الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع: التكييف الشرعي لاستخدام بطاقة الصراف الآلي كنظام دفع في نقاط البيع الطرفية (P.O.S)
المطلب الأول: التكييف الشرعي للدفع بالبطاقة بنفس عملة التاجر والعميل
- تصوير المسألة
نظام تحويل إلكتروني عبر جهاز معين لدى التاجر يتيح لصاحب البطاقة أن يسدد أثمان مشترياته من المتجر عبر ذلك الجهاز بتحويل الأموال من رصيده إلى رصيد التاجر سواء اتحد مصرف حامل البطاقة أو اختلف مع مصرف التاجر، بعمولة تؤخذ من التاجر للمصرف.
- تمثيل المسألة
عميل لمصرف بيت التمويل الكويتي له بطاقة مصرفية اشترى سلعاً من تاجر ما، وأثناء الدفع قدم بطاقته المصرفية للتاجر ليقوم بالاستيفاء عن طريق الجهاز في وحدة (P.O.S) الذي يمتلكه التاجر، فيقوم الجهاز بعد إمرار البطاقة فيه وإدخال التعرفة السرية ـ إن كانت بطاقة صراف آلي ـ أو بدون التعرفة إن كانت البطاقة غير ذلك، بالاتصالات على مصرف التاجر أو شبكة النقد للتأكد من صلاحية البطاقة ورقم التعرفة ومعلومات رصيد العميل، وعند إرسال التفويض تتم الموافقة والإذن بالسداد، فيتم الخصم من رصيد حامل البطاقة لصالح رصيد التاجر، ويُعطى حامل البطاقة إشعار بالمبلغ المخصوم وتاريخه والساعة التي تم فيها الخصم ورقم البطاقة.
- محور البحث
محور بحثنا في هذه المسألة يتمثل بصور القبض في هذه العقود، ومشروعية العمولة التي يتقاضاها المصرف من التاجر.
التكييف الشرعي
تكيف مسألتنا بأنها عقد حوالة إذ أن أركان الحوالة متوفرة فيها وهو أقرب العقود من حيث المعنى لهذه المسألة
بيان التكييف
- جهات عقد الحوالة
المحيل: هو حامل البطاقة (المشتري)
المحال: هو التاجر (البائع)
المحال عليه: هو المصرف مصدر بطاقة المشتري
الدَين الذي على المحيل: هو ثمن السلع التي اشتراها
الدَين الذي للمحيل على المحال عليه: هو الرصيد المودع في حسابه في المصرف
- التنزيل الفقهي
يتجلى لنا هذا التكييف من خلال النقاط التالية:
أولاً: عند ابتياع حامل البطاقة سلعاً من التاجر فإن التكييف لهذا كما هو معلوم عقد بيع، وإن كانت السلعة منفعة فإن التكييف سيكون إجارة.
ثانياً: عند طلب التاجر من المشتري ـ حامل البطاقة ـ ثمن السلع فإن المشتري يسلمه بطاقته ليمررها بجهاز الكي نت الموجود عنده، ليكون
المشتري بمثابة مَن يعتذر عن دفع النقود العينية، فيكون بهذا الاعتبار مقترض من التاجر، فيقوم التاجر بقبول البطاقة بموجب الاتفاقات بينه وبين المصارف.
ثالثاً: هذا الإجراء هو بمثابة تحويل المشتري ـ صاحب البطاقة ـ التاجر بما له عليه من أثمان مشترياته على مصرفه الذي يعتبر مدين لعميله (حامل البطاقة).
رابعاً: يتصل الجهاز مباشرة بمصرف التاجر أو المنظمة الراعية، ومن ثم يتصل مصرف التاجر أو المنظمة الرعية بمصرف المشتري ـ حامل البطاقة ـ بعد التحقق من صلاحية البطاقة، وشخصية حاملها.
رابعاً: يقوم المصرف المصدر للبطاقة بالتأكد من البيانات الواردة إليه من مصرف التاجر أو المنظمة الراعية، وبعد سلامة البيانات والتحقق منها، يصدر تفويضاً بالموافقة على حسم المبلغ المطلوب لصالح التاجر في مصرفه.
