الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: التكييف الفقهي لبطاقة القيمة المخزنة
تختلف هذه البطاقات عن سابقتها بتكييف العقد الواقع عليها، هل العقد عليها ـ بين العميل والمصدرـ هو عقد بيع، أم عقد سلم، أم عقد إجارة؟ وفيما يلي بيان كل ذلك بالتفصيل في المطالب التالية:
المطلب الأول: تكييف عقد بطاقة القيمة المخزنة بأنه عقد بيع
- تعريف البيع:
تعريف البيع لغة: الباء والياء والعين أصل واحد وهو بيع الشيء، وربما سمى الشِّرى بيعاً والمعنى واحد (1). وقال في اللسان: البيع ضد الشراء، والبيع الشراء أيضاً فهو من الأضداد (2).
تعريف البيع اصطلاحاً:
تعريف الحنفية: مبادلة شيء مرغوب فيه بمثله على وجه مخصوص (3).
تعريف المالكية: عقد معاوضة على غير منافع ولا متعة لذة (4).
تعريف الشافعية: مقابلة مال بمال على وجه مخصوص (5).
تعريف الحنابلة: مبادلة المال بالمال لغرض التملك (6).
(1) معجم مقاييس اللغة (1/ 327)، بيع.
(2)
لسان العرب (8/ 23)، بيع.
(3)
الدر المختار (4/ 503) وما بعدها.
(4)
مواهب الجليل (4/ 255).
(5)
مغني المحتاج (2/ 2)، وفتح الوهاب (1/ 271).
(6)
المبدع (4/ 4).
والملاحظ أن كل التعريفات متقاربة بل بمعنى واحد، وإن أدخل بعضهم شروطاً احترازية كالمالكية، عند قولهم: عقد "على غير متعة لذة" ليخرجوا النكاح.
- مشروعية البيع:
البيع جائز بالكتاب والسنة والإجماع
أما الكتاب فقول الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} سورة البقرة آية (275)، وقوله تعالى:{وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} سورة البقرة آية (282)
وأما السنة:
فقول النبي صلى الله عليه وسلم: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا"(1)، والآثار في ذلك كثيرة.
وأما الإجماع:
فقد أجمع المسلمون على جواز البيع في الجملة والحكمة تقتضيه؛ لأن حاجة الإنسان تتعلق بما في يد صاحبه، وصاحبه لا يبذله بغير عوض ففي شرع البيع وتجويزه شرع طريق إلى وصول كل واحد منهما إلى غرضه ودفع حاجته (2).
(1) أخرجه البخاري (2/ 732) برقم (1973)، بَاب إذا بَيَّنَ الْبَيِّعَانِ ولم يَكْتُمَا وَنَصَحَا، وأخرجه
مسلم (3/ 1164) برقم (1532)، باب الصدق في البيع والبيان.
(2)
المعني (4/ 3).
- أركان البيع وشروطه:
اعلم أن أركان البيع عند الجمهور (1) ثلاثة عاقد ومعقود عليه وصيغة، وأما الحنفية فإن الصيغة (الإيجاب والقبول) عندهم هي ركنا البيع (2).
وعند التدقيق نجد أن الأركان ستة؛ لأن كل واحد من الأركان الثلاثة تحته قسمان فالأول تحته البائع والمشتري، والثاني تحته الثمن والمثمن، والثالث تحته الإيجاب والقبول (3).
الركن الأول:
العاقدان: وهما البائع والمشتري ويشترط فيهما أهلية المعاملات وتستفاد من التكليف، فلا تعتبر تصرفات الصبي ولا المجنون (4)، واستثنى المالكية الصبي المميز فيصح عقده ولكن لا يلزم (5)، أما الحنفية فينعقد بيع الصبي المميز موقوفاً على إجازة وليه، أو إجازة نفسه بعد بلوغه (6)، وعند الحنابلة يصح بيع الصبي المميز والسفيه بإذن وليهما (7).
(1) انظر شرح مختصر خليل (5/ 5)، وانظر الإقناع للشربيني (2/ 276)، وإعانة الطالب (3/ 3). كشاف القناع (3/ 146).
(2)
بدائع الصنائع (5/ 133).
(3)
انظر شرح مختصر خليل (5/ 5)، وانظر الإقناع للشربيني (2/ 276)، وإعانة
الطالب (3/ 3).
(4)
انظر الوسيط (3/ 12).
(5)
انظر شرح مختصر خليل (5/ 9).
(6)
بدائع الصنائع (5/ 135).
(7)
انظر المبدع (4/ 8).
الركن الثاني:
الصيغة: هي الإيجاب والقبول، وسبب اعتبارهما الاستدلال بهما على الرضا، فإن الأصل هو التراضي، ولكن الرضا خفي فيناط الحكم بسبب ظاهر يدل على التمليك بعوض دلالة ظاهرة (كبعتك، وملكتك)، والقبول من المشتري وهو ما يدل على التمليك أيضاً دلالة ظاهرة (كاشتريت وتملكت وقبلت ورضيت)، أما البيع بالمعاطاة فلا يعد دليلاً على الرضى عند الشافعية (1)، خلافاً للجمهور (2)، ويشترط في الصيغة اتحاد المجلس، وأن لا يطول الفصل بين الإيجاب والقبول، وأن يَقبَلَ على وِفق الإيجاب (3).
الركن الثالث:
المعقود عليه وثمنه: ويشترط في المعقود عليه الطهارة، وقابلية الانتفاع به، وأن لا يكون منهياً عن بيعه كبيع المعدوم، وأن يكون مقدوراً عليه مملوكاً للبائع، وأن يكون معلوماً للعاقد (4)، ويشترط في الثمن أن يكون معلوما (5).
