الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 - باب غُسْلِ المَيت وتكفينه
(باب غسلِ الميت وتكفينه)
مِنَ الصِّحَاحِ:
1157 -
قالت أُم عَطيَّة رضي الله عنها: دخلَ علينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ونحن نغسلُ ابنتَه فقال: "اغْسِلْنَها وِتْرًا ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا، بماءٍ وسِدْرٍ، واجعلن في الآخرة كافورًا فإذا فرغْتُنَّ فآذِنَّني"، فلما فرَغْنَا آذَنَّاهُ، فألقى إلينا حِقْوَهُ، وقال:"أَشْعِرْنَها إياه".
وفي روايةٍ: "ابدأْنَ بميامِنِها ومواضعِ الوُضوءِ منها"، وقالت: فضفَرنا شعرَها ثلاثةَ قرونٍ فألقَيناها خلْفها.
قوله: "ابدؤوا بميامنها
…
" إلى آخر الحديث.
قولها: "نغسل ابنته"؛ يعني: زينب بنت النبي عليه السلام.
استعمالُ السِّدر في الغسل لنظافة البدن، ولأن السدر باردٌ يشبه الكافور يصلب الجلد.
"حِقْوَه"؛ أي: إزاره.
"أَشْعِرْنها إياه"؛ أي: اجعلْنَ هذا الحِقْوَ تحت الأكفان بحيث يلاصق بشرتها، والمراد منه: إيصال بركته عليه السلام إليها.
قولها: "فضفرنا"؛ أي: فتلنا شعرها "ثلاثة قرون"؛ أي: على ثلاثة أقسام، ولعل المراد بفتل شعرها ثلاثة قرون مراعاةُ عادة النساء في ذلك الوقت، أو مراعاة سنَّة عدد الوتر كسائر الأفعال.
اعلم أن غسل الميت من فروض الكفايات، وكذلك تكفينُ الميت
والصلاة ودفنه، والجهاد، وردُّ السلام، والأمر بالمعروف والنهيُ عن المنكر، والقضاء بين المسلمين، وحفظ جميع القرآن، وتعلُّم العلم إلى أن يبلغ الرجل درجة الفتوى، وتعليمُه، وإقامةُ الحج في كل سنة، ودفعُ الضرر عن المسلمين، كستر العارين، وإطعامِ الجائعين على الأغنياء إذا لم تفِ الزكاة بسدِّ الحاجات، ولم يكن في بيت المال من سهم المصالح ما يصرف إليها.
ومن فروض الكفايات الحِرَفُ والصناعاتُ والعملُ بها، وما يَتمُّ به المعايش، وتحمُّلُ الشهادة وأداؤها.
وفرضُ الكفاية ما إذا قام به واحدٌ أو جماعةٌ سقط الفرض عن الباقين.
روى أصل هذا الحديث محمد بن سيرين عن أم عطية، وروت حفصة بنت سيرين أختُ محمد بن سيرين عن أم عطية.
* * *
1158 -
وقالت عائشة رضي الله عنها: إن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كُفِّنَ في ثلاثةِ أثوابٍ يمانيةٍ، بيضٍ، سَحُوليةٍ، من كُرْسُفٍ، ليس فيها قَميصٌ ولا عِمامةٌ.
قولها: "سحولية" منسوبةٌ إلى سَحُول - بفتح السين -، وهو اسم موضع باليمن.
"الكُرسف": القطن.
قولها: "ليس فيها قميص ولا عمامة"؛ يعني: السنَّة في الكفن ثلاثُ لفائف، واللفائف جمع لفافةٍ مثل ملحفةٍ يلفُّ فيها الميت.
* * *
1159 -
وعن جابر قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "إذا كَفَّن أحدُكم أخاهُ فليُحْسِن كفنَه"
قوله: "فلْيُحْسِن كفنه" رواه جابر: "فلْيُحسِّن" بتشديد السين، وهو أمرُ غائبٍ من التحسين، وهو المبالغةُ في إحسان شيء، والمراد منه: تنظيف الكفن وتبييضه وتعطيره، وليس المراد منه جَعْلُ الكفن كثيرَ القيمة، هكذا قال محيي السنة في "شرح السنة".
* * *
1160 -
وقال خبَّاب بن الأرَتِّ رضي الله عنه: قُتِلَ مُصْعَب بن عُمَير يومَ أُحُدٍ، فلم نجدْ شيئًا نُكَفِّنُه فيه إلا نَمِرَةً، كنا إذا غطَّينا بها رأسَه خرَجَتْ رجلاهُ، وإذا غطَّينا رجليهِ خرجَ رأسُهُ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"ضَعُوها مما يلي رأْسَه، واجعلوا على رجليهِ من الإذْخِر".