خامساً: تعتبر هذه الخطوة من المصرف المصدر للبطاقة قبولاً منه للحوالة وموافقة على ذلك المبلغ المحال عليه.
سادساً: يتسلم كلاً من التاجر والمشتري ـ حامل البطاقة ـ تقريراً مفصلاً عن العملية مكتوب فيه تاريخ العملية وساعتها ورقم حساب حامل البطاقة ورقم المبلغ المسحوب لصالح التاجر.
سابعاً: تبرأ ذمة المحيل ـ حامل البطاقة ـ فوراً بعد انتهاء العملية وتسلُّمه تقريرها، إذ أن مصرف التاجر يكون قد تسلم المبلغ المطلوب من مصرف حامل البطاقة، وأضافه إلى حساب التاجر لديه.
ثامناً: يتقاضى مصرف التاجر عمولة من التاجر قدرها (2%) من قيمة الفاتورة ثم يقوم بدفع (1.4%) إلى البنك مصدر البطاقة، ويكون نصيب المنظمة الدولية من كل عملية (0.33%) إذا تمت العملية عن طريقها (1).
تاسعاً: تتم كل تلك الاتصالات في جزء من الدقيقة.
أدلة هذا التكييف
إن المتأمل لأركان الحوالة في الفقه الإسلامي ليراها متوفرة في هذا العقد تماماً، بل وحتى الخطوات التي تجري في واقع هذه المسألة تنحو نحو عقد الحوالة في الفقه الإسلامي، أما الخطوات فقد عرفناها في بيان التكييف، وأما الأركان فلك ملاحظة ذلك فيما يلي:
أركان الحوالة ستة: محيل ومحتال ومحال عليه ودَينان دين للمحتال على المحيل ودين للمحيل على المحال عليه وصيغة (2)، وذهب الحنفية إلى أن
(1) paying with plastic p.9 وانظر موقف الشريعة الإسلامية من البطاقات
البنكية (ص: 144).
(2)
إعانة الطالبين حاشية على حل ألفاظ فتح المعين لشرح قرة العين بمهمات الدين (3/ 75) 5، أبي بكر ابن السيد محمد شطا الدمياطي، ط، دار الفكر، بيروت.
أركان الحوالة عِبَارَةٌ عَنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ. (1) وكل هذه الأركان متوفرة في مسألتنا كما عرفناه في التنزيل الفقهي لمسألتنا هذه.
الحكم الشرعي
يتعين القول بجواز إجراء هذا النوع من العقود، لكونه حوالة بالمعنى الفقهي، كما أن القبض متحصل فيه؛ لأن القيد المصرفي معتبر شرعاً وعرفاً إن كان بأمر العميل وقد قرر مجلس مجمع الفقه الإِسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من (17) إلى (23) شعبان (1410 هـ) الموافق (14 - 20 آذار (مارس) 1990 م) ما يلي:
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع: "القبض وصوره، وبخاصة المستجدة منها وأحكامها" واستماعه للمناقشات التي دارت حوله.
قرر:
أولاً: قبض الأموال كما يكون حسيًا في حالة الأخذ باليد، أو الكيل أو الوزن في الطعام، أو النقل والتحويل إلى حوزة القابض، يتحقق اعتبارًا وحكمًا بالتخلية مع التمكين من التصرف ولو لم يوجد القبض حسًا. وتختلف كيفية قبض الأشياء بحسب حالها واختلاف الأعراف فيما يكون قبضًا لها.
ثانيًا: إن من صور القبض الحكمي المعتبرة شرعًا وعرفًا.
1 -
القيد المصرفي لمبلغ من المال في حساب العميل في الحالات التالية:
(1) درر الحكام شرح مجلة الأحكام (2/ 10).
(أ) إذا أودع في حساب العميل مبلغ من المال مباشرة أو بحوالة مصرفية.
(ب) إذا عقد العميل عقد صرف ناجز بينه وبين المصرف في حالة شراء عملة بعملة أخرى لحساب العميل.
