؤولاً عن تحويل مائة (1).
وقد أُجيب عن أدلة المجيزين بما يلي (2):
أولاً: لابد من تناسب الأجر مع التكلفة الحقيقية؛ لأن البنك يستفيد من مجرد صرف العملة واستخدام الرصيد الدائن، ويأخذ أجرة مقطوعة على خدماته الفعلية، فلا يجوز له شرعاً أن يرفع مصاريف التحويل بحجة زيادة استهلاك الزمن في عد المبالغ الكبيرة وغيرها؛ حتى لا تشوب المعاملة بالربا إذا كان قرضاً، في حالة كون الحساب مكشوفاً، ولا أن تؤكل أموال الناس بالباطل لوكان الحساب دائناً.
ثانياً: لمَّا كانت المقاصة (clearing) بين البنوك المحلية والخارجية تتم في ثوان معدودة، فالعملية أصبحت مجرد حسابات إلكترونية، فأين مخاطر تحويل العملة من أمن الطريق ومشقة الحمل وغيرها؟
(1) موقف الشريعة الإسلامية من البطاقات البنكية (ص: 140). وقد عزاه لهيئة الرقابة الشرعية لبنك فيصل السوداني.
(2)
المصدر السابق (ص: 140).
القول الثالث: جواز أخذ العمولة إن كانت بمقدار مصاريف وتكاليف القرض فقط، وعدم جوازها إن كانت نسبية، وذلك لأنه أخذ للمال بدون مقابل، وفيه إذعان للعميل.
التكييف الثاني: تُكَيَّف (1) هذه المسألة بأنها سفتجة على القول بجوازها (2)، وصرف على ما في الذمة.
والسفتجة تعريب (سفته)(3) بمعنى المحكم وهي إقراضٌ لسقوط خطر الطريق (4)، وهي قرض عند الجمهور (5)، ولم يُرد به الإرفاق، وإن قُصد فللمقرض لاكتسابه أمن الطريق ومخاطره، أو لهما معاً إن كان المقترض محتاجاً للمال؛ فقد تكون إذاً عقد قرض لا إرفاق فيه، وقد يكون الإرفاق للمقرض، وقد يكون لهما معاً، ولم يقل أحدٌ إن تخلف الإرفاق من جهة
(1) انظر موقق الشريعة الإسلامية من البطاقات البنكية (ص: 137).
(2)
وقد قال بجوازها لا سيما مع عدم الاشتراط، الحنفية ولكن مع الكراهة، ورواية في مذهب أحمد مطلقاً لأن النفع حاصل لهما، ولم يجزها الشافعية مع الشرط، وأجازوها بدونه، وهي كذلك عن مالك.
انظر بدائع الصنائع (7/ 395)، درر الحكام شرح مجلة الأحكام (7/ 443)، حاشية ابن عابدين (5/ 350)، والكافي في فقه الإمام أحمد (2/ 125)، المغني (4/ 213)، المهذب (1/ 304)، والحاوي الكبير (6/ 467)، التاج والإكليل لمختصر خليل (4/ 547). وانظر الفواكه الدواني (2/ 89).
(3)
وفي أنيس الفقهاء، (1/ 125) ما نصه: السفتجة تعريب سفقته وهي شيء محكم أو مجوف سمي هذا القرض بها لأنه لإحكام أمره أو لأنه شبه له بوضع الدراهم في السفاتج أي في الأشياء المجوفة كما تجعل العصا مجوفة ويخبأ فيها الماء.
(4)
التعريفات، (1/ 157). وانظر بمعناه تحرير ألفاظ التنبيه (لغة الفقه)(1/ 193). وانظر المصباح المنير (1/ 178). وانظر القاموس المحيط (1/ 247). وينظر كذلك معجم المصطلحات المالية والاقتصادية في لغة الفقهاء، (ص: 244).
(5)
يذكرها الفقهاء في باب القرض، أنظر المصادر في الحاشية قبل السابقة.
