الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
30 - باب صلاة الليل
(باب صلاة الليل)
مِنَ الصِّحَاحِ:
845 -
عن عُروة، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصلي فيما بين أن يَفْرُغَ من صلاةِ العشاءِ إلى الفجرِ إحدى عشرةَ ركعةً، يُسلِّم من كل ركعتينِ، ويُوتِر بواحدةٍ، فيسجدُ السجدةَ من ذلك قدرَ ما يقرأُ أحدُكم خمسينَ آيةً قبلَ أنْ يرفعَ رأسَه، فإذا سكتَ المؤذِّنُ من صلاةِ الفجرِ وتبيَّن له الفجرُ؛ قامَ فركعَ ركعتينِ خفيفتينِ، ثم اضطجَع على شِقِّه الأيمنِ حتى يأتيَهُ المؤذِّنُ للإقامةِ، فيخرجُ.
قوله: "فيسجُدُ السجدةَ من ذلك"، (من) للتبعيض، يعني: قد كان بعضُ سَجداتهنَّ طويلاً بقدْر ما يقرَأُ أحدٌ خمسين آيةً، ولم يرفَعْ رأسَه بعدُ.
قولها: "فركع ركعتين خفيفتين"؛ يعني سنةَ الصبح.
قولها: "ثم اضطجع"؛ أي: اضطجع للاستراحة ليزولَ عنه تعبُ قيامِ الليل؛ ليصلِّيَ فريضةَ الصبحِ على نشاطٍ، ولم يكنْ به مَلالةٌ.
* * *
846 -
وقالت عائشة: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا صلى ركعتي الفجر فإنْ كنتُ مستيقظةً حدَّثني وإلا اضطجعَ.
قولها: "فإنْ كنتُ مستيقظةً حدَّثَني، وإلا اضطجَع"، هذا دليلٌ على أنَّ الفَصْلَ بينَ سنةِ الصبحِ وبينَ الفريضةِ جائزٌ، وعلى أنَّ الحديثَ مع الأهلِ سُنَّةٌ.
* * *
848 -
وقال القاسم بن محمد، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاثَ عشرةَ ركعةً منها الوِتر، وركعتا الفجرِ.
"وقال القاسم بن محمد"، هو ابن محمد بن أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه.
* * *
849 -
وقال مسروق: سألتُ عائشةَ رضي الله عنها عن صلاةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بالليلِ؟، فقالت: سبعٌ وتسعٌ وإحدى عشرةَ سوى ركعتَي الفجرِ.
قولها: "سبعٌ وتسعٌ وإحدى عشرة سوى ركعتي الفجر"؛ يعني: قد كان يصلِّي في ليلٍ سبعَ رَكَعاتٍ مع الوِتْر غيرَ سُنْةِ الفجر.
وفي ليلٍ تسعًا مع الوِتْر غيرَ سُنة الفجر، وفي ليلٍ إحدى عشرةَ ركعةً مع الوِتْر غيرَ سنةِ الصبح.
* * *
850 -
وقالت عائشة رضي الله عنها: كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا قامَ من الليلِ لِيُصلي افتتحَ صلاتَه بركعتينِ خفيفتينِ.
قولها: "افتتح صلاتَه برَكْعتين خفيفتين"؛ يعني: كان أولُ صلاتِه بالليل رَكْعتين خفيفتين لا طويلتين؛ ليحصُلَ به نشاطٌ بالصلاة ويعتادَ بها، ثم يزيد عليهما بعد ذلك، وهذا إشارةٌ إلى أنَّ مَن يريدُ أن يَشْرَعَ في أمرٍ فيشرعُ فيه قليلًا قليلًا.