(ج) إذا اقتطع المصرف - بأمر العميل - مبلغًا من حساب له إلى حساب آخر بعملة أخرى، في المصرف نفسه أو غيره، لصالح العميل أو لمستفيد آخر، وعلى المصارف مراعاة قواعد عقد الصرف في الشريعة الإِسلامية.
ويغتفر تأخير القيد المصرفي بالصورة التي يتمكن المستفيد بها من التسلم الفعلي، للمدد المتعارف عليها في أسواق التعامل. على أنه لا يجوز للمستفيد أن يتصرف في العملة خلال المدة المغتفرة إلَاّ بعد أن يحصل أثر القيد المصرفي بإمكان التسلم الفعلي (1)؛ وعليه فإن هذا العقد من العقود المشروعة.
حكم العمولة
تبرم الاتفاقية بين البنك والتاجر على أساس قبول البطاقة من قِبل الأخير كوسيلة دفع لشراء السلع والخدمات، والبنك الذي هو الطرف القوي في هذا التعامل يضع شروطاً لحامل البطاقة والتاجر أيضاً، ومن شروط اتفاقية التاجر: أن البنك يقتطع من فاتورة الشراء نسبة محدودة كعمولة على تقديم الخدمات؛ لأن حامل البطاقة لم يكن ملزماً بالشراء من محلات معينة لو لم تكن البطاقة؛ فبذلك يبدو كأن البنك هو الذي أرسل عميله للشراء من محلات خاصة تمت الاتفاقية بينها وبين البنك، ويتم تحصيل هذه العمولة عن طرق
(1) مجلة المجمع (1/ 453).
بنك التاجر (The Acquirer) بنسبة (2%) من قيمة الفاتورة وبدوره يدفع بنك التاجر (1.4%) منها لمصدر البطاقة، وهي النسبة المحددة من قِبل المنظمات الراعية للبطاقة (الفيزا والماستر كارد) وتقوم شركة الأمريكان إيكسبرس ومؤسسة ديسكفر (Discover) بتحصيل كامل العمولة من التاجر بحيث تتعاملان مباشرة مع العملاء والتجار بدون وسيط (1).
وأما الحكم الشرعي لهذه العمولة
فقد اختلف العلماء في تكييفها الشرعي على عدة أقوال وأطالوا فيها الكلام وأكثروا فيها النقاش، ونحن نذكر خلاصة ما قالوه مع ترجيح ما نراه الأقرب إلى واقع المسألة.
(1) paying with plastic p.9. وانظر أيضاً موقف الشريعة من البطاقات البنكية (ص: 107).
التكييف الأول: عقد سمسرة بين التاجر والمصدر للبطاقة
خرَّج بعض الباحثين (1) العمولة في هذا العقد على أنها من باب أجرة السمسار، ونريد قبل الكلام على التنزيل الفقهي على هذا التكييف الوقوف عند عقد السمسرة في الفقه الإسلامي كما هي عادتنا.
تعريف السمسرة
السمسرة مصدر سمسر وهي كلمة فارسية معربة والسمسار الوسيط بين البائع والمشتري، ويسمى في عرف الناس اليوم الدَّلاّل.
قال صاحب اللسان: السمسار الذي يبيع البر للناس قال الليث السمسار فارسية معربة (2). وقال صاحب تاج العروس: السِّمْسَارُ بالكَسْرِ المُتَوَسِّطُ بينَ البائِعِ والمُشْتَرِي لإِمضاءِ البيعَ، قال الأَعْشَى:
فأَصْبَحْتُ لا أَسْتَطِيعُ الكَلامَ
…
**
…
سِوَى أَنْ أُراجِعَ سِمْسارَهَا
وهو الذي يُسَمِّيه الناسُ الدَّلاّلَ فإِنه يَدُلّ المُشْتَرِيَ على السِّلَعِ ويدُلّ البائِعَ على الأَثْمَانِ (3). وهو كذلك في المعنى الاصطلاحي (4).
وقد ورد في كلام النبي صلى الله عليه وسلم معنى السمسار، ففي حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: نهى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَنْ تُتَلَقَّى
(1) انظر بحث عن بطاقات الائتمان المصرفية والتكييف الشرعي المعمول به في بيت التمويل الكويتي، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، الدورة السابعة:(1/ 476). وانظر العمولات المصرفية (600) وما بعدها، وانظر موقف الشريعة الإسلامية من البطاقات البنكية (ص: 208) وما بعدها.
