الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا يدخل الجنةَ مع هذه الخصلة، حتى يُجعَلَ طاهرًا منها؛ إما بالتوبة في الدنيا، أو بأن يعفوَ الله عنه، أو بأن يُعذبَه ثم يدخل الجنةَ.
روى هذا الحديثَ أبو بكر الصدِّيق رضي الله عنه.
* * *
1330 -
وقال: "شرُّ ما في الرجلِ شُحٌّ هالِعٌ، وجبن خالعٌ".
قوله: "شرُّ ما في الرجل شُحٌّ هالِعٌ"، (الهالع): الجزع، فهو ضد (الصابر)؛ أي: بخلٌ يجزعُ صاحبُه عند إخراج الحق من ماله، و (هالع)؛ أي: ذو هَلَع.
قوله: "أو جُبن خالع"، (الخلع): نزع الشيء وإخراجه، و (الجبن): ضد الشجاعة؛ يعني: جبن يمنع الرجلَ من المحاربة مع الكفار، ويمنعُه من الدخول في الخيرات.
روى هذا الحديثَ أبو هريرة.
* * *
7 - باب فضل الصدقة
(باب فضل الصدقة)
مِنَ الصِّحَاحِ:
(من الصحاح):
1331 -
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن تَصَدَّقَ بعِدْلِ تَمْرةٍ من كَسْبٍ طَيبٍ - ولا يقبلُ الله إلا الطيبَ - فإن الله يتقبَّلُها بيمينِهِ، ثم يُرَبيها لصاحِبها كما
يُرَبي أحدُكم فَلُوَّه حتى تكونَ مِثْلَ الجَبَلِ".
قوله: "العَدل" بفتح العين: ما يُعادل شيئًا؛ أي: يُماثل شيئًا، و (العِدْل) بكسر العين: المِثْل؛ يعني: مَن تصدَّق بتمرةٍ أو مِثْلِها من مالٍ آخرَ.
"الطيب": الحلال.
قوله: "فإن الله يتقبَّلها بيمينه"؛ أي: يَقبَلها بحسن قَبوله وحسن رضاه.
قوله: "ثم يُربيها"؛ أي: ثم يزيدها ولا يُضيعها ولا يَنقصها.
"كما يُربي أحدُكم فُلُوَّه" بفتح الفاء وتشديد الواو: المُهر، كما يربي أحدُكم مُهْرَه.
"حتى تكون مثل الجبل"؛ فكذلك يُضاعف الله جزاءَ الصدقة إلى سبع مئة ضعف، ويزيد.
روى هذا الحديثَ أبو هريرة.
* * *
1332 -
وقال: "ما نقصَتْ صدَقةٌ مِنْ مالٍ، وما زادَ الله عبْدًا بعفْوٍ إلا عِزًا، وما تَواضَعَ أَحَدٌ للهِ إلا رَفَعهُ الله".
قوله: "ما نَقَصَتْ صدقةٌ من مالٍ"؛ يعني: لا ينقصُ المالُ بالصدقة، بل يزيد خيرُه وبركتُه، ويُرزَق صاحبُها أضعافَ ما أَعطَى.
قوله: "وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عِزًّا"؛ يعني: لو ظلمَ أحدٌ أحدًا، وَيقدِر المظلوم على الانتقام من الظالم، فيعفو عنه يزيدُ الله عِزَّه بسبب هذا العفو.
روى هذا الحديثَ أبو هريرة.
* * *
1333 -
وقال: "مَن أَنْفَقَ زَوجَينِ من شيءٍ من الأشياءِ في سبيلِ الله دُعِيَ من أَبوابِ الجنةِ، وللجنةِ ثمانية أبوابٍ، فمَن كانَ مِن أهلِ الصلاةِ، دُعِيَ من بابِ الصلاةِ، ومَن كانَ مِن أَهلِ الجهادِ دُعيَ من بابِ الجهادِ، ومَن كان من أهلِ الصدقةِ دعُي من باب الصَّدَقةِ، ومَنْ كانَ مِن أهلِ الصِّيامِ دُعي من بابِ الرَّيانِ"، فقالَ أبو بَكْرٍ: ما على مَن دُعيَ من تلكَ الأبوابِ مِن ضرورةٍ، فهل يُدعَى أحدٌ من تلك الأبواب كلِّها؟، قال:"نعم، وأَرجُو أنْ تكونَ مِنْهم".