المقترض يخرجها عن كونها عقد قرض. وتكون صرف على ما في الذمة كون ذمة مصرف العميل منشغلة بنقد ما، ويطلب منه العميل المقرض الوفاء بغير جنس ماله (القرض) فيستجيب المصرف فيقع الصرف.
بيان التكييف
- جهات عقد القرض
المقترض: هو مصرف العميل (المصدر) الذي يكتب السفتجة
المقرِض: هو العميل صاحب البطاقة الذي لديه رصيد في مصرفه، ويرغب بتحويله لبلد آخر بعملة أخرى من غير جنس قرضه (وهو صرف على مافي الذمة).
كتاب السفتجة: هي البطاقة التي يحملها العميل.
أوجه الشبه بين السفتجة والحوالات المصرفية الحديثة (1):
للحوالات المصرفية الحديثة أوجه شبه مع السفتجة والتي هي من العقود القديمة، ونحن ننبه على أهمها (2) من خلال النقاط التالية:
أولاً: في التحويلات المصرفية، تُخصم من حساب العميل إن كان له حساب لديه، بقصد تحويلها دون النقل المادي لها، تجنباً لأخطار حملها، وتوفيراً للوقت والجهد، فهو إذن لا يدفع قيمة المبلغ المراد تحويله، أو يطلب خصمه
(1) الحوالة والسفتجة بينَ الدِّراسةِ والتَطبِيق (ص: 149) وما بعدها، إعداد: الطالب بَسَّام حَسَن العَف، إشراف: الدكتور: ماهر أحمد السوسي، قُدِّمت هذه الرسالة استكمالاً لمتطلبات الحصول على درجة الماجستير في الفقه المقارن من كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية بغزة، العام الجامعي (1420 هـ 1999 م).
(2)
أورد بعض الباحثين أوجه فرق بينهما أيضاً، لكن جلها فروق لا تؤثر في الإلحاق أو جوهر المسألة، راجع المصدر السابق.
من حسابه على سبيل الأمانة، بل على سبيل الضمان، وذلك بإحالة خطر الطريق على المصرف.
والمعروف أن الأساس الذي بُنيت عليه السفتجة هو تجنب خطر الطريق المتوقع. وعلى ذلك فإن الغرض الذي تؤديه كل من عملية التحويل والسفتجة، هو تحويل الأموال دون النقل المادي لها، تجنباً لأخطار الطريق، وذلك عن طريق تضمين المأمور بالتحويل.
ثانياً: إن المصرف أو البريد لا يسلم إلى المستفيد عين المبلغ الذي دفعه طالب التحويل، أو الذي خُصم من حسابه، بل إنه يدفع إلى المستفيد بدله؛ لأن العرف في المصارف جارٍ على أن المصرف يخلط أموال العملاء بأمواله، وكذلك الأمر في الدوائر البريدية، والمتتبع لأقوال الفقهاء يجد أنهم ينسبون الأحكام إلى القاعدة المقررة عندهم من أن (العبرة في العقود للمقاصد والمعاني، وليست للألفاظ والمباني)، فالمال إذا تُصرف فيه أو اختلط بغيره لا يكون مجال للقول بأنه وديعة، بل ينقلب إلى قرض، على اعتبار أن الانتفاع بالمعقود عليه في القرض لا يكون إلا باستهلاكه، وبالتالي فهو مضمون على المقترض أو المدين.
وعلى ذلك فإن عملية التحويل إما أن تكون بقرض حادث، كما في حالة أن يأتي طالب التحويل ومعه المال المراد تحويله، فيدفعه إلى البنك، وإما أن يكون بدين قديم، كما لو كان لطالب التحويل حساب جارٍ لدى المصرف، وطلب منه الخصم من هذا الحساب وتحويله، وقد سبق في السفتجة أنها قد تكون بقرض حادث، وقد تكون بدين قديم.
