الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
34 - باب الوِتر
(باب الوتر)
مِنَ الصِّحَاحِ:
894 -
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الليل مَثْنَى مَثْنَى، فإذا خشِيَ أحدُكم الصُّبحَ صلَّى ركعةً واحدةً تُوتر له ما قد صلَّى".
قوله: "صلاةُ اللَّيلِ مَثْنَى مَثْنَى، إذا خشيَ أحدُكم الصبحَ صلَّى رَكعةً واحدةً"، قال الشافعيُّ: إن صلاةَ اللَّيلِ والنهارِ يسلِّمُ من كل رَكعتين غير الفريضة؛ لِمَا رُوِيَ عن ابن عمرَ عن النبي عليه السلام أنه قال: "صلاة الليل والنهار مَثْنَى مَثْنَى".
وقال بعضُ أصحابِ أبي حنيفة: إن صلاةَ اللَّيل يُسلِّمُ من كلِّ رَكعتين، وصلاة النهار يُسلِّمُ عن أربعٍ.
* * *
895 -
وقال: "الوِتْر ركعةٌ من آخِر اللَّيل".
قوله: "الوتر ركعة من آخر الليل"؛ يعني: أقلُّ الوِتْر رَكعةٌ، وآخرُ وقتِها آخرُ الليل.
* * *
896 -
وقالت عائشة رضي الله عنها: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصلِّي من اللَّيلِ ثلاثَ عشرةَ ركعةً يُوتِرُ من ذلكَ بخمسٍ لا يَجلِسُ في شيءٍ إلا في آخرِها.
قوله: "يُصلِّي من الليل ثلاثَ عشرةَ رَكعةً
…
" إلى آخره؛ يعني: يُصلِّي ثماني رَكَعاتٍ بأربعِ تسليمات، ثم يُصلِّي خمسَ رَكَعاتٍ بنيَّةِ الوِتْرِ بتسليمةٍ واحدةٍ لا يجلسُ إلا في آخرِها، ولو صلَّى رجلٌ رَكَعاتٍ كثيرةً ثم لا يجلسُ إلا في آخرِها جاز، ولو جلسَ في الآخرة - وقيل في الأخيرة - جاز أيضًا.
* * *
897 -
عن سَعْد بن هشام رضي الله عنه أنه قال: انطلقْنا إلى عائشةَ رضي الله عنها فقلتُ: يا أمَّ المؤمنينَ، أَنْبئيني عن خُلُقِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؟، قالت: أَلَستَ تَقْرأُ القُرآنَ؟، قلت: بلى، قالَتْ: فإن خُلُقَ نبيِّ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ القرآنَ، قلتُ: يا أمَّ المؤمنينَ، أَنبئيني عن وِتْرِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؟، قالت: كُنَّا نُعِدُّ لَهُ سواكَه وطَهُورَه، فَيَبعثُه الله ما شاءَ أن يبعثَه من الليلِ، فَيتسوَّكُ ويتوضَّأ ويُصلِّيَ تسعَ ركعاتٍ لا يَجلِسُ فيها إلا في الثامنةِ، فَيذكُر الله، ويَحمَدُه، ويدعُوه، ثم ينهضُ ولا يُسلِّم فيصلي التاسعةَ، ثم يقعدُ فَيذكرُ الله، ويحمدُه، ويدعُوه، ثم يسلِّمُ تسليمًا يُسمِعُنا، ثم يُصلِّي ركعتَينِ بعدَ ما يُسلِّمُ وهو قاعدٌ، فتلكَ إحدى عشرةَ ركعةً، فَلَمَّا أَسَنَّ وأخذَ اللَّحْمَ أَوترَ بسبعٍ، وصنَعَ في الركعتينِ مثلَ صَنيعِه في الأُولى، فتلْكَ تسعٌ يا بنيَّ، وكانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاةً أحبَّ أن يُداومَ عليها، وكان إذا غلبَهُ نومٌ أو وجعٌ عن قيامِ الليلِ صلى من النهارِ ثنتي عشرةَ ركعةً، ولا أعلمُ نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم قرأَ القرآنَ كلَّه في ليلةٍ، ولا صلَّى ليلةً إلى الصُّبحِ، ولا صامَ شهرًا كاملًا غيرَ رمضان.
قولها: "كان خلقه القرآن
…
إلى آخره": يعني: كان خلقه مذكورًا في القرآن في قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4].
"أَنْبئيني"، أي: أخبريني.
"نُعِدُّ" - بضم النون -؛ أي: نهيئُ له سِواكَه وطَهُورَه؛ أي: ماءَ وضوئه.
"فيبعثُه الله"؛ أي: يُوقِظُه الله من النومِ فيذكرُ الله ويحمَدُه؛ يعني: يقرأُ التشُّهدَ.
"يُسْمِعُنا"؛ أي: يرفعُ صوتَه بالتسليم بِحيثُ نسَمعُه.
"أَسَنَّ"؛ أي: كبرَ، و"أخذَ اللَّحْمَ"؛ أي: ضَعُفَ.