قوله: "مَن أَنفق زوجَين من شيءٍ من الأشياء"، قد جاء في بعض الروايات: أنه قيل لرسول الله عليه السلام: "وما زوجان؟ قال: فَرَسَانِ أو عَبْدَانِ أو بَعِيرانِ من إبله"؛ معناه: مِن كل شيءٍ يُتصدَّق به يُشفَع من ذلك الجنس؛ أي: يُعطَى شيئَين لا شيئًا واحدًا، فإن أَعطَى الدرهمَ يُعطَى الدرهمَين، وإن أَعطَى ثوبًا يُعطَى ثَوبَين، وكذلك جميع الأشياء.
قوله: "فمَن كان من أهل الصلاة"؛ يعني: مَن كان يُكثر صلاةَ النافلة إذا قَرُبَ من الجنة نُودِيَ من باب الصلاة: يا عبدَ الله! ادخلِ الجنةَ من هذا الباب.
"ومَن كان من أهل الجهاد"؛ يعني: يُكثر الجهادَ نُودِيَ أيضًا من باب الجهاد، وكذلك جميع الخيرات.
قوله: "من باب الريَّان": ضد (العطشان)؛ يعني: يُسقَى الصائمُ من ذلك الباب شرابًا طهورًا قبل أن يدخلَ وسطَ الجنة؛ ليزولَ عطشُ الصيام عنه.
قوله: "ما على مَن دُعِيَ من تلك الأبواب من ضرورة"، (ما): نفي، و (مِن) في (من ضرورة): زائدة؛ لأن (مِن) بعد حرف النفي لا تكون إلا زائدة، إلا ما شذَّ، وتقديره: ما ضرورةٌ؛ أي: ليس ضرورةٌ على مَن دُعي من تلك الأبواب واحتياجٌ؛ يعني: لو دُعِيَ من بابٍ واحدٍ يحصل مرادُه، وهو دخولُ الجنة، وليس عليه ضرورةٌ واحتياجٌ إلى أن يُدعَى من جميع الأبواب،
ومع أنه لا ضرورةَ عليه في أن يُدعَى من جميع الأبواب، فهل يكون أحدٌ يُدعَى من جميع الأبواب؟
"فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم": يكون جماعةٌ كثيرون يُدعَون من جميع الأبواب.
"وأرجو أن تكون منهم": فمَن كثرت صلاتُه وصيامُه وجهادُه وغيرُ ذلك من الخيرات نُودِيَ من كلِّ بابٍ: يا عبدَ الله! ادخلْ من هذا الباب.
روى هذا الحديثَ أبو هريرة.
* * *
1335 -
وقال: "اتَّقُوا النارَ ولو بِشِقِّ تَمْرةٍ، فإنْ لم تَجدْ فبكلِمة طَيبةٍ".
قوله: "اتقوا النارَ ولو بشِقِّ تمرة"؛ يعني: ادفعوا النارَ عن أنفسكم بالخيرات من الصدقات والصيام وغير ذلك.
"ولو بشق تمرة"؛ يعني: بنصف تمرة تتصدَّقون به؛ فإن الصدقةَ تدفع النارَ، وإن كانت قليلةً.
روى هذا الحديثَ عَديُّ بن حاتم.
* * *
1336 -
وقال: "يا نساءَ المُسلِماتِ، لا تحقِرَنَّ جارةٌ لِجَارتِها ولو فِرْسِنَ شاةٍ".
قوله: "لا تَحقرَنَّ جارةٌ لجارتها، ولو فِرسِنَ شاةٍ"، (الفِرْسِن): لحم بين ظلفَي الشاة، تقديره: لا تحقرنَّ جارةٌ لجارتها صدقة ولو فِرْسِنَ شاةٍ؛ يعني: لا ينبغي لامرأةٍ أن تتركَ الصدقةَ إلى جارتها وإن كانت تلك الصدقةُ شيئًا قليلاً، ولا ينبغي لها أن تستحي من الصدقة بشيء قليلٍ، فإن الله تعالى يقبَل القليلَ،
ويَجزِي به جزاءً كثيرًا.
روى هذا الحديثَ أبو هريرة.
* * *
1337 -
وقال: "كلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقةٌ".
قوله: "كلُّ معروفٍ صدقةٌ"، (المعروف): ما عُرف من جملة الخيرات؛ يعني: كلُّ ما فيه رضا الله تعالى من الأفعال والأقوال فهو صدقةٌ.
روى هذا الحديثَ جابر.
* * *
1338 -
وقال: "لا تحقِرَنَّ من المَعْروفِ شيئًا ولو أَنْ تَلقَى أخاكَ بوَجْهٍ طَلِيْقٍ".