* * *
852 -
عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما أنه قال: بِتُّ عندَ خالتي ميمونَة ليلةً والنبيُّ صلى الله عليه وسلم عندَها، فتحَدَّثَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مع أهلِهِ ساعةً ثم رقدَ، فلمَّا كان ثلثُ الليلِ
الآخرُ أو بعضُه قعدَ فنظرَ إلى السماء فقرأ: " {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} " حتى خَتَمَ السورةَ، ثم قامَ إلى القِربةِ، فأَطلقَ شِناقَها، ثم صبَّ في الجَفَنة، ثم توضأَ وضوءًا حسنًا بين الوضوءينِ لم يُكْثِرْ وقد أَبْلَغَ، فقامَ يصلي، فقمتُ فتوضأتُ فقمتُ عن يسارِهِ، فأخذَ بأُذُني عن يمينِهِ، فتتَامَّتْ صلاتُه ثلاثَ عشرةَ ركعةً، ثم اضطجعَ فنامَ حتى نفخَ، وكان إذا نامَ نفخَ، فآذَنَهُ بلالٌ بالصلاةِ فصلَّى ولم يتوضأ، وكانَ في دعائه:"اللهمَّ اجعلْ في قلْبي نُورًا، وفي بصري نورًا، وفي سَمْعي نُورًا، وعن يَميني نُورًا، وعن يَساري نورًا، وفوقي نورًا، وتحتي نورًا، وأَمامي نُورًا، وخلْفي نُورًا، واجعل لي نُورًا - وزاد بعضهم - وفي لِساني نورًا - وذكر - وعصَبي، ولَحمي، ودمي، وشَعْري، وبشَري".
وفي روايةٍ: "واجعل في نفسي نورًا، وأَعظِم لي نورًا".
وفي روايةٍ: "اللهمَّ أَعطني نُورًا".
وفي روايةٍ: عن ابن عباس أنه رقدَ عندَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فاستيقظَ فتسوَّكَ وتوضأَ وهو يقول:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} حتى ختمَ السورةَ، ثم قامَ فصلى ركعتينِ أطالَ فيهما القيامَ والركوعَ والسجودَ، ثم انصرفَ فنامَ حتى نفخَ، ثم فعلَ ذلك ثلاثَ مراتٍ ستَّ ركعاتٍ، كلُّ ذلكَ يَسْتَاكُ ويتوضأُ ويقرأُ هؤلاء الآياتِ، ثم أوترَ بثلاثٍ.
قوله: "ثم رَقَد"؛ أي: نام.
قوله: "أو بعضُه"؛ يعني: فلمَّا بقيَ ثلثُ الليلِ، أو أقلُّ من الثلث.
"أطْلَقَ شِنَاقَها"؛ أي: حَلَّ رأسَ القِرْبة.
(الشِّنَاقُ) بكسر الشين: الخيطُ الذي يُشَدُّ به رأسُ القِرْبَة.
"صَبَّ في الجَفَنَة"؛ أي: أراقَ الماءَ من القِرْبَةِ في القَصْعَة.
"بينَ الوُضوءَينِ"؛ أي: لم يُكثِرْ إراقةَ الماءِ ولكنْ "أَبْلَغَ"؛ يعني: أتمَّ الوضوءَ مِن غيرِ نقصانٍ وزيادةٍ.
"فأَدارني عن يَمينه"، (عن) ههنا بمعنى الجانب، يعني: فأدارني عن جانبِ يسارِه إلى جانبِ يمينِه.
قوله: "فتتَامَّتْ صلاتُه"؛ أي: فتوفَّرْت وتَمَّتْ صلاتُه ثلاثَ عشرةَ رَكعةً.
قوله: "فنام حتى نَفَخَ"؛ أي: حتى سُمِعَ صوتٌ منه كما يُسْمَعُ من النائم.
قوله: "فصلى ولم يتوضَّأْ"، هذا خاصيةٌ له عليه السلام لأنه نامتْ عيناه، ولم يَنَمْ قلبُه فلا يبطلُ وُضوؤه بمثل هذا.
وجهُ سؤالِه النورَ لكلِّ عضوٍ: أنه أراد أن يزيدَ الله توفيقَه لما يُحِبُّ ويرضى، وأراد أيضًا تعليمَ أمته أن يسألوا من الله النورَ ليزول عن أعضائهم الظلمةُ الإنسانيةُ والشهوةُ النفسانيةُ، ويَظْهَرَ بها نورٌ يستعملها في طاعةِ الله، فإنه لا حولَ ولا قوة إلا بتوفيق الله وإعانتِه، ونورُ الله: نظرُ عنايته ورحمته.
