الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"أعَدَّها"؛ أي: هيَّأَها "لمَنْ ألْيَنَ الكلامَ"؛ أي: لمن له خُلُقٌ طيبٌ مع الناسِ و (أَلْيَنَ) حقُّه أن تُنْقَلَ فتحةُ الياءِ إلى اللام وتقلَبَ ألفًا، فيقال: ألان، إلا أنه تُرِكَ على أصلِه.
"وتابع الصيام"؛ أي: يُكثِرُ الصيامَ بعد الفريضة.
* * *
33 - باب القَصْد في العمَل
(باب القصد في العمل)
"القصدُ": الوَسَطُ، يعني: لا إسراف ولا تقصير.
مِنَ الصِّحَاحِ:
883 -
قال أنس رضي الله عنه: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُفْطِرُ من الشهرِ حتى نظُنَّ أن لا يصومَ منه، ويصومُ حتى نظُنَّ أن لا يفطرَ منه شيئًا، وكانَ لا تشاءُ أن تراهُ من الليلِ مصليًا إلا رأيتَهُ، ولا نائمًا إلا رأيتَه.
قوله: "حتى نظُنَّ أن لا يصومَ منه"؛ يعني: يفطرُ أيامًا كثيرةً من الشهر حتى نظنَّ أن لا يصوم منه، ثم يصوم باقيَه، وكذلك يصومُ أيامًا كثيرة من الشهر ثم يُفطر؛ يعني لا يصومُ أبدًا ولا يفطرُ أبدًا.
قوله: "وكان لا تشاءُ تراهُ مُصَلَّيًا إلا رأيتَه"، (لا) هنا بمعنى (ليس)، أو بمعنى (لم)؛ أي: ليست تشاء، أو لم تكن تشاء، أو تقديره: لا زمانَ تشاء؛ أي: لا مِن زمانٍ تشاءُ.
* * *
884 -
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحبُّ الأعمالِ إلى الله تعالى أَدْوَمُها وإن قَلَّ".
قوله: "أَحَبُّ الأعمالِ إلى الله تعالى أَدْوَمُها وإن قلَّ"؛ يعني: مَن عَمِلَ وِرْدًا من صومٍ أو صلاةٍ فليداوِمْ عليه، ولهذا الحديث ينكِرُ أهلُ التصوُّفِ تَرْكَ الأوراد كما يُنْكِرُون تَرْكَ الفرائض.
* * *
885 -
وقال: "خذوا من الأعمالِ ما تُطِيقونَ، فإن الله لا يَمَلُّ حتى تَمَلُّوا".
قوله: "خذوا من الأعمال ما تطيقون"؛ يعني: لا تحمِلُوا على أنفسكم أورادًا كثيرةً لا تقتدرون المداومةَ عليها، فإنكم حينئذٍ تَعجزون عنها وتتركونها، وحينئذٍ تنقطعُ عنكم بركتُها، ولكن افعلوا من الأوراد ما تُطيقُون الدوامَ عليه، فإنَّ الله تعالى يحبُّ الدوامَ على العمل.
قوله: "فإن الله لا يَملُّ حتى تملُّوا"، معنى المَلال من الله: تركُ إعطاءِ الثوابِ؛ لأن الملالةَ لا تجوزُ عليه؛ يعني لا يقطع الثوابَ والرحمةَ عنكم حتى تملُّوا وتتركوا عبادتَه، وقيل: معناه ولا يتركُ فضلَه عنكم حتى تتركوا سؤالَه.
* * *
886 -
وقال: "لِيُصَلِّ أحدُكم نشاطَه، فإذا فَتَرَ فليقعُدْ".
قوله: "فإذا فَتَرَ فليقْعُدْ"، (فَتَر): ضعف، يعني: ليصلِّ الرجلُ عن كمالِ الإرادة والذوق، فإذا حصلَ به ملالةٌ فليتركِ الصلاةَ فإن الصلاةَ مناجاةُ الله، ومناجاةُ الله لا تجوزُ عن مَلالة.
* * *
887 -
وقال: "إذا نَعِسَ أحدُكم وهو يصلي فَلْيَرْقُدْ حتى يذهبَ عنه النومُ، فإنَّ أحدَكم إذا صلى وهو ناعسٌ لا يدري لعلَّه يستغفرُ فَيَسُبُّ نفسَهُ".