قوله: "لا تَحقِرَنَّ من المعروف شيئًا، ولو أن تَلقَى أخاك بوجهٍ طليقٍ"، (الوجه الطليق): الذي فيه بشاشةٌ وفرحٌ؛ يعني: افعلِ الخيراتِ كلَّها قليلَها وكثيرَها.
ومن الخيرات: أن يكون وجهُك ذا بشاشةٍ وفرحٍ إذا رأيتَ مسلمًا، فإنه يَصِلُ إلى قلبه سرورٌ إذا تركتَ العُبوسَ وتتلطف عليه.
ولا شك أن إيصالَ السرورِ إلى قلوب المسلمين حسنةٌ.
روى هذا الحديثَ أيضًا جابر.
* * *
1339 -
وقال: "على كلِّ مُسلِم صدَقةٌ"، قالوا: فإنْ لم يجدْ؟، قال:"فيعملُ بيدَيهِ، فينفعُ نفْسَه، ويتصدَّقُ"، قالوا: فإنْ لم يستطِعْ أَوْ لم يفعلْ؟،
قال: فلْيُعِنْ صاحِبَ الحاجةِ المَلْهُوف"، قالوا: فإنْ لم يفعلْ؟ قال: "فليَأْمُرْ بالخَيرِ"، قالوا: فإن لم يفعل؟، قال: "فليُمْسِكْ عَن الشَّرِّ، فإنَّه له صدَقةٌ".
قولهم: "فإن لم يجد"؛ يعني: فإن لم يجد كلُّ مسلمٍ صدقةً ماليةً؛ يعني: لا يجد من المال ما يتصدَّق به.
قوله: "فيُعين ذا الحاجة الملهوف" المتحيرَ في أمره، وصاحبَ الحزن.
روى هذا الحديثَ أبو موسى الأشعري.
* * *
1340 -
وقال: "كلُّ سُلامَى من الناسِ عليهِ صدقةٌ، كلَّ يومٍ تطلُعُ فيه الشَّمسُ يعدِلُ بين الاثنينِ صدقةٌ، ويعينُ الرجلَ على دابَّتِهِ، فيَحمِلُ عليها أو يرفعُ عليها مَتاعَه صدَقةٌ، والكَلِمةُ الطَّيبةُ صدَقةٌ، وكلُّ خُطْوةٍ يَخطُوها إلى الصَّلاةِ صدَقةٌ، ويُميطُ الأذَى عن الطَّريقِ صدَقةٌ".
قوله: "كلُّ سُلَامَى من الناس عليه صدقةٌ"، (السُّلَامى): عَظْم الإصبع، السّلاميات: جمع؛ يعني: على كل واحدٍ من الإنسان بعددِ كلِّ مِفْصَلٍ في أعضائه صدقةٌ؛ شكرًا لله تعالى بأن جعلَ في عظامه مفاصلَ يَقدِر على قبضِ أصابعه ويدَيه ورجلَيه وغير ذلك وبسطِها، فإن هذه نِعَمٌ عظيمة؛ فإذنه لو جَعلَ أعضاءَه بغير مِفْصَلٍ يكون كلوحٍ أو خشبٍ لا يَقدِر على القبض والبَسط والقيام والقعود والاضطجاع.
قوله: "يَعدِل بين الاثنين"؛ يعني: تُصلح بين الخصمَين وتَدفع ظلمُ ظالمٍ عن المظلوم.
قوله: "ويُميط الأذى"؛ أي: وتَدفع وتُبعد ما يؤذي الناسَ عن طريق المسلمين.
روى هذا الحديثَ أبو هريرة.
* * *
1341 -
وقال: "خُلِقَ كلُّ إنسانٍ من بني آدمَ على ستِّينَ وثلاثمائةِ مَفْصِلٍ، فمَنْ كبَّر الله، وحَمِدَ الله، وهَلَّلَ الله، وسبَّح الله، واستغفرَ الله، وعزَلَ حجَراً عن طَريقِ النَّاسِ، أو شَوكةً، أو عَظْمًا، أو أَمرَ بمَعْروفٍ أو نَهَى عن مُنْكَرٍ عَددَ تِلكَ الستينَ والثلاثمائةِ فإنَّه يَمْشِي يومَئذٍ وقد زَحْزَحَ نفسَهُ عن النَّارِ".
قوله: "وعزلَ حَجَرًا"؛ أي: أَبعدَ حَجَرًا.
قوله: "عدد تلك الستين وثلاث مئة"، يعني: عدَّ بعدد كلِّ مِفْصَلٍ صدقةً؛ أي: فقد فعلَ بعدد كل واحدٍ منها خيرًا.
قوله: "زحزح نفسَه عن النار"؛ أي: أَبعدَ نفسَه.
