المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌3 - باب تعجيل الصلاة - المفاتيح في شرح المصابيح - جـ ٢

[مظهر الدين الزيداني]

فهرس الكتاب

- ‌4 - كِتابُ الصَّلَاةِ

- ‌2 - باب المَواقيْتِ

- ‌3 - باب تَعْجيل الصَّلاةِ

- ‌فصل

- ‌4 - باب الأَذان

- ‌5 - باب فَضْل الأَذان وإجابة المؤذَّن

- ‌فصل

- ‌6 - باب المَساجِد ومَواضع الصَّلاةِ

- ‌7 - باب السَّتر

- ‌8 - باب السُّترة

- ‌9 - باب صِفة الصَّلاةِ

- ‌10 - باب ما يَقْرأُ بعد التَّكبيرِ

- ‌11 - باب القِراءةِ في الصَّلاة

- ‌12 - باب الرُّكُوع

- ‌13 - باب السُّجود وَفضْله

- ‌14 - باب التَّشهُّدِ

- ‌15 - باب الصَّلاةِ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم وفَضْلِها

- ‌16 - باب الدُّعاء في التَّشهُّدِ

- ‌17 - باب الذِّكر بعد الصَّلاة

- ‌18 - باب ما لا يَجُوزُ من العمَل في الصَّلاة وما يُباحُ منه

- ‌19 - باب سُجُود السَّهْوِ

- ‌20 - باب سُجود القُرآن

- ‌21 - باب أَوقات النَّهْي عن الصَّلاة

- ‌22 - باب الجَماعة وفَضْلِها

- ‌23 - باب تَسْوية الصَّفِّ

- ‌24 - باب المَوْقِفِ

- ‌25 - باب الإِمامةِ

- ‌26 - باب ما علَى الإِمامِ

- ‌27 - باب ما على المَأْموم مِنَ المُتابعة وحُكْم المَسْبُوق

- ‌28 - باب مَنْ صلَّى صلاةً مرَّتَينِ

- ‌29 - باب السُّنَن وفَضْلها

- ‌30 - باب صلاة الليل

- ‌31 - باب ما يقول إذا قام من الليل

- ‌32 - باب التَحريض على قيام الليل

- ‌33 - باب القَصْد في العمَل

- ‌34 - باب الوِتر

- ‌35 - باب القُنوت

- ‌36 - باب قِيَام شَهْر رمَضان

- ‌37 - باب صلاة الضُّحى

- ‌38 - باب التطوع

- ‌(صلاة الاستخارة)