"وصَنَعَ"؛ أي: فعلَ في الرَّكْعَتين؛ أي: صلَّى رَكعتين من غيرِ القُعود بعدَ السَّبْع.
* * *
898 -
عن عبد الله بن عُمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجْعَلوا آخرَ صلاتِكم باللَّيلِ وِتْرًا".
قوله: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا"؛ يعني: السنة أن يختِمَ الرجلُ صلاتَه في اللَّيل بالوِتْر.
* * *
899 -
وقال: "بادِرُوا الصُّبحَ بالوترِ".
قوله: "بادروا الصبح بالوتر"؛ يعني: أسرِعُوا بأداءِ الوِتْر قبلَ الصُّبْح.
* * *
900 -
عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن خافَ أن لا يقومَ مِن أخرِ الليلِ، فليُوترْ أولَّه، ومن طَمِعَ أن يقومَ آخِرُهُ فليُوترْ آخِرَ الليلِ، فإن صلاةَ آخرِ الليلِ مشهودةٌ، وذلكَ أفضلُ".
قوله: "مَشْهودةٌ"؛ أي: محضورة؛ أي: فِعْلُ الصلاةِ في هذا الوقتِ فِعْلُ الأنبياءِ والأولياءِ وغيرِهم من عباد الله.
901 -
وقالت عائشة رضي الله عنها: "مِن كُلِّ الليلِ أَوْتَرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِن أوَّلِ اللَّيلِ وأَوْسَطِه وآخرِه، وانتهى وِتْرُه إلى السَّحَرِ".
قوله: "أوترَ رسولُ الله عليه السلام مِن أولِ اللَّيل"، الحديثُ أولَ وقتِ الوِتْر بعدَ أداءِ فريضةِ العِشَاءِ إن صلَّى الوترَ بثلاث، أو أكثر، وإن صلَاّها برَكعةٍ واحدة فالأصحُّ أنه يجوزُ أداؤُها بعد فرضِ العِشاء، وقيل: لا يجوزُ حتى يصلِّيَ السُّنَّةَ أو غيرَها، وآخرُه قُبَيلَ الصُّبحِ.
* * *
902 -
وقال أبو هريرة رضي الله عنه: أَوْصاني خليلي بثلاثٍ: صيامِ ثلاثةِ أيامٍ مِن كلِّ شهرٍ، وركعتي الضحى، وأن أُوتِرَ قبلَ أن أنامَ.
قوله: "خَلِيلي"؛ يعني: رسول الله عليه السلام.
"صيامِ ثلاثةِ أيامٍ"؛ يعني: أيام البيض، وهو الثالثَ عشرَ والرابعَ عشرَ والخامسَ عشرَ.
* * *
مِنَ الحِسَان:
903 -
عن غُضَيف بن الحارث قال: قلت لعائشة رضي الله عنها: أرأيتِ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كانَ يغتسلُ من الجنابةِ في أولِ الليلِ أَمْ في آخرِه؟، قالت: رُبَّما اغتسل في أولِ الليلِ ورُبَّما اغتسلَ في آخره، فقلت: الحمدُ للهِ الذي جعلَ في الأمرِ سَعَةً، قلتُ: كانَ يُوتِرُ في أولِ الليلِ أَمْ في آخِرِه؟، قالت: رُبَّما أَوترَ في أولِ الليلِ ورُبَّما أوترَ في آخرِه قلتُ: الحمد لله الذي جعل في الأمر سعَةً، قلت: كانَ يجهرُ بالقراءةِ أم يَخفِت؟، قالت: رُبَّما جهَرَ ورُبَّما خَفَتَ، قلت: الله أكبر، الحمد لله الذي جعلَ في الأمرِ سَعَةً.
قوله: "خَفَتَ"، ضدُّ جَهَرَ.
* * *
904 -
وسُئلت عائشة رضي الله عنها: بِكَم كانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يُوتِر؟، قالت: كان يُوتِر بأربعٍ وثلاثٍ، وستٍ وثلاثٍ، وثمانٍ وثلاثٍ، وعشرٍ وثلاثٍ، ولم يكنْ يُوتِر بأَنقَصَ من سبعٍ، ولا بأكثرَ من ثلاثَ عشرةَ.
قولها: "بأربعٍ وثلاثٍ"؛ يعني: يُصَلِّي أربعًا بتسليمتين، وثلاثًا بتسليمةٍ واحدةٍ، وكذلك في آخرِ الحديث: يصلِّي ما قبلَ الثلاثِ كلَّ رَكعتين بتسليمةٍ.
* * *
905 -
عن أبي أَيُّوب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوِترُ حقٌّ على كلِّ مسلمٍ، فمن أَحبَّ أن يُوتِرَ بخمسٍ فليفعلْ، ومَن أحبَّ أَنْ يُوتِرَ بثلاثٍ فليفعلْ، ومَن أحبَّ أن يوتِرَ بواحدةٍ فليفعل".
قوله: "الوِتْرُ حَقُّ"، (الحقُّ) هنا معناه: السُّنَة، وتَلَفُّظُه عليه السلام بهذا اللَّفظ للتأكيد، هذا عند الشافعي، وعند أبي حنيفة معناه: الوجوب.