روت هذا الحديثَ عائشة رضي الله عنها.
* * *
1342 -
وقال: "إنَّ بِكلِّ تَسْبيحةٍ صدقةً، وكلِّ تَكْبيرةٍ صدَقةٌ، وكلِّ تَحْميدةٍ صدقةٌ، وكلِّ تَهْليلةٍ صدَقةٌ، وأَمرٍ بالمَعروفِ صدَقةٌ، ونَهْيٍ عنْ مُنكرٍ صدَقةٌ، وفي بُضْعِ أحدِكم صدقةٌ"، قالوا: يا رسولَ الله!، أيأْتِي أَحدُنا شهوتهُ ويكونُ له فيها أجرٌ؟، قال:"أَرأَيتُم لَو وَضَعَها في حَرامٍ، أكانَ عليهِ فيهِ وِزْرٌ؟، فكذلكَ إذا وضَعَها في الحَلالِ كانَ له أجْرٌ".
قوله: "إن بكل تسبيحةٍ صدقةً"، تقديره: أي تحصل للرجل بكل تسبيحة صدقةٌ؛ أي: كلُّ تسبيحةٍ صدقةٌ.
قوله: "وفي بُضْعِ أحدِكم صدقةٌ"، (البُضع): الفَرْج؛ يعني: إذا جامَعَ
الرجلُ منكوحتَه أو مملوكتَه تحصل له صدقةٌ.
روى هذا الحديثَ أبو ذر الغِفَاري.
* * *
1243 -
وقال: "نِعْمَ الصَّدَقةُ اللِّقْحَةُ الصَّفِيُّ مِنْحَةً، والشَّاةُ الصَّفيُّ مِنحةً، تَغْدُو بإناءٍ، وتَرُوحُ بآخَرٍ".
قوله: "نِعمَ الصدقةُ اللِّقْحَةُ الصَّفِيُّ مِنحةً"، (اللِّقحة): الناقة ذات اللبن، (الصَّفِيُّ): كثيرة اللبن، (مِنْحةً): نصب على التمييز، والمِنْحَة: الناقة التي يعطيها الرجلُ فقيرًا ليشربَ من لبنها مدةً، ثم يردها إلى مالكها؛ فمدح رسولُ الله عليه السلام هذا الفعل.
قوله: "تغدو بإناءٍ وتروح بآخرَ"؛ يعني: تحلب من لبنها ملءَ إناءٍ في وقت الغداة، وملءَ إناءٍ آخرَ في وقت المساء.
روى هذا الحديثَ أبو هريرة.
* * *
1344 -
وقال: "ما مِن مُسلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا أو يَزْرعُ زَرْعًا، فيأكْلُ منهُ إنسانٌ أو طَيْر أو بَهيْمةٌ إلا كانتْ له صدَقةٌ".
ويروى: "ما سُرِقَ منه لهُ صدَقةٌ".
قوله: "ما من مسلم يَغرِس غَرسًا
…
" إلى آخره؛ يعني: بأي سببٍ يُؤكَل مالُ الرجل يحصل له الثوابُ.
روى هذا الحديثَ أنس.
* * *
1345 -
وقال: "غُفِر لامرأةٍ مُومِسَةٍ مرَّتْ بكلْبٍ على رأْسِ رَكيًّ يَلْهثُ، كَادَ يَقتلُه العَطَشُ، فنَزَعَتْ خُفَّها، فأوْثَقَتْه بِخِمارِها، فَنَزَعَتْ لهُ من الماءِ، فغُفِرَ لها بذلك"، قيل: إنَّ لَنا في البَهائِم أَجْرًا؟، قال:"في كلِّ ذاتِ كَبدٍ رَطْبةٍ أَجْرٌ".
قوله: "غُفِرَ لامرأةٍ مُومِسَة"، (المُومِسَة): الفاجرة.
"الرَّكِيُّ": البئر.
"يَلْهَث"؛ أي: يُخرج لسانَه من العطش.
"فأَوثقتْه"؛ أي: شدَّتْه.
قوله: "في كل ذاتِ كبدٍ رطبةٍ أجرٌ"؛ يعني: بإطعامِ كلِّ حيوانٍ وسَقْيه يحصل لك أجرٌ، بشرط ألا يكون الحيوانُ مأمورًا بقتله كالعقرب والحية وغيرهما.
روى هذا الحديثَ أبو هريرة.
* * *
1346 -
وقال: "عُذَّبت امرأةٌ في هِرَّةٍ أَمْسَكَتْها حتى ماتَتْ مِنَ الجُوعِ، فلم تكنْ تُطْعِمُها، ولا تُرسلُها فتأكلَ من خَشاشِ الأَرضِ".