- ‌39 - باب صلاة التَّسْبيح

- ‌40 - باب صلاة السَّفَر

- ‌41 - باب الجُمُعة

- ‌42 - باب وجوبها

- ‌43 - باب التَّنظيف والتَّبكير

- ‌44 - باب الخُطبة والصَّلاة

- ‌45 - باب صلاة الخَوف

- ‌46 - باب صَلاةِ العِيْد

- ‌فصل في الأُضْحِيَة

- ‌47 - باب العَتِيْرةِ

- ‌48 - باب صلاة الخُسُوف

- ‌فصل في سُجُود الشُّكر

- ‌49 - باب الاستِسقاء

- ‌فصل في صفة المَطَر والرِّيح

- ‌5 - كِتابُ الجَنَائِزِ

- ‌1 - باب عِيَادة المَريض وثواب المَرَض

- ‌2 - باب تمنِّي المَوت وذِكْره

- ‌3 - باب ما يقال لمَنْ حَضَرَهُ الموتُ

- ‌4 - باب غُسْلِ المَيت وتكفينه

- ‌5 - باب المَشْي بالجَنازة والصَّلاة علَيها

- ‌6 - باب دَفْن الميت

- ‌7 - باب البُكاء على المَيت

- ‌8 - باب زِيارة القُبور

- ‌6 - كِتابُ الزَّكَاةِ

- ‌2 - باب ما تجب فيه الزَّكاةُ

- ‌3 - باب صدَقة الفِطْر

- ‌4 - باب من لا تحلُّ له الصَّدَقة

- ‌5 - باب مَنْ لا تَحِلُّ له المَسْألة ومَنْ تَحِلُّ له

- ‌6 - باب الإنفاق وكراهية الإمساك

- ‌7 - باب فضل الصدقة

- ‌8 - باب أَفْضَل الصَّدَقة

- ‌9 - باب صدَقة المَرأَة من مال زوجها

- ‌10 - باب مَنْ لا يَعْود في الصَّدقَة

الفصل: ‌3 - باب تعجيل الصلاة

‌3 - باب تَعْجيل الصَّلاةِ

(باب تعجيل الصلاة)

مِنَ الصِّحَاحِ:

405 -

قال أبو بَرزة الأسْلَميُّ رضي الله عنه: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصلِّي الهَجيرَ التي تَدْعونَها الأُولى حينَ تَدْحَضُ الشَّمْسُ، ويُصلِّي العصرَ ثمَّ يجيءُ أحَدُنا إلى رحلِهِ في أقصى المدينةِ والشمسُ حَيَّةٌ، ونَسِيتُ ما قالَ في المَغرِبِ، وكانَ يَستحِبُّ أنْ يُؤَخِّرَ العِشاءَ، ولا يُحِبُّ النَّوْمَ قبلَها والحديثَ بعدَها، وكان يَنفتِلُ مِنْ صلاةِ الغَداةِ حينَ يَعرِفُ الرجُلُ جَليسَهُ، ويقرأ بالستِّينَ إلى المئةِ، وفي روايةٍ: ولا يُبالي بتأخيرِ العِشاءِ إلى ثُلُثِ اللَّيْل.

قوله: "يصلِّي الهجير"، (الهجير): هو الظهر في لغة بعض العرب، وفي لغة بعضهم: الأولى، بمعنى الظهر.

يقول الراوي هذا للمخاطبين.

"يصلي الهجير التي تدعونها"؛ أي: تسمُّونها وتقولونها "الأولى"، يعرِّفهم أن (الهجير) و (الأولى) والظهرَ واحدٌ.

"حين تدحض الشمس"؛ أي: تزول، دحض - بفتح العين في الماضي والغابر -: إذا بَطَلَ وزال.

"أقصى"؛ أي: أبعد، إلى آخر "المدينة"؛ يعني: يصلي أحدنا مع النبي عليه السلام العصر، ثم يذهب إلى بيته في آخر المدينة "والشمس حية"؛ أي: باقيةٌ على صفائها ولم تصفرَّ.

ص: 19

قوله: "ونسيت ما قال في المغرب"؛ يعني: قال الذي يروي هذا الحديث عن أبي برزة: ونسيت ما قال أبو برزة في وقت صلاة المغرب.

والذي يروي هذا الحديث عن أبي برزة: سيَّار بن سَلَامةَ.

"وكان يستحب"؛ أي: كان رسول الله عليه السلام يحبُّ تأخير العشاء بشرطِ أن لا ينام الرجل قبلها، بل يجلس ويذكر الله، ولا يحبُّ الحديث بعدها، بل المستحبُّ إذا صلى الرجل صلاة العشاء أن ينام؛ لأنه لو اشتغل بالحديث ويؤخِّرُ النوم، ربما تفوت عنه صلاة الصبح، أو صلاة التهجد.

"ينفتل"؛ أي: يرجِعُ ويفرُغ.

"حين يعرف الرجل جليسه"؛ يعني: يفرغُ من صلاة الصبح حين يرى كلُّ واحد من الجماعة مَن هو بقربه من ضوء الصبح.

"ويقرأ بالستين إلى المئة"؛ يعني: يقرأ في صلاة الصبح ستين آية، وربما يزيد إلى مئة آية.

واسم أبي برزة: نضلة بن عبيد بن الحارث بن حبال.