(1) انظر الوسيط (3/ 8). مغني المحتاج (2/ 3). قال في مغني المحتاج: واختار المصنف وجماعة منهم المتولي والبغوي الإنعقاد بها في كل ما يعده الناس بيعا؛ لأنه لم يثبت اشتراط لفظ فيرجع للعرف كسائر الألفاظ المطلقة وبعضهم كابن سريج والروياني خصص جواز بيع المعاطاة بالمحقرات وهي ما جرت العادة فيها بالمعاطاة كرطل خبز وحزمة بقل وقال بعضهم كل من وسم بالبيع اكتفى منه بالمعاطاة كالعامي والتاجر وكل من لم يعرف بذلك لا يصح منه إلا باللفظ.
(2)
انظر بدائع الصنائع (5/ 134)، وشرح مختصر خليل (5/ 6). والمغني (4/ 4).
(3)
بدائع الصنائع (5/ 136)، وما بعدها ومغني المحتاج (2/ 5)، المبدع (4/ 5).
(4)
انظر بدائع الصنائع (5/ 138)، وما بعدها، وشرح مختصر خليل (5/ 15)، وما بعدها، الوسيط (3/ 17) وما بعدها، والمبدع (4/ 9) وما بعدها.
(5)
المبدع (4/ 34).
وخالف الحنفية في المِلك فقالوا ليس الملك بشرط انعقاد لكن شرط نفاذ، فيجوز بيع الفضولي موقوفاً على إجازة المالك (1).
- التكييف الشرعي
يمكن تكييف المسألة على البيع، كون الظاهر من العقد بين العميل والتاجر أو المصدر عقد بيع، إذ بمقابل دفع العميل الثمن يتملك البطاقة ومنفعتها، وهذا هو تعريف البيع كما علمت، ويمكن تفصيل ذلك من خلال التنزيل الفقهي التالي:
بيان التكييف
- جهات عقد البيع
البائع: الشركة المصدرة، أو التاجر.
المشتري: العميل طالب البطاقة.
المبيع: البطاقة.
الثمن: النقد الذي يدفعه طالب البطاقة.
الصيغة: صيغ البيع أو ما يدل عليه.
- التنزيل الفقهي
أولاً: طلب العميل من التاجر أو المصدر للبطاقة الملاحظ من خلال البحث والرصد والتجربة أنه يكون بلفظ البيع.
ثانياً: الأثر الناتج عن هذا العقد هو ذات الأثر الناتج عن عقد البيع، وهو تملك البطاقة وما تحمله من منافع.
(1) بدائع الصنائع (5/ 135).
ثالثاً: توافر جميع أركان البيع من: العاقدين، الصيغة، المعقود عليه، وتحقق شروطهما يدل على حقيقة العقد وأنه ليس إلا عقد بيع.
رابعاً: يجوز الاشتراط في البيع ما لم يكن شرطاً أحل حراماً، أو حرم حلالاً كما هو معلوم (1)، وعليه فاشتراط توقيت منفعة البطاقة شرط جائز لا حرج فيه إن قلنا بوجوده أصلاً.
خامساً: هذه البطاقات هي أعيان لها منافع حددها المصدرون لها بزمن محدود، كأي أعيان أخرى تُشترى ولها توقيت محدد- كالسلع الغذائية أو متطلبات الإعمار وغيرها ـ فلا يقال إن المصدر وقَّت المنفعة.
- أدلة هذا التكييف
يمكن أن يُستدل لهذا التكييف بالأدلة التالية:
أولاً: من حيث القصد:
وأعني بالقصدِ قصدُ البائع والمشتري على السواء، فالبائع مراده بيع البطاقات وما ضمنها من منافع للمشتري، كما أن المشتري مراده شراء تلك البطاقات وما فيها من المنافع، ومعرفة هذا القصد ييسر لنا فهم المسألة وبناء الأحكام وتنزيلها، لا سيما إن كان هذا القصد يتوافق مع التطبيق في واقع ومفردات العقد.
ثم إنه لا يمنع أن تُشترى العين والمراد منفعتها، إذ ليس كل الأعيان تراد لذاتها بل لما فيها من المنافع وهذه البطاقات قد ضُمنت منافع مخصوصة، فليس من المتجه القول إن كل ما يُراد لمنفعته ليس العقد عليه بيعاً.
(1) بينا ذلك في مشروعية الصلح (ص: 275)
ثانياً: من حيث الأثر:
والمقصود بالأثر هو الأثر الناتج عن العقد، فالملاحِظ لهذا العقد يجد أن آثاره هي آثار عقد البيع من حيثُ ترتب الأحكام مثل: الإقالة، والرد بالعيب، والبيع بالشرط وغيرها، مما يجعل القول بأنه عقد بيع قولاً وجيهاً.
ثالثاً: من حيثُ التطبيق:
أما ما يلاحظ من حيثُ التطبيق فإن الغالب من هذه البطاقات أنها تباع من قِبل التجار وليس من مصدريها، بل وتُعامل معاملة كل السلع في متجر التاجر، ولا شك أن تصور المسألة في الواقع ومعرفة الكيفية التي يتعامل بها الناس وإلحاقها بنظائرها، أمر مهم لبناء الأحكام.
* استشكال ودفعه
لا يقال إن المشتري قد لا يستخدم المنفعة حتى تفوته فبأي حق يأخذ البائع الثمن؟ لأن البائع قد سلم المنفعة للمشتري بتسليم العين وبتمكينه المشتري من استخدامها، فعدم استخدام المنفعة من قِبل المشتري يعد تفريطاً منه، ومثل هذا وارد في جميع السلع.
- الحكم الشرعي
على ما ذكرنا من هذا التكييف نستطيع القول إن العقد على هذه البطاقات، عقد مباح وهو من عقود البيع الجائزة في الشريعة الإسلامية.