الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما ذكرنا في البزاقِ في الباب المتقدم.
قوله: "أو ليصلِّ فيهما"؛ يعني: إن كانا طاهرين.
رواه أبو هريرة رضي الله عنه.
* * *
8 - باب السُّترة
(باب السترة)
قوله: "السترة": ما يستر شيئًا، والمراد هنا: سجادة، أو عصا، أو غير ذلك مما يظهر به موضعُ سجود المصلي؛ كيلا يمرَّ مارٌّ بين المصلي وبين موضع سجوده.
من الصحاح:
540 -
قال ابن عمر رضي الله عنهما: كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَغْدُو إلى المُصَلَّى وَالعَنَزَةُ بينَ يَدَيْهِ تُحْمَلُ، وَتُنْصَبُ بالمُصَلَّى بينَ يَدَيْهِ، فيُصلِّي إِليها.
قوله: "يغدو"؛ أي: يمشي.
"العَنَزَة": رمح قصير.
"تُنصَبُ"؛ أي: تغرز العنزة في الأرض؛ ليُعْرَفَ موضعُ سجوده؛ ليمرَّ المارُّ خلف العنزة، لا بين العنزة وبين المصلي، وهذا الحديث يدلُّ على أن المصلي ليبيِّنْ موضعَ صلاته بسجادة، أو ليقفْ قريبًا من أسطوانة المسجد، أو ليغرزْ عصا، أو ليخطَّ خطًا.
قال المصنف في "شرح السنة": سترة الإِمام سترة من خلفه؛ يعني: إذا
بيَّن الإمامُ موضع صلاته بعصًا وغيرها، لا حاجةَ للمأمومين إلى غرز العنزة وغيرها.
* * *
541 -
عن عَون بن أبي جُحَيْفة، عن أَبيه قال: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بِالأَبْطَح في قُبَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ أدَمٍ، ورأيتُ بلالًا أَخَذَ وَضُوءَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ورأيتُ النَّاسَ يَبْتَدِرُونَ ذلك الوَضوءَ، فمَنْ أصابَ منهُ شيئًا تمسَّحَ بِهِ، ومَنْ لم يُصِبْ أَخَذَ مِنْ بَلَلِ يَدِ صاحبهِ، ثُمَّ رأيتُ بلالًا أَخَذَ عَنَزةً فَرَكَزَها، وخرجَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في حُلَّةٍ حمراءَ مُشَمِّرًا صلَّى إلى العَنَزَةِ بالنَّاسِ الظُّهْرَ ركعتَيْنِ، ورأيتُ النَّاسَ وَالدَّوَابَّ يَمُرُّونَ بين يَدَي العَنَزةِ.
قوله: "بالأبطح": (الأبطح): موضعٌ بمكة.
"وَضوءَ رسول الله عليه السلام"؛ أي: الماء الذي توضَّأ به رسولُ الله عليه السلام.
"يبتدرون"؛ أي: يسرعون إلى ذلك الماء، يأخذونه، ويمسحون به وجوههم وأعضاءهم؛ ليصيبوا بركةَ رسول الله عليه السلام.
"تمسَّحَ به"؛ أي: مسح به أعضاءه، وهذا دليلٌ على أن الوَضُوءَ طاهرٌ.
قوله: "في حُلَّةٍ حمراء": تأويلُ هذا أنه لم تكن تلك الحلةُ حمراءَ جميعها، بل كان به خطوط حمرٌ، لأن الثوبَ الذي هو أحمر من غير أن يكون فيه لونٌ آخرُ غيرُ الأحمر مكروهٌ للرجال.
قال الخطابي: قد نهى رسول الله عليه السلام الرجالَ عن لبس المعصفرة، وكره لهم الحُمرةَ في اللباس، وكان ذلك منصرفًا إلى ما صبغ من الثياب بعد النسج، فأما ما صُبغَ غزله، ثم نسج، فغيرُ داخل في النهي؛ لأن
ما صُبغ غزله ثم نُسِج قد يكون بعضُ ألوانه أحمر، وبعضه لونًا آخر، فإن كان الثوب الذي صبغ غزله فنسج جميعه أحمر فهو منهي كالأحمر الذي يُصبَغ بعد النسج.
وإنما نَهَى الرجالَ عن لبس الثياب الحمر؛ لما فيه من المشابهة بالنساء، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: لعن النبيُّ صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشابهات من النساء بالرجال.
قوله: "مشمرًا"، (التشمير): ضمُّ الذيل ورفعُهُ للعدْوِ، ومشمرًا هنا معناه: مسرعًا عن جلادة.
* * *
542 -
عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما: كانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يُعَرِّضُ راحلتَهُ فيُصلِّي إِلَيْهَا، قلتُ: أفَرَأَيْت إذا هَبَّتِ الرِّكابُ؟ قال: كانَ يأخُذُ الرَّحْلَ فَيُعَدِّلُهُ فيُصلِّي إلى آخِرَتِهِ.