* * *

406 -

وسُئل جابر رضي الله عنه عَنْ صَلاةِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: كانَ يُصلِّي الظُّهرَ بالهاجرةِ، والعصرَ والشَّمسُ حيَّةٌ، والمغربَ إذا وَجَبَتْ، والعِشاءَ إذا كَثُرَ النَّاسُ عَجَّلَ وإذا قلُّوا أخَّر، والصُّبحَ بغَلَسٍ.

قوله: "يصلي الظهر بالهاجرة"، (والهاجرة): شدة الحرارة، يعني: يصلي الظهر في أول الوقت.

"وجبت"، أي: غربت الشمس.

ص: 20

"الغلس": اختلاط بياض الصبح بظلمة الليل، و (الغلس): الظلمةُ أيضًا؛ يعني: يصلي الصبح في أول الوقت.

* * *

407 -

قال أنس رضي الله عنه: كُنَّا إذا صلَّيْنا خلْفَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بالظَّهائرِ سجَدْنا على ثِيابنا اتِّقاءَ الحرِّ.

قوله: "بالظهائر"، (الظهائر): جمع ظهيرة، وهي نصف النهار، وأراد بها الظهر، والباء في (بالظهائر) زائدة، وجَمَعَ الظهائر؛ لأنه أراد: ظهرَ كلِّ يوم، لا ظهر يومٍ واحد.

"سجدنا على ثيابنا"؛ أي: سجدنا على ثيابنا المنفصلة منَّا، لا ثيابنا التي لبسناها، هذا عند الشافعي، فإنه لا يجوِّز السجودَ على العمامة والكم وغيرهما مما كان الرجل لابسه من الثياب.

وعند أبي حنيفة: يجوز أن يسجد المصلي على العمامة وكمِّ القميص وغيرهما من الثياب المتصلة به.

قوله: "اتقاء الحر"، (الاتقاء): الاحتراز والحذر؛ أي: نسجد على ثيابنا من خوف أنَّا لو نسجد على الأرض تحترق جباهنا من غاية الحرارة.

يعني: كنَّا نصلي الظهر في أول الوقت.

* * *

408 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا اشتدَّ الحرُّ فأَبرِدُوا بالصَّلاة"، وفي رواية:"بالظُّهرِ، فإنَّ شِدَّةَ الحرِّ مِنْ فَيْحِ جهنَّمَ".

قوله: "فأبردوا بالصلاة"؛ أي: بصلاة الظهر "فإن شدة الحرِّ من فيح

ص: 21

جهنم"، (الفيح): ظهور الريح والرائحة؛ يعني: شدة حرِّ الصيف من حرارة جهنم.

* * *

408/ م - "واشْتكَتِ النَّارُ إلى ربها، فقالت: يا ربِّ! أكلَ بعضي بعضًا، فأَذِنَ لها بنفَسَيْنِ: نَفَسٍ في الشتاءَ ونَفَسٍ في الصيف، أشدُّ ما تجِدُونَ مِنَ الحرِّ، وأشدُّ ما تجِدُونَ مِنَ الزَّمْهرير".

قوله: "اشتكت النار إلى ربها فقالت: رب أكل بعضي بعضًا"؛ أي: أكل بعضي بعضًا من غاية الحرارة، "فأذِنَ لها بنفسين" نفخَتْ نَفَسًا في الصيف، ونَفَسًا في الشتاء، وهذا شيء إيماني يجب الإيمان به، وإن لم يُعرف كيفيته.

قوله: "أشد ما تجدون من الحر"؛ يعني: أشدُّ ما تجدون من حرِّ الصيف، فهو من حرِّ جهنم.

"وأشد ما تجدون من الزمهرير"؛ يعني: أشدُّ ما تجدون من برد الشتاء، فهو من برد جهنم، (الزمهرير): البرد الشديد.