* * *
906 -
وقال: "إن الله تعالى وِتْرٌ يُحبُّ الوِترَ، فأَوتِروا يا أهلَ القُرآنِ".
قوله: "يا أهلَ القرآن"؛ يعني: يا أيها المسلمون.
* * *
907 -
قال: "إن الله أَمَدَّكم بصلاةٍ هي خيرٌ لكم من حُمْرِ النَّعَم: الوِترُ، جعلَه الله فيما بينَ صلاةِ العِشاءِ إلى أنْ يَطلُعَ الفجْر".
قوله: "أَمَدَّكم"؛ أي: زادَ على صلاتِكم صلاةً أخرى، وهي الوِتْر.
"الحُمْر": جمع أَحْمرَ، و"النَّعَمُ": هنا الإبل، والإبلُ الأحمرُ عندَهم أعزُّ الأموال فقال عليه السلام: هذه الصلاةُ خيرٌ لكم مما تحبون من أموال الدنيا لأنها ذخيرة الآخرة، والآخرة خير وأبقى.
"الوتر": هي مجرورةٌ لأنها بدلٌ لقوله: أَمَدَّكم بصلاةٍ، ويجوزُ أن يكونَ مرفوعًا على تقديرِ فهي الوِتْر.
رواه خارجةُ بن حُذَافةَ، جَدُّ خارجةَ: غانمُ بن عامرِ بن عبد الله بن عبيدٍ القُرَشي.
* * *
908 -
وقال: "مَن نامَ عن وِتْرهِ فليُصَلِّ إذا أَصبَحَ"، مُرسَل.
قوله: "مَنْ نامَ عن وِتْرِه فلْيُصَلِّ إذا أصْبَحَ"، رواه زيدُ بن أَسْلم، يعني: مَن فاتَه الوِتْرُ.
فَلْيقْضها بعد الصُّبحِ متى اتفق، رواه ثعلبة بن عديِّ بن العَجْلان الأنصاري.
* * *
909 -
سُئلت عائشةُ رضي الله عنها: بأي شيءٍ كان يوترُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟، قالت: كان يقرأُ في الأُولى بـ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} ، وفي الثانية بـ:{قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، وفي الثالثة بـ:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} والمُعوِّذتين.
قولها: "بأيِّ شيءٍ يُوْتِر"؛ يعني: أي شيءٍ يقرأُ في الوِتْر.
* * *
910 -
وعن الحسنِ بن علي رضي الله عنهما أنه قال: علَّمَني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم كلماتٍ
أقولُهنَّ في قنوتِ الوِترِ: "اللهم اهدِني فيمَن هدَيتَ، وعافِني فيمَن عافيتَ، وتَوَلَّني فيمَن تَوَلَّيْتَ، وبارِكْ لي فيما أعطيتَ، وَقِني شرَّ ما قضيتَ، فإنَّكَ تَقضي ولا يُقضَى عليكَ، إنه لا يَذِلُّ مَنْ والَيْتَ، ولا يَغِرُّ من عاديتَ، ولا يضل من هديت، تباركتَ ربنا وتعالَيْتَ".
قوله: "فيمن هديت"؛ أي: فيمن هديتهم؛ يعني: اجْعَلْني من جملةِ الذين هديتَهم إلى الصراط المستقيم.
"وتولَّني": هذا أمرٌ مخاطَبٌ مِنْ (تَولَّى) إذا أحبَّ أحدًا وقام بحِفْظِ أموره، "من واليتَ"؛ أي: مَنْ أحببتَ.
* * *
911 -
وعن أُبي بن كَعْبٍ قال: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا سلَّم من الوترِ قال: "سُبحانَ المَلِكِ القُدُّوسِ" ثلاثَ مراتٍ يرفعُ في الثالثةِ صوْتَه.
قوله: "سبحان الملك القدوس ثلاث مرات"، (القُدُّوسُ): الطاهِرُ.
هذا الحديث يدلُّ على أن الذِّكْرَ برفْعِ الصوتِ جائزٌ، بل مستحَبٌّ إذا لم يكن فيه الرِّياءُ ليتعلَّمه الناسُ، لإظهارِ الدِّينِ ووصولِ بركةِ صوتِ الذِّكْرِ إلى السامعين والدُّور والبيوت والحيوانات، وليُوَافقُها القائل، مِنْ سمعِ صَوْتِه، وليشهدَ له يومَ القيامةِ كلُّ رَطْبٍ ويابسٍ سَمِعَ صوتَه.
وبعض المشايخ يختارُ إخفاءَ الذكر؛ لأنه أبعدُ من الرِّياء، وهذا يتعلَّقُ بالنية، فمن كانت نيتُه صادقةً فرفعَ الصوتَ بقراءة القرآنِ والذِّكْر أولى لما ذَكَرْنا، ومن خافَ من نفسه الرِّياءَ فالأَولى له إخفاءُ الذِّكْرِ كي لا يقعَ في الرِّياء، والله أعلم.
* * *