قوله: "في هِرَّة"؛ أي: في أمرِ هِرَّةٍ وسببها.
"خَشَاش الأرض" بفتح الخاء: هوامُّ الأرض وحشراتها، و (الخِشَاش) بكسر الخاء: الخشب الذي يُجعَل في أنف البعير.
روى هذا الحديثَ أبو هريرة.
* * *
1347 -
وقال: "مرَّ رجلٌ بغُصْنِ شَجَرةٍ على ظَهْرِ طريقٍ، فقالَ: لأُنحَّينَّ
هذا عن طريقِ المُسلمينَ لا يُؤْذيهم، فأُدخِلَ الجنَّةَ".
"لأُنحيَنَّ"؛ أي: لأُبعدَنَّ.
قوله: "لايؤذيهم"؛ أي: كي لا يؤذيهم.
قوله: "فأُدخلَ" الجنةَ؛ أي: فأَبعدَ ذلك الغصنَ عن طريق المسلمين، فأُدخِلَ الجنةَ بهذا الخير.
روى هذا الحديثَ أبو هريرة.
* * *
1348 -
وقال: "لَقَدْ رأَيتُ رجُلاً يتقلَّبُ في الجَنَّةِ في شَجَرةٍ قطَعَها مِن ظَهْرِ الطَّريقِ، كانتْ تُؤذي النَّاسَ".
قوله: "في شجرة"؛ أي: في أمرِ شجرةٍ وسببها؛ يعني: إذا أَبعدَ شجرًا أو غصنَ شجرٍ عن طريق المسلمين، فأُدخِلَ الجنةَ.
روى هذا الحديثَ أبو هريرة.
* * *
1352 -
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الصَّدَقةَ لَتُطفِئ غضَبَ الرَّبِّ، وتَدفَعُ مِيْتةَ السُّوءِ".
قوله: "وتدفع مِيتةَ السوء"، و (الميتة) أصله: مِوْتَة، فقُلبت الواوُ ياءً؛ لسكونها وانكسار ما قبلها، وهي اسمٌ من (مات يموت)، و (مِيتة السوء): ما تعوَّذ منه رسول الله عليه السلام في دعائه: "اللهم إني أعوذ بك من الهدم، وأعوذ بك من التردي، ومن الغَرَق والحَرْق والهَرَم، وأعوذ بك من أن يتخبَّطني الشيطانُ عند الموت، وأعوذ بك من أن أموت في سبيلك مُدبرًا، وأعوذ بك من أن أموتَ لديغًا".
روى هذا الحديثَ الذي فيه (ميتة السوء): أنس، ورَوى هذا - أعني: "اللهم إني أعوذ بك
…
" إلى آخره -: أبو اليَسَر.
* * *
1353 -
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصَّدَقةُ تُطْفِئُ الخَطيئةَ كما يُطفئ الماءُ النَّارَ".
قوله: "الصدقةُ تُطفِئ الخطيئةَ"؛ أي: الصدقةُ تُزيل الذنوبَ، كما قال الله تعالى:{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114].
روى هذا الحديثَ معاذ بن جبل.
* * *
1354 -
وقال: "كلُّ مَعْروفٍ صَدَقةٌ، وإنَّ مِنَ المَعْرُوفِ أنْ تَلْقَى أَخاكَ بوَجْهٍ طَلْقٍ، وأنْ تُفرِغَ من دَلْوِكَ في إِناءِ أَخيكَ".
قوله: "وأن تُفرِغَ من دَلْوِكَ في إناء أخيك"؛ يعني: إذا استقيت الماءَ من بئرٍ وجاءك مسلمٌ على رأس البئر، فتعطيه ماءَك؛ كي لا يحتاجَ إلى تعبِ الاستقاء، ثم استَقيتَ مرةً أخرى لنفسك يكون لك هذا صدقةً.
روى هذا الحديثَ جابر.
* * *
1355 -
وقال "تَبَسُّمُكَ في وَجْهِ أَخيكَ صَدقةٌ، وأَمرُكَ بالمَعروفِ صدَقةٌ، ونهيُكَ عن المُنكَرِ صدَقةٌ، وإِرشادُكَ الرَّجلَ في أَرضِ الضَّلالِ لكَ صدَقةٌ، ونَصْرُكَ الرَّجلَ الرَّديءَ البصَرِ لكَ صدَقةٌ، وإِماطتُكَ الحجَرَ والشَّوكَ والعَظْمَ عن الطَّريق لك صدَقةٌ، وإفْراغُكَ من دَلْوِكَ في دَلْوِ أَخيكَ لكَ صدقةٌ"، غريب.