فإن قيل: إذا نفست جهنم في الصيف نَفَسًا وفي الشتاء نَفَسًا، لمَ يختلف حرُّ الصيف وبرد الشتاء، وفي بعض الأيام يكون الحرُّ أشد من بعض، وكذا البرد؟

قلنا: لعل الله تعالى يأمر بأن تحفظ الحرارة الحاصلة من نَفَسِ جهنم في موضع، ثم ترسل إلى أهل الأرض قليلًا قليلًا، حتى يعتادوا بالحرارة حينًا بعد حين، وحتى لا تحترق الأشجار والنبات والحيوانات بإرسال تلك الحرارة دفعةً واحدة، وكذلك البرد، وكلُّ ذلك إيمانيٌّ يجب أن نقول: إن الله على كل شيء قدير.

* * *

ص: 22

409 -

وقال أنس رضي الله عنه: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصلِّي العَصْرَ والشَّمْسُ مُرتفِعةٌ حيَّةٌ، فيذهبُ الذَّاهبُ إلى العَوالي، فيأْتيهِمْ والشَّمْسُ مُرتفعةٌ، وبعضُ العَوالي مِنَ المدينةِ على أربعةِ أمْيالٍ أو نحوِهِ.

قوله: "فيذهب الذاهب إلى العوالي"؛ يعني: يذهب واحد بعد صلاة العصر إلى العوالي، ويرجع إلى المدينة والشمس مرتفعة لم تصفرَّ بعد، يعني: يصلِّي العصر في أول الوقت.

العوالي: اسم قرًى من قرى المدينة، بين بعضها وبين المدينة أربعةُ أميال، والأميال: جمع ميل، وهو ثلاثة فراسخ، والفرسخ: اثنا عشر ألف خطوة، وكلُّ خطوة ثلاثةُ أقدام.

* * *

410 -

وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تلْكَ صلاةُ المُنَافِقِ، يجلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ، حتى إذا اصفرَّتْ، وكانتْ بينَ قَرْنيَ الشَّيطانِ؛ قامَ فنقرَ أربعًا لا يذكُرُ الله فيها إلَاّ قليلًا".

قوله: "يرقب"؛ أي: ينتظر قُربان الشمس ودنوَّها من الغروب.

قوله: "وكانت بين قرني الشيطان" إذا قربت الشمس من الغروب فحينئذ تكون بين قرني الشيطان، والصلاة في هذه الساعة غير مَرْضيَّةٍ.

"نقر" الطيرُ الحبات: إذا لقطها بمنقاره سريعًا.

"أربعًا"؛ أي: أربع ركعات، وهذا عبارةٌ عن سرعة أداء الصلاة، وقلَّةِ القراءة والذكر فيها.

يعني: مَن أخَّر صلاة العصر إلى اصفرار الشمس؛ فقد شبه نفسه بالمنافقين، فإن المنافقين لا يصلُّون عن اعتقاد حقِّية الصلاة بل لدفع السيف، ولا يبالون

ص: 23

بتأخيرها؛ فإنهم لا يظنون (1) بها فضيلة وثوابًا حتى يصلوها لوقتها، فلا ينبغي للمسلم أن يفعل ما يفعل المنافقون.

* * *

411 -

وقال: "الذي تفُوتُهُ صَلاةُ العصرِ فكأنَّما وُتِرَ أهلَهُ ومالَهُ"، رواه ابن عمر.

قوله: "وتر"؛ أي: نقص وأُهلك؛ يعني: فوتُ ثوابِ صلاة العصر عنه أكثرُ خسارةً من فوت أهله وماله.

وهذا الحديث يدل على فضيلة العصر، وعلى أنَّ فوتَ الثواب والخصال الدينية أخسرُ من فوت المال والأهل.

* * *

412 -

وقال: "مَنْ تَرَكَ صلاةَ العَصْرِ حَبطَ عملهُ"، رواه بُريدة.

قوله: "حبط عمله": أي: بَطَلَ، يعني: بطل كمالُ عمله في ذلك اليوم من الصلوات؛ لأن صلاة العصر هي صلاة آخر اليوم، ويرفع ملائكة النهار عمل الرجل إلى حضرة الله تعالى في وقت صلاة العصر، فإذا لم يصل العصر لم يختم عمل ذلك اليوم.