(2)
لسان العرب (4/ 380). سمسر. وبمعناه قال الخليل في العين (7/ 344).
(3)
تاج العروس (12/ 86). سمسر.
(4)
انظر معجم لغة الفقهاء (1/ 150).
الرُّكْبَانُ وَأَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ قال فقلت لابن عَبَّاسٍ ما قَوْلُهُ حَاضِرٌ لِبَادٍ قال لَا يَكُنْ له سِمْسَارًا (1).
بيان التكييف
- جهات عقد السمسرة
السمسار: المصرف المصدر للبطاقة
المُسَمسَر له: التاجر
السمسرة: هي الترويج من المصرف لصالح التاجر بأن لديه نظام دفع
أجرة السمسرة: العمولة المقتطعة
- التنزيل الفقهي
يرى أصحاب هذا التكييف أن النسبة المئوية التي تسددها المؤسسات التجارية للجهة المصدرة من قيمة الفواتير يمكن اعتبارها أجور سمسرة، فعلى هذا التخريج، تكون العلاقة بين المصدر والتاجر على أساس عقد السمسرة، فيكون البنك سمساراً للتاجر يتقاضى أجوراً على خدمة السمسرة؛ لأنه من الجائز أن أُرسل إليك زبائن على أن أتقاضى منك أجراً مقطوعاً عن كل زبون يصل إليك أو عن كل زبون يشتري منك حسب الشرط (2).
وبناء على ذلك يكون المال المأخوذ من التاجر (العمولة) عبارة عن أجرة سمسرة البنك لصالح التاجر والترويج لصالحه، خصوصاً بأن الترويج أصبح
(1) أخرجه مسلم في صحيحه (3/ 1157)، برقم (1521)، باب تحريم بيع الحاضر للبادي.
(2)
موقف الشريعة الإسلامية من البطاقات البنكية (208).
اليوم جزءًا أساسياً من متطلبات التجار والمؤسسات التجارية، وله أساليب عدة عبر وسائل الإعلام المختلفة وتخصص له نفقات باهظة.
وخلاصة كل ذلك أن المصرف يقوم بخدمة للتجار وجلب الزبائن إليهم من خلال إصدار هذه البطاقات، فمن أجل هذه الخدمة تطالب بأجرة وهي الخصم الذي تحصل عليه من قِبل التجار، وهذا هو ما يسمى في الفقه بأجرة السمسار.
أدلة هذا التكييف:
يُستدل لأصحاب هذا التكييف بأن العمولة التي يتقاضونها تمثل أجرة عملٍ وجهد يقوم به المصرف، كالدعاية للتجار، وتحصيل ديونهم، وجلب الزبائن، وغير ذلك والأجرة على العمل من الأمور المقررة شرعاً.
وقد نوقش هذا الاستدلال بما يلي:
الاعتراض الأول: يقضي بأن الدعاية التي يقوم بها مصدروا البطاقات تنصب على البطاقات، وليس على قابليها، فهم يركزون على التسويق للبطاقة نفسها، وكانوا في السابق يصدرون كتيبات تضم أسماء المحلات التي تقبل السداد بالبطاقة، ولكنهم توقفوا عن إصدار هذه الكتيبات؛ لما انتشر التعامل بها، فاختلفت الدعاية والخصم باق، فدل على أنها ليست سبباً له (1).
(1) البطاقات المصرفية للحجي (ص: 193) وانظر بمعناه موقف الشريعة الإسلامية من البطاقات البنكية (ص: 209).
وأُجيب على هذا الاعتراض بأن الدعاية للبطاقة هي دعاية لقابليها، كما أن الدعاية للتاجر ليست بالإعلان عن اسمه في كتيب، وإنما في توافر هذه الخدمة عنده، التي تعد ميزة في المحل التجاري (1).
الاعتراض الثاني: أن الأجرة المأخوذة من التاجر ليست مقابل السمسرة إذ لو كان الأمر كذلك لكان للتجار اللجوء لسماسرة أقل أجراً منهم.