قوله: "نَعِسَ"؛ أي: نام، والنعاسُ نومٌ خفيفٌ.
قوله: "لعله يَستَغُفِرُ فيَسُبُّ نفسَه"؛ أي: لعله يدعو فيجري على لسانه شتمٌ، أو شيءٌ قبيحٌ وهو لا يدري من النوم.
* * *
888 -
وقال: "إن الدينَ يُسْرٌ، ولن يُشَادَّ الدينَ أحدٌ إلا غَلَبَه، فسدِّدوا وقارِبُوا، وأَبشِروا، واستَعِينوا بالغَدْوَةِ والرَّوْحَةِ وشيءٍ من الدُّلْجَة".
قوله: "إن الدِّين يُسْرٌ"؛ يعني: لا يحملُ الله على عبادِه في الدِّين مَشقَّةً عظيمةً، ولم يفرضْ عليهم من الفرائضِ ما يَلْحَقُهم ضررٌ بأدائها، كما قال الله تعالى:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]، وقال أيضًا {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] فإذا كان كذلك فلا ينبغي لأحدٍ أن يحملَ على نفسِه مشقةً عظيمةً في العبادات بحيث يحصلُ به مَلالةٌ، ويزولُ عنه ذوقُ الطاعة من غاية المَلالة.
قوله: "ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه"، (المشادَّةُ): جَريانُ الشِّدَّةِ والمضايقة بين اثنين، ومثل قوله عليه السلام:"لا تشدِّدوا على أنفسكم"؛ يعني: من أراد أن يقضيَ حقوقَ الدِّين وأن يعبدَ الله حقَّ عبادته لا يَقْدِر، بل يغلبُ عليه الدِّينُ، ويعجَزُ عن أن يقضيَ حقَّ الدِّين وأن يعبدَ الله حقَّ عبادته، بل الطريق أداءُ الفرائضِ والسننِ وشيءٍ من النوافل مَن قَدِرَ عليه، ثم الاعترافُ بالتقصير والعجز.
قوله: "فسَدِّدوا"، قال المصنف: معناه: اقصِدوا السَّدادَ؛ وهو الصوابُ والصراطُ المستقيم.
قوله: "وقاربوا"، قال المصنف أيضًا: معناه: لا تعجِّلُوا، بل كونوا على سكون في الشروعِ في الدِّين كي لا تُتعِبوا أنفسكم، وقيل معناه: الزَموا الوَسَطَ من غير إسراف وتقصير.
قوله: "وأَبْشِروا"؛ أي: افرَحُوا ولا تَحْزَنُوا، فإن الله تعالى كريمٌ يرضى عنكم بأداء فرائضه، ويعطيكم الثوابَ العظيمَ بالعملِ القليل.
قوله: "واستعينوا بالغَدْوة والرَّوْحَة وشيءٍ من الدُّلْجَة"، (الغُدْوَة): أولُ النهار، و (الرَّوْحَة): آخره، و (الدُّلْجَة): اسم من الادِّلَاج - بتشديد الدال - وهو السيرُ في آخر الليل، وقيل بل هي اسمٌ من الإدْلاج - بسكون الدال - وهو السيرُ في أول الليل، يعني: كما أن المسافرَ يقدِرُ على دوامِ المسافرةِ بأن يمشيَ في أولِ النهارِ إلى أن يمضيَ بعضُ النهار، ثم ينزل ويستريح ساعةً، ثم يمشي بعد العَصْر إلى اللَّيل، ثم ينزل ويستريح، ثم يمشي في آخر الليل، فكذلك العابد ينبغي أن يتعبَّدَ ساعةً، ثم يستريحَ ساعةً، وهكذا ساعةً فساعةً حتى لا يتعَب.
* * *
889 -
وقال: "مَنْ نامَ عن حزبهِ، أو عن شيءٍ منه فقرأهُ فيما بينَ صلاةِ الفجرِ وصلاةِ الظهرِ، كُتِبَ له كأنما قرأَه من الليلِ".