* * *

413 -

قال رافِع بن خَدِيج: كُنَّا نُصلِّي المغربَ معَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فينصرِفَ أحدُنا وإنَّه ليُبصِرُ مَواقِعَ نَبْلِهِ.

(1) في "ت" و"ش": "يطلبون".

ص: 24

قوله: "مواقع نبله"، (المواقع): جمع موقع - بكسر القاف - وهو موضع الوقوع، (النبل): السهم، يعني: يصلي المغرب في أول الوقت بحيث لو رمى أحدٌ سهمًا لأبصر أين سقط.

* * *

414 -

وقالت عائشة رضي الله عنها: كانُوا يُصلُّونَ العَتَمةَ فيما بينَ أنْ يَغيبَ الشَّفَقُ إلى ثُلُثِ اللَّيْلِ الأولِ.

قوله: "يصلون العتمة"، (العتمة): صلاة العشاء.

فإن قيل: كيف قالت عائشة رضي الله عنها للعشاء عتمةً، مع ورود النهي عن تسمية العشاء بالعتمة؟

قلنا: لعلها قالت للعشاء عتمة قبل النهي، وكذلك قال رسول الله عليه السلام للعشاء عتمة في قوله عليه السلام:"ولو يعلمون ما في العتمة والصبح"، ويأتي تمام هذا الحديث في موضعه، وهذا أيضًا كان قبل النهي.

* * *

415 -

وقالت عائشة رضي الله عنها: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لَيُصلِّي الصُّبحَ، فتَنصَرِفُ النِّساءُ مُتَلفِّعاتٍ بمُرُوطِهِنَّ ما يُعْرَفْنَ مِنَ الغَلَسِ.

قولها: "متلفعات بمروطهن"، (التلفُّع): ستر المرأة أعضاءها بالمِرْط، وهو المِلْحَفة، وجمعه: المروط.

قولها: "ما يعرفن من الغلس"، (الغلس): الظلمة، يعني: تمشي المرأة وقد لفَّت مِرْطها عليها، ولا يعرف الرجل إذا نظر إليها أنها امرأة أو رجل من

ص: 25

الظلمة؛ يعني: يصلي الصبح في أول الوقت.

* * *

416 -

وعن قَتادة، عن أنس رضي الله عنهما: أنَّ نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم وزيدَ بن ثابتٍ تَسحَّرا، فلمَّا فَرَغا مِنْ سَحُورِهما قامَ نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم إلى الصَّلاةِ فصلَّى، قُلنا لأنس: كَمْ كانَ بينَ فَراغِهِما مِنْ سَحُورِهما ودُخُولِهما في الصَّلاةِ؟ قال: قدرُ ما يقرأُ الرجُلُ خمسينَ آيةً.

قوله: "تسحرا"؛ أي: أكلا السَّحور.

"فلما فرغا من سَحورهما"، (السحور) بفتح السين: ما يؤكل في وقت السحر، وبضم السين: المصدر، وكلاهما جائز هنا من حيث المعنى، ولكن الرواية بفتح السين.

قوله: "إلى الصلاة"؛ أي: إلى صلاة الصبح.

قوله: "قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية" هذه الفاصلة بين أكل السحور والدخول في صلاة الصبح لا تجوز لكل أحد، وإنما جاز لرسول الله عليه السلام؛ لأنه كان عارفًا بدخول الصبح بطريق الوحي والمعجزة، فأخر السحور إلى هذا الوقت، فإن كان الرجل حاذقًا في علم النجوم، فإن عرف دخولَ الصبح باليقين بعلم النجوم جاز له هذا التأخير أيضًا.

* * *

417 -

عن أبي ذَرٍّ رضي الله عنه قال: قال لي النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "يا أبا ذَرٍّ! كيفَ بِكَ إذا كانتْ عليكَ أُمراءُ يُميتُونَ الصَّلاةَ - أو قال: يُؤَخِّرُونَ الصَّلاةَ؟ "، قلتُ: يا رسولَ الله فما تأمُرُنِي؟ قال: "صَلِّ الصَّلاةَ لِوَقْتِهَا، فإنْ أَدْرَكْتَها معهُمْ فصلِّها؛ فإنَّها لك نافِلَة".