وأُجيب على هذا الاعتراض بأن الأجرة ليست متمحضة للسمسرة، بل إن المصرف يقوم إضافة إلى ذلك بتحصيل الدين وتوصيله، كما يقوم بخدمات غير مباشرة، كالأمن من السرقة، والاختلاس، ونحو ذلك، فالسبب إذن ليس مقتصراً على السمسرة والدعاية (2)، كما أنه ليس من المسلم أن بقدرة التاجر الحصول على ذات الخدمات بأجرة أقل إذ أن البطاقات تقوم بجلب الزبائن مع توفير خدمات معنوية.
الحكم الشرعي
بناءً على هذا التكييف يلزم تصحيح العقد ومشروعية العمولة المقتطعة بأي نسبة كانت؛ لأنه أجرة على عمل والأجرة بحسب الاتفاق بين الطرفين.
(1) انظر بتصرف يسير العمولات المصرفية (ص: 600).
(2)
انظر المصدر السابق (ص: 600) وما بعدها.
التكييف الثاني: حوالة بأجر
يرى بعض الباحثين أن مسألتنا لا تخلو عن حوالة بأجرة عليها، فالعميل حامل البطاقة يحيل التاجر على مصرفه المصدر، فيقبل التاجر الحوالة ويحتال على مصرف المحيل، فيقبل المحال عليه (مصرف صاحب البطاقة) الحوالة ولكن بأجرة يأخذها جراء قبوله لها.
أما عن عقد الحوالة في الفقه الإسلامي فقد تكلمنا عنه فيما سبق بما يغنينا عن تكراره هنا (1).
بيان التكييف
- جهات عقد الحوالة
المحيل: المشتري صاحب البطاقة
المحال: التاجر
المحال عليه: المصرف المصدر للبطاقة
الدَين الذي على المحيل: هو ثمن السلع التي اشتراها
الدَين الذي للمحيل على المحال عليه: هو الرصيد المودع في حسابه في المصرف.
- التنزيل الفقهي
يتجلى لنا هذا التكييف من خلال النقاط التالية:
أولاً: عند ابتياع حامل البطاقة سلعاً من التاجر فإن التكييف لهذا كما هو معلوم عقد بيع، وإن كانت السلعة منفعة فإن التكييف سيكون إجارة.
(1) انظر (ص: 238) وما بعدها.
ثانياً: عند طلب التاجر من المشتري ـ حامل البطاقة ـ ثمن السلع فإن المشتري يسلمه بطاقته ليمررها بجهاز الكي نت الموجود عنده، ليكون المشتري بمثابة مَن يعتذر عن دفع النقود العينية، فيكون بهذا الاعتبار مقترض من التاجر، فيقوم التاجر بقبول البطاقة بموجب الاتفاقات بينه وبين المصارف.
ثالثاً: هذا الإجراء هو بمثابة تحويل المشتري ـ صاحب البطاقة ـ التاجر بما له عليه من أثمان مشترياته على مصرفه الذي يعتبر مدين لعميله (حامل البطاقة).
رابعاً: يتصل الجهاز مباشرة بمصرف التاجر أو المنظمة الراعية، ومن ثم يتصل مصرف التاجر أو المنظمة الراعية بمصرف المشتري ـ حامل البطاقة ـ بعد التحقق من صلاحية البطاقة، وشخصية حاملها.
رابعاً: يقوم المصرف المصدر للبطاقة بالتأكد من البيانات الواردة إليه من مصرف التاجر أو المنظمة الراعية، وبعد سلامة البيانات والتحقق منها، يصدر تفويضاً بالموافقة على حسم المبلغ المطلوب لصالح التاجر في مصرفه.
خامساً: تعتبر هذه الخطوة من المصرف المصدر للبطاقة قبولاً منه للحوالة وموافقة على ذلك المبلغ المحال عليه.
سادساً: يتسلم كلاً من التاجر والمشتري ـ حامل البطاقة ـ تقريراً عن العملية مكتوب فيه تاريخ العملية وساعتها ورقم حساب حامل البطاقة ورقم المبلغ المسحوب لصالح التاجر.