ثالثاً: في عملية التحويل قد يكون المستفيد هو الآمر نفسه، وذلك كما لو دفع شخص مبلغاً من المال إلى بنك في بلده، أو في مكان معين بغرض الحصول على قيمته في مكان آخر، وقد يكون المستفيد غير الآمر، كما لو كان الآمر عميلاً أو مديناً، وهو الغالب في عملية التحويل.
كذلك الأمر في السفتجة، فقد يكون المقرض أو الدائن هو الذي يقبض في البلد الآخر، وهو الغالب بعكس التحويل، وقد يكون الوفاء لصديق أو دائن هناك.
الحكم الشرعي على هذا التكييف
بناء على ما سبق من التكييف وإلحاق المسألة بما عُرف قديماً بالسفتجة، وقد تقرر القول بجواز السفتجة عند الجمهور كما سبق بيانه (1)، فإن القول بالجواز يصبح متعيناً، ولكن يبقى شرعية العمولة التي يأخذها المصرف المقترض، ولكن يمكن القول أن تلك العمولة بمقابل أجرة التحويل والتوصيل لأموال العميل من حسابه إلى المناطق التي يستخدم فيها البطاقة.
أما مسألة القبض كونها شرطاً للمصارفة، فقد تكلمنا سابقاً أن ذلك معتبر من باب القبض الحكمي كما قرره مجمع الفقه الإسلامي (2)، وإن كان من ثم تأخر بسيط فإن البنوك الوكيلة لشركة البطاقة تدفع النقود ثم تسترد ما دفعته فوراً، لكي تحقق السرعة بل الفورية المطلوبة في هذه العملية، ليظهر الحسم فوراً على رصيد الساحب.
(1) انظر (ص: 153).
(2)
انظر (ص: 226) وما بعدها.
التكييف الثالث: تكيف المسألة بأنها وكالة وصرف
يمكن تكييف مسألتنا بأنها وكالة مدفوعة الأجر، وصرف يقوم به مصرف العميل، فالعميل مقرض للمصرف المصدر، والمصرف هو المقترض، فإذا أراد العميل استيفاء قرضه وهو في غير بلده، فإنه يوكل مصرفٍ آخر له ارتباط بمصرفه، بقبض ما له من قرض، نظير أجرٍ على هذه الوكالة، فإذا أراد هذا الوكيل استيفاء قرض موكله بنقد غير نقده المودع، قام مصرف العميل بصرف المبلغ بالعملة المطلوبة من عميله، ومن ثم تسليم وكيل عميله المبلغ بالعملة المطلوبة بعد أخذ أجرته على خدماته التي قدمها.
بيان التكييف
- جهات عقد الوكالة
الموكل: صاحب البطاقة
الوكيل: المصرف صاحب الآلة
الوكالة: استيفاء الدين من مصرف العميل (المصرف المصدر للبطاقة).
- جهات عقد الصرف
طالب الصرف: العميل صاحب البطاقة
قابل الصرف: المصدر للبطاقة أو مصرف العميل
الصيرفة: صرف المصرف ما في ذمته بعملة أخرى لوكيل العميل المقرض
- التنزيل الفقهي
أولاً: قيام العميل بإدخال البطاقة في صراف مصرفٍ غير مصرفه، هو بمثابة توكيل له بالاستيفاء من مصرفه الذي له فيه حساب، بحسب المبلغ
المراد سحبه من مصرفه، وهذا من باب الوكالة الخاصة أو المقيدة، زماناً بوجود البطاقة المصرفية في الآلة، وقدراً بحسب المبلغ المحدد المراد سحبه.
ثانياً: يقوم المصرف صاحب الآلة بمخاطبة مصرف موكِّله، والتحقق من وجود رصيد لموكِّله، ومن ثمَّ يقوم مصرف العميل بصرف المبلغ المراد بالعملة المطلوبة ثم تحويلها للوكيل، مع عمولة يأخذها كأجرةٍ على الصرف أو تحويله المبلغ.