ص: 26

قوله: "كيف بك"؛ أي: كيف بك الحال والأمراء "يميتون"؛ أي: يؤخِّرون الصلاة إلى آخر الوقت؛ يعني: إذا رأيت أئمةً يؤخِّرون الصلاة كيف تفعل، هل توافقهم في تأخير الصلاة أم تصلِّيها في أول الوقت؟.

وإنما ذكر الأمراء؛ لأن الأمراء في ذلك الزمان كانوا يخطبون ويؤمون الناس.

"صل الصلاة لوقتها"؛ أي: صلِّ الصلاة في أول الوقت، ولا تؤخِّرها، فإذا أدركْتَهم يصلون فصلِّ معهم مرة أخرى، وهذا دليلٌ على أن الصلاة في أول الوقت أفضل، ولا يستحب ترك فضيلة أول الوقت لأجل إمام يؤخِّر الصلاة.

وهذا دليلٌ أيضًا على أن الأفضل لمَن صلَّى منفردًا أن يصلِّي بالجماعة مرةً أخرى، وينوي تلك الصلاةَ بالنفل.

* * *

418 -

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أدركَ ركعةً مِنَ الصُّبْحِ قبلَ أنْ تطلُعَ الشَّمْسُ فقدْ أدركَ الصُّبْحَ، ومَنْ أدركَ ركعةً مِنَ العَصْرِ قبلَ أنْ تغرُبَ الشَّمْسُ فقدْ أدركَ العَصْر".

قوله: "من أدرك ركعة من الصبح

" إلى آخره.

معناه ظاهر، والبحث فيه أن الأئمة اختلفوا في أنَّ مَن صلى صلاةً وقع بعضها في الوقت، وبعضها خارج الوقت.

ففي قول: يكون جميعها أداءً، وفي قول: يكون جميعها قضاءً، وفي قول: القَدْرُ الواقع في الوقت أداء، والقَدْرُ الخارج قضاء.

فمَن قال: جميعها قضاء، أو: القَدْرُ الخارج قضاء، لا يجوز أن يؤخِّر الرجل صلاته بغير عذرٍ إلى هذا الحد.

ص: 27

ومَن قال: جميعها أداء، يجوز التأخير إلى هذا الحد، ولكنْ تَرَكَ الاختيار والفضيلة.

* * *

419 -

وقال "إذا أَدْرَكَ أحدُكُمْ سَجدةً مِنْ صلاةِ العصرِ قبلَ أَنْ تغرُبَ الشَّمْسُ فلْيُتِمَّ صَلاتَهُ، وإذا أدركَ سَجدةً مَنْ صَلاةِ الصُّبحِ قبلَ أنْ تَطْلُعَ الشَّمسُ فلْيُتِمَّ صَلاتَه"، رواه أبي هريرة.

قوله: "إذا أدرك أحدكم سجدة" قيل: معنى قوله: "أدرك أحدكم سجدة"؛ أي: ركعة، تلفَّظَ بـ (سجدة) وأراد به ركعة؛ لأن إطلاق البعض على الكل كثيرٌ، كقوله تعالى:{وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43]؛ أي: صلُّوا مع المصلِّين، تلفَّظ بالركوع وأراد به الصلاة.

وقيل: بل المراد سجدة واحدة؛ أي: مَن أدرك من الصلاة قبل غروب الشمس بقَدْرِ سجدةٍ فليُتمَّ صلاته.

واختُلف فيمَن أدرك من الوقت بقَدْرِ ما يكبر تكبيرة الإحرام، ثم خرج الوقت: هل يكون مدركًا للصلاة أم لا؟.

والمراد من قوله: "أدرك أحدكم سجدة" وهذا القدر من أول الصلاة.

* * *

420 -

وقال: "مَنْ نَسِيَ صَلاةً أو نامَ عَنْها، فكَفَّارتُها أنْ يُصلِّيَها إذا ذكَرها"، رواه أنس، وفي روايةٍ:"لا كفَّارَة لها إلَاّ ذلك".