سابعاً: تبرأ ذمة المحيل ـ حامل البطاقة ـ فوراً بعد انتهاء العملية وتسلُّمه تقريرها، إذ أن مصرف التاجر يكون قد تسلم المبلغ المطلوب من مصرف حامل البطاقة، وأضافه إلى حساب التاجر لديه.
ثامناً: يتقاضى مصرف التاجر عمولة من التاجر قدرها (2%) من قيمة الفاتورة ثم يقوم بدفع (1.4%) إلى البنك مصدر البطاقة، ويكون نصيب المنظمة الدولية من كل عملية (0.33%) إذا تمت العملية عن طريقها (1). وتعتبر هذه العمولة أجرة على قبول الحوالة.
أدلة هذا التكييف
يستدل أصحاب هذا التكييف، بأن العميل عندما يشتري من التاجر ويوقع قسيمة البيع، يكون قد أحال التاجر على البنك المصدر للبطاقة، ومن حق البنك المصدر للبطاقة أن يقبل الحوالة عليه بشرط أن يأخذ نسبة من الثمن، أي للبنك أن لا يقبل الحوالة إلا إذا التزم التاجر بأداء مبلغ إلى البنك عمولة على قبوله الحوالة، وبما أن التاجر له نفع في قبول البنك للحوالة عليه، فمن حق البنك أن يأخذ أجرة مقابل هذا النفع الذي قدمه للتاجر (2).
* استشكال
وقد اعتُرض على هذا الاستدلال بما يلي:
(1) paying with plastic p.9 أنظر موقف الشريعة الإسلامية من البطاقات البنكية (ص: 144).
(2)
هذا التكييف قبله أكثرية أعضاء مجمع فقه (أهل البيت عليهم السلام وهو رأي ارتآه رئيس المجمع آية الله الشيخ محمد المؤمن عند بحثه لبطاقات الائتمان في مجلس درسه في (قم المقدسة ـ بحسب عقيدتهم الباطلة ـ). انظر مجلة مجمع الفقه الإسلامي (2/ 16620).
الاعتراض الأول: ينقض ما ذكر أصحاب هذا التكييف أن الحوالة من عقود الإرفاق (1) التي لا يجوز أخذ الأجرة عليها، وفي هذا التكييف نجد أن المحال عليه لم يقبل الحوالة إلا مشروطة بالأجر، وهذا ينقض تكييف المسألة بأنها حوالة.
وأُجيب على هذا الاعتراض بأن للمصرف أن يشترط على العميل فيقول: إنما أقبل منك أيها العميل الاقتراض بشرط أن لا تُحِل عليَّ، وبهذا لا يجب على البنك قبول الحوالة بحسب الشرط، فإذا أحال العميل على البنك، فللبنك أن يقول للمحال: أنا أقبل الحوالة علي بشرط أن تلتزم بدفع نسبة من الثمن. فعلى هذا الوجه من التخريج يجوز للبنك أن يأخذ أجرًا من المحال على قبوله الحوالة التي حولت عليه من قِبل العميل (2). ولقائل أن يقول إن العمولة في الواقع إنما تؤخذ من المحال (التاجر) وليس من المحيل (العميل المشتري)، ولكن يمكن الجواب عليه بأن المحال (التاجر) قَبِل تحمل العمولة عن المحيل (العميل المشتري) لما له من مصلحة في هذا العقد.
الحكم الشرعي
من التكييف السابق نخلص إلى أن مسألتنا عقد حوالة، وعقد الحوالة من العقود المشروعة، وعليه يتعين القول بجواز إجراء هذا العقد، وأن الأجرة (العمولة) جائزة على عقد الحوالة.
(1) الحوالة من عقود الإرفاق، عند الحنفية، والصحيح من مذهب الحنابلة. انظر بدائع الصنائع (6/ 18)، وانظر الإنصاف للمرداوي (5/ 222).
(2)
بحث بعنوان: بطاقات الائتمان من إعداد حسن الجواهري، مجلة مجمع الفقه الإسلامي (2/ 16621).