ثالثاً: يوافق مصرف الموكِّل على حسم المبلغ لوكيله، ـ المصرف صاحب الآلة ـ كاملاً مع أجرة الوكالة.
رابعاً: يسلم الوكيل ـ المصرف صاحب الآلة ـ المبلغ لموكِّله كاملاً، بعد أن يأخذ أجرته على هذه الوكالة ـ العمولة المصرفية ـ.
خامساً: يستحق الوكيل ـ المصرف صاحب الآلة ـ والشركات المنظمة للعملية الأجرة على عملها قليلة كانت أم كثيرة من الموكِّل، والتي تكون معلومة، ولعمل معلوم.
الحكم الشرعي على هذا التكييف:
يقرر أصحابُ هذا التكييف جواز السحب بالبطاقة بنقد آخر غير المودع في رصيد العميل، وليس في ذلك من محظور شرعي.
أدلة هذا الوجه من التكييف:
يمكن أن يستدل لهذا التكييف بأن صاحب البطاقة إنما يسحب من رصيده في الواقع ومن حسابه ولا يسحب من حساب البنك صاحب الآلة، وليس في ذلك
اقتراض من المصرف صاحب الآلة، ومما يدل على هذا هو خصم المبلغ من الحساب لدى الساحب فوراً؛ بحيث لا يعد البنك صاحب الآلة مقرِضاً.
وبيان ذلك يتمثل بأن الصرَّاف يتعامل مع المنظمة العالمية التي تصله بالبنك المصدِر للبطاقة، فإذا تأكَّد من وجود المبلغ المراد سحبه في رصيد العميل، عبر إرسال طلب العميل، ومن ثَم قبوله وإرسال التفويض، اقتطع المصرف المصدر ذلك المبلغ مباشرة اقتطاعاً نهائيّاً لحسابه، فيكون هذا البنك ـ المصرف صاحب الآلة ـ قد قبض المبلغ حكماً من مصدِر البطاقة، وأما الرسوم المأخوذة من العميل، فهي أجور التكاليف والخدمات المقدّمة من البنك صاحب الآلة، والتي كُيِّفت بأنها أجرة على الوكالة، أما الرسوم المأخوذة من قِبل مصرف العميل والمنظمة الراعية، فهي أجرة على الصرف والتحويل.
استشكال
لقائل أن يقول أين تحقق الشروط المعتبرة في عملية الصرف، والتي اشترطها الفقهاء لتتم صحيحة؟
ولبيان ذلك يمكن القول إنها قد تحققت الشروط في مسألتنا على النحو التالي:
أما شرط أن يكون بسعر اليوم فمعلوم، إذ تقوم المصارف بتسجيل تاريخ العملية، ويتم الصرف بنفس اليوم وفوراً وبسعر ذلك الوقت، وإن كانت تأخذ حداً معيناً للأسعار في اليوم ذاته.
وأما اشتراط التقابض فيتحقق على النحو الأتي:
معلوم أن عملية المقاصة بين البنوك تتم في ثوان معدودة، فإذا تقدم حامل البطاقة بطلب سحب النقود من البنك خارج البلاد اتصل البنك المطلوب منه سحب النقود بالبنك المصدر للبطاقة عن طريق المنظمة الراعية للبطاقة، وذلك للحصول على التفويض، وبعد الموافقة من البنك المصدر، يتم إعطاء النقود لحامل البطاقة، فكأن البنك قام بالقبض الحكمي في عملية استبدال العملة والحصول عليها وحامل البطاقة موجود في مجلس العقد، وحضور المتعاقدين هو المطلوب شرعاً؛ لأن تكون المعاملة صحيحة في نظر الشريعة.
وقد اعتبر مجمع الفقه الإسلامي أن القبض بهذه الصورة يعد بمثابة القبض الحكمي، إذا اقتطع المصرف بأمر من العميل مبلغاً من حساب له إلى حساب آخر بعملة أخرى للمصرف نفسه أو غيره لصالح العميل أو لمستفيد آخر، فهو جائز شرعاً (1).