قوله: "أو نام عنها"؛ يعني: كان نائمًا حتى تفوت الصلاة "فكفارتُها أن يصليها إذا ذكرها"؛ يعني: ليس عليه إثم، بل يلزمه القضاء إذا ذكرها، وإنما ليس

ص: 28

عليه الإثم؛ لأنه لا تقصير منه في النسيان والنوم.

وفي رواية: "لا كفارة لها إلا ذلك" يعني: إلا القضاء.

* * *

421 -

وقال: "ليسَ في النَّوْمِ تَفْريطٌ، إنَّما التَّفريطُ في اليَقَظَةِ، فإذا نَسِيَ أحدُكُمْ الصلاة أو نام عنها فليصلِّها إذا ذكَرها"، رواه أبو قَتادة.

ورواه أبو هريرة رضي الله عنه، وزاد:"قالَ الله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} ".

قوله: "إنما التفريط في اليقظة"، (التفريط): التقصير؛ يعني: التقصير إنما يكون إذا لم يكن الرجل نائمًا ولا ناسيًا، وترك الصلاة حتى تَفُوت.

قوله تعالى: " {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] ": اللام بمعنى الوقت والحين، كقوله:{أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78]؛ أي: وقتَ زوال الشمسُ، وحُذف المضاف من {ذكري} ، وتقديره: لذِكْرِ صلاتي، فحذفت الصلاة للعلم بها.

يعني: أقم الصلاة إذا ذَكَرْتَها، فإن كنتَ ناسيًا أو نائمًا، فأنت معذورٌ حتى تنبَّهت من النوم، وزال عنك النسيان.

* * *

مِنَ الحِسَان:

422 -

عن علي كرَّم الله وجهه: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال له: "يا عليُّ، ثلاثٌ لا تُؤخِّرْها: الصَّلاةُ إذا أتتْ، والجنازةُ إذا حَضَرَتْ، والأيِّمُ إذا وجدْتَ لها كُفْؤًا".

قوله: "الصلاة إذا أتت" المشهور بتاءين، من أتى يأتي إتيانًا.

ص: 29

وقيل: هذا تصحيفٌ، بل الصواب: إذا آنَتْ، بوزن: حانت، من آن يئين أينًا: إذا دخل الوقت.

"الأيم": المرأة التي ليس لها زوج بكرًا كانت أو ثيبًا.

قوله: "وجدت لها كفؤًا"، (الكفء): المِثْل، والكفء في النكاح: أن يكون الرجل مثلَ المرأة في: الإسلام، والحرية، والصلاح، والنسب، وحسن الكسب، والعمل، فلا تزوَّج مسلمةٌ بكافرٍ، ولا حرةُ بعبدٍ، ولا صالحةٌ بفاسقٍ، ولا عَلَويةٌ أو هاشميةٌ أو مَن لها نسب مشهور معتبرٌ بمَن لم يكن نسبه مثلَ نسبها، ولا بنتُ فقيهٍ أو تاجرٍ أو مَن له حرفةٌ طيِّبة بمَن له حرفةٌ غيرُ طيِّبةٍ، كالحجَّام والدبَّاغ والحائك والحمَّامي وغير ذلك.

فإن كانت المرأة بالغة ورضيت هي ووليُّها بغير كفءٍ صح النكاح، إلا في تزويج المسلمة بالكافر؛ فإنه لا يصح النكاح، وإن كانت المرأة غيرَ بالغة، وزوَّجها وليُّها بغيرِ كفءٍ بطل النكاح عند الشافعي، وصحَّ عند أبي حنيفة، ولها خيارُ الفسخ بعد البلوغ عنده.

* * *

423 -

وقال عليه السلام: "الوقْتُ الأوَّلُ مِنَ الصَّلاةِ رِضْوانُ الله، والوقتُ الآخِرُ عَفْوُ الله"، رواه ابن عمر.