التكييف الثالث: عقد صلح على الحطيطة
يرى بعض الباحثين أنه يمكن تكييف العلاقة بين مصدر البطاقة والتاجر على أساس أن الكفيل إذا كفل شخصاً بالمال بمبلغ معين ثم سدده عنه، فيجوز للكفيل أن يتصالح مع الدائن الملتزم له بالدين من قِبل الكفيل بأقل من المبلغ الذي التزم به المكفول والتزم به الكفيل أيضاً وضم ذمته إلى ذمته، وقد قال فقهاء الحنفية (1) بحواز صلح الحطيطة بين الكفيل وبين الدائن، ويمكن تصوير ذلك أن المصرف المصدر للبطاقة قد تصالح بعد ثبوت الدين في ذمة المشتري وضم ذمته إلى ذمة المشتري، تصالح مع الدائن (التاجر) على أقل من المبلغ المدين (قيمة المشتريات) وهو جائز (2).
وكما هي عادتنا نبدأ بالكلام حول العقد في الفقه الإسلامي، ومن ثم نشفعه بالتنزيل الفقهي كي تتضح الصورة تمام الاتضاح.
تعريف الصلح:
التعريف في اللغة: قال في المعجم: الصاد واللام والحاء أصل واحد يدل على خلاف الفساد (3). والاصْطِلاحُ اتّفاقُ طائفةِ مَخصوصةٍ على أَمْرٍ مخصوص (4).
أما في الاصطلاح: فقد تعددت التعاريف وهي بمعنى واحد، ومن أحسن ما عرف به هُوَ عَقْدٌ يَرْفَعُ النِّزَاعَ بِالتَّرَاضِي (5).
(1) انظر البحر الرائق (6/ 248) وما بعدها. وانظر درر الحكام شرح مجلة الأحكام (1/ 717).
(2)
موقف الشريعة من البطاقات البنكية (ص: 219) وما بعدها.
(3)
معجم مقاييس اللغة (3/ 303). صلح.
(4)
تاج العروس (6/ 551). صلح.
(5)
درر الحكام شرح مجلة الأحكام (4/ 2).
مشروعية الصلح:
من الكتاب قول الله تعالى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} سورة النساء آية (134).
ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم: الصُّلْحُ جَائِزٌ بين الْمُسْلِمِينَ إلا صُلْحًا حَرَّمَ حَلَالًا أو أَحَلَّ حَرَامًا وَالْمُسْلِمُونَ على شُرُوطِهِمْ إلا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا أو أَحَلَّ حَرَامًا. (1)
أركان الصلح وشرائطه:
ركنا الصلح: هما الإيجاب والقبول، وهو أن يقول المدعى عليه صالحتك من كذا على كذا أو من دعواك كذا على كذا، ويقول الآخر قبلت أو رضيت، أو ما يدل على قبوله ورضاه، فإذا وجد الإيجاب والقبول فقد تم عقد الصلح (2).
وأما شرائطه: فيشترطون أن يكون من جائز التصرف لكونه من التبرعات (3)، وأن يكون مع الإقرار عند الشافعية (4)، وهل يشترط سبق
(1) ضعيف، أخرجه ابن ماجة في السنن (2/ 788)، برقم (2353)، باب الصلح. وأخرجه أبو داوود في السنن (3/ 304)، برقم (3594)، باب الصلح. والترمذي في السنن (3/ 634)، برقم (1352)، باب ما ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلح بين الناس، وقال حديث حسن صحيح. وتعقبه المبارك فوري في تحفة الأحوذي بقوله: وفي تصحيح الترمذي هذا الحديث نظر فإن في إسناده كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف وهو ضعيف جدا قال فيه الشافعي وأبو داود هو ركن من أركان الكذب. تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي (4/ 487)، ط: دار الكتب العلمية - بيروت. وأخرجه ابن حبان في صحيحه (11/ 488)، برقم (5091)، كتاب الصلح. والحاكم في المستدرك (4/ 113)، برقم (7059)، كتاب الأحكام. وسكت عنه، وقال الذهبي هو حديث واه.
(2)
بدائع الصنائع (6/ 40).
(3)
انظر شرح منتهى الإرادات (2/ 139).
(4)
انظر مغني المحتاج (2/ 179) وما بعدها، وكفاية الأخيار (1/ 268).