قوله: "كل ذلك يَسْتاكُ ويتوضَّأُ"، هذا الحديثُ يدلُّ على أن من استاكَ لصلاةٍ، ثم مضى زمانًا يتغيَّرُ فيه الفَمُ، ثم أراد أن يُصَلَّيَ صلاةً أُخرى يُستحَبُّ إعادةُ السَّواكِ، و (الركعاتُ الستُّ) في هذا الحديث هي صلاة الليل، وليس من الوتر؛ لأنه وقعَ بينها وبينَ الوِتْرِ فَصْلٌ كثيرٌ.
فإن قيل: لمَ يتوضَّأُ في هذه الروايةِ بعد ما استيقظَ ولم يتوضَّأْ في الروايةِ المتقدِّمةِ مع أنه نام فيها حتى نَفَخ؟
قلنا: إنما توضَّأَ حيث توضَّأَ لتجديدِ الوضوء؛ لأن وضوءَه عليه السلام لم يبطُلْ بالنوم.
قال محيي السنة رحمة الله عليه: نومُه مضطجِعًا حتى نفخَ وقيامُه إلى الصلاة من خصائصه عليه السلام؛ لأن عينَه كانت تنامُ وقلبه لا ينام.
* * *
853 -
وعن زيد بن خالدٍ الجُهَني رضي الله عنه أنه قال: لأَرْمُقَنَّ صلاةَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم الليلةَ، فصلَّى ركعتَينِ خفيفتَينِ، ثم صلَّى ركعتينِ طويلتينِ طويلتينِ طويلتينِ، ثم صلى ركعتينِ وهما دونَ اللتينِ قبلَهما، ثم صلَّى ركعتينِ وهما دونَ اللَّتينِ قبلهما، ثم صلى ركعتينِ وهما دونَ اللتينِ قبلهما، ثم صلى ركعتينِ وهما دون اللتينِ قبلَهما، ثم أَوْتَرَ فذلك ثلاثَ عشرةَ ركعةً.
قوله: "لأرمقن صلاة رسول الله عليه السلام"، (الرموق): النظرُ إلى شيء.
"لأرمقن"؛ أي: لأنظرن وأحفظن صلاة رسول الله عليه السلام في هذه الليلة حتى أرى كم يصلي.
قوله: "ثم صلى ركعتين طويلتين"، كرر طويلتين ثلاث مرات وأراد التأكيد، وليس المراد بكل طويلتين ركعتين، بل المراد ركعتان على غاية الطول.
قوله: "دون اللَّتَين قَبْلَهما"؛ أي: أقل من الركعتين اللَّتين قبلَهما، والوِتْرُ هنا ثلاثُ ركعات؛ لأنه عَدَّ ما قبلَ الوِتْر عشرَ ركعات؛ لأنه قال:(ركعتين خفيفتين)، ثم قال:(ركعتين طويلتين) فهذه أربعُ ركعات، ثم قال ثلاث مرات:(صلَّى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما)، فهذه ستُّ ركعات أُخَر، وكنيةُ "زيد" أبو عبدِ الرَّحْمن.
* * *
854 -
قالت عائشةُ رضي الله عنها: لمَّا بَدَّنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وَثَقُلَ؛ كانَ
أكثرُ صلاتِهِ جالسًا.
قولها: "لمَّا بَدَّنَ رسولُ الله عليه السلام وَثقل كانَ أكثرُ صلاتِه جالسًا"، (بَدَّنَ) - بتشديد الدال -: إذا كَبرَ سِنُّه، وبَدُنَ - بتخفيف الدال وفتحها وضمها -: إذا كثر لحمُه وكلاهما مروي، ولكنَّ العلماءَ يختارون تشديد الدال؛ لأن رسول الله عليه السلام لم يوصفْ بكثرةِ اللحمِ حتى يقال فيه: بَدُنَ، بتخفيف الدال.
وأما قولُ عائشة في حديثٍ آخر: (لما ثَقُلَ رسولُ الله عليه السلام وأخذَ اللَّحْم)، قيل إنَّ الرجلَ إذا كَبرَ سِنُّه أَسَنَّ وأخذَ اللَّحْمَ حتى يُرى كأنه كثيرُ اللَّحْمِ، فعلى هذا التأويل يكون معنى كَثُرَ لحمُه: كَبرَ سِنُّه أيضًا، ومعنى ثَقُلَ هنا: ضَعُفَ.