قوله: "الوقت الأول من الصلاة رضوان الله، والوقت الآخر عفو الله"، رواه ابن عمر.

قال أبو بكر الصدِّيق رضي الله عنه: الرضوان أحبُّ إلي من العفو.

فعند الشافعي: تعجيل الصلوات في أول الأوقات أفضل، إلا الظهر في

ص: 30

شدة الحر، فإن تأخيرها أفضل.

وعند أبي حنيفة: تأخير الصبح والعصر والعشاء أفضلُ من تعجيلهن.

* * *

424 -

وعن أُمِّ فَرْوَة رضي الله عنها قالت: سُئلَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: أيُّ الأعمالِ أفضَلُ؟ قال: "الصَّلاةُ لأِوَّلِ وَقْتِها"، ضعيف.

قوله: "الصلاة لأول وقتها" اللام بمعنى (في)؛ أي: في أول وقتها.

روت هذا الحديث: أمُّ فروةَ بنتُ أبي قُحافة أختُ أبي بكر الصديق.

* * *

425 -

عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما صَلَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم صَلاةً لِوَقْتِها الآخِرِ مَرَّتَيْنِ حتَّى قبضَهُ الله تعالى.

قولها: "ما صلى رسول الله عليه السلام صلاة لوقتها الآخِرِ مرتين حتى قبضه الله تعالى"؛ يعني: صلَّى رسول الله عليه السلام كلَّ صلاة في آخر وقتها مرةً واحدة؛ لبيان آخر وقتها، ولم يصلِّها مرةً أخرى في آخر وقتها، بل صلَاّها في أول وقتها، وهذا دليلٌ على فضيلة أول الوقت.

* * *

426 -

وقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَزالُ أُمَّتي بخيرٍ ما لَمْ يُؤخَّرُوا المَغربَ إلى أنْ تَشتبكَ النُّجومُ"، رواه أبو أَيُّوب.

قوله: "إلى أن تشتبك النجوم"، (الاشتباك): الاختلاط، يعني: تكون أمتي مشغولين بالخير إذا عجَّلوا أداء صلاة المغرب قبل أن تظهر نجومٌ كثيرة،

ص: 31

فإذا أخَّروا أداءها إلى ظهور نجومٍ كثيرة لم يكونوا مشغولين في هذا التأخير بخير.

* * *

427 -

وقال: "لولا أنْ أشُقَّ على أُمَّتِي لأَمرْتُهُمْ أنْ يُؤخِّرُوا العِشاءَ إلى ثُلُثِ اللَّيْلِ أو نِصْفِهِ"، رواه أبو هريرة.

428 -

وقال: "أَعتِمُوا بهَذِهِ الصَّلاةِ، فإنَّكُمْ قد فُضلْتُمْ بها على سائر الأُمَمِ ولمْ تُصَلِّها أُمَّةٌ قَبْلَكُمْ"، رواه مُعاذ بن جبل.

قوله: "أَعْتِموا" أي: أخِّروا، (الاعتمام): التأخير، "بهذه الصلاة"؛ أي: بصلاة العشاء؛ يعني: إذا لم تكن هذه الصلاة لأمةٍ غيرِكم فعظِّموها واجلسوا ذاكرين منتظرين لها إلى أن يذهب بعض الليل، والغرض من هذا التأخير الاشتغال بالذكر وإحياء بعض الليل.

ويحتمل أن يكون معنى (أعتموا)؛ أي: ادخلوا في العتمة، وهي صلاة العشاء، فعلى هذا يكون معناه: بالِغوا في المحافظة على أدائها.

* * *

429 -

وقال: النُّعمان بن بشير رضي الله عنه: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يصَلِّيها لِسُقُوطِ القمَرِ ليلةَ الثَّالِثة.

قوله: "يصليها"؛ أي: يصلِّي العشاء "لسقوط القمر"؛ أي: وقتَ غروب القمر "ليلة الثالث" من الشهر.

جد "النعمان": سعد بن ثعلبة الأنصاري.

* * *

ص: 32