وقد اعتمد المجلس أيضاً التعاقد بالآلات الحديثة، في مؤتمره السادس المنعقد بجدة في مارس (1990 م) بما يلي:
قرار رقم (54/ 3/6) بشأن حكم إجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة
(1) قرارات مجمع الفقه الإسلامي بجدة في دورته السادسة، قرار رقم (53) (4/ 6) (ص: 113) مرجع سابق.
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من (17) إلى (23) شعبان (1410 هـ) الموافق (14 - 20) آذار (مارس)(1990 م).
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع: (إجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة) ونظراً إلى التطور الكبير الذي حصل في وسائل الاتصال وجريان العمل بها في إبرام العقود لسرعة إنجاز المعاملات المالية والتصرفات، وباستحضار ما تعرض له الفقهاء بشأن إبرام العقود بالخطاب وبالكتابة وبالإشارة وبالرسول، وما تقرر من أن التعاقد بين الحاضرين يشترط له اتحاد المجلس - عدا الوصية والإيصاء والوكالة - وتطابق الإيجاب والقبول، وعدم صدور ما يدل على إعراض أحد العاقدين عن التعاقد، والموالاة بين الإيجاب والقبول بحسب العرف.
قرر ما يلي:
أولاً: إذا تم التعاقد بين غائبين لا يجمعهما مكان واحد ولا يرى أحدهما الآخر معاينة، ولا يسمع كلامه وكانت وسيلة الاتصال بينهما الكتابة أو الرسالة أو السفارة (الرسول)، وينطبق ذلك على البرق والتلكس والفاكس وشاشات الحاسب الآلي (الحاسوب)، ففي هذه الحالة ينعقد العقد عند وصول الإيجاب إلى الموجه إليه وقبوله.
ثانياً: إذا تم التعاقد بين طرفين في وقت واحد وهما في مكانين متباعدين، وينطبق هذا على الهاتف واللاسلكي، فإن التعاقد بينهما يعتبر تعاقداً بين حاضرين، وتطبق على هذه الحالة الأحكام الأصلية المقررة لدى الفقهاء المشار إليها في الديباجة (1).
الترجيح
بعد إمعان النظر في التكييفات السابقة، وغيرها (2)، نجد أن الأقرب إلى واقع مسألتنا، وأوضحها تنزيلاً هو التكييف الثالث القاضي بأنها وكالة وصرف للاعتبارات التالية:
أولاً: لا يمكن القول بالتكييف الأول، القاضي بأنها قرض وحوالة وصرف؛ لأن المسألة ليس فيها اقتراض من المصرف صاحب الآلة، بدليل التأثير في حساب العميل مباشرة، مع تطور آلات الاتصال الحديثة، مع ملاحظة اشتمال المسألة بهذا التكييف على عقود عدة في عقد واحد، وما فيه من إشكالات شرعية بيناها من قبل.
ثانياً: للقول الثاني القاضي بأنها سفتجة وصرف على ما في الذمة، وجاهته ولكن يُشكِلُ عليه العمولة التي يأخذها المصرف المصدر للبطاقة، إذ أنه مقترض بذلك الاعتبار، والمقترض يؤدي ما اقترضه من غير زيادة، إلا إن
(1) انظر مجلة مجمع الفقه الإسلامي (2/ 12372).
(2)
هناك من يقول بأنها حوالة مصرفية فقط، وهو تكييف وجيه إلا أنه يتجاهل المصرف صاحب الآلة وما يقوم به من أعمال.
اعتبرنا الزيادة ـ العمولة ـ تكاليف أداء القرض وهو محل انتقاد الكثير من الباحثين لا سيما مع استفادته من فارق العمولات أثناء الصرف.
ثالثاً: بذلك يكون التكييف الثالث هو الأسلم من الناحية الشرعية، والأكثر تماشياً مع الواقع في المصارف البنوك والله أعلم.