قولها: "حتى كان أكثر صلاته"؛ أي: أكثرُ صلاتِه من النوافل جالسًا.
* * *
855 -
وقال عبد الله بن مَسْعود رضي الله عنه: لقد عرفتُ النَّظائرَ التي كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يقرِنُ بينهن - فذكر عشرينَ سورةً من أولِ المُفَصَّل على تأليفِ ابن مسعودٍ رضي الله عنه سورتينِ في كلِّ ركعةٍ، آخرُهنَّ حم الدُّخان، وعمَّ يتساءلون.
قوله: "لقد عَرَفْتُ النَّظَائِرَ
…
" إلى آخره، (النظائر): السُّورُ التي تماثِلُ بعضُها بعضًا في الطول والقصر، ونظيرُ الشيءِ: مِثْلُه.
"يَقْرِنُ بينهنَّ"؛ أي: يجمعُ بين السورتين في رَكْعةٍ على تأليف ابن مسعود، يعني: جمع ابن مسعودٍ القرآنَ على نسقٍ غيرِ النسقِ الذي جَمعَ عليه القرآنَ زيدُ بن ثابت بإذن أبي بكرٍ على خلافته، ورضيَ به عمرُ وعثمان وعليٌّ وجميعُ الصحابة، والترتيب الذي يقرأ الناسُ القرآنَ عليه ويكتبونه في المصاحف من عهد الصحابة إلى يومنا هو الترتيب الذي جَمَعَ عليه القرآنَ زيدُ بن ثابتٍ، ولا يُلْتَفت إلى جمعِ ابن
مسعود؛ لأنه شاذٌّ، جمعَه بعد زيد بن ثابت، ولم يَتَّبعْه فيه أحدٌ.
وقد ذكر أبو داود رحمة الله عليه في "صحيحه" السورَ التي يَقْرِنُ بينهنَّ رسولُ الله عليه السلام في صلاته فقال: كان رسولُ الله عليه السلام يقرأ: (الرحمن)(والنجم) في ركعة و (اقتربت) و (الحاقة) في ركعة، و (الطور) و (الذاريات) في ركعة، و (إذا وقعت) و (نون والقلم) في ركعة و (سأل سائل) و (النازعات)، و (ويلٌ للمطففين) و (عبس) في ركعة، و (المدَّثِّر) و (المزَّمِّل) في ركعة، و (هل أتى) و (لا أقسم بيوم القيامة) في ركعة، و (عم يتساءلون) و (المرسلات) في ركعة، و (الدخان) و (إذا الشمس كورت) في ركعة.
قال أبو داود رحمة الله عليه: هذا تأليف ابن مسعود رضي الله عنه.
* * *
مِنَ الحِسَان:
856 -
عن حُذيفة رضي الله عنه: أنه رَأى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يُصلي من الليلِ فكانَ يقولُ: "الله أكبر - ثلاثًا - ذا الملكوتِ والجَبَرُوتِ والكبرياءِ والعظَمةِ"، ثم استفتحَ فقرأ البقرةَ، ثم ركعَ فكانَ ركوعه نحوًا من قيامه يقول:"سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم"، ثم رفع رأسه فكان قِيامُه نحوًا من ركوعِه يقولُ:"لِرَبي الحمدُ"، ثم سجدَ فكان سُجودهُ نحوًا من قيامِهِ يقول:"سبحانَ ربي الأعلى"، ثم رفعَ رأسَه، وكان يقعدُ فيما بينَ السجدتينِ نحوًا من سجودِه يقولُ:"ربِّ اغفرْ لي ربِّ اغفرْ لي"، فصلَّى أربعَ ركعاتٍ قرأَ فيهنَّ البقرةَ وآلَ عمرانَ والنساءَ والمائدةَ.
قوله: "ذو الملكوت والجبروت
…
" إلى آخره، (الملكوت): الملكُ (الجبروت): العظمةُ، "نحوًا"؛ أي: مِثْلًا.