قوله: "في أرض الضلال"؛ أي: في أرضٍ لا علامةَ فيها للطريق يَضلُّ فيه الرجل.
قوله: "الرديء البَصَر"، (الرديء) ضد (الجيد)، والمراد منه: الذي لا يُبصر أو يُبصر قليلاً.
روى هذا الحديثَ أبو هريرة.
* * *
1357 -
وقال: "أَيُّمَا مُسلِمٍ كَسَا مُسلِمًا ثَوبًا على عُريٍ؛ كسَاه الله مِن خُضْرِ الجنَّةِ، وأَيُّما مُسلمٍ أَطْعَمَ مُسلمًا على جوعٍ أَطعَمَهُ الله مِنْ ثِمَارِ الجنَّة، وأَيُّما مُسلمٍ سَقَى مُسلِمًا على ظَمَأٍ سَقاهُ الله من الرَّحيقِ المَخْتُومِ".
قوله: "على ظمأ سَقَاه الله تعالى من الرحيق المختوم"، (الظمأ): العطش، (الرحيق): الخمر، (المختوم): الذي وُضعَ عليه الختمُ؛ كي لا يصلَ إليه أحدٌ غير أصحابه.
روى هذا الحديثَ أبو سعيد.
* * *
1358 -
وقال: "إِنَّ في المَالِ لَحَقَّاً سِوى الزَّكاةِ، ثم تلا: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} الآيةَ".
قوله: "إن في المال لَحقًّا سوى الزكاة"، (حق المال): ألا يُحرَم السائلُ، وألا يَمنَع متاعَ بيته من استعارةٍ، كالقِدْر والقَصْعَة وغيرهما، ولا يَمنَع أحدًا الماءَ والملحَ والنارَ.
روت هذا الحديثَ فاطمة بنت قيس بن خالد القرشية.
* * *
1360 -
وقال: "مَنْ أَحيَا أَرضًا مَيْتةً فله أَجْرٌ، وما أَكلَتْ العافيَةُ منهُ فهوَ له صدَقةٌ".
قوله: "وما أكلتِ العافيةُ"، (العافية): كلُّ طالبٍ رزقًا من إنسان ودوابَّ وطيرٍ.
روى هذا الحديثَ جابر.
* * *
1361 -
وقال: "مَن مَنَحَ مِنْحَةَ وَرِقٍ، أو أَهدى زُقَاقًا، أو سَقَى لَبنًا؛ كان له كعِدْلِ رقَبةٍ أو نَسَمةٍ".
وفي روايةٍ: "كانَ لهُ مِثْلُ عِتْق رقَبةٍ".
قوله: "مَن مَنَحَ مِنْحَةَ وَرِقٍ"؛ أي: مَن أعطَى عطيةً، "أو هدى - بتخفيف الدال - زُقاقًا"؛ يعني: أو دلَّ ضلالًا إلى زُقاقٍ، وهي السِّكَّة؛ يعني: يدلُّه إلى سِكَّتِه أو بيتِه.
ورُوي: "هدَّى زُقاقًا" بتشديد الدال؛ يعني: مَن وقفَ بسِكَّةٍ من النخل؛ أي: صفًا وبستانًا، أو تصدَّق بها.
"العدْل" - بكسر (1) العين -: المِثْل.
قوله: "أو نسمة": شكٌّ من الراوي في أن النبي عليه السلام قال: (كعدْلِ رقبةٍ، أو قال: كعدْلِ نسمة)، (النسمة): الإنسان، والمراد بالرَّقبة والنَّسمة: العبد.
روى هذا الحديثَ البراء.
* * *
(1) في جميع النسخ: "بفتح العين"، والصواب ما أثبت.