الخصومة؟ قولان عند الشافعية الأصح نعم (1)، وأن لا يكون على محرم أو يحله (2).
التكييف الفقهي:
بعد الكلام عن عقد الصلح في الشرع الإسلامي، يمكننا الآن الشروع في تنزيله على مسألتنا فنقول وبالله التوفيق:
بيان التكييف
- جهات عقد الكفالة والصلح
الكفيل: هو مصرف العميل المصدر للبطاقة
المكفول له: التاجر
المكفول به: ثمن المشتريات من قِبل صاحب البطاقة
أطراف الصلح: قيام الكفيل (المصرف المصدر) بمصالحة المكفول له (التاجر) على بعض الكفالة (بعض الثمن المُستَحق)، يعدُّ صلح حطيطة أي يحط عنه بعض ما استحق من المال المكفول.
- التنزيل الفقهي
يتبين هذا التكييف بما يلي:
أولاً: شراء العميل صاحب البطاقة من التاجر يعتبر بمثابة اقتراض منه لتلك المشتريات.
(1) انظر مغني المحتاج (2/ 178)، وانظر منهج الطلاب (1/ 51).
(2)
انظر حاشية قليوبي (2/ 382).
ثانياً: يقوم العميل بتقديم بطاقته للتاجر ليبين أن كفيله هو المصرف المصدر للبطاقة، فيكون قد ضم ذمة المصرف إلى ذمته بمطالبة السداد للتاجر.
ثالثاً: يقبل التاجر الكفالة على المصرف، ويذهب للكفيل للمطالبة بالمبلغ المكفول به.
رابعاً: يشترط الكفيل لسداد مستحقات عميله صلحاً على المبلغ المكفول، فيتصالحا على الحطيطة من الثمن بقدر معين.
أدلة أصحاب هذا التكييف:
استدل أصحاب هذا التكييف بجواز الصلح على الحطيطة على ما في الذمة، كما استدلوا بحديث عَبْد اللَّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا لَهُ عَلَيْهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِدِ فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ وَنَادَى كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ يَا كَعْبُ قَالَ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ ضَعْ الشَّطْرَ مِنْ دَيْنِكَ قَالَ كَعْبٌ قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُمْ فَاقْضِهِ (1).
وجه الاستدلال هو جواز وضع شطر الدين على سبيل المصالحة فضلاً عن بعضه.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (1/ 179)، برقم (459)، باب رفع الصوت في المساجد. وأخرجه مسلم في صحيحه (3/ 1192)، برقم (1558)، باب استحباب الوضع من الدين.
الحكم الشرعي:
من التكييف السابق للمسألة، وأدلة أصحابه يتبين جواز ومشروعية هذا العقد، والعمولة المأخوذة على السبيل المذكور.
الترجيح
بعد النظر في التكييفات السابقة يمكن القول: إن التكييف الأقرب لمسألتنا هو تكييفها بالحوالة، ويكمن القول بأن الأجر ليس لمجرد الحوالة، بل للخدمات التي يقدمها المصرف المصدر أو مصرف التاجر، والتي تتمثل بتوصيل الدين، وحفظ الأموال، وتأمين المتجر، وتكاليف السحب والإيداع في المصارف بالطرق التقليدية وغير ذلك من الخدمات.
كما أن تكييفها على صلح الحطيطة فيه تكلُّف ظاهر إذ إن صلح الحطيطة يتم على دين كان مؤجلاً وحل أجله، بينما في حالة البطاقات البنكية يشترط المصدر الحطيطة قبل أن تتم المعاملة ولمَّا يثبت الدَّين بعد وذلك في اتفاقية التاجر.
كما أن استدلالهم بالحديث السابق لا يسعفهم بما أرادوا؛ فإنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بوضع شطر الدَّين حين عجز المدين عن الوفاء، وهنا البنك مليء وليس بعاجز عن الوفاء ليحط عنه بعض الدين، بل هو الذي يشترط للتاجر حط بعض الدين ويعتبره معاملة تجارية يكسب منها الأرباح الطائلة، فشتان ما بين هذه المعاملة وصلح الحطيطة.