* * *
857 -
عن عبد الله بن عَمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قامَ بعشْرِ آياتٍ لم يُكتبْ من الغافلينَ، ومَن قامَ بمائةِ آيةٍ كُتِبَ من القانتينَ، ومن قامَ بألفِ آيةٍ كُتب من المُقَنْطِرين".
قوله: "من قام بعشر آيات"؛ أي: مَن قرأ في صلاته عشرَ آيات على التدبُّر والتأنِّي "لم يُكْتَبْ من الغافلين"؛ لأنه مَنْ فعلَ هذا لم يكنْ غافلاً.
"كُتِبَ من القانتين"؛ أي: المطيعين، أو المُطَوِّلِين في القِيَام؛ لأنَّ معنى القُنُوتِ: الطاعةُ وطولُ القيام.
"من المقنطرين"؛ أي: مكثرين الثوابَ، ومن الأغنياء من الثواب، كالأغنياء من المال.
و (قَنْطَرَ): إذا جمع مالًا حتى صار قِنْطَارًا أو أكثر، والقِنْطَارُ سبعونَ ألف دينار.
* * *
858 -
وقال أبو هريرة رضي الله عنه: كانت قراءَةُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بالليلِ يرفعُ طَوْرًا ويخفضُ طَوْرًا.
"يرفع طورًا ويخفض طورًا"؛ أي: مَرةً يرفعُ، يعني: مرةً يرفعُ صوتَه، ومرة يخفضه.
* * *
859 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت قراءةُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم على قَدْرِ ما يَسمعُهُ مَن في الحُجرةِ وهو في البيت.
قوله: "كانتْ قراءةُ رسولِ الله عليه السلام على قَدْر ما يسمعُه
…
" إلى
آخره؛ يعني: لا يرفعُ صوتَه كثيرًا، ولا يُسِرُّ بحيث لا يسمعُه أحدٌ، وهذا في صلاة الليلِ في بيته، وأما في المسجد يقرأ في الصلاةِ ويرفَعُ صوتَه أكثرَ من هذا.
* * *
860 -
عن أبي قَتادة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا أبا بكرٍ، مررتُ بكَ وأنتَ تصلي تخفِضُ صوتَك"، قال: قد أَسْمَعْتُ مَن ناجَيتُ يا رسولَ الله، وقال لعُمر:"مررتُ بكَ وأنتَ رافعٌ صوتَك"، فقال: أُوقِظُ الوَسْنَان وأَطردُ الشيطانَ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"يا أبا بكرٍ، ارفعْ مِن صوتكَ شيئًا"، وقال لعمر:"اخفِضْ من صوتِكَ شيئًا".
قوله: "قد أَسْمَعْتُ مَن ناجيتُ
…
" إلى آخره؛ يعني: أناجي ربي وهو سميعٌ لا يحتاجُ إلى رَفْع الصَّوْت.
"أوقظ"؛ أي: أَنَبهُ "الوسنانَ"؛ أي: النائمَ، "وأطْرُدُ"؛ أي: أُبْعِدُ، وهذا الحديث يدلُّ على أن الإسراف والتقصير غيرُ محمودٌ، بل خير الأمور أوْسَاطُها.
* * *
861 -
عن أبي ذر قال: قامَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حتى أَصْبَحَ بآيةٍ، والآيةُ:{إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} .
قوله: "قامَ رسولُ الله عليه السلام حتى أصبحَ بآيةٍ، والآيةُ: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ} "؛ يعني: يكرِّرُ هذه الآيةَ ويفكِّرُ في معناها وحصلَ له من معانيها ذوقٌ، ومعنى الآية أنَّ عيسى عليه السلام ناجَى ربه وقال:(إن تُعَذِّبْ أمتي فإنهم عبادك، والربُّ إذا عاقبَ عبدَه لا يلومُه أحدٌ إذ لم يكن ظلمًا، وفعلُك لا يكونُ ظلمًا)؛ لأن الظلمَ عصيانُ من تجبُ طاعتُه وليس فوقَك أحدٌ حتى تكونَ ظالمًا بعصيانِه، وأن تغفرَ لهم فإنك أنت العزيز الحكيم.