1362 -
عن أبي تَمِيْمَةَ الهُجَيْمي، عن أبي جُرَيًّ جابرِ بن سُلَيم قال: رأيتُ رجلاً يصدرُ الناسُ عنْ رأْيهِ، قلتُ: مَن هذا؟، قالوا: رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قلتُ: عليكَ السَّلامُ، يا رسولَ الله مرَّتين، قال:"لا تقلْ: عليكَ السلامُ، عليكَ السلامُ تحيةُ الميِّتِ!، قلْ: السَّلامُ عليكَ"، قلت: السلامُ عليكَ، قلتُ: أنتَ رسولُ الله؟، قال:"أنا رسولُ الله الذي إذا أَصابَكَ ضُرٌّ فَدَعَوْتَهُ كشَفَ عنكَ، وإِنْ أصابَكَ عامُ سَنةٍ فَدَعَوْتَهُ أَنْبَتَهَا لك، فإذا كنتَ بأرضٍ قَفْرٍ أو فَلاةٍ فَضَلَّتْ راحلَتُكَ فدعوتَه ردَّها عليكَ"، قلتُ: اعْهَدْ إِلَيَّ، قال:"لا تَسُبن أحدًا"، فما سبَبْتُ بعدَه حُرًّا ولا عَبْدًا ولا بَعْيرًا ولا شاةً، قال:"ولا تحقِرَنَّ شيئًا من المَعْروف، وأنْ تُكلِّم أخاكَ وأنتَ مُنبسِطٌ إليه وجهُك، إِنَّ ذلكَ مِنَ المَعروفِ، وارفَعْ إزارَكَ إلى نِصْفِ السَّاقِ، فإنْ أَبَيْتَ فإلى الكَعْبَينِ، وإيَّاكَ وإسبالَ الإِزارِ، فإنَّها من المَخِيْلةِ، وإِنَّ الله لا يحبُّ المَخِيْلةَ، وإنِ امرؤٌ شتمَكَ وعيَّرَكَ بما يعلمُ منكَ فلا تُعَيرُهُ بما تعلَمُ منه، فإنَّما وبالُ ذلكَ عليهِ".
وفي رواية: "فيكونُ لكَ أجرُ ذاكَ، ووبالُهُ عَليهِ".
قوله: "رأيت رجلاً يَصدُرُ الناسُ عن رأيه"؛ يعني: يعملُ الناسُ ما يأمر، ويقولون ما يأمر، ولا يخالفون أمره.
قوله: "عليك السلامُ تحيةُ الميت"، كان الرجل لا يعرف الفرقَ بين: السلام عليك، وبين: عليك السلام، فقال رسول الله عليه السلام:(عليك السلامُ تحيةُ الميت)؛ يعني: هذا اللفظ يقال في المقابر؛ لأنه لا يُتوقَّع الجوابُ من الميت، وأما الحيُّ يُتوقَّع الجوابُ منه، فقُل:(السلام عليك)، ليقول هو لك: وعليك السلام.
قوله: "عامُ سَنَةٍ"، أي: عامُ قحط، وعامٌ لا تُنبت الأرضُ شيئًا.
"بأرضٍ قَفْرٍ"، (القَفْر): الفلاة الخالية من النبات والشجر، والمراد منه: المفازة البعيدة.
قوله: "اعهَدْ إليَّ"؛ أي أَوصِنِي.
قوله: "ولا تَحقِرَنَّ شيئًا من المعروف"؛ أي: ولا تتركَنَّ شيئًا من المعروف.
قوله: "وأنت منبسطٌ إليه"؛ أي: وأنتَ ذو بَشَاشةٍ تتواضع إليه، ويتطيَّب كلامُك له، حتى يفرحَ قلبُه بحسن خُلقك.
قوله: "وارفع إزارَك"؛ أي: ليكن سراويلُك وقميصُك قصيرَين.
"فإن أبيتَ"؛ يعني: فإن تركتَ جعلَ إزارك قصيرًا إلى نصف الساق فاجعلْه أسفلَ من نصف الساق، ولكن بشرط ألا يكونَ أسفلَ من الكعب.
قوله: "وإياك وإسبالَ الإزار"؛ يعني: (وإياك)؛ أي: فاحذَرْ من إطالة الذَّيل؛ فإنها من التكبُّر.
قوله: "عيَّرك": أي: عَذَلَكَ ولامَكَ بما يعلم من عيبك، فلا تَعْذِلْه بما تعلم من عيبه.
* * *
1363 -
عن عائشة رضي الله عنها: أنهم ذَبَحوا شاةً، فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"ما بقيَ منها؟ "، فقالت: ما بقِيَ إلا كَتِفُها، قال:"بقِيَ كلُّها غيرَ كتِفِها"، صحيح.
قوله: "ما بقي منها؟ "، (ما) للاستفهام.
قوله: "بقي كلُّها إلَاّ كتفَها)؛ يعني: ما تُصدِّقَ به فهو باقٍ، وما بقي عندك فهو غيرُ باقٍ، كما قال الله تعالى:{مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل: 96].
* * *
1365 -
عن عبد الله بن مَسْعود - يرفعُه - قال: "ثلاثةٌ يُحبهم الله: رجلٌ قامَ من اللَّيل يَتلُو كتابَ الله، ورجلٌ يتصدَّقُ بصدَقةٍ بيمينِهِ يُخفيها - أُراهُ قالَ مِن شِمَالِهِ، ورجلٌ كانَ في سَرِية، فانهزَمَ أَصحابُه، فاستْقَبلَ العَدوَّ"، غريب.