قوله: "فلم نجد شيئًا نكفنه فيه إلا نمرة"، (النمرة): نوعٌ من الكساء.
"غطينا"؛ أي: سترنا.
"يلي"؛ أي: يَقْرُب.
"الإذخر": نبتٌ عريض الورق.
هذا دليلٌ على أن ستر جميع الميت بالكفن واجب، والكفن: ما يستر الميت من أيِّ شيءٍ كان يجوز إذا لم يكن محرمًا.
جده جندلة بن سعد بن خزيمة الخزاعي، وقيل: التميمي، وجد مصعب هاشم (1) القرشي.
* * *
(1) في "ت": "مشار"، وفي "ش":"حسان"، وليست في "ق"، والصواب ما أثبت، وانظر "الإصابة"(6/ 123).
1161 -
وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: إنَّ رجلًا كان مع النبي صلى الله عليه وسلم، فَوَقَصَتْهُ ناقتُهُ وهو محرمٌ فماتَ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"اغسِلُوه بماءٍ وسِدْرٍ، وكفِّنُوه في ثوبَيهِ، ولا تُمِسُّوهُ بطِيْبٍ، ولا تُخَمِّروا رأسَه، فإنه يُبعث يومَ القيامَةِ مُلَبيًا".
قوله: "فوقصته ناقته"؛ أي: أسقطته فاندقَّت عنقُه.
قوله: "في ثوبيه"؛ أي: في إزاره وردائه اللَّذَيْن كان لبسهما للإحرام.
"ولا تخمِّروا رأسه"؛ أي: ولا تستروا.
ومذهب الشافعي وأحمد: أن المُحْرِم يكفَّن بلباس إحرامه، ولا يُستر رأسه، ولا يُجعل عليه طيبٌ؛ ليَبْقَى أثر الإحرام، فإنه يُبعث يوم القيامة ويقول: لبيك اللهم لبيك؛ ليعلم الناسُ أنه مات في حال الإحرام.
ومذهب أبي حنيفة ومالك: أنه يُفعل به ما يُفعل لسائر الموتى.
* * *
مِنَ الحِسَان:
1162 -
قال رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: "البَسُوا من ثيابكم البَياضَ، فإنها من خير ثيابكم، وكفِّنوا فيها موتاكم، مِنْ خَيْر أكحالِكم الإثْمِد، فإنه يُنْبتُ الشَّعرَ ويَجلُو البصَرَ"، صحيح.
قوله: "ينبت الشعر"؛ أي: يَنْبُت منه أهدابُ العين، وكثرةُ الأهداب زينةٌ ومنفعة.
"ويجلو البصر"؛ أي: يزيد في نور البصر.
* * *
1164 -
عن أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه: أنه لما حَضَرَهُ الموتُ دعا بثيابٍ جُدُدٍ فَلَبسَهَا، ثم قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الميتُ يُبعثُ في ثِيابهِ التي يَمُوتُ فيها".
قوله: "دعا بثياب جُدُد" بضم الجيم والدال الأولى: جمع جديدة.
قال أصحاب الحديث: إن معنى هذا الحديث ليس كما فهمه أبو سعيد، بل يريد بالثياب: العمل، يعني: يبعث كلُّ واحد يومَ القيامة في عمله.
* * *
1165 -
وعن عُبادة بن الصَّامِت، عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال:"خيرُ الكَفَنِ الحُلَّة، وخيرُ الأُضحيةِ الكبشُ الأقرنُ".
قوله: "خير الكفن الحلة"، (الحلة): إزار ورداء، والمراد هنا: البُرْدُ اليمني.
واختار بعض الأئمة أن يكون الكفن من برود اليمن بدليل هذا الحديث، والأصح: أن الثوب الأبيض أفضل؛ لحديث عائشة.
ولعل فضيلة الكبش الأقرن على غيره في الأضحية لكونه أعظمَ جثةً وسِمَنًا في الغالب.
* * *
1166 -
عن ابن عباس قال: أمرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بِقَتْلَى أُحُد أن يُنزعَ عنهم الحديدُ والجُلودُ، وأن يُدفَنُوا بدمائهم وثيابهم.
قوله: "أمر رسول الله عليه السلام بقتلى أحد
…
" إلى آخره.
"القتلى": جمع قتيل، أراد بـ "الحديد": السلاح والدرع، وأراد بـ (الجلود):