الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
8 - باب زِيارة القُبور
(باب زيارة القبور)
مِنَ الصِّحَاحِ:
1239 -
عن بُرَيْدة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نَهيتُكم عن زيارةِ القبورِ، فزوروها، ونهيتُكم عن لُحومِ الأَضاحي فوقَ ثلاثٍ، فأمسكوا ما بدَا لكم، ونهيتُكم عن النَّبيذ إلا في سِقَاءٍ، فاشرَبُوا في الأَسْقِيَةِ كلِّها، ولا تشرَبُوا مُسْكِرًا".
"نهيتكم عن زيارة القبور"؛ يعني: نهيتكم قبل هذا عن زيارة القبور، ثم رخَّصتُ لكم في زيارتها.
"ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث"، (الأضاحي): جمع أُضحية، وهي ما يُذبح يومَ العاشر من ذي الحجة وأيامَ التشريق للقربان.
كان رسول الله عليه السلام نهاهم عن أن يأكلوا ما بقي من لحوم أضاحيهم بعد ثلاثة أيام، وما بقي بعد ثلاثة أيام في أيِّ وقت شاؤوا وجب عليهم التصدُّق به؛ فرخَّص لهم أن يأكلوا ما بقي من لحوم أضاحيهم بعد ثلاثة أيام، ويلزمهم أن يعطوا الفقراء شيئًا منها، ويجوز أن يعطوا الأغنياء والفقراء، ولكن للفقراء أفضل.
قوله: "ونهيتكم عن النبيذ"؛ يعني: عن إلقاء التمر والزبيب وغيرهما من الحلاوى في الماء، وكانوا يلقون التمر وغيره في الماء ليصير الماءُ حلوًا فيشربونه، فنهاهم النبي عليه السلام أن لا يلقوا إلا في السِّقاء، فإن السِّقاء جلدٌ رقيق لا يَجعل الماء حارًا، فلا يصير مُسْكِرًا عن قريب، بخلاف سائر
الظروف، فإن سائر الظروف تجعل الماء حارًا؛ فيصير النبيذ مسكرًا عن قريب، فرخَّص لهم النبي عليه السلام عن شرب النبيذ من كل ظرفٍ ما لم يَصِرْ مُسْكرًا.
* * *
1240 -
وقال أبو هُريرة رضي الله عنه: زارَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم قبرَ أُمِّه فَبَكَى وأَبكى مَنْ حَوْلَهُ، فقالَ:"استأذنتُ ربي في أنْ أستَغْفِرَ لها فلم يأْذنْ لي، واستأذنْتُهُ في أن أزورَ قبرَها فأَذِنَ لي، فزوروا القبورَ، فإنها تذكِّرُكم الموتَ".
قوله: "وأبكى من حوله"؛ يعني: حتى بكى الذين معه لكثرة بكائه، هذا يدل على أن البكاء جائز.
قوله: "فلم يؤذن لي" وإنما لم يأذن الله تعالى له في أن يستغفر لأمه؛ لأنها كانت كافرةً، والاستغفارُ للكافر والكافرة لا يجوز؛ لأن الله تعالى لن يغفر لهم أبدًا.
قوله: "فاستأذنته في أن أزور قبرها": هذا تعليمٌ لأمته في قضاء حقوق الآباء والأمهات، والأقارب والأصدقاء؛ [أي:] مع أن أمي كافرة لم أترك قضاء حقِّها من الزيارة، فلا تتركوا زيارة قبور المسلمين.
* * *
1241 -
عن بُرَيدَة رضي الله عنه قال: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُهم إذا خَرَجوا إلى المقابرِ: "السلامُ عليكم أهلَ الديارِ من المؤمنينَ والمُسلمينَ، وإنَّا إنْ شاءَ الله بكم لاحِقُونَ، نسأَل الله لنا ولكم العافية".
وعنه في روايةٍ: "إنَّا إنْ شاء الله بكم لاحِقُون، أنتم لنا فَرَطٌ ونحن لكم تَبَعٌ، نسأل الله العافية".
قوله: "السلام عليكم" هذا يدلُّ على أن التسليم على الأموات كالتسليم على الأحياء.
وأما قوله عليه السلام في حديث آخر: "عليك السلام تحية الموتى": وإنما قال هذا بعُرفهم؛ لأن عُرف العرب أن يقولوا إذا سلَّموا على قبر: عليك السلام، فتكلم رسول الله عليه السلام على وفق عادتهم.
قوله: "وإنا إن شاء الله بكم لاحقون" ليس في بعض نسخ "المصابيح" لفظة: (بكم)، ولعله تركٌ من الناسخ؛ لأنه في كتب "الصحاح":"وإنا إن شاء الله بكم لاحقون".
ولفظة: (إن شاء الله) ليست للشك، بل للتبرُّك وزينة الكلام.
وهذا كقوله: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [الفتح: 27]، ومعلومٌ أن لفظة {إِنْ شَاءَ اللَّهُ} في هذه الآية ليست للشك؛ لأن الشك لا يجوز على الله تعالى.
(اللاحقون): الواصلون.
"العافية": الخلاص من المكروه.
* * *
مِنَ الحِسَان:
1242 -
عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: مرَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقبُورٍ بالمدينةِ، فأقْبَلَ عليهم بوجهِهِ فقالَ:"السلامُ عليكم يا أهلَ القبورِ، يغفرُ الله لنا ولكم، أنتم سلفُنا ونحنُ بالأثَرِ". وبالله التوفيق.
قوله: "فأقبل عليهم بوجهه" اعلم: أن زيارة الميت كزيارته في حال حياته، يُستقبل وجهه، فإن كان في الحياة إذا زاره يجلس منه على البعد لكونه
عظيم القدر، فكذلك في زيارته ميتًا يقف أو يجلس منه بالبعد، وإن كان يجلس منه على القرب في حياته، فكذلك يجلس بقربه إذا زاره ميتًا.
وإذا زاره يقرأ الفاتحة، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ثلاث مرات، وإن قرأها اثني عشر كان حسنًا، ثم يدعو له.
روى الحسن البصري، عن أنس بن مالك، عن النبي عليه السلام أنه قال:"من دخل المقابر فقرأ سورة (يس) خفِّف عنهم يومئذ، وكان له بعددِ مَن فيها حسنات".
هكذا نقل هذا الحديث الإمام أبو الفُتوح العِجْليُّ - رحمة الله عليه - في "تفسيره".
ومعنى (خفِّف عنهم): أن يزيل عنهم عذاب ذلك اليوم.
يريد (بعدد من فيها): بعددِ كلِّ ميتٍ في تلك المقابر يحصل حسنةٌ لمَن قرأ (يس).
قوله: "يغفر الله لنا ولكم": هذا يدلُّ على أنَّ مَن يدعو للحيِّ والميت؛ ليُقدِّمْ دعاء الحي على دعاء الميت، وكذلك مَن يدعو لحاضرٍ وغائب ليقدِّم دعاءَ الحاضر على دعاء الغائب، يقول: يغفر الله لك وله، وعليك وعليه السلام، وما أشبه ذلك.
° ° °