قوله: "يعرض راحلته"؛ أي: يُنيخُ ويُبرِك جمله بالعرض بينه وبين القبلة، ويصلي نحوه؛ ليكون الجمل مانعًا بينه عليه السلام وبين المارين.
(عرض يعرُض) بضم الراء وكسرها: إذا وضع شيئًا بالعرض.
"أفرأيت"؛ أي: أخبرني.
"إذا هبتِ الرِّكاب"؛ أي: إذا سارت الجمال إلى الصحراء إلى أيِّ شيء يصلي؟
هبَّ البعير يهبُّ هَبًا: إذا نشط في السير وأسرع.
(الركاب): جمع لا واحدَ له من لفظه، بل واحدة: راحلة.
"فيعدِّله": بتشديد الدال؛ أي: يُسوِّيه ويقوِّمه.
"آخرة الرحل": خلفه.
* * *
543 -
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا وضَعَ أحدُكُمْ بينَ يدَيْهِ مِثْلَ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ فَلْيُصَلِّ، ولا يُبالِ مَنْ مرَّ وراءَ ذلك".
قوله: "مثل مُؤخِرةِ الرَّحل"، (مُؤخِرة الرحل) بكسر الخاء: خلف الرحل؛ يعني: إذا وضع شيئًا مرتفعًا بقدر مؤخرة الرحل وصلَّى، فلا يضرُّه من مرَّ وراء ذلك.
"رواه موسى بن طلحة، عن أبيه".
* * *
544 -
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو يَعلَمُ المارُّ بينَ يَدَي المصلِّي ماذا عليهِ لكانَ أنْ يقفَ أربعينَ خيرًا له مِنْ أَنْ يَمُرَّ بينَ يَدَيْهِ"، قال الراوي: لا أدري أقال: "أربعينَ يومًا، أو شهرًا، أو سنةً".
قوله: "ماذا عليه"؛ أي: أيُّ قدرٍ عليه من الإثم بسبب المرور بين يدي المصلي.
قوله: "لا أدري قال: أربعين يومًا، أو شهرًا، أو سنة"، قال بعض أصحاب الحديث: إنه يريد بهذا أربعين سنة لا شهرًا ولا يومًا؛ لأن هذا وعيدٌ وزجرٌ عن المرور، وما فيه الوعيد أكثرُ، فهو أوفقُ لمقصود الزجر، ولا شكَّ أن الوعيد في أربعين سنة أكثر، فيكون أربعين سنة أصح من أربعين شهرًا، أو يومًا.
و"أبو الجهم"(1) هذا هو: عبد الله بن جُهَيم الأنصاري، ويقال: هو ابن
(1) كذا في جميع النسخ، وإنما هو "أبو جُهَيم"، والله أعلم.
أخت أُبيِّ بن كعب.
* * *
545 -
وقال: "إذا صَلَّى أحدُكُمْ إلى شيءٍ يستُرُهُ مِنَ النَّاسِ فأرادَ أحدٌ أنْ يجتازَ بينَ يدَيْهِ فليَدْفَعْهُ، فَإِنْ أبي فلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّمَا هو شَيْطانٌ".
قوله: "يجتاز"؛ أي: يمر.
"فليقاتله"؛ أي: فليحاربه؛ يعني: فليدفعه بالقهر، وليس معناه جواز قتله، بل لو قتله عمدًا يجب عليه القصاصُ، ولو قتله خطأ تجب عليه الدية، بل معناه المبالغةُ في كراهية المرور بين المصلي وبين السترة، والمبالغةُ في استحباب دفع المارِّ.
قوله: "وإنما هو شيطان"؛ يعني: يفعل فعل الشيطان؛ لأن تشويشَ المصلي فعلُ الشيطان.
* * *
546 -
عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم[قال]:"تَقطعُ الصَّلاةَ المرأةُ، والحمارُ، والكَلْبُ، وَيَقي ذلك مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ".
قوله: "يقي"؛ أي: يحفظ ويدفع "ذلك"؛ أي: ذلك القطع.
يعني: إذا مرَّ بين يدي المصلي امرأة أو حمار أو كلب، تبطل صلاته، فإن كان هناك سترةٌ، ومرت هذه الثلاثة وراء السترة، لا يضر.
هذا ظاهر الحديث، ولكن لا يجوز أن يُحمَل هذا الحديث على ظاهره؛ لأحاديث تأتي بعد هذا على خلاف هذا الحديث، ومعنى "يقطع الصلاة" هنا: يقطع كمال الصلاة؛ لأن الرجل إذا مر بين يديه شيء من هذه الأشياء يتشوش
قلبه، ويزول حضوره، فإذا زال الحضورُ زال كمالُ الصلاة.
* * *
547 -
قالت عائشة رضي الله عنها: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصلَّي مِنَ اللَّيْلِ وأنا مُعْتَرِضَةٌ بينهُ وبينَ القِبْلَةِ كاعْتراضِ الجَنازَةِ.