قوله: "من نام عن حزبه"، (الحِزْبُ): الوِرْدُ، يعني: منْ كان له وِرْدٌ في الليل من قراءةِ قَدْرٍ من القرآن، أو عددٍ من رَكَعَات الصلاةِ ولم يتيقَّظْ إلا وقتَ الصبحِ وفاتَه وِرْدُه، فإذا فعلَ وِرْدَه في النهار قبلَ الظُّهْرِ فكأنه فَعَلَه في الليل؛ لأنه معذورٌ لأنَّ النومَ ليس باختياره، وإنما خصَّ قبلَ الظهرِ بهذا الحكمِ لأنه متصلٌ
بآخرِ الليل من غير أن تفصِلَ بينهما صلاةُ فريضةٍ غير الصبح.
والصبحُ أيضًا من جملة الليل؛ لأنه بقيَ فيه الظلمةُ، ولهذا لو نوى الصائمُ قبل الزوال صومَ سنةٍ، أو نافلةٍ جازَ، ولو نوى بعد الزَّوال لم يَجُزْ.
* * *
890 -
وقال: "صَلِّ قائمًا، فإن لم تستَطِعْ فقاعدًا، فإن لم تستَطِعْ فعلى جَنْبٍ".
قوله: "فإن لم تَسْتَطِعْ فعلى جَنْبٍ"، كلمةُ (إنْ) للشرط، يعني: تركُ القيامِ يجوزُ بشرطِ العَجْزِ عن القيامِ، وكذلك تَرْكُ القعودِ والانتقالُ منه إلى الاضطجاع، وهذا في صلاة الفريضة، وأما في النافلة فتجوزُ عن القعودِ مع القدرةِ على القيامِ، ولكنَّ ثوابَ القاعدِ نصفُ ثوابِ القائم.
* * *
891 -
وقال: "مَن صلَّى قاعِدًا فله نصفُ أجرِ القائِمِ، ومَن صلَّى نائمًا فله نصفُ أجرِ القاعدِ"، رواهما عِمْران بن حُصين.
قوله: "نائمًا"؛ أي: مُضطجِعًا.
* * *
مِنَ الحِسَان:
892 -
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أَوَى إلى فِراشِهِ طاهرًا يذكرُ الله تعالى حتى يدركَه النُّعاسُ؛ لم يتقلَّبْ ساعةً من الليلِ يسألُ الله شيئًا من خيرِ الدنيا والآخرةِ، إلا أَعطاه إياه".
قوله: "من أَوَى إلى فِراشِه"؛ أي: من دَخَلَ فراشَه.
"طاهرًا"؛ أي: متوضئًا "لم يتقلَّبْ ساعةً"؛ أي: لم تَمضِ ساعةٌ، هذا إذا قرأتَ (ساعةٌ) بالرفع، وإن قرأتَها بالنصب يكون معناه: ولم يتردَّدْ ذاك الرجلُ في فراشِه في ساعةٍ.
* * *
893 -
وقال: "عجِبَ ربنا من رجلينِ: رجلٌ ثارَ عن وِطائه ولِحافِه من بينِ حِبه وأهلِه إلى صلاتهِ فيقولُ الله لملائكَتِه: انظروا إلى عبدي ثارَ عن فِراشِه ووِطائِه من بينِ حِبه وأهلِه إلى صلاتِه، رغبةً فيما عندي وشفَقًا مما عندي، ورجلٌ غزا في سبيلِ الله فانهزمَ مع أصحابهِ، فعلمَ ما عليهِ في الانهزامِ وما لَهُ في الرجوعِ، فرجعَ حتى هُريقَ دَمُه، فيقولُ الله تعالى لملائكَتِه: انظروا إلى عبدي رجعَ رغبةً فيما عندي، وشفقًا مما عندي حتى هُريقَ دمهُ".
قوله: "عَجِبَ ربنا مِن رجلين
…
" إلى آخره، عَجِبَ؛ أي: رَضيَ.
"ثَارَ": أي: قام، (الوطاء): الفِرَاشُ اللَّين، و (اللحافُ): ثوبُ النومِ الذي يكونُ فوقَ النائم.
قوله: "الحِبُّ"، بكسر الحاء: المحبوبُ، "رغبة فيما عندي"، يعني: لِمَا له منَ الرغبةِ فيما عندي مِنَ الثوابِ والجَنَّة.
"وشفقًا"؛ أي: للخوفِ مما عندي من العَذَاب.
"ما عليه"؛ أي: ما عليه من الإثم في الانهزام، وما له في الرجوع؛ أي: وما له من الثَّواب.