قوله: "أُراه" بضم الهمزة؛ أي: أظنُّه، قال: يخفيها من شماله.
* * *
1366 -
عن أبي ذَرًّ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"ثلاثةٌ يُحِبُّهم الله، وثلاثةٌ يُبغِضُهم الله، فأَما الذين يُحِبُّهم الله: فرجلٌ أَتَي قَومًا، فسأَلهَم بالله ولم يسألْهم لقَرابةٍ بينَهُ وبينَهم فَمَنَعُوه، فتَخَلَّفُ رجلٌ بأَعقابهم فأعطاه سِرًّا، لا يعلمُ بعطيَّتِهِ إلا الله والذي أَعطاهُ، وقومٌ سَارُوا ليلَتَهم حتى إذا كَانَ النَّومُ أحبَّ إليهم مما يُعدَلُ، به فَوَضَعُوا رؤُوسَهم، فقامَ سِرًّا، يتمَلَّقُني ويتلُو آياتي، ورجلٌ كانَ في سَرِيةٍ، فلَقُوا العَدوَّ، فهُزِمُوا، فأَقبلَ بصَدْرِهِ حتى يُقتلَ أو يُفتَحَ له، والثلاثةُ الذين يُبغِضهُم الله: فالشيخُ الزَّاني، والفَقيرُ المُخْتَالُ، والغَنيُّ الظَّلُومُ".
قوله: "ولم يَسأَلْهم لقرابةٍ"؛ يعني: يقول السائل: أَسأَلُكم وأَعطُوني بالله، ولم يقل: أسألكم بحق قرابةٍ بيني وبينكم؛ يعني: إذا سألَ بالله وَجَبَ إجابتُه؛ تعظيمًا لاسم الله، فإذا منعوه فقد احترموا أجرًا عظيمًا، فإذا أعطاه واحدٌ سرًّا فيه فضيلتان، إحداهما: أنه عظَّم اسم الله، والثانية: أنه تصدَّق سرًّا، وصدقةُ السِّرِّ لها فضيلةٌ.
قوله: "فتخلَّف رجلٌ بأعيانهم"؛ أي: تأخَّر واستتر من بينهم إلى جانبٍ حتى لا يَرَوه، ثم أعطى الفقيرَ سرًّا.
(العَين) لها معانٍ كثيرةٌ، ومن جملتها: النفس، يقال: عينُ فلانٍ؛ أي: نفسُه وذاتُه، وهو المراد هنا، (بأعيانهم)؛ أي: بأنفسهم.
قوله: "مما يُعدَل به"؛ أي: مما يقابل بالنوم؛ يعني: غلب عليهم النوم حتى صار النومُ أحبَّ إليهم من كل شيء يعطونه في مقابلة النوم.
قوله: "يتملَّقُني"؛ أي: يتواضع إليَّ ويتضرَّع، ويبكي من خشيتي.
قوله: "في سَرِيَّة"؛ أي: في جيش.
"المختال": المتكبر، "الظَّلُوم": كثيرُ الظلمِ.
* * *
1367 -
عن أَنَسٍ رضي الله عنه، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"لَمَّا خلَقَ الله الأرضَ جَعلَتْ تَمِيدُ، فخلَقَ الجِبَالَ فقال بها عليها، فاستقرَّتْ، فعجِبَتِ المَلائكةُ من شِدَّةِ الجِبالِ، فقالوا: يا ربَّ، هل مِنْ خلْقِكَ شيءٌ أشَدُّ من الجبالِ؟، قال: نَعَم، الحديد فقالوا: يا ربَّ، هَلْ من خلْقِكَ شيءٌ أَشدُّ من الحديدِ؟ قال: نَعَم، النارُ، فقالوا: يا ربَّ، هل مِنْ خلْقِكَ شَيْءٌ أشدُّ مِنَ النارِ؟، قال: نعم، الماء، فقالوا: يا ربِّ، هل مِنْ خلقِكَ شيءٌ أشدُّ من الماء؟، قال: نعم، الريحُ، فقالوا: يا ربِّ، فهل مِنْ خلقِكَ شيءٌ أشدُّ مِنَ الريحِ؟، قال: نعم، ابن آدم تَصَدَّقَ صدقةً بيمينِهِ يُخفيها مِنْ شِمالِهِ"، غريب.
قوله: "جعلَتْ تَمِيدُ"، (جعلت)؛ أي: طَفِقَتْ، (تميد): أي: تتحرَّك ولا تستقرُّ.