قولها: "مُعترِضَة"، (الاعتراض): صيرورةُ الشيء حائلًا بين شيئين.
وقولها: "أنا معترضة"؛ أي: أنا مضطجعة بينه وبين القبلة، كما توضع الجنازة بين المصلي وبين القبلة.
والغرض من هذا الحديث: بيان أن المرأة لا تقطع الصلاة إذا مرَّت أو اضطجعت بين يدي المصلي.
وفي هذا الحديث فائدة لطيفة، وهي: أن السنة في الاضطجاع أن يضطجع مستقبلَ القبلة.
* * *
548 -
وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أقبلتُ راكبًا على أتانٍ وأنا يومئذٍ قد ناهزتُ الاحتِلامَ، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصلَّي بالنَّاسِ بمِنًى إلى غيرِ جِدارٍ، فمرَرْتُ بينَ يَدَيْ بعضِ الصَّفِّ، فنَزَلَتُ، وأرسَلْتُ الأتانَ تَرتَعُ، ودخلتُ الصفَّ، فلمْ يُنْكِرْ ذلكَ عليَّ أحَدٌ.
قوله: "أقبلت"؛ أي: جئت.
"الأتان": الحمار الأنثى.
"ناهزتُ"؛ أي: قاربت؛ يعني: كنت قريبًا من البلوغ.
"إلى غير جدار"؛ يعني: إلى غير سترة، بل استقبلَ الصحراءَ.
والغرض من هذا الحديث: أن مرورَ الحمار بين يدي المصلي لا يقطعُ الصلاة.
* * *
مِنَ الحِسَان:
549 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا صلَّى أحدُكُم فليَجْعَلْ تِلقاءَ وجهِهِ شيئًا، فانْ لمْ يجدْ فليَنْصِبْ عصَاه، فإنْ لمْ يَكُنْ معهُ عصًا فليَخْطُطْ خطًّا، ثمَّ لا يضُرُّهُ ما مرَّ أمامَهُ".
قوله: "فليخطُطْ خطًا": وفي كيفية الخطِّ خلاف؛ فقيل: يخط المصلي من عند قدمِهِ خطًا طويلًا نحو القبلة، وقيل: بل يخطُّ عند موضع سجوده خطًا على العرض؛ ليكن الخط مثل جنازة موضوعة بين يديه.
* * *
550 -
وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا صلَّى أحدُكُمْ إلى سُتْرَةٍ فلْيَدْنُ منها، لا يقطَعِ الشيطانُ عليهِ صلاتَه".
قوله: "فليَدْنُ"؛ أي: فليقرب.
قال الشافعي: ليكن بين المصلي وبين السترة ثلاثةُ أذرع أو أقل، ومثله قال أحمد.
وقال أبو حنيفة: لتكن السترة عند موضع السجود.
قوله: "لا يقطع الشيطان عليه صلاته"؛ يعني: حتى لا يشوشَ الشيطانُ عليه صلاته.
كنية "سهل": أبو عبد الله، واسم أبيه: عبيد الله بن ساعد.
* * *
551 -
وقال المِقْداد بن الأَسْوَد: ما رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلِّي إلى عمودٍ ولا عُودٍ، ولا شجرةٍ إلَّا جعلَهُ على حاجبهِ الأيمنِ أو الأيسر، ولا يَصْمُدُ له صَمْدًا.
قوله: "ولا يصمُدُ له صَمْدًا": صمد - بفتح العين في الماضي وضمها وكسرها في الغابر - صمدًا: إذا قصد.
يعني: إذا صلَّى إلى سترة، ولا يجعل تلك السترة تلقاء وجهه، بل يجعلها مائلًا عن يمينه، أو عن يساره؛ احترازًا عن مشابهة الذين يعبدون الأصنام، فإنهم يتوجهون إليها عند السجود.
* * *
552 -
وقال الفضل بن عباس: أَتانا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ونحنُ في باديةٍ لنا ومعه عباس، فصلَّى في صحراءَ ليسَ بينَ يدَيْهِ سُترةٌ، وحمارةٌ لنا وكلْبةٌ تعبَثان بينَ يدَيْهِ، فما بالَى بذلك.
"وحمارة لنا"، التاء في (حمارة) و (كلبة) للإفراد، كما يقال: تمر وتمرة، ويحتمل أن تكون للتأنيث.
والغرض من هذا الحديث: بيان أن مرورَ الحمار والكلب بين يدي المصلي لا يقطعُ الصلاة.
* * *
553 -
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقطعُ الصَّلاةَ شيءٌ، وادْرَؤُوا ما استطَعتُمْ، فإنَّما هو شَيطانٌ".
"وادرؤوا ما استطعتم"، (الدرء): الدفع؛ يعني: إذا مرَّ بين أيديكم شيء وأنتم في الصلاة لا يقطع صلاتكم، ولا يبطل صلاتكم، ولكن ادفعوا وامنعوا